-->

رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 22

 

قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة رواية مواسم الفرح 

من روايات وقصص 

الكاتبة أمل نصر


(ست الحسن)

الفصل الثاني والعشرون

بأعين غائمة وذهن شارد في ما حدث وأدى ألى هذه النتيجة التي هي بصددها الان، كانت نهال تتطلع من نافذة القطار الذي كان يجري بهن في طريقه المؤدي إلى البلدة، شقيقتها الجالسة بجوارها، انتبهت على الدمعة الساخنة التي سقطت على خدها، لتسألها بجزع:

- وه يانهال، هو انتى بتبكى؟

سمعت الأخيرة لتجففها سريعًا، وتجيب بهمس:

- ايه يا بدور ؟ وطى صوتك فضحتينا، دى عينى بس اطرفت من هوا الجطر الشديد، مفيش حاجة يعني.

بشك وفراسة قالت بدور:

- اتطرفت برضوا؟! ولا انتي فاكراني مش،واخدة بالي من هيئتك من وجت ما كنا في المحافظة؟ حصل ايه بس بينك وبين مدحت يخليكى تزعلى كده ؟!

طالعتها نهال بتفاجئ لتسألها:

- إنتي ايه اللى خلاكى تخمنى ان فى مشكلة بينى وبين مدحت؟

- مش محتاجه اخمن، هي باينه لوحدها، انتى مطفية وكأن ميتلك ميت وهو مرنش عليكى نهائى من ساعة ما ركبنا الجطر، ودى مش عادته، دا بيتصل ع الفاضى وع المليان، دا غير انه موصلكيش السكن زى كل مرة.

بكلمات شقيقتها وتذكرها لأفعاله العادية معها، والتي تخلى عنها اليوم، اغرورقت عينيها بالدموع وخرج صوتها ببحة متحشرجة، بثقل ما ينتابها:

- خلاض يا بدور كل حاجة انتهت، وكل واحد راح فى طريج.

بإجفال واستنكار هتفت بها بدور:

- انتى بتجولى إيه؟ أنا الكلام لا يمكن اصدجه، وهو يستحيل يحصل اساسًا، انتى بتحبيه وهو بيحبك

هزت برأسها لتقول بألم:

- ما يعرفش يا بدور انى بحبه، ومش من جريب لا دا من زمان، زمان جوى يا بدور من ساعة ما فتحت عينى ع الدنيا وانا مش شايفه حد غيره، لكن هو !!!

خلاص يا بدور جفلى ع السيره دى، انا مش جادره اتكلم .

صمتت بدور حتى لا تزيد عليها، لتظل تطالعها بقلب منفطر، بعدم فهم لما أدى إلى هذه الحالة التي هي عليها الآن، تود معرفة ما حدث بالتفصيل لتعرف السبب الحقيقي، ولكن قلبها اشفق عليها من الضغط، يكفيها ما بها، ولتتنتظر هي حتى تهدأ وتعلم بالأمر ثم تقول رأيها 


❈-❈-❈


في البلدة 

وتحديدًا في منزل العمدة كانت انتصار في الحديقة على وشك الانفجار وهي تعدو وتجيء في نفس المكان بقلق عظيم في انتظار ابنها الغبي، والذي تأخر عن موعده كما اتفقت معه من أجل سلامته وخوفًا من غضب أبيه حينما يبلغه الحقيقة في إهدار النقود التي اعطاها له في السابق كأجر متفق عليه مع هؤلاء المجرمين.

نظرت من البعيد نحو الغفير الذي وكلته بحراسته جييصي، وهو يقترب منها بخطوات مسرعة وهيئة زادت من قلقها، وهي لا ترى ابنها في صحبته، فور اقترابه هتفت به سائلة:

- واد يا جبيصى، جاى لوحدك ليه؟ فين معتصم؟ مجاش ليه معاك؟

تلجلج المذكور يبتلع ريقه بتوتر

- اصل ا، اصل ا ..

- اصل ايه يا زفت انت؟ انا مش منبها عليك، ان رجلك على تبجى رجله، فين الواد؟

هدرت به بحزم جعله يردف على الفور:

- والله ما ليا ذنب يا ست هانم، انا السلاح اتحط فوج راسي وضهري، معرفتش اعمل ايه؟

سمعت انتصار لتصرخ به بجزع وقد سقط قلبها من الرعب:

- سلاح ايه يا جزين؟ إيه اللى حصل لولدى؟ انطج يا زفت.


❈-❈-❈


- اللحج ولدك يا عمده، ولدك هيروح منينا يا عمدة ان مكنش راح، يا حبيبى يا ولدى....

صرخت بها انتصار مولولة وهي تلج لداخل المنزل تلطم على وجنتيها برعب بارتياع جعل زو جها يخرج إليها من غرفته بالداخل مفزوع؛

- فى ايه يا وليه؟ انتي اتجنتى ولا اتخبلتي؟ بتصرخى كدة ليه؟

اقتربت تخبره بهذيان:

- ولدك يا عمده، رائف وحربى، أحفاد ياسين هيخلصوا عليه دلوك ان ماكنش خلصوا، يا مرك يا انتصار، يا مرارك اللى هتشربى فيه لوحدك يا انتصار .

هدر بها هاشم بعصبية وصوت عالي:

- جرا ايه يا ولية انتي يا خرفانة؟ ما تفهمينى فى ايه؟ سيبتى ركبى من غير ما اعرف حاجة، الله يخرب بيتك.

التفت انتصار نحو غفيرها تردد بانتحاب:

- جولوا يا جبيصى، جولوا ياحزين، انا مجدراش اتكلم ، مجدراش يا مرارى، دا جانى على خمس بنته، هعمل ايه لو راح؟ هعمل إيه لو راح؟

- اخرصييى، ما سمعلكيش نفس تانى عبال الواد ده ما يحكيلى وانت ياد، اخلص جولى اللى حصل بالتفصيل، بسرعه يالا .

صرخ بها هاشم مقاطعًا لها بقوة، لتصمت انتصار تكتم بكفها على فمها مجبرة حتى يقص الاخر ما حدث للعمدة زو جها


❈-❈-❈


على موضع اللكمة التي تلقاها منذ ساعات في الجامعة وامام اعين الطلاب والموظفين بإهانة صريحة له لم يتعرض لها قبل ذلك طوال حياته، وعلى مدار تاريخه المهني، كان يونس يتحسسها بيــ ده شاردًا في كل ذلك، ورأسه تغلي من الغيظ، دلفت إليه مها ضاحكة تخاطبه ساخرة

- إنت لسه قاعد مكانك ومقومتش تروح؟

رد يونس بغل:

- انا لسه دمى بيغلى اساساً، ومليش نفس اروح .

جلست على المقعد المقابل له، تمد بكفها اليه قائلة:

- طيب شيل ايدك ورينى كدة.... طب ما هى خفت عن الاول اهى، كويس بقى انك دكتور وفاهم .

قالتها بتتدقيق النظر وهي تتفحص الإصابة على فك يونس المتألم، وقال الاَخير:

- طب والإهانة؟ دا انا الكلية كلها شافتنى بنضرب . وانا راجل وليا وضعى، وفى ناس عارفانى هناك.

ردت الأخرى بشماتة صريحة:

- وكان حد قالك تروحلها الجامعة، وانت عارف صاحبك وجنانه!

بنظرة ذات مغزى قال يونس:

- واعمل ايه بقى؟ ما انتى لو اتصالحتى معاه كان زمانى دلوقتى خطيبها من ابوها اللى كان هيطير من الفرحه اول اما كلمته، قبل ما يجي صاحبنا ده زى غراب البين ويخطفها منى .

بحنق شديد ردت مها تفور من الغيظ:

- يا سلام !!! وفيها ايه دى يعنى عشان تجذبك انت وهو بالشكل ده.

برغبة خبيثة داخله قال ليزيد عليها:

بصراحة البت حلوه اوى، دا غير انها كده بخيرها، ولسة ما اتعلمتش اللوع وحركات بنات الأيام دي .

نهضت بعدم تحمل تهتف بها ساخطة:

- طيب يا خويا ورينى شطارتك وشوف هتفكها منه ازاى دا كمان؟ بلا قرف 

قالتها ثم خرجت لتترك الاَخر، يغمغم مع نفسه ردًا عليها:

- اكيد هفكها منه، ان مكنتش فكيتها اساساً ، دا صاحبى وانا عارفه . 


❈-❈-❈


طرق بعنف وأصوات تصيح غاضبة على باب المنزل :

- افتح يا حج ياسين، افتح اما اجولك .

- يا ساتر يارب، مين اللى هياجى دلوك فى الليالى وبيخبط علينا كده بالغباوه دى؟

قالتها صباح وهي تخرج مجفلة من غرفتها، لتضغ الشال على رأسها المكشوف لتغطيته، في طريقها لفتح الباب، قبل أن تفاجأ بوالدها الذي خرج من غرفته على سماع الصوت هو ايضًا، هاتفًا بها:

- استنى عندك يا صباح، هفتح انا .

- هو انت عارف يا بوي باللي واجف برا ع الباب؟

سألته صباح وقبل ان يجيبها في طريقه، دوى الصوت من الخارج:

- انا بجولك افتح يا ياسين، افتح ياللا خلص انا على اَخري. 

سمعت صباح لتصيح غاضبة :

-ما تستنى لما نفتح يا جدع انت يالى واجف ع الباب . كنت حكومة اياك، ولا كنت حكومة!

أوقفها ياسين بإشارة بكفه أمامها في الهواء، وبعدها قام بفتح الباب، ليجد هاشم الذي كان واقفًا بغضبه، يباغته بالسؤال على الفور:

- ولدى فين يا حج ياسين ؟

وقف الاَخير يناظره بصمت مضيقًا عينيه، ليقول بلؤم مدعي عدم المعرفة:

- ولدك !! وايه اللى هيجيب ولدك عندى يا عمده؟

زفر هاشم يخرج الدخان من أذنيه وأنفه ليصيح به:

- إنت عارف يا ياسين، وبلاش تتلائم عليا انا عارف ومتأكد انك تعرف مكانه .

على نفس الوتيرة إكمل ياسين:

-وهرف عرف منين بجى؟ ثم أنا إيه اللى بينى وبين ولدك عشان اخطفه ولا اعرف مكان خطفه حتى .

كز هاشم على أسنانه بحنق قائلاً:

- برضك بتلف وتدور عليا وتعمل نفسك مش عارف؟ طب اسمعني بقى وكلم رائف و حربى، ميجربوش من ولدى، انا متأكد انهم هما اللى خطفوه.

بسخرية متهمكًا قال باسين:

- ومال عيالنا بولدك ؟ هو فى حاجه ما بينهم لا سمح الله .. ما تجول يا عمده بدل ما انت سايبنى كده زى الاطرش فى الزفه.

كلماته الا مبالية ورد فعله الهاديء بشدة زاد من استفزاز هاشم ليُظر وجهه الحقيقي في قوله:

- لأخر مره بنبه عليك يا ياسين، كلم عيال ولادك انا ولدى مش هيكفينى فيه البلد كلها .

سمع منه ياسين ليتخلى على عبثه وقد وصل إلى غرضه الرئيسي منه، ليجيب بقوة:

- واحنا ولدنا مش هنفرط فى حجه ولو هتطير فيها رجاب، سامعنى يا هاشم. 

شعر هاشم بخطئه في تهديد رجل مثل ياسين فحاول الحديث ببعض اللين:

- اتصل بيهم يا ياسين، واحنا هنتراضى ونعمل جلسة صلح وليك عليا اجيبلك حج عاصم واراضيه .

بابتسامة ساخرة رد ياسين:

- وان شاء الله هتراضيه كيف؟ هتديلنا فلوس ولا ارض ؟

- اللى انتو عايزينه انا موافج بيه .

قالها هاشم بلهفة ليجد الرد السريع من ياسين:

- شوف يا عمدة، اللى احنا عايزينه هو العدل، هتجدر تحجج العدل يا عمدة؟

قال هاشم بتوتر امتزج برجاءه:

- هراضيكم باللى تطلبوه، بس بلاش تجربوا من ولدى دا الوحيد على خمس بنته.

- اسمع يا هاشم احنا اللى يرضينا، ان اللى غلط يتعاقب ..

قالها بقوة ياسين ليرد هاشم، وقلبه على وشك التوقف من الخوف:

- وايه هو العقاب اللى انتو عايزينه؟

رفع ياسين كفه أمام الاَخير ليردف ملوحًا بالسبابة والأبهام:

- حاجة من الاتتين، يا نمشيها جانونى وولدك يتحبس .. يا نمشيها عرفى وتبجى العين بالعين والسن بالسن .

ابتلع هاشم يجيبه بتساؤل:

- تجصد ايه ياسين؟!

اشتدت ملامح الاَخير بقسوة وهو يقول بعزم،:

- يعنى تحمد ربنا ان ولدنا ربنا كتبله عمر جديد، بدل ما كنا خلصنا على ولدك من عشيتها، لكن مدام رسيت على كده يبجى جبال كل عضمة اتكسرت من عاصم، يتكسر جبالها عضمة فى ولدك اختار يا عمدة.

سمع هاشم ليهدر بشيطان تلبسه بالرفض والخوف والتهديد:

- انا مش هسكت يا ياسين على ولدى لو جراتله حاجة، هبلغ عنيكم وهوديكم فى داهية، ولدى لو لمستو شعره واحدة بس منه هولع فيكم كلكم، انا مش هسكت يا ياسين، دا الحيلة اللى طلعت بيه من الدنيا، انا مش هسكت يا ياسين، مش هسكت .

ظل يرد ويكرر وهو يغادر منهيًا حديثه، وياسين وقف يراقبه حتى اختفى، ليلتف بعد ذلك على قول ابنته صباح التي سمعت بالحديث من أوله وفهمت كل شيء:

- هاشم مش هيعديها يا بوى، دا تعبان ،وسككه الشمال كتيرة.

رد ياسين رافعًا حاجبه بشر:

- خليه يجيب آخره، عشان الحساب يجمع .


❈-❈-❈


- بس لو تجولى ع اللي بيك، ومخليك شايل الهم كده ومش طايج حد.

قالها عاصم مخاطبًا مدحت الجالس على كرسي بجواره، متكتف الذراعين بوجه مقلوب، وكلمات تخرج بصعوبة، فتابع له عاصم:

- ما ترد يا واد عمى وبلاش تكتم فى نفسك، انا عارفك زين، انك تبجى بالهيئة دي يبجى الموضوع كبير جوى.

تنهيدة كبيرة مثقلة خرجت من الاَخر ليقول بتساؤل:

- تفتكر نهال بتحبنى يا عاصم؟ ولا انا ضيجت عليها في موضوع جوازي منها.

قطب عاصم مستغربًا يجيبه: 

- وه، مين جال الكلام ده؟ وايه لزوم السؤال اصلًا وانت عارف....

قاطعه مدحت بقوله:

- انا مش عارف حاجة يا عاصم، جولى انت عشان انا مخى هينفجر .

وينفجر ليه بس؟ و ايه اللى دخل الفكرة دى فى مخك اساساً؟

صاح بها عاصم متسائلًا والاَخر يكمل برجاءه:

-جولى بس يا عاصم لو تعرف ؟

- اعرف ايه يا بني أدم انت، دى بتحبك من جبل انت حتى ما تحبها، نهال اتربت على يدى هى وبدور، وانا اعرف الاتنين من نظرة عنيهم، من غير حتى ما يتكلموا.

قالها عاصم بثقة جعلت الاخر يسترخي قليلًا مع شعوره بصدق الكلمات، ولكنه انتبه على الأخيرة ليسأله باستفسار:

- من جبل ما احبها! كيف يعنى ؟ كانت بتحبنى وهى عيله صغيره مثلا؟

- وليه لأ ؟ مش يمكن كانت شايفاك فارس لاحلامها زى معظم البنته.

طيف ابتسامة سعيدة اعتلت ملامحه، وقد اعجبه الوصف، قبل أن تتغضن مرة أخرى بيأس يقول:

- ازاى بس يا عاصم؟ دى طلعت عيني على ما وافجت بيا وعمرها ما جلتهالى صريحة. 

- حجها تطلع عينك، ولا انت ناسى انك اتجدمت لاختها الصغيرة فدا اجل واجب تعمله معاك .

قالها عاصم ليستوعب الاَخر ببعض الاقتناع، مرددًا:

- يا ريت يا عاصم، دا انا من ساعة ما الزفت ده اللى اسمه يونس ما جالى انت فارض نفسك عليها وانا الدنيا بتلف بيا وخايف لاكون صح فارض نفسى عليها وانا مش عايزها تيجي كدة، عشان بحبها جوى، جوى يا عاصم، لدرجة خلتني اميز واعرف ان تجربتى مع مها كانت لعب عيال ونهال هى الحب الحجيجى ليا .

فهم عاصم واستشعر بصدق الوجع المؤلم بقلب ابن عمه، فقال بنصح:

- بت عمك بتحبك وانت بتحبها يا مدحت، فبلاش تدى للشيطان فرصة يوجع ما بينكم، مع اني مش عارف ايه اللي حصل، وكنت اتمنى انك تحكيلي عشان اشوف الصورة اوضح .

مع بعض الارتياح الذي تسلل إلى قلبه، تشجع مدحت ليتناول الهاتف من جيب سترته، قائلا لعاصم:

- طب استنى اتصل اطمن عليها الاول وبعدين احكيلك كل حاجة، دا انا من ساعة اللى حصل ما كلمتهاش .

صمت عاصم ينتظر، ومدحت يحاول الاتصال، ليرد بعدها بخيبة أمل:

- للاسف تليفونها مغلق .

اضاف على قوله عاصم:

- وللأسف كمان هى سافرت النهاردة البلد مع بدور...

انتفض مدحت يريد تكسير الهاتف والقاءه بعصبية:

- سافرت من غير ما تجولى ولا حتى تديني خبر، ماشى يا نهال، انا ان ما ربيتك ما بجاش انا . 

ضحك عاصم يردد بعدم استيعاب لحالة الاَخر وقلبته السريعة:

- يا بنى انت مجنون؟ عليا النعمة انت مجنون، طب ايه ذنب التليفون؟


❈-❈-❈


داخل منزل قديم وبالغرفة وحده مقيد في العمود خرساني بالحبال الغليظة، التي لا تمكنه من حلها على الأطلاق، حوله الفئران والزواحف منتشرة على الأرض، واعلى الجدارن المتشققة، يرتجف بذعر صارخًا بأسمائهم:

- يا رائف يا حربى، حد ياجى يفكنى، انا معملتش حاجة لدا كله، يا رااائف، يا حربييييى، حد فيكم يعبرنى ولا يرد عليا، يا بووووى، انا هموت هنا فى الحتة المعفنة دى اللى عامله زى الجبر، يا بوووووووى، هتشيلوا ذنبى يا بوووووى .

طل برأسه عليه حربي من الفتحة الصغيرة بالباب، ثم عاد مرة أخرى قائلًا لابن عمه رائف، والذي كان بجوار النار التي أشعلها في صالة المنزل المهجور منذ قليل للتدفئة وإعداد المشروبات الساخنة :

- ابن المحروج ده صدعني، اروح اكسرلوا نفوخه واستريح منه ومن جرفه .

ضحك رائف وهو يصب من الركوة الشاي الساخن في الكوبين الزجاجيين:

- ما هي دى عوايدوا، الصراخ زى الولايا، يعمل النصيبة وبعدين ما يتحملش توابعها .

قال حربي بغيظ:

- ااه يا نارى، يا ما نفسى ادخل اديلوا العلجة النضيفة اللى تنسيه اهله.

اعترض رائف بحزم يعاتبه:

- لا يا حربى، احنا ننفذ اللى يجول عليه جدك بالحرف هو ادرى منينا فيها دي.

سمع الاَخير، ليتناول كوب الشاي خاصته، كي يرتشف منه ثم يقول:

- ماشى، اما نشوف إيه اخرتها .


❈-❈-❈


في منزل العمدة لم تكف ولم تتوقف انتصار عن النحيب، مع مرور الوقت وتعقد الأمور اكثر من ذي قبل:

- ياحبيبى يا ولدي، يا ترى عملوا فيك ايه دلوك؟ يا مين يطمنى عليك يا حبيبى ولا يجولي على مكانك، يا مرك يا انتصار، يا مرك، يا مرك .

هدر بها هاشم بسأم وقد فاض به منها:

- ما تبس يا ولية انتى فضيها، خبر ايه؟ هتفضلى تندبى كده للصبح؟

ردت تضرب بكفها على فخذها مستمرة فيما تفعل:

- ولو بطلت هتريح جلبى وتجولي ولدى فين ؟ جولى ان كنت تعرف، جولى يا عمدة. 

صرخ بها بانفعال:

- فوضيها يا انتصار، انا فيا اللي مكفيني، ولدك بعت الرجاله اللى تبعى يجلبوا البلد عليها واطيها عشان يجيبوه.

ردت انتصار بعدم تصديق:

- اممم وهيعرفوا يجيبولي ولدى من ياسين؟ دا انت عارفه اكتر مني، ناعم لكن جرصته والجبر.

بثقة وتصميم قال هاشم:

- هيعرفوا يا غالية، دول مش غفر الحكومة اللي شغالين عندك، دول ولاد ليل يعنى يعرفوا العفريت مخبى عيله فين؟ .... استنى ارد على واحد فيهم بيرن ع التلفون 

قالها وتناول هاتفه الذي يدوي بصوت الاتصال ليجيب محدث:

- الووو ........... كيف يعنى مش لاجيله اثر خالص، دور تاني وتالت ورابع، تجيلي ولدي من تحت الارض......... متجولش اهدى، جولي خبر عن الواد، يا متكلمنيش خالص......... اسمع إيه يا غبي؟ هو انا فيا دماغ للت والعجن كمان......... بتجول ايه؟

عند الاخيرة برقت عيني هاشم واعتدل بجلسته حتى انتبهت انتصار لتنصت جيدًا له وهو يأمر الرجل:

- هاتهم!.

- هو مين اللي يجيبهم. 

سألت انتصار، ولكنه اوقفها بإشارة من بكفه ليتابع للرجل عبر الهاتف:

- ايوه هاتهم وملكش دعوة، وانا هبلغك تروح بيهم فين؟ بس بعد ما تديني التمام .

انهى المكالمة لتسأله انتصار بلهفة وتعجب:

- تمام ايه وكلام فارغ ايه؟ هو انت سلطته يجيب مين؟

تبسم هاشم بثقة عادت إليه اضعاف يجيبها:

- هجولك يا انتصار!


❈-❈-❈


في منزل راجح وقد كان مستغرقًا في نومه، ليستقظ مجفلًا على صوت الهاتف المزعج والذي كان لا يكف عن دوي صوت الاتصالات به، حتى اضطر على مضض يجيب بنعاس:

- الوو.... مين معايا؟

- ايوة يا راجح ،اصحى معايا كده وافهم اللى بجوله .

اعتدل بجذعه راجح يقول مستغربًا:

- انت مين يالى بتكلمنى كده فى الساعه دى؟

الطرف الآخر:

- أنا واحد من طرف العمدة يا عم راجح، وهو اللي بيجولك توصل الرساله دى لابوك، إن ما كنش يرجع معتصم سالم غانم لابوه، يبجى جول على بنتتك انت الدكتوره واختها يا رحمن يا رحيم!



 يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة