رواية جديدة نفوس طاغية لشهد السيد - الفصل 17
قراءة رواية نفوس طاغية كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية نفوس طاغية
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة شهد السيد
الفصل السابع عشر
عتمة الليل كانت كالرياح التي زعزعت ثبات كل شيء، الوضع كان كارثي بعدما تم القبض على "زينة" ونقل "عدي" للمشفي، عبث "مهران" بمحتويات الغرفة بعصبية مفرطة يبحث عن هاتف "أيمان" الذي أخذه هو والخنجر يوم مقتـ ـلها وألتفت عندما أستمع لنحيب "فجر" من خلفه وصرخ بنفاذ صبر وتلف أعصاب:
-"بس بقى أسكتي حرام عليكِ أنا مش ناقص".
أزالت دموعها بكف يدها وقالت بأصرار:
-"مليش دعوة وديني لزينة.. عشان خاطري مش هينفع أسيبها أكيد خايفة ".
تجاهل حديثها وأدار وجهة متسائلًا:
-" كان فيه كيس أسود أنا شايله ملقيتهوش".
تقدمت ووقفت أمامه بتحدي وقالت:
-"كفاية بقى هتفضل لحد امتى كل فترة تقولي جزء من حقيقتك انتَ مين بالظبط، محدش كان يعرف بسفرنا لـ عدي غيرك واللي فهمته إن شوقي بلغكم بوجودنا عنده وبعدها سبحان الله زينة أتخطفت، كل ده أي صدفة".!
شعر بأنعدام أستيعابه للذي قيل ونطق بصدمة:
-"انتِ بتشكي فيا".؟
لم تتدارك حتى الذي تفوهت به للتو واكملت بنفس حدتها:
-"ومشكش فيك ليه أنا أعرف عنك أي يخليني أثق فيك كل شوية بحِجه بايخة عن اللي قبلها، خلاص زهقت معدش عندي طاقة أستحمل ليه تبقي عارف عننا كل حاجة وحتى تليفوناتنا مراقبها مين أداك الحق، وبقالك يومين مقعدني هنا معرفش أي حاجة عن اللي بيحصل وياريتك حتى بترد عليا تطمني، أنا مبقتش عرفالك حل انتَ معايا ولا عليا، كل شوية توجع قلبي منك ليه".
عم الصمت وتخلله صوت أنفاسها العالية، لم تخفى عليها نظرة الألم بعينيه من حديثها قبل أن يردف بتماسك ويتجاوزها:
-"خوفي عليكِ أداني الحق، بس خلاص تقدري تمشي".
أمسكت ذراعه تجذبه نحوها ووقفت أمامه من جديد تقول:
-"ليه مصعبها على نفسك وعليا، أنا مقصدش أشك فيك بس أي حد في مكاني هيفكر كده، عدي بيحب زينة ومستحيل يكون هو، والله العظيم أي حاجة هتقولها هتفضل سر بينا، خلاص يا مهران اللي فات كوم واللي جاي كوم تاني خالص خليني على الأقل أساعدك فيه".
❈-❈-❈
وأمام عناده خضع "إدريس" لرغبتة ووقف يساعده على أرتداء قميصه من جديد حتى يصتحبه لقسم الشرطة للأطمئنان عليها بنفسه بعدما عالج الطبيب جرحه، وأنصدم كلاهما من دلوف "شاهين" وأبتلع "عدي" لعابه بضيق يردف بهدوء:
-"أنا كنت.. ".
تزعزع ثبات" شاهين "وأقترب يتفقده بخوف ولهفة يصيح بغضب حاول السيطرة عليه كثيرًا بالسابق:
-" انتَ أي.. أزاي أعرف من الغريب إنك مقضي ليلتك في المستشفي وقبلها كنت مخطوف، وانتَ بتأخذ الرچال وتيجي بدون حتى ما تعرفني"
صمت كلاهما فـ أردف "شاهين" بحزم:
-"أنا ماني بايع واحد فيكم، راح نعاود أرضنا هالحين".
أنتفض قلبه ووقف قبالة والده يرجوه بنظراته وقال:
-"غلطان ومعترف بغلطي، بس زينة أتقبض عليها وهي مظلومة وانتَ ما ترضي بالظلم، اللي تقول عليه راح سويه بدون ما أناقشك بس لو غالي عندك يا أبوي ما تجبرني أعاود من غيرها، لأ هقدر على فراقها ولا هقدر أعصيك".
كان يعرف جيدًا طُرق الحديث الصائبة مع والده لذلط يقسم الآن بأنه بدأ في التفكير بأكثر الطرق إيجابية لأدارة الأمور..
❈-❈-❈
أخذ "جلال" شهيق من سيجارته ونفثه بتروي ينظر للتي أحترقت من البكاء أمامه وقال بهدوء:
-"قوليلي بقى يا بيسان قتـ ـلتيها ليه".
نظرت نحوه بأعينها التي كانت كالجمر وجف منها البكاء وقالت بصوت مبحوح:
-"والله العظيم مقـ ـتلتهاش".
ترك "جلال" سيجارته ونهض يجلس قبالتها يجيبها بأهتمام وجدية:
-"أمال مين اللي قتـ ـل، الخدامة والبواب قالوا أنك الوحيدة اللي كنتِ معاها لحظة الحاد ثة وبعد خناقة معتادة ما بينكم نزلتي تجري، حتي تليفون مامتك وسلا-ح الجريمة مكانوش موجودين".
فقدت حتى قدرتها على الدفاع عن نفسها فـ شعر "جلال" بالشفقة نحوها من حالتها المزرية وأمسك كوب المياة يقدمه لها وقال بلين:
-"أحكيلي وأنا هصدقك، قوليلي كل حاجة تعرفيها وشوفتيها أنا معاكِ مش ضدّك".
أرتشفت القليل وحمحمت تنظف حلقها وتستعيد صوتها قبل أن تزفر بأرهاق وقالت:
-"رياض.. رياض اللي قتـ ـلها".
بعد مرور ساعتين..
أخرجها العسكري من مكتب "جلال" بعد أنتهاء التحقيق والأمر بحبسها ثلاثة أيام على ذمة التحقيقات حتى يعاود البحث من جديد بعد المعلومات الذي حصل عليها منها.
كانت تسير ببطئ شديد وكأنها لا تقوى على السير، الحزن كان واضحًا على وجهها الذي أنطفئ بريقة وأعطاها عمرًا يفوق عمرها بأضعاف..
نظرت أمامها بلهفة عندما أستمعت لصوت "عدي" ينطق أسمها ووجدته واقفًا بصحبة والده و"إدريس".
تركهم وأقترب منها فـ دون تردد منها أحتضنته وكأنها تود أدخال ذاتها بين أضلعه لتهرب من قسـ ـوة ما حولها، ورغم علمه بخطأ فعلته إلا أنه بادلها العناق وطبع قبله حانية فوق رأسها يقول بنبرة دافئة قدر الأمكان:
-" متخافيش كل حاجة هتعدى".
لم تجيب وأنما رفعت رأسها تتفقد ذراعه المصاب قائلة:
-"ليه عملت كده، كنت سيبتهم ريحوني من حياتي".
بسط"عدي" كف يده فوق وجنتها وقال بعتاب:
-"ترتاحي انتِ وأتعذب أنا في بُعدك، شايفة إن ده عدل".
أبتسمت بسخرية من حالتها وقالت بتهكم:
-"وأيه حوالينا عدل يا عدي، حتى الورق اللي يثبت أني زينة مش بيسان محدش لاقيه ماما أيمان الله يرحمها خفياه، تفتكر أي العدل في اللي بيحصل وأنا بتحاسب على حاجة معملتهاش".
تركها تعبر عن ضيقها وأقترب "شاهين" منهما ينظر نحوها بحنو وقال:
-"شدي حيلك يا بنتي، ربنا قادر يردلك حقك ".
أبتسمت بحزن فـ قال" إدريس ":
-" متشيليش الهم يا مرات أخوي كلنا معاكِ ".
لم تعقب على ما قال وأنتبة جميعهم لـ" فجر " التي هرولت تحتضن "زينة" بحزن بالغ تربت فوق ظهرها بدعم:
-"متقلقيش والله العظيم هنعمل كل حاجة عشان تخرجي من هنا، قوليلهم كل اللي تعرفيه أعترفي عليهم متسكتيش على حقك، ده لو أضطريت أعمل أي حاجة عشان نتحبس مع بعض هعمل كده".
رتبت "زينة" فوق ظهرها وقالت برفض:
-"بعد الشر عليكِ متقوليش كده، ده على رأيك قولت للهم خارج أتفسح قالي وراك وراك هو أنا مكسح".
ضحكت "فجر" رغمًا عنها ووقفت تحيطها بحب ونظر لها "مهران" قائلًا:
-"قولتي كل اللي تعرفيه لجلال بيه".؟
أومأت "زينة" فـ قال بدعم محاولًا طمئنتها:
-"كل اللي قولتيه هيحسن موقفك جدًا وهيبدأو يعملوا تحريات من أول وجديد، إن شاء الله يلاقوا دليل قبل ما تروحي النيابة".
دعي الجميع بذلك وتقدم "شوقي" الذي قال:
-"بعتذر عن تأخيري بس مهران لسه مكلمني من وقت قليل، متخافيش يا زينة أنا هتابع تطورات القضية بنفسي".
ورغم سوء حالتها النفسية نظرت لهم جميعًا وقالت بأمتنان حقيقي:
-"أيًا كان مصيري أي، أنا بشكركم كلكم على وجودكم جمبي، أنتوا ساعدتوني كتير وعرضتوا نفسكم
للخطـ ـر بسببي، حقيقي كل اللي عملتوه ده كتير عليا، كفاية إني على الأقل لقيت عيلة تعوضني عن السنين اللي عشتها طول عمري في حرمان ويوم ما الدُنيا عوضتني بماما أيمان حرمتني منها وقسيت عليا أكتر من الأول، أكيد ربنا له حكمة في ده أنا دايمًا بحس بلطفة ورحمته بيا".
عاودت "فجر" أحتضانها من جديد تحاول التخفيف عنها وتقدم العسكري يقول بخشونة:
-"كفاية كده يا حضرات عشان المأمور ميشوفش اللمة دي وتجبولي الأذ ية ".
وضع الأصفاد الحديدية بيدها وأصتحبها نحو زنزانة الحبس، سارت معه دون أي مقاومة حتى أبتعدت عن أعينهم ودلفت مع النساء الموجودين وشعورها بعدم الأمان يتزايد تقدمت لأبعد زاوية عنهم وجلست بها تضم قدميها لصدرها فـ تقدمت منها سيدة نحيلة تعقد وشاح فوق رأسها وجلست لجانبها تضع أمامها حقيبة وقالت:
-" متخافيش يا قطة في واحد أبن حلال موصي عليكِ انتِ هنا في حمايتي، دي شنطة الأكل بتاعتك كُليلك لقمة عشان شكلك هفتانة وناميلك شوية ".
أستغربت حديثها وتسألت بقلق:
-" مين اللي باعت الأكل ده".
صمتت السيدة تحاول التذكر قبل إن تقول:
-"أه أفتكرت أسمه عدي، وباعتلك توصية عالية أوي، خدي راحتك ومتخافيش ".
نهضت السيدة وتركتها تنظر لحقيبة الطعام بشبة أبتسامة، حتي وهي بعيدة عنه يحيطها برعايته، يخشي عليها مما ستراه بعيدًا عنهم، أبعدت الحقيبة جانبًا وتمددت تحتضن جسدها تحاول الحصول على بعض الراحة المؤقتة..
❈-❈-❈
سار لجوارها نحو الخارج فـ وقفت أمامه تقول بهدوء:
-" أرجعوا أنتوا البيت أنا هروح مشوار مهم وبعدين أجي".
عقد "مهران" حاجبيه وتسأل:
-"مشوار أي ".
صمتت للحظات قبل أن تردف بأشتياق:
-" ماما وحشتني أوي، هروح أطمن عليها ".
شعر بالقلق نحوها مما ستعرفه بشأن الفاجعة التي حدثت لأخويها وجاهد هو لأخفاء الأمر عنها، لم يجد سبب مقنع حتى يمنعها من الذهاب سوى قوله الأحمق:
-" مبينفعش تروحي دلوقتي متنسيش إن صفوت هرب وده خطـ ـر علينا كلنا".
رفعت كتفيها بلامبالاة وهي تشير لأقرب سيارة أجرة وقالت:
-"أنا محدش هيعملي حاجة لأن ببساطة مليش لازمة بالنسبة له، ولو سمحت زي ما ليك خصوصيات أنا كمان ليا، بعد أذنك متجيش ورايا".
أنهت حديثها بجدية وصعدت للمقعد الخلفي بالسيارة وأملت العنوان للسائق فـ تحرك هو أسفل أنظار"مهران" الذي زفر بأرهاق، بالتأكيد هي عابسة لأنه لم يبوح لها بشئ حتى أنها صدمته بقولها:
-"زي ما انتَ مفيش حاجة تحكيها أنا كمان مفيش حاجة بيني وبينك تخليني أسمع كلامك وأفضل هنا".
تقدم من "عدي" الذي نظر له وقال بجدية:
-"مبدئيًا مطلوب منك تحاول توصل لصفوت.. ".
قاطعة" مهران " بضيق وقال:
-"حاولت وللأسف تليفونه مقفول ومفيش أي أشارة جاية منه".
همهم "عدي" وقال:
-"تمام جمع كل البيانات اللي كنت جمعتها عنهم وبتهددهم بيها وحاول تضغط شوية على مراته هي أكيد تعرف فين الأماكن اللي ممكن يروحها".
خرج "شوقي" من باب قسم الشرطة واقترب منهما وقال:
-"زينة قالت على تفاصيل جديدة فادت أستاذ جلال جدًا في القضية وهيعيدوا تفتيش مكان الحادثة من تاني وإن شاء الله يوصلوا لدليل المرة دي".
❈-❈-❈
دلف كلاهما من وسط العساكر الذين أدو التحية العسكرية لـ"جلال" بأحترام، بدأ بحثهم بغرفة مكتب "أيمان" وبعد بحث دام لنصف ساعة لم يجدوا شئ جديد فـ أعتراهم الضيق وقرروا البحث بمكان أخر، تحرك جلال اولًا ومن ثم نظر لمرافقة بأستغراب وقال:
-"زينة قالت في التحقيقات إن البيت فيه أكتر من عشر كاميرات ووقت التفتيش لقينا تمانية بس ورياض قال وقتها أنهم عطلانين من تلات أيام".
صمت مرافقة للحظات قبل أن يقول بأستنتاج:
-"معني كده إن رياض كداب وفيه كاميرات مش مفصولة من يوم الحادثة لأن البيت محجوز عليه لأنه يعتبر ملك لزينة ".
أومأ " جلال " بتأكيد وقال بتخمين:
-"او يمكن ميعرفش بوجودهم اصلًا من ضمن كلام زينة إن مدام أيمان مكانتش بتعرف رياض أي حاجة عنها او عملتها حتي لو صغيرة زي كده".
وتغيرت خطة بحثهم كليًا بناء على الأستنتجات الحديثة وبعد مرور ساعة أخري توقف كلاهما وقال "جلال" بضيق:
-"الوضع كده مش نافع مفيش أي حاجة جديدة".
زفر مرافقه بضيق قبل إن يقول بجدية:
-"زينة عندها معلومات أكتر من كده أنا متأكد، أصل أكيد مش بعد كل التدوير ده والأدلة هتكون موجودة واحنا مش شايفنها، في حاجة مهمة وكبيرة ناقصة".
❈-❈-❈
كان كالجرذ بعدما هرب منهم وتمت مراقبته وصدور أمر بالقبض عليه فـ لم يجد له مأوى سوي وسط مجموعة من أشهر المُجـ ـرمين وبعد أن شرح لهم جزء صغير مما حدث قال كبيرهم بتفكير:
-"على حسب كلامك إن بنتها ورثت كل فلوسها بس مقبوض عليها بتهمة قتـ ـل أمها وجوز أمها وصاحبك التاني مصيرهم معروف خلاص والواد اللي كان بيهددكم عرفت أنه أبن صاحبك اللي قتـ ـلته وأتجوزت مراته، أنا مالي بالليلة دي كلها ".
أقترب" صفوت " منه وحاول أغوائه بالمال وقال:
-"انتَ بقى المفروض تساعدني نخطف البت وقت ترحيلها للنيابة وناخد منها كل حاجة ونقسمها بالنص وغير كده هديك فوق نصيبك حبة كمان لما راجل من رجالتك يضـ ـرب طلقتين على الواد ده ويخلصني منه زي ما ماخلصت من أبوه، وإذا كان على مراتي فـ هي زي القطة بسبع أرواح وهتعرف تفلت".
همهم الرجل بتفكير وقال محذرًا:
-"لو حرف من اللي قولته ده كان كدب او غدرت بيا صدقني لو رجعت بطن أمك تاني هجيبك".
أومأ "صفوت" بموافقة ومد يده لمصافحة الرجل كـ علامة على الأتفاق وبادلة الأخر المصافحة.
❈-❈-❈
وقفت أمام باب المنزل المتهالك أثر مرور الزمن عليه ونظرت لورشة أبيها رحمة الله وهي مغلقة بحزن غلف نظراتها، كم كان يمقت غلقها لفترة طويلة والآن تكاد تجزم هي أنها لم تُفتح منذ وفاته.
دفعت الباب ودلفت بعدما ردت التحية على بعض الجارات وتجاهلت اسئلتهم الفضولية، صعدت وهي تتلمس كل أنش تطوله يدها بحنين لأيامها السابقة وعندما توقفت أمام باب المنزل وجدته غير مغلقًا بأحكام فـ طرقته بخفة طرقات متتالية إلا أن أستمعت لصوت "فاطمة" والدتها بالداخل تصيح بتساؤل:
-"أدخلي يا أم شكري".
دفعت الباب برفق وأبتسمت بأشتياق لكل ركن من أركان المنزل الذي وكأنه أصبح يابس فجأة بعدما كان يضخ بالحيوية والحب والدفئ بينهما، تقدمت من المقعد المُفضل لوالدها تتلمس ذراعة بأعين لامعة بدموع الحنين والشوق..
غرفتها الحبيبة التي كانت تغار عليها من يحرك بها أحد أصبحت مليئة بالأتربة وذات رائحة خنيقة كحال المنزل كله..
قلقت "فاطمة" من عدم دخول جاراتها وظنته لصٍ فـ نهضت تمسك بعصاها المتينة التي تساعدها على الرؤية وخرجت تصيح بحدة وهي تلوح أمامها بالعصاة:
-"مين.. مين هنا.. حرام عليكم معدش فيه حاجة تتسرق ".
نظرت نحوها " فجر" بشوقٍ بالغ وتأملت ملامح العجز التي ظهرت بوضوح على وجهها لكن ما أثار ريبتها هو عدم تحركها بشكل جيد وكأنها فقدت بصرها.. لأ هي كذلك بالفعل.!!
تقدمت تمسك بيدها قبل أن تتعثر وتسقط وقالت بنبرة متحشرجة:
-"دي أنا يا ماما.. فجر".
-"فجر بنتي".
نطقتها "فاطمة" بلهفة ولوعة وتركت عصاها وأحتضنتها بقوة مفاجأة تملكتها عندما أستمعت لصوتها وأستشعرت لمساتها وأنسابت دموعها الساخنة وقالت بعتاب وألم:
-"ضهري أتقطم من بعدك انتِ وأبوكِ، انتِ العكاز اللي كنت بقوي بيه لو رقدت في سريري شوية فجأة هجرتيني زيك زيهم، طب حتي كنتِ أسألي على أمك اللي مبقالهاش حاجة منكم غير الحيطان".
سالت دموعها بتأنيب ضمير وضمت نفسها لها أكثر تقول بأختناق من فرط مشاعرها:
-"حقك عليا يا ماما، اللي عرفته تعبني أوي، الحياة من غيركم قاسية عليا أوي.. أوي ".
أنخرط كلاهما في وصلة بكاء عنيـ ـفة دامت لدقائق غير معدودة قبل أن تقول" فاطمة"من وسط بكائها بعدما جلسوا فوق الأريكة المجاورة لهما:
-"نظري راح من كتر البُكا عليكم، أول فراقكم كان رضا وبعدين سبتوني واحد ورا التاني لحد ما خلاص مبقاش عندي حاجة أعيشلها".
لم تتوقف عن تقبيل يد "فاطمة" بين الحين والأخر وتسألت بجهل:
-"هما أخواتي كمان سكنوا بعيد عنك ".
ضحكت" فاطمة " بمرارة وقالت:
-"سكنوا قبورهم يابنتي، راحوا عند الأحن مننا كلنا".
أتسعت أعينها وانفلتت منها شهقة مصدومة لما سمعته وشعرت بتحطيم قلبها للمرة التي لا تعلم عددها، رغم قسوتهم عليها لم تنسي كونهم أخويها الذين تربت معهم تحت سقف منزل واحد، ضمت "فاطمة" رأسها لصدرها وقالت بمرارة وألم:
-"مرات أخوكي تامر كانت على علاقة بصلاح، وأستغلوا عدم وجودي وإن تامر في شغله وكانوا مع بعض، دخل عليهم تامر واتصدم من اللي شافة
وقتـ ـلوا بعض والفاجـ ـرة هربت ".
بكت هذة المرة بصوت مسموع وأنين مرتفع وقالت من وسط بكائها:
-" أنا السبب.. كان لازم أعرف بابا ".
أستغربت" فاطمة" حديثها وتسألت:
-"انتِ كنتِ عارفة".
أومأت وهي بأحضانها وقالت:
-"شوفتهم قبل كده بس خوفت أقول.. والله خوفت عشان كده سكت".
رتبت "فاطمة" عليها بقلة حيلة وقالت بمواساة رغم أنها أشدّ من تحتاجها:
-"مش هيفيد بحاجة البُكا على اللي فات ولا هيرجع عزيز غايب، مقدر ومكتوب يابنتي".
رفعت "فجر" جسدها وطبعت قبلة أعلي رأس فاطمة وقالت بتماسك مصتنع رغم بكاء كلتاهما:
-"أنا مش هسيبك ولا أبعد عنك تاني صدقيني، انتِ الحاجة الوحيدة اللي فاضلة ليا".
عانق كلًا منهما الأخر والحزن والبكاء هما السائدين، وكان السعادة لا تعرف طريقًا لتلك الأيام العصيبة على الجميع..!!
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شهد السيد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية