-->

رواية جديدة رزان والمجهول لمايسة الألفي - الفصل 9

 

قراءة رواية رزان والمجهوول كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

رواية رزان والمجهول

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة مايسة الألفي


الفصل التاسع

اضطرب كل من رزان وروني عندما سمع سفر يستغيث، فهرولا إليه لينقذاه، وعندما وصلا إليه وجداه واقف أمام البيت يصرخ دون توقف، فنظرت له رزان وقالت في حيرة:


-ماذا حدث يا سفر لكل هذا الصراخ والاستغاثة، لقد أفزعتنا، تكلم وقل الآن حتى نطمئن.


تماسك سفر وراح ينظر إليهما بتمعن ويسأل:

-أين كنتما أنتما الاثنان، لقد بحثت عنكما داخل البيت فلم أجدتكما، لهذا فُذعت، وحاولت أن أنادي عليكما بصراخ.


 إنني منذ أسرت عند البشر، وأنا أخشى أن أكون وحدي، أرجوكما لا تتركاني وحدي ثانية، وإلا مت خوفًا ورعبًا.


فُذع روني مما قاله أخيه سفر وراح يمسك رأسه ويهزه بعنف وهو يقول في غضب عارم:

-أتصرخ وتفذعنا من أجل أنك وحدك يا وغد؟ لقد أقلقتنا عليك، وظننا أن حوتًا قد اقترب منك وحاول افتراسك، هيا إخرج للحياة داخل البحر وحدك وتعلم.


فإني لن أكن معك طيلة اليوم، لهذا تعلم أن تكون وحدك، فلا أحد يمكنه المكوث معك طوال الوقت، تشجع وعش حياتك بجرأة وتعلم الاعتماد على النفس.


ابتسمت رزان في هدوء، وراحت تربت على كتف سفر وتقول له في ودٍ وحبٍ شديدٍ:


-عزيزي سفر إنك الآن لست صغيرًا، لقد كبرت، وأصبحت مسؤل عن نفسك، ومهما يكن لا تصرخ أبدًا إلا إذا كنت في خطر حقيقي، لأننا لو تعودنا على صراخك هذا فلن نهتم بالأمر.


ولحظتها ستتعرض للضرر، لهذا أحب أن تتعلم الدرس جيدًا كي لا تقلق أحدًا عليك، هل تعلم يا سفر أنني تربيت وحيدة دون إخوة، ومع ذلك أصبحت قوية أواجه الأمور وحدي دون إزعاج أحد مطلقًا.


 أود أن أعلمك شيئًا هامًا، لابد أن تعتمد على نفسك، لأنك إذا ظللت هكذا تعتمد على الآخرين، سيحاول البعض السخرية منك.


وجعلك مصدر اضحاك لهم، هل تريد أن تصبح هكذا مصدر سخرية، وضحك من حولك؟ بالطبع لا، لهذا تماسك وتجلد ولا تفكر في هذه المنغصات أبدًا.


ابتسم روني وأُعْجِبَ بكلام رزان، وراح يربت على يدها بحب، ويقول:


-معك حق في كل ما تقولين يا صديقتي الوفية، إن سفر، قد تعود على الدلال، لهذا أصبح لا يعتمد على نفسه مطلقًا، ودومًا يطلب المساعدة ممن حوله، وإني قد عانيت أنا الآخر، وأنا صغير قبل أن يولد سفر.


 لقد كنتُ وحيد وقتها، وكنت أحب أن أجلس مع أمي دومًا حتى لا يحدث أي مكروه، لكن أمي عندما رأتني متعلق بها، ظلت تعلمني أن أمكث وحدي، فكانت تتعمد أن تتركني وحدي وتذهب لتأتي لي بالطعام.


 وكانت عندما تعود تأخذني في حضنا وتداعبني وتقول لي في حنان: قل لي يا روني، هل أزعجك أحدٌ في غيابي؟ 


وكنت أرد عليها بكل بهجة وأقول: لا يا أمي لقد تعلمت أن أكون وحدي دون خوف، والفضل كله يعود لك، فكانت تفرح بي وتخبرني أنها سعيدة بي.


أحس سفر أنه قد فعل شيئًا مقلق، قلب عليه الجميع وجعلهم يوجهون له، بعض المحاضرات التي جعلته يخجل من تصرفه، فطأطأ رأسه، وحياهم في حب وقال:


-أعلم جيدًا أنني قد أخطأت بهذه الضجة التي فعلتها، لهذا أعتذر عن كل ما أصدرته من إزعاج لكما، إني كنت في قمة رعبي، عندما استيقظت من غفوتي ونظرت حولي فلم أجد أحدًا.


 لهذا فكرت في الأمر وتخيلت أن حوتًا قد أفترسكما، لهذا أحسست أنني وحيد في هذا المكان، فظللت أتخيل أن شيئًا سيئًا سيحدث لي لأني أصبحت وحيد، لكن أعدكم أنني لن أفعل هذا ثانية.


ابتسمت رزان وقالت في حب:

-هيا لنذهب ونحضر الطعام لأننا جوعى، وفي المساء سنبحث عن مكان يصلح بيتًا لي ونؤسسه سويًا، هيا واتركا الكسل هذا إني معجبة بكما أيها الصديقين الوفين.


وإني أُريد أن أجعلكما شريكين لي في اختيار مكان مناسب لبيتي، لأنني بالفعل أشعر أنكما أهلي، لهذا لن أتخلى عنكما مطلقًا، وسأظل أعتمد على صداقتنا هذه.


لكي نصبح سعداء وشُركاء في كل شيء، أرجو أن تكونا عند حسن ظني دومًا، فأنا لا زلت على العهد في صداقتي، ولن أتخلى عنكما مطلقًا، فأنتما أهم اثنين في حياتي، لولاكما لأصبحت وحيدة، أقاسي ويل الوحدة وحدي.


حاول سفر أن يداعب يد رزان عروسة البحور، ويجذبها كي تبتسم له، لأنه أحس أنه قد فعل شيئًا قد جلب عليه بعض الحكم والدروس المستفادة التي فتحت له أبواب السعادة، لهذا راح يقول:


-أعلم أنني قد أثرت داخلكما روح الحكمة والدعابة، ولقد علمت مما قولتما، مدى حبكما لي، ومدى سعادتكم بي، لأنكما أثبتما لي أني مهم عندكم، لهذا قررت أن أسعدكما بأي شيء تطلبانه مني، إنني على استعداد أن أفعل لكما ما تريدان.


 وأعدكما أنني لن أخذلكما مطلقًا، لهذا أنا تحت أمركما من الآن، لأني أحسست اليوم بالذات أن لي عائلة جميلة واعية، لهذا قررت أن أترككما ترتحان وأذهب أنا لإحضار الطعام اليوم؛ كي أثبت لكما أنني مخلوق يُعْتَمد عليه.


ابتسم الجميع له وراحا يجذبانه كي يخرج ليأتي بالطعام، وظل الإثنان يتحاوران في أمور كثيرة تضيع الوقت، حتى يأتي سفر بالطعام.

❈-❈-❈


على الشاطيء نعمات تقف متخفية في عباءتها السوداء تنظر عشيقها الذي وعدته أن تقابله عندما يجد جديد، تحينت الفرصة وتركت عبد الله زو جها في المحل يبيع.


وراحت لتقابل عشيقها، شاب في الثلاثين أصغر منها بخمس سنوات لكنه لا يبدو عليه السن، يعمل نجارًا، عرفته عندما كانت تصلح أحد الكراسي عنده.


فراح يغاز لها وهي تستجيب له، حتى أصبحا عشيقان يتقابلان سرًا، وقفت تنتظر محتارة في أمرها تنظر في ساعتها وتفكر وتقول لنفسها":



-لقد عانيت كثيرًا مع زو جي عبد الله الضعيف، إنه كبير السن، ولا يقدر على أن يحبني كما يجب، أشعر وأنا في أحض انه أني مريضة كسيحة، لا أشعر بقيمتي الأنثوية أبدًا.


لكن عادل شاب يعمل نجارًا، ولا يكف عن مغازلتي، أشعر معه أنني ابنة سبعة عشر عامًا، إنه يغنيني عن التحسر على شبابي الضائع في بيت عبد الله، وإني مخلصة لعادل، وقريبًا، سأتخلص من زو جي وأتزو جه.


لكن مهلًا حتى أستولي على ماله، وأشعر أنني انتصرت عليه، وجعلته في خبر كان، لابد أن أوعد عادل بشيء أكبر حتى لا يمل الانتظار، وينظر لفتاة صغيرة تشبعه حبًا وحنانًا، لهذا دومًا آتي له بالمال كي لا يهرب مني.


فأنا لست جميلة وصغيرة كباقي الفتيات، لقد عانيت من دمامتي بزو اجي من رجل ضعيف كعبد الله، لكن صبرًا سيعوضني عادل بشبابه كل شيء، لابد أنه مشغول في المحل بصنع شيئًا لكنه قد وعدني.


 لا أعلم لماذا تأخر، أيكون هناك فتاة أخرى يقابلها؟ أعلم أنه يهوى الجمال، لكني أعوضه بمالي عن أي جمال، لقد أعطيته حتى الآن مبلغًا لا يستهان به، أخذته كله من مال عبد الله، فأنا أقابله عند عودته وأسحب منه حافظة نقوده.


 لأفرغها وأترك له ما يكفيه، أتحجج له دومًا بمصروف البيت وغلاء الأسعار، إنه دومًا يصدقني، ولا يتأخر عن اعطائي كل ما معه، مهلًا لقد أتى عادل سأحاول تنسيق ملابسي حتى أبدو جميلة في عينه."


اقترب منها عادل وراح يتصنع لها كلمات الغز ل، وهي تبتسم وتداعبه، فرحت كثيرًا برؤيته بعد أن تأخر نصف ساعة، فراحت تقول له في دلال:


-ماذا حدث لك يا حبيبي جعلك تتأخر كل هذا الوقت، لقد لعب بي الشيطان وظننت أن فتاة أخرى قد جذبتك بجمالها، أعلم أنك تهوى الجمال كباقي الرجال، لكني سأعوضك غن كل شيء، هيا تناول هذا الطعام، لقد صنعته لك خصيصًا.


ابتسم لها عادل وراح يداعب خدها بيده، ويقول وهو يلتهم الطعام بنهم شديد:


-حبيبتي نعمات أحب أن أخبرك أنني لا أفكر إلا في حبك، لقد حركت عيناك قلبي، وجعلتني أتراقص حبًا وإعجابًا، لهذا أريد منك بعض المال، لقد تعرضت لأزمة كبيرة في الخامات التي أصنع منها عملي.


 لهذا أود منك بعض المال، كي أنهض في عملي وأصبح عامل مميز في النجارة، ولا تخافي من شيء إني أحسب كل ما تعطينه لي، كي أشتري لكِ بيتًا كبيرًا يناسبنا ويناسب فرحتنا بزواجنا.


 وإني أعدك أنني سأكون زوجًا متيمًا بك أعوضك عن كل العذاب الذي عانيته مع هذا الرجل الضعيف، أريد منك أن تعلمي أنني شاب.


والشباب بهم قوة لا تقهر، وجاذبية لا تُرْفض، إنني طوع أمرك دومًا، إننا نعرف بعض منذ سنة، فهل كذبت عليك في شيء ما؟


حاولت نعمات أن تظهر له بعض جمالها المعدم، حتى لا تسقط من نظره بدمامة وجهها، لكنها قد أحست بشيء ما جعلها تقلق من طلبه في المال فلقد أعطته ألفين في المرة السابقة.


وهي الآن ليس معها شيء، فقالت تواري ضعفها أمامه:


-حبيبي إنني قد أعطيتك كل ما أخذته من زوجي في المقابلة السابقة، والآن ليس معي شيء، وأطلب منك أن تصبر قليلًا إسبوع آخر، وسوف أحصل لك على مال أكثر.


وسوف أعطيه لك، لكن دعني الآن أطمئن على مالنا الذي ندخره سويًا، هل بلغ ثمن البيت أم لا زال صغيرًا لا يكفي، طمئني حتى أستطيع أن أتفائل.


ابتسم لها عادل في خبث، وراح يؤكد على كلامه قائلًا:


-حبيبتي نعمات لا تقلي أبدًا، إنني أدخر كل ما تعطينه لي في مكان آمن، ولن أتصرف فيه قبل أن تتخلصي من زوجك هذا، لقد وعدتيني أنك سوف تحصلين على ما يدخره في البنك من ورائك.


 ولكن إلى الآن لم تفعلي شيئًا، وأنا شاب، والشباب يحتاج إلى زو جة تشبعه حبًا وحنانًا، ولن أظل هكذا منتظرًا، حاولي أن تنهي الموضوع في أسرع وقت، لأني أعيش على جمر ملتهب يؤجج صد ري.


ولا أدري كيف أشبع رغبتي فيك، وإنك تماطلين في الأمر، ألا تعلمين أنني أحبك ودومًا أحلم بك بين أحضاني، إلى متى سأحضتنك في حلمي فقط، أود أن أنعم بك في الواقع، وإني قد مللت الانتظار.


فرحت نعمات بكلماته المعسولة، وراحت تداعب يده في رقة، لكي تنسيه ما يفكر فيه، وقالت له في دلال وبهجة:


-حبيبي عادل، تعلم أنني لست صابرة أنا الأخرى على الانتظار، وإنني أتمنى حضنك كما تتمنى حضني، ويعلم الله أني أفعل كل ما في وسعي، من أجل أن أسعدك.


 لكن ما باليد حيلة، فهروب ابنة زوجي رزان قد جعل زوجي دومًا حزين، ولا أستطيع أن أحدثه في أمر آخر غير أمر ابنته، اطمئن حتمًا ستظهر هذه الملعونة.


 ولحظتها سيتحقق كل شيء، وأستطيع أن أطلب منه كل شيء، إنك تعلم أن عبد الله ضعيف معي جدًا ولا يرفض لي أمرًا مهما كان، ولقد أوشك على أن يعطيني كل ما يملكه.


 لأني قد قلت له أود أن أشتري سيارة تريحنا من كل المواصلات، وهو قد اقتنع بالأمر، وسوف يعطيني ثمنها قريبًا عندما تعود ابنته، إنه قد وعدني والله بهذا، لكن أمر اختفاء ابنته يؤجل كل شيء.


أحس عادل أن نعمات قد الت هب الشو ق داخلها، عندما ذكرت له أنها قد أنهت مهمة أخذ المال من زو جها وذكرت له الحيلة.


 لهذا حاول أن يقول شيئًا يحاول به أن يعلقها في غر امه، كي لا تتأخر في جلب المال له وتسرع في تنفيذ الخطة، فراح يقول في مكر شديدٍ:


-حبيبتي نعمات أعلم أنك سيدة جميلة الروح جدًا، وإني أعشق فيك خفة ظلك وروحك الطيبة، لهذا أحلف لك أنني متيم بك لدرجة أنستني عملي، هل تتخلين؟ لقد كنت اليوم سأصبح في تعداد المعدمين.


 لقد كان المنشار سيقطع يدي وأنا أعمل اليوم، لأني كنت أعمل وأنا أفكر فيك بكل ما في نفسي من أحلام، ظللت أتخيلك أمامي في بيتنا الجديد، ترتدين لي ملابس نوم زاهية الألوان وتتمخترين بها أمامي حتى هممت أن أقطع يدي.


 لكن لولا ستر الله أن نبهني زميلي في اللحظة الحاسمة، لكنت الآن مقطوع اليد، وكنت لحظتها في قمة حزني، لأنني لو قطعت يدي فلن أستطيع أن أضمك بين أحضاني.


وساعتها ستتركيني وتذهبي لشاب آخر، يشبعك حبًا وحنانًا، أتصدقين كل هذا حدث لي اليوم؟ فهل كنتِ ستتحملين أن تتزوجي شاب معاق مقطوع اليد، فقدها من أجل حبك؟


ارتج فت نعمات من تخيل منظر عادل مقطوع اليد، وابتسمت وقالت له في دلال وم ياعة شديدة:


-حبيبي عادل تعلم أنني ملك يمينك ولن أتخلى عنك مهما حدث لك، ولو كنت مجرد عظام بالية سأضمك إلى حضني وأظل على عهدي لك، إنك لا تعلم مدى حبي لك.


إني متيمة بك، لأنك الوحيد الذي أيقظ داخلي أنوثتي المختبئة، بعدما أهدر عبد الله بضعفه كل ما في من أنوثة وجمال، لقد أحييت داخلي كل معاني الحب، كم حلمت أن أتزوج شاب جميل مثلي.


ورغم علمي أنك قد تزو جت قبلي بإمرأة وطلقتها، إلا أني دومًا أغار عليك منها، أعلم أنك الآن لست معها لكن عقلي يفكر ويبحث هل كانت في أحضانك قبلي؟ 


وأظل هكذا حتى أتعب من الغيرة، لكن نفسي تأبى أن تجرحك وتشكي لك هذه الغيرة، أتعرف إنني سيدة تتمنى أن تعيش حياة هادئة كباقي النساء، لكن قدري الذي أوقعني في يد رجل كبير أكل الزمان عليه وشرب.


وقد بلى شبابه وأصبح ضعيف لا يقدر على شيء إلا الكلام، لهذا أصبحت حياتي معه جحيم، تعلم إني أعامله كعبد لي؟ أنهره وأوبخه دومًا، لا أحب أن أعلي من شأنه، حتى يظل هكذا مطيع لي، تعلم إنه أسير هواي.


 يتمنى أن يرضيني بأي طريقة ممكنة، لأني قد عودته على حبي وخوفه مني، حتى ابنته كنت أعاملها بهذه الطريقة، لكنها عنيدة خشنة عكس أبيها تمامًا.


أحس عادل أن نعمات سيدة قوية، وأنها قد أذلت زو جها رغم طيبته، لهذا حاول أن يظهر له الولاء قبل أن تفكر وتعامله بنفس طريقة تعاملها مع زوجها الضعيف، فبدا عليه البهجة المصطنعة وراح يقول لها لكي يكسب ودها:


-حبيبتي نعمات، تعلمين أنني مت يم بحبك، ولست كزو جك الضعيف هذا إنني مختلف تمامًا وأتمنى أن أرضيك بأي وسيلة، لهذا لا أود أن تستخدمي معي نفس طريقتك مع عبد الله.


ابتسمت نعمات وراحت تداعب خده، وتقول له في رقة بالغة:


-لا يا حب يبي إنك شخص مختلف تمامًا، وأنا مت يمة بح بك، وأتمنى أن أرضيك بأي وسيلة ممكنة، إنما عبد الله فأنا أكرهه وأكره ضعفه وقلة حيلته.


❈-❈-❈


في بيت قريب من الشاطيء يسكن باهر شاب وسيم أبيض، قوي البنية مع أمه بعد أن مات أبيه، وها هو الآن واقف يحاول أن يتحدث مع أمه، إن بيتهم صغير.


 وبه بعض الأساس الثمين، ذو قيمة مرتفعة، لأن أبيه كان إلى حد ما ميسور الحال، عمل على أن يترك لهما شيئًا جميلًا وذا قيمة فهو قد توفي منذ مدة قريبة حيث كان يعمل مهندسًا أسس هذا البيت على طريقة هندسية مميزة.


 واختار له موقع جميل على الشاطيء وأصر أن يعلِم ابنه، ويجعله ابن مميز، فعاش باهر إلى أن تعلم وتخرج من كلية الهندسة كأبيه، وهو الآن يبحث عن عمل لأن معاش والده لا يكفيهم.


 فنظر لأمه الجالسة في غرفة المعيشة على الأريكة تقطع البطاطس، لكي تضعها في الفرن، وقال:


-أمي الحبيبة لقد تربيت على أن أكون صريح معك، لهذا أود أن أحدثك في أمر هام، تعلمين أنني تخرجت من كلية الهندسة، والآن أنا متفرغ ومعي شهادتي.


 لهذا قد حاولت أن أتقدم لأكثر من شركة، واتمنى أن يسعدني القدر وأحصل على وظيفة في شركة مميزة، يكون راتب يكفي البيت والمصاريف لأن معاش أبي بالكاد يكمل الشهر.


 وإني أُريد أن أريحك وآتي لك بخادمة تساعدك في شؤن البيت، إنني أتعب نفسيًا كثيرًا عندما أراكِ تصنعين الطعام وتنظفين البيت وحدك، لهذا قررت أن آتي لكِ بخادمة تعينك على شؤون البيت، فما رأيك يا حبيبتي؟


ابتهجت الأم وأحست أن ابنها قد كبر وأصبح يشعر بتعبها ويحاول أن يخفف عنها عناء تنظيم البيت، لهذا ابتسمت وحاولت أن تقول:


-ابني الغالي باهر، لقد توفى أبيك منذ زمن ليس بعيد، وقد أحسست بالفراغ بعد موته، وإن عمل البيت وتنظيمه يشغل وقتي ويريحني، لهذا لا تفكر وتشغل بالك وفكرك بي.


 واتمنى أن تهتم بأمرك الخاص، وتفكر في تجهيز نفسك للزواج، لقد كبرت يا ولدي واتمنى أن أراك متزوج وأرى أبناءك قبل أن أموت.


حزن باهر على كلام أمه وراح يحتضنها بقوة ويقول لها:


-لا تقولي هذا يا أمي الحبيبة، إنني وحيد في الدنيا، وأنت كل ما لي، فهل تريدين أن تتركيني أنت أيضًا وترحلي؟ يعلم الله أنني أتمنى أن تعيشي مئة سنة.


كي أظل هكذا أتمتع بحض نك وحن انك، أنسيتِ يا أمي أن أبي قد وصاكِ علي، وأمرك أن تكونين لي عونًا، هل ستنسين ذلك، لا أريد أن أسمع هذا مرة ثانية، أريد منك التفاؤل والتفكير في حياتك القادمة.


ابتسمت الأم ورأت أن إبنها متعلق بها جدًا لهذا خافت عليه، وراحت تحاول أن تبث القوة داخله، حتى إذا حدث لها مكروه، يقابل هذا الحدث بقوة وثبات، فوضعت يدها على يده وقالت:


-حبيبي باهر، إن الموت قدر لابد منه، ولا أريد منك أن تكون رجل ضعيف، أريدك قوي تقابل المحنة بثبات، وتكون مؤمن وراضي بنصيبك في الدنيا.


لهذا يا ولدي لا تفكر بهذه الطريقة السيئة، أحب أن أراك دومًا في أحسن حال، أريدك أن تختار مهنتك بنفسك، وتختار زوجتك، حتى لا أقلق عليك.


ابتسم لها باهر، وحاول أن يسعدها ويطمئنها عليه، فقال في حنان بالغ:


-لا تقلقي يا أمي فأنا على قدر المسؤلية، وأعلم تماما بواجبي، وتأكدي أني سأقابل القدر بإيمان قوي، لكن ليس الآن.


أريدك أن تعيشي حتى تربي أبنائي كما ربيتني، أُريدهم أن يصبحوا أفضل الناس، وأعلم أنك مربية فاضلة، ستربيهم على الأخلاق الحميدة.


فرحت الأم وأثناء محاولتها أن تنهض لتذهب للمطبخ صدر صوت يستغيث في الخارج بشدة.

يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة مايسة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة