-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 15 - 2

 

  رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب



الفصل الخامس عشر

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة

❈-❈-❈



ولكن لم يكن فرد الأمن بمفرده من أقترب منهما إذ أنضم إليه رجل كهل أخر ما أن رآه حتى أبدى إحترامه له فيبدو عليه أنه رب عمله ومالك تلك الشركة ، الذى راح يتفرس بوجه هند لعله يعلم إذا كانت إحدى العاملات فى الشركة أم أنها إمرأة أجنبية جاءت مع أحد الأفواج السياحية ، فنظر للعامل متسائلاً:

– هى مين دى تعرفها أو شوفتها قبل كده ؟


حرك العامل رأسه نفياً ، وذهب لإحضار زجاجة مياة ، فبعد أن رشقها بقطرات الماء على وجهها ، حركت هند رأسها وبدأت بإستعادة وعيها المسلوب نتاج إغماءها ، ولكن ما أن رآت هذان الوجهان المطلان عليها حتى إنتفضت جالسة مكانها وحاولت أن تستقيم بوقفتها فلم تسعفها قدميها بحملها وبعفوية ودون قصد منها إستندت بكفها على ذراع ذلك الرجل القريب منها ، الذى لم يبدى أعتراضاً لمساندة تلك الفتاة الجميلة والتى أنتابه الفضول لمعرفة من تكون وماذا تفعل هنا أمام مبنى شركته ؟


ولكن ما أن أنتبهت هند لما فعلته سحبت يدها سريعاً وأخذت الصغير وأنصرفت على الفور تخشى أن تخوناها ساقيها وتسقط مرة أخرى ، لم تلتفت خلفها بل إنها أشارت لسيارة أجرة لتقلهما للمنزل ، ورغم شوقها لرؤية زوجها ، إلا أنها صرفت تفكيرها عن الأمر وفضلت العودة للبيت ، ولا تعلم ما الذى دهاها اليوم فهل هذا إحدى علامات ودلائل حملها ، أم أنها تعانى من وعكة صحية ؟


ما أن صعدت للسيارة وجلس الصغير بجوارها ، هتفت بالسائق أن ينطلق بسرعة لعلها تتخلص من ذلك الشعور القوى بالإحراج والذى تسبب فى جعلها أن تشعر بحبات العرق الباردة تكسو جبينها كلما تذكرت ما حدث لها


عادت للمنزل وقامت بتوصيل الصغير لوالدته ، التى تعجبت من عودتهما سريعاً من تلك النزهة التى ظنت أنها ستستغرق وقتاً أطول ، ولكنها أنتبهت على شحوب وجه هند ، فحدقت بها وتساءلت بإهتمام :

– مالك يا هند وشك أصفر ليه كده حصل حاجة 


زفرت هند زفرة عميقة وردت قائلة وهى تدلك جبهتها :

– أغمى عليا فى الشارع وحاسة بصداع جامد دا غير أن كل ما أفتكر أن وقعت على الأرض قدام حد بحس بإحراج كأن نفسى الأرض تنشق وتبلعنى  


ركزت والدة سويلم إهتمامها على ما أخبرتها به بشأن إغماءها ، فإبتسمت وهى تقول رابتة على وجنتها بلطافة :

– إيه هنقول مبروك قريب يا ماما ولا إيه 


أنتفض كل عرق بها وهى تتذوق حلاوة أنها من الممكن أن تصبح أم فى القريب العاجل ، فردت قائلة بتمنى :

– يارب يكون ده فعلاً من الحمل على العموم هعرف إذا كان حمل ولا لاء هدخل البيت أرتاح شوية على كرم ما يرجع من الشغل عن إذنك


ذهبت هند ورافقتها دعوات والدة سويلم بأن يمن الله عليها بالذرية الصالحة ، وما أن ولجت للمنزل أتجهت لغرفة نومها وخلعت عنها ثوبها وأرتدت منامة وذهبت لفراشها على الفور ، قبل أن يعاودها الدوار الذى بدأت تشعر به يعيث برأسها تأرجحاً خفيفاً تمهيداً أنه من الممكن أن يزورها مرة أخرى ، أرتمت على الفراش وأعتصرت جفنيها بقوة حتى تمر تلك اللحظات من الألم الذى بدأ يفتك برأسها ، ولكنها كانت سعيدة الحظ إنها لن تكون بمفردها إذا أغشى عليها ، إذ سمعت صوت زوجها يناديها من الصالة بعد عودته مبكرًا من عمله 


ولكن صوتها لم يسعفها بأن تجيبه على نداءه ، فوجدته يلج الغرفة متسائلاً بإبتسامة وحب :

– حبيبتى مالك مش بتردى عليا ليه ؟


رفعت هند يدها تشير إليه بالإقتراب ، فشحب وجهه وهو يرى يديها تسقط بجوارها كأنها أصيبت بمرض مفاجئ جعلها منهكة القوى وغير قادرة على الحركة 


ساقته قدميه إليها وجثى بجوارها واخذت كفها بين يديه يدلكهما برفق متسائلاً بخوف :

– فى إيه يا هند مالك ، أنتى تعبانة ولا إيه ؟


إبتسمت هند بوهن وهى ترى بوادر الخوف التى ملأت قسمات وجهه المليح ، فأجابته بصوتها العذب:

– متخافش يا حبيبتى أنا بس حاسة بصداع ودماغى لفت شوية بس متقلقش هبقى كويسة دلوقتى ، الظاهر كده إن أنا وأنت هنبقى بابى ومامى قريب بس أتأكد الأول


مررت يدها بلطف على بطنها ، والأمل يحدوها أن تكون محقة بظنونها ، فزادت إبتسامة كرم إتساعاً بل أنه انحنى برأسه واضعاً قبلة محبة على جبينها ، وسرعان ما قال بهمس:

– دا أنتى هتبقى أحلى مامى فى الدنيا كلها ، طب يلا نروح لدكتورة وتطمنا 


إستطاعت إقناعه بأن يذهبان للطبيبة فى المساء ، على أن تنال الآن قسط من الراحة ، لعلها عندما تفيق من نومها تكون شعرت بالتحسن ، فهى لا تضمن خروجها معه الآن دون أن يحدث ما حدث لها أمام الشركة ، حتى أنها لم تخبره بما حدث لكونها لاترى داعى أن تثير قلقه أو إمتعاضه من أنها كانت فى طريقها لرؤيته بمكان عمله ، وهذا ما حذرها منه سابقاً ، كأنه يخشى أن يراها أحد من زملاءه فى العمل ، وأن تبدأ أحاديثهم السخيفة عن إمتلاكه زوجة بمثل فتنتها ، وأنها تنافس بجمالها هؤلاء السائحات اللواتى تتوافدن على الأماكن السياحية ، والتى توجد بكثرة بتلك المدينة الآثرية ، فكم من مرة أخبرها بأحاديثهم المتبجحة من أن كل منهم يتمنى قضاء وقتاً لطيفاً مع إحدى الفتيات اللواتى جئن بمفردهن وكأنهن طرائد يتنافس كل منهم فى الحصول عليها 


أراد لها أن تأخذ غفوتها بهدوء لحين موعد ذهابهما للطبيبة ، فخرج من الغرفة وفكر فى الجلوس فى الصالة ومشاهدة التلفاز لحين إستيقاظها ، ولكن قبل أن يستلقى على الأريكة سمع صوت طرقات على باب المنزل ، فأقترب من الباب ووجد الصغير الذى راح يرمقه بإبتسامة وبراءة


فأنحنى إليه كرم قائلاً بإبتسامة بعدما قبل وجنته :

– أستاذ سويلم بذات نفسه جاى يزورنا


تغضن جبين الصغير ورد قائلاً بتأثر :

– أنا جاى أزور طنط هند علشان كانت تعبانة ووقعت فى الشارع بعد ما كلنا الأيس كريم وكنا رايحين نشوفك فى الشغل بتاعك ياعمو كرم 


تجمدت يداه التى كانت تمسد على ذراعىّ الصغير ، فما معنى حديثه هذا ؟ ولكنه لم يفعل شئ سوى أن أعطاه بعض الحلوى وأخبره بأن زوجته نائمة ، وما أن أنصرف الصغير ، ولج كرم غرفته كالعاصفة ، ولكن رق قلبه لها ما أن رآها غافية ، وانتظر أن تستيقظ من نومها ليسألها عما سمعه من سويلم ، ولكن من داخله استشاط غضباً ، فهل هى خالفت أمره لها بألا تفكر بزيارته فى مقر عمله ؟ ولو صح ذلك لن يمرر لها الأمر مرور الكرام 


بعد ساعتين تقريباً نهضت هند من فراشها ولكنها شهقت بخفوت ما أن رآت زوجها الجالس فى الظلام ، ولكن ضوء شحيح قادم من الخارج سقط على رماديتيه مما جعلهما تلتمعان كعينىّ الهررة 


مسحت وجهها وقالت بصوت ناعس :

– الله يسامحك يا كرم رعبتنى أنت قاعد فى الضلمة ليه كده 


ضغط كرم على زر الإنارة وبدأ هجومه عليها مبكراً ، إذ أقترب منها وقبض على ذراعها وهو يقول بنبرة تفيض بالغضب :

– هند أنتى فعلاً كنتى جاية ليا الشغل النهاردة ؟ أنا مش محذرك متفكريش تعملى كده ، قولت ولا مقولتش


هز ذراعها قليلاً كتأديب لها على مخالفتها لأمره ، فنفضت يده عنها وهتفت بصوتها الغضوب :

– فى إيه يا كرم لده كله عجبك كده صوابعك علمت على دراعى 


أشارت لأثار أصابعه التى تركها على بشرتها الغضة الملساء ، ولكنه لم يرى أن هذا سيشفع لها عنده ، ولكن أراد إكمال دوره فى تأنيبها للنهاية إذ أنحنى إليها بجزعه العلوى صائحاً :

– هند أنا بسألك فتردى عليا ، أنتى عملتى كده فعلاً 


أسندت ظهرها للوسائد وردت قائلة بصراحة :

– أه يا كرم كنت جيالك الشغل علشان أشوفك ، كنت عايزة أشوف المكان اللى بتشتغل فيه عادى يعنى مش قضية هى علشان تعمل كل ده 


أهتاج أكثر من ردها العفوى ، فرفع سبابته فى وجهها محذراً:

– اللى حصل ده ميتكررش تانى أنتى أصلاً مشوفتيش الرجالة اللى بتشتغل فى الشركة دى أخلاقهم عاملة إزاى علشان كده بحذرك يا هند ، مش عايز حد يتطاول عليكى أو يبصلك حتى مفهوم ، أنا بغير عليكى ، مش بطيق حد غريب عينه تيجى عليكى ، لولا إن مش عايز أفرض عليكى حاجة كنت خليتك أتنقبتى علشان أترحم من نار الغيرة


لم يكن يجب أن تتعامى وتتغاضى عن أن غيرته كرجل مغرم بها تجعله يفكر بأن يجعلها بمنأى عن أعين الرجال ، جلست فى الفراش على ركبتيها  ووضعت يدها على صدره لتهدأ من ثورته وقالت بوداعة مألوفة لديها :


–  حبيب قلبى الغيور أوى واللى بموت فى غيرته ، خلاص مش هعمل كده تانى يا كرم ، بس متزعقليش ، أنا لو حامل هتخض البيبى اللى جوا كده ، ويقولى بابى صوته عالى يا مامى مش عارف أنام فى هدوء


ضحك كرم رغماً عنه ، فمهارتها فى سلبه كل دفاعته أخذة فى الإزدياد . إستقرت أنامله بين طيات شعرها الأسود وشفتاه تتمتم لها معربة عن أن شعور الغيرة ما أن يتملك من حواسه يجعله عاجزاً عن التفكير إلا بشئ واحد وهو أنه يريد أن يضعها بمنآى عن أعين المتطفلين ، فإستمعت لحديثه وكل كلمة تعزز ثقتها بنفسها وبجمالها ، علاوة على شعورها المتزايد بالفخر من هوسه وعشقه بها ، ذلك العشق الذى تمنته منه فى وقت سابق ، فعلى الرغم من ذلك لم يكن كرم ذلك الرجل الذى يضيق عليها الخناق بغيرته العمياء والزائدة عن الحد المطلوب بين الزوجين ، ولكن دائماً ما يثير عتابه الغيور بنفسها رغبتها فى أن تعانقه ، تأوه قلبها شوقاً إليه ، فراحت تغمره بعناقها الدافئ ، وذراعيها الناعمين مطوقان عنقه كأنها لن تفلته أبداً ، ولكن رغم ذلك حاول كرم أخذ حذره من إغراقها بفيضان عشقه ، فربما هى حقاً حامل بوقتها الحالى ولا يريد التسبب لها بضرر ، وما أن وضع حداً لعناقهما الشغوف ظنت أنه مازال مستاءاً منها ، ولم يعلم كرم سر رغبته فى أن يتركها على معتقدها لينعم بالقليل من دلالها له ، تلك الفاتنة الآسرة التى لم تكتفى بسلب قلبه وعقله بل تتفنن الأن بسلبه أنفاسه ، فكم من مرة عندما كان شاب أعزب حلم بتلك اللحظة التى تكون بين يديه وينهل من نهر عشقها الممزوج بخمر فتنتها التى تسكره حد الثمالة 

❈-❈-❈   

منذ ذلك اليوم الذى تسببت به فى فضيحة له ، وهو لا يشعر بالهدوء والراحة ، بل كأنها أطلقت قوة وحش ثائر ، كان متوارياً خلف جدران البرود وعدم الإكتراث ، فأسرته الصغيرة لا تكف عن تأنيبه وتقريعه على ما فعله من زواجه العرفى بفتاة من عقيدة أخرى ، ربما من يعلم حقيقتها سيشعر بالخوف وعدم الإطمئنان ، لما ورد عن أتباع هؤلاء العقيدة منذ قديم الأزل ، وكلما حاول إفهامهم أن كل هذا إفتراء منها عليه ، وأنه لم يمس فتاة فى حياته ، ورغم إقتناع شقيقته وزوجها بحديثه ، ونبع ذلك من رغبتهما فى عدم إقتحام تلك الفتاة حياته ، وربما سيكون ذلك ذو مردود سلبى على عبد الرحمن ، إلا أن عمه كان أكثر حكمة منهما ، ورغم إقتناعه الظاهرى ببراءة إبن شقيقه من تلك التهمة المشينة ، إلا أنه علم مدى حب بيرى له ، وإلا ما كانت أقدمت على إختلاق فضيحة كهذه من أجل أن تحصل عليه ، على الرغم من أنه لم يستحب الطريقة ، إلا أنه يعلم كيف أن الحب أحياناً يجعل المرء يفقد صوابه ولا يحسن التفكير بأى شئ سوى الحصول على قلب المحبوب ، ولم يفته تلك النظرة التى رآها بعينىّ عبد الرحمن فى وقتها ، عندما كان يتحدث هو وبيرى بصوت منخفض وتلا ذلك إحتضانها لوجهه كأنها تحاول إفهامه أمراً صعباً ، فرآى تلك النظرة العاشقة المتوارية خلف سحابة الغضب والسخط التى ملأت عيناه ، لذلك أراده أن يخمد لهيب قلبه ، الذى جعله يتركهم ويترك منزله سنوات طوال قضاها مغترباً فى بلد أخر 


حملق عبد الرحمن فى وجه عمه وشقيقته وزوجها ومن ثم قال بتبرم :

– على فكرة أنا مش هتجوز بيرى يا عمى ، أنا برئ ومعملتش حاجة وهى بتتبلى عليا 


أسرعت شقيقته فى الرد قائلة بتأييد لقراره :

– ده عين العقل ، يهودية مين دى اللى تتجوزها كمان من قلة البنات يعنى وإن كان على العروسة ، فأنا هجبلك ست ستها يا حبيبى ولا يهمك 


أشار لها عمها بإلتزام الصمت وهو يقول بإستياء طفيف :

– اسكتى أنتى ، أقولك على حاجة يلا خدى جوزك وروحى على شقتك شوفى إبنك زمانه صحى من النوم 


مطت شفتيها بتبرم ولكنها لم ترد كلمة عمها ، وأشارت لزوجها بالنهوض للذهاب إلى شقتهما الواقعة بالطابق الثالث بذلك المبنى الذى يعود لعائلتها ، وكل منهم يسكن به ، فعمها يقيم بالطابق الثانى وعبد الرحمن فى الرابع ، فى حين أن الطابق الأرضى ، به ثلاث متاجر ، يدرون دخلاً لا بأس به 


بعد ذهاب شقيقته وزوجها ، نظر إليه عمه ملياً ومن ثم قال برجاحة عقل :

– بص يا عبد الرحمن ، أنا عارف ومتأكد أنك معملتش حاجة أنت برضه تربية إيدى واخلاقك يحلف بيها الصغير والكبير ، بس أنا عرفت واتأكدت أنك برضه بتحبها ومن جواك نفسك فعلاً أنها تكون مراتك وأنك مقدرتش تنساها ولا تنسى حبك ليها 


– مش صحيح ، أنا خلاص مبقتش أحبها

قال عبد الرحمن بإصرار ضعيف ، وتلك الغمغمة ذات الوقع الغير مؤثر فى أذن المستمع له ، تجعله يجزم أنه كاذباً فى إدعاءه 


إبتسم عمه بخفوت وربت على ساقه ، ومن ثم قال وهو يتذكر ماضيه :

– أنت عمرك ما سألت نفسك يا عبد الرحمن أنا ليه فضلت طول عمرى من غير جواز ومتجوزتش أبدا ، طبعاً الكل عارف أن بعد موت ابويا وأمى كان لازم اخد بالى من اخواتى الاتنين الله يرحمهم اللى هم ابوك وعمك اللى يبقى ابو جوز أختك ، بس ده مكنش السبب بس ، لاء علشان أنا حبيت مرة ومقدرتش أحب تانى بعدها ، مكنش ليا حظ فى الحب ، بس أنت الفرصة قدامك متبقاش نسخة تانية منى يا إبن أخويا 


حتى وإن لم يجرأ عبد الرحمن يوماً على سؤال عمه عن سبب عزوفه عن الزواج طوال حياته حتى أدركه المشيب ، إلا أنه كان يشعر بأن الأمر ربما يعود لعشق مستحيل أنتهى نهاية غير مرضية للحبيبان 


خرج من شقة عمه بعدما قدم له النُصح بشأن عدم تركه لحبه ، ولكنه لم يصعد لشقته ، بل فكر فى الذهاب إلى بيرى بعدما علم أين يقع مكتبها الخاص بتنظيم حفلات الأعراس وماشابه


وصل لمكتبها فأقتحمه دون إستئذان ، فأرتعدت بيرى من دخوله المفاجئ كالعاصفة ، فقطبت حاجبيها وقالت بإبتسامة ماكرة:

– فى حد يدخل على حد كده من غير إستئذان يا حبيبى 


تركت مقعدها ودارت حول المكتب الخشبى الأنيق وأقتربت منه وطوقت عنقه بذراعيها وأضافت :

– بس ولا يهمك يا جوزى يا حبيبى ، أنت تيجى فى أى وقت 


نفض عبد الرحمن إحدى ذراعيها عنه وهو يصيح فى وجهها :

– أنا عايز أعرف بقى إيه اللى عملتيه ده ، وليه تعملى كده ؟


كسا الحزن عينيها الجميلتين وأجابته بشجن :

– لسه بتسأل يا عبد الرحمن ، سنين الفراق دى كلها موجعتش قلبك زى ما وجعت قلبى ، أنا قولت أنك جاى دلوقتى علشان تقولى أنك هتيجى فى أقرب وقت علشان تاخدنى على بيتك ، وأنك هتحاول تعوض السنين اللى ضاعت مننا واحنا بعاد عن بعض 


تأثر بحديثها ورنة صوتها المشبعة بالحزن والأمل ، أزدرد لعابه لعله يصد ذلك التوق الذى تقافز بصدره ، إلا أنه نجح بمهارة فى أن يظل ثابتاً وعيناه ترسل لها تعبيرات الغضب مما فعلته وأن قلبه لم يعد لها مكان به ، فقال محاولاً الظهور بمظهر القوة وأن يضفى على حديثه بعض التهديد لعلها تتخلى عن تصميمها فى إتمام زواجهما :

– يعنى أنتى مصرة يا بيرى أن إحنا نتجوز ، يبقى استحملى اللى هيجرالك منى ، لأن اللى عمله فيا أبوكى هاخد حقه منك وأنتى اللى جبتيه لنفسك ، أنا قولتلك ابعدى عنى وأنتى اللى اختارتى ، يبقى تستحملى نتيجة إختيارك 


إبتعدت بيرى عنه قليلاً وجلست على حافة مكتبها قائلة بإبتسامة غير مكترثة بتهديده :

– أممم ، أنت شكلك بتحاول تخوفنى منك ، بس شكلك نسيت حاجة مهمة يا حبيبى ، إن أنا عارفاك أكتر ما أنت تعرف نفسك كمان ، ولو شايف أنك لما تاخد حقك منى ده هيبرد نارك ويريح قلبك ، أنا قدامك أهو يا عبد الرحمن ، ومستعدة لكل اللى هتعمله سواء حلو أو وحش ، خلينا نتجوز وأعمل اللى تعمله ، ولو إن عارفة أنك مش هتعمل فيا حاجة وحشة


رفع شفته قائلاً بسخرية ووعيد :

– واثقة من نفسك أوى يا بيرى ، عايزانا نتجوز ، تمام هاجى أنا وأهلى وهخطبك ونتجوز ، بس مترجعيش تندمى 


ما أن رآها تهم بترك مكانها ، لتقترب منه من جديد، إرتد بخطواته للخلف ، ورفع يده السليمة ليحذرها من مغبة الاستمرار فى عنادها ، إلا أنه لم يستطع أن يفه بكلمة بعدما مدت يدها وشبكت أصابعها بأصابعه ، وكلما حاول فك تشابكهما تعود وتقبض على ظاهر يده بقبضة فولاذية ، فكم بدت عنيدة ذات إرادة قوية فى أن تحصل على مبتغاها ، سواء كان ذلك سيتم برضاه أو رغماً عنه ، ولكى تأمن هدوءه ، عادت لتهتف بإسمه برنة جذابة رقيقة لطالما أشاد بها وهى تنطق به ، وكلما رآت تحرك عظمة نحره صعوداً وهبوطاً ، تعلم أنه يبتلع لعابه محاولاً السيطرة والحد من تلك المشاعر ، التى عادت من جديد تتدفق بأوردة فؤاده 


للأحق أنه لم ينسى مشاعره وعواطفه تجاهها يوماً ، بل كان يطفو على سطحها شعوره بالغضب والسخط على ما فعله به أبيها ، فحتى وإن حاول الآن أن يضفى على رغبته في أن يتزوجها طابع الإنتقام ، إلا أنه من داخله يعلم أنه لن يسطع أن يمسها بسوء ، وربما هى على علم بذلك ، لذلك تتصرف على هذا النحو الغير مبالى بتهديداته وتحذيراته ، وما أن علم أن قلبه فى طريقه أن يعلن راية الهزيمة ، كان حازماً فى إبعادها عنه ، بل شعر بالندم ما أن دفعها عنه وإصطدمت بحافة المكتب متأوهة من خشونته فى رد فعله ، ولكن ظلت قسمات وجهه جامدة ، كأنه ينبأها أن الحياة فى قربه لن تجنى منها سوى الجفاء والألم 

❈-❈-❈


خرجت كالمعتاد من كليتها بعدما أنهت أختبارها لليوم ، فوجدت سيارته أمام مبنى الكلية ، وخلافاً لتلك المرات التى كانت تراه بها وتسرع بإبداء إستياءها من رؤيته ، إبتسمت إبتسامة خجولة وهى تراه يقف مائلاً قليلاً يستند على أحد جانبى سيارته الفارهة ، وكأنها تعاود إكتشافه من جديد ، فبعد تلك المكالمة الهاتفية التى أجريت بينهما ووصلا بها لإتفاق أن تمهله الفرصة لأن تعرفه جيداً ، وهى صارت هادئة نوعاً ما ، ولم تحاول أن تجعله يشعر باليأس والإحباط من عدم حصوله على رضاها ، بل أن مكالمتهما الهاتفية والتى كثرت بالأونة الأخيرة تحت إطار أن يكون التفاهم بينهما قائماً فى الحدود المتعارف عليها وكأنهما صديقان يحاول كل منهما إكتشاف ميول وهوايات الأخر ، إستطاعت إكتشاف إنه متحدث لبق ، وبإمكانه كسب ودها بجهد لا يذكر ، ولكنها لن تكون متسرعة فى أخذ قرارها النهائى بشأنه من عدة مكالمات هاتفية يحاول كل طرف فيها يظهر لباقته ولطافته فى الحديث 


ما أن لمحها قادمة إستقام بوقفته وهو يبتسم ملأ فاه بعدما وقعت عيناه على يدها اليمنى ووجد خاتم خطبتها يزين بنصرها      


ولكن قبل أن تصل إليه أعترض طريقها ذلك الشاب الذى رآه عمرو فى المرة الأولى التى جاء بها لهنا 

فسألها الشاب بإهتمام :

– عملتى إيه فى الإمتحان النهاردة يا دكتورة سهى 


أجابته سهى بإبتسامة بشوشة كتلك التى توزعها على أصدقاءها من باب الإبتسام فى وجه أخيك صدقة :

– الحمد لله كان الإمتحان كويس وعدى على خير وشكراً على المحاضرات اللى أنت أديتهالى وكانت شاملة المنهج فعلاً إستفدت منها جداً


لمس الشاب إطار نظارته وبادلها إبتسامتها بإبتسامة خجولة ، ولكن أختفت إبتسامته ما أن وقع بصره على يدها اليمنى ووجدها بها خاتم الخطبة والذى لم يراه قبل الآن ، فرفع عيناه عن التحديق بيدها ونظر إليها متسائلاً بدهشة:

– هو أنتى أتخطبتى يا دكتورة سهى ؟


حركت سهى رآسها وردت قائلة بعفوية :

– أنا مخطوبة من أكتر من سنتين وكمان هتجوز بعد الإمتحانات ما تخلص عقبالك إن شاء الله


تأسف الشاب على وقته الذى ذهب سدى وهو يحاول إستمالتها ، فتجلت إبتسامة متوترة على وجهه وهو يقدم تهنئته لها وما لبث أن أنصرف من أمامها وهو يسب ويلعن فى خاطره على فشله فى جذب أول فتاة وقعت عليها عيناه منذ بدء دراسته فى الكلية 


لم تنتبه سهى لذلك الذى إستشاط غضباً من رؤيتها وهى تتحدث مع ذلك الشاب الذى لم ينسى وجهه حتى الآن، ولم ينسى تصريحها الغبى فى وقتها من أنها ربما تفكر فى الارتباط به والزواج منه بعد إنتهاء تحصيلهما الدراسى بالجامعة 


وكأن لم يكن قرارها بالإقتراب منه بتلك اللحظة قراراً حكيماً ، إذ أن ما وصلت إليه سمعته يهتف بها بنبرة حادة:

– كان بيقولك إيه الواد ده 


وضعت سهى يدها على فمها تحركها دلالة على أن يخفض صوته أثناء حديثه :

– بس وطى صوتك شوية أنت هتلم عليا الطلبة ولا إيه ، ثم فى إيه ده كان بيسألنى عملت إيه فى الإمتحان مش أكتر ، هو أنت هتعملى فيها غيران من أولها 


كز عمرو على أسنانه قائلاً بغيظ :

– أركبى يا سهى العربية 


عقدت ذراعيها أمام صدرها وهى تقول برفض :

– مش راكبة ، وأركب معاك العربية لوحدنا ليه إن شاء الله هو أنت جوزى حتى لو كنت خطيبى مش هيجمعنى بيك مكان واحد لوحدنا ريح دماغك 


رغم أن نواياه لم تضمر لها شرًا ، إلا أن إعجابه بها يزداد كلما تمنعت عن إجابته لأى شئ يريده وتراه هى لا يصح قبل أن تصير له زوجة 


وضع يداه فى جيبىّ بنطاله الضيق قائلاً بنبرة عابثة رغبة منه فى إثارة أعصابها :

– طب هنقعد نتكلم فين يا حرمى المصون المستقبلية 


أجابته وهى تمر من جواره :

– أظن ليا بيت ممكن تيجى تزورنا وتتكلم يا عمرو باشا براحتك


– خلاص هجى أزورك النهاردة بالليل يا قمرى ومجننانى أنتى 


قالها وهو حريص على أن تصل لمسامعها وحقق مراده بعدما رآها تخفض رآسها بعدما إصطبغ وجهها بحمرة الخجل ، ولكنها لم تلتفت إليه لتجعله يرى تأثير عبارته على نفسها التواقة لأن تحيا قصة حب كقصص الحب التى قرآت عنها أو شاهدتها فى الأفلام الرومانسية المفضلة لديها دائماً


بعد إطمئانه من وصولها لمنزلها بآمان عاد لمنزله بعدما تذكر موعد طبيبه النفسى والذى ألح عليه فى مقابلته لإمتناعه عن حضور جلستين ، وربما ذلك سيكون له مردود سلبى على التقدم الملحوظ الذي بدأ يشعر به ، ولكن إنشغاله بتحسين أحواله مع سهى ووالدها ورغبته القوية فى أن تمنحه الفرصة بأن يتقرب منها ، جعله يرجئ أمر زيارة طبيبه له معللاً ذلك بأنه منغمساً فى أعماله ، ولكنه قرر أن اليوم سيخبر الطبيب بشأن زواجه المرتقب 


ما أن وصل لمنزله ولم يكد يمر خمس دقائق حتى أعلن حارسه المخلص بأن الطبيب ينتظره كالعادة فى غرفة المكتب ، فولج عمرو الغرفة مرحباً بطبيبه 


أرتدى الطبيب نظارته قائلاً بوجه بشوش :

– أخبارك إيه يا عمرو دلوقتى ، إيه اللى كان شاغلك عن جلسات العلاج مع أنك فى الوقت ده محتاجهم جداً


حك عمرو ذقنه وأجابه بهدوء :

– كانت مشاغل يا دكتور بس دلوقتى أنا تحت أمرك أتفضل إبدأ


بدأت الحديث بينهما هادئاً قائماً على السؤال من جانب الطبيب والجواب من جانب عمرو حتى تطرق إلى موضوع خطبته المزيفة والتى أعلمه بها فى وقت سابق 


نقر الطبيب بالقلم نقرة خفيفة على دفتره متسائلاً:

– إحكيلى بقى عن خطوبتك المزيفة وإيه اللى دفعك من الأول أنك تساعدها مع أنك قولتلى إن أول مرة قابلتها فيها أتخانقتوا وكل مرة كانت تقريباً عدائية معاك فى الكلام 


أغمض عمرو عينيه وأخذ نفساً عميقاً زفره على عدة مرات وما لبث أن قال بإبتسامة نبتت على شفتيه ما أن طاف وجه سهى فى عقله :

– يمكن لسانها الطويل ده هو اللى جذبنى إن أساعدها ، علشان بالرغم من أنها تبان قوية ومبتخافش ، بس حاسس أنها من جواها طفلة بتخاف وبتدارى خوفها وضعفها ورا لسانها وكلامها 


– يعنى كان عندك إحساس بالمسئولية من ناحيتها ؟

هتف بها الطبيب متسائلاً ، فما كان من عمرو سوى أنه أماء برأسه مؤكداً لقوله 


فضم كفيه وأنحنى قليلاً للأمام قائلاً بحماس لا محدود :

– ومش بس إحساسى بالمسئولية ناحيتها لاء دا كمان حاسس إن أنا بحبها وهنتجوز كمان قريب يا دكتور ، وهى موافقة كمان على الجواز 


ترك الطبيب القلم من يده وحدق به متسائلاً بشئ من الجرأة :

– وأنت شايف نفسك مستعد أنك تتجوزها يا عمرو ، لأن الجواز مش لعبة تفرح بيها يومين وخلاص فاهمنى 


أنتفض عمرو من مقعده وصاح بصوته منفعلاً :

– تقصد إيه بكلامك ده يا دكتور وفيها إيه يعنى لو أتجوزتها دلوقتى حرام يعنى 


أشار إليه الطبيب بالجلوس وهو يقول بصوته الرصين :

– أقعد يا عمرو وبطل إنفعالك ده اللى ملوش لزوم ، مش دايما التسرع فى الأمور دى بيدعم حالتك ويبينلك أنك خلاص بقيت تمام ، لاء ده ممكن يعملك إنتكاسة أنت فى غنى عنها فى الوقت الحالى ، ثم أنا حاسس أن لسه جواك أسرار معرفش عنها حاجة أو إنت اللى مصر تخبيها وده مش كويس علشانك ، لأن لو أنت عايز تتعالج صح لازم تقول كل اللى جواك و أعرف اللى أنت مخبيه 


عقد عمرو ذراعيه ورد قائلاً بشموخ وتحدى :

– أنا قولتلك كل حاجة وأنا مش مخبى عنك أسرار وإن كان على جوازى فهو هيتم فى ميعاده وأنت معزوم يا دكتور 


نهض الطبيب عن مقعده وخلع نظارته قائلاً بمهنية :

– وأنا يأسفنى أن أقولك إن جوازتك دى مش لازم تتم فى الوقت الحالى يا عمرو 


 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة