-->

رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 24

 

قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة رواية مواسم الفرح 

من روايات وقصص 

الكاتبة أمل نصر


(ست الحسن)

الفصل الرابع والعشرون

قصت عليه والدته بعجالة الأمر الجلل عن اختطاف العمدة هاشم ابنتي عمه، بدور ونهال من أجل مبادلتهم بمعتصم الموجود بحوزة الشباب الاَن، رائف وجربي، كان صامتًا بهدوء ما يسبق العاصفة، لا تظهر ملامح اية رد فعل عما يدور بداخله، بجمود ظاهري يخفي نيران استعرت بشراسة بداخله، حتى بدأ الانفعال يظهر تدريجيا بنتفسه الحاد حتى أصبح مسموعًا، رغم صمته الذي اثار التوجس بداخلهم منه، يستمع لتعقيب والدته عن الأمر وشقيقته تلطم ببكاء حارق عما حديث لابنتي عمها بفعل خسيس لا يفعله سوى انقاص الرجال كما كان يقول سالم. على نفس وتيرته في الهدوء منسحبًا من أمامهم ليزيد حيرتهم، ويدخل غرفته ثم يخرج سريعًا في ظرف ثواني قليلة ليفاجئهم بارتدئه الجلباب البلدي، ومن دون أذن خطا بأقدمه ليدلف بغرفة والديه، هنا انتفض سالم متسائلًا من أجل أن يوقفه 

- إنت داخل الاوضة ليه يا واد؟

اكمل طريقه دون رد، لتنهض راضية على الفور حتى تلحق به، مغمغة بتساؤل:

- ودا داخل الاؤضه هيعمل ايه؟

- بتعمل ايه عندك؟ وه دا انت جلبت الاؤضة كلها ليه كدة؟ بتفتش على ايه فى الدلاب؟

رددت بالأسئلة راضية مندهشة من حجم الفوضى التي كان يحدثها مدحت في غرفتها بغير حق، وخصوصًا دولاب الملابس التي كان يلقيها بعدم احترام، ليزيد استياءها بصمته المستمر وعدم الرد، فتابعت بحنق له:

- يا ولدى رد عليا، بتدور على ايه فى هدوم ابوك...

توقفت فجأة بخضة وهي ترى وكأنه قد عثر على غايته، حينما اخرجه من الرف الأوسط، صرخت بارتياع وهي تطالع السلاح المرخص لوالده وهو يلتمع بيــ ده، لتركض على الفور ناحيته لتعترض طريقه مرددة:

- يا مرك يا راضية، عايز تضيع نفسك يا مدحت؟ هتضيع نفسك يا حزين، سيب الجندلة ده من يدك.

بعزم شديد كان يضغط على نفسه بقوة حتى لا يؤذي والدته المتشبثة به بقوة، بدفعها من أمامه، حتى يمضي في طريقه ليفعل ما انتوى عليه:

- سيبنى ياما، بعدى عنى الله يرضى عنك .

- اللحج ولدك يا عبد الحميد، هيجتل العمده .

صرخت بها بقوة نحو زو جها الذي أتى على الصوت دون انتظار، ليطبق عليه ممسكًا به وبالسلاح، قبل ان يتمكن من الخروج به، ليخاطبه بحزم حتى ينتزعه منه

- رايح فين وعايز تتخطانا كلنا، هو ابوك ولا اعمامك ميقدروش يمسكوا السلاح زيك؟

بصوت خشن متحشرج بانفعال شرس كان يسمتيت من أجل أن يتركاه:

- سيبنى يا بوى، الله يرضى عنك، متبعش كلام امي.

زاد عبد الحميد الإمساك به بقوة قائلًا:

- اسيبك عشان تضيع نفسك، اعجل يا ولدي واخزي الشيطان. 

راضية ايضًا:

- استهدى بالله يا ولدى واسمع الكلام 

وكأن وحش يصارع لفك قيوده كان يصيح:

- سيبونى حرام عليكم اروح افرغ مسدسى فى صــ دره، الواطي عديم الشرف ده.

عبد الحميد وهو يخطابه بالعقل:

- وموته هيفيدنا بإيه؟ احنا نجيب البنته الاول وبعدين نعمل معاه اللى احنا عايزينه .

بإصرار شديد هتف مدحت:

- خلاص اروح احط المسدس على راسه واخليه يجول على مكانهم.

- فى بيته! وفي وسط غفره! عشان يحبسوك ولا يخلصوا عليك ولا يبجى ليك ديه حتى .

قالها عبد الحميد ليصرخ له مدحت بعذاب ينهش به؛

- يعنى اسكت زى الحريم وانا خطيبتى مخطوفة يا بوى، دا انا اموت احسن، الموت أهون يا بوي.

- بعد الشر عليك يا حبيبي من الموت. 

هتفت بها راضية، ليضيف على قولها عبد الحميد:

- يا ولدى انا عاذرك وحاسس بيك، بس احنا لازم نشغل عجلنا الاول، دا شيطان وعرف يلوى دراعنا، يبجى احنا ماينفعش نتغاشم معاه، عشان نردله ونعرف نحاسبه على غلطته صح.

اكملت راضية من أجل تهدئته:

- اسمع كلام ابوك يا حبيبى واصبر شوية، جدك مش هيسكت واكيد فى صرفه.

هتفت نيرة هي الأخرى والتي كانت واقفة على مدخل الغرفة، بصوت مرتعش من فرط بكاءها الحارق:

- حن عليك يا خوى اسمع كلامهم اكيد فى حل .


❈-❈-❈


- رسيتوا على ايه ؟

سألت انتصار فور خروج ياسين من المنزل، بعد جلسته مع زو جها والذي فرد نفسه أمامها بغرور يقول:

- تفتكرى إنت إيه؟

ردت انتصار وهي تجلس على الكرسي المقابل له:

- شكلك مبسوط وحاطط على جلبك مراوح طب ما تجولى انا كمان وريحنى بالمره على ولدي اللي هموت عليه.

بسأم طالعها هاشم يقول:

- يا ولية ما تبجيش غبية بجى واتجلي، ولدك ها يرجعلك وهجوزه المحروسة اللى هيموت عليها كمان، عايزه ايه تانى؟

قارعته انتصار بشكها:

- وانت تضمن ياسين وحركاته؟ ولا حتى عيال عياله، ما انت عارفهم.

بعنجهية وثقة زائدة رد هاشم:

- حركات ايه ولا كلام فارغ ايه؟! دا انا شرطت انهم ما هيشوفوا البنتة غير فى بيتى وساعة كتب كتاب بتهم على ولدى و بيد المحامى بتاعنا، هيبجى فيه حركات تانى بجى؟

تابعت انتصار بسؤال اخر:

- طب ما يمكن يعتروا على مكان البنتة وساعتها تتجلب فوج راسنا وتطين اكتر ما هي مكينة.

سمع هاشم ليجلجل بضحكة عاليه يقول:

- يعتروا كيف يا جزينة؟ دا البنتة جاعدين فى حتة الدبان الازرج ما يعرفهاش.

قطبت انتصار باستغراب تسأله:

- ليه بجى؟ هو انت خافيهم فين يا هاشم؟

رد الاَخر رافعًا حاجبه يقول:

- مش لازم اجولك، بس انتى حطى فى بطنك بطيخة صيفى من ناحية مطرحهم، عشان دي اخر حاجة تشيلها همها وياريت متسألنيش عنه، عشان مش هجاوب لو حتى وجفتي على شعر راسك.

- طب بلاش اسأل ع العنوان، المهم بجى انا عايزة ولدي يبات فى حضنى مش جادره استنى تانى على بعاده عنى .

قالتها انتصار ليصيح بها هاشم بضيق:

- يووه يا عليكي، يا ولية افهمي بجى، ولدك دا راجل .. الهم ع البنتة، يعنى هما نارهم اشد منك باضعاف، دول عرض .

قالت انتصار:

- يعنى ايه؟

رد هاشم 

- يعنى اتجلى وانتى تلاجيهم جايين زاحفين .


❈-❈-❈


دلف متولي إلى داخل القصر القديم ليتفاجأ بالاثنين المكلفان بحراسة الفتيات متربعي القدمين على الصالون القديم، بجلسة مزاج يتناولون المكيفات بالسجائر الملفوفة، فهدر يجفلهما:

- ايه اللى انتوا بتشربوه ده يازفت انت وهو؟ هى كانت ناجصه مصاطيل كمان؟

ضحك عيسى ليرد وهو ينفث الدخان الأخضر من سيجارته أمامه في الهواء: 

- مساطيل كيف يا عم انت؟ دا حاجة كده خفافى واحنا ناس روسنا تجيلة وتتحمل. 

كز على أسنانه متولي يصيح وهو على وشك الإصابة بذبحة صــ درية منهما:

- هو دا كمان فيه خفافى الله يخرب بيوتكم هتودونا فى داهية، هو انتو اتحدفتوا علينا من اي نصيبة؟

اعترض عليه عبد الناصر بحنق قائلًا:

- خبر ايه يا عم متولى؟ شادد حيلك علينا اكده، ما جولنالك الحاجات دى احنا متعودين عليها، يعنى معدتش تأثر فينا، دى بجيت كيف كوباية الشاى كدة بالنسبالنا .

هم ان يقرعهم بكلماته ولكنه تذكر انه لا فائدة من ذلك، فقال ساخرًا بغيظ:

- كوباية الشاي! نهايتو، خلينا في المهم دلوك، مين فيكم اللى هينزل البلد يجيب وكل وتومين؟ الوكل اللى فى المطبخ جوا، ميكديش غدا حتى الرجالة اللى واجفة بره دى.

قال عيسى لعبد ناصر

- روح انت يا بطل.

اعترض الاخير بعدم اكتراث:

- أنا ماريحش فى أي حتة، انت عارفنى خلجى ضيج وممكن اشبط فى حد واتعرك معاه وتخرب بعدها.

عبس بوجهه عيسى موجهًا خطابه للاَخر:

- طب روح انت يا متولى، البلد بلدك وتعرفها اكتر منينا.

رفض متولي يرد بحزم:

- بجولكم إيه انت وهو، اتفجوا مع بعضيكم وشوفوا صرفو، انا العمده منبه عليا مسيبش مطرحى ابدًا انتو مهما كان برضوا اغراب.

زفر عيسى ينهض مجبرًا وينفض جلبابه، يقول بيأس:

- يعنى خلاص لبست فيا انا، جاكم الطين انتوا الاتنين .


❈-❈-❈


على كرسيه كان جالسًا فاردًا ظهره، وكفه مستندة على رأس العصا الغليظة، رأسه تعصف بالأفكار المختلفة بعد عودته من زيارة العمدة وفعله الخسيس، لقد كان يتوقع من البداية تطرف هاشم بفعل إجرامي من نجاة ابنه، وهذا ما كان يتمناه من اجل ان يوقعه في شر أعماله، ويدفع ثمن فعلته مع ابنه، لكن ان تصل الدناءة والخسة لاختطاف النساء والشروع في إجبارهم على زو اج ابنتهم ببذرة الشر ابنه لقد فاق كل الحدود بفعلته، وظنه بأنه بالضعف الذي يجعله يرضخ لهذا الفعل ولو كان بطلوع الروح، ولكن الدنيء يلوي ذراعه بحفيدتيه الاَن، إذن كيف يستطيع التصرف في هذا الأمر الجلل؟ كيف؟ كيف؟

- عملت ايه يا بوى؟

هتف بها راجح وهو يلج لداخل المنزل بصحبة شقيقه محسن، فتحمحم ياسين باضطراب يجيبه:

- إتجدم الأول واجعد انت واخوك .

على الفور جلس راجح بلهفة وكذلك شقيقه الذي قال :

- انا كنت عايز اتصل بحربى، عشان اجولوا يجيب الواد الزفت ده .

هتف به ياسين بتحذير:

- أوعى يا محسن، ولا حتى تبلغه غير ما بعد ما تاخد شورتي 

ارتاب راجح من فعل والده، فعقب بقلق:

- يوعى ليه يا بوى؟ آمال احنا هنرجع البنته ازاى من غيره؟

صمت قليلًا ياسين، قبل أن يرد:

- انا بعتلكم كلكم ليه ما جاش عبد الحميد؟ وسالم دا كمان هو منزلش البلد لسة؟

تولى الإجابة محسن بقوله:

-عبد الحميد اتشندل شويه مع ولده مدحت اللى كان عايز يروح للعمده يخلص عليه بالفرد اللي ابوه مرخصه، وسالم زمانه على وصول، اصل عاصم اتكتبله النهاردة بخروج من المستشفى وهيكمل علاج فى البيت .

التوى ثغر ياسين يغمغم بحنق داخله:

- يعنى مدحت وعاصم النهاردة فى البلد عشان تكمل، ما هو انا كنت ناجص جنانهم!

بقلق شديد وعدم تحمل عاد راجح بالسؤال مرة أخرى :

- يا بوى ما ترد عليا، عملت ايه مع الزفت العمده وامتى هيجيب البنتة؟

تنهد ياسين بثقل ما يدور بداخله ليقول:

- هجولك يا راجح هجولك.


❈-❈-❈


بعصبيه شديدة كانت تقطع المسافة في الحجرة الكبيرة ذهاباً وأيابًا، متمتمة بغيظ:

- يعنى وبعدين؟ هنفضل كدة مش عارفين ولاد ال.....دول خاطفينا ليه وحابسينا؟

بخوف شديد عبرت بدور عما تشعر به:

- انا جلبي هيوجف من الرعب يا نهال، الرجالة اللى بره دول شكلهم عفش ويخوف.

هتفت بها نهال بصوت مشدود:

- جولتلك متخافيش من حد فيهم، ولا تخلي حد منيهم يحس بخوفك، الناس دى مالهاش اللى يخاف منها، دول مجرمين وشكلهم اغراب عن البلد كمان .

اومأت برأسها بدور تتمتم:

- عندك حج، هما فعلا شكلهم غرب، عشان انا عمرى ماشوفت حد منيهم فى نواحينا نهائى، أو في اي حتى من البلد، بس دول يعرفونا منين عشان يخطفونا ؟!. ومين اللى سلطهم علينا؟

ردت نهال وهي تفرك بكفيها، فهذه الأسئلة تدور بعقلها طوال الوقت مع أخرى غيرها، حتى أصابها الصداع النصفي من كثرة التحليلات والتخمينات، وردت لشقيقتها:

- مش عارفة، مش عارفة يا بدور، بس احنا لازم نحاول وما نيأسش عشان نفك نفسنا منهم، أنا جاتنى فكرة

استنى 

قالت الأخيرة وتحركت على الفور نحو الباب تطرف عليه بكفيها وتصيح أمام انظار شقيقتها المذهولة:

- انت يا زفت انت وهو، انتو يا حوش يا للى خاطفينا، حد يرد عليا، حد ير...... 

قطعت مجفلة على دفعة قوية بالباب مع فتحه، وظهور هذا المدعو عبد الناصر أمامها يجيبها:.

- إيه فى إيه؟ عمالة تصرخى كدة وتزعجي هي الدنيا خربت؟

بشراسة اتخذتها منهجنا في التعامل معهما هتفت به:

- ايوة هو كدة الدنيا خربت عشان انا عايزة اتوضى واصلى، والحمام اللى فى الاؤضه سباكته بايظة. 

بغباء عقب عبد الناصر:

- ويعنى انتى لازم تصلي......

قاطعته بحدة تصيح به:

- كمان مش عايزني اصلي؟ انتو ملتكم ايه بالظبط؟ عايزنى افوت عليا فرضى؟ دا انتوا...... 

قاطعها هو الاخر هذه المرة بعدم احتمال يشير بكفه في الهواء مرددًا:

- بسسسس، خبر إيه؟ هي ماسوره واتفتحت؟ تعالى ورايا و ادخلى الحمام اللى بره، بس متعمليش أي حركة عفشة، و ألا ساعتها هتبجي انتى الخسرانة، أصلك متعرفيش انتى جاعده فين؟ ومع مين يا حلوة،فاهمة؟

بغيظ شديد تمالكت لتهادنه بقولها:

- ماشى، بس اختى هتطلع معايا انا ما هسيبهاش فى الاؤضه لوحديها.

قالتها بقصد، وقد ازعجها النظرات التي كان يوجهها كل لحظة نحو شقيقتها، وجاءت إجابته بتهكم:

- وليه ان شاء الله بجى؟ عيلة صغيرة واختك هتحرسك !

بسخط شديد هتفت به:

- بجولك ايه ما تتريجش عليا ولا تستظرف، اختى هتاجى معايا، يعنى هتاجى معايا.

بنزق شديد رد عبد الناصر وهو يتنحى عن مدخل الباب من أمامهن

- خلاص يا ستى باه ، اتمشى جدامى انتى وهى خلصونى يالا.


❈-❈-❈


خرجت من الغرفة بجانب شقيقتها التي كانت ملتصقة بها بخوف، عكسها هي فقد كانت انظارها تدور يمينًا ويسارًا، وفي كل جهة حولها تبحث عن مخرج، مع تبينها لصحة استنتاجها ألأولي عن حقيقة المكان وقد وضح جليًا أنه قصر فخم من أثاثه الكلاسيكي والديكورات القديمة، وتصميم جدارنه والمنقوشات بها، الأمر الغريب فعلا هو أنها لا تعلم بوجود هذا المبنى في بلدتهم، شعرت بالخوف وسؤال يتردد بعقلها، هؤلاء المجرمين أتوا بهم إلى أين؟

- استنى عندك، الحمام جدامك اها، خلصينا .

قالها عبد الناصر وهو يشير بطول ذراعه نحو الجهة الموجود بها الحمام بالفعل، تقدمت لتفتح بابه وهي تشدد على شقيقتها:

- توجفى هنا ع الباب ما تتحركيش نهائي ولا تروحي فى اى حتة، فاهمة؟

أومأت لها بدور بهز راسها بموافقة، لتفعل وتقف خلف الباب الذي اغلقته شقيقتها بعد ان ولجت للداخل، وتنتظرها هي برعب تخشى اظهاره امام هذا الكائن الغريب الذي وقف أمامها وانظاره لم تتزحزح عنها 


في الداخل 

كانت تبحث نهال عن نافذة او شيء يصلح للهروب، فلم تجد سوى فتحة صغيرة عالية بالقرب من السقف، شعرت بالإحباط الشديد لدرجة البكاء فقد كانت هذه فرصة رائعة لهما، خصوصا بوجود هذا الأبله وحده بدون صديقه الاَخر، وحينما يأست، لم تملك أمامها سوى أن تتوضأ، وتؤدي فرض ربها عسى ان يفك الكرب بالدعاء. وقد سلمت أمرها أليه وهو على كل شيء قدير.


في الخارج 

كانت بتدور تغلي بداخلها من هذا الكائن اللزج، والذي يقف متسمرًا أمامها، يطالعها بغباء مزبهل لها دون حياء، حتى قال لها :

- لكن انتى عنيكى لونها ايه بالظبط؟

- نعم!

تفوهت بها باستنكار ليجيبها على الفور عبد الناصر:

- اصلى يعنى امبارح كنت فاكرها خضرة، لكن دلوك انا لا عارفها زرجه ولا خضرة ولا ايه بالظبط؟ ما تجولى هى لونها ايه ؟!.

بشجاعة جرأت نفسها لتهدر به، تنفيذًا لتوصيات شقيقتها:

- وانت مالك زرجه ولا خضرة ولا حمرة حتى؟ هو انت هتصورنى؟

بعكس ما كانت تتوقع، تبسم لها عبد الناصر بتسلية يقول:

- وه، دا انا انت كمان جريئة، طب مدام كده اجرب انا اشوفها بنفسى .

قال الأخيرة ليفاجأها بقطع المسافة حتى اصبح أمامها بالفعل، فارتدت بأقدامها بمسافة ليست كافية مع امساكها بمقبض الحمام، وخرج صوت باهتزاز:

- بعد عنى يا جدع انت واحترم نفسك.

بوقاحة ليست غريبة عنه، امتدت يــ ده، ليرفع وجهها اليه، يقول وهو يبتلع ريقه:

- ورينى بس، خليني اشوفهم زين .

بيــ دها الحرة أصبحت تضرب على ذراعه لتنزع قبضته على ذقنها وتصرخ به

- شيل يدك عنى يا حيوان يا جليل الحيا.

وصل صوتها لنهال بالداخل، لتخرج على الفور، وتجد امامها هذا الوضع، فهجمت غير مبالية، تضربه بقبضتبها بشراسة وهي تسب وتشتم:

- يا عديم الشرف يا بن ال...... يا..... 

التفت لها يحاول ابعاده عنه، لتزداد شراسة، وتتجرأ شقيقتها تفعل مثلها، وهو يقاوم ويضرب ايضًا ويصيح بهن:

- يا بت انتى بعدى عنى بدل ما اموتك مكانك 

- انت ليك عين تكلمنا ياواطى يا.....

اردفت بها لتصبح مشاجرة بالأيدي والصراخ والأصوات العالية، حتى دلف على اثرها متولي الذي يتولي الحراسة مع الرجال في الخارج، ويفاجأ بهذا المشهد، فركض يردد بصوت مرتعب:

- الله يخرب بيت ابوك، هتودينا فى داهية، يا حشــ اش يا بن ال.........

وقبل ان يصل وجد أمامه مزهرية ثقيلة، اخذها في طريقه ليدفعها على رأس عبد الناصر بقوة، ليسقط الأخير بفضلها على الاَرض، مضرجًا في الدماء

صرخت بدور بارتياع:

- يا مرارى، دا مات دا ولا ايه؟

- الف شكر ليك يا اخينا يا......

خرجت من نهال على عكس شقيقتها، توجهها بارتياح نحو الرجل قبل أن تتوقف الكلمات بطرف لسانها، مع تذكرها له:

- انت اللى وجفتنا امبارح تسألنا عن عيادة دكتور عشان مرتك المريضة؟

اطرق متولي برأسه، وعيناه انخفضت للأرض يتمتم

- معلش بجى سامحوني، ما هو للضروره احكام .

طالعته نهال بتفحص قائلة:

- على فكره انا من امبارح بعصر فى مخى افتكر شوفتك فين و حمدلله دلوكت حالا افتكرت، إنت شغال غفير عند العمده صح؟

ظل على وضعه متولي وقد زاد عليه الخزي بقولها؛

- يعنى دى جزاة المعروف؟ إنت مين اللى مسلطك علينا؟ وليه؟

رد متولي برجاء وعينيه ترتفع إليهم بصعوبة:

- حن عليكم ادخلوا جوا، انا راجل بنفذ وبس .

صاحت به بدور:

- بتنفذ ايه بالظبط؟ ترضاها لبتك واحد غريب يمد يده عليها ؟

صاح بدوره يقول بدفاعية:

- يا بت الناس، ارضاها كيف وانا اللى نجدتكم دلوك .. والعينه جدامك اها ؟

قال الأخيرة وهو يشير بسبابته نحو عبد الناصر الملقى على الأرض كالجثة، فهتفت به نهال بذكاء:

- طب انا مش ها سألك انت تبع مين وعايز ايه ؟! بس هفكرك ان احنا عرفناك دلوك، يعنى لو عملت معانا دجت نجص هتوصل لأهالينا بعد كده ولو عملت معانا معروف برضوا هيوصل لاهلنا، بس شوف الفرق ساعتها يبجى كيف؟

فهم ما ترمي اليه فهتف معترضًا:

- لا يا بت الناس، أنا مجدرش اهربكم، انتو ما تعرفوش انتوا جاعدين فين؟ ولا مع مين؟ وانا عندى عيال وعايز اربيهم أكيد ميرضكيش أذيتي؟

بمهادنة منها حاولت معه أخرى:

- طب متهربناش، بس ع الأجل خلينا نتصل بأمى اللى زمانها دلوك راجدة عيانة عشانا.

جحظت عينيه باعتراض يصيح بها:

- وتكلمي ابوكي بالمرة ويجيب العيلة كلها، انا لا يمكن اجبل بالكلام ده، وبعدين كمان الواد زميل الجزين ده زمانه على وصول، يعني حن عليكم ادخلوا اؤضتكم وخلصونى.

عبست نهال بوجهها تقول بعتاب يمتزج بالشدة:

- أنا جولتك امي، دا غير ان كل حاجة هتبجى جدامك، لكن تمام خليك فاكرها . 


.❈-❈-❈


كان ياسين قد اصر على عدم الحديث إلا في وجود جميع أبناءه، ليُجبر راجح مضطرًا للإنتظار مع شقيقه محسن الذي كان لايقل عنه، وحينما وصل عبد الحميد طان يسحب بيــ ده مدحت والذي رافقه على مضص، اما سالم فبمجرد أن حطت اقدامها للبلدة، واراح ابنه عاصم على فراشه حتى أتى على الفور ليلحق بالاجتماع الذي لن ينعقد بدون اكتمال العدد به ومعه كان بلال هذه المرة، ليستمع مع والده إلى شروط العمدة، التي القاها ياسين على أسماعهم، ليكون اول المعقبين:

- ايه؟ ايه؟ هو الراجل ده اتجن ولا اتهف بعجله عشان يفكرنا نوافج بالهبل ده؟

جاءه الرد من والده سالم:

- انتوا شايفوا هبل بس الموضوع طول ما وصل للبنتة ف ابن الكلب واخدها فرصة عشان يلوي دراعنا.

قال راجح موجهًا خطابه بلوم نحو والده:

- عاجبك كده يا بوى اللى حصل؟ جيبت حج عاصم دلوك ؟

- استهدى بالله يا راجح ابوك ما غلطش .

قالها محسن من أجل تهدئته ولكن الاَخر صاح به باعتراض:

- لا غلط لما اتحدى العمدة وانتوا عارفينه شرانى وزى التعبان، يعنوا انتوا تعملوا اللى على كيفكم مع العمده .. وانا وبناتى ندفع التمن .

قال سالم:

- يا واد ابوى استنى بس نفكر في حل.

هتف به راجح 

- افكر فى ايه بس؟ اجوز بتى غصبن عنها؟ دا يرضى مين بس يا ناس؟

اجفل ياسين من نبرة الاتهام الموجهة إليه من ابنه وخرج صوته بصدمة:

- يعنى انت تجصد إن انا السبب فى كل النصايب دى يا راجح؟ الله يسامحك يا ولدى .

قال عبد الحميد ملطفًا:

- طبعًا هو ما يجصدتش يا بوى بس دى نصيبه كبيرة وانا نفسي مش لا جيلها حل .

تكلم مدحت بعد فترة طويلة من المتابعة بصمت:

- بس انا عارف الحل، اروح اموته واريح البشريه منه .

تدخل بلال مؤيدًا:

- مش هتروح لوحدك، احنا نلم شباب العيلة كلها ونعملها حرب مع العمدة وناسه لو مارجعش البنتة، واحنا عيلتنا كبيرة

صرخ به راجح بارتياع:

- ساعتها بناتي هيكونوا أول ناس هيتئذوا، انتوا بيتكلموا كيف؟ ارحموني يا ناس انا عايز بناتى.

صاح به مدحت بعصبية وهو يخرج سلاحه:

- مش هيلحج يا عمي، انا هحط الفرد على راسه واخليه يجول مكانهم غضب عنه، يالا بينا يا بلال نخلص على السريع دلوك وانا مبجاش راجل لو ما رجعتش مــ رتى .

قال الأخيرة بعفوية لم ينتبه لها راجح الذي انتابه الرعب لمجرد الفكرة ليصرخ بهما:

- فضوها انتو الاتنين، انا هجوز بتى لواد العمدة واخلص بدل المرار ده.


❈-❈-❈


كانت نهال قد فقدت الأمل من هذا الرجل، فلم تزيد عليه بالرجاء، بل فضلت التراجع لغرفتها تسحب معها شقيقتها، ولكن وقبل ان تصل وجدته يوقفهن بقوله:

- واحده فيكم بس اللى هتتكلم ويدوبك دجيجة واحدة.

قالها متولي وقد أدار الموضوع في رأسه بعد ان كشفت هويته امام الفتيات، مع معرفته التامة ان العمدة لن يستطيع احد المساس به، أما هو فمن المؤكد ان ياسين لن يتركه حينما يعلم انه كان ضمن الخاطفين.

سمعت نهال لتعود اليه على الفور، فقال يخاطبها بتحذير وهو يخرج هاتفه من جيب جلبابه:

- التلفون اها، بس بسرعه كلميها وزي ما وصيتك. 

بلهفة وعدم تصديق امسكت بالهاتف، وما ان همت بالإتصال ومض بعقلها فكرة ما جعتلها، تحاول مرة أخرى وهي تدعي من داخلها، فقالت:

- بس انا مش فاكرة نمرة امى يا عم متولي، الله يخليك ادينى تلفونى النمرة مسجلة فيه، هكلمها دجيجة زي ما جولت وبسرعة.

قطبت بدور باستغراب ولكنها التزمت الصمت حتى لا تُظهر ذلك أمام متولي الذي انفعل قائلًا:

- كمان عايز تلفونك؟ يا بت الناس متأذنيش.

كررت نهال برجاء :

- ربنا يسترها معاك، ادينى التليفون اتصل بامى اطمن عليها واطمنها عليا ارجوك دى امى 


 يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة