رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 42
قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
الفصل الثاني والأربعون
العبث في الدفاتر القديمة، بما تضمن من أفعال مشينة، وجرائر بغيضة، سينجم عنه لا محالة عواقب سيئة، ووخيمة. فور أن رأى "عاصم" ما نُشر عن والده، حتى ألقى هاتفه بكامل عزمه، وغضبه -الذي استعر داخله- أرضًا، فها قد عادت فضيحة الماضي تتجسد أمامه، وتتداول بين الناس للمرة الثانية، على صورة منشورات إلكترونية تطعن في سمعته، التي تلطخت من جديد بقاذورات الماضي، وأخطاءه الجسيمة، والفادحة، والتي ليس له أي يد بها.
ولكن السؤال المهم الآن، من هو المسئول عن فتح تلك الدفاتر؟ فمن صاحب تلك الصفحات والمواقع المجهولة؟ والذي لديه العلم بكل ما كُتب بشأن صفقات والده المشبوهة، والتي قد حُكم عليه بالسجن إثرًا لها، وقام ذلك الشخص بسردها بكل تلك التفاصيل الدقيقة، التي لن تخرج عن ثلاث، أولهم والده بالتأكيد، شريكه الأسبق، و"عاصم" كونه على علم بسائر الأمور. ووالده قد مات، و"توفيق" لن يفتح الأعين عليه، وبديهيًا ليس هو من فعلها، فمن عساه يكون إذن؟
أسند رأسه التي تكاد تنفجر من كثرة الصخب الذي يدوي بها، على يده المتكأ بمرفقها فوق فخذه، وهو جالس منحني المنكبين، ومتهدل الكتفين، يكاد يفقد عقله من تلك الكارثة التي حلت على رأسه، وأثناء ذلك كان أخوه واقفًا إلى جواره، يشغله الأمر كذلك، ولكن ليس إلى الحد الواصل إليه هو، كونه لا يكترث إلى نظرة المحيطين، طالما لم يرتكب ذنبًا أو خطأً يُندى له الجبين، ورغم ذلك لم يمنع نفسه من مشاركة أخيه في التفكير، وبعد أن عجز عن إيجاد سببًا وجيهًا للنبش في هذه الأمور، بعد مرور كل تلك السنوات، بلهجة متحيرة أردف:
-أنا مش فاهم، مين في مصلحته يفتح في الدفاتر القديمة تاني؟
تهدجت أنفاسه من كتمه لثورة أعصابه، ورد عليه بغليل منفعل:
-معرفش، ومفيش حد يعرف بالكلام ده بالتفاصيل دي غير توفيق، وأكيد توفيق مش هيفضح نفسه ويفتح عليه العين.
تقدم منه جالسًا على مقعد مجاور له، ثم قال له بتخمين بعد تفكير سريع:
-ممكن يكون واحد من الاتنين اللي كانوا شركا لابوك.
رفع رأسه وناظره بحاجبين معقودين، وبوجه عابس مشدود، سأله بصوت يبدو مستنكرًا:
-قصدك هشام الكيلاني ويحيا الجندي؟
أكد على كلامه بهزة بسيطة من رأسه، كونه قد قرأ اسميهما في المنشور منذ دقائق، وردد:
-أيوه.
بغير شك، أو حتى تفكير، هتف بثقة بالغة:
-لا لا، دول بعاد عن أي شك..
أبقى "عز الدين" عينيه عليه، وهو يتنهد بضيق شديد، ثم تابع بتجهم:
-ده غير إن يحيا بيه متوفي من سنين، وهشام بيه راجل محترم، وعمره مافكر يئذي بابا غير لما هو اللي بدأ.
استرعى انتباهه آخر قوله، وقد جال في ذاكرته في تلك اللحظة مجيء المسمى ب"مجد الكيلاني" له حينما كان راقدًا بالمشفى، بعد الحادثة المدبرة له من قبل أخيه، وذلك حتى يحذره منه، وحينما ربط بين الاسمين اللذين يحملان نفسه اللقب، حتى استنبط أنه ابنه، وما أكد ذلك الاستنباط، الصداقة التي كانت تجميع بين كليهما في الماضي، والتي أخبره بها "مجد" وقت زيارته، والتي بالتأكيد كانت راجعة لشراكة والدايهما، وقد تملك منه ذلك الظن بشدة، حتى استثار فضوله لمعرفة نوع الأذى الذي ألحقه والده بذلك الرجل، وكان السبب في نشوب العداء بين العائلتين، وانتهاء الصداقة بين الابنين، وسريعًا ما تسائل بلهجة مهتمة:
-ليه هو عمل فيه إيه بالظبط؟
❈-❈-❈
بعدما وصل إليه خبر تلك المنشورات، التي وسع صداها، وملأت كل وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت من الأخبار الشائعة، والمتنقلة بين الكثير، حتى ذهبت جميع الظنون عليها، خاصة بعد لقائهما المصادف، والذي وضعها تحت الشكوك، من قبله، ومن قبله "توفيق العاصي"، ولهذا؛ وخاصةً بعد نشر تلك الأخبار، رأى أن ذلك الوقت هو الملائم لتلك المقابلة المتفق عليها منذ عدة أيام مضت. لم يضيع مزيدًا من الوقت في التكهنات، وسريعًا ما قام بمهاتفتها، وحدد معها موعدًا عاجلًا في أحد المطاعم المعروفة، حتى يأخذ منها الكلام اليقين، حتى وإن لم تعترف بسهولة. من موضعه، ارتكز ببصره عليها، وهي ترتشف مشروبها بهدوء، وتبادله النظر بنظرات أخرى أكثر غموضًا، فكأنما توقعت سبب طلبه لقائها دون أن يتفوه بحرف بعد، وبعد عدة لحظات أخر، أكد "كرم" ظنها، بدخوله في صلب الموضوع مباشرة، قائلًا بلهجة تماوجت بين الاتهام والشك:
-انتي اللي نشرتي الأخبار عن كمال الصباحي.
انفرجت شفتاها ببسمة معتدة، فقد صدق حدسها، وأجابته وهي محافظة على بسمتها، بصوتها الانثوي المغتر، مؤكدة دون مراوغة:
-أيوه أنا..
وقبل أن تدع له المجال للتكلم، أضافت بلؤم:
-وبما إنك كشفتني، فانا كمان كشفاك.
ارتفع حاجباه بغرابة من عبارتها الأخيرة، وسريعًا ما استفهم في تحير:
-قصدك إيه؟
أنزلت الكوب عن فمها، وبعدما ابتلعت، ولعقت شفتيها بحركة متريثة، وضحت له مقصدها الخبيث:
-اللي خلاك شايف إني انا اللي رفعت الاخبار دي مش حد تاني، رغم إن محدش يعرف الأخبار دي غير تلاته، توفيق وكمال وعاصم، وكمال مات، وعاصم مش هيفضح نفسه، يبقى مفيش قدامنا غير توفيق..
استبقى عليها عينيه التي اعتراهما القليل من التوتر -الذي يحاول جاهدًا إخفائه خلف قناع الهدوء- وهي تمد يدها ملتقطة علبة سجائرها، والقداحة من داخل حقيبتها، وبعدما أشعلت واحدةً، وسحبت منها نفسًا عميقًا، لفظته على مهلٍ، أكملت استرسالًا:
-وبما إن شكك مراحش ناحيته، فده معناه إنك عارف إن مش توفيق اللي رفع، وده يثبت حاجة واحدة..
توقفت عمدًا عن المتابعة، وبسبابتها التي رفعتها مع تحديدها للشيء الوحيد المُثبت بديهيًا، أشارت عليه مُردفة بنبرة واثقة:
-إنك شغال معاه.
حافظ على ثباته، بالرغم من التلبك الذي داهمه، من احتمالية إشهارها لذلك الأمر كذلك، وأرجأ التعليق الأخير من قولها، راجًعا إلى بداية الحديث، وتسائل بهدوء:
-وانتي عارفة الاخبار دي منين؟
توسعت بسمتها، وبنفس النبرة المعتدة، قالت له:
-بما إنك مأنكرتش يبقى شكي في محله.
تنفس نفسًا سريعًا، زفره دفعة واحدة وهي يستقيم في جلسته، ثم سألها على نفس الشاكلة الهادئة المشوبة باللؤم المتبادل بينهما:
-فرضا إن كلامك صح، هيبقى ليا أسبابي، إيه بقى هي أسبابك في إنك تسوئي سمعة عاصم؟
لفظت نفسًا آخرًا من سيجارتها، وبوجه عبس قليلًا، أخبرته بفتور:
-عاصم زودها معايا الفترة الأخيرة، وأنا حابة اعلمه الدرس كويس.
زوى ما بين حاجبيه في عدم فهم، وسريعًا ما ردد باستغراب:
-مش فاهم، ومجاوبتنيش برضه على سؤالي، عرفتي الاخبار دي كلها منين؟
زفرت آخر نفسًا في سيجارتها، ثم أطفأتها في المنفضة الموضوع على الطاولة أمامها، وبغد صمت دام لثوانٍ، أردفت بجدية:
-أنا وعاصم كنا في ريلاشنشب أيام الجامعة، وانفصلنا قبل ما اسافر، أو بمعنى أصح هو كان سبب سفري.
سردت له بكلمات موجزة بعض التفاصيل الخاصة بعلاقتهما في أيام الصبا، وكيف انتهت، والأسباب التي كانت وراء انتهائها، ومن بين كل ذلك لم تنسَ إخباره بإن ما تعلمه، قلة قليلة منه علمته من "عاصم" بشكل تلقائي، حيث إنه كان قد قص عليها خلال ارتباطهما بصفتها حبيبته، بعض الأمور المقتضبة عن قضية والده، وبعدما انفصلا، وقبل سفرها، علمت كثيرًا من التفاصيل من والدها، الذي كان يعلم بدوره الأخبار الحصرية، والخفية في تلك القضية، من ابن خالته، المحامي الذي كان قد وكله "كمال" ليترافع في قضيته، والذى لدهائه وحنكته نجح فيمَ فشل فيه اثنين قبله، وهو تبرئته من جُنحته، وهو نفسه والد "كرم" الراحل، ولهذا إن كان قد تبرأ أمام الكثير، والكثير صدق في كونه مجني عليه، وليس جانيًا، كان يعلم والدها تمام العلم بأنه مجرمًا، ضحى بأرواح الكثير، في سبيل تكوين ثروة محرمة، دفع ثمنها الأبرياء، الذين تعاقروا أدويته الفاسدة، والقاتلة، مما تسبب في إمراضهم، وموتهم في نهاية حروبهم مع تلك الأمراض. أخرجت زفيرًا طويلًا بعدما انتهت، ثم قالت له:
-عشان كده في حاجات كتير أوي عرفاها عنه وعن باباه، وهو نفسه ميعرفش إن أنا عرفاها..
عادت البسمة الماكرة في الظهور على ثغرها، قبل أن تردد:
-وطبعا كل حاجة بنعرفها بيجيلها وقت نستغلها فيه كويس.
ضم شفتيه للحظة، ثم تكلم:
-بس مش شايفة إنك باللي عملتيه ده ضربتيه في مقتل.
ازداد اغترارها، وهي تعلق بصوت جمع بين العنجهية، والنقم:
-وده المطلوب، عاصم هان كرامتي قدام صحابي، ودي حاجة أنا مبسامحش فيها.
هز رأسه بإيماءة صغيرة، وفي تلك اللحظة، وبعدما علم ما كان يود علمه، رأى أن ينتقل للخطوة الثانية، وهي السبب الآخر في تلك المقابلة، ثبت نظره عليها ثم قال بتريث يحمل الغموض:
-طب حيث كده بقى، وبما إن اللعب بقى على المكشوف، فمش أنا اللي كشفتك.
عقدت جاجبيها في غرابة، وعلى الفور سألته:
-أمال مين؟
انشق جانب ثغره ببسمة ماكرة، ثم أخبرها بمَ لم يأتِ نهائيًا بفكرها:
-توفيق بيه.
❈-❈-❈
ولأن الإنسان يُولد مجبولًا على الخير، فإن بداخل كل شخص الخير دفينًا، مهما كثرت مساوئه، وشروره. لن تنكر أن ماضيها معه -منذ انتقلت للعيش في بيته- يتخلله بعض المواقف الدافئة، والحنونة من قبله، فقد كان رغم جموده، وبروده، يهتم لأمرها، حتى وإن كان اهتمامه بطريقة خاطئة، ومتجافية، ففي صغرها لم يكن ليتركها حزينة، منطوية على نفسها، وكأن رؤيتها على طور مغاير لطور جنونها، وحيويتها الدائمة كان يؤرق مضجعه، ويثير ضيقه، فكان بشتى الطرق يحاول إعادة رسم ابتسامتها على وجهها، والتهوين عليها، بأسلوبه الفاتر، الذي كانت تراه خالٍ من المشاعر، ولكنها حينها، لافتقادها لحنان والدها المتوفي، والذي تلاه بعد سنوات قليلة وفاة والدتها، كان يكفيها ذلك القدر الضئيل من الاكتراث، والمؤازرة.
وبصفتها شخص يتذكر المواقف الطيبة، والداعمة، رغم وجود السيئة، المتكررة، استرسلت جميع الذكريات الجميلة بينهما ل"زينة"، ومع كل موقف كانت تزداد بسمتها، وحماسها، وكأنما تستعيد الشعور بكل إحساس طيب خامرها وقتها، وظل ذلك حالها إلى اللحظة التي استفسرت "زينة" بنزق منها عن حمليها الأولين، حينها تبلدت ملامح "داليا"، واعتراها الشجن، وانطفأ الحماس في عينيها، وتبدل ببؤس عارم، وبعدما خيم الصمت بينهما، وسحبها في دواخله لعدة لحظات، عادت للتحدث ثانيةً بعد تنهيدة متحسرة، وحكت لها كل ما يخص تلك الفترة، وكيف تدحدر في تعامله، ومع مرور الوقت بينهما كان يزداد سوءً، وقسوة.
إلى الحين تتذكر اليوم الذي علمت فيه بحملها الأول، كانت مرهقة، والإعياء واضحًا عليها، وهو نفسه قد لاحظ ذلك الأمر، حتى أنه اكتفى في بادئ الأمر بالجلوس معها، والاستماع إلى ثرثرتها. في تلك الفترة كانت ما تزال ببيتهم، لم تنتقل بعد للعيش بمفردها، حيث إن والدته لم تكن بدأت في رحلة علاجها بالخارج، ولم تبقَ هي بمفردها مع والده، الذي كان يعاملها كأنها دخيلة على حياتهم، فقد كان لا يرأف بكونها فتاة فقدت كلا أبويها في سنٍ صغيرة، بل كانت شتى تصرفاته الموجهة لها معبأة بأسلوب مهاجم، ومقلل على الدوام، وازداد في بأسه، وطغى حينما فرغ البيت من خالتها وابنها، وهذا السبب الرئيسي الذي جعلها تقبل على خطوة الانتقال.
ذلك اليوم، كان البيت خاليًا من وجود كل من خالتها وزوجها، و"عاصم" لكونه سريع التجاوب مع المغريات المحفزة، لم يتحكم في رغبته التي ثارت، وتأججت، من ميوعتها التلقائية، وعندما ترك العنان لغرائزه، بدأت في الشعور بالخدر يسري في جسدها، حتى فقدت كامل وعيها. وقتها فاقت على صوتين رجوليين، أحدهما كان ل"عاصم"، والآخر كان لشخصٍ لم تتعرف على صوته، في البداية كان من الصعب عليها التركيز فيما يقولاها، ولكنها شيئًا فشيء تداركت ما حل بها، واستعادت وعيها تدريجيًا، وبدأت تنتبه مع صحوتها إلى ما يفعله الرجل الآخر، الذي استنبطت أنه طبيب، وقد أحضره "عاصم" لفحصها، عندما أغمى عليها، وأول ما التقطته أذناها وهي مستلقية على السرير، كان صوت "عاصم" المُتسائل بقلق:
-مالها؟ حصلها إيه؟
رأت بعينين شبه مفتوحتين نظرة الطبيب المحتقنة الذي حدج "عاصم" بها، ثم سحبه من ذراعه لمسافة عدة خطوات منها، وزجره بصوت رغم قوته كان خافتًا:
-هي وصلت لكده يا عاصم! بنت خالتك، البنت الصغيرة اليتيمة.
تظاهر "عاصم" بعدم الفهم، وسأله ببرود مشوب بالضيق لطريقته المتجاوزة:
-انت بتتكلم عن إيه؟
رفع حاجبيه بحركة مستهجنة، كونه هو من أحضره لفحصها، مع علمه التام بتخصصه، وما فعله هو بها، ثم هدر بصوت على وانفعل:
-بتكلم عن إيه؟ كمان هتستعبط! ده بدل ماتحميها، انت اللي تعمل فيها كده.
حينئذٍ لم يتحمل "عاصم" ضغطه على أعصابه، وزعق به بصبر نافذ:
-خلص يا سامح، أنا مش طايق نفسي، عندها إيه؟
سحب الطبيب "سامح" نفسًا مطولًا، كان يثبط من خلاله هياج أعصابه الواضح، وببسمة يظهر بها نقمه، أخبره بلهجة متهكمة:
-مبروك، بنت خالتك حامل..
وقع ذلك الخبر على سمعه كوقوع الصاعقة، فقد تصنم في موضعه، واتسعت عيناه بصدمة شديدة، وبدا كمن أُلجم عن الرد، في حين لم يعبأ الآخر بمعالم الصدمة البادية عليها، وتابع بنفس النبرة الهازئة:
-شوف بقى هتتصرف ازاي في المصيبة دي، بنت قاصر وحامل منك.
عقله عجز عن استيعاب حجم الكارثة، التي حلت على رأسه، ورأسها من قبله، ولوهلة أدرك أن غرائزة هي من أوصلتهما إلى ذلك الحد، الذي سينجم عنه تدمير مستقبلها، رفع يديه وضغط بهما على رأسه، وهو يشعر بالتخبط، والتشتت، وصخب من الأفكار تدوي كالأعصار في عقله، ولكنه سريعًا ما فاق من صدمته، خاصةً عندما رأى الآخر يلملم أشيائه، شارعًا في المغادرة، وقتئذٍ أمسك به من ذراعه، وهتف بجمود يحمل بين طياته الاستجداء:
-انت هتخرجني من المصيبة دي.
نزع "سامح" ذراعه من قبضته، ودمدم في رفض قاطع:
-لأ انا مش هعمل أي حاجة، أنا مليش في الشغل ده وانت عارف كده كويس، أنا أخري معاك بحكم العشرة اللي بينا إني اعالج الستات اللي بتخرج من تحت إيدك خلصانة ومفيش فيها حتة سليمة، إنما عمليات إجهاض، ولبنت في سن داليا، لأ يا عاصم.
رأى أن الأسلوب الآمر لن يجدي نفعًا منه، خاصة أنه يطالبه بفعل شيء مخالف لمبادئه، مما جعله يلجأ لأسلوب آخر، وبطريقة لئيمة، مستعطفة، قال له:
-انت هتنقذ بنت من الفضيحة، داليا عندها ستاشر سنة، لسه في الثانوي، هتتفصل من المدرسة وهتتفضح وسط زمايلها، مهنتك برضه مش بتحتم عليك تنقذها؟
خبا تمامًا تحفز "سامح"، وآثر الصمت، ليدرك "عاصم" من هيئته، أنه يستعرض ما قاله في عقله، وقبل أن يزيد في إلحاحه، ويطنب بالمزيد، كان قد حسم الآخر أمره، وأخبره مكرهًا:
-ماشي يا عاصم، هعملها العملية..
تنفس "عاصم" الصعداء، وارتخت ملامحه، وعندما لاحظ الآخر ما طرأ في خلال لحظة على قسمات وجهه، حتى عاجله مضيفًا بامتعاض حانق:
-وده مش عشانك، ده عشان انقذ مستقبلها اللي انت بقلة ضميرك وشهونيتك ضيعته، بس ده أخري معاك، بعد كده ابقى شوفلك حد غيري يلملم من وراك.
تحدَّرت الدموع من عينيها وهي مولية ظهرها لهما، وغريزيًا وضعت يدها فوق بطنها، تستشعر نبض جنينها، الذي ستُحرم منه قصرًا، وتعسفًا. ومع استعادتها لتلك الذكرى، وقصها، كان الدمع يُسال من عينيها، فرغم تعويض المولى لها بوليديها، إلا أنها ما تزال متحسرة على فقد ذلك الجنين، فهو أول من حملته في رحمها. تنفست نفسًا عميقًا، حتى تقتل غصة البكاء في حلقها، وتعود إلى سرد الجزء المنتقص، والخاص بحملها التالي ل"زينة"، التي لاح الندم فوق وجهها، من تساؤلها من البداية عن ذينك الجنينين، لما تسبب في فتح جراحها القديمة مجددًا، وحاولت منعها عن المتابعة، إلا أن الأخرى استمرت في الحديث، وإخراج ما بجعبتها.
لم تفكر كثيرًا في توقيت علمها بذلك الحمل، فقد كانت حينها تمر بظروف نفسية سيئة، لابتعاد "عاصم" عنها، بسبب سفره من ناحية، ومن ناحية أخرى كان يمتنع عن مخابرتها، أو الرد على رسائلها، مما جعلها تفقد شهيتها، وتذبل كوردة لم تروى لأيام طوال، حتى فقدت رونقها وجمالها، وتسبب ذلك في ضعفها، وعندما مر شهران متتاليان لم تأتِها دورتها الشهرية، ظنت أن الأمر عائدًا إلى حالة الضعف العام التي استبدت بها، وفي تلك الأثناء قررت زيارة الطبيب، لفحصها، ووصفه دواءً ينظم دورتها، ولكن ما علمته في تلك الزيارة كان كفيلًا بجعلها تدخل في حالة صدمة نفسية، فقد علمت من الطبيب بأن سبب التأخير لم يكن لضعفها، وإنما لحملها.
ولعلمها بأن "عاصم" لن يقبل بأن يتركه، ظلت لليالٍ طويلة تبكي على خسارته الحتمية، فقد أرادت بشدة الاحتفاظ به، حتى إنها أرجأت إخباره، لكي تفكر في حلٍ يجعلها تبقيه، ولكن دائمًا ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ، تفاجأت في يوم عند فتحها لباب الشقة بوجود "عاصم" أمامها، قد عاد من سفره بشكل عاجل، وذلك عندما أبلغه "سامح" بتلقائية منه، مستفسرًا عن قرارهما حيال إبقاء الجنين من عدمه، لإنه كلما طالت مدة الحمل، كلما كان الخطر أكبر على الأم إن خضعت للإجهاض. هاج وماج أمام ناظريها، وظلت هي متكومة على نفسها على الأريكة، ينبجس الخوف من عينيها، ويرتعش جسدها، ويرتجف مع كل حركة انفعالية منه، ورغم ملاحظته لارتعابها، إلا أنه لم يأخذه بها شفقة، ودنا منها وهو يصرخ بعصبية شديد:
-حامل تاني؟ تاني يا داليا؟
لم يتوقف انهمار دموعها، وهي تحاول التبرير بصوت متقطع:
-يا عاصم..
لم يدع لها أي فرصة للتحدث، وأمسكها من ذراعها، ساحبًا إياها من فوق الأريكة، وأمرها بخشونة مخيفة:
-قومي البسي.
حدقت به بنظرة مرتعدة، كأنما فطنت لما يريده، وعلى الفور سألته:
-هنروح فين؟
بدون رحمة، أو شفقة، قال لها بزئير غاضب:
-هتروحي تنزلي الزفت ده.
دب الخوف في قلبها، وأخذ في النبض بتلاحق شديد، وعلى الفور أمسكت بيده تستعطفة بتوسل باكٍ:
-لأ بليز، عشان خاطري يا عاصم خليه أنا عيزاه.
اعتلى الاستنكار وجهه، وسريعًا ما صاح مستهجنًا بوجه مشدود:
-انتي اتجننتي ولا إيه، أخلي إيه، ده انتي لسه مكملتيش التمنتاشر سنة، عارفة لو حد من صحابك عرف هيبقى شكلك إيه، ولا لو مدرستك شمت خبر بس إيه اللي هيحصل؟
هتفت على عجل بنفس الطريقة الراجية، والدموع تتسابق في الانسياب من عينيها:
-مش فارق معايا شكلي قدام صحابي، ولا عايز اروح المدرسة تاني، بس وافق إني اخليه عشان خاطري.
حينئذ فقد كامل القدرة على التحكم بأعصابه، وهدر بانفعال حازم:
-داليا انا مش عايز فلقة دماغ، كلامي يتسمع، البيبي ده هينزل، والنهارده، وإلا انتي عارفة رد فعلي هيبقى عامل ازاي.
ناظرته بقلة حيلة، وانكسار بالغ، بينما هو لم ينتابه أي عطف حيالها، وبمنتهى الظلم، والاستبداد، أمرها بغلظة:
-يلا روحي البسي.
النظرات الصارمة، والشرسة التي كان يرسلها لها وقتها، تشكلت أمام ناظريها الحين، لتشعرها غريزيًا بالرهبة، الذي نجم عنها تلقائيًا ارتجاف سرى على طول جسدها، بالرغم من اعتدال الطقس، وشعورها بالدفء، وبعدما أتمت حديثها، بدأت تحتضن نفسها بذراعيها، لتوقف اهتزاز جسدها، مما جعل "زينة" تشعر بالأسى عليها، وعلى الفور اقتربت لإحاطة ظهرها بذراعها، وتمسح بالأخر على طول ذراعها، لتمدها بالدعم الذي تحتاجه، حتى تهدئ من اضطرابها، وتبث بداخلها شعور الأمان الذي تفتقده، خاصة مع قصها لأكثر المواقف التي مرت بها في حياتها قسوةً، وما هي إلا عدة دقائق وهدأت شيئًا فشيء، حينئذٍ أرادت "زينة" أن تتحدث معها فيمَ اتفقت مع زوجها عليه، وهو محاولة ترقيق قلبها نحو زوجها، خاصة وأنها يريان عليه تغييرًا كبيرًا في شخصيته، ويشهدان على ندمه الحقيقي، وحبه الواضح لها. ضمت شفتيها لبعض اللحظات، بينما ترتب الكلمات في رأسها، وعندما وجدت البداية المناسبة، أردفت بهدوء،
-أنا عارفة إن عاصم أذاكي، وليكي حق متسامحيهوش..
قطعت حديثها عمدًا، حتى تسترعي انتباهها، ثم تابعت بنفس النبرة الهادئة، الحذرة:
-بس هو شكله بيحبك بجد ومش قادر يعيش فعلا من غيرك.
وقتئذ رفعت "داليا" جسدها عنها، وتشكل على محياها الجزع من تكرار نفس الكلمات، التي سبق وقد سمعتها منه، وفي نفس اللحظة انزلت "زينة" ذراعها التي كانت تحيطها به، وتابعت:
-ادي لنفسك وليه فرصة، وارجعيله المرادي..
قاطعتها قبل ان تتم عبارتها، مرددة برفض قاطع، بصوت بدا مذعورًا:
-مش هقدر..
قبل أن تحاول "زينة" الاطناب بالمزيد، لجعلها تعدل عن قرارها، سارعت الأخرى في التحدث مضيفة:
-على الأقل دلوقتي، أنا محتاجة افضل بعيدة، لأمتى، وهل هقدر ارجع تاني بجد مش عارفة.
ناظرتها بنظرة متحيرة، فلم تعد تفهم حقيقة مشاعرها نحوه، ضيقت عينيها وهي تسألها باستشفاف:
-انتي معدتيش بتحبيه؟
تساؤلها في ذلك الوقت، فاق في صعوبته المعادلة الكيميائية المعقدة، فقد تشتت نظرها، وعجز لسانها عن وصف ما بداخلها له، ولم تجد بعد عدة لحظات -كانت تحاول خلالهم التحدث لأكثر من مرة- غير أن زفرت باختناق، ورددت:
-معرفش يا زينة، أنا مبقتش عارفة حاجة، ولا بقيت فاهمة نفسي.
وضعت وجهها براحتي يديها وهي تتنهد، ثم رفعتهما نحو شعرها تعيده للخلف، وأضافت بتخبط:
-بيوحشني.. مش هنكر إنه بيوحشني أوي، وببقى عايزه أوقات ارجعله، بس لما بييجي وبشوفه قدامي ببقى مش طايقاه.
عندما لاحظت "زينة" رغبتها في إخراج ما جعبتها، تركتها دون أي أن تقاطعها، وأنصتت لها باهتمام، وهي تكمل على نفس المنوال المشتت:
-من جوايا عايزه اسامحه، وانسى كل حاجة وحشة حصلت منه، بس لما برجع افتكر كل اللي عمله فيا بقرف منه ومن نفسي معاه.
اعترى وجهها تعبيرات بائسة، وهي تتابع بأسى:
-أنا اللي سمحت ليه من الأول إنه يئذيني، وانا اللي سامحت في كل مرة ذلني.
حينها لم تستطع "زينة" إيثار الصمت، وهتفت بدفاع صادق لما تراه حقًا عليه:
-بس عاصم اتغير عشانك.
تعقدت ملامحها وهي تعلق بغير تصديق:
-مش قادرة أصدق ولا قادرة اثق فيه، كزا مرة وعدني، وكزا مرة بين ندمه، حتى إنه الفترة الأخيرة كان بيقول إنه اتغير عشاني، وبعدها عمل إيه.. خاني.
آخر كلمة تفوهت بها كانت تقطر قهرًا، مع تلك الملامح الشجية التي تعبر عما تضمره داخلها، ويضنيها. في تلك اللحظة لم تجد "زينة" ما يُقال، خاصة وأنها لا تعلم حقيقة ما حدث تلك الليلة، ولا تدري أيًا منهما الصادق، ولكنها استمرت في دفاعها عن الآخر، حتى تجعل قلبها يلين من ناحيته، مرددة باندفاع:
-بس عاصم بيقول..
قاطعتها "داليا" عن الحديث مجددا، متابعة فيما كانت على مقربة من قوله، بطريقة مكذبة:
-إنه مخانيش! طب بالنسبة لإني شوفته بعيني، هكدب عيني واصدق كلامه؟
لم تجد "زينة" ردًا تبرر به موقفه، فهي لم تشهد الأمر، ولا يسعها تكذيبها في شيء رأته بعينيها، لذلك التزمت الصمت، في حين أطنب الأخرى بصوت معبأ بالبؤس:
-كان ممكن الأول على فكرة اصدق، واديله كمان مبررات عشان يفضل معايا، بس انا استحملت كتير أوي، وكنت فاكرة إنه في الآخر هيقدر وهيبقى ليا لواحدي.
ظلت "زينة" على انصاتها الصامت، وهي تكمل بحزن:
-بس اكتشفت العكس، أي حاجة بعملها مش بلاقي عليها تقدير منه، وفي ثانية بيرجع يئذيني ويوجع قلبي، وكأن بالنسباله شيء عادي، لدرجة إن وصلت إن بقى خوفي من حياتي معاه بقى أقوى من إني مش قادرة اعيش من غيره، وخلاني خايفة اعيش معاه تاني.
غامت حدقتيها خلف سحابة من الدموع الحارقة، وهي تضيف بضعف:
-صدقيني أنا ماوصلتش معاه للحالة دي بالساهل، هو السبب، هو اللي قسى عليا كتير، هو اللي ذلني وكذب عليا، وخاني كتير، كان بيتفنن في إنه يعرفني إنه هيروح لغيري عشان يثبتلي إني مش فارقة معاه.
خنقت غصة بكتء مريرة تكونت بحلقها، ثم أخبرتها بانكسار:
-على فكرة انا متصدمتش من خيانته الأخيرة، لإنها مش اول مرة، لكن اتوجعت لإنها جيت في وقت كان المفروض إننا كويسين مع بعض، جيت في وقت متجوزين فيه، ومعانا ولدين، وحامل في ابنه التالت، وجعتني عشان شوفتها بعيني مع واحدة عارفة إنه كان بيحبها، مش زي أي واحدة قابلها وهو سكران في night club وقال يكمل ليلته معاها، مايجيش يلومني على اللي بعمله دلوقتي وهو اللي علمهوني.
انسابت العبرات من عينيها، وبصوت اصبح منتحبًا قالت:
-أنا لما لقيت معادش أمل من حياتي معاها، ولا من الفرص اللي بديهاله، قررت أهرب، ألحق نفسي واللي باقي منها بدل ما ابقى صورة من مامته.
بللت شفتيها وهي تحاول التماسك، ثم أكملت بشجن بالغ:
-ست عاشت تحت رجلين راجل مبيحبهاش، عشان هي بتحبه وعشان تربي ابنها بينهم، اللي هو برضه مقدرش اللي أمه بتتحمله عشانه ومشى بدماغ أبوه، ووسطهم هما الاتنين اتمرضت لحد ماماتت، وأنا مش هسمح لنفسي إني أبقى زيها، ولا هسمح إن ولادي يبقوا زي عاصم.
من قولها الأخير ظنت "زينة" أنها تفكر في حرمانه من طفليه، وسريعًا ما استفسرت منها بريبة:
-يعني انتي هتحرميه منهم؟
شعرت من جملتها بوخزة في صدرها، فهي يستحيل أن تجعل أولادها يلقون نفس معاناتها بحرمانها من أبيها، وعلى الفور هزت رأسها بالسلب، وأخبرتها:
-مقدرش اعمل كده، ييجي براحته يشوفهم زي ما هو بيشوفهم طول الفترة اللي فاتت، بس مش هيعيشوا معاه، هيفضلوا معايا وفي حضني، أنا اللي هربيهم واعلمهم وانتوا كمان معايا.
امتلأت عيناها بالحزن وأكملت بحرقة وألم:
-لكن عاصم مينفعش يربيهم ولا يعلمهم حاجة، أنا مش هقبل يطلعوا ظالمين ومؤذيين زيه، ويكرهوه زي ماهو بيكره ابوه، ويكرهوني معاه عشان سيبتهم ليه.
من بعد آخر ما فاهت به وقد خيم الصمت بينهما، فلا "زينة" تجد من الكلام المواسي ما يُقال، ولا "داليا" تجد بين كل ما انتوت فعله راحة البال، وفي خضم ذلك لم ينتبه أي منهما لوقوف "عاصم" بالقرب من باب الغرفة الماكثين بها، ولاستماعه للحديث من بدايته، وبالطبع لم ترَ واحدة منهما ما تشكل على وجهه.
❈-❈-❈
كعادته التي استمر عليها الايام المنصرمة، أتى اليوم بحجته المعروفة، ولكن كان الاختلاف الوحيد أن أخاه قد أتى رفقته، وذلك حتى يأخذ زوجته، وبينما هو على مشارف دخول الغرفة لها، استمع إلى كل ما قالته، والمؤسف أنه لم يستمع إلى الجزء اللطيف التي حكته عمَ مضى من حياتهما. ابتعد عن الباب بخطى متمهلة، حتى لا تشعر به من الداخل، وبعدما ابتعد ووصل إلى صالة المنزل، رفع يديه فاركًا رأسه بحركة منفعلة، وخلفه "عز الدين"، يتابعه بعينين تحملان الأسف، فهو كذلك قد استمع لما قيل، عندما استوقفه "عاصم" عن التحرك أو الحديث، حتى يتسنى له معرفة ما تضمره له داخلها، ويا ليته لم يعلم. التف له وعلى وجهه أمارات الألم، قائلًا باستنكار مشوب بالجزع:
-هي ليه مش عايزه تصدق إني اتغيرت، ليه مصرة تحتفظ ليا بصورة الشيطان في دماغها؟
تقدم منه وهتف بهدوء مبررًا لها:
-اعذرها يا عاصم، طول حياتها معاك مشافتش منك حاجة كويسة تشفعلك عندها.
رفع حاجبيه بحركة مذهولة وردد بلمحة من التهكم:
-بعد كل ده مشافتش مني حاجة كويسة تشفعلي عندها!
ضم "عز الدين" فمه، فلا يجد ما يعقب به، في حين حرك "عاصم" وجهه بإيماءة بسيطة ثم قال بنبرة فاترة، فاقدة لكل معاني الحياة:
-الظاهر كده موتي هو الحاجة الوحيدة اللي هتشفعلي عندها، ووقتها بس ممكن تسامحني.
آلمه قلبه مع ذكرة لسيرة الموت، بينما تابع "عاصم" بأسى شديد، وعينين ظهر بهما لمعة دموعه الحبيسة:
-ومش هيبقى عشاني برضه، هيبقى عشان ربنا، وعشان ميجمعناش حساب في الآخرة.
تهيأ في التحرك وهو يطنب باختناق ووجه مبهوت:
-خليها تدعي إني اموت، يمكن ربنا يستجيب منها وتخلص مني، عشان حتى الانتحار مش هقدر عليه.
بدأ في السير على فور انتهائه نحو الخارج، وأغلق الباب من ورائه، فحجم المعاناة القابعة بأعماقه لن يقدر أن يهونها أحد، ولا حتى هو يرى لكل تلك الآلام نهاية أو أمد.