-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 26

 

   رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل السادس والعشرون

"   ثأر واجب النفاذ  "



خشى أن يسمع منها ما يفسد سعادتهما ، التى جاءت بعد عناء ، ورغم ذلك أرهف سمعه ليلتقط حروفها بدقة ، بل ضغط على ظهرها بحنان ليبقي عليها بين ذراعيه ، كأنها ما أن ستبتعد عنه سيصبح مزاجها أشد سوءاً كتلك الأيام التى قضاها معها فى معاناة محاولة منه أن يصرف عنها حزنها الشديد ، واليوم هو يومهما الأول خارج قصر النعمانى ، بعد محادثتهما فى مشفاه وإخبارها له بقرارها النهائى فى عدم تركه أو الإنفصال عنه ، وحرص على أن ينعمان بيومهما كتلك الأيام الخوالى عندما كانا عاشقان حديثى العهد بالزواج ، لذلك أعد لها مفاجأة أراد أن يخبرها إياها فى تلك الغرفة ، التى سبق لهما قضاء ليلة بها عندما أراد إخبارها بكل ماضيه ، وأراد اليوم أن تكون ليلة أكثر دفئاً ويخبرها بذلك الأمر الذى تمنى أن يساهم فى تحسين مزاجها 


فسألها بحيرة :

– طلب إيه ده يا روحى؟


أبتعد عنها لكى ينظر إليها بوضوح ، ولكن ما طمئنه قليلاً أنها تبتسم وهادئة ولا يبدو عليها أنها ستطلب المحال 


فأجابته باسمة :

– متخافش كده مش هطلب منك حاجة صعبة يعنى ولا مستحيلة 


إستمتعت حياء بحيرته فى التكهن بما تريده منه ، مما جعله يحاول إستعطافها لعلها تكون رحيمة به وبمطلبها منه ، كما يفعل الآن من أنفاس دافئة سخية راح يوزعها على وجهها وهو يهمهم بأنه على إستعداد تام لتلبية كافة مطالبها ، التى سيفعل المستحيل من أجل تحقيقها ، فضحكت حياء بخفوت كون أن مطلبها لن يكون عسيراً ولن يطلب منه جهداً سوى أن يمنحها موافقته ويكون برفقتها 


أطرب أذنيها بعبارته التى جاءتها همساً فى أذنها :

– عايزة إيه ياحبيبتي أنتى لو طلبتى روحى مش هأخرها عنك 


أغمضت عينيها إستمتاعاً بحديثه ، ولم يقتصر إستمتاعها على عذب حديثه ، بل وقوفها بين يديه بعث بها الدفء خاصة أن ضآلة حجمها مقارنة به جعلته لا يجد جهداً فى إحتواءها ، فردت قائلة بعد لحظات وهى واضعة رأسها على كتفه :

– عايزة نسافر نعمل عمرة سوا ، إحنا شهر عسلنا مكملنهوش ، فعايزة نسافر السعودية وبعد كده نروح أى مكان تانى نقضى فيه يومين ، عايزة أسافر ، أنا لما كنت زعلانة منك كنت بفكر أسافر أنا وديفيد نعمل عمرة بما أنه أعلن اسلامه بس مش عارفة ليه أتهرب منى وقتها ، حتى دلوقتى من ساعة ما قالى انه مسافر معرفش حاجة عنه ولا حتى بيرد على رسايلى ليه ، وبجد أنا محتاجة العمرة دى جداً


زفر راسل براحة بعد سماع مطلبها ، فقال وهو يقبل رأسها :

– بس كده أنتى تؤمرى يا روحى ، هظبط شغلى وكل حاجة ونسافر ، لأن عندى جدول عمليات كتير الفترة الجاية ، يعنى ممكن نسافر على بداية الشهر الجاى ، وبالنسبة للمكان التانى اللى هنسافره انا هقولك نسافر فين ودى من ضمن المفاجئة اللى كنت هقولك عليها جوا


إستقرت قدميها أرضاً بعدما أرخى عنها ذراعيه ، وأخذ يدها ليجعلها تسير معه إلى تلك الغرفة بالحديقة ، فكأنما غادرتها بالأمس ، وجدت كل شئ بها كما تم تنظيمه بتلك الليلة ، التى لم تستطع نسيانها ، جذب نظرها تلك الطاولة التى تتوسط الغرفة وعلى سطحها شموع ملونة من ذلك النوع المفضل لديها دائماً ، أقتربت منها ولمستها بطرف سبابتها وبحثت عن قداحة لإشعالها، ولكن وجدت راسل يخرج من جيبه ورقة لإعلان عن إحدى المستشفيات فى لندن، فناولها إياها وأولته ظهرها لتضع حقيبتها على الطاولة وقلبتها بين يديها لتعلم سبب وجودها معه


فخطى راسل بخطواته تجاهها حتى صار ملاصقاً لها ، فوضع رأسه على كتفها قائلاً بإبتسامة :

– إيه رأيك فى المفاجئة دى 


حركت حياء رأسها وإستدارت إليه وتساءلت :

– مش فاهمة ايه علاقة ورقة الإعلان ده بالمفاجئة ، مستشفى إيه دى ؟ 


أخذ راسل منها ورقة الإعلان ووضعها على الطاولة ، فدعاها أولاً للجلوس على ذلك المتكأ الموضوع قريباً من المدفأة ، وبعد جلوسهما أخذ يديها بين كفيه ورمقها بنظرة مطولة قبل أن يقول بهدوء :


– هى المفاجأة اللى قولتلك هقولك عليها إن فى مستشفى فى لندن وصاحبها دكتور كبير مختص فى مشاكل الإنجاب والعقم اتواصلت معاه وشرحتله حالتنا بالظبط ، فطلب إن احنا نروحله علشان ممكن يقدر يعالج السبب اللى ممكن يخلى الحمل ميكملش لو حصل ، بس العلاج هيتطلب منك أنتى يا حياء أن تكونى نفسياً مهيأة لأى حاجة ممكن تحصل ، وخصوصاً أن العلاج هيعتمد عليكى أنتى بالأكتر ، فقولت أقولك ونسافر لعل وعسى ربنا يكرمنا ونقدر نخلف بيبى ، وكمان علشان ميبقاش حرام عليا إن يكون فى فرصة تخليكى مبسوطة وأنا مقولكيش عليها ، فقولتى إيه مستعدة لكده ، والطب كل يوم فى جديد ، يعنى ممكن الفرصة من سنتين كانت شبه مستحيلة ، جايز دلوقتى تبقى الفرصة أحسن ، وفى الأول والآخر إرادة ربنا فوق كل شئ ، إحنا هناخد بالأسباب والباقى على ربنا 


ظلت تحرك رأسها بعنف وعيناها دامعتان ، فهى الأخرى كانت على وشك إخباره بأنها تريد خوض تجربة العلاج اللازم لحدوث الحمل ، فوجدته هو يسبقها فى التفكير والتخطيط والتنفيذ ، ورغم علمها بأن ربما ستؤول الآمال لسراب فى النهاية ، إلا أنها تثق بقدرة الله العظيم من أنه سيرزقها ما تتمنى وتتكلل سعادتها مع زوجها بأن يكون لديها طفل منه  


ألقت بنفسها بين ذراعيه قائلة بصوت خافت جاء نتيجة لتجمع دمعات التمنى والرجاء :

– أنا كنت هقولك أن إحنا نحاول فى موضوع الحمل ، وطالما قولت فى أمل أنا حابة اتمسك بيه ، حتى لو كان فى أخر الدنيا ، وأنا واثقة فى قدرة ربنا أن هيبقى عندى طفل منك يا حبيبى 


مسد بيده على ظهرها ليهدئ من إنفعالها ، فحتى وإن كان لم يبخل عليها بالفرصة ، إلا أن من داخله مرتعباً من أن تخفق محاولاتهما وفى النهاية تكون هى الخاسرة لإستقرارها النفسى


رفع وجهها له ممرراً إبهاميه على وجنتيها قائلاً برجاء :

– بس أرجوكى يا حياء لو حسيتى بأنك نفسياً مش قادرة تكملى فى الموضوع قوليلى ومتضغطيش على أعصابك علشان خاطر نفسك مش علشان خاطر حد 


هزت حياء رأسها ومن ثم عادت تضع رأسها على صدره ، فموجة الأمل التى ضربت أعماق قلبها ، جعلتها تشعر بإنتشاء من تخيلها أنها ربما ستعود وتحقق أمنيتها ، التى لن تستطيع تحقيقها إلا معه ، حتى أنها راحت تعرب عن سعادتها وتفاؤلها بما اخبرها به بأن وزعت عطاياها تارة على وجهه وتارة على جانب عنقه حتى افقدته صوابه وأنقلب السحر على الساحر ولم يدرك أى منهما كما قضيا من الوقت فى تلك الغرفة ، إلا بعدما سمعا رنين الهاتف فى الصباح ، يخبرهما أنهما قضيا ليلتهما خارج قصر النعمانى ، والذى لابد من أن ساكنيه سيتسألوا عن عدم وجودهما على مائدة الإفطار كعادتهما كل يوم 


ضحكت حياء بنعاس ، بعدما رآت راسل مستلقياً على الأرضية بعيداً عن المتكأ ، فأقتربت منه ونادته وهى تربت على ظهره:

– راسل أصحى ، يلا ياحبيبى فوق 


رفع راسل رأسه عن الأرض العارية من السجاد ، وتأوه بصوت منخفض :

– أه دا النوم على الأرض جابلى تشنجات ومفاصلى كلها اتيبست 


عادت حياء تضحك من جديد وسألته :

– وأنت ايه اللى نيمك على الأرض كده ؟


جلس راسل مكانه وهو يتحسس عنقه الذى ربما أصابه إلتواء خفيف وأجابها متأوهاً :

– أنتى اخدتى المكان كله يا مفترية ورمتينى على الأرضية حتى مفيش سجادة نيمتينى على البلاط


شهقت حياء لنعته لها بصفة الافتراء ، فأخذت وسادة صغيرة وألقتها على وجهه قائلة بتبرم :

– هى مين اللى مفترية ، ما أنت اللى بتفرك كتير وأنت نايم ، كويس أن ملقتكش نايم جمب الخشب فى الدفاية 


تبسم راسل ضاحكاً مما قالته ، فرد ممازحاً:

– كويس إن الدفاية مش شغالة وإلا كنت زمانى زى الفراخ المشوية دلوقتى 


ألقت عليه وسادة أخرى واعادت الكرة ثلاثاً لتمازحه ، فنهض من مكانه بغتة مقترباً منها ولكن ذلك التيبس العضلى الذى أصابه فى ظهره جعله يجد صعوبة فى أن يستقيم بوقفته ، فعاد متأوهاً ، ولم تمنع حياء نفسها من أن تقول بتفكه :

– دا أنت عايز تروح للميكانيكى يردك على البارد 


قبل أن تمتد إليها يده ، ولت هاربة من مكانها ، ولكن حظها السئ جعلها تتعثر بإحدى الوسائد التى كانت ألقتها على وجهه ، فسقطت على الأرض منبطحة على وجهها ، فأخذ دوره فى الضحك قائلاً وهو يعتدل فى جلسته :


– شوفتى من حفر حفرة لأخيه وقع فيها 


لم تتأذى من سقوطها على وجهها ، إلا أنها وجدتها فرصة سانحة فى أن ترى مدى لهفته للإطمئنان عليها ، فتأوهت بصوت مسموع وكأن أصيبت بجرح فى جبهتها ، فترك راسل مكانه على الفور وأقترب منها متسائلاً بقلق :

– مالك يا حبيبتى أنتى اتعورتى ولا ايه ورينى وشك كده 


– أهو وشى ، ايه اتعورت جامد 


قالتها حياء وهى تقترب بوجهها أكثر منه ، ليتفحصه بعناية ، فما كان منه سوى أن احتضنه بكفيه مغمغماً بدهاء :

– لاء دا أنتى اللى اتهورتى لما جتيلى برجلك 


إستطاع محو دهشتها التى ارتسمت علي شفتيها المنفرجتين ،  اللتان كأنهما تحتويان على أكسير الحياة ، حسناء فى الصباح والمساء ، بصحوه وأحلامه ، فى أوقات حزنها وسعادتها ، ولم يخطئ قلبه فى دعوتها " صبيته الحسناء" ، وما أن أنتهيا من عناقهما ، أخبرته أن يسرع حتى يعودا للمنزل ، خاصة أن سجود ربما لم تكف عن السؤال عنهما ، فلم تختلف رحلة العودة لقصر النعمانى عن رحلة مجيئهما لمنزلهما القديم ، إذ ظلت ساكنة برأسها على صدره وهو يقود السيارة ، وما أن رآت البيت على مشارف بضعة أمتار ، إبتعدت عنه وجلست فى مقعدها بهدوء ، وما أن مرت سيارة راسل فى حديقة المنزل ، رآت حياء سجود تمتطى جوادها الخاص ووالد زوجها يجلس فى مكانه المعتاد هو ورجاله يراقبها 


ترجلا من السيارة ، فصاحت سجود قائلة بسعادة:

– بابى مامى 


لوح لها راسل باسماً ومن ثم أقترب من مجلس والده وألقى عليه تحية الصباح وأقترب من السور الخشبى لحظيرة الخيول ، بينما جلست حياء على أحد المقاعد قريباً من والد زوجها 


إبتسم لها رياض وهو يدب الأرض بعصاه متسائلاً بعفوية :

– أنتوا كنتوا فين ده كله ، سجود كانت بتسأل عليكم وكانت بتعيط 


أجابته حياء بعدما أطرقت برأسها أرضاً لشعورها بالخجل:

– كنا فى بيت راسل القديم ، كنا بنتكلم والوقت سرقنا وإحنا مش حاسين 


هز رياض رأسه مكتفياً بقولها ، ومن ثم نظر إليها قائلاً برصانة كعادته :

– أتمنى تكون الخلافات بينكم أنتهت ، وأبو دماغ ناشفة ده عرف غلطه وميحاولش يزعلك تانى


نظرت حياء لزوجها وهو يحمل سجود من على ظهر الجواد:

– إن شاء الله ميبقاش فى زعل بينا تانى يا عمى 


أقترب منهما راسل وهو يحمل إبنته التى لم تنفك عن تقبيل وجنته مراراً ، كأنه لم تراه منذ عدة أيام وليس من بضع ساعات قضاها خارج المنزل ، ربت على ظهر سجود متسائلاً بحنان :

– أنتى فطرتى يا قلب بابى ، ولا تيجى تفطرى معايا أنا ومامى 


ردت سجود قائلة وهى تلف ذراعيها حول عنقه:

– أكلت مع جدو وتيتة وفاء وكلهم ، بس أنتوا كنتوا فين يا بابى 


وضعها راسل أرضاً ومن ثم داعب رأسها باسماً:

– خلاص إحنا جينا أهو يا سيجو والنهاردة باليل هوديكى الملاهى ماشى يا قلبى 


بسماع سجود لعرض أبيها المغرى راحت تقفز فرحاً وسرورًا ، فهى تعشق إرتياد مدينة الألعاب ، وما أن رأى رياض حماسها اللامحدود نظر لراسل قائلاً بتمنى و عفوية :

– مش تشدوا حيلكم علشان تجيبوا أخ لسجود وتودوه الملاهى معاها ، أنا بفكرك بوعدك اللى قولته يوم فرحك أنت وحياء ، أن احفادى كلهم اللى هيشيلوا إسمى هتكون حياء أمهم ، فجه الوقت اللى تنفذ فيه وعدك ولا إيه يا دكتور ، وأنا مشتاق أشوف ولادكم  


رغم ذلك الأمل الذى أفعم قلبها بالأمس ، إلا أنها ما أن سمعت قول والد زوجها قبضت بكفيها على حافتى مقعدها ، تخشى أن راسل لن يكون قادراً على الوفاء بذلك الوعد الذى ذكره والده 


تلاقت أعينهما سوياً ومن ثم سمعت زوجها يقول بثقة ممزوجة بحدة لا تعلم لها سبباً :

– إن شاء الله يا رياض باشا دعواتك بقى ، وأنا عند وعدى إن حياء الوحيدة اللى هتبقى أم ولادى ، عن إذنك بقى علشان أنا جوعت وعايز أفطر يلا يا حياء 


شعر رياض بنبرة راسل الحادة ، رغم أنه لم يقول شيئاً يستدعى أن يكون حاداً فى حديثه ، ولكنه لم يشأ أن يطيل فى الحديث بينهما ، نظراً لعلمه بوقاحة ولده التى تخرج أحياناً عن الحد اللازم 


أخذ يد زوجته ودلفا للداخل ، بينما عادت سجود لتمتطى الجواد مرة أخرى ، وصلا لغرفتهما ، ولكنه شعر بأنها أبطأت فى خطواتها ، فإلتفت برأسه إليها متسائلاً بعدما أغلق باب الغرفة :


– مالك يا حياء ؟


حملقت فى وجهه قائلة بتيه :

– مش عارفة لما سمعت كلام باباك ، وحسيت قد ايه هو نفسه يكون له احفاد تانين ، خوفت يا راسل 


جعد راسل جبينه قائلاً بإستغراب :

– خوفتى من إيه ، أو إيه اللى يخوفك فى كلامه ، هو بيتكلم عادى على فكرة 


جلست حياء على حافة الفراش ورفعت وجهها له قائلة بخوف لم ينكره صوتها :

– ولو مقدرناش نحققله كلامه ده هيبقى ايه الوضع ساعتها 


رد قائلاً وهو يجلس بجوارها:

– هيحصل إيه يعنى عادى يا حبيبتى ، ربنا ما أرادش 


– يعنى مش هتفكر تتجوز عليا علشان تخلف ولد يشيل اسم العيلة


قالت حياء وهى تتفرس فى وجهه لتدرس انفعالاته ، فوجدته هادئ وسرعان ما راح يضحك قائلاً بمرح :


– يشيل إسم العيلة ! هو أنتى مفكرة إن أنا مهتم أوى بإسم العيلة ، مكنتش عشت سنين الناس تعرفى براسل صفى الدين ، وايه اتجوز عليكى علشان اخلف دى ، دا على اساس أن العيب منك علشان اعمل كده ، متفكريش بالطريقة دى تانى يا حياء ، وقومى غيرى هدومك علشان نفطر ، أنا بجد جعان 


وضع قبلة على رأسها ومن ثم غادر مكانه وذهب لغرفة الثياب ، بينما ظلت هى جالسة مكانها وتنظر أمامها بشرود ، ورغم أن حديثه بعث بنفسها الطمأنينة ، إلا أن هناك جزء من عقلها لا ينفك عن التفكير فى إحتمالات الإخفاق الواردة بشأن الإنجاب ، فإن كانت هى أخذت قرارها بعدم تركه وستحيا معه هو وإبنته أيا كان الوضع ، إلا أنها لم تمنع نفسها من وضع بعض الفرضيات ، كأن تجبره الظروف على الزواج من أخرى لإنجاب وريث أخر لتلك العائلة العريقة إذا لم تفلح هى فى إنجابه ، وعند تلك الخاطرة اتسعت مقلتيها وظلت تنفض رأسها من تلك الوساوس التى بدأت تنخر فى عقلها دون رحمة أو شفقة ، رغم أنها تعلم خير العلم أن زوجها غير مكترث بإسم عائلته ، حتى وإن كان يقيم هنا فى المنزل ، فالروابط الأسرية بينه وبين باقى أفراد العائلة تحمل فى الغالب طابع الفتور وعدم الإكتراث 


لم يقطع سيل أفكارها السلبية إلا خروج راسل من غرفة الثياب ، وجذبها من يدها لتنهض ، كأنه علم بما يدور فى عقلها أو أنه إستطاع قراءة أفكارها ، فقرص وجنتها قائلاً بمداعبة :

– أظن الفيلم اللى كان شغال فى دماغك زمانه خلص ، يلا يا حياء خلينا نروح ناكل 


هو الوحيد الذى يستطيع كشف أفكارها بسهولة ، ويستطع أيضاً تهدئة فورانها وثوارنها ، التى لن تفضى فى النهاية إلا لمزيد من الحيرة وتزدحم رأسها بالعديد من التخيلات ، ولا تعلم لما صارت هكذا منذ سماع ما قاله والد زوجها بعفوية بل على النقيض ذكر أنها هى من ستكون أم أحفاده ، وتعلم مكانتها لديه وأنه يكن لها كل الحب والتقدير الذى يكنه لأفراد العائلة ، بل وبأكثر من موطن ذكر أنها ستظل " حياء النعمانى " سواء كانت زوجة لولده أم لا ، ولكن هل سيكون هذا تفكيره إذا علم بأنها هى وراسل يواجهان مشكلة فى الإنجاب ، وأن ربما حلها سيستلزم وقتاً لا يستطيع أحد أن يجزم بأنه لن يكون وقت طويل ، فزوجها أخبرها بأن ذلك الأمر يقتصر عليهما فقط ، وأن حياتهما الزوجية بما يدور فيها سواء من مشكلات أو ماشابه تخصهما هما فى المقام الأول ولا يحق لأحد التدخل بشؤنهما الخاصة ، حتى أنه لم يفكر فى أن يخبر خالته وفاء رغم مكانتها لديه وحبه الوافر لها ، فالشئ الوحيد الذى تملكه الآن هو الدعاء لله وأن تتحلى بالصبر وتشحذ قوتها من أجل خوض تلك المعركة المصيرية متسلحة بحب زوجها لها 

❈-❈-❈


بعدما تأكد من أن زوجته خلدت للنوم ، أزاح عنه الغطاء الخفيف المتدثران به من برودة مكيف الهواء ، وقبل أن يترك الفراش ، أنحنى إليها وطبع قبلة محبة على جبينها ومن ثم نهض من مكانه واتجه صوب غرفة الثياب ، فخلع عنه ثيابه البيتية وأرتدى قميصاً وبنطالاً وسترة ومن ثم عاد لغرفة النوم وفتح أحد الأدراج وأخذ سلاحه النارى ووضعه فى ذلك الغمد الموضوع أسفل سترته ،وأخذ عمران حريته بالتجول فى غرفته لعلمه بأن زوجته لن تفيق من نومها خاصة بعدما وضع لها فى مشروبها أحد العقاقير المسببة للنوم ، حتى لا تعلم بشأن خروجه أو عودته ، فحرصها على أن يلتزم الراحة ، جعلها لا تسمح له بالخروج إلا إذا جلسا فى حديقة المنزل ، وغير ذلك يجلس فى غرفتهما ولا تدعه يرى أحد سوى شقيقه معتصم ، أو أفراد عائلتها وغير ذلك غير مسموح له حتى بالذهاب إلى عمله ، فإبتسم لتذكره أنها صارت تشبه الأم التى رأت طفلها أصيب بجراح بالغة ، فألزمته المنزل حتى لا يعود ويحدث له ما حدث ، ولا ينكر أنه مستمتعاً لأقصى الحدود بإهتمامها وعنايتها المفرطة به 


رآى إنه إذا استمر فى النظر إليها هكذا لن يتحرك قيد أنملة وسيترك شقيقه معتصم ينتظره الليل بأكمله وهو جالساً فى سيارته ، فخرج من الغرفة ومن ثم هبط الدرج حتى وصل للحديقة ووجد معتصم فى انتظاره ، فصعد للسيارة بجواره قائلاً بهدوء :

– يلا بينا يا معتصم 


وضع معتصم يده على المقود ولكنه تردد فى قيادة السيارة ، فنظر لعمران قائلاً بإرتياب نابع من خوفه :

– عمران أنت متأكد من المشوار اللى احنا رايحينه ده ما تسيب البوليس يتصرف وبلاش تعرض نفسك للخطر تانى 


ربت عمران على ذراع معتصم قائلاً بثقة :

– متقلقش يا معتصم كل خطوة انا حاسبها كويس ، وأنت عارف أنا موتى وسمى حد يستغفلنى ، وده مكنش استغفال ده أنا كنت هروح فيها ، ولازم اعلم ولاد الكلب دول درس عمرهم ما ينسوه ، المهم أنت بلغت الرجالة باللى قولتلك عليه 


حرك معتصم رأسه بالايجاب ومن داخله يشعر بالخوف من تهور شقيقه الذى ربما فاق الحد تلك المرة ، فلولا علمه بأن عمران يابس الرأس ولا يترك ثأره من أحد ، لكان فعل المستحيل ومنعه من الخروج والذهاب لذلك المكان حيث يوجد ذلك الرجل الذى حاول قتله 

ولكن للمرة الأخيرة قبل أن يعود لقيادة السيارة نظر لشقيقه قائلاً برجاء :


– عمران أرجوك بلاها المشوار ده ، أنا ما صدقت أنك رجعت البيت بالسلامة ليه عايز تجيب المشاكل لنفسك تانى 


– لو أنت خايف يا معتصم أنزل من العربية ، أنت برضه عندك مراتك وابنك  واللى جاى فى السكة 


قال عمران وهو يشير له بالترجل من السيارة ، فنظر إليه معتصم عاقداً حاجبيه قائلاً بتبرم :

– دا على أساس أن حضرتك مش عندك مراتك اللى مصدقت أنها رجعتلك ، مش عارف إيه سبب أنك تجر شكل ناس زى دى دلوقتى وأنت يادوب لسه شامم نفسك بعد اللى جرالك 


أسند عمران رأسه لطرف مقعده قائلاً بإصرار :

– حقى ومش هسيبه ، ولازم اتاكد أنهم اختفوا خالص ، انا مش ضامن المرة الجاية مين فيكم اللى يبقى ضحية الناس دى ، فعلشان نرجع نعيش فى أمان يبقى لازم اقطع جدر الشر خالص ومتخافش عليا انا واخد احتياطاتى كلها وكله برضه هيبقى بالقانون 


هتف بعبارته الأخيرة غامزًا لشقيقه بعينيه ، فلا أحد قادر على فهم ما يدور بعقله ، ورغم تهوره وجرأته إلا أنه حاد الذكاء وماكرًا وأشاد هو بمكره ودهاءه العديد من المرات خاصة فى العمل 


قاد معتصم السيارة بحذر تتبعه تلك السيارة الخاصة بالحرس ، فوصلا على مقربة من ذلك المكان المقصود ، وخرج عمران من سيارة معتصم وأقترب من رجاله بعدما خرجوا من سيارتهم واثنان منهما يمسكان بذلك الرجل الذى يلتفت حوله بذعر ويبدو على وجهه أثار ضرب مبرح ، فعمران لم يهدأ له بال إلا بعدما عثر على أحد الرجلان اللذان حاولا قتله ، وما أن عثر عليه رجاله نال منهم ما لا يرضيه من ضرب وتعذيب مع الحرص على عدم قتله و أن يبقى على قيد الحياة


قبض عمران على مؤخرة عنق ذلك الرجل وهز رأسه بشئ من العنف قائلاً بتهديد :

– هو ده المكان اللى قولتلنا عليه صح ، عارف إنت لو طلعت بتكذب عليا المرة دى قول على نفسك يا رحمن يا رحيم


بكى الرجل وتوسله طويلاً بأن يخلى سبيله :

– أبوس إيدك يا باشا سيبنى أنا عندى عيال


صاح عمران فى وجهه قائلاً بسخط :

– ومفكرتش وأنت بتحاول تقتلنى إن أنا كمان ليا أهل وعيلة ، يلا قدامى من غير كلام 


سحب عمران سلاحه النارى ووضعه على أحد جانبى رأس الرجل تهديداً له على إن حاول الهرب سيجد طلقات السلاح أسرع من ركضه 


وصلوا أمام ذلك المبنى المؤلف من طابق واحد ، وأمر عمران رجاله بتطويق المكان وتأمينه ، ومن ثم أطلق عدة طلقات نارية على الباب تبعها بركله حتى أنفتح على مصراعيه ، وجد بالداخل ذلك الرجل المكلف بحراسة ليالى ، ويبدو أن الأمر لم يقتصر على حراسته لها ، بل بتلك الآثار الواضحة عليها من ثياب ممزقة وشعر أشعث ووجه غطته علامات زرقاء من كثرة الصفع والضرب 


لم يكن الحارس المكلف بحراستها سريع البديهة فى إلتقاط سلاحه الموضوع على الطاولة فى أحد أركان الغرفة ، فأطلق عمران طلقة على كف يده جعلته يصرخ ويتأوه بصوت عالى ، وتولى رجاله بعد ذلك أمره 


– ليالى ليالى أنتى سمعانى

نادها بإلحاح لعلها تفتح عينيها المتورمتين وتنظر إليه ، ولكنها وجدت صعوبة فى فتح عيناها ، إلا أنها إبتسمت بوهن ما أن رآته وهتفت بإسمه :

– عمران 


أبتلعت لعابها ومن ثم أضافت ودمعاتها تغرق وجهها كالسيل :

– الحمد لله إنك بقيت كويس ، لأن فداك أى حاجة 


حاولت أن ترفع جزعها العلوى ولكنها لم تقوى على فعل ذلك ، فأثار الاعتداء الوحشى عليها من ذلك الرجل ، جعلتها عاجزة عن القيام بأى حركة ، فرغم أن ذلك الوغد الذى أمر بإختطافها أفشت له بمكان وجود الألماس مقابل تركها وترك عمران بحاله ، إلا أنه ما أن حصل على مبتغاه أوصى الحارس بأن يزيد فى أفعاله معها حتى تعجز عن الحركة عقاباً لها أنها حاولت خداعه


أخذته الشفقة على حالها المزرى فقال بعطف:

– متخافيش يا ليالى أنا هوديكى المستشفى وهتبقى كويسة إن شاء الله ، بس قوليلى مين هو الراجل اللى اتسبب ليكى فى ده كله


إبتسمت من وسط غمامة الدموع قائلة بعاطفة لم تكنها لأحد غيره :

– ياريت الناس كلها كانت زيك كده ، مكنش فى ست ولا بنت هتتهان ، وهو يبقى راجل بيدير شبكة منافية للأداب وبيشغل البنات فى الشغل الشمال وكل حاجة تخطر على بالك ، بس مبقاش ليالى إلا لو وديته فى داهية ، بس خرجنى من هنا


خلع عمران سترته ووضعها على جسدها لعله يستره خاصة أن ثيابها ممزقة ولا تكفى لسترها ، وناد أحد رجاله وأمره بحملها ليذهبوا بها إلى المشفى ويتم تسليم الرجلان الآخران للشرطة ، حتى تستطيع ليالى الإدلاء بكل المعلومات التى تعلمها عن ذلك الرجل الذى فعل بها كل هذا وحاول قتله ، ورغم إمتعاضه وإستياءه منها ، إلا أنه لم يملك سوى أن يشفق على حالتها التى تجزم أنها كإمرأة عانت من إعتداء وحشى أهدر كرامتها وإستحل جسدها بأبشع الطرق وأسوءها ، فهو إن كان فعل بزوجته ذلك مرة من قبل إلا أن الأمر لم يصل لتلك الحالة التى تعانى منها ليالى وربما ستجعلها تلقى حتفها فى القريب العاجل ، وما أن عاد لسيارة شقيقه وجد الحارس واضعاً ليالى فى المقعد الخلفى ، فأخبر معتصم أن يذهب بهم فوراً إلى مشفى راسل ، فليالى هى التى ستشى بمن يكون ذلك الرجل ، الذى لن يهدأ له بال قبل أن يعثر عليه وينال عقابه بالقانون مثلما خطط هو ، فأولى خطوات خطته كانت إيجاد ليالى ومن ثم تدلى هى بكل ما يتعلق به ، خاصة أن الرجل الأول الذى وقع فى قبضته أقسم له أنه لا يعلم من يكون وربما الحارس الآخر يكون على علم بهويته ، ولكن ليالى هى مفتاح ذلك اللغز ، كونها هى التى كانت بينها وبينه أمور كثيرة لا يعلمها الحارس خاصة ذلك الأمر المتعلق بالألماس ، الذى لا يعلم عمران شيئاً عن سبب إصرار ذلك الرجل أن يحصل عليه


تابع قراءة الففصل