غِنى بيجاد رواية جديدة بقلم سيلا وليد - الفصل 23
رواية ونوفيلا جديدة بقلم سيلا وليد
تنشر حصريًا على مدونة رواية و حكاية
غِنى بيجاد
نوفيلا جديدة بقلم سيلا وليد
الحب دون اهتمام ليس حب
الحب دون اسعادك لحبيبك ليس حب
الحب دون تقربك وايجاد وقت لحبيبك ليس حب
الحب آمان واهتمام ودفئ وسعادة قبل القُبلة والأحضان
راحة الروح تلزمها راحة القلب
وراحة القلب لا تتحقق سوى جوار الحبيب
بل لا تنتظم دقاته سوى بقربه
أحتَاجُك كيّ أعبُر الطريق؛ لستُ ضرِيرًا ولكِّني مُستوحِش، وهذَا الدربُ مُعتِم.
❈-❈-❈
وصل جواد على صراخ غزل لبيجاد
- "اطلب عربية إسعاف ولا شلها ننزل بيها مستشفى محتاجة عناية مركزة يابيجاد فورا مفيش نفس
وقف جواد مصدوما من مظهر ابنته التي يضمها زوجها بأحضانه.. تحرك بخطوات بطيئة ينظر لزوجته التي تحاول إنعاش قلبها الذي توقف ولا تعلم لماذا... مرت قرابة الدقيقتين وهي تحاول وبيدين مرتعشتين ودموع تنسدل بغزارة.... توقف بيجاد بها لكن فجأة اعاد نبضها مرة آخرى
دقائق كانت كفيلة لموت أحدهما... جلس جواد على الفراش عندما لم يستطع الوقوف، ولم يلاحظ أحدا وجوده سوى رُبى التي وصلت على صياح والدتها
اتجهت ربى لوالدتها التي كانت تعدل من وضعية إبنتها... فجأة أحست بإنقباض شديد في قلبها يكاد يمزقها من الألم.. جلست على الفراش وهي تحمد ربها أن أبنتها اعيدت للحياة مرة آخرى
انتبهت لحديث ربى مع والدها
- " بابي حضرتك كويس"
أومأ برأسه دون حديث... ثم نهض لأبنته التي فتحت عيناها المتورمة بتعبا توزع نظراتها بينهم.. ثم أردفت بشفتين مرتعشتين
- "بابا" قالتها ثم أغمضت عيناها مرة أخرى... قبل جواد جبينها
- فداكي بابا ياروح بابا... ارتاحي حبيبتي.. ربنا يشفيكي ويعفو عنك يانور عيني
اتجه ينظر لغزل الذي ارتعش جسدها بالكامل ودموعها تتساقط بغزارة.. بينما بيجاد الصامت الذي جلس يضم زوجته.. ووجهه عبارة عن لوحة فنية من الألم والوجع الشديد
أطبق جفنيه بألما.. يحاول أن يتناسى تلك اللحظات الذي مرت عليه كأنها أعوام
جلس جواد يضم غزل لأحضانه ولم يكن حاله يختلف عنهما
- غزل إيه اللي حصل للبنت.. هي مش كانت تمام.. إيه اللي وصلها لكدا
ابتعدت عن أحصانه تمسح دموعها براحتيها محاولة تهدئة نبضاتها التي تدق بعنف وتسببت في سلب أنفاسها
جلست محاولة التنفس والأستعداد لما ستقوله فالوضع لم يعد الأختباء خاصة على زوجها
أسبلت جفنيها تنظر للأسفل هاربة من نظرات زوجها ثم تحدثت قائلة بألم
- جواد البنت لازم تعمل عملية في أقرب وقت.. المرض خرج عن السيطرة.. أنا عملت تحاليل وابحاث عن كدا بقالي فترة بتواصل مع كذا طبيب من أنحاء الجنسيات... واللي كنت خايفة منه حصل توقف قلبها دا مؤشر مش كويس.. غير فقدانها للوعي ونزيفها..
جواد البنت دخلت المرحلة التالتة من المرض... يعني لو دخلت الرابعة يبقى كدا خلاص
رفعت نظرها إليه ودموعها تنذرف بقوة
- خايفة المرض يكون له نواتج في أماكن تانية ياجواد.. لو معملناش العملية البنت هتموت مننا... قالتها بصوتا باكي مما جعل جواد ينظر لمقلتيها مذهولا... وكأنه لم يفهم ماقالته
ضم كفيها بين راحتيه ورفع نظره إليها
- زوزو مش هي كانت بتاخد كيماوي عشان يخفف حدة المرض دا.. ليه بتقولي ممكن يكون انتشر في أماكن تانية... هو الكيماوي مش بيموت الخلايا الخبيثة دي... إزاي المرض انتشر، يعني ممكن يكون عندها غير لوكيميا... هزت رأسها برفض
- مش دا اللي اقصده، أنا اقصد المرض أخد جزء كبير، يعني الكيماوي مش هيعمل حاجة غير وجع بس... أنا عملت تحاليل لجاسر من فترة قبل ماابعت تحاليلها لاني كنت شاكة بسبب اعراضها
المشكلة كمان إن نسبة نجاح العملية مايوصلش عشرين بالمية حتى.... ممكن تموت فيها بسب المناعة والضغط اللي بدأ يعلى بصورة ملحوظة
انتفض جواد بذعر وتسائل
- إنتِ قصدك إنها ممكن تموت في العملية..
تصلب جسده وشعور بتوقف نبضه
رفع نظره اليها ليتأكد مما إستمع إليه
نكست رأسها أسفا وقالت بألما يعتصر ماتبقى من روحها المتألمة
- للأسف احتمال كبير نخسرها
آآه حارقة خرجت من جوفه.. يتبعها أنين شديد وهو يهز رأسه رافضا حديثها
كان يستمع اليهما بصمت... بينما رُبى التي جلست بجوارها تبكي بنشيج على أختها رفعت يديها تمسد على خصلاتها التي بدأت بالتلاشي.. ثم انخفضت تطبع قبلة على جبينها..
اتجه بنظره لبيجاد الذي يجلس كأن على رأسه الطير ينظر في نقطة وهمية.. لم تظهر على وجهه أي تعابير... رغم الحزن البادي بعينيه ولكنه لم يظهر ردة فعل.. لا يشعر به أحدا.. فروحه تحترق بنيران تكاد تلتهما بشدة
- رُبى تعالي سيبي اختك ترتاح.. قالها جواد وهو يتحرك بتخبط للخارج وحالة بيجاد لم تغب عن خاطره... علم إنه سيدبر أمرا ولكن لم يستطع الوصول لشيئا
عند ريان ونغم قبل ساعات
وصل كلا من ريان ونغم.. كان مالك وحمزة بغرفة الرياضة بينما ياسمينا تجلس أمام التلفاز ولكنها مازالت حزينة متألمة منذ أن تركها أوس... تذكرت آخر حديث بينهما
- "أوس" أنا تعبت.. كفاية مش قادرة استحمل طريقتك دي
-يعني إيه؟ تسائل بها أوس
زفرت بغضب وصاحت بوجهه
- طريقتك دي بقت صعبة معنتش قادرة أستحملها
رفع سبابته دون النظر إليها ثم تحدث بهدوء رغم نيران قلبه
- تمام ياياسمينا فهمت.. هوصلك لعند باباكي.. مينفعش انزلك من العربية.. وانسي إنك قابلتيني في يوم من الأيام
هزة قوية أصابت جسدها.. رفعت بصرها لوجهه الذي كان عبارة عن كتلة نيران من ملامحه الصارمة.. حاولت بلع ريقها الذي جف بسبب قسوة حديثه.. اعتقدت إنه يعشقها وانه سيحاول أن يغير من نفسه
مدت يديها على ذراعيه بهدوء عندما تجمعت الدموع بعينيها
- أوس إيه اللي بتقوله دا.. عايز تسبني، عايز تبعد عن ياسمينا
رمقها بغضب ممزوج بالعتاب نافضا ذراعه الذي امتدت لتلمسه
- ابعدي عني.. أنا واحد مريض وهتعبك وهخليكي تنقهر على نفسك أو يمكن أكون متخلف عشان بغير عليكي
هزت رأسها رافضة حديثه
- أنا مقولتش كدا.. إنت ليه بتقول كدا
توقف فجأة بالسيارة مما ارتطدم جسدها بالامام... استدار ينظر إليها ويصيح بوجهها
- إنتِ عايزة إيه بالضبط.. بتغطي عليا ليه.. عشان عارفة أنا بحبك وبموت فيكي.. ضرب على قلبه واحتدت نظراته ولم يشعر بنفسه الا وهو يصرخ كالمجنون
- أنا هفضل كدا، تقولي مجنون، مريض.. قولي اللي تقوليه ومش هتغير.. رفع سبابته وأكمل مستطردا
- اوعي خيالك يفكرلك عشان بحبك أتنازل عن رجولتي وأبقى ديوث واسيبك تضحكي مع دا شوية وتكلمي دا شوية وحضن دا شوية
صفعة قوية على وجهه مما جعلته مذهولا لما فعلته.. وضع يديه على وجنته يتحسسها من الألم مصعوقا مما فعلته به
هزت رأسها رافضة مافعلته حاولت التحدث وكأن حروفها هربت ولم تقو على الحديث... استدار وقام بتشغيل محرك السيارة دون حديث أو حتى النظر إليها.. وصل في غصون دقائق لمنزلها.. أوقف السيارة ونظر للخارج منتظرا نزولها.. ولكن ظلت كما هي فقط تبكي على ماوصلا إليه
ارتعشت شفتيها وتحدثت
- "أوس" ممكن تسمعني... ظل صامتا وجسده متصلب جامدا.. كأنه لم يستمع إليها.. أعادت ندائه مرة آخرى ولكنه ترجل من السيارة مستديرا اتجاهها ثم قام بفتح الباب
- إنزلي لو سمحتي عندي مشوار وهتأخر..
رفعت تنظر اليه علها تجد في نظرته رصاصة رحمة بقلبها الضعيف.. ولكن اتجه بنظره بعيدا عن مرمى عيناه
رفعت يديها وأمسكت كفيه الذي يستند بهما على باب السيارة برفق قائلة بخفوت
- "أنا آسفة"
ابتسم بحزن ينظر إليها ويمسح دموعها العالقة بين أهدابها الكثيفة
- أنا اللي آسف ياياسمين.. آسف إني وجعتك بكلامي وتعبتك معايا... آسف اني شغلت تفكيرك وممكن يكون شغلت قلبك شوية
ترجلت من السيارة تنظر إليه بحزن وامسكت كفيه
- أيه اللي بتقوله دا ياأوس.. إنت بتتأسف على حبك ليا..
سحب كفيه بهدوء.. راجعا بخطواته للخلف
- اتمنى لك السعادة من كل قلبي.. قالها متحركا سريعا لسيارته
- " أوس " كررتها عدة مرات ولكنه قد غادر بسيارته بسرعة فائقة... أدت إلى أنهيارها بالكامل
خرجت من شرودها عندما وصل ريان وضمها لأحضانه يقبل رأسها
- حبيبة بابي عاملة إيه النهارده
رسمت إبتسامة على وجهها واردفت
- كويسة حبيبي...محستش بيكوا وصلتوا إمتى
جذبها واطلق ضحكة ينظر لنغم
- دا الحب عامل عمايله ومخلي امورتي متحسش ببابها...وضعت رأسها على كتفه علها تستمد منه راحة قلبها
رفع ذقنها ينظر لعيناها
- مالك حبيبة بابي ليه الحزن اللي في عيون أميرتي دا
نهضت نغم تمسك بكفي إبنتها تنظر لزوجها
- سيب بنتي أشبع منها ياريان..دايما تخطفها مني...قالتها عندما جذبتها واتجهت للاعلى حيث غرفة نغم
مسح ريان وجهه بغضب عندما وجد حالة ابنته وعلم أن اوس سبب حزنها...امسك هاتفه عله يخرج غضبه عليه
- إنت عملت إيه ياغبي تخلي بنتي منهارة كدا...قدامك عشر دقايق والاقيك قدامي..اصل قسما عظما ياأوس هجيلك واكسر دماغك...انت..قاطع حديثه عندما استمع صياح ياسين
- جاسر ازاي انضرب بالنار يااوس اخوك عامل إيه..وبابا فين
وقف ريان مذهولا وصاعقة ضربت جسده مما إستمع إليه وتحدث
- أوس جاسر مضروب بالنار... انتوا فين
تنهد بألما ثم تحدث بصوت مختنق
- إحنا في المستشفى ياعمو وجاسر في العمليات ومحدش طمنا
دلف جواد لغرفته ساحبا زوجته ثم جلس يتنهد بوجع... اتجهت غزل لتقوم بصلاة الضحى بينما جواد ارجع بجسده على الفراش يتذكر ليلته المأسوية
قبل عدة ساعات
كان يجلس أمام غرفة العمليات يضع راسه بين راحتيه عندما شعر بضربات عنيفة بصدره... جلس يدعو ربه بقلبه قبل لسانه... ربت باسم على ساقيه
- جواد ان شاء الله هيقوم بالسلامة.. خلي عندك يقين بالله.. بينما حازم وجواد وحازم وصهيب الذين يقفون أمام غرفة العمليات ينتظرون خروج أحدا من الداخل لتطمئن قلوبهم
اتجه حازم بنظره لجواد... أغمض عيناه حزنا وألما على ماأصابه.. دعى في سره
"اللهم اجرنا في مصيبتنا" تحرك متجها إليه...جثى على ركبتيه أمام جواد وتحدث
- "جواد" جاسر هيقوم بالسلامة...إنت واجهت مصاعب أكتر من كدا وعديتها...وإن شاءلله دي هتكون مجرد ذكرى وهنعدي كلنا منها
بقلب مفطور نظر لحازم وعيناه مغروقتين بالدموع
- تفتكر ياحازم جاسر هيقوم منها ولا هيكون مصيره زي خاله...هز حازم رأسه برفض ضامما جسده وانسدلت دموعه على ذكرى ذاك الشاب الذي اخُتطف غدرا
كأن التاريخ يعاد اليوم ولكن بأبشع لقلبه لما لا وهو قرة العين
رفع وجهه ينظر اليه مردفا بقوة
- إيه الضعف اللي وصلتله دا...فين ايمانك ياجواد...ياله قوم استنى ابنك هو هيخرج دلوقتي
قاطعهم خروج الطبيب
نهض متخبطا ينظر للطبيب عندما فقد الحركة...سانده عز الذي كان بحواره وقف ينتظر حديث الطبيب ويكاد قلبه يتوقف من الخوف...وقف صهيب أمامه
- "طمنا يادكتور إيه أخبار جاسر؟ "
رفع الطبيب الماسك من على وجهه ثم تحدث
- إحنا خرجنا الرصاصة وسيطرنا على النزيف الحمد لله لكن دا مايمنعش ان لسة فيه خطر على حياة المرض... وممكن يدخل في غيبوبة
هوى جواد بجسده على المقعد عندما فقد السيطرة على الحركة أو الكلام
وصل ريان في تلك الأثناء
- ايه ياجواد اللي سمعته دا.. جاسر انضرب بالنار.. طيب حالته ايه؟
لم يقو على الحديث...نظر إليه بتيه كأنه مشتت لا يشعر بما يحدث حوله...كان تفكيره منصبا على تلك المسكينة التي لم تعلم إلى آلان...كيف سيخبرها..كيف سيكون الخبر على قلبها النازف من الأوجاع
وصل جواد وجلس بجوار عمه...بينما سحب صهيب ريان من أمام جواد التائه الغائب الحاضر
مسد عز على كتف عمه وتحدث بحزن
- عمو جواد رُبى بتتصلي بيا بقالها كتير وأنا مش عارف أقولها ايه
هنا أفاق جواد ينظر إليه كالغريق وتحدث بتقطع
- بلاش تقولها حاجة يابني دلوقتي...غزل ممكن تروح فيها..اذا كان أنا مش متحمل الوجع دا..هي هتتحمله إزاي كفاية عليها غنى
قطب عز مابين حاجبيه متسائلا
- قصدك إيه ياعمو... هنفضل مخبين.. ودي حاجة تتخبى
وصل ريان وجلس بمقابلة جواد
- هيكون كويس إن شاءلله خلي عندك ثقة بربنا
أومأ برأسه ورجع يستند برأسه للخلف مغمضا عيناه.. جلس الجميع منتظرين إفاقة جاسر... مرت عدة ساعات بين التأهب لخبرا ما... قاطعهم رنين هاتف جواد
❈-❈-❈
- حبيبي اتأخرت كدا ليه أنا نمت وشبعت نوم وإنت لسة برة إيه هتبات عند باسم ولا إيه.. وبعدين أوس خرج وجاسر مرجعش ومعرفش ياجواد حاسة بإنقباض بقلبي... ارجع بقى عشان أنام في حضنك وارتاح من الوجع دا
كأن كلاماتها بنزينا اشعلت جسده نيران وانزلقت دموعه المحبوسة بين جفنيه... حاول الحديث ولكن كأن لسانه انعقد تمام... شعر به صهيب فأخذ هاتفه وحاول التخفيف بمزحه المعتاد
- زوزو أنا مش جواد... جواد راح يصطاد مع باسم وشكلنا هنسهر كلنا الليلة هنا... آسفين يازوزو.. بس رجالة العيلة كلها هنا حتى ريان... هيكون مش حلو لو جواد سابنا ومشي... يرضيكي جوزك يبقى شكله وحش قدامنا كدا.. يازوزو
ضحكت بنعومة رغم حزنها الداخلي وأردفت قائلة
- ماشي ياصهيب هصدقك.. قوله يطمني لما يرجع.. ثم صمتت للحظة وتسائلت
- هو جاسر معاكم... اصله المفروض يرجع ومرجعش... هنا انسدلت دمعة من عين صهيب ازالها سريعا وضحك بخفة علها تصدقه
- بقولك رجالة العيلة كلها يازوزو... يعني جاسر واوس وعز وحتى جبنا ياسين... حفلة بقى وكمان حازم وجواد ابنه هنا متخفيش على جوزك وولادك مفيش حد متجوز وعنده ولاد غيرك
مسحت على صدرها بهدوء واردفت
- تمام ياصهيب بس حاولوا متتأخروش.. وخلي بالك من جواد بقاله يومين ضغطه بيعلى وكمان دقات قلبه مش منتظمة متخلهوش يجري بالحصان كتير
آهة خرجت بنيران كلماتها التي شقته لنصفين نظر لأخيه الذي كان يطالعه بنظره بصمت... ربما فهمه من نظراته... هز رأسه صهيب عله يطمئنه أنه سيطر على الوضع
رجع جواد مغمضا عينيه داعيا ربه
- "ربي إني مغلوب فانتصر"
اشرق الفجر بنور ربه داعيا" حي على الصلاة حي على الفلاح"
الصلاة يامؤمنين... فأقرب مايكون العبد لربه وهو ساجدا... واياكم وترك الصلاة فهي الناجية المنجية من نيران جهنم.. واياكم وترك صلاة الفجر فيها بركة ونور
وبها ركعتين خير من الدنيا ومافيها... تحرك الجميع لقضاء الصلاة داعين المولى بشفاء قرة اعينهم.. سجد جواد باكيا يدعو ربه بقلبه ولسانه لشفاء قرة عيناه
يارب انك القائل ادعوني فاستجب لكم
-"اللهم إنّي أسألك أن تشفي ابني وأن تُبعد عنه كلّ مرضٍ ووجع. · اللهم اشفِ ابني شفاءً عاجلًا وامنحه الصحة والعافية. · اللهم إنّي أتوسّل إليك أن تكتب العافية والشفاء ..."
اللهم انه قطعه من قلبي فاحفظه بحفظك
اللهم لا تحرمنِ من قرة عيني "
اللهم اني استودعك إياه
اللهمّ إني استودعتك أبني وأستودعك صحته فاحفظه يا مَن لا تضيع ودائعه
جلس كعادته بعد صلاته يذكر ربه بدعواته
ثم نهض متجها للعناية يقف أمامه من خلال النافذة ينظر لجسده المسجى على الفراش لا حول له ولا قوة
اتجه حازم يقف بجواره يمسد على كتفه
- هيقوم بالسلامة إن شاء الله.. اكيد ربنا رحيم بينا وبقلوبنا... نظر إلى حازم وتحدث بصوت الاب المكلوم
- أصعب إحساس ممكن تحسه لما تشوف ابنك وبنتك بيتألموا قدامك وإنت مش قادر تعملهم حاجة.. عاجز بمعنى الكلمة ياحازم
اتجه بنظره لابنه وأكمل حديثه
- تعرف الشعور المميت إيه لما تحس إنك ممكن تدفن حد من ولادك بدل ماهم يدفنوك
ضمه حازم وهو يبكي بشهقات
- لا ياجواد متقولش كدا ياحبيبي... إن شاءلله جاسر هيقوم بالسلامة وغنى هتعمل العملية وتقوم بالسلامة.. ودا كله هيكون مجرد ذكريات مأسوية فقط
ربت جواد على كتفه ثم نظر إليه
- لازم أرجع البيت ساعتين وراجع أطمن على غزل والبنات.. ربى هتجنن مش مبطلة اتصلات على عز... هاخد عز معايا خلي بالك... صهيب نايم جوا مع جواد والولاد.. وريان روح بيته مفيش غيرك صاحي شوية وراجع
خرج جواد متجها لمنزله مع عز الذي توجه مع عمه لمنزله حتى يطمئن على محبوبة القلب... ولكن توقف عندما استمع لصرخات غزل باسم بيجاد... هنا اسرع جواد لغرفة ابنته بينما توقف عز بالأسفل ينتظر مايحدث
خرج جواد من شروده عندما وضعت غزل راسها على ساقيه
- جواد أنا قلبي واجعني أوي.. خايفة على غنى... مسد على خصلاتها منتبها لساعته التي مر اكثر من ساعتين... أغمض عيناه المتألمة ثم سحب كم من الهواء يشحن رئتيه المتألمة ثم زفره بهدوء ونظر لزوجته متحدثا بهدوء رغم وجع قلبه
- زوزو قومي جهزي حالك.. فيه مشوار لازم نروحه
اعتدلت تنظر اليه نظرات بإستفهام
- مشوار ايه ياحبيبي في حالة غنى دي
ضم وجهها بين كفيه مقبلا جبينها ثم وضع جبينه فوق جبينها
- انتِ عارفة انك أغلى عندي من الدنيا ومافيها صح.. رفعت وجهها تنظر إليه
- مالك ياجواد مخبي عليا إيه
رفع كفيها مقبله يحاول السيطرة على نزيف قلبه وإخبارها ولكن كيف... لم يكن يعلم أن الأمر سيكون بهذه المشقة... من أين سيجد مفردات يصف بها التقليل من حدة الخبر على قلبها
نهض متجها لغرفة الثياب
- تعالي غيري هدومك هنروح المستشفى... فيه حد عزيز عايز يشوفك هناك
رجفة اصابت جسدها بالكامل... وانسدلت عبراتها على وجنتيها بغزارة... نعم شعورها المميت بوجع قلبها ليس من فراغ... نعم لقد أصيب أحدا من ابنائها بشيئا ما.. خيل عقلها عدة أشياء مأسوية.. جحظت عيناها تنظر بذهول لزوجها وتتحدث بشفتين مرتعشتين
- مين من الولاد... ياسين ولا جاسر،
قالتها بقلب أم مفطور ودمعاتها كالشلال لم تنقطع ابدا... اتجه بنظره بعيدا عندما عجز عن الكلام... هوت بجسدها بالكامل تضع يديها على قلبها الذي ينبض بعنف مما أحست بتوقف نبضه
زاغت أبصارها وارتعش جسدها وبدأت تتحدث بتقطع للكلمات
- جاسر ولا ياسين ياجواد... قولي المرادي قلبي هيوجعني على مين..
جلس أمامها ثم ضمها لصدره وهو يربط على ظهرها
- جاسر كويس هو اتصاب بالعملية اللي كان مكلف بيها والحمد الله الدكاترة خرجوا الرصاصة والوضع مستقر حبيبتي..
هزت رأسها رافضة اي حديث مما تستمع إليه
- وديني لابني... عايزة اشوف ابني
ضم وجهها واردف
- زوزو حبيبتي بلاش رُبى وغنى يعرفوا.. حاولي تهدي والله الولد كويس... يعني لو مش كويس هسيبه واجيلك
نهضت بخطوات متعثرة متجهة لغرفتها تبحث عن ثيابها التي كانت أمامها ولكن كأنها غائبة بالكامل... اتجه يساعدها وجسدها يرتعش بين يديه
ضمها من اكتافها متجها بها حيث جلوس عز وربى بالخارج
وقفت ربى تنظر لوالدتها
- مامي إنتِ خارجة..ثم رفعت نظرها لوالدها
- رايحين فين بدري كدا
قبض عز على مرفقيها وجذبها متجها لمنزلهما
- معلش ياعمو أنا هلكان من الصيد طول الليل فرُبى هتعملي فطار على السريع عندكوا عشان أنام...وانتوا طبعا خارجين تفطروا برة
قطبت رُبى مابين حاجبيها وتسائلت
- رايحين يفطروا برة وغنى تعبانة كدا
همس عز لها
- اسكتي مش شايفة حالة مامتك...باباكي عايز ياخدها يغير جو
ابتسمت تنظر لوالدتها التي تنظر للسيارة وكأنها تتمنى أنها طائرة توصلها لولدها بأقصى سرعة
جذبها جواد وكأنه شعر بها عندما نظر لعز ليأخذ رُبى من أمامه
وصل جواد وغزل التي تسير بساقين مرتعشتين لم تعد تتحملها.. كانت تتخبط بسيرها.. جذبها جواد من خصرها حتى لاتسقط ولا تتعثر بخطواتها... وصلت أخيرا خلال دقائق التي اعتبرتها دهرا كاملا... وجدت الجميع أمام غرفة العناية المركزة والوضع كما هو
رآها حازم اتجه سريعا يضمها بين أحضانه عندما وجد حالتها
دفعته بقوة وهي تبكي بنشيج عندما تذكرت الماضي...فهل اليوم ستدفن قرة عيناها بجانب اخيها الحنون
- محدش يقربلي..كنتوا مخبين عليا..اتجهت لصيب الذي يبعد بنظره عنها بجواره مليكة...لكمته بصدره وهي تصرخ
- قولتلك حاسة بوجع قلبي ياصهيب..ابني هنا بيموت وانا نايمة في البيت
انا مش مسامحة حد فيكم...ازالت دموعها بقوة ثم اتجهت تدفع باب العناية...حاولت الممرضة منعها ولكن توقفت عندما عرفت بهويتها
وصلت إلى فراشه وهي تضع يديها على فمها تمنع شهقاتها هزت رأسهارافض ماتراه
كأنه جاسر آخيها تذكرت كل شيئا كأن اخيها لم يمت
وصلت لجسده ومدت يديها المرتعشه على وجهه وشهقات مرتفعة.. جثت على ركبتيها أمام جسده.. ثم اردفت بصوتا باكي ... صورة اخيها فقط تظهر أمامها
- جسور حبيبي اوعى تسبني هتسبني لمين ياحبيبي... هموت من الوجع معدش فيا حيل للوجع ياحبيبي... فوق ياجاسر عشان خاطر اختك فوق أنا محتاجك... صرخ جواد من قلبه الملتاع مما استمع من كلماتها التي اخترقت صدره وحولته لأشلاء متمزقة... اتجه سريعا يرفعها من جلوسها
- غزل دا جاسر ابننا هو كويس حبيبتي هو بس متصاب إصابة خفيفة شوية وهيقوم
وضعت رأسها بصدره وتحدثت بنحيب
- متخلهمش يغطوه ياجواد.. ابني متخلهمش يغطوه زي خاله... خلوهم يغطوني مكانه... انا مش هقدر يا جواد والله كدا كتير عليا كأن الوجع مكتوبلي انا وبس،
وضع وجهها بين راحتيه متحدثا بهدوء
- غزل فوقي الولد كويس سمعتيني... فوقي أنا جبتك عشان لازم تكوني جنبه
هوت بجسدها تصرخ
- ليه انا بيحصل معايا دا كله.. ولادي الاتنين... يااااارب الرحمة من عندك يارب
دلفت مليكة وحازم يجذبوها للخارج.. صرخت بهما محدش هياخدني المرادي.. رفعت سبابتها امامهم ونظرت لزوجها بغضب
- وياترى ياحضرة الضابط جايبني اودعه.. ولا جايبني ليه.. ماهو بدل جبتني من جنب التانية اللي بتموت يبقى دا كمان بيموت
جف حلقه وارتعدت مفاصله من حالتها هل حقا اصيبت زوجته بالجنون
اقترب بهدوء ينظر لمقلتيها
- شوفي دا جاسر ابننا..شوفي النبض والضغط تمام..الإصابة كويسة..هو انتِ مش دكتورة ولا إيه..
هزت رأسها
صورة اخيها فقط أمامها..وضعت يديها على اذنيها وهي تتذكر حديثه...ضحكاته
جذبها جواد لأحضانه
- جاسر كويس والله كويس..شوفي حالته عشان تطمنيني ياغزل
أشارت لحازم ومليكة بيديها ورفعت اصبعها الأثنين
- الاتنين.. الاتنين.. دا كتير، والله كتير والله كتير.. اتهز جسدها من بكائها
فتح جاسر عيناه ورمش عدة مرات كأنه أراد ان يريح قلب والديه المكلوم عليه
ابتسمت تضع يديها على فمها عندما استمعت لهمساته
- "ماما".. اسرعت إليه تقبل جبينه
- حبيب ماما.. إنت كويس حاسس بإيه ياحبيبي
بينما جواد الذي خر ساجدا لله يحمده ويشكره على عودة ابنه