-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 17

 

  رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل السابع عشر

" بيادق لعبة الغرام "


أخترقت أذانهم جملتها التى بدت كأنها كانت تهمس بها لذاتها ، ولكنها أنتبهت على أن صوتها فضح ما تضمره من خبايا وأسرار ربما لم تكن تريد أن يعلموا عنها شيئاً ، فهى وإن كانت تميل بالحب إليهم ، إلا أن هناك بعض الأسرار التى فضلت أن تظل طى الكتمان ، بل وحاولت نسيانها طالما كان المعنين بها صاروا من الذكريات ، ولم يخرجها عن تكتمها للأمر ، سوى أنها عادت لتعيش تفاصيل ماحدث فى الماضى ولكن بصورة أخرى أقوى وأعنف من التى حدثت سابقاً ، فها هو ديفيد يحاول فعل ما فعله والديه قبل موتهما ، والذى لم يكن أحداً يعلم به سواها هى وأدريانو الذى مازالت متذكرة رد فعله العنيف والشرس على شقيقه عندما أعلن عن رغبته هو وزوجته بإعتناق الإسلام وترك اليهودية ، بل وكان يفكر جدياً بمنح أطفاله أسماء جديدة تتناسب مع إعتناقهم للدين الإسلامى ، ولكن لم يكن الحظ حليفه إذ أنه لقى حتفه هو وزوجته وثلاثة من أطفاله فى ذلك الحادث الذي تم تدبيره لهم


رغم دهشة وصدمة ديفيد وبيرى مما سمعاه ، إلا أن حياء أبتهجت نفسها وتساءلت بفرح إختلج بنبرة صوتها المُلحة بسؤالها :

– هو بابا وماما أعتنقوا الإسلام يا مارجريت يعنى ماتوا مسلمين مش يهود ؟


حاولت مارجريت التهرب من إجابتها ، فراحت تمضغ قطعة من الحلوى التى تتناولها مع الشاى ومن ثم قالت وهى تنظر لبيرى :

– مين اللى عمل الكيك ده ، ده مفيهوش سكر 


لم تعلم بيرى ما الداعى لها بأن تبدى إمتعاضها من عدم طيب مذاق الحلوى ، إلا أنها أخذتها منها ووضعتها على الطاولة وأخذت كفيها الهرمين بين يديها وهى تنظر إليها بعمق ، لعلها تشعر بالعطف نحوها ولكى تجيب حياء التى بدت كأنها تجلس على جمر محترق وتريد إجابة لسؤالها 


مسحت بيرى على ظاهر يد مارجريت وقالت وهى تبتسم لها إبتسامة صافية :

– مارجريت ماتحاوليش تتهربى من سؤال حياء لو فى حاجة منعرفهاش قوليلنا عليها وأظن من حق ديفيد وحياء يعرفوا كل حاجة عن باباهم ومامتهم 


تنازعت الزفرات بصدر مارجريت ، تريدها أن تطلق سراحها ، فلن يعود بالإمكان حجزها أكثر من ذلك ، فتنهدت بصوت مسموع قائلة بتمهل ولكن لم يخلو صوتها من الضيق وهى تأتى على ذكر ما حدث بالماضى :

– دانيال كان مهتم جدا بأنه يقرأ عن الدين الإسلامى والظاهر أهتمامه ده كان تأثير صداقته لمراد الزناتى ووجدى النعمانى ، فحب أنه يبقى مسلم ، فلما عرض على مراته أنهم يعتنقوا الإسلام وافقت هى كمان من غير ما تتردد ، وقبل الحادثة اللى حصلتلهم بكام يوم ، كان دانيال ومراته أعلنوا إسلامهم حتى فكروا يغيروا أساميهم وأسامى ولادهم ، بس قبل الموضوع ما يتعرف من باقى العيلة والناس كانوا ماتوا    


حتى بعدما ختمت حديثها ، لم يبدو على وجه أحد منهم ما يخالف دهشته منذ سماعه ما قالته ، قبل أن تأتى على ذكر التفاصيل القليلة التى تلتها عليهم ، كأنها مرغمة على قول ذلك ، فهى وإن كانت ما تزال تحفظ ذكرى حبها لإبن شقيقتها الأكبر ، إلا أن ذلك الأمر بالأخص خلق بنفسها فجوة ، جعلتها تمتعض من سلوكه ذلك الدرب الذى جعله ينسلخ عن ديانتهم ، وفضل إعتناق ديانة أخرى ، ويعود إمتعاضها لتزمتها الواضح بإعتناق اليهودية ، حتى إنها مازالت تمارس شعائرها ، رغم أنها لم تجبر بيرى وديفيد على فعلها ، ولكن كأنها أخذت أمر أنهما مازالا يعتنقانها كافياً لأن تشعر بأنهما من بنى جلدتها 


– الحمد لله يا رب الحمد لله

شفتيها الباهتتين والتى نضبت منهما الدماء ، لم تحسن إخراج سوى تلك الهمهمات الحامدة والشاكرة ، كمن تعرب عن مدى دهشتها الممزوج بسعادتها البادية بوهج مقلتيها منذ علمها بشأن إتباع والديها للدين الإسلامى 


فصاح ديفيد كمن وجد حلاً لمشكلة مستعصية الحل ، إذ قال بتصميم وإصرار :

– خلاص أنا كمان هعلن إسلامى وهغير إسمى طالما بابا وماما عملوا كده وكان نفسهم إن إحنا كمان نبقى مسلمين 


قضى ديفيد بحديثه على ما تبقى لدى مارجريت من هدوء ، فليس معنى إخبارها لهم بما حدث فى الماضى ، أن يأتى هو ويسير على تلك الخطى ، التى لم يسير منها أبويه سوى خطوة البداية ، فتصميمه وعزمه البادى على قسمات وجهه التى غزتها سعادة غير متوقعة ، خاصة لتيقنها من أن ديفيد يحيا حياته بحرية ، دون تلك القيود التى ستُفرض عليه إذا إتبع ذلك الدين الذى سيجعل كل أفعاله محرمة ويجب أن يقلع عنها 


لم تستطع كتمان إمتعاضها أكثر فصاحت به قدر ما ساعدتها أحبالها الصوتية ، التى بدت وكأنها ستتمزق بتلك الصيحة :

– إيه اللى أنت بتقوله ده يا ديفيد معنى كلامك ده إن عيلة إسكندر شمعون خلاص مش هيبقى ليها وجود ، أنت ناسى أنك أنت أخر وريث ولد للعيلة دى ، يعنى المفروض تتجوز وتخلف أولاد يشيلوا اسمك واسم عيلتك مش عايز تمحيه خالص ، أنت لازم تفكر كويس فى اللى عايز تعمله


قلب ديفيد عيناه بملل من محاولة مارجريت فى إحباط مخططه للفوز بمعشوقته ، فهو لا يعنيه من كل هذا سوى أنه يريد أن يكون زوجًا لياسمين ، ويرى أن العائق الأكبر بينهما هو اختلاف عقائدهما ، لذلك سيعمل على هدم ذلك الجدار الأول بينهما ، وربما تتوالى مخططاته ليظفر بها بالأخير 


أشاح بوجهه عنهن وتعلق بصره بذلك الطائر الذى حط على أحد فروع تلك الشجرة الكبيرة ، والتى تشبه غصونها الجافة تلك الخطوط المحفورة بعمق فى وجه مارجريت ، فقال بصوت بارد خالى من أى شعور :

– أنا أخدت قرارى يا مارجريت وخلاص وكمان ناوى أتجوز متقلقيش 


أطاحت مارجريت بتلك المزهرية الصغيرة الموضوعة على الطاولة أمامها ، وقالت بنبرة تفيض إمتعاضاً مختلطة بصياحها :

– عايز تنجح فى اللى فشل فيه جدك ، مغلطتش لما قولت مات وساب لعنته لأحفاده ، دلوقتى بقيتوا عايزين تغيروا جلدكم وتبقوا شبهم ، العشق خلاكم عايزين تنسوا أصلكم علشانهم 


أرتعدت حياء من صيحتها ، التى ساهمت بجعلها تعى أى إستياء  تكون لديها منذ إفصاح ديفيد عن رغبته ، التى لا تعلم سر إصراره عليها بذلك الوقت ، خاصة إنه لو كان يرغب بإعتناق الإسلام ، لكان فعل ذلك منذ زمن ، فبالأمر شئ مبهم لا تستطيع فهم كنه ، ولكن لم يكن هذا ما يشغل عقلها فقط ، بل ظهور تلك الطباع المتشددة لمارجريت كانت أدعى بأن تجعلها ترى الأمور من منظور أخر ، وربما الآن فهمت سر عزوفها عن الحضور وقت مجئ عبد الرحمن وعائلته لخطبة بيرى ، بل وفهمت أيضاً تحفظها الظاهرى فى التعامل معها ، رغم أنها لم تظهر لها مظاهر العداء ، لذلك كانت تجد برفقة بيرى سلوى لها بأنها تستطيع جعلها تشعر بأنها مازالت تملك عائلة 

، فرغم صياحها وإحتجاجها ، إلا أن ديفيد كان لديه التصميم الكامل على تنفيذ ما قاله ، بل إنه نهض وترك مجلسهن ليفض ذلك النقاش 


ما أن وصل للداخل ، وجد أحد رجاله يخبره بمجئ إثنان من الرجال ، الذى ضرب لهما موعداً مسبقاً لمقابلته ، فأخبره بأن يجعلهما ينتظرانه فى غرفة المعيشة لحين مجيئه 


أخرج ديفيد حقيبة جلدية من أحد أدراج تلك الخزانة الخشبية الصغيرة الموضوعة فى غرفة المكتب وأخذها وخرج متجهاً لغرفة المعيشة ، وما أن وصل إليها ، نظر للرجلان قائلاً ببرود ونبرة عميقة توحى بالقوة والنفوذ :


– كويس أنكم جيتوا دلوقتى لأن كمان عشر دقايق كنت هعمل الصفقة مع ناس غيركم


نهض أحد الرجلان قائلاً بهدوء محاولاً إسترضاءه :

– ديفيد بيه هدى نفسك ، أحنا كنا عاملين إجتماع لكل تجار السلاح ، علشان نعرف كل واحد هتبقى حصته قد إيه 


وضع ديفيد الحقيبة من يده ، وبعدما فتحها أخرج منها سلاحان ناريان حديثى الطراز ، ويبدو أنه من تلك الفئة التى تعمل سيفعلان المستحيل للحصول عليها ، نظر للرجلان تباعاً قائلاً بإبتسامة ماكرة :

– حصة كل واحد أنا اللى احددها مش أنتم ، يعنى السلاح ده انا اللى هدى كل واحد نصيبه منه ، مش عايزكم تنسوا إن أنا الزعيم دلوقتى ، لأن اللى هينسى 


أطلق رصاصة حطمت زجاج النافذة كتمهيد لإطلاقه النيران عليهما إذ دعته الحاجة ومن ثم إستأنف حديثه قائلاً ببرود :

– تخيلوا أنتوا لو الرصاصة دى أنضربت فى دماغ حد فيكم ، هتقتله فى ثوانى ودى ميزة السلاح ده انه سريع فى ضرب النار وأنه يقضى على حياة أى حد بسهولة ، ودلوقتى خلونا نتكلم فى السعر والتسليم 


نظر الرجلان لبعضهما البعض ، وهما يقارنان بينه وبين عمه الراحل الذى كان ذو مزاج مجنون ومتقلب مثله ، فيبدو أن ديفيد ورث طباعه علاوة على زعامة المافيا ، التى جاءته دون أن يسعى إليها ، فكونه متمرساً فى إستخدام الأسلحة النارية ، تم جعله المختص بتجارتها لرفضه الإتجار فى المخدرات أو بيع الفتيات مثلما كان يفعل أدريانو ، وبعد أن أنتهى من إجتماعه وتم الاتفاق بينهم على موعد لجلب تلك الأسلحة النارية التى يتم تهريبها دون علم الشرطة ، أنصرف الرجلان ، بينما عاد ديفيد للتفكير فيما سمعه من شقيقة جدته ، فهو لن يجعل شيئاً يحيده عن تفكيره مهما حاولت مارجريت ثنيه عن قراره ، ومهما بلغت أهمية ذلك الهراء الذى تفوهت من أنه يجب الحفاظ على نسل تلك العائلة وأن يظل إسمها قائماً طالما كان هو على قيد الحياة ويحمل على عاتقه مهمة تخليد إسم عائلة إسكندر شمعون

❈-❈-❈


رغم ذلك الهدوء الذى يكتنفها ، إلا أنها لم تحاول بمرة أن تتجاذب معه الحديث ، رغم أنه وجوده فى المنزل وحياتها هى وزوجها صار أمرًا حتمياً ، ولكن كأنها فضلت أن يكون الأمر بينهما مقتصراً على تحية الصباح اللطيفة أو إبتسامة وإيماءة من الرأس إذا تقابلا سوياً وسريعاً ما ينتهى الأمر بأن يذهب كل منهما بطريقه ، ولكنه اليوم كان أكثر تصميماً وإصرارًا على أن يكون بينهما لقاء حتى وإن كان قصيرًا ، ولكنه سيكون كافياً لأن يتعرف إليها عن قرب ، فما سمعه عن أسطورة عشقها هى وأبيه ، أثار لديه الفضول من أن يرى تلك المرأة عن كثب ، ليعلم سر إفتتان وعشق والده لها ، وهو ليس بأعمى لكى لا يرى جمالها الخلاب الذى تستطيع به جذب القلوب قبل العيون ، علاوة على إتقانها لتأدية دور سيدة المجتمع الراقية ، والتى تجعل من ينظر إليها يجزم بأنها ملكة من إحدى الأسر الملكية ، والتى نشأت وترعرعت على أن تكون صورة حية للجمال والعذوبة والأرستقراطية ، وربما علم الآن أن أى إمرأة أخرى ستنافسها ستكون خاسرة أمام تلك التى مسماها " غزل "


ما أن رآها تسير فى حديقة القصر بعدما أصدر عاصم قراره بأن لا تبرح البيت إلا من أجل أمر ضرورى حفاظاً عليها وعلى جنينها ، خرج إليها وأسرع بخطواته حتى صار يقف بجوارها تقريباً


فإبتسم أدم قائلاً بمودة :

– عاملة إيه دلوقتى ، ممكن أتمشى معاكى شوية 


أنتفضت غزل بعد سماع صوته ، إذ لم تضع بحسبانها أن ينضم إليها أحد خاصة بهذا الوقت ومعظم ساكنى القصر أنصرفوا لأشغالهم ، ولكن يبدو أنها لم تنتبه أن هناك من يقطن معهم ولا ينصرف من المنزل إلا من أجل التنزه ويقضى الباقى من أوقاته فى توطيد علاقاته بأفراد العائلة 


إبتسمت غزل إبتسامة أنيقة ولكنها فاترة ولا تحمل ترحيباً ولا دفئاً ، إلا أنها رفعت يدها تشير له بالسير وهى تقول بفتور :

– أنا الحمد لله تمام ، أتفضل أتمشى معايا بس إيه السبب لكده ، عايز تتعرف على مرات باباك ، ولا تتأكد إن مش شريرة زى مفهوم مرتات الأب التقليدى


ضحك أدم حتى بانت أسنانه الناصعة ،والتى يبدو عليه أنه يعتنى بهما كإعتناءه بمظهره العام من تصفيفة شعر ملائمة لوجه الوسيم وثياب شبابية تبرز بنيته الجسدية القوية ، والتى لم يرى أحد ينافسه بها هنا فى المنزل سوى " راسل " حتى أن فارق الطول بينهما ملحوظاً ناهيك عن أن راسل يفوق جميع من بالمنزل فى طول القامة ، ولا يعلم لما أتى على تذكره الآن 


ربت أدم على صدره بحركات متتابعة ورد قائلاً بصدق :

– هتصدقينى لو قولتلك إن عايز أتمشى معاكى علشان أتعرف عليكى أكتر وإن معجب جدا بقصة حبك إنتى وبابا 


إلتوى ثغر غزل بإبتسامة جانبية وردت قائلة وهى تنحى لقطف إحدى الورود :

– وإنت بقى عايز تعرف قصة الحب مع أنت تبان لأى حد إنك دليل خيانة عاصم ليا 


إستقامت بوقفتها وحدقت فى وجهه وهى رافعة إحدى حاجبيها وأناملها تتحسس بتلات الوردة البيضاء التى قطفتها ، فما كان منه سوى أن ركل بقدمه حفنة من العشب ، ومن ثم رمقها بهدوء قائلاً بتنهيدة عميقة:

– عارف إنك ممكن تكونى مضايقة من وجودى فى البيت ، بس أنا معملتش حاجة تخليكى تفتكرى إن جاى أخرب علاقتكم ببعض ، يعنى لولا اللى حصل زمان ، كان ممكن أكون أنا إبنك أنتى 


– بس إنت مش إبنى يا أدم 

قالت غزل وسرعان ما أولته ظهرها ، لعلها تخفى تلك الدمعات التى عادت توخز عينيها كالأشواك . تعلم أنه ليس مذنباً كأبيه ، ولكنها لن تستطيع التظاهر بأن الأمر عادياً ولا يشكل لديها فارقاً ، بل وتوهمه بأنها تقبلت وجوده فى المنزل ، فالتظاهر بمشاعر ليس لها وجود لن يكون فى صالح أحد منهما 


تنفست غزل بعمق لعلها تخفف من ضغط العبرات على جفنيها ، ولكنها عادت تنظر إليه مستطردة بهدوء :

– مش هكدب عليك يا أدم وأقولك إن هتقبل وجودك بين يوم وليلة ، بس بالرغم من كده أوعدك أن لا هضايقك ولا إن مثلاً أقولك كلمة تزعلك ، لأن أنت برضه ملكش ذنب فى اللى حصل ،بس أهو هنحاول نتقبل بعض 


رفعت طرف سبابتها لتسرع بمحو تلك الدمعة التى نجحت فى الفرار من حاجز جفنها الأيمن ، فأماء أدم برأسه متفهماً لقولها ، ورغم ذلك لم ينصرف بل أكمل تجوله معها فى الحديقة ، وهما يتحدثان حول بعض الأمور العامة كصديقان حديثى العهد بتلك الصداقة التى يأمل أدم بأن تكون بداية للتفاهم بينهما 


بعد عودة غزل للداخل وصل أدم للمسبح وجد صديقه عماد يتمدد بإسترخاء على المقعد الخشبى الطويل واضعاً قبعة تغطى النصف الأعلى من وجهه 


سحب أدم القبعة من على وجهه قائلاً وهو يوكزه بكتفه :

– أصحى هو أنت نمت أنت بتقوم من النوم علشان تنام 


مسح عماد وجهه بكفيه وفتح عيناه الناعستين قائلاً بكسل :

– ما أنا من ساعة ما جيت هنا مش لاقى حاجة نعملها يلا بينا نرجع فرنسا تانى ونشوف شغلنا بدل الأنتخة اللى إحنا فيها دى


تمدد أدم على المقعد الأخر ورد قائلاً برفض :

– لاء مش هرجع فرنسا دلوقتى عايز تسافر أنت سافر مع السلامة


رفع عماد إحدى المناشف البيضاء الموضوعة قريباً منه ، فألقاها على وجه أدم بحنق ، وعندما لم يبدى حراكاً أعاد الكرة مرة أخرى ، ومن ثم قال :

– إيه الوطينة دى يعنى علشان خلاص لقيت أهلك بعتنى ، قليل الأصل بجد ، خسارة صداقتى فيك يا ندل


قهقه أدم ما أن سمع ما تفوه به صديقه ، فلو لم يكن يعلم أمور المزاح خاصته ، لكان ظن أنه مستاء حقاً منه وسأم من تلك الرفاهية التى يتنعم بها ، بعدما حل ضيفاً على مالك ذلك القصر لإرتباطهما بتلك الصداقة القوية ، والتى تجعله يضع أدم بأولوياته وما أن يريد دعمه يسرع بتقديمه له على الرحب والسعة 


تنفس أدم تلك النسمات التى داعبت أنفه محمولة بأريج عطور تلك الزهور بالحديقة ، ومن ثم غمغم بكسل :

– أنا بجد كنت محتاج اجازة أرتاح فيها بقالنا فترة بنسافر من بلد لبلد وشغل شغل ، لازم نرتاح شوية 


رفع أدم رأسه عن مقعده ، بعد سماع صيحة الصغير القادمة من إحدى شرفات المنزل ، فوكز عماد لينظر إلى ما ينظر إليه ، حيث وقفت ساندرا فى شرفة غرفتها تداعب صغيرها الذى راح يقهقه بصوته الطفولى وبدا مسموع لهما بكل وضوح


رفع أدم نظارته السوداء عن عينيه قائلاً بحيرة :

– غريبة أوى ساندرا دى من ساعة ما جينا البيت وهى مبتظهرش إلا صدفة ، دا ساعات بنسى أنها عايشة معانا فى البيت ، ياترى إيه حكايتها وليه مبتحاولش تتكلم مع حد ، أنا حتى معرفش تقربلهم ايه ولا حد راضى يقولى كأنه سر


لوى عماد ثغره من قوة ملاحظته الخاصة بالإناث ، كأنه لن يترك إمرأة بهذا المنزل إلا وسيعمل على دراسة ردود أفعالها ، ويبدى إستغرابه كلما إنتبه على فعل لا يتوافق مع باقى ساكنى القصر ، فنفخ خديه قائلاً بملل :

– يا سلام على بعد نظرك يا أدم ، سايب الرجالة اللى فى البيت وشغال تحليل فى شخصيات الستات اللى موجودين ، أرحم نفسك بقى يا أخى ، أوعى تخلص على ستات البيت وتدخل على الشغالات 


ببطئ ترك أدم مقعده ، وهو ينوى القيام لتأديبه على ما قاله ، إلا أن عماد قفز على قدميه ، كأنه علم بنواياه ، ولم يكتفى بذلك بل أطلق لساقيه الريح ، قبل أن تمتد إليه يد أدم ، ولكنه لم يكن يقبل بفعلته ، إذ ركض خلفه فى الحديقة وحول المسبح ، فإنتبهت ساندرا على ما يفعلانه ، فشقت إبتسامة عريضة شفتيها ، وخرج صوت ضحكتها عالياً ، ورن بأذنيها وكان ذو وقع غريب ، فهاتان الشفتان لم تمسهما ضحكة أو إبتسامة نابعة من القلب منذ وقت طويل ، تمنت لو كانت قادرة على محو تلك الأيام ، التى لم تفشل فى عدها ، بل تحسب الدقائق بها ، وكل دقيقة تمر عليها تذكرها بقسوة ومرارة ما حدث ماضياً ، فما أن جال بخاطرها ، تلك الفاجعة التى حرمتها إبتسامتها ، بل وحرمتها أن تحيا حياتها كما كانت معتادة ، تسربت دمعاتها الفياضة على وجنتيها ، فيكفى تلك الصرخات والصيحات التى مزقت فؤادها ، كأن تلك الأصوات مازالت تدوى فى أذنيها ، وجعلتها تغلق عينيها فى محاولة منها أن تحافظ على هدوها قدر المستطاع ، فراحت تأخذ أنفاسها وتزفرها ببطئ كما نصحها راسل بأن تفعل إذا داهمتها تلك الحالة من معايشة تلك الذكرى الأليمة ، وتذكرت كيف ساهمت دون أن تدرى بحدوث ذلك الصدع فى حياته ، حتى باتت غير قادرة على أن ترحل أو أن تظل مقيمة هنا بمنزل عائلته وترى زوجته كيف ترمقها بنظرات الإستفهام عن ماذا بينها وبين زوجها ويحرصان على إخفاءه عن الجميع ؟