-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 12


 رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل الثاني عشر

" دون قيد أو شرط" 



لا يمكنها أخذ قوله إلا على محمل المزاح ليس أكثر ، ورغم ذلك توترت تلك العضلة قرب فـ ـمها بعدما أمعنت النظر بوجـ ـهه ورآت معالم الجدية تكتنفه قاطعة أى شك لديها بأنه يمزح معها ، حاولت إستجلاب ما ترطب به جوفها بعد ذلك الشعور بالدهشة الذى ساهم بجعلها تشعر بذلك الجفاف بفـ ـمها وحلقها ، ولكن كأن توترها وإرتباكها ساهما بأن تفشل بفعل ذلك ، أغلقت عيـ ـنيها وفتحتهما عدة مرات ، لعلها تعيد التركيز والتمعن بما قاله ، ولم تحصل على إجابة ، سوى أن أدم ربما يفعل ذلك من أجل غرض الإستيلاء على بعض الأموال الخاصة بتلك العائلة العريقة والثرية ، فالثراء الفاحش لتلك العائلة ، جعلها مطمع للكثير من الناس ، ولكن حتى لو كان ذلك غرضه ، فبإمكانهم كشف الحقيقة بأتفه الطرق ، حتى إن كان أفراد العائلة أثرياء ولا يشكل خسارة بعض الأموال فارق لديهم ، إلا أنهم ليسوا حمقى ليصدقوا أدم أو غيره 


رفعت راحتيها ومـ ـسحت وجـ ـهها ولكن علقت أصابعها قريباً من ثغرها ، ربما لتستطيع إخفاء فـ ـمها الذى فغرته بدهشة ، بعدما عادت لتفكر فى الأمر بجدية ، ولم تأتيها تلك اللمحة من أن ربما أدم محقاً بما قاله ، إلا عندما تذكرت تلك القصة التى قصها عليها راسل من أن عاصم وقع ذات مرة بشرك إمرأة أجنبية وساهمت بتحطيم علاقته بغزل ، وكان ذلك أحد الأسباب لفراق عاصم وغزل طوال أعوام طويلة ، وتأكدت من الأمر عندما سمعت هذا الحديث من غزل بإحدى الجلسات النسائية بحديقة القصر ، فلو صح ذلك ، ستندلع حرب أخرى غير تلك الحرب التى إندلعت بعودة راسل 


سهواً قضمت ظفرها وقالت بنبرة متقطعة:

– ا ا بـ ـن عا صـ ـم النعمانى إزاى يعنى ، أكيد أنت بتهزر يا أدم 


أمعن أدم النظر بها ورفع حاجبه ، دلالة على أنه لم يأخذ بدهشتها المزيفة ، إلا أنه رد قائلاً بهدوء :

– أنا عارف أنك متأكدة إن مبهزرش يا حياء ، وأكيد سمعتى عن اللى حصل زمان بين عاصم النعمانى والست الأجنبية اللى قضت معاه ليلة فى فندق ، وكانت السبب فى أن جوازته تبوظ من البنت اللى كان بيحبها وإسمها غزل الزناتى 


تعالت وتيرة أنفاسها المضطربة ، والتى راحت تنخر برئتيها كالخناجر ، إلا أنها عززت الأمر إلى أن ما حدث من خلاف بين العائلتين يعلم به الكثير من الناس ، وربما علم هو أيضاً من حديثه مع أحد لرغبته فى معرفة كل شئ عن محيط تلك العائلة التى تنتمى إليها ، وإستطاع حبك قصته متذرعاً بأنه هو نتاج تلك الخطيئة التى حدثت بالماضى ، ولم يغفل عن شئ كون أن عمره الذى ربما تخطى الخامسة والعشرون ببضعة شهور كان الأنسب لأن يكون العمر المفترض لإبن عاصم النعمانى من تلك المرأة الأجنبية 


تسلحت حياء بقوتها وعدم تصديقها لذلك الهراء الذى تفوه به ، فردت قائلة بتهكم :

– ما اللى أنت بتقوله ده أكيد فى ناس كتير عرفاه لأن حصل خلاف كبير وقتها بين العيلتين ، يعنى اللى بتقوله ده مش دليل ولا كافى إن أصدق اللى قولته يا أدم 


هو متيقن من أن لا أحد سيصدقه ، ولن يقبل أحداً من أفراد تلك العائلة بأن ينتمى إليهم بحكم تلك الدماء والنسب المجهول الذى يحمله ، ولكنه لم يشى ويفشى بأمره لها ، إلا لأن تعلم بأنه ليس غريباً ، بل بحكم العادات والتقاليد الشرقية فهى زو جة عمه ، ولا ينكر أنها راقته كثيراً أول مرة رآها بها ولم يكن يعلم من تكون ، ولكن ما أن علم أن زو جها والذى من المفترض أنه عمه كونه إبن عم والده الحقيقى ، إستمات بالتقرب منها ، لعلها تكون هى خطوته الأولى بأن يدخل ذلك القصر العريق ، والذى يحكمه رجل سمع عن سلطانه ورده الحقوق لأصحابها ، فهو صاحب حق حتى وإن كان لم يعلم به إلا من وقت قريب 


زفر أدم زفرة مطولة ورد قائلاً بهدوء وهو يحدق بتلك الصخرة الكبيرة والقريبة منهما :

– أنا عارف أنك مش هتصدقينى ، ولا أنا قولتلك علشان عايز منكم حاجة ، أنا مش عارف ليه قولتلك ، مع أن كنت ناوى أسافر فرنسا بعد يومين ، وأحاول أنسى أن شوفتك أو عرفت أن جو زك المفروض يبقى عمى ، أنا ماما قالتلى على اللى حصل زمان وأن فى واحد هو اللى طلب منها تعمل كده فى عاصم النعمانى مقابل أنها تاخد منه مبلغ مالي ، وفعلاً عملت اللى طلبه منها ، رجعت فرنسا وبدأ مشروعها الخاص للعطور ، بس معملتش حساب أنها تحمل فى طفل من ليلة قضتها مع واحد مكنش فى وعيه ولا حاسس بحاجة ، كبرت وأنا أعرف أن والدى مات بعد ما اتولدت بكام شهر ، لحد ما ماما تعبت وقبل ما تموت  قالتلى على الحقيقة كلها ، وأن والدى الحقيقى مصرى وإسمه عاصم النعمانى بس هو ميعرفش ان له ابن ولا كان له ذنب فى اللى أمى عملته ، علشان كده فكرت أسافر من غير ما أقابله ولا أعرفه إن أنا إبنه ، لأن مش حابب أعمله مشاكل زى ما حصل زمان 


إن حاولت مهاجمته والطعن بحديثه ستكون ظالمة ، لأنه لم يحاول أن يبدى لها نوايا سيئة من تصريحه بنسبه لعائلة النعمانى ، حتى ذلك الأمر المتعلق بالمال ، عادت وتذكر أنه شاب ثرى ومطرب مشهور ويربح أموالاً طائلة ، لذلك لن يكون المال همه الأول ، ولكن خشيت التفكير بذلك الإحتمال ، الذى سيضفى على معرفته بها شرعية ، ترى أنها بغنى عنها ، فإن علم الجميع بمن يكون ، فربما لن تجد لدى عاصم أو رياض مانعاً لأن يقيم معهم بالمنزل ، خاصة أن عاصم ربما سيبتهج قليلاً لعلمه بأن لديه إبناً شاباً كأدم ، وهو من يعيش حالياً بدون أولاد 


حدقت به لثوانِ وما لبثت أن تساءلت بفضول :

– طب أيه اللى خلاك تقولى على حقيقتك ده طالما كنت ناوى تسافر من غير ماحد يعرف الحقيقة إذا كان اللى قولته حقيقة فعلاً


ركل أدم الأرض الرملية بحذاءه وتنهد بعمق ورد قائلاً بحيرة :

– مش عارف حياء ليه قولتلك ، جايز أرتحتلك ، أو جايز  أنا ....


رفعت يدها دلالة على أنها لا تريد سماع سبباً أخر سيساهم بتعقيد أمورها ، فبتر أدم حديثه على الفور وإلتزم الصمت الذى نمى بينهما وأرتفعت أسواره حتى ظن كل منهما أنه يقف على الشاطئ بمفرده دون أن يرى الأخر ، وكل منهما يحاول إعادة التفكير بما سمعه ، ولكن كان النصيب الأكبر من الحيرة من نصيب حياء ، التى لم تكتفى بالتفكير فى مغزى حديثه ، بل رآت أن إنصرافها خير حل لها ، فلو ظلت وقتاً أكثر ، سيصبح ذهولها مما سمعته لا يصدق ، ومن الممكن أن تحاول أن تطلق تلك الصرخة الخفيفة التى إختزنتها ولم تستطع إطلاقها بوقتها 


سارت على الرمال الذهبية والتى تركت الشمس لهيبها بين طياتها ، ونظرت لمكان سيارتها وكأن يستلزمها وقتاً طويلاً وجهداً لتصل إليها ، وقدميها تسعفها بالسير كطفلة صغيرة بدأت أولى خطواتها حديثاً 


أخيراً وصلت للسيارة ولا تعلم هل هى قادرة على قيادتها لتعود للمنزل ، أم هى بحاجة للمساعدة ؟ جاءتها الإجابة محمولة على نسمات الهواء وقت المغيب ، إذ سمعت صوت عاصم متسائلاً :

– حياء أنتى كنت بتعملى ايه على الشط دلوقتى ومين اللى كان معاكى ده


شهقت حياء بخوف بعد سماع صوته ، إذ أنها لم تراه قادماً ولم تنتبه على وجوده إلا بعدما سمعت صوته ، رفت جفونها عدة مرات وكأنها مازالت واقعة تحت تأثير صدمتها بما سمعته من أدم 


فرفعت ذرا عها وأشارت حيث يقف أدم قائلة بتلعثم :

– دا دا يبقى ، بيقول أنه ، هناك واقف


لم يفهم عاصم شيئاً من حديثها المتلعثم ، فهى تهذى كأنها أصيبت بضربة شمس ، فسألها بصدق نابع من خوفه أن تكون مريضة :

– حياء أنتى تعبانة ولا إيه ؟ أوديكى المستشفى ؟


حركت حياء رأسها نفياً على أنها تشعر بالمرض ، وحاولت إيهامه بأنها تشعر بألم طفيف بالرأس سرعان ما تبرأ منه بتناول أحد أقراص الدواء ، فعرض عاصم عليها أن يجعل أحد رجاله يقود سيارتها لغياب سائقها اليوم ، ولكنها رفضت عرضه وأخبرته بأنها على ما يرام وستعود للبيت على أن يتبعها هو ورجاله بسيارتهم 


جلست خلف المقود ونظرت من النافذة لترى هل أدم مازال يقف عند الشاطئ أم رحل برحيلها ؟ ولكنها لم تجد له أثراً ، فمن السخرية أن يكون الإبن والوالد بمكان واحد ولكن لا يعرف عاصم بوجوده ، ولكن باتت هى همزة الوصل بتلك القصة ، التى أقحمها بها أدم بإعتراف بسيط منه أنه يحمل دماء أحد رجال عائلة النعمانى ، حتى إن فكرت ألا تخبر عاصم بالأمر ، فكيف يمكنها إخفاء الأمر عن رياض ، والذى لا تعلم كيف ستكون حالته بعد سماع ما لديها ، خاصة أنه بتلك الأونة مشغول البال بولده راسل ، ولا ينقصه أن تأتيه كارثة جديدة يجب عليه أن يجد لها حلاً ، كون أن رجال تلك العائلة مجتمعون على صفة واحدة وهى أن أبناءهم لابد لهم من حمل كنية العائلة حتى لو تم إنجابهم عن طريق غير مشروع 

❈-❈-❈


يكاد يطير فرحًا وهو يصف سيارته أمام منزل حبيبته ، فالصدفة لعبت معه دوراً هاماً ، إذ وجد هاتف والدة ياسمين بسيارته بعد أن قام بتوصيلهما من المشفى ، ولم يكتشف الأمر إلا بمحض الصدفة عندما سمع رنين الهاتف المتكرر ، فوجده أسفل المقاعد الخلفية لسيارته ، وعندما فتح الهاتف بوقتها سمع صوت رجل يخبره بأن ذلك الهاتف خاص بزوجته ويريد منه إعادته ، مناشداً به طباع الطيبة والشهامة ولن ينسى مكافأته إذا أعاده إليهما ،

لم يتوانى ديفيد عن إخباره بأنه سيعيد الهاتف له عندما تسنح له الفرصة ، إذ جاء أمر إعادة تلك الفتاة لإيطاليا معرقلاً لرغـ ـبته فى أن يذهب لبيت ياسمين ، وما أن أوصلها للمطار وتأكد من إقلاع الطائرة ، أخذ سيارته وذهب لمنزل الإمام يحدوه الشوق برؤية ياسمين مرة أخرى 


خرج من السيارة ولم ينسى تعديل هندامه كأنه ذاهباً لخطبتها ،  ولكن ما أن تذكر أنها لن يكون بإمكانها أن تراه ، أنقبضت ملامحه بألم ، ولكن سريعاً ما فكر أن تلك الخطوة ربما تساهم بتقربه من أسرتها ، خاصة إذا أظهر لهم مدى شهامته وأمانته ،


ولج للداخل ودق الجرس ، وأنتظر بضع لحظات قبل أن يرى صاحب المنزل يفتح له الباب 

إبتسم الإمام قائلاً ببشاشة كعادته :

– أيوة يا ابنى خير 


بادله ديفيد الإبتسامة بأخرى أشد صفاء ونقاء ورد قائلاً بتهذيب غير معتاد :

– حضرتك أنا اللى وصلت المدام وبنتك والتليفون وقع فى عربيتى ، أنا أسف أن اتأخرت عليكم بس كان عندى مشاوير ضرورية وعلى ما فضيت وجبت على طول علشان أرجعلكم التليفون أتفضل حضرتك 


مد ديفيد يده بجيب بنطاله وأخرج الهاتف وناوله له وهو مازال مبتسماً ، إلا أن عيـ ـناه رغماً عنه راحت تبحث عنها من خلف أبيها الذى سد الباب بقامته الطويلة نسبياً  يتمنى لو أن يراها قبل رحيله ، فربما والدها لن يدعه يلج للمنزل ، ولكن لدهشته رآى والد ياسمين يتنحى جانباً يدعوه للدخول ، بالبداية لم يصدق دعوته الصريحة له ، ولكن إندفع برغـ ـبة قلبه فى أن يقبل الدعوة بكل سرور 


وصلا للصالة فقال الإمام بإبتسامة بشوشة :

– أتفضل أقعد يا ابنى على ما جبلك حاجة تشربها 


جلس ديفيد على الأريكة وضم كفيه وأطرق برأسه ، يظهر حسن نواياه بإتباع الأداب اللازمة للزيارة وأن لا يرفع وجهه ولا يتلصص على ساكنى البيت 


ما أن إبتعد الإمام عن الصالة ويبدو أنه ولج للمطبخ ، تمنى لو أن يراها تخرج من غرفتها أو يسمع صوتها قبل مغادرته ، إنتظر دقيقة وثلاثة وخمسة ولم تظهر بعد ، فتملكه الإحباط الشديد ، ولكن إستطاع رسم تلك الإبتسامة وهو يرى الإمام يعود إليه حاملاً صينية عليها كوبان من المشروبات الغازية


وضع الإمام الصينية من يـ ـده على الطاولة الصغيرة ، وناول ديفيد كوبه وجلس على مقعد قريب منه وهو يقول بهدوءه المعتاد :

– منور البيت يا إبنى ، وشكراً على أمانتك ودى حاجة بسيطة نظير أنك رجعتلنا الموبايل 


أخرج الإمام نقود من جيب جلبانه ودسها بيـ ـده ، تعجب ديفيد من فعلته ، وأعاد إليه النقود وهو يقول برفض وإندفاع :

– حضرتك أنا مش عايز فلوس ، أنا عايز بنتك


جحظت عينىّ الإمام ، وأنتفض واقفاً وصاح بوجهه قائلاً بإستنكار :

– بتقول إيه أنت ، إيه عايز بنتى دى كمان ، أنت مجنون 


أدرك ديفيد حماقته ورعونته بما تفوه به ، فنهض عن مكانه قائلاً بتوضيح :

– حضرتك فهمتنى غلط ، أنا مقصدش حاجة وحشة ، بس أنا من ساعة ما شوفت بنتك ومكدبش عليك وأنا أرتحتلها وكنت عايز أتجوزها 


حملق به الإمام مشدوهاً ، كيف يريد الزواج من إبنته وهى عمياء ، غير أنه لم يراها سوى مرة واحدة ، فسكن الشك بقلبه ورد قائلاً بحذر :

– أنت إيه حكايتك بالظبط ، أنا مش فاهم منك حاجة 


أشار ديفيد إليه بالجلوس ولم يجد مفر سوى أن يخبره بتلك القصة القديمة والهوية المزيفة ، التى من خلالها قابل ياسمين أول مرة ، فبدأ يسرد له القصة حسبما يريد هواه مكتفياً بعدم ذكر أنه هو المتسبب بما حدث لها :

– أنا مش هكدب عليك بنتك أنا شوفتها من أكتر من سنتين لما كانت بتشتغل فى مجال الديكورات ، كنت لسه راجع من بلاد برا وكنت هفتح مكتب للشحن البحرى ، عجبتنى بس عرفت أنها مخطوبة ، فنسيت الموضوع وسافرت ، ولما رجعت تانى قابلتها بالصدفة هى ومامتها فى المستشفى ، فالصراحة كذبت عليهم وقولتلهم إن أنا بشتغل على عربية أوبر علشان أوصلهم لأن مكانش فى عربية توصلهم ، ولما عرفت أنها سابت خطيبها ، رجع ليا الأمل تانى أنها تكون من نصيبى ، وحضرتك أنا مستعد أتجوزها ، فياريت توافق


مـ ـسد الإمام على لحيته الكثيفة وهو يفكر فيما سمعه منه ، فما معنى أن يستميت للزواج من إبنته وهى بتلك الحالة الصحية ، نظر لمسبحته ورد قائلاً بهدوء:

– بنتى زى ما أنت شوفت كده ، ومظنش أنها توافق على الجواز وهى بحالتها دى ، لأنها رفضت قبل كده أنها تتجوز ، قالت أنها مش عايزة تبقى عبأ على جو زها ، فأسف يا إبنى معنديش بنات للجواز ، شرفتنا 


رمقه ديفيد برجاء قائلاً بنبرة متوسلة :

– ليه بس حضرتك بترفض ، أنا مستعد أتجوزها بظروفها وعلى فكرة أنا غنى وممكن أعالجها فى أحسن مستشفيات أنا بجد بحبها ومش فارق معايا أى حاجة غيرها هى بس


ظل الإمام على رفضه ، بل أنه رفع يـ ـده يشير له بالإنصراف ، وضع ديفيد الكوب من يـ ـده ، وهو يشعر بمهانة رفض الإمام له ، حتى وإن كان رفضه لم يحمل طابع الإهانة أو التعنت ، ولم يظهر به سوى أنه لا يريد أن تكون إبنته زو جة وهى تعانى من فقدان البصر 


خرج ديفيد من منزل الإمام وهو لا يلوى على شئ ، سوى أنه يريد ياسمين بأى وسيلة أو طريقة سواء كانت ممكنة أو غير ممكنة ، وصل لسيارته وحاول تفريغ شحنة غضبه ، فظل يركل إطار السيارة حتى شعر بالألم فى قـ ـدمه ، وضع يـ ـديه بخصره وظل يزفر أنفاسه تباعاً ، فنظر للشرفة وعقله لا ينفك عن التفكير فى إيجاد حل للحصول على معشوقته ، فحتى وإن كان بنيته أن يتبع الدين الإسلامى من أجلها وأن يحصل على إسم وكنية جديدة ، إلا أن والدها وضع النهاية لتلك القصة قبل بدايتها ورفض أمر زواج إبنته من أى شاب كان بحجة أنها هى التى لا تريد الزواج ، ولكن هو لن يكون كأى رجل أو شاب أخر ، وسيعمل على دلالها ورعايتها وأن يقدم لها حياة رغيدة ، وأن يجعلها منعمة بتلك الأموال الطائلة التى يمتلكها ، فالحل الوحيد الذى إهتدى إليه عقله ، أنه سيتزوجها سواء تم الأمر بموافقتها أو إنه سيستخدم الحيلة لأن يجعلها توافق بالأخير ، متذرعاً بأن كل شئ مباح فى سبيل الحصول على حبه الأول ، وبعد أن أخذ ذلك القرار صعد للسيارة وقادها وهو يضع أولى خططه التى سيبدأ بها على أن تكون ياسمين بالنهاية هى الغنيمة 

❈-❈-❈


لم يشعر عمران برغبة فى تناول العشاء ، لذلك أصر على شقيقه معتصم أن يتركه بحاله وألا يحاول إزعاجه أثناء وجوده بغرفة المكتب لدراسة بعض الأوراق الخاصة بالعمل ، وسيكتفى بوجود مراد الصغير معه بالغرفة ولا يريد شئ أخر ، فكلما نظر بالأوراق عاد وتطلع للصغير الذى يفترش الأرض أمام المكتب الخشبى ، وتراصت أمامه العديد من الألعاب والدمى والتى حصل على نصفها تقريباً منه 


حول عمران بصره عن إبن شقيقه ونظر لتلك الدمية التى وضعها على أحد الأرفف الموجودة بغرفة المكتب ، فتلك الدمية إشتراها منذ ما حدث بينه وبين زوجته ، ووضعها بمنأى عن الجميع ، يحدوه الأمل بأن تعود إليه ميس وأن ينجبا ثانية طفلاً وتكون تلك الدمية هى لعبته الأولى التى يحصل عليها منه ، ولكن ها قد مرت الأيام والشهور ومازالت الدمية موضوعة بمكانها ولا تقربها يـ ـد سوى يـ ـداه 


نفخ بضيق قائلاً وهو يضع رأ سه بين راحتيه:

– أنا هفضل كده لحد ما أتجنن ولا إيه 


شعر بالإختناق فجأة ، ففتح أحد أزرار قميصه ، ولم يكن ذاك الإختناق ناتجاً إلا من ذلك الشعور بالإشتياق لزو جته ، فإلى مدى سيظل يحارب إشتياقه إليها ، أو إذا صح القول لمتى ستظل على عنادها وتتركه هكذا يتلظى بنيران الهجر والإشتياق ، وكيف طاوعها قلبها أن تتركه كل هذه المدة ؟ فهو يقسم أن ما رآه منها من حب وتعلق بوجوده وهى ما كانت تزال زوجته وتقيم معه بمنزله ، إنها كانت ستعود إليه بصباح اليوم التالى لتلك الليلة التى قام فيها بإيصالها لمنزل عائلتها ، ولكن ها هى تقيم هناك منذ أكثر من عامين


دون إدراك ووعى كافِ منه ، كان يلتقط هاتفه من على سطح المكتب ، فتح الهاتف وأجرى إتصالاً بميس وتمنى أن تجيبه ، فجاءه الرد بعد بضع لحظات وهى تقول بصوتها العذب:

– ألو أيوة يا عمران فى حاجة ؟


– وحشتينى أوى يا ماسة ومحتاجلك ، لسه مش عايزة تسامحينى

قال جملته همساً مدفوعاً بذلك الشعور من الإحتـ ـراق الذى عاث بفؤاده إضطراباً 


لم يسمع منها رداً ، حتى ظن أنه فقد إتصاله بها ، وعندما طال صمتها ، ضم شـ ـفتيه وما لبث أن قال بمرارة :

– شكلى عطلتك عن شغلك يا ميس مع السلامة 


كادت تجيبه ميس أنها مازالت تسمعه ، ولكن أنقطع الإتصال بينهما ، بعدما عمل عمران على إغلاق هاتفه ، ولكنها لم تشأ أن تنهى حوارهما تلك المرة كسابقيها ، فمنذ رؤيتها لليالى معه بالمطعم وهى كأنها بقفير نحل من شعورها العارم بالغيرة ، لذلك أجرت به إتصالاً مدفوعة برغــ ـبتها بأن تعلم ما بينه وبين تلك المرأة المدعوة ليالى 


ما أن علمت أنه الآن بإمكانه سماعها بعدما أجاب على إتصالها ، قالت بلهجة غيورة :

– أنت ما صدقت وقفلت التليفون ولا يكونش أنت مشغول بمكالمة تانية من مدام ليالى 


رد عمران قائلاً بنبرة حانية هامسة :

– وحشتينى يا ميس 


تساقطت حروف عبارته على مسامعها كقطرات الغيث التى أطفأت تلك النيران المشتعلة بغابات خضراوتيها ، أرتجفت شـ ـفتيها بعدما سكنتها حروف إسمه الملازمة لتلك العبارة التى يتردد أصداؤها بقلبها " وأنت كمان وحشتنى أوى يا عمران ''


ولكن خانت العهد كعادتها وردت قائلة بإمتعاض :

– باين أوى إن وحشتك ، بدليل أنها كانت بتشوفلك الكف فى المطعم مش كده يا عمران بيه 


تناهى إلى مسامعها صوت ضحكته المكبوتة ، فها هو ينجح للمرة الثانية فى إستغلال غيرتها أسوء إستغلال ، وقبل أن تعرب عن سخطها لما يفعله ، سمعته يقول بدهاء كعادته معها :

– أنتى لسه بتغيرى عليا يا ماسة ، يبقى لسه بتحبينى صح ، أنا بس عايز أقولك أن لا ليالى ولا غيرها تقدر تاخد مكانك أنتى فى قلبى يا ماسة عمران ، مش هتحن عليا بقى يا جميل ولا هبقى على رآى معتصم هنتقابل على المعاش


أفلتت منها ضحكة بعفوية ، لتذكرها أمور المزاح الخاصة بمعتصم ، فردت قائلة بإبتسامة :

– أبقى سلملى على ولاء ومعتصم ومراد سلام يا عمران 


أنهت المكالمة قبل أن يتخذ الحديث بينهما منحنى أخر ، كذلك المنحنى الخطر ، الذى سيجعلها بالأخير تغفر له ما حدث منه بحقها ، ولكنها حقاً لاتريد منحه الغفران إلا إذا إستطاع التخلص من تلك الطباع الهمجية التى تشعر بالنفور منها ، فلما لا يكون دائماً عمران ذلك الرجل الذى وقعت بعشقه لتمتعه بخصال الرفق واللين معها ، فهى لا تريد رؤية ذلك الجانب الغير أدمى به مرة أخرى ، وإلا لن يعود بإمكانهما أن يعودا لما كان عليه من حب ووئام


خرجت لشرفتها ونظرت للأسفل وجدت حياء تسير بحديقة المنزل على غير هدى كأنها شاردة ، فقررت الذهاب إليها ، لعلهما يتحدثان سوياً وتعلم ما يشغل بالها 


خرجت من غرفتها وآثناء مرورها بتلك الردهة الجامعة بين غرف الطابق الثانى ، سمعت صوت أنين صادر من إحدى الغرف ، ففتحت الباب على الفور وجدت ساندرا متسطحة على الأرض وتضم ركبـ ـتيها لصـ ـدرها ويرتجف جسدها كأنها أصيبت بماس كهربائى وتشنجت أعضاءها 


هرعت إليها ميس وجثت على ركبتيها بجوارها  ،رفعت  رآس ساندرا عن الأرض ونظرت إليها وتساءلت بخوف وهى تسمع صوت أنينها وأسنانها التى راحت تصطك ببعضها كأنها تشعر بالبرد الشديد :

– ساندرا فى إيه ومال جسمك عمال يترعش ليه كده فى إيه ردى عليا