-->

رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 7

 

 قراءة رواية بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية بدون ضمان

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


الفصل السابع

انفرجت شفتاها عن صدمة قوية، ولم تشعر بنفسها من قوة الصدمة فصرخت بتلك الكلمات من أعماق قلبها المحترق 


= قصدك عاوز تجوزني اللي اغتصبني !.


حدق عابد بابنته وأمعن النظر فيها بدقة غريبة ثم أردف بصوت بطيء


= فريده أهدي يا بنتي وافهمي الموضوع احنا خلاص ما قدامناش حل غيره، انتٍ دلوقتي حامل وما حدش عارف بكره مستنينا هيكون فيه ايه؟ احنا كل يوم في مشاكل شكل من تحت رأس الموضوع ده وانا زيك كان نفسي احله بالقانون بس اديكي شايفه بنفسك حتى القانون مش نصفنا 


أغلقت والدتها باب المنزل وهي تنظر اليهم بتعجب، بينما صرت فريدة على أسنانها من الغضب وهي لا تستوعب كلماته القاسية أرتجف جسدها بتشنج وهي تذرف دموعها بقولها 


= فيكون الحل من وجهه نظرك انك تجوزني لكلب زي ده مش محسوب راجل اصلا، انا مش فاهمه بجد فكرت فيها ازاي؟ يعني ايه اتجوز واحد اعتدى عليا واعيش معاه تحت سقف واحد! ازاي اصلا تبقى في حاجه زي كده ممكن تحصل بالحياة؟ ده انا بقرف منه لمجرد ما ابصله دقيقتين يبقي ازاي هتقبله جوزي.. ازاي ؟؟؟ 


شهقت أمها مصدومة عندما بدأت ان تفهم من الحديث الأمر، في حين رفعت فريدة نبرة صوتها لتصير أكثر حدة وصرامة وهي تهتف بعنف


= هو مش المفروض أن انت ابويا برده وبتدور على الصالح ليا، يبقي ازاي آب هيامن انه يجوز بنته لواحد اخلاقه زي الزفت، ده الله اعلم انا اول ضحيه لي يعمل فيها كده ولا في غيري .. حرام عليكوا ليه عاوزين ترموني الرميه دي .


رغم تعابير وجهه الجامدة إلا أن عينيه كانت توحيان باشفاق دفين، لكن حاول عابد ان يكون صارم بالحديث معها وهتف بخشونة قوية 


= فريده وطي صوتك وانتٍ بتكلميني واتكلمي معايا بادب انا ابوكي و بعمل لمصلحتك صدقيني، خلاص تعبت ما بقتش قادر استحمل الفضايح ولا نظرات الناس ولا كلامهم، ولا انتٍ كمان هتستحملي ده؟ ما انتٍ شايفه بنفسك خطيبك اللي كنتي طالعه بيه بالسماء سابك مع اول مشكله وبعد عنك وما قادرش يستحمل كلام الناس، ومش قادر الومه بصراحه ما هو في النهايه راجل ومش هيستحمل وضع ذي ده .


إعتلى ثغرها بإبتسامة ساخراً بمرارة وهي ترى كم الظلم و القهر التي أصبحت تعاني منه؟ من القريب قبل الغريب، تملكها غضب دفين يزيد من حدة خوفها من القادم! فما يطلبه منها ليس هنيه مطلقاً، بالأساس كيف يفكر في طلب مثل ذلك؟ الي هذة الدرجه خوفه من الفضيحه اهم من مصلحه ابنته، لذا تحدثت بشراسة 


= اه انتم بتدوروا على مصلحتكم كل اللي يهمكوا الفضيحه والناس هو انت فاكرني مش واخده بالي من كلامك ولا تلميحاتك من اول الموضوع! بس كنت بكذب نفسي واقول لا دول أهلي مستحيل يؤذوني، بس قولي صحيح انت جيت نمرة تلفون الست دى منين ومن امتي وانت على اتصال معاها؟ ده الظاهر بقي في ما بينكم مؤامرات وخطط وانا ما اعرفش.. انت ازاي اصلا تكلم واحده زي كده عادي و انت عارف إللي ابنها عمله فيا وازاي ذبحني بمنتهى البرود وما صعبتش عليه.. 


تشنجت أكثر وهي تتحدث ، فبات صوتها مبحوحاً غير قادرة علي استعادة تلك اللحظات مرة أخرى  


= انا مش قادره أنسي لحد دلوقتي اللي عمله فيا، مش قادره انسى لما كنت بترجاه من الالم يسيبني؟ مش قادره انسى صوت صراخي لحد دلوقتي و بيرن في ودني وانا بستنجد و بستغيث باي حد يلحقني منه.. وانت تقول لي اتجوزيه عشان كل اللي همك الفضيح ومش همك بنتك وايه اللي ممكن يعملوا فيها بعد كده .


تنهد عابد عدة مرات بتوتر شديد وهو يتحدث بنبرة ضعيفة


= بجوازك منه اللي فات مش هيرجع .


حاولت في تلك اللحظه ان تتحدث خيرية لكنها صمتت حينما صرخت الأخري متألمة  


= أنا مش عايزة إلي فات يرجع ، أنا عايزه إلي جاي يبقا أحسن


❈-❈-❈


انفلتت منها شهقة مذعورة وانكمشت مهرة بالأرض على نفسها وشعرت بارتجاف جسدها عندما استمعت الى حديث أخيها القاسي وقد زاد الطين بلة عندما اضاف يكمل بنبرة صارمة وهو يشير بسبابته نحوها حاسم أمرها


= خلاص بعد اللي عرفنا ما بقاش فيها علام... ومع أول عريس يتقدملها نجوزها ونسترها ونخلص .  


إنتفضت فزعة في مكانها ونظرت بذعر له، بينما صمت زكريا للحظة قبل أن يردف بنبرة قوية


=من ناحيه العلام خلاص هي غلطتي من الاول وما بقاش فيها خروج للمدارس عشان ما تعملهاش حجه وتقابلي إبن الـ** من ورانا..لكن جواز ايه انت الثاني أختك لسه صغيره دي عندها ١٤ سنه، نستنى عليها سنتين ولا ثلاثه ونبقى نشوف الموضوع ده بعدين.


لوت حسناء فمها قليلاً في تأفف ثم اقتربت من حماها واصطنعت انها تحاول حمايه مهرة من ضربة العنيف لها وقالت باستعطاف زائف  


=اهدي كده يا حمايا، وأهي بنتك قدمنا صاغ سليم، مافيش فيها حاجة! بس ما حدش عارف اللي فيها ولا هي ممكن تروح وتقابله تاني من ورانا طالما الموضوع في جوابات وبيتفقوا يهربوا سوا ويعيشوا مع بعض من غير جواز استغفر الله العظيم يا رب، ربنا يستر على ولايانا، احنا بنتكلم من خوفنا.. دي الله أعلم مخبية إيه تاني .. بصراحه انا مع انس الجواز ستره ليها 


التمعت عيناه زكريا بشراسة وقد صارت نظراته منذرة بشرٍ و استشعر بأنها محقة بالفعل فهو حتى الآن لا يعرف طبيعه العلاقه بينها وبين ذلك الشاب بما كانت؟ لا تعلم مهرة من أين تلبستها الشجاعة لتصرخ صائحة بصوت مقهور تدافع عن مستقبلها 


= جواز ايه وتعليمي! انا مش عاوزه اتجوز دلوقتي .


اقترب زكريا مجدداً منها وتطاول باليد و بالالفاظ الجريئه كنوع من التأديب العنيف لها، ولم يجرؤ أحد علي منعه، بينما صرخت ببكاء وهي تحاول حماية وجهها من الضربات المتلاحقة عليها والتي أصابتها بالتورم، فواصل تأديبها صائحا بانفعالٍ


= وليكي عين يا فاجرة، الله أعلم صحيح مخبية إيه تاني؟ البنت دي هتفضل محبوسه في الاوضه مش هتشوف الشارع لحد ما اشوف لها صرفه .


أشارت حسناء بضيق شديد برأسها الي زوجها ليتحدث الى والده مجدداً، واردف أنس قائلا بسرعه 


= يابا اسمع كلامي اللي فيه داء ما بيبطلوش وطالما هي عملتها مره واثنين وعشره مش هيفرق معاها تعملها تاني بعد ما كشفناها... هو انت لما تحبسها كده حليتها يعني ما هي ممكن تغفلنا في اي وقت وتهرب معاه وساعتها هنقعد نندب ونقول يا ريت اللي جرى ما كان 


لم يرمش والده عينيه للحظة وهو يضرب مهرة وينظر لها بقساوة، بينما هي كانت كالمذعورة تتحرك بالارض بعشوائيه للجانبين محاولة البحث عن أي مهرب لها من الالام.. ولكن للأسف لم تستطع ، فقد حاصرها والدها، 

هزت مهرة برأسها عدة مرات و صاحت بنبرة مرتعدة من الوجع وهي تنظر إليه بخوف 


= حرام عليكم، أنا معملتش حاجة .


عبست حسناء بوجهها وضيقت عينيها القاتمتين، محدثه بصوت حاداً


= خلاص يابا كفايه ضرب فيها ما تضيعش نفسك عشان واحده ما تستاهلش .. انا من رايي ان كلام أنس هو الحل و أنها تتجوز وجوزها هو بقى يبقي يربيها بمعرفته في بيتها .


أبتعد عنها زكريا وهو يلتقط انفاسه بصعوبه من المجهود وتحدث بصوت خشن وآجش


=بس يا حسناء ما لكيش دعوة انتٍ، سيبني أربي بنتي بالطريقة اللي تعجبني، وعلى راي المثل اكسر للبت ضلع يطلعلها أربع وعشرين!


لتتحول قسمات وجه حسناء للصرامة والعبوس، ونظرت له بنظرات غيظ وهي تردد عليه بحدة


= يا حمايا ما انس جابلك الحل و انت اللي مش راضي، احنا خايفين من الفضايح اللي بنتك عملتها في المنطقة.. ما اكيد حد شافها كده ولا كده وهي بتخرج معاه وبكره سيرتنا هتبقى على كل لسان 


تطلع به مهرة بنظرات قاتلة، و زم زكريا شفتيه قليلاً، ثم تشدق قائلا


= انتم بتتكلموا وكان عريسها موجود !. ولا جوازها ده مش هيحتاج مصاريف .


أسرع أنس بالتحدث بسرعة قائلا 


= اذا كان على عريسها فعلا موجود، و اذا كان برده على المصاريف فهو مش هيدفعنا ولا مليم حتي شنطه هدومها مستعد يشيلها هو علية .. وانت تعرفة كويس يابا كمان


عقد حاجبيه باستغراب باهتمام وقال متسائلا بخشونة


= ده، مين ده؟ واعرفة منين !  


أومأ أنس برأسه بلهفة وهو يتحدث بحذر


= زاهر باشا.. اللي مشغلنا انا وانت يابا .


فرغت مهرة شفتيها من الذهول بعد أن اتسعت عينيها من الخوف وحاولت نطقت معترضة علي كلمات أخيها، لكن ألم جسدها لم يساعدها، ليتورد وجهها الشاحب بشدة أكثر ما أشعل غضبها وصدمتها من أخيها و زوجتة فلا تعلم ما هي مصلحتهم بأن يفتروا عليها بالاقوال الكاذبة .


❈-❈-❈


في منزل اعمام حسام، تجمد عاصم أنظاره على أعين سعاد حينما أخبرته باخر التطورات التي حدثت في قضيه أبنها حسام والى ما وصلت الامور الآن، ســـاد صمت مليء بالتوتر للحظات قبل أن يتسائل هو بصوت قوي وجاف


= نعم، انتٍ بتستعبطي يا سعاد ايه اللي انا سمعته ده؟؟ يعني ايه البنت اللي اعتدى عليها ابنك اتفقتي مع اهلها انه يتجوزها إبنك و يتنازلوا عن القضيه، هم ازاي اصلا وافقوا على حاجه زي كده! ايه الهبل اللي انا بسمعه ده .


سحبت سعاد نفسًا عميقًا لتضبط به نوبة الغضب التي تلبيتها بسبب كلماته ثم كزت على أسنانها قائلة بصوتها الحاد


= في ايه يا عاصم بدل ما تفرح ان الموضوع هيتحل بشكل ودي وابني هيخرج منها ومش هيتعدم وانا اللي افتكرت هتفرحوا وتسندوني لما اجي اقول لكم علي الاتفاق عشان تكونوا ظاهرين في الصوره لما كل حاجه تتم .


رد عليها بنبرة جادة وقد ضاق نظراته 


= انتٍ كمان عاوزاني اشارك في الجريمه دي انا عندي بنات واللي ما رضاش على بنتي ما رضاهوش على بنات غيري، انا مش فاهم لحد دلوقتي اصلا ازاي اهلها يوافقوا على حاجه زي كده ويضيعوا حق بنتهم.. ازاي يجيلهم قلب يجوزه بنتهم لابنك بعد اللي عمله فيها ؟ 

ده انا لو منهم كنت قتلت إبنك الصايع ! 


حدقت في عينيه مباشرة، ثم أجابته بامتعاض وهي تشير بيدها 


= خلاص يا عاصم لو مش عاوز تدخل نفسك في الموضوع تمام مش هغصبك بس ما لكش دعوه بقى باللي بعمله ده مستقبل ابني وانا ادرى بي، وبعدين يا سيدي هم موافقين انت اللي مضايقك 


كأن عماد أخيه يجلس صامت بينهما وهو يتابع الحديث الدائر بتركيز ويفكر به، ثم أردف هو باهتمام 


= استنى بس يا عاصم خلينا ناخد وندي في الكلام، انا مش عارف اللي مضايقك ما هم عملوا الصالح لبنتهم هم كمان، المحاكم مش هتفيدهم في حاجة خصوصا بعد ما الناس عرفت، الناس هتفضل تلسن على سمعه بنتهم وشرفها ومحدش بينسى مصيبة زي كده في مجتمعنا.. وبعدين راحوا ولا جم هم من عيلتنا برده واي غلطه بيعملوها هطلنا احنا كمان معاهم، عشان كده انا شايف ان الافضل الحكايه تتلم وممكن الواد يتعدل بعد الجواز، مش هنخسر حاجه لو اديناله فرصه .


انزعج عاصم من استرسال حديث أخيه بموافقته على ذلك، ليقول بعنف


= انت بتقول ايه يا عماد انت موافق على الهبل ده؟ دي جريمه! وبعدين ايه اللي تديله فرصه تانيه ايه بتكافئ واحد اغتصب بنت بريئه ملهاش ذنب غير ان ربنا وقعها في طريقه، اللي زيه المفروض يتعاقب مش يفلت من عملتة لا و كمان هيتجوزها .. اللي بتعملوا ده غلط وكده بتديله فرصه هو وغيره يستمر في القرف ده 


لم تتحمل سعاد كلماته أكثر من ذلك، لتنهض 

وصرخت من بين شفتيها بغل محتد


= جري ايه يا عاصم مش ملاحظ اللي عمال تتكلم عليه ده يبقى إبن اخوك الله يرحمه اللي قبل ما يموت وصاق عليه، مالك عمال تزعق وتشخط فينا كده ليه! ما كل بني ادم مننا خطاء وكلنا محتاجين فرصه تانيه عشان نتصلح للأحسن.. اشمعنا بقي الفرصة هتيجي لحد ابني وتقول لا . 


رمقها عاصم بنظرات دونية وهو يقول بنفور


= أولا دي غلطه إبنك ولما عمل كده كان في وعيه! يبقى يتحمل غلطته للآخر واخويا لو كان عايش كان هو بنفسه اللي اتبرا من إبنك، و انتٍ و البية اخويا الثاني مستهونين بان واحد يغتصب واحدة ويغضب ربنا ويزني و بتتعاملوا مع الموضوع عادي!! والفرصه الثانيه اللي انتٍ بتتكلمي عليها بنديها للي يستاهلها لما نحس فعلا أنه غلطان لان غلط عن غلط بيفرق يا هانم.. وصدقيني ابنك لسه ما تعلمش لانه ما تعاقبش على غلطته! ولما تجوزيه كده بتخليه يتمادى في الغلط اكثر طالما بيلاقي اللي يلم وراه ويصلح 


اعترض عاصم على ذلك التفكير العقيم وهو يضيف بإحباط


= احنا فعلا في مجتمع ما يعلم به الا ربنا طالما قاعدين بنبرر للجاني و جايين على الضحية و بنظلمها اكتر.. اعملوا حسابكم لو هتكملوا في الموضوع ده انا برا و ما حدش يستاشرني في حاجه ولا يطلب مني اكون شاهد على الجريمة دي . 


فرك عماد رأسه بضيق من أخيه الذي رحل بغضب شديد من امامها، لكنه الآخر بدأ مهتمًا بمعرفة آخر التطورات بالموضوع، فسألها بجدية وهو يدير رأسه في اتجاهها


= سيبك منه وقول لي إيه اخر التطورات في الموضوع؟ اتفقتي مع أهل البنت على كتب الكتاب هيكون أمتي ولا لسه؟ 


❈-❈-❈


سرح أسر في سقف عرفته بنظرات شاردة مر بباله لمحات سعيدة من حياته مع فريدة ولمحات أخرى تعيسة حينما عاشت لحظات صعبة حادث اغتصابها، تنهد بعمق مقاومة تأثير ذلك عليه كم اشتاق إليها كثيرًا، وهي بحاجة ماسة إلى أحضانه الدافئة... لكنه ببساطة رحل وتركها تواجه مصيرها بمفردها لأن لم يتحمل فكرة أنها حامل بطفل ليس من صلبة! رغم أنه علي يقين تام بأن ذلك حدث رغم عنها ..


تنهد مطولاً ليضبط انفعالات مشاعره فالحل

بيدة هو! وهو من قادر على أن يساندها ويمنع أقول الجميع نحوها ويحافظ على سمعتها.. لكنه ببساطة لن يستطيع على أن يتحمل اقول الناس بالخارج عنها.. فكان يجب ان يحتويها، أن يعوضها عما فات، لكن لا يترك لنفسة الفرصة لفعل ذلك... يختلق الأعذار ليبعد عنها حتى وإن كان متعمداً !. 


كان لا يعلم لماذا يعاقبها.. ايعاقبها علي ماضي لا ذنب لها فيه؟ فهي أحبته مثلما أحبها .. 

فلماذا إذن تخلي عنها بسهولة ؟ هل لأنها اغتصبت قسرا ام ماذا.. ام يعاقبها لأنها أصبحت حامل بطفل ليس من صلبة واصبحت في نظره كما قالت والدته بمرة.. فتاه ساقطه .


اقتحمت والدته فجاه غرفته دون مقدمات ودخلت بصمت ولم تتحدث في البدايه، ليقول هو بضيق


= نعم يا ماما عاوزه حاجه ؟ 


رفعت نظرها له لتقف متحدثه بعصبية مفرطة


= قدامك حلين اما تخطب واحده غريبه او تخطب نرمين بنت خالك، وتطلع فريده من دماغك خالص .


لتتبادل معالم وجهه ويرفع أحدى حاجبيه وهو يسأل بإستنكار


=نعم! انتي بتهزري يا ماما، دي ... دي فريدة 


هزت راسها برفض بجمود ثم هتفت بصرامة


= لا مش بهزر وايه يعني فريدة إللي خلقها ما خلقش غيرها، غلطتها وتشيلها مع نفسها احنا مالنا كنا قلنالها تتصرمح في نص الليالي وتحمل من واحد في الحرام! انا طاوعتك كتير في الاول، كانت البداية مجرد واحد لمسها إنما الوضع اتغير والهانم حامل منه كمان، يعني مش كفايه خدناها على عيبها لا كمان هتتجوزها بالعيل اللي معاها وناقص تقول لي اربي زي ابني.. وقتها بقا انا لا اعرف فريدة ولا غيرها انا اعرف بس ان انقذ ابني قبل ما يضيع نفسه ويشيل مسؤوليه هو مش قدها .


أغمض عينيه وتشنجت قسمات وجهه وهو يردف بحذر 


=  بس انا بحبها يا امي


اقتربت منه لتواجهه بوجهها المتجهم بنظراتها الدقيقة والحادة ثم بصوت جاف وجاد يحمل الصرامة هاتفه


= لو البنت دي اخر واحده في الدنيا برده مش هتتجوزها يا أسر .. ولو اتجوزتها غصب عني وحاطتني قدام الأمر الواقع زي ما كنت هتعمل قلبي هيغضب عليك يا أسر ليوم الدين


فتح عينيه بتوتر يحاول أن يفكر في حل ما قد يحول دون إتمام زواجه من إبنه خالة تلك،  فبادر بقوله يتوسل 


= حرام عليكي يا ماما ما تعمليش كده فيا، هي ما تستاهلش مننا كده افتكريلها كل حاجه حلوه عملتها معانا زمان.. وبعدين هي ملهاش ذنب في اللي حصل .. احنا اللي حرام علينا نظلمها زي غيرنا  


لوت فمها قليلاً لتبرز أسنانها من جانبها قبل أن تنطق بصوت خافت يحمل السخرية


= يا سيدي عملت خير شر مكتوب لها في اخرتها انا مالي، ما تشيلنيش ذنبها هي اللي عملت في نفسها كده او نصيبها كده بس نصيبها مش معاك ولا هيكون معاك، وما تعملهمش عليا يا ابن بطني انت من الاول والموضوع مش جاي على هواك وكنت مستني اقرب فرصه عشان تبعد.. 


اضافت تصيح وهي تهدر بقسوة


= يعني عاوز تفهمني انك هتقدر تتجوزها وهي حامل في عيل مش ابنك لا وكمان حامل فيه من الحرام .


هز أسر رأسها باعتراض ، وأجاب على عجالة بصوت خافض


= يا امي افهميني. 


صاحت هي مجدداً بصوت أعنف بـحسم 


= انا فاهماك انت اللي لازم تفهم نفسك، انا مش هقبل البنت دي مرات ابني أبدا، لو اخر يوم في عمري ، لا الا يحرم لسانك يخاطب لساني لو كسرت كلمتي يا أسر وليوم الدين


❈-❈-❈


بعد مرور أسبوع، بداخل منزل أسرة ليان بمصر، لم تقوَ قدماها على حملها لتجلس علي اقرب كرسي وهي لا تصدق بأنها قد ودعت أباها للمرة الأخيرة إلى مثواه الأخير،تلقت خبر وفاته كالصاعقة.. في البدايه سافرت الى الخارج معتقده بانها وعكه صحيه بسيطه وسيشفى منها لكن عندما وصلت تفاجات بوالدتها تخبرها بذلك الخبر المظلم! وسرعان ما حاولوا تمالك نفسهم حتى يعودون الى مصر ويتم دفنه كما كأن يريد و يتمنى أظلمت الدنيا في عيني ليان وعجزت عن إيقاف سيل دموعها فأصابها آليم وأشد فجعاً هي خسرت والدها تركها ورحل بلا وداع وهي في امس الحاجه اليه .


كانت الآيات القرانيه تتردد بداخل المنزل وبعض السيدات حولها يواسوها هي ووالدتها 

التي انهارت باكية وتعالت صراختها وعويلها 

فحالتها لم تختلف عنها كثيرا.. اما في الاسفل كان أيمن يقف مع الرجال في استقبال الجميع بالعزاء .


في ذلك الأثناء دلفت تسنيم واقتربت منها، لتنهض ليان وبكت بانهيار أكبر غير عابئة بمن حولها وهي تقول بنبرة مختنقة 


= تسنيم كويس انك جيتي كنت محتاجه لك أوي، شفتي اللي حصل لي بابا مات وسابني 

حاسه اني كنت محتاجه اعمل معاه حاجات كتير بس هو ما كانش مديني الفرصه وعلى طول مشغول ومسافر... كأن بيوحشني زي ما هو دلوقتي واحشني ومش هينفع اشوفه ..


هزت تسنيم رأسها بيأس وهي تجيبها بعطف 


= بس يا حبيبتي ما تعمليش في نفسك كده اهدي دي اراده ربنا و مانقدرش نعترض معلش وحدي الله .


قالت بصوت مختنق يحمل الألم بين طياتها الكثير والكثير


= تسنيم انتٍ ما كنتيش بتجيلي الفتره اللي فاتت ليه؟ اكيد كنتي زعلانه مني من اللي عرفتي صح ؟ معاكي حق انا ما استاهلش حد يكون جنبي واهو ربنا بيعاقبني 


نهرتها تسنيم وهي ممسكة بيدها محاولاً التهوين عليها قليلاً


= أولا مش وقته الكلام ده نتكلم فيه، ثانيا ربنا مش بيعاقب حد هو عمره أنتهي لحد هنا، انتٍ ما لكيش دعوه، ثالثا بقى انا مش زعلانه منك ولا حاجه هنبقى نتكلم بعدين مش دلوقتي عشان محدش ياخد باله بالذات مامتك كفايه اللي هي فيه بلاش تعرف حاجه زي كده في الوقت ده .


حركت رأسها بإيماءة خفيفة متمتمة بنبرة ضعيفة


= حاضر معاكي حق.. طب اقعدي استريحي 


ذهبت تسنيم إلي والده ليان حتى تعزيها هي الأخري في فقدان زوجها، بينما جلست ليان فوق المقعد و انهمرت العبرات من مقلتيها أكثر

وهي تجفف دموعها بمنديل ورقي، ثم حدقت في الفراغ أمامها بنظرات تحمل الكثير لتلمح فجاه أمامها شخص لم ترغب في رؤيته مطلقاً، ازدردت ريقها وهي تهتف بخوف


= طارق !.. 


بينما نظر لها طارق من بعيدا بجمودٍ وهو يتفحص تعبيرات وجهها المبهوتة لرؤيته، ثم اختفي من امامها و رحل بعد أن أنهي مهمه التي كان قادم إليها .. وهو أن يراها .


❈-❈-❈


في منزل سالم أمسكت ناهد قطعه القماش النظيفة بيدها لتحمل صينيه المكرونه، ثم أخذت تضع إياها فوق السفرة بالخارج وهي ساخنة، بينما اقتربت منها حفيدتها ليلي وهي تحمل الصحن الفارغ تجاهها، أبتسمت ناهد لها بحنان بالغ ثم أخرجت قطعه من الصينية بالصحن وقدمتها إليها لتتذوق ليلي المكرونة وسرعان ما اعتلى فمها بإبتسامة عريضة ، وبرقت عيناها في زهو، لتتسائل هي بحب 


= عجبك يا حبيبتي النجرسكو اللي انا عملتها لك بايدي .


هزت رأسها عدة مرات بإبتسامة سعيدة


= حلوه اوي يا تيته تسلم ايدك بجد اكلك ما فيهوش مقارنة، شكراً يا حبيبتي.


أقتربت ناهد وهي تجلس جانبها بإبتسامة هادئة ثم قالت بحذر مرددة


= العفو يا حبيبه تيتا ده انتٍ تؤمريني وانا انفذ، هو انا ليا غيرك ده انتٍ بنت الغاليه الله يرحمها ويغفرها، بقول لك ايه يا حبيبتي كنت عاوزه اكلمك في موضوع بس خايفه تكسفيني 


توقفت ليلي عن تناول الطعام ونظرت إليها باستغراب، و راقبتها بأعين زائفة لتقول الأخري بصوت متوتر مترددة


= مش انتٍ بتحبيني زي ما لسه قايله، وانا كمان يعلم ربنا بحبك قد ايه؟ عشان كده ايه رايك لو تيجي تعيشي معايا.. انا جهزتلك عندي في البيت اوضه هتحبيها اوي و حطيتلك فيها كل حاجه انتٍ بتحبيها وهنعمل حاجات مع بعض كتير سوا على الأقل انا هقعد معاكي وقت اكتر ما بابا بيقعد معاكي بدل ما هو على طول مشغول في الشغل كده وسايبك لوحدك 


كأن في تلك اللحظة عائد سالم من الخارج، و وضع المفتاح بالباب ليدلف لكنه توقف بالخارج لحظات عندما أستمع الي اقتراح ناهد، ليقف مكانه بغضب مكتوم وانتظر سماع رد أبنته. 


في الداخل، مسحت ليلي بطرف لسانها على شفتيها باقية الطعام، وأجابتها بعدم إكتراث


= بس بابا مش سايبني لوحدي ومش بيتاخر أوي في شغله وعلى طول معايا حتى يوم الاجازه يخليني اختار المكان اللي انا عاوزاه ونتفسح طول اليوم ومش بنرجع غير بالليل.. و مش بيخليني محتاجه حاجه يا تيته زي ما انتٍ فاكره، انا اسفه بس مش هقدر اسيب بابا 


ضغطت على يدها بغيظ شديد وقالت بإحباط


= يعني ده اخر كلام .. لو خايفه تقولي لبابا انا ممكن افتحه واخليه يوافق .


هزت ليلي رأسها بعدم مبالاة واكملت تناول المكرونة، و ردت عليها بنبرة عادية


= لا خالص واخاف منه ليه بابا مش بيفارقني خالص ومش بيزعل مني، وبعدين ما انا باجيلك يومين في الأسبوع وبنام معاكي يعني برده مش بسيب حضرتك لوحدك وانتٍ كمان  بتجيلي أهو كل يوم .


تنهد سالم بيأس من تصرفات حماته ليدلف ثم تحرك في إتجاهها بثبات وقال بهدوء زائف 


= السلام عليكم ازيك يا مدام ناهد اخبارك ايه 


اتجهت ليلي علي الفور أنظارها نحوه حتى باتت لا ترى سواه وهي في سعادة غامرة، عكس ناهد عبست نظراتها ثم أخرجت تنهيدة مشحونة من صدرها قائلة باقتضاب


=كويسه، انا همشي انا بقى يا ليلى أبقي خلي بالك من نفسك يا حبيبتي، و ان شاء الله هاجيلك مره ثانيه.


نهضت لتأخذ حقيبتها للرحيل وعندما اقتربت بخطواتها، اقترح سالم بابتسامة مجاملة


= ايه مستعجله علي ايه ما تخليكي ، ثواني هغير هدومي واجهز الغداء ونتغدى كلنا. 


رمقته بنظرات إحتقارية ثم لوت فمها أكثر وهي تسخر منه بحدة


=معلش الوقت اتاخر ولازم امشي.. وانت ما تتعبش نفسك في عمايل الغدا النهارده اللي انت بتبقى لايس فيه كل يوم من بعد ما بنتي ماتت وسابتك لوحدك وعرفت قيمتها متاخر، انا عملت حسابي وجايبه غدا معايا للبنت وليك، اكيد يا عيني بطنها نشفت من اكلك الصايص اللي ما لوش طعم .


حدجها هو بنظرات جامدة يحاول السيطرة على نفسه حتى لا يتطاول عليها بالكلمات مثل ما تفعل، كاحترام لعمرها، لكنها أحيانا تتجاوز بالفعل حدودها معه لكنة لأجل أبنته يصمت مضطر.. ثم تحركت ناهد مبتعدة للخلف و رحلت .


❈-❈-❈


أسرعت خيرية بالاقتراب من باب منزلها لتفتح الباب عندما سمعت دقات عالية، وعندما فتحت وجدت ابنتها الكبري ريهام أمامها وجانبها حقيبة و اولادها الصغار معها وكانت من الواضح انها تبكي.. عقدت أمها حاجبيها بقلق وهي تتسائل بخوف 


= في ايه؟ جايه بي شنطه هدومك وعيالك ليه، مالك انتٍ الثانيه 


كانت في تلك اللحظة تخرج فريدة من غرفتها وهي تقترب منهما باستغراب، بينما صمتت ريهام للحظة لتلتقط أنفاسها قبل أن تردف بعويل 


= اتخنقت انا وعادل بسبب موضوع بنتك فريدة، كله بسبب امه حرضته عليا اني ما ليش قاعده في البيت غير لما موضوع اختي يتحل،الناس كلت وشهم في الحاره في الراحه والجايه.. ولما لقيته متعصب و على اخره مش طايق نفسه سبت البيت وجيت .  


لطمت والدتها على صدرها وهي تردف بحسرةٍ


=أهي ابتدت الظاهر ابوكي كان معاه حق احنا مش قد الفضايح ولا موضوع القضايا ادينا احنا اللي بندفع التمن .. ابوكي بعد كده مش هيلاقي حد يشغله وهو في السن ده و الاولاد اللي كان بيديهم دروس اهاليهم بطلت توديهم لما عرفوا اللي حصل! خافوا علي سمعه  عيالهم منه.. و اختك اهي هتطلق بسببك كمان.


انتفضت فريدة بمكانها بغضب و حدجة والدتها بنظرات اكثر حدة لا تصدق انها تحملها ذنب  ذلك، لتهتف بعنف


= وانا مالي، بنتك وطول عمرها حماتها مش طايقاها وفي خناق بينهم، واهالي الاولاد اللي منعوا بابا يديهم دروس برده ما ليش دخل في، هم اللي مخهم على قدهم بدل ما يروحوا يحاسبوا اللي عمل كده بيعاقبونا احنا؟ أو بيعملوا زيكم ما فرقتش كثير .


تطلعت والدتها بها بنظرات عدم رضا هاتفة بحدة 


= فكري فينا شويه زي ما بتفكري في نفسك؟ ما تبقيش انانيه احنا مش قد الجرس و الفضايح طول عمرنا ناس غلابه وعلى قد حالنا وماشيين جنب الحيط، وعمر ما حد من اهل المنطقة سمع عننا كلمه وحشه، مش هتيجي بقي على اخر الزمن تطاطي راسنا وتشحططي ابوكي وهو في السن ده .


تسمرت فريدة في مكانها عقب عبارتها الأخيرة بعدم تصديق، ولم تنطق ببنس كلمة ، وظلت فقط محدقة بها بنظرات خالية من الحياة.. فكلماتها كانت كالخناجر المسمومة التي تذبحها بلا رحمة وكأنها تتفنن في كسرها بشتى الطرق هي و والدها، اردفت وهي تهز رأسها بصورة منفعلة 


= هو في ايه؟ مالكم بقيتوا تتكلموا معايا كده ومصممين ان انا السبب وان انا اللي غلط؟ ولا انتم كنتم كده من الاول وانا مش واخده بالي 


احتدت نظراتها وهي تصر على رأيها مؤكدة


= احنا من الاول واحنا ماشيين خطوه بخطوه معاكي وحاطين جزمه في بقنا وساكتين، نسمع من اللي يسوى و اللي ما يسواش كلمه ما تعجبناش نسكت! ده يبصلنا بطريقه ما تعجبنيش برده سكتنا! تعبنا معاكي من اللف على المستشفيات والاقسام وبرده محدش فينا اتكلم! و دلوقتي بيوتنا هتتخرب وابوكي بعد كده مش هيلاقي شغل يصرف علينا بيه و برده عاوزانا نسكت؟؟ 


كانت ريهام لم تتوقف عن البكاء المرير بعد تلك المهانة المذلة التي تعرضت لها في منزل حماتها التي تقيم به، فزفرت ريهام بإنزعاج ولوت فمها للجانب قائله بإمتعاض


= ما تسمعي الكلام بقى يا فريده حرام عليكي هو انتٍ مفكره الموضوع بالسهل كده هيعدي، 

الوضع اتغير وبقيتي حامل ومش عارفين مصير العيل ده ولا مصيرك بالحياه هيكون ايه؟ حتى مش عارفه لحد دلوقتي راسك من رجلك في القضيه وما حدش اداكي عقاد نافع رغم ان انتٍ اللي معاكي الحق! 


أضافت ريهام بهياج بائن في نبرتها وحركاتها


= بس مش بالسهوله دي يا فريده، الحق في الزمن ده ما بقاش بيتجاب بالطريقه اللي انتٍ مستنياها بالقانون، عشان انتٍ مش عايشه لوحدك في الدنيا وليكي اهل لازم تفكري فيهم وتحطي نفسك مكانهم .. وزي ما بتخربي حياتك بتخربي بيوتنا احنا كمان معاكي، و اذا كان مش همك انا يهمني بيتي اللي هيتخرب وعيالي إللي هتتشرد من تحت رأسك . 


أغرقت الدموع وجنتيها وتسربت إلى فمها ، فتذوقت مرارتهم لتصرخ بقهر وإنتحبت أكثر وهي ترد 


=وانتم كمان حطوا نفسكم مكاني عقلي مش بينسى.. كل جزء في جسمي بيفكرني والليله اللي حصلت فيها كل حاجه وبتحاولوا تنسوها وتعيشوا حياتكم من بعدها عادي.. انا عشت كل ثانيه فيها كأنها ساعه ، والله العظيم انا نفسي انسى زيكم واعيش حياتي.. و نفسي ابني حياه تانيه من جديد مع اللي بحبة ، نفسي اكون انسانه طبيعيه زيكم نفسي ابطل اصحى على كوابيس مرعبه.. نفسي ابطل خوف من الناس.. نفسي اتعافى .


تعالى صوت بكاؤها المرير ثم تابعت بصوت مختنق ومسموع 


= انا ليا حق وهجيبه غصب عن اي حد،  عاوزين تبعدوا وتتخلوا عني زي أسر! اعملوا كده ما بقتش خلاص عاوزه حد جنبي منكم.. انتم اصلا ما كنتوش معايا من الاول؟؟ هو انتم لما تكونوا معايا في الراحه وفي الجايه كده اسمها سانديني ودعمني لا انا كنت محتاجة حاجات تانيه اكتر من كده بس ما حدش منكم فكر فيها عشان كل اهتماماتكم كانت في الفضيحة و الناس اللي بتلموها  .


راقبتها ريهام بنظرات غاضبة وقالت بتحدي

قاس


= انتٍ لسه بتفكري في أسر، طب إيه رأيك بقي أن وانا جايه شوفت بيعلقوا لونا وزينه عند باب بلكونته و شكلها خطوبته النهاردة . 


مع هذه الكلمات توقف الزمن في حياة فريدة

اغمضت عينيها لتعود الى الخلف..عقارب الزمن جمدت في مكانها...لكن دمعتها التي سقطت احرقت جلد خدها الرقيق لتشعر بقلبها قد قسم وتفتت لاجزاء مبعثرة لم تشأ ان تصدق فراحت تهز رأسها مسرعة حتى كادت تفقد وعيها... كيف هذا...كيف يا الهي ما هذا الذنب الذي اقترفته في حياتها لتتعذب به وتتحمل كل تلك الاوجاع.


جحظت عينيها حينما سمعت حديث اختها،

إزداد شحوب وجهها ، هربت الدماء من عروقها ، تراقصت العبرات في مقلتيها وقالت بصوت مرتعد


= انتٍ بتكذبي عليا أسر مستحيل يعمل كده، هو ايوه بعد عني وانا لحد دلوقتي مش عارفه اسبابه بس ما توصلش للدرجه دي؟ انا متعوده منه بيلف يلف وبيرجعلي بعد ما بيعرف ان أنا اللي الصح .


نظرت لها بفتور هاتفة بتشنج 


= لا مش بكذب يا فريده وانتٍ عارفه كويس اسبابه بس مش عاوزه تواجهي نفسك، هو بعد عنك عشان هو زي اي راجل مش عايز ان الست اللي هيتجوزها ما يكونش مش هو اول راجل لمسها؟ مش مستحمل كلام الناس عليكي خصوصا بعد ما بقيتي حامل؟ مش عاوز يشيل مسؤوليتك وهو مش قدها؟ افهمي بقى ان احنا اللي عاوزين مصلحتك وما حدش في الدنيا هيستحمل الوضع اللي انتٍ عاوزه تمشي فيه .


رغم الألم الذي يحتاجها يجسدها إلا أنها جذبت حجاب والدتها من أعلي راسها كي تهرول إلى الأسفل، اتسعت خيرية عيناها بدهشة لتصيح بانفعال


= فريده تعالي هنا، انتٍ يا بنت رايحه فين  بلاش فضايح .


لم تتوقف بل أكملت ركض حتي وصلت إلى الأسفل، إزدادت إرتجاف فريدة وهي تقف في منتصف الشارع وتشاهد من اعلى الشرفه الالوان والانوار المبهجه حولها دليل علي مناسبة ما اليوم بالمنزل لديهما، أجبرت نفسها علي الصعود إلى منزله كانت تلوم نفسها لألاف المرات لخنوعها إلي قلبها فهل جاءت حتي تسمع تبرير منه وتصدق كالعاده ام ماذا؟ وقفت أمام الباب كانت نظراتها زائغة ، وقلبها ينبض بقوة بين ضلوعها ، أنفاسها لاهثة رغم إنتظام تنفسها، فكل شيء من حولها يوحي بأن حديث اختها صحيح!! بعد فترة اخيرا طرقت على الباب وفتح هو محدق بها بصدمة كبيرة وتوتر وكان مرتدي بدله سوداء.. وفي نفس اللحظه كان اطلاق الزغاريد بالداخل عالياً، تراجعت بيأس للخلف رغم تأكدها من الخبر تألمت، رمشت بعينيها بتوتر ملحوظ ، ثم ابتلعت ريقها وهي تعقب


= تعرف أن لما بتعرف حقيقة حد، بتحس ان شكله حتى اتغير ... اهو أنا دلوقتي شايفاك واحد تاني ما اعرفوش؟ شكلك اتغير اوي يا أسر لدرجه اني قرفانه ابص في وشك، هو انت فعلا خطبت غيري !؟. 


تأملها أسر بتمعن وحزن شديد .. فهي كانت ترتجف رغم تلك الشجاعة الزائفة التي تحاول إظهارها أمامه، فعينيها تفضحاها ، وشفتيها الذابلتين لا تستطيعان إخفاء صك أسنانها  فكل ذرة في كيانها تصرخ من الوجع أطنان وعندما طال صمته كانت اجابته وصلت لها 


= بس عارف اكتر حاجه بتوجع ايه إن انا لسه بحبك ! بحاول دلوقتي أكرهك وانسي من اول ما سمعت الخبر من اختي بس ماعرفتش، بالعكس لقيت نفسي بدور عليك علشان اشوفك واسمع مبرراتك وكعادة بصدق! وأنت تستغل ده .. انا حبيت عيوبك اكتر من مميزاتك يا أسر وانت حتى محبتنيش ..بس احنا ما اتفقناش على كده مش انت كنت بتقول ان انا احلى حاجه حصلت في حياتك طب بتضيعني من ايدك ليه دلوقتي؟؟ 


ضغط على يدة بعنف مكتوم وقد لمعت عيناه من الألم لكن رغم ذلك لم يستطع التراجع !!.  

إزدادت نبرة صوتها حدة وهي تعنفه قائلة 


= ما تسكتش .. أنا مستاهلش منك كل ده ! 

انا حبيتك قوي وعشقتك.. انا وثقت بيك اكثر من اي حد في حياتي يا أسر فاهم يعني ايه؟ كنت فاكره انك بتحبني.. بس طلعت كنت غبيه قوي بشكل 


كم كان عدد اللوم والندم الذي كأن بكلماتها؟ فتخيل أن يأتي شخص ما ليقول لك هذه الجملة لأنه وثق بك وأعطاك كل الحلو الذي بداخله، وفي النهاية يرى خيبة أمل ونقص بقيمته لديك!


أبتسمت وقد غزي الألم قلبها وهي تنظر إليه وتراه صامت، لا تعلم لما شعرت بحرقة بقلبها وعينيها وهي تجد عقلها يخبرها بأن من الواضح لم يعد لها ومن حقها وقد انجذب لغيرها


= انا كنت حاسة انك هتروح لواحدة تانية من البداية، كنت بحس بغدرك إللي كل الناس حذرتني منه .. حتي في نظرة عينيك وانت بتداريها ومش بترضى تبصلي شكيت .. فكرت اواجهك بس مقدرتش عارف ليه ؟؟ لاني كنت شايفاك كبير اوي في نظري وعمري ما تخيلت أبدا انك ممكن تكون خـاين! ، رغم ان كل حاجه كانت بتقول انك هتبعد عني؟ بس كنت برضه بقول هو عمره ما يغلط غلطة زي دي أبدأ .. عمرة ما هيسيبني !! أسر اللي حبيته راجل ومش في طبعه الغدر


هزت رأسها بعدم استعياب الأمر مطولاً، و أجفلت عينيها للأسفل ترثي حالها وحاولت أن تبدو هادئة أمامه حتي لا يري ضعفها أكثر من ذلك ، ولكن لا يمكن لأحد أن ينكر تعابير الحزن المرسومة عليها، تنهدت فريدة في آسى ، ثم أردفت بنبرة حزينة 


= انا عملت علشانك كتير وأنت ولا عملت أي حاجه غير أنك بتخلق أعذار، وانا افضل اقول لنفسي ما هو بيحبك غيران عليك و اللي بيحب مش ممكن بياذي ده هو اللي هيحميكي من اي غدر كنت فاكرك السند والظهر ليا عارف انا حبيتك قد ايه .. بس علي قد ما حبيتك زمان قد ما كرهتك دلوقتي.. انا كرهتك لدرجه القرف يا أسر .


ابتلع أسر ريقه ونظر لها بتوجس وهو يرى عيناها تحمل نظرات اشمئزاز له 


= فريدة افهميني المشوار كان صعب عليا بجد اني اتحمله .. مقدرتش أكمل .


إكفهر وجهها بطريقة مريبة وإزداد إنعقاد ما بين حاجبيها قبل أن تنطق بمرارة


= انت سبتني عشان تريح دماغك تعبت انك تكمل مشوار ما بداتوش اصلا وسبتني في اول الطريق.. 


نظرت له شزراً باحتقار، ثم أكملت نحيبها بصوت مكتوم


= مبروك يا عريس على الله بس تطلع راجل 

معاها بجد .. مش ذي ما كنت معايا .


أخفض رأسه بقله حيلة وابتلع إهانته وهو يردد بضعف 


= انا آسف سامحيني ، انا عارف اني غلطت غلطة كبيرة في حقك .


ابتسمت بسخرية مريره على كلماته فبعد كل ذلك الحديث والعتاب لا يجيب سوي بكلمة  "آسف" وأنه اخطاء بالفعل، لكن ربما خطاها هي! هي من إندفعت بغزارة باتجاه ما تريد فخذلتها خطواتها في منتصف الطريق، اتبعت طرقاً ليس لها، حتى عادت مهزومة ، متعبة كأنها تحمل مشقة الطريق ، عادت بلا شغف ، لا طريق تنتمي إليه ، أصابها البرود نحو كل شيء وللأبد ..ما عادت هي نفسها التي تعرفها ..


خلعت محبس خطبتها ثم أمسكت بيدة لتفتحها و وضعت الخاتم داخلها، و حدجته فريدة بنظرات مميتة فإنتفض قلبها فلقد انكتبت النهاية وأنتهي كل شيئاً ، تعالت دقات القلب ثم تراجعت بقدميها المرتعشتين للخلف وضمت يديها إلى صدرها نحو قلبها الخائن الذي تعالت دقاته بضعف لتضغط علية  بعنف شديد كأنها تريد ان تخلعه من صدرها وتعنفه علي ذلك، نظرت إليه نظرة أخيرا  بخيبة أمل كبيرة.. ثم سارت في اتجاهها كما جاءت عائده بخطوات قوية.


شعر أسر بانكسار فى قلبه ثم سأم وجهه للحظه، لكن أليس هذا ما أراده أن يبتعد عنها، هل أخطأ الآن عندما تركها وابتعد عنها في أكثر الأوقات هي بحاجة له؟ لكن هو أراد ان يبتعد عنها قبل أن يتركها بعد ذلك في منتصف مشوارها .. ربما هذا مبررة حتى يريح نفسة، فهو لم يبدأ المشوار من الأساس معها كما قالت فإذا لم يبتعد بالتأكيد ما كان عاش ذلك لكن متأكد أن سيظل يعيش بمرارة الندم.


"الكثير من الأحلام، والكثير من خيبات الأمل، والكثير من الوعود، وفي النهاية، كُل شيء يتبخر ولا يبقى شيء.. و الآن عادوا إلى الطريقة الذي بداوا به.. واصبحوا غرباء."


توهجت عيناي حسام بلمعان قوي، و هز رأسه باستنكار كبير رافضة تصديق ما أخبرته به والدته قبل برهة؟ حدق بها بعدم استعياب و هو يتذكر كلماتها بأنها اتفقت مع عائله فريدة تلك الفتاة التي اعتدي عليها وافقدها شرفها دون رحمة! ستصبح زوجتة قريباً حتي تسقط الدعوة ويخرج من هنا؟ فبالرغم من أنها إعجبته تلك الليلة واخذها دون رضاها لكنه لم يرغب مطلقاً بالزواج منها ويتحمل مسؤوليتها 

هو أراد أرضا شهوته حينها لا أكثر.. لكن لم يتخيل نفسه متزوج منها أو من غيرها يوماً !!. 


لوح حسام بذراعيه في الهواء وهو يتحدث بصوت صارخ ممزوج بعنف 


= نعم! اتجوز مين وانتٍ ازاي تعملي حاجه زي كده من غير ما تاخدي راي ؟. 


هـزت والدته رأسها في إمتعاض ثم أردفت على مضض 


= امال كنت عاوزني اعمل ايه؟ اسيبك تتعدم وتروح مني، هو انت فاكر ان كان قدامي حل تاني وقلت لا، اذا كان المحامي ذات نفسه اللي انا موكلاه هو اللي اقترح عليا كده عشان فهمني ان كل حاجه ضدك وما فيش اي ثغره في القضية عارف يمسكها عشان يطلعك.. يعني يا فالح القضيه لبساك لابساك  


جز على أسنانه بقوة ثم زم ثغره ، وأردف بنبرة جادة


= برده كنتي دوري على اي حل تاني غير انك تدبسيني في الجواز من واحده ما اعرفهاش، وبعدين حد قال لك ان انا عاوزه اتجوز أصلا ويوم ما اتجوز اتجوز غصبانيه بالطريقه دي .


نفخ هو بإنزعاج ونهرها بضيق


= انا مش بتاعه مسؤوليه جواز وقرفه ولا عاوز اربط نفسي بواحده ذيها على ذمتي، هو انا عارف عنها حاجه اصلا عشان اتجوزها.. انا عاوز يوم ما اتجوز اتجوز واحده باختياري واكون بحبها 


ضربت كف علي كف بيدها وهي تكاد أن تجن من استهوانه بالأمر لتردف بتهكم صريح 


= حبك برص يا بعيد هو انت يا واد مش متصور خطوره الموضوع بقول لك القضيه لابسك لبساك تقولي مش بحبها، ده الحمد لله ان عرفت امايل دماغ اهلها ووافقوا.


ثم أشارت هي بإصبعها في وجهه محذراً وهي تتابع بصوت عنيف


= وبعدين في مصيبه اكبر انت لحد دلوقتي مش عارفها ان البنت طلعت حامل منك.


حدجها بنظرات مطولة بذهول ورمش بعينيه في صدمة وظل صامت لعدة لحظات بسبب المفاجأة، ولم يحيد بعينيه الصارمتين عنها وهو يقول بنبرة مهزوزة 


= آآ حامل .


❈-❈-❈


كان شعوراً قاسياً للغاية أن تفقد كل شيء في لحظة واحدة و أن تتدمر حياتها ومستقبلها وعائلتها بدات في التخلي عنها و خطيبها ذهب للبحث عن غيرها لبدا حياة جديدة مع فتاة صالحه لم تفقد شرفها كما يريد ولا الجميع يتحدث عن سمعتها السيئة !! أما هي فلم تعد تصبح شئ.. وقد تحاولت من فتاه مظلومه فقدت شرفها إلى مجرمة مدانة ومهددة بالعقاب الوخيم على جرائم لم ترتكبها .. لم يستطع عقلها تحمل كل تلك الصدمات دفعة واحدة ، فإنهـارت وبكت بحرقة.. في أحوالها لكن ليس أسوأ بكثير من أن تعيش بكامل قواها مع ذلك المغتصب تحت سقف واحد .. 


أنزلت فريدة قبضتيها إلى جانبها أعلي الاريكه التي تجلس عليها بهزيمة إنتفخ أنفها وإزداد إحمرار وتورم عينيها من البكاء و حسرتها، عضت على شفتيها لم يعدْ لديها ما تخسره والأمل الوحيد لكي تفوز بحقها عائلتها يردون خسارتها، اقتربت منها والدتها وهي تنظر نحوها بشفقة 


= انتٍ لسه زعلانه وبتفكري فيه! انسي يا فريده اللي باعك بيعي .


لم تجبها فريدة بل ظل يتردد صوت أنينها المختنق لحظات، ورمقتها بنظرات غير مبالية وهي تقول بنبرة مختنقة


= مش زعلانة بس مش مبسوطة .. حاسة إن كل حاجة ناقصة وهو مش موجود ..حاسة إن لسه واحشني جداً ومش هقدر انساه.. عارف لما تكون كل احلامك انك تبقى مع الشخص ده وهو بكل بساطه يقول لك لا مش عاوز ! 


اقتربت أمها تجلس جانبها مردافة 


= الوضوح هو اللي بيبني الثقه ، و الثقه دي لو مبقتش موجوده أو إتهزت بيكون صعب إنها ترجع تاني .. وأسر ما كانش واضح من البدايه

بلاش الثقه الكبيره اللي بتديها له وتعشمي نفسك في يا بنت بطني، اديكي في الاخر انتٍ اللي بتدفعي التمن .


أومأت برأسها عدة مرات موافقة، ثم نكست  رأسها في حزن وتنهدت بمرارة وقالت بنبرة آسفة


= صح دايما الغلط بدأ مني، و ده غلط، أكيد أنا المفروض ماجيش على نفسي علشان خاطر حد، أنا خلاص بقيت مش عايزة أصدق حد تاني، عمري ما هصدق حد تاني..


طبطبت خيريه علي كتفها بحنان وهي تردف


= ماتغيريش نفسك علشان حد


تنهدت فريدة في يأس وأجفلت عينيها في حزن بائن علي ملامحها البائسة 


= أنا بعمل كده علشاني علشان ماتوجعش تاني.


نهضت و تعالت شهقاتها المصحوبة بالعويل وهي تبكي بحرقة.. فإنتبه لصوتها أبيها المتواجد بالخارج فلجأ إلى الغرفة ونظر إليها بضيق شديد عندما قالت


= الواحد ساعات بيحلم وساعات بيشطح كده باحلامه وبيصدقها .. ذي ما انا صدقت أنكم أهلي و يهمكم مصلحتي .


تحرك نحوها ووقف أمامها ، و رمقها بنظرات ساخطة ، وهو يردف بعصبية شديدة


= ما كفايه بقي يا فريده هو انتٍ فاكره انا مبسوط باللي بعمله وفرحان، انتٍ مش شايفه حالتنا بقت عامله ازاي؟ مش لوحدك بتخسري وتعبانه كلنا بنخسر وتعبانين زيك واكتر.. عماله تلومينا كاننا السبب اللي حصل لك مع ان انتٍ بقى بصراحه السبب في اللي حصل لك والمفروض وما تلوميش حد غير نفسك

كنتي مستني ايه لما ترجعيلي الساعه ١٢ بالليل لوحدك !!. اللي جه في دماغك لما ما سمعتيش لينا وردتي على تليفونك وكنتي قاصده انك تتاخري عشان تساعدي صاحبتك  


إبتلعت هي ريقها بمرارة من إهانته لها بسبب كلماته فكيف يفكر بتلك الطريقه ويفكر بذلك العقل، هي أبنته علي يدة تربت ويعرفها ويعرف أخلاقها جيداً... إرتعش جسدها على ذلك الصوت القوي ، وإنتبهت له والى كلماته القاسيه، وضيقت عينيها لتنظر إليه بتوجس شديد وهي لا تستوعب كلماته حين اكمل قائلا بغضب أشد


= ما ربنا خلقنا لينا عقل برده! يبقي ما ترجعيش ترمي نفسك في الدهلكه وتقولي الحقوني .. وانتٍ السبب في أن الحيوان ده اتعرضلك و اديتي الفرصه 


صراخ و كلمات والدها جعل غضبها أضعاف فدفعت بيدها صوب المرآة قربها وضربتها بأقوى ما فيها حتى تشتت لفتات صغيرة وهي تصرخ... انتفضت ريهام شقيقتها على فعلتها المتهوره لتسرع تأخذت اولادها وتدخل الى غرفه فارغه حتى لا يشاهدوا ذلك المشهد الصعب .


شهق والدها مصدوماً بينما ظلت تضرب المرآة بكل قوتها وبداخلها ذكرياتها المريرة تمر جميعها.. اغتصابها.. تخلي عائلتها عنها..خطوبه أسر.. قسوة أسرتها عليها بطلبهم بأنها تتزوج مغتصبها.!! بينما كانت خيرية تنظر مصدومة من الحال الذي وصلت إليه وكيف قطرات الدماء بدأت تتساقط من جروح يديها....عادت من صدمتها وامسكت ذراعها وهي ما زالت تضربه بتلك المرأة وكأنها تعاقب نفسها على كل شيئ ....


لكن هي لم يهمها نزفها فقد نزفت اضعاف من ذلك ولم يهتم احد لها، توقفت اخيرا عن ضرب المراه بيدها عندما شعرت بان الالام قد تفوقت حملها، بينما كتمت والدتها بيديها فمها وهي تبكي بحرقه على حالتها، وفي ذلك الأثناء سقطت فريدة بالأرض بضعف من التعب فإنكمشت على نفسها وتشنج كتفيها من الوجع وإرتجفت شفتيها مع رمشت بأهدابها الكثيفة بلا توقف وهي تقول بصوت مبحوح


= بقيت تتكلم زيهم؟ زي الناس اللي بره اللي ما عندهاش قلب اللي ما بتحطش نفسها مكان البني ادم اللي عنده مصيبه قبل ما تحكم عليه وتلومه؟ وبقيت كمان تطلع مبررات للجاني وتدافع عنه! انا جايز اكون فعلا غلط أن رجعت في وقت متأخر وساعدت صاحبتي زي ما انت بتقول بس ما اسمهاش غلطه! اسمعها كانت نيتي خير! ومعلش مش بقرا الطالع وكنت عارفه اللي هيحصل لي يومها، حتى لو كنت غلط! 


وها هي في تلك اللحظة تستعيد جزءاً بعد الأخر من ذلك اليوم المرير، أغمضت عينيها لتترك لعبراتها الفرصة بالانهيار لتغرق وجنتيها وشهقت بصوتٍ مكتوم وهي تردد


= انما الحيوان اللي انت بتبرر لي هو اللي حلال في الموت! وما ينفعش تدور على مبررات لاي كلب زيه بيفكر يتعرض لواحده غصب عنها سواء بيتحرش بيها ولا يغتصبها؟ ده انا حتى لو خارجه من غير لبسي المفروض هو ما يفكرش لو مجرد تفكير يقرب مني وهيتحاسب زيي بالضبط!! ما بالك ما كانتش في نيتي حاجه وانا خارجه من هنا واتعرض لي .


فتحت عينيها الدامعتين فحدجها والدها بقله حيلة و ابتلع ريقه وهو يضيف بجموح 


= خلاص قلتيها بنفسك ما حدش عارف اللي هيحصل له ولا بقى بايدينا نرجع اللي فات يبقى اسمعي كلامنا ونحاول نحل الموضوع بهدوء بدل القضايا اللي ما لهاش لازمه غير انها فضحانه، و ممكن الشاب ده تكون اول غلطه لي وندمان زي ما امه قالت ويتوب على ايدك .


إنسابت العبرات على وجنتيها بإستنكار، و حاولت أن تتحدث ولكن خرج صوتها مختنقاً مكتوماً حينما أردفت 


= ندمان!! طب وانا حقي منه فين قصاد اللي عمله فيا؟ انا واحده اغتصبت.. واتضربت.. واتهنت.. واتوجعت.. وخسرت كل حاجه.. واديني انا اللي بدفع الثمن رغم انها مش غلطتي؟ وانت بمنتهى البساطه جايه تقول لي انسي لا كمان عيشي مع اللي عمل فيكي كل ده، هو انتم بجد بتفكروا ازاي؟ اذا كان عمل فيا كل ده وانا مش مراته؟ امال بعد الجواز لما يتقفل علينا باب واحد هيعمل فيا ايه؟؟ هو انا مش بنتكم ليه مصرين تضيعوني بالشكل ده وتضيعوا مستقبلي.. حرام عليكم .


ريقة قد جف وصـار كالعلقم من المناهده بالحديث معها، وجاهد لتواصل الحديث علي ذلك النحو وأجاب بتلعثم بـ 


= هناخد عليه تعهد انه مش هيعملك حاجه تاني، وكل طلباتك وشروطك اللي هتطلبيها الست قالتلي مجابه 


عضت على شفتها السفلى بيأس، ثم خرج صوتها ضعيفاً متقطعاً متلعثماً وهي تحاول إجابته وسط انهيارها 


= و انتم ايه ضـمانكم أنه مش هيعمل حاجه فيا وحشه؟ ايه الضـمـان انه مش هيغتصبني تاني، إيه الضـمـان انه هيتقي ربنا فيا ومش هياذيني.. ايه ضـمـان بالنسبه لكم عشان ترموني الرميه دي لي !. 


❈-❈-❈


في منزل ليان السابق ، تحركت والدتها  بخطوات ثقيلة وهي تجلس فوق المقعد بتعب هاتفة بوهن


= ليان ادخلي يا حبيبتي شوفي جوزك هيفطر معانا هنا ولا لا .. او ادخلي احسن افطري معاه جوه عشان ياخد راحته .


هزت رأسها بالموافقه ثم دلفت إلى غرفتها القديمة عندما كان ذلك منزلها السابق قبل زواجها وسفر عائلتها الى الخارج، دخلت لتجد أيمن جالس على الاريكه شارد الذهن اقتربت منه وعلى ثغرها ابتسامة خفيفة ثم انحنت واضعة صينية الطعام والحلوى على الطاولة لتعتدل بعدها في وقفتها رامقة إياه بنظرات مشرقة، بينما نظر لها أيمن بغموض واضح، وتعمد إظهار امتعاضه منها، لـ تستطرد حديثها

قائله


= ايمن انا جبتلك الفطار مش هتفطر ولا تحب نفطر بره مع ماما .


ران الصمت بالغرفه ولم يقطعه سوى كلماته 

المفاجاه وهو يتساءل باتهام


= طارق كان بيعمل ايه امبارح في العزاء يا ليان .


انفرجت شفتاها واتسعت ليان عيناها بصدمة ولم تنطق، نهض أيمن ليقف أمامها و الدماء كانت تغلي داخله من الغيرة ثم هدر بعدها صائحًا بتهكم


= ايه مالك مصدومه كده ليه؟ ماتوقعتيش ان انا عارف شكله صح؟ ولا إني خدت بالي منه وشفته و هو في العزاء امبارح بتاع والدك! صحيح هو عرف منين اصلا ان والدك مات المفروض ان انا واخد منك تليفونك من اول ما عرفت اللي حصل ولا الهانم اول ما صدقت اخذت التليفون مني واتواصلت معاه من تاني .  


عبست نظراتها من اتهامه، واكتسى وجهها بالحزن لمجرد التفكير في الأمر وهي تردف بسرعه 


= والله العظيم ابدا ما اتصلتش بيه ولا ليا علاقه بيه ولا اعرف اصلا هو جي العزم امبارح ليه ولا أنه عرف منين أن بابا مات؟ بس كل قريبنا منزلين على صفحات التواصل ان بابا مات عشان يجوا يعزوا.. جايز هو عرف من حد ثاني لكن انا لا.. ولو مش مصدقاني اتفضل شوف تليفوني بنفسك انا ما اتواصلتش مع حد منه اصلا من ساعه ما اخذته منك 


نظر لها باحتقار، ليفرغ ما استثير بداخله من مشاعر مهتاجة ثائرة متمتمًا بعدوانية من بين أسنانه المضغوطة بشراسةٍ


= تعرفي يا ليان انا اكتشفت ان مهما احاول احرس وابعد عنك اي حاجه ممكن تحاولي من خلالها أنك تخونيني برده مش هعرف لان اللي فيه طبع ما بيبطلوش .. الست اللي عاوزه تخون جوزها هتخونه حتى لو قافل عليها ١٠٠ باب .


ابتلعت ريقها بتوتر من أسلوبه الجاف الصارم الذي يلبك جسدها ويبث الرعب في قلبها، 

لتسرع هاتفه بصدق 


= بس انا مش بكدب المره دي يا أيمن والله العظيم ما اتصلت بيه ولا حاولت اكلمه في العزاء .


تحرك أيمن ليرحل بعد ان رمقها بسخرية وعدم تصدق، بينما تشجعت ليان لتقف قبالته تمنع إياه من الخروج، و وضعت يدها على ذراع زوجها قائلة بصوتٍ مختنق يتوسل 


= أيمن ما تمشيش وتسيبني كده طب قول لي انت مصدقني ولا لأ؟ انا وعدتك ان انا مش هكلمه تاني ولا هو ولا غيره انا خلاص عرفت غلطتي ومش هعملها تاني انت ليه مش عاوز تصدقني وتديني فرصه .


انتفض اثر لمستها علية وأبعدها بعنف شديد 

قائلاً بلهجته الحادة


= اصدق ايه هو انتٍ عملتي حاجه عاديه  عاوزاني في غمضه عين انسى ولا اكن في حاجه حصلت، ده لو انا اللي كنت عملت معاكي حاجه ذي كده، كنتي زمانك طلبتي الطلاق وبعدتي عني .. ما تستهونيش بعاملتك انتٍ خنتيني فاهمه يعني ايه؟ 


نظر لها بجمود، بوجه غير مقروء التعبيرات 

فردت عليه بانكسارٍ 


= فاهمه وندمانه وبضرب نفسي ١٠٠ جزمه ان  طوعت نفسي في حاجه زي كده وغلطت غلطه بالشكل ده


ثم أضافت بتوسل مستعطف


= ارجوك سامحني يا أيمن وحياه حبنا يا أيمن اديني فرصه اثبتلك ان انا فعلا ندمانه 


ابتسم باستهزاء قائلاً بعصبية واضحة وهو يرمقها بنظرات حادة 


= حبنا هو انتٍ فاكره اني بعد كل اللي عملتيه  واللي عرفته عنك والرسائل اللي شفتها بعيني مع البيه اللي جه امبارح يعزيكي لما صدق اي فرصه تيجيله عشان يشوفك من تاني مش قادر على بعدك شكلة .. هفضل بعد كل ده بحبك زي زمان؟ قسما بالله يا ليان لولا الناس اللي كانت حوالينا كنت زماني عرفته مقامه وازاي تيجيله الجراه يجيلك لحد هنا بعد اللي حصل.


تحولت قسمات وجه أيمن للشراسة والعبوس حينما تابع بتهكمٍ قاصدًا تعريتها أمام نفسها


= بس ارجع واقول انتٍ السبب في كده.. انتٍ اللي اديتي الفرصه دي يا هانم .. ما انتٍ لو كنتي محترمه وعارفه يعني ايه ست متربيه لما تتعرض لموقف زي كده وهي متجوزه؟ بتقفل كل الابواب وتمنع اي شخص يحاول يتعرض لها .. بس دي الست المحترمه المؤدبه اللي متربية كويس .. مش انتٍ .


استشعرت ليان من تلميحًا الصريح بالإساءة لها وكانه يعريها أمامه بسبب كلماته المهينه، لذا لم يطاوعها لسانها بان تنطق بحرف واحد وضغطت علي شفتيها السفلي كاتمة إهانتها 

وبدت كالفرخ المبتل أمامه، رمقها بنظرة مطولة تحمل تحذيرًا صريحًا وهو يضيف بصرامةٍ 


= ابعدي عني وما تجيش ورايا عشان مامتك ما تاخدش بالها ان في حاجه، كفايه اللي هي فيه بلاش تتصدم فيكي انتٍ كمان .. لما تعرف انها ما عرفتش تربي .


سبة أخلاقها علنية بطريقة مسيئة تعمد التلفظ بها ليهز ثقتها الزائفة أمامه وأمام نفسها، بينما هي احترقت كمدًا من اهانته القاسية، وهو أنهى الحديث بأسلوبه اللاذع قاطع أي أمل للتودد إليه، بل قضى على رغبتها في التعلق به، فمن الواضح أنها ستكمل حياتها بذلك الجحيم المتواصل وبذلك الذنب الثقيل، بدأت تستسلم لتلك العبرات التي هبطت من عينيها، و بكت حتى اختنق صدرها من كثرة البكاء... لكن هذه المره لا تعرف على أي شيء تبكي؟ اتبكي ندم ...ام تبكي على إهانتها .


❈-❈-❈


بعد مرور أيام، بداخل مكتب تسنيم رمقت ساعه يدها بنظرات تعجب وحيرة فمن المفترض اليوم لديها موعد مع فريدة لكنها لم تأتي حسب الموعد المحدد فكرت أن تتصل بها وتعرف السبب، وضغطت علي الهاتف بالفعل و أجابت أمها بدل منها، وهذا أشعر تسنيم بالقلق نحو فريدة اكثر بأن من الممكن قد حدث شيء سيء لها! حاولت رسم ابتسامه خفيفه وهي تتحدث بهدوء


= السلام عليكم انا تسنيم المحاميه اللي ماسكه القضيه بتاعه بنت حضرتك فريدة، معلش لو بتصل من غير ميعاد بس ميعادنا كان من ساعه ومحدش منكم جه قلت افكركم لا تكونوا نسيته عشان احنا عندنا جلسه قريبه في المحكمه اتحددت .


هزت خيرية رأسها في عدم إكتراث وهي تجيب عليها عبر الهاتف


= وعليكم السلام ايوه عرفتك، بخصوص ميعادنا انا ولا نسيت ولا حاجه بس احنا خلاص فضيناها سيره وهنحلها ودي 


ضيقت هي عينيها في عدم فهم، ثم لوت ثغرها للجانب وهي تقول ساخراً 


= افندم!! هي ايه دي اللي هتتحل ودي؟ لا معلش ما فهمتش كويس اللي انتٍ قلتيه هي القضيه اللي كانت مرفوعه كانت عشان خبط رجل بنت حضرتك من غير ما يقصده ولا حاجه ، دي قضيه اغتصاب !. 


زمت خيرية شفتيها بطريقة تعبر عن غيظها منها، و أردفت بسخط 


= يا ستي وانتٍ ايه اللي مضايقك انا اعرف كويس مصلحه بنتي فين وايه الصالح ليها، وخلاص اتفقنا على كل حاجه وقريبه فريدة هنتنازل عن القضيه كمان... 


تراجعت بخطوات بالمقعد للخلف لتنهض وهي تنظر بصدمة كبيرة غير مصدقة ما سمعته للتو، وقد تشنجت تعابير وجهها، ففرغت تسنيم شفتيها هاتفة بنبرة حادة 


= اتفقتوا علي ايه ومع مين؟ هو انتٍ مستوعبه كلامك عاوزين تتنزلوا على القضيه بعد كل اللي وصلنا لي، ده خلاص المحكمه حددت جلسه لينا واحنا اللي معانا الحق وادله اكتر منهم! وانتٍ تيجي بكل بساطه تضيعي حق بنتك؟ 


صمتت ولم تتحدث الأخري فإغتاظت منها ولم تسيطر على نفسها حينما صرخت فيها بعنف 


= هي فين فريده انا عاوزه اتكلم معاها هي موافقه على الكلام ده ولا انتم غصبتوها على كده . 


تحولت خيرية نظراتها بإزدراء و انفجرت فيها غاضبة وهي تشيح بيدها 


= لا ده انتٍ زودتيها أوي، بقول لك ايه انتٍ مجرد محاميه كنا موكلينها وما لكيش الحق تقولي لي اعمل إيه وما اعملش؟ وبالمناسبه كمان التوكيل اللي بنتي كانت عامله ليكي عشان القضية كلها يومين وهلغيه يعني خلاص ما بقاش في قضيه ولا انتٍ ليكي علاقه بينا .


❈-❈-❈


في منزل زكريا، كانت مهرة حبيسه باحد الغرف ولم يجرؤ احد على ان يخرجها بعد تعليمات والدها الحازمه.. استندت بجسدها أعلي الفراش و أغمضت عينيها المتورمه ، وبدى وجهها أكثر شحوباً عما مضي.. فالذي اختلف معها في الأمر الآن بانها ربما تحرم من تعليمها وتتزوج برجل يكبرها بسنوات كثيره! رغم ان والدها لم يعطي الموافقة الاخيره بالامر لكنها خائفه من القادم؟ فقد حرمت من تعليمها وهذا امر تم الحسم فيه .. اما الأمر الثاني بخصوص زواجها فقد تولوا أمره أنس و زوجته حسناء التي ما زالت لا تعرف ما هي مصلحتهم بتلك الاكاذيب .


نكست مهرة رأسها في حزن وتنهدت بمرارة

وهي تشعر بالظلم و الاهانه فكيف يصدق والدها تلك الادعاءات عنها، لكن هذا طبعة بالأساس لا تنكر! يصدق ما يراه دون سماع المبررات، و بالاخص إذا الامر تعلق بالفتيات... تأوهت من الآلم عندما بدأت تتململ في مكانها فشعرت بآلام في عظام عنقها وكتفيها وأجزاء من ساقيها نتيجه لضربها العنيف من والدها.... فأصدرت أنيناً مكتوماً وهي تجاهد لتحريك جسدها.. ثم حركت يدها و دلكت جسدها برفق لتخفف من حدة آلام الذي يعتري جسدها بالكامل.. فقد إنهارت مقاومتها تماماً و إستسلمت بإحباط لمصيرها المظلم .


بينما فيه الخارج كانت حسناء تضع الطعام بالارض فوق المفرش، وعلى الجانب الاخر يجلس زكريا و ابنائه، تنهدت حسناء بغضب مكتوم وهي تنظر الى زوجها بنظره فهمها جيد 

ليهز رأسة بالموافقه بطاعة، ثم زفر أنس في ضيق وحدث والده بخفوت


= ايه يابا يعني ما ردتش عليا في موضوع زاهر بيه، الراجل مستني وهتبقى عيبه في حقنا أن احنا سايبينه كل ده من غير رد 

    

نفخ زكريا من الضيق ووضع يده على رأسه  ثم حكها عدة مرات بطريقة غاضبة، هاتف بتذمرٍ


= هو انت شايف الموضوع في رد، من غير تفكير رافض طبعا البنت صغيره عليه ده الفرق بينهم كبير يجي ٢٥ سنه ولا ٣٠ سنه، بس انا مش عارف اجيبهاله ازاي؟ و اقول له لأ.. ده احنا لحم كتافنا من خيره .


احتقنت حسناء عينيها بحمرة غاضبة من ردة وتسربت بعض الدماء التي تغلي في عروقها إلى وجنتيها فبعد كل تلك المخططات و احلامها التي سعت اليها بمخيلها، ياتي هو ويرفض.. لكنها لم تستسلم للامر، لوت هي ثغرها في إزعاج وتنهدت في ضيق قائلة بقلق زائف 


= الا معاك حق يا حمايا ده أقل حاجه ممكن يعملها، يطردكم ويقطع عيشكم من المحل و

تبقى مصيبه اكبر لو قلب عليكوا !. ده انس بيقول لي الراجل ده كبير ولي كلمه مسموعه في السوق على الكل .


هتف بنبرة شبه محتدة وهو مكور لقبضة يده اليمنى 


= ما ده اللي انا شايل همه، انا لو عليا عاوزه اناسبه هو انا اطول بس ازاي والفرق اللي بينهم كبير .. دي البنت تاجي قد عيله من عياله لو كان ربنا كرمه وخلف .


شهقت حسناء بخوف ورعب زائف وهي تقول بنبرة مغلوب أمرها 


= يادي النصيبه السوداء يعني بعد ما ربنا  كرمنا وقلت خلاص أبواب الهناء والسعد  هتتفتحلنا، بعد ما زاهر باشا وعد انس بانه يمسك محل بحاله ويكون الريس عليه وكلمته مسموعه على الكل .. يلا بقى ملناش نصيب .


انتبه زكريا إلي كلماتها بسرعه واتسعت عيناه بعدم تصديق ليردف باهتمام 


= هو صحيح الكلام ده يا انس زاهر باشا وعدك هيمسكك محل من محلاته لو وافقت على الجواز .


إعتلى ثغرها إبتسامة رضا، ليهتف زوجها مؤكد حديثها بسرعه  


= حصل يابا وعدني بكده فعلا وقال لي كمان هتختار المحل اللي انت عاوزه، شوف انت بقى لو كنا وافقنا كان هيديك ايه؟ لما انا هيمسكني محل بحاله .. يلا بقي على راي حسناء ملناش نصيب وشكلنا كده هنفضل طول عمرنا عايشين في الفقر و لقمه العيش اللي بتيجي بالذل .


صمت زكريا للحظات وهو غارق في افكاره، 

ثم رسمت حسناء على ثغرها إبتسامة لئيمة ، وراقبت علامات التردد والطمع التي إكتست على قسمات وجه حماها وكذلك نظرات اللهفة التي برزت من عينيه بطريقة أغرتها للاستمرار في حديثها علي ذلك النحو، تنحنحت بخشونة ونظرت له بنظرات مليئة بالخبث و المكر 


= مالك يا حمايا سرحان في ايه؟ هو انت بتفكر توافق، احنا برده مش قد زاهر باشا !.  ومهرة مش هتكون اول ولا اخر واحده تتجوز راجل اكبر منها والراجل ما يعبوش إلا جيبه طالما كسيبه وقادر يفتح بدل البيت عشرة.. ولا ايه يا حمايا .


حدق زكريا أمامه في نقطة ما بالفراغ، وقال  بصوت خشن بحيرة رغم هدوئه


= هاه.


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية بدون ضمان, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة