رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 11
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملةتنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل الحادي عشر
ذهب العمدة هاشم بصحبة ابنه الساخط معتصم، وظل هو لعدة دقائق يحاول الإنتظار او منع جنوح نفسه بالدخول إلى منزل عمه راجح، حتى لا يظهر بصورة سيئة أمامهم، ولكن الفضول كاد أن يقتله، يريد معرفة ما قد تم، وماذا فعل جده في الجلسة مع هذا الرجل الداهية وعمه الطيب راجح؟ ترى من نجح وكيف سارت الجلسة وما الذي تم؟ غضب معتصم وهو خارج مع ابيه يجعل بعض الأمل يتسلل إليه، ولكن هذا لا يكفي، لابد له من أن يتأكد بنفسه، لذلك لم يجد بدًا من التحرك نحو المنزل، بحجة العودة بجده إلى المنزل.
- عمي راجح.
هتف بها كنداء وهو يصفق بكفيه، ف جاء رد الاَخر يدعوه:
- ادخل يا عاصم، مفيش حد غريب يا ولدي
ولج على قول الاَخير يتحمحم بخشونة، وهو يخطو بحرج، ويردف بتصنع:
- انا جيت اخد جدي يا عمي اللي اتأخر ده.
قطع جملته وتوقف فجأة متسمرًا بذهول، وهو يراها تحتضن جده وتضحك بانطلاق غريب عنها، بشكل اثار جنونه، ليجبر نفسه للإشاحة بأنظاره عنها بصعوبة، وخرج صوته نحو عمه راجح الجالس بجوارهم بسكون:
- إيه اللي حصل يا عمي؟
تكلفت نعمات بالرد وقد كانت جالسة بالقرب منهما، وتتابعهم هي الأخرى:
- مفيش حاجة تجلج يا ولدى، اصل بت عمك فرحانة عشان اتفشكلت خطوبتها من معتصم .
سمع منها وشعر بتوقف دقات قلبه عن النبض لعدة لحظات قبل أن يتمالك، حتى لا يُظهر سعادته، أو يهدئ هذا الذي تحول للخفق داخله فجأة بغباء، ف خاطبه ياسين بلؤم:
- ما تيجى تشوف بت عمك اللى اتجننت يا عاصم، البت هتطلع روحي من الفرحة يا راجل.
اطرقت بدور محرجة بابتسامة خجلة، واضطرب عاصم من جرأة جده ومزاحه المكشوف، لدرجة اربكته عن الرد، ف تجاهل عن عمد واتجه نحو عمه الصامت، واضعًا كفه اسفل خده، ليخاطبه بتوجس:
- طب وانت ليه زعلان يا عم؟
رفع رأسهِ إليه راجح ليجيبه بقلق:
- لا بالعكس انا مش زعلان، انا بس خايف يا ولدى من اللي جاي، دا غير إني مضمنش غدر العمدة
- يجدر يفتح خشمه ولا يعمل معاك اى دجة نجص . عشان كنت دافينهم هما وولده مع بعض .
هتف بها عاصم بعصبية انسته حذره، وتلقفها ياسين بمشاكسة، متلاعبًا بحاجبيه:
- ايوه كده يا سبع، طالع لجدك يا واد
لم يقوى عاصم على إخفاء ابتسامته، مع الضحكات التي انطلقت من افواه الجميع حتى راجح، أزاح عن عقله القلق، وبدور التي كانت تخفي ثغرها الضاحك بخجل زاد على جنون الاَخر، حتى هتف على حين غفلة مخاطبًا جده:
- مش كفاية بجى يا جدى خلينا نمشى، الدنيا ليلت يا راجل.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وداخل قاعة المحاضرات، ولج بهيبته التي تلجم الأفواه عن الكلام في حضوره، القى التحية سريعًا، وعينيه جالت تبحث عنها :
- صباح الخير.
حينما رد الطلاب عليه بالتحية، كان هو قد وجدها، في المكان اخر غير الذي اعتادت عليه مع صديقتيها الأخريات، بثينة ونهى، ورغم شوقه الذي اوجع قلبه في البداية، إلا أن ذلك لم ينسيه غضبه منها، لتجاهلها عن عمد، للرد على اتصالاته العديدة بها، بالإضافة إلى هذا المقلب السخيف، حينما تركته ينتظرها بالساعة في انتظارها في الصباح حتى يُقلها نحو الجامعة، قبل ان يكتشف ذهابها مع زميلاتها في السكن دون أن تخبره، صك على أسنانه من الغيظ ينفث دخان من أنفه، ليُلهي نفسه بالعمل، ويشرح المحاضرة، ولكن بداخله بركان يغلي ولابد له من الرد، ولابد من الحساب، يجب عليه الرد وبقسوة، يجب ان يريبها، لابد من تربيتها.
بعد انتهاء المحاضرة
همت ان تنسحب وتخرج كباقي الزملاء، ولكنه فاجأها بالنداء أمامهم:
- نهال، .... تعالى ورايا عايزك فى المكتب .
قالها على عجالة وخرج سريعًا، ف كشرت هي بغيظ وعينيها تتنقل بين صديقتيها، بأنفعال شديد من لأسلوبه المتحكم بجرأة اجفلتها امام الجميع:.
- شايفين الإستفزاز؟ عشان تبطلوا بس تدافعوا عنه.
قالتها للفتيات من تحت أسنانها، وردت بثينة:
- روحى شوفيه، دا باين قوى انه مش طبيعى .
نهى هي الأخرى
- ايوه يا نهال واد عمك باينه اتجنن لما مردتيش عليه النهاردة، دا وشه مدخن من اول ما دخل النهاردة.
ردت نهال بعند:
- ولا هعبره ولا هروحلوا حتى مكتبه .
قالت نهى بخوف:
- لا والنبى حن عليكى شوفيه عايز ايه واحنا هانستناكى.
زادت في العند قائلة:
- لا مش رايحة ولا معبراه ومطرح ما يحط راسه يحط رجليه .
تبسمت بثينة تنكافها بمكر:
- ما تقولى انك خايفة من مواجهته
التف إليها بصدمة تردد:
- انا خايفة من المواجهة؟
قالتها بتساؤل، لتصطدم بنظرات الاثنتين، فهتف بانفعال:
- ماشى يا بثينة، ماشي يا نهى، انا رايحة عشان اثبتلك انى مش خايفة ولا حتى جلجانة.
❈-❈-❈
بخطوات مسرعة ونفس يدفعها التحدي كانت مصممة على مقابلته كي تثبت لصديقتيها صحة ما اردفت به، ولكنها وبمجرد أن وصلت إلى باب حجرته تسمرت محلها لتخرج شهيق طويل وتخرجه لتهديء اضطرابًا تجاهد للسيطرة عليه، ابتعلت ريقها قبل أن ترفع قبضتها لتطرق على باب الحجرة، ليجفلها على الفور بصيحته:
-ادخل .
انتفضت فجأة ثم تداركت لتفتح الباب بهدوء، لتطل برأسها أمامها قائلة:
- حضرتك كنت عايزنى يا دكتور !!.
قالتها بعملية قبل أن تدلف إليه بجمود انتبه عليه هو وتغاضى ليرد بحسم:
- ادخلى كويس واجفلى الباب وراكى .
كتمت داخلها صيحة الرفض، وحاولت أن تتصرف بطبيعية معه، والتفت لتفعل ما أمرها به، ولكنها ترددت في غلقه بالكامل، فجعلته بمواربة قليلة، قبل أن تجفل على كف قوية تغلقة بقوة من خلفها، وصوت يردد
- الجفل يكون كدة، هو انتى خايفه ع الباب؟
قال الاَخيرة وعينيه تواصلت مع عينيها من مسافة قريبة جدا اربكتها لترتد للخلف صامتة بذهول، لرد فعله السريع، تتسائل بين نفسها، متى نهض ومتى وصل إليها بهذه السرعة؟ ويبدو انه فهم من نفسه، ف تركها على الفور ليعود إلى مكتبه، متسائلًا:
- هتفضلى واجفة مكانك كدة كتير؟
استجمعت شجاعتها لتسأله بدون تردد:
- انت كنت عايزنى ليه؟
وكأن بسؤالها اعطته الفرصة ليخرج شياطين غضبه، ف نهض عن مقعده بتحفز يسألها:
- انتى مالك ؟!
ادعت عدم الفهم لتجيب على سؤاله بسؤال:
- مالى كيف يعنى ؟! ما توضح؟
صاح بها بانفعال:
- انتى هتستهبلى وتعملى نفسك مش فاهمه؟ ارن عليكى متروديش، استناكى عشان اوصلك الكلية تسبينى اتلطع بالساعة وفى الآخر اعرف من بواب السكن عندكم انك مشيتى مع زميلاتك فى السكن من غير ما تعبرينى ولا تديلى فكرة حتى، وبعد دا كله عاملة نفسك مش فاهمة.
عقبت بكل البساطة:
- أنا أسفة انى مرديتش على تليفونك، بس احب اجولك انى من هنا ورايح مش هركب معاك تانى عربيتك ولا هسمحلك توصلنى.
افتر فاهه ينظارها بصدمة، ليميل برأسهِ نحوها يقول بتهكم ساخر:
- نعم يا ماما، سمعينى تاني، مش هتسمحيلى !
قال الاَخيرة ليصيح بوجهها وعينيه تطلق شررًا من الجحيم نحوها:
- هو مين بالظبط اللي هيسمح ولا ميسمحش؟ ولا انا لما حكمت ان مفيش روحة ولا رجعة للكلية غير معايا، كنت خدت إذنك؟
اسلوبه المتسلط في توجيه الخطاب بعنجهية نحوها زاد من جرعة السخط داخلها منه، لتردف بقوة:
- بصفتك إيه تحكم وتتحكم فيا؟
باغتته بردها حتى جعلته يرتبك في البداية قبل أن يجيبها بالرد النمطي المعتاد والمعروف:
- بصفتى واد عمك وانتى هنا مسؤليتى ولا انتي نسيتي دي كمان؟
استغلت لترد بقوة مصوبة عينيها في عينيه:
- والناس هتعرف منين انك واد عمى؟ مش يمكن يفتكرونى بنت مش كويسه أو ... يفتكرونى ساهلة؟
ارتد برأسها للخلف مجفلًا من إجابتها التي تتضمن تلميح صريح لما أدلى بها نحوها بالأمس، تذكر حجم خطئه من نظرتها المتألمة رغم حدة حديثها، ورسائل اللوم التي يقرأها بها، ليسألهًا اَخيرًا:
- هو دا بجى السبب اللى مخليكى زعلانة منى؟
ترقرقت الدموع بعينيها لتهتف بجرح قلبها:
- يعنى انت عايزنى ابجى مبسوطة لما تتهمنى انى ساهلة وبخلى الناس تاخد فكرة غلط عني.....
قالت الاَخيرة، وانطلقت ببكاء اليم اوجع قلبه، الذي تألم لألمها، فقال بنبرة نادمة:
- أنا أسف إن كنت جرحتك، بس انتي عارفة إن دا مش جاصد أكيد.
بعد اعتذاره والاعتراف بخطأه، زاد بكاءها، حتى امسكها من رسغها يسحبها، ليجلسها على اريكة موضوعة في جانب الغرفة، تنهد بألم يمسح بمحرمته الورقية دموعها التي كانت تتساقط بغزارة ودون توقف، وقال بأسف:
- خلاص بجى، اعملك ايه عشان تسامحى؟
خرجت منه بصوت ضعيف وحنون، جعلها ترفع رأسها إليه، ليقابلها بنظرة تجمعت بها كلمات الأسف والاعتذار وأشياء أخرى لم تفهمها، فقالت بشعور التوتر الذي اكتنفها:
- متعملش حاجه خلاص، بس انا عايزاك تفهم كويس انا عمرى ماهزرت مع حد غريب عليا ورائف ده انا متربية معاه، وبالنسبالى اكتر من اخ.
- انا عارف.
قالها باقتضاب مقاطعًا لها، ف سألته باندهاش:
- طيب ولما هو كدة، ليه بجى بتدايج لما تلاجيني اهزر معاه ؟
- عشان بغير!
قالها سريعًا وبدون تفكير، حتى ظنت أنها سمعت خطأ، وصمتت في انتظار تفسير لما سمعته، ف استطرد لها بقوة:
- ايوه بغير منه، ومن اى حد يكلمك ولا يهزر معاكى كمان، انا نفسى مكنتش اعرف بالعيب دا فيا غير لما حبيتك، يمكن عشان دي أول مرة احب فيها حجيجى وبجنون كمان .
بهتت تناظره بازبهلال وقد انسحبت من وجهها الدماء، لا تزال لا تستوعب ما يردف به، ينتابها مرة شعور الخجل ومرة أخرى تدعي عدم صحة ما تسمعه، فخرج صوتها بحيرة حاسمة:
- انت بتجول ايه بس؟ انا جايمة.
قالتها وهي تنهض، بالفعل ولكنه اوقفها مخاطبًا:
- انا عارف انك مكسوفه والكلام ده ممكن يكون صدمة ليكي، بس انا واد عمك ومش هلف ولا ادور معاكي في الكلام، وعشان اوفر عليكي الحيرة، انا عايز ادخل في الجد على طول، ونفسى اسمع اى خبر حلو منك قريب عشان افرح ابويا وامى، ولحد ما يحصل ده، هسيبك براحتك عشان تبقالك حرية الاختيار .
أومأت برأسها تهزهزها باضطراب، حتى تتحرك وتذهب هاربة من أمامه سريعًا، ولكن وقبل أن تصل لمقبض الباب أوقفها بندائه
- نهال، ملكيش أي عذر لو مبلغتنيش بعد ما تخلصى محاضرانك عشان أخدك واروح بيكى .
أومأت برأسها مرة أخرى، وفتحت لتغادر سريعًا، لا تصدق ما سمعته، وهذا الطلب الذي طلبه منها، ثم المعضلة الأساسية الاَن كيف ستتعامل معه؟ لقد اصابتها كلماته بالخرس التام، ومشاعر قوية تتناحر داخلها، ولا تعلم ماذا تفعل؟
أما عنه فقد كان في حالة مختلفة على الاطلاق، بعد أن أزاح عن صــ دره ثقل ما كان يشعر به، وقد أفضى إليها اَخيرًا بما يحمله قلبه لها، رغم تخوفه قليلًا عليها بعد أن رأى بنفسه رد فعلها المصدوم جراء اعترافه، ولكنه في نفس الوقت يبتسم بسعادة كلما تذكر خجلها الشديد رغم القوة التي تدعيها دائمًا معه.
❈-❈-❈
بقلب منشرح ونفس تهفو لرؤيتها خرج عاصم من منزله ليجلس على المصطبة الأسمنتية، حتى ينتظر مرورها يستعيد زكريات جميلة له في نفس المكان بمراقبتها في الذهاب والإياب نحو مدرستها، قبل أن تنقطع هذه العادة في الأيام السابقة بعد أن حرم على نفسه رؤيتها، وذلك بعد خطبتها من هذا المتحذلق ابن العمدة معتصم.
ظهرت والدته أمامه فجأة وهي عائدة من مكان ما في الخارج لتقترب وتجلس بجواره بضحكة بشوشة وفرحة تقفز من عينيها تقول:
- ازيك يا نور عينى، عامل ايه يا عريسنا؟
سمع منها وسقط قلبه لأقدامه، وقد استعاد تفكيره الاَن هذا الاتفاق الذي تم بينهما بالأمس صباحًا على طاولة السفرة مع أبيه، فقال يخاطبها بذعر حقيقي:
- انتى كنتى فين ياما ؟
تبسمت سميحة تجيبه بمرح:
- كنت فى بيت عمك عبد الحميد، ع اللى اتفجنا عليه امبارح ولا انت نسيت؟
ختمت بغمزة أصابته في مقتل ليسألها بوجه مخطوف:
- أوعى تجولى إنه حصل ؟
جلجلت ضاحكة تردد:
- طبعًا حصل يا حبيبى، وكلمت راضية وفرحت جوى وجالتلى انه يوم المنى واكيد البت مش هترفض
دارت رأسه ليغمض عينيه بتعب وكأن هموم العالم تجمعت فوقه كاهله، وقد تيقن الاَن أن نصيبه بها انقطع، وحظه السيء قد لعب لعبته
- ايه يا حبيبى انت مش فرحان؟
سألته سميحة ببرائة، فخرج صوته خفيض مبحوح:
- لا ازاي بس؟ فرحان ياما فرحان جوى.
ردت بعدم تصديق ولهجة تختلط بالعتب:
- لا يا عاصم شكلك مش فرحان .
بلع الغصة بحلقه ليسألها بغضب مكتوم:
- طب وانتى ايه اللى طلعك بدرى جوى كده ياما؟ ليه ما ستنتنيش لما اصحى؟ طب ما جابلتيش ابويا ولا جالك اى حاجة؟
جلجلت بضحك متزايد:
- ليه يعنى؟ هو فيه حاجة حصلت وانا معرفهاش مثلا؟
رد يجيبها بخيبة أمل:
- لا مفيش ياما ماتخديش فى بالك.
قالها مستسلمًا بقنوط، مسلمًا أمره لله، قبل أن يجفل منتفضًا على قبلة مفاجئة تلقاها على خده الأيسر من والدته، فهتف مخضوضًا بوجهها:
- فى ايه ياما انا فى الشارع مالك؟
رنت ضحكتها بصوت عالي زاد من فزعه بها، ليهدر بعصبية:
- وه ياما انتى جرالك ايه بس ؟
كتمت بصعوبة كي ترد :
- معلش يا حبيبى بصالحك؟ سامحني بجى عشان عملت فيك مجلب .
عقد حاجبيه يقول بعدم فهم:
- تجصدى ايه ؟
تننهدت بوجه جدي رغم ارتسام الفرحة عليه:
- يا حبيبى يا نور عينى، دا انا مصدجتش نفسي ولا عرفت انام حتى بعد ما سمعت من ابوك امبارح ان بدور اتفشكلت خطوبتها من المجلع واد العمده؛ وعايزني بعد دا كله، اروح واخطب نيرة واجطع الامل تانى؟
على موضع على قلبه وضع كفه عصام يقول بحالة اوجعتها:
- والله حرام عليكى ياما انا كان هتجيلي سكتة جلبية؟
- سلامت جلبك يا نور عينى هات ابوسك تانى عشان اصالحك .
قالتها سميحة وهمت تنهض لتفعل، بمناكفة جعلته يصيح بها يوقفها مفزوعًا:
- حن عليكى ياما مش ناجصة فضايح، ارسى على حيلك كدة الله يرضى عنك .
جلست على الفور تدعي الأدب، فقالت تراضيه:
- حاضر يا سيدي مش هزعلك تانى وهجعد مؤدبة، طب اجولك، شوف كده ست الحسن اهى جاية من بعيد اهى.
قالتها واتجهت انظاره نحو ما تقصد، ليتأكد هذه المرة من صدقها، برؤية معذبته، وهي عائدة بملابس المدرسة مع ابنة عمه الثاني نيرة، والتي اشارت بكفها إليهم كتحية من مسافتهم، واكتفت هي بابتسامة ارسلتها لعاصم، فجعلته ينسى نفسه، وهذا المقلب الظريف من والدته.
❈-❈-❈
بجلسة جمعت الثلاث فتيات، بكافتيريا الجامعة وبعد ان قصت نهال ما حدث وما قاله مدحت لها، كانت الاسئلة المتواصلة من الإثنتان ، نهى وبثينة التي كانت لها البداية:
- طب وانتى كان ردك ايه؟
- اوعى تكونى بوظتى الدنيا زى عوايدك؟
- والنبى شكلها بوظت الدنيا!
- انتى هتجوليلى فيها، دى صحبتى وانا عارفاها خيبة وصوت بس إنما في الجد إنسى .
هدرت بهن نهال بعصبية توقفهن:
-باااااس صدعتونى يخرب بيوتكم، انا الغلطانة أساسًا انى جولتلكم .
قالت بثينة بمرح:
- غلطانه دا إيه يا هبلة؟ دا أحلى خبر سمعتوا منك.
نهى هي الأخرى:
- اه والله عندك حج يا صاحبتي، طب والله انا كان جلبى حاسس وكنت بجولها، بس هى العبيطة بجى مكنتش مصدجة.
ظلت على حالة من الوجوم بشرودها، واقتربت بثينة، تدغدغها على ذراعها بمشاكسة
- اييييه مالك يا جميل؟ سرحانة فى ايه بس؟
قالت نهى هي الأخرى
- ايوه صح يا نهال، انتى مالك شكلك مخطوف كده ليه ؟
مطت بشفتيها المطبقة لتقول بعدم تركيز:
- مش عارفة، بس حاسة نفسى خايفة.
- خايقة !
قالتها نهى بعدم استيعاب تصيح بها:
- خايفه ليه يا مجنونة؟ مش دا اللى طول عمرك بتحلمى بيه؟
تنهدت نهال بتعب قائلة:
- ايوه صح اللى بتجوليه، بس انا كنت اقنعت نفسى انى هشيله من مخى من ساعة ما اتجدم لأختى وحطيت مستجبلى هدف جدامى، لكن دلوك؟
قالت بثينة باستغراب:
- طب ودلوقتي وايه اللى هيمنعك بقى عن تحقيق هدفك؟ بالعكس بقى، انا شايفة إنه ممكن يساعدك كمان
أومأت نهال بتوتر وخوف مرددة:
- مش عارفه !
تدخلت نهى :
- انا عارفة انك خايفة عشان اتجدم لأختك سابج صح
صمتت نهال وتكلمت بثينة:
- نصيحه منى يا نهال، تشيلى الموضوع دا نهائى من مخك عشان متتعبيش نفسك، دا قالك انه بيحبك ودى تكفى انك تأسسى بيها حياة جميلة ما بينكم .
تنهدت نهال قائلة بشرود:
- عندك حج طبعا فى كل كلامك، بس فى حاجة تانية.
- إيه تاني؟
خرجت من افواه الاثنتين، ليتفاجأ، بتغير وجه نهال للحرج، وهي تفرك بكفيها بتوتر قائلة:
- بصراحة، انا من ساعة ما كلمنى وانا مش عارفة اتعامل معاه ومكسوفة جدا.
ضحكت نهى ومعها بثينة بفرح ساخرات منها يرددن:
- يا ختى كميلة، انتى بتتكسفى يا بطة، يا سلام يا جدعان، نهال طلعت بتتكسف !!
هتفت بهن بغيظ تملكها
- ابوشكلكم انتو الاتنين .
.
❈-❈-❈
على مائدة الطعام كان محسن وزجته هدية، يتناولون وجبة الغذاء حينما أجفلا الاثنان على صيحة قوية مع دخول ابنهم حربي بصوت عالي:
- بدور اتفلتت ياما، بدور اتفلت يا بوى .
محسن والذي انتفض مخضوضًا وتوقف الطعام بحلقه لعدة لحظات، هتف به غاضبًا:
- يخرب مطنك ويجل راحتك يا شيخ، مش عارف تجول السلام عليكم الاول يا واد؟
ضحك حربي وتقدم يجلس لينضم معهما على المائدة، وقال ببساطة:
- ماشى يا بوى، سلام عليكم الأول.
رمقه محسن بنظرة حانقة بصمت وتكلفت هدية بالرد:
- وانت توك ما عارف يا ناصح؟ دا انا سمعانة من امبارح عشية كمان.
رد حربي بانفعال والطعام في فمه:
- ولما هو كدة، ليه مجولتليش ياما؟
ارتشفت هدية من كوب الماء الذي أمامها، ثم ردت وهي تعود لطعامها:
- الخبر جانا بليل بعد ابوك ما رجع من عند جدك، يعني كدة وانت نايم يا فالح، ولا انت ناسي انك نمت بدري عشان تطلج المية الفجر على زرعتك.
اومأ حربي رأسه بتفهم ثم تكلم وهو يلوك اللقيمة بفمه:
- طب ما تجولنا اللى حصل ايه يا بوي؟ انا سمعت طراطيش كدة عن عركة مع جدي، والواد معتصم مع بدور عند المدرسة بتاعتها، بس برضوا معرفتش، ما تجول يا ابو حربي.
زفر محسن يجيبه بقرف:
- وانت مالك باللى حصل؟ مدام خلصت الحكاية على كدة وكل واحد راح لحاله، تتفلت بجى ولا متتفلتش، انت مالك برضوا؟
رد حربي وهو يكبس مجموعة من اوراق الجرجير بفمه:
- يعني هكون بسأل ليه يعني يا بوي؟ مش عشان اتجدملها تانى واتجوزها .
تنهد محسن بتذمر، ليقول منفعلًا:
- هى شغلانة ما جدك جال انها مش هتتجوز من العيلة، وخلصت الحكاية على كدة منعًا للت ولا العجن من تاني .
انصدم حربي وتوقف الطعام بفمه، ولكن هدية والدته لم تصمت:
- متوجفش الحال يا محسن، الكلام دا كان في الأول ساعة ما كان التلاتة عيال عم متقدمين مع بعض.
- اول بجى ولا اخر، واحد يا ختي .
قالها محسن بضيق، ف عقبت هدية قائلة:
- خليك انت جول كدة، وجفل فيها يا محسن على كيفك، لحد اما نلاجى عاصم خطبها جبل ولدك .
هتف حربي بعصبية:
- وه، دا لو حصل الكلام ده صح يا بوي، والله ما انا ساكت، ما هو انا مبحبش أكون مغفل، وانت يا بوي حن عليك اجف معايا عشان جدى يوافج.
قال الأخيرة برجاء جعل والدته تستغل الفرصة قائلة:
- ابوك باينه مش عاجبه الكلام يا ولدي.
سمع منها حربي وتوجه سائلًا والده:
- صح يا بوي، يعنى انت مش هتوجف جمبى؟
تنهد محسن بقلة حيلة بعد ان وضعته زو جته في هذا الموقف مع لده الوحيد:
- يعني هجول ايه بس، لله الامر من قبل ومن بعد.
❈-❈-❈
في السيارة التي كانت تقلها في المقعد الأمامي بجواره وهو يقود، بمزاج رائق، يردد مع الأغنية الدائرة من مذياع الراديو، يراقبها بطرف عينيه، وسعادة تتراقص داخله بتسلية، مع متابعته التوتر الشديد الذي يكتنفها، وهي تتهرب من النظر إليه، حتى عندما يسألها تجيبه باقتضاب، تنهد بشعور لذيذ يغمره، وقرر التحدث في شيء ما يخرجها من شرودها:
- هو الواد الزفت بتاع امبارح، اتعرضلك تاني؟
نفت برأسها تجيبه:
- لا من بعد الخناجة اياها واللى حصل معاه ما رفعش عينه فيا تانى؟
تنهد بارتياح قائلًا:
- كويس خالص، طيب اى حد تانى دايقك؟
اكتفت هذه المرة بهز رأسها بالرفض صامتة.
لم يستطع منه نفسه اكثر من ذلك عن فتح الموضوع معها، فقال بمشاكسة:
- طيب انتى ليه مكسوفه جوى كدة؟
لوت ثغرها بطريقة اضحكته لتشيح بوجهها نحو النظر للخارج من النافذة، اجبر نفسه على التوقف بصعوبة حتى لا يزيد من حرجها، وقال بجدية
- على العموم احنا كدة كدة جربنا نوصل، متنسيش بجى تتصلى بكره وتبلغينى بميعاد محاضراتك.
- لا ما انا النهاردة مسافرة البلد مع البنات وهجعد فى البلد يومين عشان السبت اجازة.
أجابت بها لتُصيبه بالضيق على الفور مرددًا:
- يعنى انا كدة هجعد يومين مشوفكيش؟
صمتت تلملم ابتسامة ملحة برد فعله الذي انعشها بالداخل، وعادت لوضعها للنظر في الخارج، وزاد هو على ضيقه بقوله:
- وادينا كمان وصلنا.
اوقف السيارة بالقرب من مبنى السكن الذي يجمعها مع الفتيات، وظل هو بملامح عابسة، يتابعها وهي تلملم أشيائها ثم تترجل من السيارة، ليستدرك فورًا بتذكر ليوقفها قبل أن تبتعد:
- نهال، بكره اول جمعة فى الشهر مش كدة برضو!!
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية