رواية جديدة نفوس طاغية لشهد السيد - الفصل 8
قراءة رواية بين نفوس طاغية كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بين نفوس طاغية
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة شهد السيد
الفصل الثامن
كل يوم، بطريقةٍ ما، هو اليوم الأخير لشيٍء ما..
اليوم هو ثالث أيام عزاء والدها الذى توفى بعد وصولهم بساعات قليلة للمشفي وهو معها قبل أن يتركها فجأة ويغادر ولم تراه منذ ذلك اليوم.. حاولت كثيرًا التواصل معه لكن لا فائدة هاتفة مغلق منذ أن ذهب.. ذهب ولم يعد حتى الآن!
أنسابت دموعها وخبئت وجهها بالوسادة تخرج صرخاتها التى جاهدت كثيرًا فى الحفاظ عليها داخلها حتى أصبحت تؤلمها، تشعر بالخيبة من أختفائه الغير مُبرر وفقدان الأمان بوفاة والدها، وبدلًا من أن يكون جوارها ويطمئنها بوجوده أختفى كأنه لم يكن..
رفعت أعينها الزرقاء الدامـ ـية من فرط بكائها الأيام السابقة تنظر لـ "سمر" الواقفة جوار الفراش تتأفئف بضيـ ـق قائلة:
-"أخواتك وعمتك برا عشان الورث، تعالى عشان تحضري".
عجزت عن الرد لثواني قبل أن تنتفض تصرخ بوجه سمر بنبرة مجروحة:
-"ورث أى بدل ما يدعوله قاعدين بيقسموا خيره على بعض".
أنهت حديثها ودفعت "سمر" بقوة من أمامها وخرجت من غرفتها فـ وجدت أشقائها مجتمعين وشقيقة رضا أيضًا فـ صاحت بمرارة:
-"ده لو مربي كلاب كان طمر فيها، ليكم نفس تفكروا فى حاجة وهو مش وسطنا".
أندفع "تامر" نحوها ينوي صفعها لكن حال بينهما "صلاح" وحاول تهدئته قائلًا:
-"عيلة مش واعية، أهدى بس".
وبالفعل أبتعد "تامر" عنها وأضاف على حديث "صلاح" قائلًا:
-"اللى مات يبقى أبونا ميخصكيش نحزن امتى ونفرح امتى".
تقدمت "فجر" نحو غرفتها مجددًا بخطوات ثقيلة تجيبهم بسخرية:
-"وأبويا أنا كمان ومفيش إجراءات هتتم غير بعد الأربعين بتاعه ".
جاء الرد هذه المرة من" شوقية " شقيقة "رضا" والتى أردفت بغـ ـل:
-"بس انتِ مش بنت رضا، رضا أخويا معندوش بنات".
توقفت خطواتها وظلت جامدة للحظات قبل أن تلتفت تنظر لوجوههم جميعًا تبحث عن أى نظرة تدل على مزاج الحديث الذى سمعته للتو فـ لم تجد سوى الصمت التام وكأن الجميع موافقين على ما قالته "شوقية"
لحظات ثقيلة للغاية شعرت وكأنها تمر فوق روحها، فرت دمعة أخيرة من أعينها وهى تنظر نحو "فاطمة" والدتها التى نهضت تصيح فى ضراوة شديدة:
-"شوقية كدابة، انتِ بنتي ".
نهضت " شوقية " تقف بوجه "فاطمة" تتحدث بأصرار:
-"أنا مش كدابة وانتِ عارفة كويس أوى أنى بقول الحقيقة، والشرع والقانون بيقولوا أنها مينفعش تورث".
لم تعبئ "فجر" لكل ما قيل وأقتربت من "فاطمة" تسألها بنبرة مهزوزة والدموع متجمعة بأعينها الدامـ ـية:
-"أنا مش بنتك".!
أهتز ثبات "فاطمة" لثواني قبل أن تردف بحب حقيقي:
-"الأم اللى ربت مش اللى خلفت ورمت".
أنسابت الدموع المتجمعة بأعينها تشعر بالهزيمة وكأن كل شئ أصبح ضـ ـدّها الآن، منزل طفولتها وعناق عائلتها الدافئ كان ليس من حقها طوال تلك السنوات.!!
الآن فقط علمت لماذا طلب منها "رضا" مسامحته قبل أن تفارق الروح جـ ـسـ ـده مشددًا على أنه قد أحبها أكثر من "تامر" و "صلاح".
الغُربة والضياع بداخل وطنها الذى كان يتمثل بذلك المنزل الصغير التى كانت تشتاق لتعود له بعد يوم دراسيّ شاق عليها
أقتربت منها "فاطمة" تنوي أحتضانها لكن عادت "فجر" للخلف تحرك رأسها بالرفض تتجه نحو باب المنزل المفتوح وهى تضع حجابها فوق رأسها بعدما كان حول عنقها
لم تجد مكان للأنفراد سوى غرفة صغيرة أسفل الدرج كان يعتبرها "رضا" مخزن لأدوات عمله، وفور أنا أغلقت الباب خلفها أنهارت جالسة غير عابئة لملابسها السوداء التى قد تلطخت بالأتربة المنتشرة حولها، تبكي حتى كادت أن تنقطع أنفاسها المتلاحقة، وكأن البكاء هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن ألامها..
وبالأعلى وقبل أن تختفى "فجر" عن أعينهم صاحت "فاطمة" بـ"صلاح" قائلة بفزع:
-"روح ورا أختك هاتها".
ظهر الأمتعاض على وجه "صلاح" وأشاح بلامبالاة قائلًا:
-"ما خلصنا ياما، تروح مطرح ما تروح معادتش تلزمنا خلاص خلينا نقعد ونشوف كل واحد له أى ".
ولم يعلق "تامر" نهائيًا على ما يحدث فـ بكت "فاطمة" بحسرة مرددة:
-"مطلعوش قد الأمانة يا رضا، محافظوش على أختهم".
عقب أنتهاء حديثها صاح "تامر" بهجـ ـومية:
-"ما كفاية قولنا مش أختنا، عاوزة تروحي وراها روحي".
جذبت "فاطمة" حجابها ووقفت تعقده بأحكام قبل أن تهبط للبحث عن "فجر" قائلة بقـ ـهر من جحود أبنائها:
-"قلبي غضبان عليكم ليوم الدين، يارتني مـ ـوت قبل ما أشوف جبروتكم ده".
❈-❈-❈
عادت "أيمان" للمنزل وحدها بعدما أخبرتها "زينة" بأنها ستعود برفقة "لمار" عندما تنتهيان من التجول، لذلك صعدت لغرفتها مُباشرة لكن قبل أن تدير مقبض الباب وجدته يُفتح ويظهر "رياض" بالداخل مرتديًا ملابس أنيقة وظهر تنظيم الغرفة بالشموع والورود وصوت الموسيقيّ الهادئة ينبعث بأركان الغرفة.
لم يدع لها مجال للتساؤل وجذب يـ ـدها للداخل يغلق الباب من خلفها يردف بندم:
-" مكنتش أقصد أزعلك بالكلام البايخ اللى قولته، أنا آسف ياحبيبتي ".
أنهى حديثة ورفع كفى يـ ـدها يقبـ ـلهما برقة بالغة ومن ثم نظر لها مُبتسمًا يتابع الهدوء المُسيطر عليها وهى تجيبه بجفاء:
-" حصل خير، عن أذنك عشان محتاجة أنام ".
رفضت كل ما فعله لأجلها بطريقة مُهينة ورغم ذلك تحامل على ذاته وأحاط خصرها يضمها لصـ ـدره يتمايل معها على أنغام الموسيقيّ يردف بصوت هادئ بالقرب من أذنها محاولًا مُراضاتها:
-" أى رأيك ننسي كل اللى فات.. ونبدأ من جديد ".
تخشب جـ ـسـ ـدها بين يـ ـده وجذب يـ ـدها حتى تُبادلة العناق وأستشعر قربها منه تجيبة بتهكم:
-" مينفعش.. أحنا مكملين مع بعض تقضية واجب ولا انتَ بتحبني ولا أنا فى الباقي من عمري هحبك".
قرب وجهة منها قائلًا:
-"وليه متقوليش أنى بحبك بس محتاج منك فرصة، تنسي فيها عصام.. ".
وضعت يـ ـدها فوق فـ ـمه تمنعه عن الأكمال تردف بأعتراض:
-" مش هقدر أنسي عصام، أديتك فرصة متاحة معاك لحد الآن ممكن تتجوز واحدة غيري وتجيبها هنا كمان ومش همانع".
زاد "رياض" من ضمّ جـ ـسـ ـدها له يجيبها بضيـ ـق ورغـ ـبة:
-"مش عاوز غيرك يا أيمان".
شعرت بزيادة جراءة لمـ ـساته فوق جـ ـسـ ـدها وضاقت أنفاسها برفض لوضعهم وبدأت بأبعاده رغم رفضه قائلة:
-"رياض من فضلك أبعد، قولتهالك بدل المرة ألف أنا مش هحب غير عصام ليوم ما أروحله".
بالفعل أبتعد عنها يقبض فوق كتفيها يهزها صائحًا بحقد وقد برزت عروقة وأحمر وجهة:
-"كفاية بقى كفاية، فى حضني وبتجيبي سيرته هو يفرق أى عني، ليه متقبلة أى حد فى حياتك إلا أنا".
أغمضت أعينها بألـ ـم من ضغطه المُستمر عليها ودفعته مبتعدة للخلف تردد بدفاع:
-"هو الوحيد اللى حبني وعوضني عن كل اللى شوفته، هو أحسن منك فى كل حاجة يا رياض متقارنش نفسك بيه، أنا أديتك فرص كتير وانتَ بغبائك كنت بتضيعها، مش بأيدي أنى معرفتش أحبك".
دار حول نفسه وملامح السخرية بادية على وجهة قبل أن يتسأل:
-"والبت دى بنت مين، ومتقوليش بنتي عشان انتِ مبتخلفيش يا أيمان".
أرتجف جـ ـسـ ـدها وأشهرت أصبعها بوجهة مدافعة عن "زينة" قائلة:
-"ملكش دعوة بيها، مش كل حاجة هتاخدوها منى محدش المرة دى هيمنعني، بنتي غصب عن أى حد ومش هتمشي أنا عارفة إنك بتعمل كل ده عشان تمشيها مش حبًا فيا، بيسان مش هتمشي طول ما فيا نفس".
أبعدها بقوة عن باب الغرفة وخرج صافعًا الباب خلفه وجلست هى على الأرضية المنثور فوقها الورود تحاول السيطرة على أرتجافها الغير أرادي، رغم قوتها الظاهرة إلا أن بداخلها مازلت موجودة أيمان الصغيرة، الطفلة التى سُلبت منها حقوقها وحكم عليها بالعيش حبيسة لعادات والدها يفعل بها ما يحلوا له...
❈-❈-❈
كان جـ ـسـ ـدها يتحرك بتهور على ألحان الموسيقيّ الصاخبة للغاية والأبتسامة تعلو وجهها تشعر بالأنتشاء يسرى بعروقها، سعادة تكاد تجعلها تحلق ضمن السحاب
التفتت تنظر نحو باب المخرج فوجودت طفلة صغيرة ذات جـ ـسـ ـد ضئيل وملابس بالية تقف تشاهدهم من الخارج وبيـ ـدها أوراق الياسمين التى تبيعها، والغريب بالأمر أن تلك الفتاة لم تكن سواها.. "زينة".
أختفت أبتسامتها تدريجيًا وأنسحبت من بينهم وخرجت لتقف أمامها تنظر لهيئتها الحالية بداية من بنطالها المُمزق والكنزة ذات الحمالات العريضة التى تكشف عن عنقها كاملًا ومقدمة صـ ـدرها وذراعيها كاملان، هى التى كانت تسخر من هؤلاء الفتيات صارت واحدة منهن..
أنسابت دموعها وسال معهما كحل أعينها الأسود وصاحت بالواقفة أمامها قائلة بتوبيخ:
-" بصالى كده ليه، كان عاجبك حالنا واحنا مرمين فى، الشوارع بنتعامل أقل من الكلاب، بصى دلوقتي بقينا أى وبنسهر فين ومصاحبين ناس عاملين ازاي والكل نفسه يقرب مننا ويصاحبنا عشان بس بقينا مربوطين بعيلة أيمان وأسم جوزها، المفروض تفرحيلي ".
أبتسمت الصغيرة بسخرية ورحلت من أمامها تشدد من ضمّ الكنزة الواسعة حول جـ ـسـ ـدها لتستشعر أكبر قدر من الدفئ
والتفتت" زينة "لنداء" لمار" التى خرجت باحثة عنها تجذبها نحو الداخل لتنضم لهم متجاهلة رسائل هاتفها التى تصدح من وقت لأخر بعدما أخبرت "عدي" بذهابها مع عدد من أصدقائها الجدد متجاهلة تمامًا رفضة لما هى مُقبلة عليه..
❈-❈-❈
بعد ما دام بكائها حتى غروب الشمس وعزمت أمرها على الرحيل بعد تحـ ـذير "تامر" عما يحدث دون علمه من "صلاح" و "سمر" بطريقة غير مُباشرة وقبل أن تغادر المنزل دون علم أحد منهم سوى "فاطمة" و قد أكتفت بأخذ حقيبة ملابس صغيرة لكنها توقف تنظر للغرفة التى أحتمت بها صباحًا وقضت بها ساعات متتالية فى البكاء
تلك الغرفة التي تذكرت حديثة "رضا" عن أهمية زيارتها الغرفة إذا حدث له شئ وبدأت بالتفكير للحظات عن السبب قبل أن تعزم أمرها وتدلف للغرفة مجددًا تدور وسط المعدات القديمة
حتى لفت نظرها شئ مُغطي فـ أقتربت منه تزيح الغطاء وتخرج علبة الكارتون الموضوعة أسفل الغطاء تجلس وهى تفك اللاصق عنها فـ وجدت بداخلها حقيبة قماشية وفور أن فتحتها شهقت بعدما وجدت مبلغ مالي كبير وبرفقته ورقة مطوية، فتحتها سريعًا وتعرفت على خط "رضا" الذى دونّ بالورقة وصيته قائلًا:
-"الفلوس دى نصيبك يا فجر، بتمني تسامحيني يا بنتي لو حصلى حاجة أنا كنت خايف أقولك عشان متمشيش وتسبيني، أنا حبيتك زى عيالي ولو بتحبيني بجد خدي الفلوس دى ومتعرفيش حد عنها حاجة، دى وصيتي ليكِ".
بالفعل عندما عزمت على الرحيل ترددت من أين ستأتي بمال يوفر لها سكن أمن وطعام حتى تعثر على عمل وتستطيع الأنفاق على نفسها، كأنه يشعر بها حتى بعد وفاته
أحتضنت "فجر" الخطاب وأنسابت دموعها من جديد لكنها أنتفضت عندما أستمعت لصوت طرق مُتتالي أثار فزعها، خبئت المال والورقة بحقيبة الملابس الصغيرة وأقتربت تفتح الباب فـ شلتها الصدمة عندما وجدت من يدفعها للداخل مغلقًا الباب من خلفه وقبل أن تنطق أزاح قبعة السترة عن رأسه فـ ظهر وجهة.. عاد الغائب الذى قضت لياليها السابقة بكاءً على ما فعله بها فـ لم تدري بنفسها سوي وهى تدفعة تنطق بنبرة مختنقة:
-"غور من وشي، مبقتش طايقة أشوفك".
أنهت حديثها تنزع دبلة خطبتهما من أصبعها لكنه
أمـ ـسك بيـ ـدها يمنعها عن فعلها يجيبها بصوت منخفض أثار تعجبها:
-"صدقيني غيابي كان سببه أقوي منى، أنا جيت أشوفك بعد ما الحجة فاطمة أستنجدت بيا وقالتلي إنك مُصره تمشي ".
نفضت يـ ـدها بعيدًا عنه تردف بسخرية:
-"اللى بينا دبلة خدها وروح شوف حالك، وقبل ما تمشي أنا مش مسمحاك على حـ ـرقة قلبي".
تنهد ونظر نحو حقيبة ملابسها الموضوعة خلفها لكن ما أثار أنتباهة أكثر صوت توقف سيارة بالخارج يتبعها أقترب أصوات أقدام وضع كفه فوق فـ ـمها يحـ ـذرها بأعينه ألا تنطق وأقترب من النافذة الخشبية المغلقة يستمع لأصوات الرجال بالخارج قائلًا:
-"واحد من الرجالة شافة وهو داخل البيت ده".
فـ أجابه الأخر مقترحًا:
-"ندخل نخلص على اللى جوة ونجيبه ونطلع".
عنـ ـفه الأخر وأردف مصححًا:
-"الباشا قال بدون شوشرة، هنستناه هنا أكيد هينزل".
أبتعد عن النافذة وجذبها لركن بعيد فى الغرفة يحديثها بصوت هامـ ـس للغاية:
-"خرجيني من هنا، أكيد فى طريقة ".
لا تنكر ريبتها من حديثهم بالخارج فـ تسألت على بضيق:
-" مين الناس دى وعملت أى عشان يدوروا عليك".
أبتسم "مهران" بمرارة وأجابها بشرود:
-"اللى بدأ بيجيله يوم وينتهي، وأنا مش هنتهي بالسهولة دى، عشان خاطر الحج رضا الله يرحمه ساعديني أمشي".
اومأت "فجر" بالأيجاب وأشارت له نحو جزء محدد بالغرفة قائلة:
-"فى باب بيطل على الشارع اللى ورانا، ساعدني نبعد الحاجات دى عشان نعرف نفتحه".
سارع بأبعاد المعدات مع مرعاة عدم أصدار صوت حتى نجح برؤية الباب الخشبي القصير وفتحت هى القفل الموضوع على الباب من الخارج حتى فُتح مصدرًا صوت صرير مزعج، أنحني سريعًا ودفع بحقيبة ظهره اولًا ونظرًا لطولة الفارع أضطر للإنحناء حتى يستطيع الخروج ومن ثم أمـ ـسك حقيبتها ومد يـ ـده حتى يجذبها هى أيضًا وأنحنت تغلق الباب من بعدهما فأستمع كلاهما للواقف بأول الطريق يصيح بأصدقائه:
-"الواد أهو".
أتسعت مقلتاه وجذبها سريعًا يركض فى الأتجاة المعاكس وهم من خلفهما يحاولون اللحاق بهم و "فجر" بحالة من الصدمة رغم ذلك تركض تحاول عدم التعثر بسبب خطواته الواسعة عكسها وقبل أن ينحرف لطريق جانبي سيعيدهما حيث المنزل من جديد جذبتة هى نحو طريق مُطل على منقطة سكنية لم تكتمل بعد يسيطر عليها الظلمة الحالكة تردف بأنفاس متسارعة:
-"أجري وسبني مش هقدر أكمل، متقلقش مش هقول لحد انتَ مشيت ازاي ".
عاد يحمل حقيبتها بدلًا عنها يجيبها بلهاث:
-" مش هينفع أسيبك شافوكِ معايا ".
عاود جذبها من جديد فـ فرفضت قائلة:
-" أنا معملتش حاجة عشان أهرب منها يا مهران".
وقف يحاول تنظيم أنفاسه يجيبها بهدوء:
-"ولا أنا عملت، محتاجين نبعد بمسافة كبيرة وبعدها هردلك معروفك واساعدك تلاقي مكان تقعدي فيه وامشي أنا، بس مش هينفع دلوقتي أسيبك ".
أومأت بعد صمت دام للحظات وواصلوا سيرهم فى صمت تام..
❈-❈-❈
عادت من الخارج بوقت متأخر ترتمي فوق فراشها
وجـ ـسـ ـدها مُرهق للغاية تنظر لهاتفها التى أهملته الساعات السابقة فوجدت ما يتخطى العشر رسائل من
" عدي " يحاول فيها منعها عن حضور التجمع هذا
يحـ ـذرها من الأندماج معهم، أبتسمت بسخرية والقت هاتفها دون الرد على رسائلة وسقطت فى سبات عميق..
❈-❈-❈
بالصباح الباكر..
وقفت معه أمام منزل بأحد الأحياء الشعبية تنظر لصاحب محل الجزارة الواقف أمامهم و "مهران" يحاول الوصول معه لسعر مناسب حتى تستطيع تأجير الطابق الأرضي بمنزله وتمكث به غافلان عن نظرات زو جة الرجل والتى تكاد تلتهمها حيّة.
وبعدما نجح أخيرًا فى أقناع الرجل ودلف كلاهما للداخل يضع حقيبتها أرضًا وأعطاها مفتاح المنزل البسيط قائلًا:
-"أتمني تكوني سامحتيني ولو بنسبة بسيطة".
أخذت المفتاح منه وأجابت بهدوء شديد:
-"شكرًا، تقدر تتفضل".
زفر بأرهاق وحمل حقيبتة يجيبها بهدوء مماثل:
-"هتصل بيكِ أطمن عليكِ ولو قدرت أجيلك هاجي".
أستدارت "فجر" ترمقه بتهكم قائلة:
-"اللى بينا أنتهي يا كابتن ".
أبتسم ببساطة يجيبها مبررًا:
-" أعتبريني أخوكِ زى ما قولنا لصاحب البيت، خلى بالك على نفسك ولو احتاجتي حاجة كلميني ".
لم تجيب وغادر هو مغلقًا الباب خلفه وأستلقت هى فوق الفراش تحتضن الوسادة الصغيرة بأحتياج للأمان التى أفتقدته بالأيام السابقة..!
❈-❈-❈
بعد مرور شهر..
وضعت "أيمان" الطعام بصحن "زينة" تحثها على الأكل قائلة:
-"ياحبيبتي مينفعش كده انتِ خسيتي أوي وجـ ـسمك بقى ضعيف".
أرتجفت أصابعها المُمـ ـسكة بالملعقة لتسقط بالصحن قائلة بعصبية غير مُبررة:
-"متغصبيش عليا سبيني براحتي".
زفرت "أيمان" بقلة حيلة وعادت "زينة" للخلف تضع ترتدي قبعة رأس سترتها تنظر حولها بأرهاق شديد وقد أصبحت أعينها حمراء أغلب الوقت تحيطهما أثار سوداء، و "رياض" يتابع ما يحدث فى صمت تام..
نهضت "زينة" لتصعد لغرفتها فـ تجمد جـ ـسـ ـدها عندما أردف "رياض" بخبث:
-"ما تكملي أكلك يا زينة".
لم تلتفت وأكملت صعودها وحاولت "أيمان" الحفاظ على ثباتها قائلة:
-"مجهود حلو منك يا رياض، بس للأسف ملوش لازمة، جرب تنام وقت فراغك او تعمل حاجة مفيدة".
نظر لها ساخرًا ولم يجيب ونهض يجذب سترته يغادر المنزل وصعدت "أيمان" سريعًا لغرفة "زينة" تصيح بتوتر:
-"قولتلك متروحيش عند اللى أسمه عطية ده، أهو رياض شافك وعرف أصلك".
أستدارت "زينة" ترمقها بصمت تام جعلها تندم على ما تفوت به وأردفت مصححة:
-"مقصدش يا بيسان بس.. ".
قاطعتها وهى تفتح الخزانة تخرج ملابس نظيفة قائلة:
-" انتِ مقولتيش حاجة غلط، دى الحقيقة".
صمتت "أيمان" للحظات قبل أن تردف بحنو كـ عادتها:
-"طب أى رأيك متنزليش مع صحابك النهاردة ونروح السينما سوا ونتعشي برا، بقالي كتير مش عارفه أخرج معاكِ لوحدنا".
وضعت "زينة" الملابس فوق الفراش تجيبها بجفاء قائلة:
-"لأ.. هخرج مع صحابي".
زفرت "أيمان" بقلة حيلة وتسألت:
-"طب عدي عامل أى، مبقتيش بتحكيلي عنه زى الأول".؟
توقفت قبل أن تدلف للمرحاض قائلة بذات الجفاء:
-"عشان مبقتش بكلمه اصلًا ".
أنهت حديثها وأختفت داخل المرحاض وعندما أنتهت وخرجت تسألت " أيمان":
-"غريبة أنا كنت حساكِ بتحبيه، ازاى مبقتيش بتكلميه".
وقفت ترتدي أقراط فضية اللون متوسطة الحجم وعقد بنفس اللون قائلة بلامبالاة غريبة:
-"صفحة وأتقفلت عادي".
أستغربت "أيمان" حالتها كثيرًا ونظرت لهيئتها الشاحبة التى تخفيها بمساحيق التجميل قائلة:
-"أنا عاوزة اوديكِ أكشف عليكِ، حالك مش عاجبني".
جذبت "زينة" حقيبتها قائلة ببرود وهى تغادر:
-مش هكشف.. باي".
تابعت "أيمان" مغادرتها بقلة حيلة تحاول الهدوء للتفكير فى القادم..
❈-❈-❈
عاد "إدريس" من معسكر الجيش بموعد أجازته التى لم يخبر عنها أحد وكان مقصده الأول هو منزل مُعـ ـذبة فؤاده وحبيبته الأولى.. "حبيبة".
فور أن رأه "غياث" شقيقها الأصغر أقترب سريعًا يحتضنه بشوق قائلًا بنبرته الطفولية:
-"مرايف عليك يا إدريس".
أبتسم "إدريس" وضمّ الصغير لأحضانه ونهض يقترب به من باب المنزل متسائلًا:
-"وينها حبيبة ".
أشار "غياث" نحو الداخل قائلًا:
-"بغرفتها، أنتظر دقيقة بخبرها أنك عاودت ".
وبالفعل أختفي الصغير لحظات قبل أن يعود وشقيقته تسير خلفة تخفض رأسها بخزي تقبض فوق كف يـ ـدها تخبئه عن أعينه، ترفع رأسها لتتقابل أعينهما فى شوق بالغ يبتسم بسعادة أرتسمت على ملامحة السمراء قائلًا بفرحة شديدة:
-" راح نجيلكم الليلة يا حبيبة، اخيرًا أبوي وافق".
ألتمعت الدموع بأعين "حبيبة" ولاحظها هو فـ أقترب بقلق متسائلًا:
-"توقعتك تفرحين لا تبكين، أى اللى صار بغيابي".
أبعدت يـ ـدها عن أصابعها فظهرت دبلة خطبتها وأنسابت دموعها قائلة بقلب مفطور:
-"أصيل حضر هو وأهله من أسبوعين و أمي وافقت وضـ ـربتني عشان أوافق وضلتها حبساني بالبيت، ما كان بأيـ ـدي وما عرفت أوصلك لأ انتَ ولا عدي".
أشتعـ ـلت الدماء بعروقه يشعر بأنه على وشك أخراج الأدخنة من أذنيه ينظر صوب والدتها التى خرجت للتو من المنزل تنظر نحوها بجمود جعلها تفر للداخل تنظر نحوه من خلف الباب تراقب وقوف والدتها أمامه قائلة:
-"ما لك عندينا نسب يا ولدي، أهلك ما يردونا وأنا بنتي جالها نصيبها، أتمنالها الخير مع غيرك".
ترك حقيبتة الضخمة أرضًا وصاح بتهور وغيـ ـرة عمياء متخليًا عن لهجته البدوية قائلًا:
-"ده أنا هسيح دم غيري، حبيبة ليا ومش هتكون لغيري ودلوقتي مش كمان شوية".
أنهى حديثة يخرج هاتفة من جيب بنطاله يحادث أبيه يطلب منه سرعة الحضور لمنزل "حبيبة" الآن هو ووالدته وقبل أن يغلق رأي أقترب سيارة "أصيل" منهما فـ وضع هاتفة بجيب بنطاله وأقترب يفتح هو باب السيارة يسحب "أصيل" منها ولكمة بكل ما أوتي من قوة..
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شهد السيد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية