رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 23
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل الثالث والعشرون
بعودة الغائب تسترد الروح وهجها، وبلقاء الأحباب تطفيء نار الإشتياق، فيهدأ البال وتغمر النفس السعادة باللقاء.
هذا التعبير كان أقل كثيرا مما كانت تشعر به سميحة وهي تقبل وتحتضن ابنها البكر بلال، بعد عودته من سفره في إحدى الدول العربية من أجل الاطمئنان على شقيقه:
- حمد الله ع السلامة يا حبيبى، اتوحشتك جوى يا غالى .
- يا وليه سيبه شوية ياخد نفسه، لسه ما شبعتيش احضان فيه.
قالها سالم بمناكفة لتصبح به سميحة بانفعال:
- باه يا راجل، مش بجالى سنين ما شوفتوش الغالى البكرى حبيب جلبى ده.
تدخل عاصم مدعي الغيرة:
- والله واتنسيت يا عاصم، وجاه اللى ها ياكل الجو منك.
هتف يشاكسه بلال ضاحكًا، وهو يزيد باحتضان والدته؛
- انت لسه شوفت حاجه، دا انا هاروشك الايام الجاية، يا حبيبتى ياما يا غالية
قال عاصم بدرامية:
- شايف يا بوى؟ اللى عامل نفسه نازل مخصوص عشانى، جاى يغيظنى .
رد سالم مندمجًا معه في مزحته:
- عندك حج يا ولدى، وانا اللى كنت فاكره عجل بعد ما سافر الخليج !!
جلس بلال بوالدته على طرف التخت المقابل يردد للإثنان:
-واعجل ليه يا بوى؟ انا هفضل طول عمرى كده، عشان مكبرش ابدًا .
هنا رد عاصم بجدية:
- ما هو باين عليك يا واد ابوى، اللى يشوفك يفتكرك فى العشرين وانت معدى الخمس والتلاتين
جلجل بلال بضحكة عالية قائلًا:
- وه يا عاصم، انت هتنبر عليا ولا ايه؟
جاء الرد من سالم والده:
- ينبر عليك ليه يا خوى؟! كنت احلى منه ولا احلى منه ؟
عبس بلال موجهًا حديثه لوالدته بدرامية:
- واعيه ياما ابويا بيلمح لأيه؟ بيدوس ع الجرح، عشان عاصم طويل وعريض عليا، يرضيكى ياما ؟
ضحكت سميحة تندمج معه في حزب مضاد لعاصم وز وجها:
- لا يا حبيبى ما يرضنيش، الجماعة دول متفجين مع بعض عشان هما طوال، ضدنا انا وانت عشان مجربين من بعض في الطول.
بسخربة ضحك سالم يردد:
- يا جلب امك يا خوى، فرحان بالهشتكة والبرود!
اومأ بلال بهز رأسه يردد بتأكيد:
- ايوه انا جلب امى يا بوى دا حجيجى، مش وارث طولها.
ضحك الجميع ليظلوا في مشاكسات ومناكفات، يستعيدوا بها أوقات سعيدة كانت تمر في السابق عليهم حينما كانوا جمعة، قبل أن يبتعد ابنهم عنهم، والذي غلبه طبعه المتعصب ليحدث شقيقه بجدية وغضب:
- ها يا غالى، جولي بجى اتعركت مع مين؟ عشان انا جاى اخلص.
اجفل عاصم من هذا التحول الغريب لشقيقه ليرد بانفعال هو الاَخر:
- تخلص كيف يعني؟ هو انا عويل ومش هعرف أجيب حجي عشان ترجع انت من سفرك وتجيبه؟
عقب سالم والد الإثنان:
- انت لساك مجنون يا واد انت؟ مين جالك اساسًا بالموضوع ده؟!
رد بلال بأصرار:
- عرفت زي ما عرفت يا بوى وخلاص، المهم دلوك اعرف مين هو اللى سلط عيال ال..... على عاصم، لأن الأمر ده ميخصهوش وحده، دا يخصها كلنا فهمني يا باشا انت؟
وجه الأخيرة لشقيقه، وتدخلت والدته ايضًا:
- خبر ايه يا بلال؟ هو انت لساك على طبعك ده، جال واحنا اللى جولنا ربنا هداك لما روحت الخليج.
ببراءة مصطنعة رد بلال:
- ما انا ربنا هدينى ياما، هو انا عملت حاجة دلوك يعني؟ انا بس عايز اعرف ابن المركوب اللى اتجرأ ومس اخويا بسوء، فيها حاجه دى؟
❈-❈-❈
على سجادة الصلاة كعادته في هذا الوقت ، كان جالسًا مربع القدمين على الأرض يقرأ ويسبح على مسبحته العقيق، قبل ان ينتفض مجفلًا على صياح ابنه، الذي ولج فجأة لداخل المنزل مرددًا
- اللحجنى يا بوى، بنتتى يا بوى، هيضيعوا مني يا بوي.
نهض ياسين عن جلسته مفزوعًا ليسأله:
- مال بنتتك يا واد؟
اقترب منه راجح لاهثًا بفضل ركضه من منزله حتى هنا، ليقول:
- بنتتى خطفهم العمدة يا بوى، عشان انت خاطف عاصم، زى ما بيجولوا .
سأله ياسين بعدم استيعاب:
- هما مين اللى بيجولوا؟ انا مش فاهم حاجة.
صرخ به راجح:
- يا بوي افهمني، دول جماعه اتصلوا بيا جبل الفجر من شوية كدة، جالولى انهم خطفوا نهال وبدور وعايزني ابلغك انت مخصوص، حن عليك يا بوى، دولا عيالى يعنى انا عندى ادفن حى ولا حد يمسهم .
تفهم ياسين ليهدر به بعصبية:
- ومين اللى هيجدر يمسهم اساساً؟ اجمد يا واد كدة، بس المهم دلوك انت اتاكدت من الكلام ده؟
ردد راجح بصوت ملتاع وجسد يهتز من فرط خوفه:
- ايوه يا بوى، ودا لأن البت امبارح اتصلت وجالت انهم نازلين البلد فى الجطر، يعني كان مفروض يرجعوا من ساعات لكن اللي حصل هو أنهم لحد دلوك ما وصلوش وبرن ع التلفون بيدينى مغلق، يبجى حصل يا بوى والكلام صح اللى جالهولى واد الفرطوس .
اشتعلت رأس ياسين واحتدت عينيه بنيران وقد تبين من جدية الموضوع الاَن، ليتمتم بالسباب قائلًا:
- اه يا هاشم الكلب...... هى وصلت كمان للحريم ...دا انا هشربك المر كاسات كاسات...
قاطعه راجح بصوت مرتجف:
- احب على يدك يا بوى رجع معتصم لابوه ، دولا عرضى يا بوى.
هدر به ياسين غاضبًا؛
- اصلب طولك يا واد، محدش يجدر يمس عرضك .. والعمده اكتر واحد عارف بالعواقب لو بس لمسهم .
صرخ راجح بعدم احتمال:
- يا بوى اسمعنى، دا اللى بلغنى جالى جول على بناتك يا رحمن يا رحيم، حن عليكم بعدونى انا وبناتى من الحسبه، وان شالله اهج واسيب البلد حتى .
جذبه ياسين من ذراعه ليعانقه ويربت على ظهره حتى يخفف عنه، مقدرًا لوعته وخوفه الشديد على البنتين، تلقف راجح حضن والده، لتسقط دمعات ساخنة منه على غير ارادته، ليشعر بها ياسين على كتف ذراعه، وكأنه نار تحرقه فقال يريحه:
- خلاص اهدى، كل اللى انت عايزه هيحصل، وهرجع معتصم لابوه وارجعلك انت بنتتك منه.
سمع راجح ليرفع رأسه عن والده، قائلًا وهو يجفف بطرف كمه الدمعات:
- ارجوك بسرعه يا بوى انا سايب امهم شايله الطين فى البيت ولولا انى حلفت اليمين عليها لكانت جاتلك صارخه من بيتى.
ربت على كتفه ياسين مرة أخرى، بابتسامة مطمئنة، ولكن عقله كان يسبح في جهة أخرى، مفكرًا في هذا الخسيس الذي لعب معه بقذارة، يفعل احط عمل في عرف البشر أجمعين، وليس عرفهم هم فقط.
❈-❈-❈
فتحت أجفانها للضوء الخفيف الذي كان يتسلل في هذا الوقت من الصباح، ظلت ترفرف بأهدابها لعدة لحظات تستعيد وعيها، لتضيق عينيها باستغراب؛ للنقوش التي تزين السقف ثم تنزل على الجدران الغريبة عما تراه بمنزلها او سكنها في الجامعة، شقيقتها غافية ايضًا بجوارها على تخت كببر وضخم، اعتدلت فجأة لتتوسع عينيها بذهول لهذه الغرفة الواسعة بحجم الصالة في منزلهم، اللوان قديمة وبعض الصور المؤطرة الملتصقة بالجدران والاثاث الكلاسيكي، تصميم يشبه منازل البكوات والبوشات التي كانت تراها في شاشات التلفاز،
بزعر تملكها حاولت تعتصر بعقلها لتفكر في السبب الذي أتى بها إلى هنا، للتتذكر القطار وهبوطها هي وشقيقتها في محطة البلدة ثم الخروج والبحث عن وسيلة تقلهن الى منزل والديها، ثم....... هنا تذكرت الرجل الغريب الذي استوقفهن سائلًا برجاء عن عنوان طبيبة نسائية لزو جته المريضة بشدة في السيارة الأجرة، وأجابته هي عن عنوان طبيبة في إحدى البنايات القريبة من المحطة، قبل أن تفاجأ برذاذ قوي أعمى ناظريها مع شهقة مكتومة من شقيقتها التي ما أن حاولت أن تلتف اليها لتجدها تسقط مغشي ورجل ما يتلقفها، وقبل أن تتمكن هي من الصراخ على الرجل، انقطع الضوء امامها، واختفى الشعور بأي شيء، لتعي الاَن وضعها.
انتفضت فجأة لتوقظ شقيقتها:
- بدور يا بدور، جومى اصحى شوفى احنا فين؟
بهزهزتها بعنف استفاقت بدور مرددة برأس ثقيل:
- ايوه أيوة يا نهال، صحيت اها صحيت.
صاحت بها بحزم:
- يا بت جومي، دا احتا شكلنا اتخطفنا يا جزينة.
- اتخطفنا كيف يعني؟
قالتها بدور مجفلة وهي تستعيد وعيها جيدًا، لتتابع وهي تعتدل بجذعها عن الفراش بأعين تجول في الأنحاء حولها:
- ايه ده؟ احنا فين صح؟ وايه واللى جابنا هنا؟
هتف بها بانفعال:
- ما انا بجولك فوجي خلينا نشوف مين اللى جابنا هنا؟ وهنطلع ازاى؟
برعب تملكها، تطلعت بدور برعب نحو شقيقتها المتحفزة بانفعال جعلها تنهض لتتفحص النافذة لتجدها محكمة الغلق، لتبرق عينيها بغضب نحو شقيقتها مرددة:
- الشباك متمسمر بالمسامير الحديد عشان محدش يعرف يفتحه، تمتمت بدور بارتياع واضعة كفها على فمها:
- يا مراري ليكونوا اللي جابونا هنا مجرمين؟
- ليكونوا
رددتها نهال بتهكم، قبل أن تتحرك نحو باب الغرفة تحاول فتحه، بعدة محاولات باءت بالفشل، وذلك لأنه كان مغلق بمفتاحه من الخارج، فاض بها لتضرب بكفيها الاثنان بقوة على الباب، وبصوت عالي كانت تهتف:
- انتو ياللى هنا افتحو، ورونى وشكم يا ابن الفرطوس، يا واكل ناسك انت وهو، حد فيكم يرد عليا، دا انتوا بينكم اتخبلتوا عشان تخطفوا احفاد الحج ياسين، افتح يا زفت انت وهو، افتح اما اجولك.
على التخت الذي اللتصقت به، تكلمت بدور بصدمة:
- يعنى على كدة احنا مخطوفين صح يا نهال دلوك؟
طب ليه؟
هتفت بها نهال بقوة:
- متخافيش يا بت، وحتى لو خايفه متبينيش لحد منيهم انك خايفة، فاهمه ولا لاه؟
اومأت لها بدور بهز رأسها، وداخلها لا تشعر بالثقة في أنها تستطيع فعل ذلك، لكن ما يطمئنها بعض الشيء، هي القوة التي تتحدث بها شقيقتها، والتي لم تكف على الطرق بقوة وازعاج على باب الغرفة، مما اضطر الرجال القابعين في الخارج للرد عليها
- ما تبس يا بت انتي وهي فضوها
❈-❈-❈
- ما تبس يا بت انتي وهي فضوها .
صاح بها أحد الرجال منزعجًا ويدعى عيسى، وقد جالسًا مع رفيقه على مائدة السفرة القديمة يتناولان فطورهما، ليعقب الاخر ايضًا وهو يدعى عبد الناصر:
- لسانها حامى جوى البت دى، بس انت سيبك منها، تصرخ لبكره حتى، لما تشوف مين هيسمعها فى الجصر الكبير ده.
قال عيسى بابتسامة عابثة؛
- تتخيل من فيهم يا عبده؟ ام عيون خضرا ولا اللى عينها كيف الزتونى كدة؟
سمع الاخر ليجيب بانبهار:
- يا بوى، دا الاتنين يحلوا من على حبل المشنجة، ايه الحلاوة دي؟
ضحك عيسى قائلًا:
- اه والله عندك حج، بس لو ماكنش العمده مشدد علينا، اننا ما نجربش منهم، كنا خدناهم انا وانت واتجوزناهم .
شرد عبد الناصر ليقول بتمني:
- وه، دا انا كنت ابطل اجرام وابطل حتى الشغل واجعد بس اتأمل فيها؟
انتبه عيسى ليطرقع بأصباعيه أمامه ليُفيقه:
- هو انت اخترت خلاص؟ اصحى يا عبده، احنا مصلحتنا انهم يرجعوا سالمين لاهلهم واحنا نعكملنا مبلغ محترم من العمدة وبعد كده انت هتجدر تختار على كيفك اللى تتجوزها وتتوبك، دول الشغل يا حبيبى، ماشى يابا. اصحى اصحى .
قال الأخيرة بنكزة على ذراعه جعلته يصدر صوتًا متألمًا، عقب على اثره زميلهما الثالث الذي كان يدلف لداخل المنزل ليشاركهما الإفطار:
- بتزغده ليه على دراعه؟
رد عيسى بارتباك:
- متشغلش نفسك انت يا متولى، دا انا بس بشد عليه عشان عينه ما تغفلش .
اومأ متولي بهز رأسه، لينكفيء على الطعام ويتناول بنهم، قبل أن يجفله عبد الناصر بقوله:
- متولى، مدام انت من البلد وعارف اهلها، يبجى أكيد تعرف جوز البنته اللى زى الجشطه دول صح! هما بنتت مين فى بلدكم؟
توقف الطعام بحلق متولي ليرفع انظاره إليه بغضب، يقول بتحذير:
- اعرفهم ولا معرفهمش إنت مالك؟ اسمع اما اجولك انت وهو، البنته اللى جوا دول، اياك حد فيكم يبصلهم حتى، مش يكلمهم، انا بحذركم، انتوا الاتنين اغراب عن البلد، فاهمين ولا اجول للعمده يفهمكم .
على الفور رد عيسى باضطراب:
- فاهمين أكيد يا ابو عمو، هو انت هتكبر الموضوع ليه بس؟
❈-❈-❈
فتح حربي عليه باب الغرفة القديمة فجأة، ليجد رأسه المتدلية، على صــ دره المقيد بالحباب وسائر جسده في العمود الخرساني، كما تركاه منذ الأمس، اقترب منه ليطرق بكف يده على عنقه من الخلف ليجفى الاَخر وقد أيقظه صارخًا:
- اه
صاح به حربي هادرًا:
- اصحى ياد، هو احنا جابينك تنام هنا يا روح امك ياك؟
بنبرة باكية رد معتصم:
- خبر ايه معاكم عاد؟ مش كفاية ربطني من امبارح زي البهيمة، كمان مش عايزنى انام!
دلف رائف على الصوت ليقول بحزم:
- مش تحمد ربنا ان احنا سايببنك عايش اساساً؟
بوجه انسحبت منه الدماء قال معتصم:
- عايش كيف؟ وانتوا سايبينى من امبارح مربوط مع الفيران والخنافس وحاجات كتيرة، مش عارف اساميها حواليا بتمشى، حرام عليكم .دا انا ضهرى وجعنى من الوجفه وسيابينى جعان من غير وكل .
حربي بلهجة متهكمة:
- جاك الطين، وهو ليك نفس كمان تاكل يا جزين؟
رد رائف :
- معلش يا واد عمى خلينا نوكله، ما احنا كمان مش مستعجلين على موته برضوا .
ردد خلفه معتصم بزعر:
- موت مين؟
ضحك رائف يجيبه وهو يرتد بأقدامه ليخرج:
- تفتكر هيكون مين يعني؟ اكيد موتك انت يا بطة.
قهقه بضحكة عالية يكمل:
- ثوانى يا جلبى اجيبلك تاكل.
ضحك حربي أيضًا وهو يلحق بابن عمه وعينيه تراقب رد فعل معتصم الذي شحب وجهه من الرعب كالأموات.
❈-❈-❈
صاحت حتى بح صوتها، وطرقت على باب الغرفة حتى تعبت ويأست من أي نتيجة، لتعود للجلوس بجوار شقيقتها، التي كانت تضم قدميها إليها، متكورة على نفسها تبكي الخوف من المجهول، ونهال تطالعها بعجز، لا هي بقادرة على طمأنتها، ولا تجد ما يعدها بذلك، ليظل هذا الوضع قائمًا حتى انفتح باب الغرفة فجأة بدفعة قوية أجفلتهن، جففت بدور سريعًا دمعاتها بطرف كم بلوزتها، وانتفضت نهال بتحفز لتواجه الرجلين الذين ولجا لداخل الغرفة عندهن، واحدهما يحمل صنية طعام، فقال يدعوهم بهدوؤ
- الفطور يا عرايس.
صاحت بهن نهال:
- انتوا مين؟ وليه خاطفينا انا واختى؟
قال عيسى يجيبها:
- ملكيش دعوة، انتى ليكى تاكلى وتشربى لحد اما يتفك حبسكم انتى والسنيوره اختك وتمشوا بعدها، بس كدة.
تجرأت بدور لتسأله:
- بتجولك خاطفينا ليه؟ رد عليها وخلص .
جاءها الرد من عبد الناصر الذي كان يدعي الأدب رغم جرأة انظاره لها:
- معلش يا ابله سامحينا، احنا مش هنجدر نجولكم على حاجة، بس انتوا اتطمنوا، عشان احنا مش هنجرب ناحيتكم خالص، وهنروحكم سالمين غانمين .
اضاف عيسى على قول الاَخر، رغم استغرابه اللطف المفاجي، لصديقه:
- بس تجعدوا باحترامكم وما تحاولوش تعملوا معانا اى حاجه عفشة.
زجرته نهال بشدة قائلة:
- طب يا للا خد فطارك وغور، احنا مش عايزين حاجة من خلجتكم .
صاح بها عيسى ساخطًا:
- خبر ايه يا بت؟ شادة حيلك كده علينا، هو احنا غلطنا فيكى؟
باعين مشتعلة هدرت به محتدة:
- وانت تجدر تغلط اساساً، عشان كنت علمتك الادب ساعتها، ولا دفعتك تمن الغلط أضعاف.
ردها القوي اجفل عيسى ليردد بعدم استيعاب:
- وه وه، دا انتى واعره جوى يا بوي، سبحان مين يصبرنا عليكى.
عبد الناصر هو الاَخر:
- شديدة علينا من غير داعي، ومن غير ما نعملك حاجة، انا مش عارف والله، ليه متبجيش عاجلة وراسية زى اختك اللى عامله زى الجمر دى وساكته.
قال الأخيرة بإشارة نحو بدور التي ارتجفت من نظرته الوقحة، مما ساهم في ازدياد غضب نهال، لتصبح به غاضبة:
- اختى مين يا كلب انت؟ عينك دى لو رفعتها فى اختى او اى واحده فينا هفجعهالك فاهم ولا لأ.
انتفض عيسى وقد شعر بتطور الامر، وقد تفاجأ بالشراسة الغير عادية لنهال، مما اصطره لسحب الاَخر من ذراعه مرددًا قبل ان يخرج به: .
- الوكل عنديكم لو عوزتوا تاكلوا، ياللا انت كمان خلينا نطلع، بدل ما ارتكب جريمة، يالا بينا.
❈-❈-❈
للمرة التي لا يذكر عددها، كان يحاول الإتصال بها، فور أن استيقظ من نومته التي لم تكمل الساعتين على الرغم من تعب الانتقال والقيادة من المحافظة للبلدة في عتمة الليل، للحاق بها، وذلك بفضل قلقه المتزايد لهذا الصمت المبالغ فيه، واغلاقها المتعمد للهاتف منذ الأمس، غمغم داخله بتوعد لها، حتى لا تكرر معه هذا الفعل الذي يكاد أن يصيبه بالجنون مهما بلغ بينهما درجة الشجار.
- ما تردى بجى، وبعدين عاد، دا انا مستنيتش دجيجة بعد ما عرفت من عاصم وجيت على طول وراكى البلد عشان اصالحك، اروح اخبط عليكم الساعه ٧ الصبح عشان يجولوا عليا اتجن؟ يا مين يصبرنى الساعتين دول ماشى يا نهال ماشى.
دلفت نيرة على حديثه مع نفسه، لتجفله بقولها الساخر:
- اسم الله عليك يا خوى، انت بتكلم نفسك؟
بحنق وضيق، تناول الوسادة ليلقيها عليها ناهرًا لها:
- وانتى مالك يا زفته انتى؟ اتكلم ولا اتنيل .
تفادت نيرة الوسادة ضاحكة لتردد
- وانا مالى يا بوى، كلم نفسك على كيفك، وانت مدام خطبت المجنونه نهال هيبجى فيك امل تانى .
سمع منها لينزل باقدامه على الأرض يشير بسبابته نحو صــ دره بتوعد لها:
- بجى أنا، الدكتور مدحت على سن ورمح، على آخر الزمن، تيجى عيله تافهه زيك وتجولى الكلام ده دا انت سنتك مش معدية النهاردة.
فور ان تحرك ليهجم عليها ركضت نيرة من أمامه ترد ضاحكة"
- اللحجنى يا بوي، اخويا مدحت ، هيموتنى .
- استني هنا يا جبانة .
كان يهتف بها من خلفها وهو يعدو بخطواته المسرعة ليلحق بها، حتى خرجت من الغرفة ، تقف فجأة وتتوقف ضحكاتها، وهو كذلك بنفس الفعل، بعد رؤيتهما لوالديهما الجالسان بهيئة غير مطمئنة على الإطلاق.
فقد كان عبد الحميد مطرق الرأس التي يحاوطها يكفيه، بذهن شارد، وراضية تضع يــ دها على خدها بوجوم غريب.
وجهت لهما السؤال نيرة:
- فى ايه يا بوى؟ مالك ياما؟
تساءل مدحت بنفس الأمر:
- إيه اللى حصل يا بوى؟ شكلكم يجلج .
- نهال وبدور .
قالتها راضية ليتسمر مدحت محله، يشعر بقلبه على وشك الخروج من صـ دره من الخوف، ليسأل بتوجس ورعب
- مالهم ياما نيرة وبدور.
❈-❈-❈
في منزل العمدة
هتف جبيصي مرددًا وهو يعدو مسرعًا بخطواته:
- يا جناب العمدة، يا جناب العمدة .
رد هاشم بنزق وهو يضع من كوب الشاي من يــ ده على الطاولة أمامه:
فى ايه ياض انت؟ مالك؟
جبيصي بلهفة ظاهرة في نبرته:
- الحج ياسين، داخل البيت وعايز يشوفك .
اعتدل هاشم في جلسته بتحفز يأمره:
- طب روح ياد وخليه يدخل على طول .
- انا مش هستنى اذن عشان ادخلك يا هاشم.
قالها ياسين وهو يلج بغضبه إلى مقر هاشم في مدخل المنزل، والذي نهض يستقبله بابتسامة بشوشة، وفرحة داخله تتراقص بصخب:
- يا أهلا يا حج ياسين، دا تاَنس وتنور كمان، روح ياد انت دلوك وجيب حاجه نشربها.
لم ينتظر ياسين حتى بادره على الفور بتحفز قائلًا:
- دي عملة برضوا تعملها يا واطى؟ هي حصلت للحريم كمان؟
بتبجح صريح رد هاشم:
- امال كنت عايزنى اعملك ايه؟! وانت خاطف ولدى؟
رد ياسين بحدة:
- وهو ولد كان حريم؟ يا راجل يا عديم الأصل والمروة.
تماسك هاشم يلتزم البرود حتى يصل لغرضه:
- من غير شتيمة بس يا حج ياسين، انا مش عاوز اتهور معاك وانت راجل كبير وانا برضو من دور عيالك .
هدر به ياسين ينهره:
- عيالى مين ياد؟ هو انت خليت فيها كبير ولا صغير، بعد ما دخلت الحريم بندالتك.
كز على اسنانه هاشم يردف:
- شوف يا حج ياسين، بنتت ولدك فى امان ومحدش هاوب ناحيتهم، المهم دلوك تجيبوا ولدى اسلمكم البنت
هدر به ياسين محتدًا:
- يا راجل يا عديم الدم ولدك راجل واحنا خدناه عشان نجيب حجنا منه، لكن انت بجلة اصلك بتخطف بنته ملهاش ذنب، خلاص بجينا ندخل الحريم فى عاريك الرجاله ولا صح ولدك مش محسوب ع الرجالة
- احترم نفسك يا ياسين .
صرخ بها هاشم بعدم احتمال، ليراجع ياسين نفسه ويحاول التمالك في قوله:
- نهايتوا، روح هات البنته وانا هبعت اجيبلك المحروس ولدك .
تبسم هاشم ليجلس على الاَريكة بأريحية يقول:
- كده بالساهل !!
عقد ياسين حاجبيه بنتسائلًا بتفكير
- يعنى ايه؟
اجابه هاشم:
- يعنى يا حج ياسين، انا لو خدت ولدى النهاردة، اضمن منين انك ما ترجعش تعيدها انت او عيال ولدك .
انفعل ليهتف بحيرة متزايدة:
- تجصد ايه يا هاشم؟ جيب اللى فى عبك خلصنى .
رد هاشم بادعاء الطيبة:
- شوف يا حج ياسين، انا مش عايز عداوة بينا وما وبينكم، انا عايز نبجى حبايب وعشان نبجى حبايب، يبجى نرجع النسب اللى كان ما بينا تانى، ومعتصم يتجوز بدور ويبجى يا دار ما دخلك شر .
برقت عيني ياسين بالغضب مرددًا:
- يعنى انا اجولك العدل بعقابه، وانت عايزنى اكافئه ببت ولدى كمان .
بوجه مكشوف زاد هاشم بوقاحته قائلًا:
- ويكون فى علمك، المرة دى مش هتبجى خطوبة، لا دى هتبجى جواز على طول، ولو على سنها فهى مش اول بت تعجد بالسنة، واما تكمل سنها القانونى نبجى نعجدلها على يد ماذون وهى على ذمة ولدى، واحنا حبايب ونسايب، ما هو مش معجول يعني تئذوا جوز بتكم ولا ايه يا حج ياسين؟
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية