رواية جديدة رزان والمجهول لمايسة الألفي - الفصل 14
قراءة رواية رزان والمجهوول كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية رزان والمجهول
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة مايسة الألفي
الفصل الرابع عشر
في بيت الحج شرف حيث توجد صفاء زوجة سعيد ابن الحج شرف، تجلس أمام التلفاز تصنع طبق سلاطة ليتناولوا الغداء، دخل عليها سعيد يبحث عن أبيه.
لأنه يريد أن يأخذ منه بعض المال لكي يدفع مصاريف مدرسة ابنه، فهو قد أدخل ابنه مدرسة خاصة على عكس رغبة أبيه.
الذي رأى أن المدارس الحكومية أفضل لأنها قد أخرجت أبيه دون كثرة مصاريف تثقل كاهل الآباء والأمهات، لهذا جلس بجانب صفاء حيث يحاورها في صوت هادىء:
-أين أبي يا صفاء، فهو قد قال لي إنه سيأتي مبكرًا اليوم، وإني أريد منه بعض المال كي أدفع مصاريف ابننا، لا أعلم لما تأخر، أيكون هناك سبب قد أخره؟
أيكون قد تراجع في كلامه؟ لا أعلم لماذا يرفض أبي دخول ابني مدرسة خاصة، أليس معنا ما يكفينا من المال؟ أليس هذا ابننا الذي قرر أن يربيه تربية خاصة.
لا أعلم لماذا تراجع عن رأيه، لقد أقنعته في المرة السابقة، وإني أريد منه أن يحقق لي ما أريد، أخبريني لماذا أنت صامتة هكذا؟ أرجو ألا أكون وحدي في هذا البيت الذي أهتم بدراسة ابني.
ظهر على وجه صفاء بعض الضيق، لأنها لا تريد أن تقوم باغضاب عمها الحج شرف، فهي تقدره كوالدها؛ لأنه قد أحسن معاملتها كابنة له:
-أريدك أن تفهم يا سعيد أن عمي لا يريد أن يتعلم ابننا في مدرسة خاصة، فهو يرى أن هذا اهدار للمال ومضيعة للوقت، لأن هذه المدارس في نظره لا تقدم جديد.
فهي تدرس للتلاميذ نفس المواد بنفس الطريقة، وتنظر للأولاد على أنهم مصدر هام لجلب النقود، أود أن أخبرك، أني أنا أيضًا متفقة معه، فأنا طوال السنة أعد لابننا كل المواد وأجعله يستذكرها.
وأقوم بتلقينه، فمن العدل ألا نعطي أموالنا في شيء غير مفيد، لهذا أنصحك ألا تثقل علينا بمصاريف هذه المدارس، فنحن في غنا عنها.
بدا سعيد وكأنه غير مقتنع بكلام زوجته، لهذا حاول أن يقنعها:
-أعلم جيدًا برأيك هذا، وأعلم برأي أبي، لكني أريد لابني أن يكون ابننا متفوقًا لا ينقصه شيء، وتعلمين أننا ميسورين الحال، ونقدر على دفع مصاريف المدرسة الخاصة.
فلماذا لا نهتم بأبنائنا، ونجعل مستقبلهم أفضل منا، فنحن قد حُرمنا من دخول هذه المدارس، اعتقد أنك كنت موافقة على دخول ابننا لهذه المدارس في السابق، فلماذا قد تغيرت وجهة نظرك الآن.
فكري يا عزيزتي في زماننا، فنحن الآن في عصر متطور، يحتاج منا أن نعلم أولادنا في أرقى المدارس، وإني أرى أن المدارس الخاصة توفر لابننا مناخ نظيف، به بعض من المواد الدراسية الهامة التي قد تساعد في تميز عقل ابننا.
أحست صفاء أن زوجها يحاول أن يقنعها بشيء لا ترضاه، فقالت:
-يا زوجي العزيز، أراك تحاول أن تقنعني، إني قد وافقت في المرة الأولى على دخول ابننا لهذه المدارس ارضاءً لك فقط، فلماذا تحاول أن تقنعني، تأكد أنني أريد مصلحة ابننا مثلك تمامًا.
لكنك لا تجلس مع الأولاد وترى ما تصنعه هذه المدارس الخاصة مع ابننا، إنها تعتمد اعتمادًا كليًا على جعل الطفل مجرد آلة تحفظ المناهج، ولا تفكر في شيء سوى جلب المال من أولياء الأمور.
فهم كل مدة زمنية يطلبون من مصاريف لأي شيء يبتكروه فجأة، كتطوير المدرسة، لكي تناسب عدد الطلاب الجدد.
أريدك يا سعيد أن تحاول أن ترضي أبيك، فهو والله يريد لابننا الخير، وليس كما تفهم أنت في أنه يريد أن يوفر المال فقط.
❈-❈-❈
هنا أتى الحج شرف من المحل الذي يعمل فيه، فسكت سعيد فجأة عندما سمع صوت الباب يُفتح حيث بدا عليه بعض التأهب لمفاتحة أبيه، حيث أنه شعر أنه قادر على اقناع أبيه، فراح يقول:
-أهلًا بك يا أبي العزيز، لماذا تأخرت اليوم؟ إن صفاء قد أعدت الغداء وننتظرك لكي نتاوله سويًا، أرى أنك متعب بعض الشيء، اجلس يا أبي، اتركني أساعدك.
شعر الأب أن ابنه يريد أن يقول شيئًا من وراء هذا الكلام، فحاول أن يقول:
-أراك قد رجعت مبكًرا من عملك، وأرى أننا يجب أن نأكل أولًا، أو نتحدث ونحن نتاول غدائنا، فإني أريد أن نسعد ببعض الوقت معًا، ولولا أني مشغولًا بالمحل دومًا هذه الأيام.
لكنت قد عدت مبكرًا، بسبب تأخر عبد الله عن العمل، حزنًا على ابنته الغائبة، فهي قد تركت في قلبه حزنًا كبيرًا، واعتقد أن زو جته، هي السبب في هروبها.
فلا أدري لماذا لا يتخذ موقفًا ضدها، إنها والحق، إمرأة لعوب، لا تخشى الله أبدًا، إني قد علمت أنها تريد بعض المال، وقد حاولت معي مرارًا، هذه المرأة لا تشبع أبدًا، هيا يا صفاء احضري الطعام فإني جائع جدًا.
ردت صفاء من داخل المطبخ:
-حالًا سآتي لك بالطعام يا عمي، فأنا قد أعددته، انتظروا دقيقة وسوف آتي إليكم.
نظر سعيد إلى أبيه، وأحس أن الفرصة سانحة لطلب المال منه:
-أراك يا أبي متعب بعض الشيء، لكني والله أريدك في شيء هام، وإني لن أثقل عليك في الكلام، فأنا أريد فقط بعض المال لمدرسة ابني.
تعلم أن موعد دفع المصاريف قد حان، فأنا متفق مع المدرسة على اعطائهم المصاريف هذا الشهر، فهل ستعطيني المال؟
نظر الأب له بعين التعجب، حيث أراد له المصلحة، لكنه رافض لفكرته، لهذا حاول أن يرضيه قائلًا:
-إنك يا بني كل ما لي في هذه الدنيا، ولا هم لي إلا اسعادكم، لهذا سأعطيك المبلغ بعض تناول الغداء، فلا تقلق بشأنه، فقط اهتم أنت بمذاكرة دروسه كي لا ندفع المصاريف دون فائدة.
❈-❈-❈
في البحر حيث بدا على روني بعض الجدية، لأنه يريد أن يلقن أخيه سفر بعض النصائح، لكن سفر كعادته كسول جدًا ويحاول أن يتعلم ما يقوله له أخيه روني لكن كسله يغلبه، لهذا رأى روني أن يحدثه الآن:
-اسمعني يا سفر، لقد حان الوقت لكي أكمل لك باقي النصائح، وإني والله لك خير ناصح، أهم شيء لابد أن تفهمه يا سفر، أنك لابد ألا تشرد وحدك دون باقي المخلوقات، حيث أريدك أن تكون وسط البحر.
تلعب وتمرح، لأن الانعزال عن الجميع يجعل النفس كئيبة، غير مرحة، لهذا لا تفكر في الانعزال مطلقًا، أريدك أن تكون بالقرب منا دومًا، لأني قد لاحظت أكثر من مرة.
أنك تتركنا وحدنا وتذهب لمكان لا أعلمه، وبعدها بفترة أبحث عنك حتى أتعب، لهذا لا تتعبنا معك.
نظر سفر له بكسل وهز ذيله يمينًا ويسارًا حيث أراد أن يقنع روني بوجهة نظره، فأردف:
-تعلم يا روني أني قد كبرت على هذه النصائح، وأريد أن تفكر فيما أريده، فأنت لا تفكر في شيء إلا أن تسدي لي بعض النصائح، فهل فكرت أن تراني كدولفي ناضج كبير، كل المخلوقات البحرية تحترمه.
أليس الملك سنار قد ميزني معكم؟ فلماذا إذًا، لا تحترم تقييم الملك سنار لي؟ إني أعرف أنك تريد لي الخير، لكن ليس بهذه الطريقة يا عزيزي.
إن تلقين النصائح دومًا بهذه الصورة المباشرة، غير مجدي تمامًا، وإني أريدك أن تفهم أنني لست ساذجًا لكل ما تفعله معي.
تأثر روني بكلام سفر حيث، وجت أنه لابد أن يكون حذرًا في تلقين نصائحه، وأحس أنه قد أخطأ، لهذا راح يقول:
-سفر حبيبي إنك بالفعل كائن مميز وناضج، وإني أريد منك أن تفهمني، فأنا حين أنصحك بصورة مباشرة، لا أقصد أبدًا أن أظهرك ضعيف، لكني فقط أريدك ألا تتعب في الحياة.
فأنت بالفعل أصبحت ناضجًا، لهذا أريدك أن تتفهم موقفي ولا تضايق من نصائحي المباشرة، فقط أنا أريد أن أسهل عليك الأمر.
ابتسم سفر، وأحس أنه قد أوصل لأخيه ما يريده، فراح يشرح وجهة نظره:
-عزيزي روني، أعلم أنك تريد لي الخير دومًا، وأنه لولاك ولولا رزان لأصبحت في مأزق شديد الآن، أريد أن أستقل بحياتي في بيتٍ خاص بي، لأني أريد أن أظهر أمامكم بمظهر لائق، فأنا لست صغيرًا ومن حقي أن يكون لي بيتًا خاصًا.
ألست كبير بما يكفي، إني والله قادر على مواجهة الحياة وحدي، ولن أرضى أبدًا أن أظل هكذا أتبعك في كل شيء، إني أريد ألعب دون أن يسألني أحد ماذا تفعل أيها الصغير؟
لقد كبرت ومن حقك أن تترك اللعب، إني أريد أن أقنعكم بأني كبير، وأني لست كما تظنون صغيرٌ تافهٌ.
ابتسم روني وراح يثبت له أنه يصدقه:
-عزيزي سفر إننا قد خلقنا صغارًا وكبارًا لنتعاون ونحب بعضنا بعضًا، وإني حينما أقوم بنصحك أو إرشادك لأمر لا تعلمه، فإني ساعتها لا أقصد أنك لا زلت صغيرًا تافهًا كما قد ظننت.
لكني أود أن تكون أخي الناضج المطيع الطيب، إننا مهما بحثنا عن أسباب للنصح وتقبل الآخر، فلن نتخلى أبدًا عن حبنا واحترام كل منا للآخر، أود أن أشكرك جدًا على صراحتك معي.
لأنك بهذه الصراحة قد أرشدتني إلى طريق اقناعك، وإني حينما أقول اقناعك أقصد أنك كائن مستقل له كرامة ووجهة نظر، فلا تظنني أقصد إيلامك بنصحي مطلقًا، وإني على العكس تمامًا.
فهم سفر نوايا روني لهذا حاول أن يفهمه ويقنعه بأمر ما:
-أعتقد يا روني أننا كإخوة نحترم بعضنا بعضًا، وإني لاحظت وفهمت وجهة نظرك جيدًا، فلا تكن متعب من حبي للهو واللعب، فإني أحب أن أكون دومًا طوع رغباتي، وما أريده.
إن ما اتمناه من دنياي أن أحصل على راحة وحياة مستقلة، لابد أن تفهم حاجتي لإنشاء بيت خاص بي، فأنا لن أكن طوال حياتي مجرد تابع لك، إن لي حياتي الخاصة التي اتمنى أن تظهر أمامك سوية عادلة.
بعيدة كل البعد عن التفاهة، والمياعة، لقد كان الأسر الذي تعرضت له فيما مضى درسًا قاسيًا لي، لهذا أردت من بعدها أن أستقل بحياتي، لكني كنت أنتظر الفرصة المناسبة للافصاح عن ذلك
نظر روني له باهتمام، وحاول أن يؤكد على شيء، فأردف:
-إني أعلم أنك تود الاستقلال، لكن ليس هذا على حساب إخوتنا، إن أمي قد أوصتني مرارًا عليك، ولن يحدث ما يجعلني أتخلى عنك، لابد أن نعيش سويًا في بيت واحد.
ولابد أن أكون معك دومًا ليس لمراقبتك، ولكن لكي أستشعر قربك وحبك لي، إننا إخوة ويجب على الإخوة العيش معًا لإظهار الود والراحة، والسعادة بينهم.
فهم سفر ما كان روني يقصده، لهذا تراجع عن رأيه في العيش وحده، وقرر أن يسعد روني ويعيش معه في سعادة ويسر.
في اليوم التالي في قصر الملك سنار حيث يشرف بنفسه على اختبار الجنود ومعه وزيره الخاص، محاولًا استكشاف الأمر، ومعرفة مواطن الخلل في أمر تجنيد الجنود، لهذا جلس يفكر ونظر لوزيره الخاص متحدثًا:
-أعتقد يا وزير أننا لابد من وضع سن معين لمن سيدخل التجنيد، لأني أرى أن أمر من يريد التجنيد ليتقدم، ستجلب علينا أعمارًا ليست مناسبة، لهذا كنت أود أن أحدد لك أنه لابد أن يكون المجند في جيشنا في بداية سن الشباب.
وهذا لأن هذه الفترة العمرية مرحلة خصبة، بها الكثير من القوة والنضج، على عكس كبار السن وصغارهم الذين يكونون في حالة ضعف واحتياج، أود أن تهتموا بأمر السن جدًا وأن يكون شرطًا أساسيًا في التقدم.
فهم الوزير ما يقصده الملك لذلك راح يقول:
-نعم يا مولاي إنك حقًا لديك نظرة صائبة جدًا، في أمر اختيار سن بداية الشباب، لهذا سوف نعمل على هذا كثيرًا.
ولن نأخذ من هم دون ذلك، لكن دعني أخبرك بأمر هام، لقد كنت أود معرفة باقي الشروط، التي سنضعها في من سيتقدم للتجنيد، لأني أحاول أن أجمع كل الشروط كي أعلمها للوزراء المختصين.
حاول سفر أن يفكر قليلًا في باقي الشروط، فقال:
-إن من أهم الشروط التي لابد أن تكون موجودة، وهي ألا يكون من يتقدم للتجنيد وحيد أهله، لأن في ذلك أمر صعب على الأسرة التي ستنفقد وحيدها لأمر التجنيد.
لأن من سيتقدم سيظل معنا أغلب وقته، وحقًا إنه سيذهب لأهله، لكن أغلب الوقت سيكون تحت أمرنا لحماية مخلوقات المملكة.
ابتسم الوزير، وراح يقول:
-بالفعل يا مولاي إنك محق في ألا يكون المجند وحيد أهله، لأن ذلك سيكون ظلمًا للوالدين اللذين أرادا من الدنيا ابنًا يؤنس وحشتهم.
فبهذا سنكون قد وضعنا في خططتنا أمر دقة اختيار المجند، لكن يا مولاي، هل تريد أن نضع اختبارًا معينًا تريده في صفات المجند.
نهض الملك من مجلسه، وراح يتجول في المكان ويقول:
-أعتقد أن أهم صفة واختبار هام في من سيتقدم أن نختبر درجة ذكائه، فالذكاء عامل مهم جدًا ولا بد أن يتوفر في من سيتجند معنا، لأن المجند الأقل ذكاءً سيكلف المملكة كثيرًا.
وسيجعل الحياة داخل المعسكر أكثر مللًا وتأخرًا، لهذا سأشرف بنفسي على اختبار ذكاء المتقدم، وإني بهذا أكون قد اخترت لحماية من سيدافع عن مخلوقاتنا بحذر شديد.
فهم الوزير ما أراده الملك، فراح يقول في جدية واهتمام:
-أرى أنك قد أصبت يا مولاي، في وضع هذا الصفة وهذا الاختبار، ومن الأفضل أن تقوم بنفسك باختبار هذه الصفة.
حتى تتأكد من دقة تنفيذ المعايير المطلوبة، وإني أراك يا مولاي دومًا تحرص على تنفيذ ما ينفع المملكة ويجعلها تتقدم، فهل هناك شروطًا أخرى ترى أننا لا بد أن نضيفها؟
حاول الملك أن يجلس على كرسي العرش لكنه قبل أن يجلس توجه بنظره للوزير وراح يقول في اهتمام وجدية بالغة:
-نعم يا وزيري الطيب، هناك أهم شرط أريده منكم، وهو أن يكون المتقدم، أصوله من بحرنا، وليس دخيل إلينا من أي بحور أخرى.
لهذا أود أن تكونوا حرصيين على معرفة أصول المتقدم، لأن أي دخيل غير وطني، سيجلب إلينا الكثير والكثير من العقبات التي ستساهم بدورها في تأخر المملكة، وزيادة تدهورها.
بدا على الوزير أنه قد اقتنع بما يقوله الملك لهذا راح يقول في اهتمام:
-نعم يا مولاي إنك محق في هذا، وأعتقد أننا هكذا قد أنهينا شروطنا، وأننا لا بد أن نبدأ العمل على تجنيد الجنود حتى تنجح خطتنا.
نظر الملك له باهتما وأكد عليه قائلًا:
-وهناك شرط آخر، ألا وهو ألا يكون قد ارتكب احدى الجرائم العظمى التي تؤدي إلى انهيار المملكة، وتأخرها، وبهذا نكون قد أكدنا على أهم الشروط المطلوبة، هيا اذهب إليهم وبلغهم بها.
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي في بيت عبد الله حيث تجلس نعمات على الكرسي في غرفة نومها تحاول أن تنادي على زوجها كي يصنع لها افطارًا كعادته قبل أن يذهب لمحل عمله، راحت تتثائب وتنادي قائلة:
-أنت يا عبد الله، ألن أستيقظ مرة وأجدك قد أعدد الفطور، إني في كل مرة أصرخ وأنادي عليك كي تعده يا رجل، ألن تتفهم رغباتي مطلقًا، لقد أفهمتك مرارًا أني أحب أن أجدك قد استيقظت قبلي لتعد لي ما لذ وطاب.
أني قد مللت ما تفعله ومللت كسلك المتعب هذا، ألم يقل لك الحج شرف أن ابنتك ستأتي عندما نقوم بنشر الإعلان والمكافأة، لماذا إذًا تضيع الوقت في الحزن والنحيب، هيا انهض وجهز كل شيء، هيا.
بدا على عبد الله بعض البؤس والحزن، وراح يحاول أن ينهض، اتجه إلى الحمام ليتوضأ ويصلي أولًا لعل الله يستجيب له هذه المرة عندما يدعيه في صلاته.
وها هي نعمات تخرج لغرفة المعيشة منتظرة أن ينهي عبد الله الافطار، فراحت تمسك مشغل التلفاز لتفتحه على احدى القنوات الدرامية، إنها مدمنة لمتابعة الدراما بشكل مرعب.
بل وتضيع وقتها أمامها، وأحيانًا كثيرة تترك أمر البيت لزوجها، وتتفرغ هي للمشاهدة، نظرت إلى الساعة المعلقة، فوجدت أن الوقت قد تأخر على موعد افطارها، فراحت تص رخ وتقول:
-أنت يا رجل، مالك تبطيء في تجهيز الفطور؟ أهي أول مرة تقوم بتجهيزه؟ أسرع وإلا جعلت نهارك كلون عينيك، هيا اخرج إلي بالطعام، لقد مللت الانتظار يا رجلي الهمام، إني أود أن أتناول افطاري لكي أذهب لأشتري ما يحتاجه البيت.
خرج عبد الله بالصينية عليها طبق البيض المسلوق، وطبق آخر مقلي، وطبق الفول والفلافل، بالاضافة إلى طبق السلاطة التي تعشقه نعمات، وضع الصينية.
وجلس ليأكل معها، في حزن تام، يقطع الخبز قطع صغيرة، يحاول أن يضعها في فمه، لعل شهيته تنفتح، نظرت لحاله نعمات وهي تضع نصف البيضة المسلوقة في فمها وتقوم بمضغها على مهلٍ.
وحين أحست ببطء عبد الله في تناول طعامه، زجرته قائلة:
-أسرع يا رجل، كي تصنع لي كوب الشاي الذي أفضله بعد الطعام، إنك تعلم أني أعشق تناول الشاي دومًا، ومع ذلك لم تُعده وأنت تجهز الفطور، ألهذا الحد أنت كسول يا رجل؟
نظر لها الرجل بحسرة وراح يقول:
-اهدأي يا نعمات، فأنا سأفطر وأقوم بصنعه، لماذا أنت متعجلة هكذا، ألسنا نأكل أولًا ثم نشرب الشاي سويًا، أرجوكِ أن تتحمليني هذه الأيام.
فهي والله أيام ثقال، لقد تعبت جدًا من الحزن، والبكاء على ابنتي، وأدعو الله دومًا في صلاتي أن تظهر وأحتضنها بيدي.
هل تعلمين أنني لو وجدتها أعدك أن نشتري السيارة مهما كلفني الأمر؟ سأجعل حياتنا جنة الله في أرضه، سأجلب لكِ خادمة تصنع لكِ كل شيء، لتريحني من صنع الطعام.
قهقت نعمات وعلا ضحكها حينما سمعته يقول هذا الكلام فبدأت تقول في سخرية:
-خادمة! أتريد أن أضع النار جانب الكبريت؟ إني لا أحب أن يخدمني أحدٌ غيرك، إني أتلذذ بأمرك في البيت وصنعك للطعام.
ولن اتخلى عن متعتي هذه مطلقًا، أريدك أن تفهم شيئًا واحدًا، أني أرغب في شراء السيارة الآن، ولن انتظر حتى تظهر ابنتك.
أثناء كلام نعمات دق جرس الباب بشدة فنظرت نعمات ناحية الباب مندهشة من إتيان شخص لزيارتهم في هذا الوقت.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة مايسة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية