رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 29
قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
عندما وجد متسعا من الوقت أمامه، إلى حين الموعد المحدد لجلسة العلاج النفسي السرية، قرر العودة إلى البيت، حتى يتحمم لينعش جسده وينفض عنه إنهاك العمل، ويبدل ثيابه بأخرى نظيفة، لتوجهه بعد انقضاء الجلسة إلى حضور عشاء عمل متفق عليه مسبقا. انتبه أثناء ارتدائه إلى آخر قطعة من بِذْلَته، خطوات "داليا" الراكضة إلى المرحاض، ضم ما بين حاجبيه بتعجب من إسراعها، ولكنه تفقه السبب حينما استمع إلى صوت استفراغها، انتهى من عقد رابطة عنقه، وتوجه إليها مباشرة لتفقد حالتها، عندما وصل إلى باب المرحاض، كانت قد انتهت وغمرت وجهها المرهق بالمياه، سألها باهتمام غير مبتذل، وهي تجفف وجهها بمنشفة الحمام:
-انتي تعبانة ولا إيه؟
وضعت المنشفة موضعها، وأجابته بهدوء وهي تمر من جانبه إلى الخارج:
-لأ مش تعبانة، ده عادي في الشهور الأولى.
عندما تيقن من عدم ميلها إلى التحدث معه، بل وثباتها على موقفها المُعاقِب له، اكتفى بهمهمة بسيطة في تفهم، وتوجه بغير تعليق متزايد نحو مرآة التسريحة، ليضبط شكل خصلاته، ويضع العطر الخاص به فوق ثيابه. بينما هي أراحت جسدها على كرسي كان قريبا من موضع وقوفه، كانت تناظره بعينين حمراوتين، فما فاق إعيائها، هو احتراق جسدها بنيران الغيرة، فمهما حاولت أن ترتضي بالأمر الواقع، وبكونه متعدد العلاقات النسائية منذ عشقته، إلا أنها تفشل في القبول بذلك، خاصة بعدما أصبحت زوجة وأما لأطفاله، تعزز بداخلها نزعة تملك الأنثى برجلها، أرادت بطريقة أو بأخرى الاستفسار منه حول ما علمته، ولكيلا تفضح أمر مراقبتها له، فكرت في أن تتحايل عليه، وتجعل تساؤلها عن توجه تلك الساقطة له، مصادفة في منتصف الحديث. حسمت أمرها، وحمحمت بخفة كي تسلب انتباهه، وبعدما حصلت على مرادها، وانتقلتا حدقتا "عاصم" نحوها، حتى سألته بنفس النبرة الهادئة:
-انت خارج؟
وضع زجاجة العطر محلها، بعد وضع منها القليل، ثم رد عليها بإيجاز:
-أيوه.
التفت ليصبح كامل جسده -وليس نظراته فحسب- بمواجهتها، بللت شفتيها، حينما أبصرت انتظاره لمتابعة تساؤلاتها التالية، والمتوقعة بالنسبة له، ثم أطنبت على نفس الشاكلة المتواري خلفها تآكُل الفضول لوجدانها:
-عندك شغل؟
أكد بهمهمة وهو يتفرس بعينين مثبتتين فوق وجهها، محاولا قراءة تفكيرها، ولكن تعقدت ملامحه بشكل واضح حينما باغتته بسؤال مشبع بغيرة واضحة، وعبوس مزعوج لاح فوق وجهها:
-هي مي دي لسه بتشوفها؟
تعجب من إتيانها على ذكرها في ذلك الوقت بالتحديد، خاصة وأنه تلاقى بها قبل عودته، ضيق ما بين حاجبيه، وحرك وجهه بهزة مستفسرة وهو يسألها باستغراب:
-إيه اللي فكرك بيها دلوقتي؟
مطت شفتيها بحركة زيفت بها تلقائيتها، وردت عليه بادعاء مكذوب:
-عادي جت في بالي.
زم فمه في انزعاج كان غير مرئيا لها، لمحاولته الشديدة في الحفاظ على طور هدوئه، وقال لها ببرود وهو يتوجه نحو الكومود، حيث ترك فوقه هاتفه، وسلسلة مفاتيحة عند دخوله الغرفة:
-شكلك كده عايزه تتخانقي.
رأت أن رده مستفزا، وتهربا واضحا من الإجابة، خاصة مع علمها بحقيقة الأمر، علقت باستنكار متخذة نفس المنوال الهادئ معه:
-وهتخانق ليه! هو انت لسه بتشوفها؟
أسلوبها في التحدث بتلك اللهجة الهادئة، رغم التحفز المنبجس من تساؤلها، اثبت له أنها تحاول افتعال مشكلة بينهما، لذا شحذ طاقة تحمله، حتى يبقى متريثا في رده عليها، مرددا:
-لأ يا داليا، في اسئلة تانية عايزه تجري بيها شكلي؟ ولا تسيبيني هادي وامشي من سكات أحسن.
افترش الشجن وجهها، من كذبه بشأن ما تيقنت من حدوثه خفيةً، نهضت عن الكرسي، وناظرته بعينين امتلأتا بالخيبة، وقالت له بنبرة اختلفت تماما عن سابقتها:
-امشي يا عاصم، امشي أحسن.
خرجت من الغرفة بعد ردها الذي شعر "عاصم" منه بالحيرة، فنفيه لرؤيته للأخرى من المفترض أن يرضيها، لا أن يحزنها كما بدا من ملامحها التي انطفأت. ضم فمه وهو يزفر في ضجر، فلوهلة عجز عن فهمها، ولكن ما أصبح متيقنا منه، أن اجتماعهما لم يعد مريحًا مثل السابق، وغدا تبادل الحديث فيما بينهما يبعث في نفسه كل شعور خانق.
❈-❈-❈
الخوف من انقلاب كل ما سعى لتحقيقة رأسا على عقب، جعله متوترا، وأكثر اضطرابا نحو خطوة الخطبة المتسرعة. التفكير منفردا حول معرفة "عاصم" لذلك الأمر -قبل أن يخبره هو كما خطط- وجده عقيما، ولا يعود عليه بفائدة، أو يهدأ من حالة الارتباك التي أصابته، وعندما عجز رأسه عن التفكير بتؤدة، قرر الذهاب إلى "توفيق"، ليسترسل عليه ما دار، ويعلم منه تبعاته المتوقعة من وجهة نظره. بعدما أخبره بالمستجدات، غمغم له بقلق يشوبه الضيق:
-انا حاسس إني فتحت العين عليا بخطوبتي من سما.
رغم عدم ارتياح "توفيق" الواضح لتلك الخطبة، إلا أنه -بعد تفكير- رأى أنها ستخدم مصالحه الشخصية. عاد بظهره على مقعده، وهو ينظر للآخ من عليائه بنظر متغطرسة، وعقب بصوت أجوف مشبع بالمكر:
-بالعكس، أنت كده بتشيل أي شكوك من عليك، خصوصا لو عاصم عرف بزيارتك ليا هنا في بيتي، لكن بخطوبتك هتيجي وتخرج وقت ماتحب، من غير ماتكون خايف من أن حد يشوفك ويبلغ عاصم.
صمت "كرم" للحظات، يفكر فيما فاه به حماه، ثم سأله بقلق ما يزال ظاهرا في نبرة صوته:
-طب تفتكر عاصم هيقلق من وجودي في الشركة؟
رفع أحد حاجبيه، لتزداد نظرته شرا، ومكرا، وهو يخبره بكلمات ذات مغزى:
-ده هيعتمد عليك انت.
لم يكن "كرم" يملك من الحنكة، ما يجعله يلتقط مضمون كلمات الآخر على فور قولها، لذلك لم يستوعب ما ترمي له عبارته المبهمة، وتساءل باستفسار:
-ازاي؟
مد "توفيق" يده مطفئا سيجارته الكوبي في المنفضة، وبجمود، وجدية شديدة شرح له في استيضاح لئيم:
-موقفك مني لو اتغير قدامه هيخليه يقلق، وهيشوف إنك اخدت صفي خصوصا بعد خطوبتك لبنتي، لكن لو فضل موقفك هو هو، هيخليك عينه عندي وهيحتاج تنقله أخباري واللي بخططله، ومن الكلام اللي هيقوله ليك، وهتسحبه انت منه هنعرف احنا اللي بيخططله، لإن عاصم استحالة يسكت بعد وقوع المجمع السكني اللي كان ماسكه، واللي عارفة ومتأكد إن أنا السبب وراه.
نظر "كرم" في الفراغ بصمت، كأنما يستعرض ما قاله في رأسه، حتى رأى أنه ذو فكر سديد، واتفق معه في الرأي، فموقفه الكاره ل"توفيق" إن ظل أمام الآخر كما هو، سيعزز مجددا من ثقته، وسيزيل أي شكوك تكونت في رأسه نحوه، وإن سارت الأمور حسبما توقع "توفيق"، ولجأ له الآخر بالفعل في جعله يتجسس عليه، ويبلغه بما يُدبر من فخاخ لإيقاعه، سيكون "كرم" حينئذ ذراع "توفيق" الأيمن، وسيخول إليه كثيرا من المهام، إن وضع كامل ثقته به، وعن طريق ذلك سيعلو مركزه شيئا فشيء، حتى يظفر بمبتغاه في الأخير في الحصول على مكانة عُليا في امبراطوريته العظمى.
❈-❈-❈
التصريح، وإزاحة الستار عن ذكريات ماضية، بما تتضمنه من مواقف ليست بالهينة، وتركت تأثيرها السلبي في نفسه، أشعره بالكمد، والغم، وبدلا من أن يريحه الحديث كما ظن، جعل ثقلا شديدا يجثم على روحه. ضاق صدره، وامتلأ بكل شعور خانق بعد انتهاء الجلسة النفسية، لم يشعر بقدرته في الذهاب إلى حضور موعد عشاء العمل المحدد، اعتذر عن الحضور عبر الهاتف ببعض كلمات مقتضبة.
ظل في مكان نائٍ بسيارته لما يقرب من الساعتين، لم يرِد الاختلاط في تلك الأثناء بأي أحد من جنس البشر، راح يعيد في رأسه ما فاه به مع الطبيب، ويبحث بين طيات فكره عن الصواب من الخطأ في ذلك القرار التي نفذه فعليا، ومع الندم الذي انبجس بقوة بداخله من تعرية نفسه أمام غريب، حثه شعور آخر، في أعماقه على الاستمرارية، وعدم التوقف بعدما أقبل على تلك الخطوة الفارقة.
ولكنه -مع ذلك- لم يستطع أن يزيل من داخله تأثير استعادة أحداث كانت وما زالت جارحة، وقاسية. عجز أمام نهجان صدره عن تثبيط ذلك الاختناق. أول شيء أتي على باله، كما تعود، يهرب من خلاله من أي ضيق يداهمه، هو تناول المشروبات الكحولية. أدار محرك سيارته، وتوجه مباشرة إلى الملهى الليلي الذي اعتاد على السهر به فيما مضى.
ولكنه انقطع عن تلك العادة مؤخرا، لانقلاب حياته بشكلٍ بالغ الفترة الماضية، وتوالي المصائب على رأسه بتوالٍ رهيب، مما جعله فكره مضطربا، كما أن محاولات التغيير الماضية، كانت دافعا رئيسا في رغبته في تيقظ عقله دائما. إلا أنه رأى أن ذلك هو الحل الأمثل الحين، ليهرب من الواقع المرير. قضى ساعات الليل يحتسي الشراب المُسكر، حتى يذهب عقله عما يمر به، وعما يضنيه من حرب ضارية، ناشبة بين أفكار رأسه المتضاربة.
بعد مضي الكثير من الوقت، انتبه إلى الساعة التي قد تخطت الثالثة صباحا، قرر حينئذ العودة إلى البيت. ترنح جسده بصورة واضحة أثتاء سيره خروجا من الملهى الليلي، فقد أفرط في تناول الخمر، ومع ذلك ما يزال الاختناق كائنا في صدره، لم يزول أو يخف. أدار محرك سيارته، وقادها بلهوجة، الرؤية كانت مغبشة، وتحكمه في عجلة القيادة كان ضعيفا، فعينيه كانتا شبه منغلقتين، وأعصابه كانت خاملة.
ولكن لفروغ الطريق المسلوك من البار حتى بيته من السيارت المارة، كان منجيا له من التعرض لحادث كان محتوما إن شاركته سيارت أخرى في الطريق. أوقف السيارة في الحديقة، وترجل منها وهو يشعر بخدر يسري في جسده، جعله غير متزن الخطى وهو يدلف إلى الداخل، صعودا إلى غرفته. توقع من الساعة المتأخرة، أن تكون زوجته غافية، ولكنه تفاجأ قليلا حينما وجد -عند ولوجه الغرفة- المصابيح مضاءة، وكانت هي جالسة على الفراش، ترضع أحد الصغيرين.
تعجب لوهلة من وجوده، فقد انتقل برفقة توأمه مؤخرا إلى غرفة منفصلة، حيث تهتم بهما المربية أثناء الليل، وتعطي لهما رضعة صناعية، إضافية بجانب الرضاعة الطبيعية، كما أمر الطبيب، بسبب سوء حالة "داليا" الصحية، وضعفها العام، خاصة مع حملها الحالي. خلع سترته عنه وهو ينظر إليها بنظرات متفحصة، كانت عيناها متحاشيتين النظر له، ووجهها ما يزال على تكشيرته، ولكنه لم يعبأ بعبوسها كالمعتاد
فقد كان منشغلا بمهمة أخرى، وهو تفرس جسدها الذي كان مغريا من ثوبها القصير الملتصق. فليلته الفاسدة كانت تنتقص وجود عاهرة متمرسة، يفرغ بها شهواته الجامحة، والغير إنسانية. وهيئة "داليا" الذي صنفها جريئة، أيقظت به غرائزه الحيوانية. بعدما فرغت من إرضاع الصغير، وانتبهت إلى تركه صدرها، أخفت نهدها خلف ثيابها، ونهضت لتضع طفلها في فراشه. في تلك الأثناء كانت رغبته قد وصلت إلى ذروتها.
وضع السترة على الأريكة بإهمال، وسار نحوها وتفكيره أصبح مختزلا على شيء محددٍ. التفتت هي بتلقائية منها لتعود إلى فراشها، لتخلد إلى النوم، بعد انقضاء يوم متعب من جميع الجهات. حال دون تحركها محاوطته المفاجئة لخصرها، تفاجأت من فعلته، وتلوت بين يديه، في محاولة بائسة لفك حصاره عنها، ولكنه كان آبيا، حينئذ انزعجت من تحجيمه لها، وهتفت في ضيق:
-عايز إيه؟
تغاضى عن رنة الغضب الظاهرو في صوتها، وألصقةحسده أكثر به، وهو يستنكر تساؤلها بصوت هامس:
-في واحدة تقول لجوزها عايز إيه وهما في أوضة نومهم؟
من تحسسه لجسدها بتلك الطريقة السافرة، تفقهت ما يريد، وضعت يدها فوق ذراعه، وبينما تحاول فك قيده له، قالت له برفض صريح:
-مش قادرة النهارده، معلش خليها مرة تانية.
تعقدت ملامحه من ردها الجامد، وامتناعها عن تلبية ندائه، أدار جسدها ليصبح وجهها مقابلا له، وناظرها بغير رضاءٍ وهو يعقل على ما قالته باستهجان ملأ صوته الأجش قليلا إثرا لسُكره:
-هو إيه اللي خليها مرة تانية؟ أنا بعزمك على العشا؟ اظبطي كده وفكي شوية عشان انا بتخنق من الجو ده.
امتعضت ملامح وجهها عندما عبقت أنفاسه المعبأة برائحة الخمر أنفها، اشتدت معدتها على فورها، أمالت وجهها إلى الجانب، حتى تمنع نفاذ الرائحة عبر أنفاسها، فقد أصابها الغثيان، وانتابتها رغبة ملحة في التقيؤ، سيطرت عليها بصعوبة وهي تقول له بنفور شديد:
-قلتلك مش قادرة.
رأى أن تمنعها تدللا مزعجا منها ، وإبعاد وجهها للجهة الأخرى، حتى تحول دون وصول فمه لشفتيها. لم يكترث لرغبتها المعدومة في حدوث تلاحم حميمي، وبتصميم على فعل ما تحفزت له عروقه، قال لها وهو يدنو بشفتيه من بشرة عنقها:
-وانتي عارفة إني طالما ليا مزاج لكده دلوقتي، يبقى هيحصل.
استنفرت بشدة لمسة شفتيه فوق جلدها، تحول وجهها لشعلة متقدة، من غضبها من عدم اكتراثه بها، ابعدت ذراعيه بيديها بحركة منفعلة، وهدرت في وجهه بعصبية:
-هو بالعافية؟
صُدم من ردها، ومن نفورها الواضح، إلا أنه ظل على جمود تعابيره، فقط انفرج جانب ثغره للجانب ببسمة تهكمية، أتبعها تعليقه البارد:
-جديد الكلام ده يا داليا، لا فعلا بقيتي بتبهريني بكلامك، ها وإيه كمان كملي؟
استفزها ما قاله، زمت شفتيها كابحة ما اعتراها من ضيق، والتفتت لتبتعد عنه، حتى تمنع تصاعد الأمور بينهما، ولكن استدارتها أغضبته، وجعلته يراها تجاهلا منها له، أمسك بساعدها مانعا إياها من التحرك، وصاح بها في حدة:
-رايحة فين؟ هو أنا مش بتكلم معاكي؟
اهتاجت من قبضته القاسية على رثغها، وخرج تألمها على شكل تشنج وهي تسأله:
-عايز إيه يا عاصم؟
أشتد وجهه، وأخبرها في غلظة وهو يقرب يده من إحدى حمالتي ثوبها في نية لإنزاله عن كتفها:
-أنا قلت اللي عايزه، فلخصي بقى، لأن انا بزهق بسرعة.
حاوط خصرها بيده الأخرى، واقترب ليلثم شفتيها، ولكنها أبعدت رأسها للخلف، وأزاحت ذراعه عنها مجددا وهي تهتف في سخط جلي:
-انت واحد سهران برا لحد قرب الفجر وجاي شارب، مشوفتش ليه واحدة من المكان اللي كنت فيه تشوفلك مزاجك بالمرة، بدل مانت جاي تتعب فيا دلوقتي؟
استثار أعصابه ما تفعله، خاصة مع احتراق جسده بالنيران شبقا، كز فوق أسنانه في غيظ شديد، تمردها المبالغ فيه، جعله يتعمد إلى مضايقتها، وبذلك الاستمتاع المريض علق ببرود:
-مين قالك إني مشوفتش؟ بس انتي عارفاني بقى مش بستكفي بواحدة.
أحكم ذراعيه فوق خصرها وهو يقول الأخير من عبارته المهينة لكرامتها، ومرة أخرى اقترب من وجهها، ولكن مع رائحة أنفاسه الكريهة، تلوت معدتها، وأطبق الاختناق على صدرها، لم تتحمل اقترابه الشديد منها، ودفعته تلك المرة بقوة من صدره، وبعصبية لا تعلم أهي من رده، أم من اختناقها الناجم عن تحاملها على رغبتها في الاستفراغ هدرت به:
-ابعد عني، مش قادرة اتحمل الريحة دي.
برزت عينيها في محجريهما، فقد اهتاج كل عصب من أعصابه من دفعتها المتجاوزه، أمسك بها من منبت ذراعها، واعتصره بقبضته وهو يصرخ بها في عصبية مخيفة:
-انتي واضح كده إنك اتعودتي تطولي إيدك عليا عشان عديتهالك مرة، لكن هتسوقي فيها هتشوفي مني وش مش هيعجبك.
جذبت ذراعها من يده وهي تصرخ من الوجع، وعلى فور تركه لها، أخبرته في صوت ما يزال على علوه الغير متراجع:
-أنا لا عايزه أشوف وش ميعجبنيش ولا أنا عايزه احتك بيك من أساسه..
علا صدره وهبط في تتالٍ ينم على كبحه لجموح غضبه، ولكنها لم تكف عن هديرها الصارخ، وتابعت في حرقة، واحتراق بنيران الغيرة:
-اقولك، روح للي اسمها مي دي، مش بتخوني معاها، هي مش كانت عندك النهارده وانت كدبت وقولت معدتش بتشوفها، روحلها يا عاصم، روحلها وسيبني في حالي.
لم ينتبه من بين طوفان غضبه إلى معرفتها بأمر لقائه بحبيبته السابقة، ولاح الاستنكار المشوب بالعصبية على وجهه وهو يعلق على آخر ما فاهت به:
-اسيبك في حالك! هو انتي فاكرة اننا لسه ماشيين مع بعض؟ وهنتخانق وهمشي واسيبك، لا فوقي كده احنا متجوزين، يعني انتي مراتي، وقت ماعوزك الاقيكي ومش بمزاجك ترفضي أو تمنعي نفسك عنك.
اشتعل وجهها من نزعته التملكية، الغير مبالية بما تريده هي، وصدح صوتها برفض صارخ:
-وأنا مش عايزه، إيه هتجبرني، ولا هتغتصبني؟
قدحت عيناه شررا، من رفضها الجريء، الذي استحث نزعته السادية، بفرض سيطرته عليها، وسألها بفحيح مهيب:
-انتي عايزاها تبقى ازاي؟
انضم البؤس إلى تعبيرات الغضب المتفشية بوجهها، وأردفت بخيبة:
-انا نسيت فعلا إنك سهل عليك تعمل الاتنين، وانك مبيفرقش معاك راحة حد، وعادي توجعني وتيجي على راحتي ومشاعري طالما هترتاح انت بعدها.
كأنما حفزت كلماتها ميوله المستبدة، وأخمدت صحوة ضميره، ومع فوران دمائه، وضغطها على أعصابه، عاد إلى الشخصية الطاغية، وعقب بغير شعور إنساني:
-كويس أوي إنك عارفة إني سهل اعمل الاتنين، وهرتاح بعدها زي مابتقولي، فخليها بالتراضي أحسن.
دفعها بعد ذلك على الفراش، وقبل أن تتحرك جثى فوقها، وقيد حركتها بثقل جسده، بينما أخذت هي تتململ من أسفله، ولكنها عجزت أمام قوته الجسمانية، مما استثار أعصابها، وصرخت به في ثورة انفعالية شديدة:
-ابعد عني يا عاصم.
ضم يديها معا في قبضته، ووضعهما خلف ظهرها، حتى يحول دون دفعها لها، ويزيد من عجزها، وهدر أمام وجهه بغضب أعمى:
-قلتلك عايزك.
بدأت دموعها في التكوم بعينيها، من خَوَر طاقتها أمام استخدامه لقوته في إخماد مقاومتها، وصاحت بانتحاب:
-انت بتستقوى عليا عشان أنا أضعف منك.
حدجها بنظرة تجمع بين اللؤم والشر، وقبلما يدنو من شفتيها رد عليها بصوت ثقيل، وناهج:
-مانتي أكيد عارفة برضه إني بحب الضعف ده، بيوصلني للي أنا عايزه.
أطبق على شفتيها بقبلة قاسية، دامية، شعر من خلالها بطعم الدماء بفمه، وبآنات ألمها، واختناقها، أنهى عقابه الأولي الذي ابتدأه بشفتيها، بعدما شعر بقربها من الاختناق، وبينما تشهق مطولا، لإمرار الهواء إلى رئتيها، مال على عنقها مرورا بنحرها بقبلات نهمة، وجامحة، يتخللها العنف، عندما كان يشرك أسنانه على جلد بشرتها الضعيف. عندما نخزت الآلام جسدها، وصرخ من وجعه الغير محتمَل، هتفت تتوسله ببكاء منهك:
-سيبني يا عاصم أنا مش قادرة.
مد يده الحرة، ممزقا مقدمة ثوبها بانفعال، وصاح بطريقة هيسترية، فاقدة لكل معاني العقلانية:
-بلاش العند معايا، هيوصلنا لطريق مسدود وبرضه هعمل في الآخر اللي في دماغي.
بكت بحرقة، وغرقت الدموع صدغيها، وبنشيج متألم أخبرته:
-حرام عليك أنا لسه في أول حملي، الدكتور مانع عشان تعبانة.
لم يأخذه شفقة ببكائها، واستمر في تقييده ليديها، وباليد الأخرى حل رابطة عنقه، وقام بلفها حول معصميها، وهما ما يزالان خلف ظهرها، ثم بدأ بعد ذلك في خلع ثيابه، وبينما يفك أزرار قميصه، تابعت هي في نبرة ضعيفة محاولة إسترحامه:
-هنزف زي ماحصل في حملي في رائف ونائل، والله مابعند معاك، أنا فعلا مش قادرة.
ذكرها لحملها أيقظ عقله، ونبهه إلى نطفته التي تنمو في أحشائها، ومع تذكره للنزيف الذي حدث بسبب تعانفه معها أثناء حملها بتوأمه، ارتدع، وامتنع عن المتابعة، ولكن ثورته ازدادت، وهاجت أعصابه أكثر، وماجت، وحاوط بيده عنقها، وهو يدمدم بانفعال صارخ:
-انا زهقت منك، مبقتش عارف انتي عايزه توصلي لإيه.
علا نشيجها، وتقطع من ضغطه على عنقها، بينما هو تشنج بشكل سافر، وقبض بيديه منبتي ذراعيها، وراح يهزها بعصبية وهو يكمل بنفس الصوت الهائج:
-انتي عايزه تكرهيني فيكي ولا عايزه تكرهيني في نفسي، ولا انتي عايزه إيه بالظبط؟
لم يصدر منها غير بكاء حارق، ونظرات مرتعدة من فقده لأعصابه المخيف، رفع جسده ليصبح جالسا، ورفع جسدها المستسلم ليصبح مواجها له، واستمر في هزها العنيف من كتفيها، وهو يصيح:
-ليه بقيتي كده؟ ليه بقيتي بتضغطي على أعصابي بالشكل ده؟ ليه بقيتي كل ما احاول أصلح من نفسي وابقى كويس معاكي بتجبرني ارجع و** تاني؟
وثب عن الفراش بشكل منفعل، ليصبح واقفا، تصلب جسده، وبرزت عروقه وهو يكمل بهياج شديد:
-أنا اتخنقت من اني كل شوية عمال احايل فيكي عشان تكلميني عدل ولا تضحكي في وشي، انتي بتلوي دراعي عشان محتاجك، بتذليني عشان مبقاش ليا حد غيرك.
رفعت عينيها الحمراوتين له، تبصره في ريبة ممزوجة بالأسى، ونفت ما يتهمها به قائلة:
-محصلش، والله عمري ما فكرت اعمل كده.
لوح بيده أمام وجهها، وهو يستنكر ردها هادرا:
-أمال أسمي اللي انتي بتعمليه ده إيه؟
طرقت نظرها في جلستها، وأجابته صارخة في أسى:
-تسميه تعب يا عاصم، سميه وجع، سميه قهر..
حملق بها بظرات حانقة، شهقت نفسا مطولا من بين بكائها، وأكملت بانتحاب مفرغة ما بجعبتها:
-أنت كل مانبقي كويسين وأحاول أعدي أي حاجة بتحصل منك، بترجع تاني تئذيني وتستقوى عليا، انت بتتعامل معايا حسب مزاجك، وأنا مبقتش قادرة اتحمل الأسلوبك ده، ولا التوتر العصبي اللي بتسببهولي بسبب عصبيتك، وهمجيتك، أنا بخاف منك، بخاف من انفعالك وعنفك معايا، بقيت بخاف تضربني.
زم فمه وهو يناظر بوجهه المشدود، تتابع كلماتها اللائمة وهي تنظر له بتلك النظرة المقهورة:
-انت عايزني ازاي اعدي وانسى بسهولة كده، وارجع اضحك في وشك عادي، ونمارس حياتنا الزوجية بشكل طبيعي بعد كل اللي بتعمله فيا؟
تعقدت تعبيراته وهو يحدجها بنظرات مستشاطة، واستهجن قولها بتحفز:
-مانتي كنت بتعدي كل اللي كنت بعمله زمان، ليه دلوقتي بقيتي مصممة تحسسيني إني شيطان؟ ليه دلوقتي بعد ماكنت انا اللي ببعد وانتي تقربي بقيتي بتبعدي كل ماقرب؟
ردت عليه في تحسر ينبثق من حدقتيها الدامعة:
-المشكلة إنك بتقرب وتصالحني وتوعدني إنك مش هتزعلني تاني، وبعدها علطول مع أول حاجة ماتعجبكش فيا بترجع تكرر نفس الأفعال اللي اتخانقنا بسببها، واللي انت عارف إنها بتوجعني.
ضاقت نظراته عليها، وراح يخاطبها بلهجة بائسة لا تخلو من الغضب الذي ما يزال يسري في عروقه:
-للدرجادي بقيت مسببلك أذى ووجع؟ تحبي أموت نفسي يمكن ترتاحي، طالما تاعبك كده ومعدتيش متحملة.
فغرت عينيها في ذهول من طريقته المعتادة في اتخاذه دور الضحية، وجعلها هي المذنبة، وخاطبته في احتجاج:
-انت ليه كل مرة تطلعني أنا المذنبة في اللي بيحصل بينا؟ ليه بتحاول تحسسني بالذنب ناحيتك؟ وكأني أنا اللي أذياك مش العكس، ليه بتهددني بالبعد أو بتشوف إن هو ده الحل؟ مع ان انت عارف إني مقدرش ابعد عنك وبحبك.
تصريحها بحبه في تلك اللحظة المشحونة بينهما، لمس قلبه، وتلقائيا هتف في هدير منفعل:
-مانا كمان ب...
حملقت به بصدمة، وقد خفق قلبها من شعورها بما قد قارب على قوله، بينما هو حبس الكلمة في جوفه، تفاجؤا من اعترافه بحبها الكامن في قلبه، وتخوفا من إذلالها فيما بعد له. تنفس بتلاحق، وهما يتبادلا النظرات التي تجمع بين العتاب، الوجع، والأسى، ظل التواصل البصري مستمرا فيما بينهما، حتى اغمض عينيه بتعب، واقترب منها ليحل قيد يديها، ثم نظر بداخل عينيها، وقال لها بفتور:
-نامي وارتاحي، معدتش عايزك خلاص، وكمان سايبلك الأوضة عشان متقرفيش من ريحتي وانتي نايمة جنبي وتبقى متأذية، بس تعرفي..
قطع عبارته ليبتلع ريقه، في محاولة جاهدة للتحكم بغصة البكاء العالقة بحلقه، التمعت عيناه بالدموع، وهو يكمل بأسى:
-دي أول مرة أحس فعلا إني معادش ليا حد.
آلمها قلبها من عبارته، ومن الدموع العالقة بعينيه. التفت بجسده شارعا في ترك الغرفة، أسرعت هي حينها وأمسكت بيده، وسألته بصوت مرتعش:
-انت رايح فين؟
جذب يده من قبضتها دون النظر لها، حتى لا ترى دموعه المنهمرة، وسار مسرعا نحو باب الغرفة. رفعت يدها لترفع بها القطعة الممزقة من ثوبها، موارية ما يظهر من جسدها، ونهضت متعجلة محاولة إيقافه وهي تهتف:
-عاصم استنى متخرجش.
لم يستمع لها، وغادر صافقا الباب من خلفه، وقفت هي في منتصف الغرفة، يمزقها شعوران، القهر والندم، قهر على ما آلت إليه حياتها، وندم على تفوهها بما آلمه وتسبب في إيلامها.
❈-❈-❈
لم يرغب في القيام بأي مما فعل، ولا أن تصل علاقتهما إلى ذلك الحد الفاصل، جلس على الأريكة بغرفة مكتبه بإنهاك، فما حاول جاهدا الأيام الماضية في إصلاحه، ذهب أدراج الرياح، أوصد عينيه حتى يزيح صورتها الباكية المتجسدة أمام بصره، وذلك الندم البغيض عاد لينهش مجددا بصدره، لماذا إذن اختفى وهو في أوج طغيانه معها! مجددا راوده شعور بأن اجتماعهما لن يخلو من النزاعات، وإن استمر الوضع على ما هو عليه بينهما، لن يكون لجلسات علاجه النفسية أي فائدة، فما سيجنيه منها، سيضيعه مع أول عراك. فتح عينيه ناظرا نحو الباب، الذي دلفت منه "داليا" بعدما أبدلت ثوبها الممزق، بآخر يصلح للتنقل به خارج غرفتها، تقدمت منه وهي تشعر بالتوتر متفشي بجسدها، خاصة مع نظراته القاتمة المتابعة لحركتها نحوه، توقفت أمامه منكسة رأسها بصمت، فقد نسيت ما رتبته في الأعلى من كلمات، جاءت لتلملم عن طريقها حطام علاقتهما المنثور، مجيئها ضاعف من اعتصار الندم في صدره، وأشعره بمدى حقارته وخسته أمام تسامحها في حقوقها، ونقاء روحها، وفي تلك اللحظة قد حسم أمره، تجاه قرار سريع جال في ذهنه، رفعت نظره له تلقائيا، عندما تكلم بغتةً، قائلا بهدوء مشوب بالابتئاس:
-لو وجودي معاكي بقى مسببلك كل التعب ده، ومبقتيش قادرة تتحمليني..
استرعت انتباهها عبارته المنقوصة، وقبل أن يترك التساؤلات تدور في رأسها، تابع بوجوم بما جعل قلبها يهوى أرضا:
-انا معنديش مانع اننا ننفصل عن بعض.