-->

رواية جديدة في قبضة الأقدار لنورهان العشري - الفصل 2

 

رواية من روايات وقصص الكاتبة نورهان العشري
رواية في قبضة الأقدار





رواية جديدة تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة نورهان العشري


الفصل الثاني


كل الأشياء التي تمنيتها لم أحصُل عليها ! و بالمقابل رفضت كل الأشياء التي أرادتني. و هكذا إستمرت معاناتي مع الحياة و لا أدري إلي أين يأخُذني طريقي ؟ و لكني أتلهف لنهايه سعيدة لم تكن يومًا في الحسبان …


نورهان العشري 


❈-❈-❈


لم تنتهي معاناتي مع الحياة بل أظنها بدأت . فبالرغم من كل ما مررت به إلا أن ذلك الألم الذي أشعر به الآن كان ثقيلًا للحد الذي جعلني أود الهرب من كل شئ حتي من نفسي …


نورهان العشري 


❈-❈-❈


مهما بلغت قوتك و صلابتك يومًا ما ستجد نفسك بحاجه للهرب من كل شئ. هكذا كانت تشعر و هي تسير بذلك الرواق الذي بدا طويًلا لا ينتهي كمعاناتها تمامًا فلطالما إختبرت الحياة صبرها بأقسي الطرق بداية من خسارتها لوالدتها في عمر التاسعه عشر و توليها أمر العنايه بطفلة صغيرة لم تتجاوز العاشرة من عمرها و مرض والدها الذي لم يكن يتحمل فراق زو  جته و ظل يُنازِع في الحياة حتي لحق بها بعد سبعة أعوام قضاها بين أروقة المشافي و هي خل فه تُسا نده بكل لحظات مرضه و تعتني بشق يقتها الصغيرة دون كلل لتتوالي الصعاب حين أجبرتها الحياة عن التخلي عن حلمها بعد أن إجتازت السنه الأولي من كليه الطب بتفوق لتجد أن أحوالهم الماديه و العائليه لا تسمح لها بالإستمرار بها و إضطرت إلي تحويل أوراقها لكليه التجارة و التي لا تتطلب حضورًا مستمرًا و لا أموال كثيرة و هذا أحزن والدها كثيرًا و لكنها كانت تتظاهر أمامه بأنها لا تهتم و أن هذا الأفضل لها و أستمر الحال حتي أسترد الخالق أمانته و تركها والدها تواجه مصاعب الحياة وحدها و قد كانت شقيقتها مازالت بعمر المر اهقه مما جعلها تُثابِر و تُجاهِد حتي حصلت علي عمل في إحدي الشركات الكبيرة و بإجتهادها و برغم كل العراقيل و الصعوبات التي واجهتها إلا أنها استطاعت أن تُثبِت

 أقد امها و تثبت نفسها في العمل و إستمرت الحياة تارة هادئه و تارة صاخبه حتي ظنت بأنها إبتسمت لها أخيرًا حين تعرفت علي «حسام الصاوي» كان زميلها في العمل و قد تعرفت عليه بعد أن كان قادمًا من فرع الشركه بمدينه الإسكندريه للعمل في الفرع بالقاهرة و قد سرق فؤا دها فور أن وقعت عينا ها عليه و قد وقع في حبها هو الآخر و ظنت بأنها أخيراً وجدت طريق السعادة حين طلب منها أن يتقدم لخُط بتها و بالفعل تمت الخ طبه و قد كانت في قمة سعادتها معه فقد كان كالحلم و سيم، لبق، ذو بن يه قويه، متوسط الطو ل، بشوش الو جه و ذو حس فكاهي كان يهون عليها الكثير و يدعمها بكل الطرق و إستمرت الحياة الورديه بينهم لبضعة أشهر و لكن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن و فجأة تغير كل شئ حين جاءتة ترقيه و التي تتطلب السفر للعمل في فرع الشركه بالخارج و قد طلب منها حسام الزو اج و السفر معه و لكنها كانت مُكبله بواجبها تجاه شقيقتها التي ليس لها أحد في تلك الحياة سواها و هكذا وجدت نفسها في مواجهه صعبه وضعها بها حسام الذي أتهمها بأنها لا تحبه و لا تفكر في مستقبلهما و لم تنفع محاولاتها في التأثير عليه و إقناعه بحبها له لذا اضطرت أن تأخذ جانب شقيقتها في النهاية فهي أبدًا لن تتخلي عنها حتي لو كان الثمن سعادتها معه . و أخبرها قلبها بأنه إن كان حقًا يُحبها سوف يتفهم دوافعها و لكن أتتها الصدمه حين علمت بز واجه من زميله لها و السفر معها إلي الخارج . حينها شعرت بأن كل عالمها إنهار حولها. الأمر كان مروعًا لدرجه إصابتها بالحمي التي جعلتها طريحه الفراش لشهر كامل تهذي بإسمه تنتفض كل ليله كعصفور صغير ضربته صاعقه البرق فمزقته الي أشلاء لتهرول إليها شقيقتها تحت ضنها محاولة تهدئتها كل ليلة و قد أستمر الحال طويلًا إلي أن استيقظت ذات يوم و هي تشعر بالنفور من ما وصلت إليه حالتها و قد نفضت عنها ثوب الضعف و إرتدت قناع القوة و اللامبالاة و قد أقسمت حينها بألا تدع شئ في الحياة يهزمها . 

و لكن الضربه هذه المرة لم تكن قويه و لا مؤلمه بل كانت مميته للحد الذي جعلها عاجزة عن التنفس تشعر و كأن كل شئ إنهار فجأة.


لأول مرة بحياتها تتمني الموت بل و تشتهيه عله يريحها من هذا الألم الذي تشعر به فقد كانت الخسارة فادحه فمن كانت تقاوم لأجلها و تتحدي كل الصعاب في سبيل الحفاظ عليها هي السبب في هلاكهما معًا .


كانت تجر قدماها لتصل إلي غرفة شقيقتها و لا تعرف ما الذي عليها فعله و لا كيف ستواجهها و لكنها مُجبرة علي تلك المواجهه.

تقدمت إلي الدخل بخطً ثقيله فوجدت «جنه» التي كانت تتسطح علي ظهر ها و و جهها في الناحيه الآخري و قد كانت ترفرف بر موشها كمن يحارب واقعًا أصبح مفروضًا عليه و لكنها ما أن سمعت صوت الباب يغلق خلفها حتي تجمدت الدماء بعرو قها و شعرت بضربات قلب ها و كأنها إبر تنغز بكامل جس دها فتؤلمه بطريقه لا تُحتمل و لا تتناسب مع سنوات عمرها الواحد و عشرون .


توقفت «فرح» أمامها تناظرها بملا مح جامدة و عينا ن جاحظه و كأنها تمثال جميل نُقِش علي ملا محه الوجع و لونت الخيبه تقاسيمه فلم تستطع «جنة» إيقاف سيل الدموع الجارف الذي أجتاح مُقلتيها و أخذت شف تيها ترتعش حين سمِعت تلك الكلمه البسيطه المكونه من ثلاث أحرف كانت حادة كنصل سكين إنغرز بق لبها


" ليه !"


كانت تلك الكلمه التي استطاعت «فرح» التفوه بها و التي كانت يتردد صداها بعقلها الذي كان كالمسعور يريد معرفه الإجابه علها تهدئ من نيران غضبه و لو قليلًا و لكن لم يصل إلي مسامعها سوي صوت بكاء «جنة» التي كانت شهقاتها تشق جوفها من شدة الألم و لم يستطع لسا نها سوي التفوه بعبارات إعتذار واهيه لا تسمن و لا تغني من جوع 

" أنا أسفه يا فرح سامحيني ."


لا تعرف كيف خرج صوتها بتلك القوة حين صرخت و هي تقول بقلب ممزق 

" مش عايزة أسف. ردي عليا. عملتي في نفسك كدا ليه ؟"


إرتجفت جنة رعبًا من مظهر شقيقتها التي بدت و كأن الصدمه أصابتها بالجنون و قد أنشق قل بها لنصفين كونها السبب في حالتها تلك لذا حاولت التحرك من مكانها لتصل إليها فلم تستطع من شدة الألم فحاولت مد ي دها لتمسك 

بي د شقيقتها التي كانت علي بعد خطوتين منها و لكن حدث ما لم تتوقعه إن إبتعدت فرح بفزع عن ملا مسه 

ي دها و كأنها شئ مقرف تتقزز منه مما جعل تنفسها يزداد بشدة و كأن قلبها قد فاض به الوجع فقرر الخروج من مكانه و إزداد إرتعاش فمها الذي خرجت الكلمات منه بصدمة ممزوجه بعتاب و ندم 

" فرح . أرجوكي تسمعيني"


ناظرتها فرح بعينان إرتسم بها الخيبه و الغضب و القهر في آن واحد و قالت بمراره 

" سمعاكي. سمعاكي يا مد ام جنة !"


كانت تلك الكلمه مُرة كالعلقم في ف مها حين تفوهت بها و لكن كان بداخلها شعاع أمل بسيط بأن تنفي شقيقتها ذلك العار الملصق بها و لكنها قابلتها بدموع الإقرار بذنبها العظيم مما جعلها تسقط جالسه فوق أقرب مقعد قابلها و هي تقول بضعف ممزوج بخيبه أمل


" هتقولي إيه يا جنه . عندك إيه تقوليه ؟ في إيه ممكن يمحي الجر يمه إلي عملتيها في حق نفسك و حقي ؟ ليه يا جنة ؟ ليه ر خصتي نفسك كدا ؟ ليه دانا ضيعت عمري كله عشانك ! ليه يا جنه ليه ؟؟"


كانت كلمات شقيقتها حادة كنصل سكين أخذ يمزق ق لبها إربًا و هي لا تستطيع سوي البكاء فقط.

 فقد تبخر كل شئ من عقلها في تلك اللحظه حين رأت شقيقتها منهارة بتلك الطريقه و قد إعتادت عليها قويه شامخه و قد كانت تراها الجدار الذي تتكئ عليه دائمًا و لكن الآن إنهار جدارها الحامي و كانت هي الفأس التي حطمته ! 


للحظه لم تدرك ما حدث و لكنها إرتعبت حين رأت «فرح» تهب من مكانها تقف أمامها و قد إرتسم الجنون بنظراتها و قست ملامحها و إمتدت ي دها تم سك بك تفيها تهز ها بعنف و هي تقول بلهجه قاسيه و نبرة قويه 

" عملتي كدا ليه ؟ ردي عليا "


و كأن لسا نها فقد قدرته علي الحديث فلم تستطع سوي أن تبكي بعنف و هي تهز رأسها يمينًا و يسارًا و قلبها يرتجف رعبًا و ألمًا كُلما هز تها شقيقتها التي قالت بصراخ 

" ردي عليا ."


أتبعت جملتها بصفعه قويه سقطت من ي دها علي خ د جنة التي برقت عيناها مما حدث و توقف جس دها عن الأهتزاز و تجمدت الدموع بمقلتيها من فرط الصدمه التي كانت أضعافها من نصيب «فرح» التي تراجعت خطوتان للخلف و هي تنظر إلي ك فها تارة و خ د جنة تارة آخري غير مصدقه ما فعلته و لكن تلك البقعة الحمراء علي و جنة شقيقتها جعلتها تُدرِك ما حدث لتجد نفسها تهرول للخارج دون أن يكون لها القدرة علي إيقاف قد ميها و لم تشعر سوي و هي خارج بناء المشفي فتوقفت تحديدًا أمام الباب الرئيسي لتستعيد أنفاسها الهاربه و أخذ صدرها يعلو و يهبط فسقط جز عها العلوي إلي الأمام و أسندت ي دها فوق ر كبتيها و هي تلهث بقوة و عبراتها ترتطم بالأرض أمامها دون توقف .


مرت لحظات و هي علي هذه الحالة إلي أن إستطاعت أن تستقيم في وقفتها و أخذتها قد ماها إلي الحديقه و ما أن خطت خطوتان حتي تسمرت في مكانها حين وجدت ذلك الج سد الضخم يقف أمامها بشموخ يعطيها ظ هره و دخان سجائره يشكل سحابه هائله فوقه فقادها الفضول لتتقدم خطوتان إلي حيث يقف و وجدت نفسها تقول بصوت مبحوح 

" أنت بتعمل إيه هنا ؟"


لا يعلم كيف و لكنه علم بهوية ذلك الصوت الذي كان منذ بضعة أيام مليئ بالتحدي و العنفوان و الآن أصابه الضعف و الخيبه حتي خرج مبحوحًا جريحًا بهذا الشكل 

" نفس السبب إلي مخليكي هنا "


هكذا أجابها بإختصار دون أن يستدير لينظر إليها فقد توقع ملا محها من المؤكد أنها تحمل ألم نبرتها .

تقدمت خطوتان حتي وقفت بجا نبه و قد بدأت تعي ما يحدث حولها فأخذت تنظر أمامها بضياع قبل أن تسمعه يقول بنبرة جامدة 

" كان عندك حق !"


صمتت لبرهه قبل أن تقول بنبرة خافته 

" هو عامل إيه دلوقتي ؟"


أخذ نفسًا طويلًا فشعرت بأنه يجاهد حتي يخرج الكلام من بين شفتيه حين قال بجمود

" أدعيله "


لم تنظر إليه فقد كانت تشعر بأنها عا ريه تقف علي رمال متحركه و لا تملك سوي الدعاء الذي لا يقدر علي ذلك القدر المظلم سواه لذا رددت بصوت خفيض و لكنه مسموع 

" اللهم إني لا أسألك رد القضاء و لكني أسألك اللطف فيه "


وجد نفسه لا إراديًا يردد ذلك الدعاء و لكن بداخله فقد كان لأول مرة بحياته يقف عاجزًا مُكبل بقيود القدر الذي وضع شقيقه الأصغر قاب قوسين أو أدني من مفارقة الحياة.

فوضعه خطر للغايه هكذا أخبرهم الطبيب و هو لم يستطع الإنتظار بالداخل فقط شعر بالإختناق و بالضعف الذي لا يليق به خاصةً و أنه الداعم الرئيسي لعائلته لذا ترك شقيقته و والدته و بجانبهم سليم أخاه الأصغر في الدخل و خرج إلي الهواء الطلق عله يستطيع التنفس و إخراج شحنات ألمه بلفائف سجائره التي تناثرت أسفل قدميه بإهمال فشكلت صورة من يري عددها يُجزِم بأن هذا الشخص حتمًا يُريد الإ نتحار .


" معرفتش إلي حصل دا حصل إزاي ؟"

لا تعلم لما خرج هذا السؤال السخيف من ف مها فما حدث لا يكن بالشئ الهام أمام عواقبه و لكنها أرادت قطع الصمت القائم حتي تهرب من الأحدايث التي تدور بعقلها و تقوده إلي الجنون.

" لا . بس هعرف "


كانت إجابة قا طعه كلهجته و لكن ما بعدها كان يحمل الوعيد في طياته أو هكذا شعرت حتي جاءها صوته صلبًا تشوبه بعض الخشونه حين قال 

" هي عامله إيه ؟"


كانت تود لو تصرخ بالإجابه التي كانت تمزق قلبها إلي أشلاء و لكنها كتمت بكائها الذي كان يهدد بالإنفجار و أبتلعت غصه مريرة قبل أن تقول بنبرة ثابته 

" الحمد لله"


الحمد لله هي الكلمه المُعبِرة دائمًا عن الحال مهما بلغ سوءه و لكن دائمًا هناك يقينً راسِخًا بقلب المؤمن يُخبره بأن ذلك القدر الذي أختاره الله له ليس إلا خيرًا مهما حوا من الصعاب و الأزمات لذا أغمضت عيناها رددت بقلبها 

" الحمد لله الذي لا يُحمد علي مكروه سواه "


ما أن أنهت جملتها حتي أخترق مسماعها صوت صراخ و عو يل قادم من الداخل إنتفض علي إثره هو الآخر و ردد بقلب مرتعب 

" حلا !"


بلمح البصر وجدته يهرول للداخل و دونًا عنها أخذتها قد ماها خلفه حتي تفاجئت من هذا المشهد المرعب حين وجدت فتاه بعمر أختها أو ربما أصغر قليلًا و هي تنوح و تنتحب و بجانبها رجل آخر يحت ضنها و قد كان هو الآخر في حالة من الإنهيار الصامت الذي تجلي في عيناه التي تناظرها بصدمه و ضياع . حينها توقفت غير قادرة علي التقدم خطوة واحده فقد وقعت الصدمه عليها هي الآخري فجمدتها بمكانها خاصةً عندما وجدته يسقط علي الكرسي خلفه بضعف غريب يتنافي تمامًا مع حدة ملامحه و شموخه السابق الذي كان يحيط به و تبددت تلك الهالة من الهيبه التي تحيط به و تحولت إلي ضعف كبير فهي عندما شاهدته أول مرة كان تعلم أن عمره أربعون عامًا و قد بدا أصغر بكثير أما مظهره الآن يوحي بأنه قد تجاوز السبعين من عمره …


فألم الفقد قادر علي سحق الإنسان بين طياته و إنهاك الروح للحد الذي يجعلها كثوب مُهلهل تبعثرت خيوطه 

حتي أن كل فلسفه العالم لا تستطع إصلاحه و لا مواسات إنسان عما فقد.

فلا بكاء ينفع و لا صراخ يشفع و الصمت مُميت و البوح ليس بكلمات تُقال بل يشبه تفتت الجبال..

( أعاذانا الله و إياكم من فقد عزيز ) 


نورهان العشري 



❈-❈-❈


شعرت بنغزة كبيرة في صدزرها و الذي أخذها جرًا إلي غرفة شقيقتها بقلبً لهيف ففتحت الباب بقوة مندفعه إلي السر ير الذي تستلقي عليه جنة التي ما أن شاهدتها حتي إلتمعت عيناها الباكيه و همت بالحديث لتتفاجئ بفرح

 تحت ضنها بقوة لم تتوقعها و ي دها تشدد من عنا قها بكل ما أوتيت من حب و ضعف و خوف فهي صغيرتها التي ربتها و أعتنت بها طوال حياتها و إن كان خطأها جسيمًا بل مروعًا فهي لا تستطيع سوي أن تحمد ربها علي نجاتها ..


أخذت جنة هي الآخري تشدد من عنا ق فرح و هي تبكي بقوة و داخلها ينتفض تزامنًا مع شهقاتها التي تردد صداها في أنحاء الغرفه التي شهدت علي شتي أنواع المشاعر في تلك اللحظه فقد كان الندم و الإعتذار من جانب جنه و الخوف و الغضب من جانب فرح و قد كان الألم شعور مشترك بينهما لذا طال العنا ق لدقائق حتي أفرغت الفتاتان ما بجو فهما من مشا عر و كانت أول المنسحبين فرح التي كانت تحني ر أسها بتعب فامتدت يد جنة تحت ذقنها ترفع رأسها إليها و هي تقول بنبرة بها الكثير من الاعتذار و الندم  


" والنبي ما توطي ر اسك كدا أبدًا . انا معملتش حاجه في الحر ام . حازم جو زي "


لوهله لمع بريق الأمل بعيناها ما أن سمعت حديث شقيقتها فخرجت الكلمات مرتجفه من بين شف تيها و هي تقول بترقب 


" جو زك ؟"


أهتزت نظرات جنه للحظه قبل أن تقول بتوتر 

" آه جو زي .. إحنا أتجو زنا عر في .. بس الورقتين معايا في البيت و هو بيح بني اوي وعمره ما هيتخلي عني . انا واثقه من دا والله هو طلب مني نعمل كدا عشان نضغط عليكي و علي أهله عشان توافقوا علي جو ازنا .  و لو مش مصدقاني هخليه يقولك كدا بنفسه ."


قالت جملتها الأخيرة بلهفه بعدما لمحت تلك النظرة المنكسرة بعين شقيقتها و إختفاء تلك اللمعه التي ظهرت عندما ذكرت زو اجها منه .


كانت كالغريق الذي وجد زورق النجاة بعد إنقلاب سفينته في بحر هائج و الذي إتضح بعد ذلك بأنه زورق مثقوب قابل للغرق في أي لحظه هذا كان حالها عندما سمعت جملتها عن ذلك الزو اج العر في الذي لن يعترف به أحد خاصةً بعد وفاة حازم فانطفئ شعاع الامل من عيناها و شعرت بالشفقه علي حالها ما أن تعلم بما حدث و نظرًا لعذ اب شقيقتها الظاهر جليًا علي محياها و إصابتها العضو يه و النفسيه آثرت تأجيل الحديث لحين أن تستعيد صحتها و كذلك لتستطيع التفكير هي بهدوء في تلك الكارثه التي بدت و كأنها حلقة مغلقه لا مخرج منها ابدًا ..


" نامي دلوقتي و لما تصحي نبقي نتكلم ."

هكذا خرج صوتها جافًا به بحه بكاء مكتوم لم يعد وقته الآن فحاولت جنة الحديث لتوقفها كلماتها الصارمه حين قالت 

" قولتلك نامي دلوقتي و بعدين نبقي نتكلم .."


أبتلعت حروفها و هي تنظر إلي شقيقتها التي كان ثوب القسوة جديد كليًا عليها و قد آلمها ذلك كثيرًا و لكنها داخليًا تعترف بأنها تستحق أسوء من ذلك و بأن المو ت هو الجزاء الذي تستحقه علي جُرم أقحمها به غبائها و إنسياقها خلف قلبها ..


كانت ليله طويله علي الجميع لم ينم بها أحد سوي جنة التي أعطاها الطبيب مهدئًا حتي يحميها من ذلك الألم الكبير في ذرا عها المكسور و تلك الكدمات التي إنتشرت في أماكن متفرقة في جس دها و لكنه لم يستطع حمايه روحها المعذبه و لا قلبها المكدوم و قد تمكنت منها الكوابيس التي أيقظتها مرات كثيرة و هي تنتفض صارخه لتتلقفها ي د فرح التي كان عذابها كبيرًا للحد الذي منعها من النو م و من البكاء و من أي شئ قد يريحها فقط أنفاس قويه تقذفها من جوف وجعها و كأنها جمرات حارقه حتي عندما كانت تهرول لإحت ضان شقيقتها التي كانت ترتجف لم تستطع التفوه بكلمه واحده فقط تعا نقها و تمسد بي دها فوق خصلا ت شعر ها إلي أن تهدأ و تعود للنو م .


أخيرًا بزغ نور الصباح ليُعلِن عن بِدأ يوم جديد مُحملًا بأوجاع الأمس التي سيكون الشفاء منها أمرًا مستحيلًا و قد تترك ندوب ستستمر معهم طوال حياتهم .


وضعت فرح ي دها علي عيناها التي لم تستطع التأقلم بعد علي نور الصباح الذي دخل من النافذة فنهضت بتعب من مقعدها و دلفت إلي المرحاض تغسل و جهها و خرجت لتجد الممرضه و الطبيب الذي كان يعاين شقيقتها و أمر الممرضه بإعطاءها أدويتها فبادرته فرح بالحديث بصوت مبحوح 

" حالتها عامله إيه يا دكتور ؟"


الطبيب بعمليه

" زي ما قولتلك حالتها مش خطر و مع الانتظام علي الأدويه أن شاء الله هتبقي أحسن بس طبعًا مش هينفع تروح قبل ما نطمن عليها . "

فرح بهدوء

" يعني قدامنا قد إيه كدا  ؟"


لاح بعض التوتر علي ملامح و جهه و لكنه سرعان ما أختفي و قال بعمليه 

" ممكن أسبوع مش اكتر أن شاء الله"

ثم تابع بإشفاق لامسته من بين كلماته

" أنتي إلي واضح عليكي الإرهاق أوي ودا غلط  "


لاحت إبتسامه ساخرة علي ش فتيها قبل أن تقول بصوت لا حياة به 

" مش هتفرق كتير يا دكتور. المهم هي تقوم بالسلامه. "


الطبيب بإشفاق 

" هكتبلك علي شويه مقويات عشان مينفعش أنتي كمان تقعي . أنا عرفت منها أنك عيلتها الوحيدة . و لازم تكوني جمبها خصوصًا في الوقت دا .."


لم تجادله فرح التي كانت في تلك اللحظه نفذت كل قواها فأخذت منه الورقه بصمت و ما أن أوشك علي المغادرة حتي قالت بلهفه


" دكتور معلش ممكن تخلي حد من الممرضات يفضل جمبها ساعه بس أروح البيت أجيب هد وم ليا وليها و شويه حاجات كدا . زي ما حضرتك شفت انا جيت جري و معناش أي حاجه هنا .."


الطبيب بتفهم 

" مفيش مشكله . أنا هعين ممرضه مخصوص تفضل جمبها لحد ما تروحي و ترجعي "


كان إهتما مًا مبالغ فيه و لكنها في وضع لا يسمح لها بالسؤال و لا حتي بالتفكير لذا هزت رأسها و تمتمت بعض عبارات الشكر قبل أن تشرع في تجهيز نفسها للمغادرة ..


❈-❈-❈



تلك اللحظه حين تضع ق بلة أخيرة فوق جب ين ميت كان يعني لك الحياة و أكثر ، حين تشعر برجفه قويه تضرب أنحاء جس دك ما أن تُلا مس برودة و سكون ذلك الك ف الذي لاطالما كان يعج بالدفء و الحياة . نظرتك الأخيرة حين تشاهد جزءًا كبيرًا من رو حك ينشق عنك ليتواري معه تحت الثري . تلك اللحظات لا تُنسي ابدًا بل تظل عالقه في ذاكرة القلب و كأنها نُحتت من رحم النار التي تبقي مشتعله إلي أن يحين اللقاء بهم في العالم الآخر…


(اللهم إنا نعوذ بك من فواجع الأقدار و فقد الأهل و الاحبه)


نورهان العشري 


❈-❈-❈


كان في طريقه للمشفي لإستلام جثما ن أخيه حتي يتم دفنه ليذهب إلي مثواه الأخير و كم كان ذلك الأمر شاقً علي قلبه الذي للآن لم يستوعب تلك المصيبه التي حلت بهم . لم يدرك ماذا يحدث حوله أصوات النحيب و البكاء تحيط به في كل مكان، النسا ء متشحات بالسواد الر جال ملا محهم جامده مكفهرة، أعينهم تمتلئ بالقطرات التي تأبى الهطول . حزن عميق يسيطر علي الهواء حولهم لأول مرة لا يسمع زقزقة العصافير عند الصباح حتي أن الشمس مختبئه خلف السحاب تأبي الظهور. السماء تُرعِد و المطر ينهمر بغزارة و كأن الطبيعه تشاطرهم حزنهم الغائر و مصابهم الكبير .


ما أن أوقف سيارته أمام باب المشفي حتي وجد سيارة سليم التي كان جانبها الأيمن مهشم و كأن جدارًا سقط فوقها أو أن أحدهم كان يحاول إنهاء ألمه و شحنات غضبه في قطعه جماد لا ذنب لها .


ترجل «سليم الوزان» من السيارة الخاصه به و قد كانت بعض قطرات الدما ء تنساب فوق جب هته و يبدو أن هناك جر حًا غائر لا يأبه له صاحبه الذي كان يحمل بقلبه جر حًا أكبر مما يستطيع تحمله .

أقترب منه سالم و عيناه تحمل من القلق ما تعجز الشف اه عن التعبير عنه و قد إمتدت ي داه لملا مسه الدماء المُنسابه من ج بهة أخاه و هو يقول بخشونه

" حصل إيه ؟"


تراجع سليم خطوة للخلف و هو يقول بلهجه جافه 

" متقلقش حادثه بسيطه ."


ضيق سالم عيناه و أشتد به الغضب حتي أرتجف ج فنه الأيمن و قال بلهجه قاسيه 

"  سلييم . "


سليم بلهجه حادة 

" مش إلي في بالك يا سالم . دي كانت حادثه زي ما قولتلك ."


أطلق سالم زفرة حادة قبل أن يقول بنبرة قاطعه 

" هخلي الدكتور يشوفك قبل ما ناخد حازم و نمشي ."


عند ذكره لاسم أخاه الراحل إرتجفت شف تيه و أختنق الحديث بجو فه و كان سليم لا يقل تأ ثرًا عنه و لكنه دون أن يشعر أفرجت عيناه عن دمعه حبيسه تحكي مقدار الوجع بصدره فأخذ عدة أنفاس حادة قبل أن يقول بصوت متحشرج 

" عايز أشوفه يا سالم . عايز أطلب منه يسامحني "


لم يتحدث فلم تسعفه الكلمات جل ما أستطاع فعله هو أن تمتد يداه تمسك بكتف أخيه و أبتلع غصه مريرة قبل أن يقول بلهجه جافه 

" متحملش نفسك ذنوب معملتهاش . إلي حصل دا قدر و مكتوب ."


لم يستطع سليم الحديث و أشتبكت عيناه مع عين شقيقه في حديث صامت دام للحظات و كان سالم أول من قطعه حين أستعاد هدوءه الظاهري و قال بصرامه 

" يالا بينا عشان الدكتور يشوف جر حك . مينفعش ماما تشوفك كدا . كفايه إلي هي فيه "


و بالفعل إنصاع سليم لأوامره دون جدال و توجها معًا لإستلام الجثما ن و لكن أستوقفهم الطبيب الذي ما أن رآهم حتي تحدث قائًلا بعمليه 

" سالم بيه . كان في موضوع مهم عايز أتكلم مع حضرتك فيه "


سالم بجمود

" موضوع إيه ؟"

الطبيب بتوتر 

" ممكن تتفضل معايا علي مكتبي عشان نقدر نتكلم براحتنا "


دون التفوه بأي حرف توجه الأخو ان الي مكتب الطبيب لمعرفة ماذا يريد ..


❈-❈-❈


علي الجانب الآخر كانت جنة ترقد علي مخد عها بهدوء يتنافي تمامًا مع ضجيج قلبها الذي كان ينتحب ألمًا و شعور  الخوف الذي أخذ يتسلل الي صد رها الذي لا تعلم لما انقبض فجأة فشعرت بأن التنفس بات ثقيلًا عليها فأخذت تحاول تنظيم أنفاسها بصعوبه و لسوء الحظ فالممرضه التي عينها الطبيب لترافقها حالما تأتي شقيقتها قد أستأذنت لبعض الوقت و لا تعلم لما تأخرت فأخذت تحاول التحرك فآلمها ذلك أكثر و قامت بإسناد رأ سها للخلف مُغمِضه عيناها و أخذ صد رها يعلو و يهبط بسرعه كبيرة إلي أن  سمعت باب الغرفه الذي فتح بعنف مما جعلها تشهق بصدمه تحولت لذعر كبير و هي تري ذلك الر جل الضخم الذي كان يناظرها بعينان تشبهان الجمر في إحمرارهما و ملا مح قاسيه مع فم مشدود بقوة و كأن أحدهم يُجاهد حتي لا يطلق وحو شه لتفتر سها فأخذت تر تجف رغمًا عنها من فرط الخوف خاصةً حين أخذ يتقدم بخطً سُلحفيه و عيناه لا تحيد عنها و كأنها مذنبه و هو جلا دها فأخذت تتراجع في جلستها الي أن التصقت بظهر السر ير خلفها و هي تقول بهمس خافت 

" أنت مين ؟"


أظلمت عيناه و قست ملا محه أكثر و هو يقتر ب منها حتي أصبح أمامها مباشرة و قام بالإن حناء لتصبح عيناه المستعره بجحيم الغضب أمام عينا ها التي تر تجف من فرط الخوف و قال بوحشيه و لهجه تحمل الكثير من الوعيد بين طياتها 

"أنا عزرائيل إلي هياخد رو حك بعد ما يخليكي تشوفي جهنم علي الأرض . "


إزدادت رجفتها و أخذت أنفسها تتخبط بصد رها الخافق بعنف و هي تقول بشفاه مرتعشه 

" أنت عايز مني إيه ؟"


إزدادت وحشيه ملا محه و هو يقول بقسوة 

" عايز أد مرك و أخليكي تلعني اليوم إلي خرجتي فيه من الحادثه دي و أنتي لسه فيكي الرو ح "


إزداد رعبها و هطلت العبرات كالفيضان من بين عيونها وقد كانت كل عض له في جس دها تر تجف بعنف من ذلك المجنون الذي يقف أمامها يلقي علي مسامعها تلك التهديدات البشعه التي لم تستطع تحملها فقالت من بين دموعها 

" حرام عليك أنا عملتلك إيه ؟"


إمتدت يداه تقبض علي خصلا ت شع رها تكاد تقتلعه من جذوره فخرجت منها صرخه قويه لم تؤثر به بل تابع حديثه و هو يزمجر بقوة و كأن كلمتها جر مًا كبيًرا قد أقترفته 

" أخرسي . ليكي عين تتكلمي . بسببك هدفن أخويا الصغير تحت التراب . أخويا ما ت و هو زعلان مني و أنتي السبب . هو مات و واحده ر خصيه زيك لسه عايشه . بس وحياة غلاوته عندي لهخليكي تدفعي التمن غالي أوي.  و تعرفي أن ولاد الوزان لح مهم مسموم إلي يفكر يقر ب منهم مصيره المو ت ."


قال جملته الأخيرة صارخًا بوعيد و لكن للحظه توقف

جس دها عن الإهتز از بين يديه و جحظت عينا ها و بهتت ملا محها و شحب لو نها فمن يراها يظن أنها علي مشارف المو ت بينما عقلها أضاء بحقيقه مرة كالعلقم و هو أن المقصود بذلك الحديث ليس سوى حازم !

و كأن شفتيها ترجمت ما يدور بعقلها حين قالت بخفوت 


" حازم ما ت ؟"

لم تكن تعلم هل كان جوابًا أن سؤالًا و لكنها بكل الأحوال حقيقه ترفضها بشدة و أخذت رأسها تتحرك يمينًا و يسارًا و شفتا ها تطلقان عبارات الرفض و قد كان كل ذلك يحدث أمام عيناه الصقريه التي كانت تتابع إنهيا رها بزهول سرعان ما تحول لغضب عندما ظن بأنها تحاول خداعه فقام بالصراخ في و جهها الذي كان قريب منه بدرجه كبيره 

" بطلي الحركات دي. لو مفكره أنك ممكن تضحكي عليا بيها تبقي غلطانه "


لم يتوقع أبدًا انهيارها بهذا الشكل بل صُدِم بشدة حين وجدها تضرب صد ره بقوة بقب ضتيها و أخذت تصرخ بحرقه قائله من بين صرخاتها

" أخرس . حازم ممتش.  حازم مسابنيش  . حااااااازم "


و كأنها كانت تقول مايريد قوله ، كان هذا الإنهيار الذي يشتهيه تمامًا ، كانت تلك الكلمات تتردد بصدره هو الآخر ، هذه الدموع يتمني لو يستطع إخراجها . كانت حالتها تلك هي ما يتمني أن يعيشه و لو للحظات حتي يفرغ غضبه و ألمه الذي يكاد يقضي عليه . فجأة شعر بشئ يبلل صد ره فاخفض بصره فوجدها تلقي بر أسها فوق مو ضع قلبه مباشرة و يدها تقبض بشدة علي قم يصه و صوت بكائها يخترق سمعه و لدهشته وجد يداه تحيط بها في غفلةً منه و حينها لم يستطع السيطرة علي دموعه التي سقطت لتغرق خصلات شعرها . و كأنه يشكو لها ألمه و ذنبه و ضعفه


كانت لحظه عجزت حو اسه بها عن الاستجابة لإشارات عقله .ففجأة توقف الزمن من حولهم و كأنهم تشاركا الألم سويًا . لحظه قطعها هرولة فرح التي سمعت صراخ شقيقتها فانتابها الفزع و سقط كل ما بيدها و هرولت إلي غرفتها لتتفاجئ بذلك المشهد جنة تبكي و تنوح و رأ سها ملقي على ص در ذلك الرجل الغريب عنها و الذي ما أن سمع ارتضام باب الغرفه بالحائط حتي استفاق من تلك الغيبوبه التي غرق بها للحظات و قام بدفعها و الإرتداد للخلف ليصعق من مظهر ها المبعثر و دموعها المناسبه من عيناها لتختلط بدماء سالت من أنفها و أخذت تتساقط علي وجهها فمن يراها الآن يجزم بأن تلك الفتا ة علي وشك الموت حزنًا و ألمًا 

قاطع نظراتهم صراخ فرح التي اندفعت تجاه شقيقتها و هي تقول بعنف و قسوة 

" أبعد عن أ ختي ؟ أنت عملت فيها إيه ؟"


خرجت الكلمات من ف مه كأسهم نيران حارقه 

" كان في كلمتين بيني و بينها و خلاص قولتهم . "


وجه أنظاره لجنة و هو يقذف الكلمات من ف مه بينما عيناه ترسلان إشارات التهديد الصريحه 

" خليكي فاكرة اسم سليم الوزان دا كويس عشان نهايتك هتكون علي إي ده "


إندفعت فرح نحو شقيقتها و قد تملكها الغضب الشديد و تولدت بداخلها غريزة الحمايه اطفلتها فقالت بقوة توازي قوته 

" أنت أتجننت يا جدع انت . جاي تهد دنا بكل بجاحه "


إزداد غضبه أكثر و قال بشراسه 

" البجاحه دي أ ختك واخدة دكتوراه فيها. بس أنا بقي هعرف أربيها و أربيكي كويس أوي "


ما أن أنهي جملته حتي أتاه صوت سمره بمكانه و الذي لم يكن سوي لشقيقه الأكبر الذي قال بلهجه قاسيه 

" سليم !"


التفت سليم إلي أخاه الذي كان يقف بشموخ أمام باب الغرفه و الغضب يلون تقاسيمه و قد تجلي ذلك بنبرته حين قال بخشونه 

" بتعمل إيه هنا ؟"


سحب سليم أكبر قدر من الأكسجين بداخله قبل أن يقول بنبرة جافه 

" كان في رساله كنت جاي أوصلها و خلاص وصلتها "


قال كلمته الأخيرة و هو ينظر لجنه التي كانت ترتجف بين أحض ان شقيقتها و لا تبالي بشئ شوي تلك الحقيقه السوداء التي تجاهد حني تستطيع الهرب منها بشتي الطرق لذا تجاهلت تهديداته و كأنها لم تكن موجهه إليها و قالت برجاء 

" حازم جراله إيه يا فرح ؟ قوليلي أنه كويس و بخير . أرجوكي  "


توقف سليم أمام باب الغرفه يستمع إلي استفهامها المتألم و لكنه كان غضبه أقوي من أي شعو ر آخر فتجاوز أخاه و إندفع إلي الخارج بينما بالداخل لم تجد فرح ما تخبرها به فقط شاطرتها البكاء و علي و جهها إمارات الأسف و لكن عيناها كانت تقتنص ذلك الذي مازال واقفًا أمام باب الغرفه و عيناه كالصقر تتلقف كل حركه تصدر منهم . دام تفحصه للحظات ثم أعطاهم ظ هره دون التفوه بأي حرف فنظرت إلي شقيقتها و قالت بلهفه 

" جنه دقيقة و رجعالك "


هرولت إلي الخارج فاصطدمت بظ هره حين وجدته ينتظرها و كأنه كان علي يقين من قدومها فخرجت شهقه خافته من جو فها و أنتشر الخجل علي ملا محها و تراجعت خطوتان للخلف و هي تناظره بكبرياء قابله هو بسخريه ظهرت بصورة خاطفه في نظراته التي سرعان ما عادت لجمودها و قد أختفي ذلك البريق الآخاذ الخاص بهما و الذي كان يضيئها في اللقاء الأول لهما و كأن مصباحها انطفئ. 

دون أي مقدمات خرج الكلام من ف مه بخشونه تليق 

بملا محه كثيرًا 

" مش عايز أي حاجه تتسرب للصحافه . "


قطبت جبينها و قد أدهشها حديثه فقالت بعدم فهم 

" و إيه دخل الصحافه في إلي حصل  ؟"


ناظرها بإستخفاف قبل أن يقول بقسوة

" إلي ما ت دا يبقي حازم منصور الوزان !"


شعرت بأن حديثه يحمل إعصارًا من الألم و الغضب فوجدت نفسها تقول بشفقه تسللت بغته إلي داخل قلبها 


" البقاء و الدوام لله "


هز رأسه دون أن يجيبها و قال بلهجه جافه و كأنه يلقي أوامره و عليها السمع و الطاعه 

" هسيبلك حراسه علي باب الاوضه عشان لو حد من الصحافه حاول يوصلكوا "


خرجت الكلمات منها حادة غضبًا من لهجته الآمره

" إحنا مش محتاجين حراسه إحنا نعرف نحمي نفسنا كويس "


زفر بحدة قبل أن يقول بنبرة فولاذيه و عينان ترسلان سهام التحذير

" كلامي يتنفذ من غير نقاش ."


فرح بسخريه و قد نست كل شئ يحدث حولها فقط ذلك الرجل المتعجرف المغرور الذي ينجح في إثارة غضبها كلما التقت به 

" أوامرك دي تمشي عالناس كلها إلا عليا. و بعدين لو هتحمينا يبقي أحمينا منكوا إلي اخوك عمله دا غلط كبير أوي . أيًا كان و جعه مالوش حق أبدًا يعمل إلي عمله و يدخل يهدد جنه بالشكل دا "


كانت تناطحه و كأنهما متساويان و كان هذا يزيد من وقود غضبه الذي يحاول أن يقمعه بداخله خوفًا من عواقب وخيمة لا تحمد عقباها و قد تجلي غضبه بنبرته حين قال  بقسوة من بين انفاسه

" أدعي ربنا انه ميكونش لينا حق عندكوا عشان هيكون تمنه غالي أوي. أشك أنك تقدري تدفعيه ."


جفلت من نبرته القاسيه و كلماته الحادة كنصل السكين و لكنها كالعادة تظاهرت بالثبات و حمدت ربها بأن نظارتها الطبيه حجبت عنه إهتزاز حدقتيها . و قالت بصوت يملؤه التحدي

"و لو إحنا إلي لينا حق عندكوا ؟"


تغيرت نظراته كليًا و طافت فوق ملا مح و جهها قبل أن يقول بخشونه

"  أتأكدي أنك هتاخديه مني أنا شخصيًا "


كانت تلك آخر كلماته التي ألقي بها و إستدار بهيبته الطاغيه التي كانت تبعث علي نفسها الرهبه فزفرت بحدة قبل أن تستند علي الحائط خلفها و هي علي يقين من أن شقيقتها قد أقحمتهم بالجحيم الذي ستظل شيا طينه تُلاحقهم لوقتً طويل ..


عِند حلول المساء كانت جنة غارقه في نو مًا عميق بفعل المهدئ القوي الذي أعطاه الطبيب لها بعد انهيارها الشديد أثناء النهار غافله عن أقدام الشر التي أخذت تتقدم من

مخد عها تنوي الفتك بها دون رحمه و ما أن وصلت اليها حتي أطلقت سهام نظراتها الحارقه علي تلك التي تنام لا حول لها و لا قوة و قذ فت سمومها بجانب أذ نها بصوت كفحيح الأفاعي 

" نو متك الأخيرة هتكون علي أي دي و زي ما د فنته هد فنك أنتي كمان .."

 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة نورهان العشري لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة