-->

رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 4

     قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 

 


رواية روضتني 2

(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)

طمس الهوية

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الرابع

❈-❈-❈


لحظات السعادة لا تحتسب من العمر ودائما ما نشعر بالحنين تجاهها وسط شقائنا وتعاستنا ولا نلحظ مدى جودة الحياة إلا عندما نمر بالمصاعب.نشعر وقتها بالحنين لتلك الأيام ونقول يا ليت تلك الأيام تعود لنفعل ذلك وذاك، ولكن الأمر ليس بتلك السهولة؛ فلا نتحكم بعجلة الحياة ولا نحن بعالمين للغيب او يملك أي منا آلة زمن تعيده للماضي.

شعرت بأنامله تتحرك على وجهها ففتحت عينيها بخمول وابتسمت فور أن رأته أمامها بهيئته التي تعشقها، رمشت فور اقترابه منها واقتناصه شفتيها بين خاصته وهو يخرج أصوات وهمهمات استمتاعه لتذوقه اياها.

رمقته بنظرة محتارة وهي تسأله:

-انت خرجت؟

أومأ لها وهو يعقب:

-كان عندك شك اني هخرج؟

نفت سريعا وتعلقت بعنقه وهو يعتليها وهمست بجوار اذنه:

-فااارس.

رد مبتسما ومتغزلا:

-عيونه.

اطلقت زفيرا قويا محملا بكم من المشاعر وتدللت قائلة:

-أنا مكنتش أعرف اني بحبك اوي كده.

قبلها من جديد وابتعد وهو يخبرها:

-وأنا محبتش إلا أنتي.

شعرت بأصوات بنتي عمها بجوارها ففتحت عينيها لتتفاجئ بهما تتسامران بجوارها فصرخت بخضة:

-فااارس، هو راح فين؟

تعجبت نرمين واقتربت منها تسألها بحيرة:

-يا حبيبتي انتي كنتي بتحلمي؟

بكت وهي تؤكد عليها:

-الظاهر كده.

انحنت تقبل صغيريها ووقفت تتحرك للخارج فسألتها نرمين باهتمام:

-رايحه فين يا سو؟

أجابتها وهي تفتح باب الجناح:

-هحضر اكل لفارس أكيد ماأكلش حاجه من امبارح.

نظرتا التوأمتان لبعضهما وتببعتاها وشيرين تهتف:

-استني بس ده الفجر لسه مأذنش، انتي ملحقتيش تنامي كام ساعه.

لم تهتم بحديث ابنة عمها ونزلت الدرج دالفة للمطبخ ووقفت تبدأ بتحضير الوجبات وهي تتمتم بداخلها:

-أكيد هيعوز حاجه سهله عشان يعرف ياكلها، طيب أعمله ايه ينفع يتاكل؟

ساعدتها نرمين بتفكيرها:

-سندوتشات يا ياسمين، هو هيبقى فطار يعني وإن شاء الله قببل ميعاد الغدا يكون في البيت.

رمقتها بنظرة تمني لما القته على مسامعها وأومات لها؛ فأنحنت شيرين تهمس لتوأمها:

-لسه بدري اوي خليها تطلع تنام شوية.

ردت بنفس النبرة الهامسة:

-مش هتسمع لنا، سبيها، انتي لو مكانها مش هيجيلك نوم.

انتهت من تحضير حقيبة ملئتها بالأطعمة والمشروبات وصعدت تتجه لداخل غرفة ملابسه وبدأت بتجهيز ملابس نظيفة له، ووقفت تنظر لانعاكس صورتها بالمرآة وتمتمت:

-ربنا يرجعلك لينا بالسلامة.

استمعت لصوت نرمين:

-آمين يارب، خديله wipes أكيد هيحتاجها.

اومأت لها وهي تفتح أحد الأدراج:

-ايوه ممكن آخد الشامبو الجاف ده احسن وبرفان و...

هتفت شيرين مبتسمة:

-يا ياسمين هو مش مسافر ومش هيحتاج كل ده متقلقيش اكيد هيخرج إن شاء الله بعد العرض ع النيابة.

تنهدت وعادت تجلس تنظر لساعة الحائط وهي تتذمر بضيق:

-هو الوقت مش عايز يمشي ليه، أومال الوقت ده بيعدي عليه ازاي هناك؟

❈-❈-❈

انتبه لصوت همهمات بالخارج تبعها فتح باب المكتب ودخول كل من محاميه ومحامي غسان الصباغ الذي تقابل معه سابقا وقت تسلم تركته وتنفيذ وصيته؛ فابتسم فارس بعد أن تأكد من ظنونه وارتباط ما يمر به بتلك الأموال.

اعتدل بجسده على الأريكة الجلدية ونظر لمحاميه وبدأ بالتكلم بصوته الجاف:

-ايه الاخبار يا متر؟

اجابه محفوظ بتلبك:

-الأستاذ جاي يتفاوض معاك يا باشا.

غمز له موافقا وتحدث بالإنجليزية ليفهمه ذلك الرجل:

-مرحبا بك بمصر من جديد، لم يمر وقت طويل على مغادرتك لنفتقدك هنا.

سخر منه وابتسم باتساع والآخر يجيبه:

-لا بأس فهذا عملي وأنا فقط أنفذ ما أؤمر به.

استند فارس بظهره على الأريكة وأيده:

-أنت بالفعل كذلك، تنفذ فقط الأوامر؛ لذلك لا أجد جدوى من التحدث معك ومناقشتك بالكثير من الأمور التي لا تستطيع اتخاذ قرارات بها؛ لذا عد من حيث أتيت وارسل لي من يستطيع التفاوض معي بشكل مباشر.

جلس المحامي ونظر لفارس بجدية وتكلم بصوت حاد:

-أنا هنا المنوط به للتحدث بلسانهم و...

قاطعه فارس يسأله ساخرا:

-من هم؟ هل تقصد الأيادي الخفية خلف كل تلك الأحداث المثيرة التي تحدث لي ولعائلتي؟

أومأ له؛ فحرك فارس رأسه ينظر لعمر الصامت بجواره وسأله بحيرة:

-رأيك ايه يا عمر؟ أتفاوض معاهم ولا ملهاش فايدة؟

تعجب عمر من تساؤله، ولكنه لم يمهله الفرصة للتفكير مليا وأضاف:

-أنا عارف أنك عندك ولو معلومات بسيطة لنفوذهم وإلا مكنتش سبتني بايت هنا واتصرفت وخرجتني، لأ والأدهى انك تبات معايا كأنك بتحرسني!

جعد جبينه وهو ينظر للمحامي ويكمل حديثه:

-يا ترى بتحرسني من مين؟ 

نطق عمر اخيرا:

-يا فارس كل اللي عندي شكوك واستنتاجات مش أكتر، ولو الراجل ده في ايده التفاوض يبقى go ahead.

أومأ له وعاد يركز بصره بالاجنبي الجالس أمامه وتهكم بشكل صريح:

-أظن بعد أن نتفاوض سأنتظر رد رؤسائك قبل اتخاذ اي قرار، أليس كذلك؟

زفر بضيق ورد بالإيجاب فحك فارس لحيته الكثيفة وسأله بايجاز:

-طلباتهم؟

أجابه فورا ودون مماطلة:

-اموال غسان الصباغ هي من حقهم، لذا يريدون عودتها لسلطتهم.

تكلم عمر متسائلا بحيرة:

-انا مش فاهم حاجه، هو مش غسان قتل رئيس المنظمة دي وبقى مكانه، وبعدها لما هو مات المفروض انهم...

قاطعه فارس يوضح:

-اللي زي دول عاملين شبه تعبان الهيدرا تقطع له راس يظهر له اتنين.

زفر عمر بضيق فالتفت فارس ليكمل حواره مع المحامي:

-إذاً تريدون أموال غسان التي ورثتها عاليا؟

أومأ مضيفا:

-ومعها نصيب ابنته المزيفة.

جعد فارس جبينه وتحدث بحدة:

-وما شأني بها؟ هل تلزمونني باسترجاع الاموال منها؟

أكد المحامي حديثه:

-نعم، انت ملزم بذلك فأنت ورجالك من ساعدتموها على الهرب ووضعتوها ببرنامج حماية الشهورد، وعلى الرغم من ذلك نحن نعلم مكانها ونستطيع الوصول إليها بسهولة ولكن الرؤساء يحترموك ويقدروك؛ فكما يقولولن أنك خصم جدير بالاحترام لذلك وضعوا مسؤلية استرجاع تلك الاموال بيدك انت وحدك.

قضم فارس جانب شفته بغل وهتف موضحا:

-لا تنس أن اموال عاليا اصبحت إرثاً سيتم توزيعة على كل عائلتها، وإن كنت استطيع التحكم بعائلة الفهد فلا تحكم لي بعائلة والدها.

ابتسم المحامي بسمة جانبية وصرح:

-لن يهتم الرؤساء بما تقوله سيد فارس، إن أردت الخروج من هنا والعيش بسلام مع عائلتك فستنفذ هذا الأمر دون نقاش او مماطلة، فقط اخبرهم أنك تعاونت معي وسيتم تقديم تقرير الطبيب الشرعي وخبير الخطوط لصالحك، وإن تم العكس فالنتائج ستكون وخمية.

انعقد حاجبيه بشدة وهو يستمع له، فهل يوجد انسان عاقل على وجه الارض قد يعطي اوامر لفارس الفهد؟ بل ويهدده بهذا الشكل الصريح، وها هو جالس يحاول تمالك اعصابه وعمر بجواره يعلم ما يدور بداخله فتكلم بهدوء:

-قولنا لما الموجه تبقى عاليه نعمل ايه يا فارس؟

أجاب بصوت متحشرج من إثر غضبه المؤجج:

-نطاطي لها

ربت على فخذه وهو يستحسن حديثه مؤكدا:

-معنى كلامهم انهم متحكمين في نتايج التقارير ويمكن عشان كده لحد دلوقتي انا مش عارف اوصل لها، مستنيين يطلعوا التقرير حسب تعاونك معاهم.

أومأ بتفهم وتكلم فارس مع المحامي من بين أسنانه المطبقة:

-ستتناقش مع رؤسائك ان ما يفصل بيني وبينهم هي تلك الاموال فقط ولن يظهر للموضوع أي توابع، وستتركوني انا وعائلتي وشأننا ومعنا الابنة المزيفة لغسان الصباغ أيضا فقد عانت المسكينة الامرين وكفى.

أومأ له موافقا وهو يوضح:

-هذا بالضبط ما اقره الرؤساء سيد فارس، فلا حاجة لنا ببخوض أي معارك جديدة تؤثر على اعمالنا.

وقف فارس ومد ساعده له وهو يقول:

-فلنتصافح اذاً لإتمام هذا الاتفاق.

مد الآخر ساعده وصافحه مؤكدا:

-سررنا جدا بالتعامل معك سيد فارس.

❈-❈-❈

بلهفة طرقت على بابه ففتح عينه ينظر لساعته فوجد السادسه صباحا؛ فتململ بكسل وهتف:

-مين؟

أجابت من خلف الباب المغلق:

-يلا يا مازن عشان نلحق نروح.

مسح جفنيه بقوة ليزيل عنه نعاسه ورد:

-حاضر يا ياسمين، لسه بدري اوي.

ضربت الباب بقبضتها بقوة وهي تصرخ متذمرة:

-قوم يا مازن، انت جايلك نوم ازاي واخوك في القسم؟

نفض عنه غطاء الفراش وهو يجيبها هاتفا:

-قومت والله هلبس وانزلك.

فتحت جنى عينيها بخمول وجلست تمسح على بطنها المنتفخ متحدثة بتذمر:

-بجد ياسمين رهيبه، الساعه مجاتش 6، مش هيدخلوكم اصلا من باب القسم.

بدأ بارتداء ملابسه وهو يجيبها:

-أظن انتي لو مكانها هتبقى أهدى من كده؟

نفت معقبة:

-لأ طبعا هبقى زيها، بس هراعي برده الناس اللي فضلت طول الليل سهرانه عمالين يكلموا الوزير ده على اللوا ده على السفير ده، وهي اكيد شافت المجهود اللي انت بتعمله.

انتهى من ارتداء ملابسه وعاد ينظر لها بحيرة متسائلا:

-هو تحاملك على ياسمين الفترة دي سببه ايه يا جنى؟

تعجبت من سؤاله وظهر تعجبها على ملامح وجهها فأضاف:

-بقالك فتره على طول انتقادات لها ولتصرفاتها مع إن افتكر قبل جوازنا كانت صاحبتك وسرك كان معاها، إيه اللي جد خلاكي على طول مضايقه منها؟

تجهم وجهها وهي تجيبه بتهرب:

-مفيش حاجه، ولو فعلا بقيت بنتقد أفعالها عشان هي اللي اتغيرت مش انا، فارس بيحاول يعمل لها كل حاجه عشان تبقى مبسوطه معاه وهي تصرفاتها كلها غلط و..

قاطعها يتسائل:

-وتصرفها دلوقتي ايه الغلط فيه؟ أنتي متحامله عليها بشكل واضح وفارس كمان واخد باله مش أنا بس، وسكوته مسألة وقت فخدي بالك وانتي بتتعاملي معاها لأنه لو غلطك في تصرفاتك مش هعرف اقف معاكي ضده.

ضحكت ساخره وهي تعقب:

-وهو من امتى انت بتقف مع أي حد قصاد فارس، لو انا في كفه وفارس في كفه فأكيد كفة فارس تربح.

تضايق من طريقتها فاومأ بغيظ:

-مظبوط، كويس انك عارفه ده، بس انا وقفت معاكي ضده قبل كده لما كنتي غلطانه في نرمين، بس المرة دي انتي غلطك مع ياسمين يا جنى، عارفه يعني ايه ياسمين عند فارس؟

رفعت شفتها بامتعاض وهي تقول:

-آه عارفه، كفتها عنده بتربح على أي حد حتى انت.

فهم ما تحاول فعله فأكد عليها:

-وأنا عمري ما هحط نفسي في كفه قصاد ياسمين يا جنى، ولو حصل هبقى فاهم كويس ان فوزها مش معناه خسارة ليا، بس انتي وخداها حرب وأنا فاهم ليه بس مش وقته.

حاول الخروج فأوقفته تسأله بضيق:

-وليه بقى يا نابغة عصرك؟

تضايق من سخريتها، ولكنه تحكم بغضبه فالوقت غير مناسبب لشجارهما الآن وبمنزل رفيق دربه بالتحديد فآثر على الهدوء واجاب:

-بعدين يا جنى لما نطمن على فارس ولينا قاعده مع بعض.

فتح الباب وهم بالمغادرة، ولكنه التفت يرمقها بنظرات محذرة مؤكدا:

-انا نبهتك، خدي بالك من تصرفاتك مع ياسمين وبلاش ترمي كلام من بتاع طنط هدى ده.

نزل الدرج فوجدها تجلس برفقة عائلتها وقدمها تهتز بعنف وبذبذبات سريعة وهي تنظر للساعة بين الفينة والاخرى فألقى عليهم السلام:

-السلام عليكم، وصباح الخير ع الحلوين.

انحنى مقبلا ابناء أخيه الروحي وجلس بجوار ياسمين التي انتفضت صارخة:

-أنت لسه هتقعد يا مازن! يلا قوم ن...

قاطعها مهدئا إياها:

-أهدي بس، الوقت لسه بدري وهو اصلا هيتعرض ع النيابه الساعة 9، فتعالي افطري وبعدها...

دبت الارض قدمها وهي تتذمر:

-أنتوا مالكم كلكم على قلبكم مرواح كده ليه؟ انا قلبي هيقف وانتوا اللي نام واللي عايز يفطر واللي لسه مصحاش، بجد مش مصدقاكم.

استمعت لصوت مراد وهو ينزل الدرج:

-كلنا صحينا يا ياسمين، ومحدش جاله نوم هو بس من التعب غفلنا شويه.

أطرقت رأسها وهي تعتذر بأدب:

-انا آسفه يا دكتور والله مقصدش حضرتك، بس انا هموت من القلق و..

قاطعها مرددا:

-كلنا قلقانين، وفارس عندنا كلنا حاجه كبيرة اوي واللي هو فيه ده مأثر علينا كلنا بس لازم نهدى عشان نعرف نتصرف بعقل.

اقتربت سنية بنفس لحظة حديثه من ياسمين وانحنت تهمس لها؛ فجعدت جبينها وهي تتسائل:

-بيعملوا ايه هنا؟

رفعت سنيه كتفيها بحيرة وهي تسألها:

-طيب أدخلهم؟

سحبت شهيقا عميقا وأومأت لها؛ فتحركت للخارج لتدخلهم وكانت نرمين بجوارها تسألها:

-في ايه؟

أجابتها بصوت مسموع:

-ولاد مروان.

استمع لها الجميع وقبل ان يبد اي منهم ردة فعل كان صوت يزن يصدح بأرجاء الفيلا:

-ازيكم يا عيلة الفهد؟

هرع ساجد نحوه يحتضنه وهو يربت على ظهره:

-يزن! والله ليك وحشه، معرفتش أشوفك لما جيت مصر اول مرة قبل كل السواد ده، من امتى مشفناش بعض؟

ابتسم له وهو يجيبه:

-من لما كنت بتلبس جاكت بدلة عمي مراد وبتوصل لركبتك.

ضحك ساجد وهو يلتفت ليسلم على آسر:

-والله وحشتونا.

أشار لزوجته وهو يخبره:

-شيرين، مراتي.

صافحها وهو يطري عليها:

-وأنا أقول ساجد اتجوز بدري اوي كده ليه؟ أتاريك وقعت في القمر ده.

ابتسمت له بمجاملة وسحبت يدها وعادت تجلس بجوار شقيقتها وتوأمها فلاحظها الاول وعاد ينظر لساجد متسائلا:

-دي اللي كانت خطيبة مازن؟

أومأ له بصمت فعاد لهمسه:

-وساب دي واتجوز جنى؟ الواد ده اهبل؟

ضحك ساجد رغما عنه وهو يجيبه بنفس الهمس:

-هي اللي سابته.

عقب عليه متفاجئا:

-أصلا؟! مازن الفهد بيتساب؟

أومأ له وهو يوضح:

-أصل دي أصعبب نسخه من بنات عيلة غزال يا يزن.

اقترب مراد يرحب بهم فوجد والدتهم ومعها فتاة غريبة لم يتعرف عليها احد سوى مازن الذي وقف هو الآخر يصافحكم بترحيب:

-حمد الله ع السلامه، مش خطر رجعوكم كده وبالتوقيت ده؟

اجاب يزن وهو يهز رأسه برفض:

-ولو خطر، مينفعش نسيبكم بعد كل اللي حصل ده، كفايه الفترة بتاعة حريق المصنع، بس ده حقيقي كان غصب عني

انحنت هدى تسأل ابنتها هامسة:

-مين القمر اللي داخله معاهم دي؟ تكونش مراته؟

أجابت نرمين بضيق:

-واحنا مالنا مراته ولا اخته ولا صاحبته، يا ماما الله يخليكي الجو مش مستحمل كهربا.

جعدت ملامحها وهي تتذمر بسوقية:

-ابو اللي يتكلم معاكي يا كئيبة يا بنت محمود السيد.

هزت نرمين رأسها بامتعاض واستنكار لأفعال والدتها التي يكرهها الجميع، واستمعت لمازن يسأل ذلك الشاب الذي يبدو وكأنه نسخة مصغرة من زوج اختها الروحي:

-هي بنت غسان بتعمل ايه هنا معاكم؟

ردت هي بالتو رافضة:

-انا مو بنته.

هدأها آسر وعاد يجيب ابن عمه:

-هي معانا في نفس المشكلة وجايه تدور معانا على حل.

جلسوا جميعا على العكس من ياسمين التي ظلت واقفة تتمتم بضيق:

-انتوا لسه هتقعدوا؟

سحبها مازن من راحتها وأجلسها عنوة وهو يقول:

-اقعدي خلينا نعرف ايه سبب رجوعهم بالتوقيت ده بالذات، يمكن في ايديهم حاجه تساعد فارس.

أومأ يزن مؤكدا:

-أيوه معانا.

انتبه له الجميع وهو يضيف:

-المنظمة دي تواصلت معانا وعرفنا انهم السبب في اتهام فارس بقتل عاليا وعايزين يتفاوضوا معانا عشان براءته وإلا هيلبسوهاله

❈-❈-❈

عاد فارس للجلوس برفقة عمر الذي تعجب مما يدور حوله وسأل فارس وهو ممتعض:

-أنا مش قادر أفهم ازاي الناس دي قدرت مش بس تلفق لك تهمة زي دي واضحه وضوح الشمس انها انتحار ولااا...

صمت ليفكر واكمل:

يكونوا هم اللي قتلوا عاليا و...

قاطعه فارس مؤكدا:

-لأ، مش من مصلحتهم قتل عاليا، القتل في حد ذاته هيرجع يفتح قضية غسان من تاني وهم ما صدقوا الموضوع اتقفل والعين اتشالت من عليهم، بس هم كانوا اسرع من البرق في التصرف.

لمعت عين عمر وهو يستمع لتفسيره:

-بسرعة قدروا يوصلوا لحد من البوليس عشان يعمل النمرة دي عشان يفتحوا مجال للتفاوض.

زفر عمر وهو يصرح:

-بس لدرجة ان وزير الداخليه ميقدرش يخرجك؟ لدرجة المأمور ورئيس المباحث ميكونش عندهم مجال انهم يخرجوك بكفاله او بضمان او اي حاجه؟ ده كده الناس دي لها نفوذ جامد اوي!

أومأ له فارس مؤكدا على حديثته فتسائل الأول:

-ولما لهم كل العلاقات والنفوذ ده، ازاي غسان وقع؟

ابتسم له وهو يوضح ما يراه بعقليته الفذة:

-غسان اشتغل لنفسه، زي مروان الفهد ما عمل فضحوا بيه، منه يخلي تركيز عيون البوليس والانتربول عليه، ومنه يبعده عنهم شويه، ومنه يتخلصوا من تهديد هم شايفين انه ممكن يأذيهم من شخص متهور وطموح زي غسان بعد اللي عمله، واللي انا متاكد منه ان اللي قتله غسان ده وكان بيحسببه هو الراس الكبيره ما هو إلا واحد من كذا واحد بيديروا المنظمة دي.

تأكد من حديثه وهو يكمل:

-مستمعتش المحامي بتاعهم وهو عمال يقول الرؤساء، ده معناه انهم منظومة كبيره ووقت ما حد فيهم بيقع بيكونوا هم استغنوا عنه بالفعل، واكبر دليل انهم قتلوه قبل حتى ما يدلي بشهادته، مبقاش يخصهم ولا يهمهم.

تنهد عمر متعجبا:

-وأنا اللي كنت فاكر نفسي شوفت كل حاجه وانا في الجيش ولما روحت المعتقل، ده انت عايش في عالم تاني خالص البسطاء امثالنا ميعرفوش عنه حاجه.

ضحك عمر على مزحته فربت فارس على كتفه قائلا:

-وأنا لولاك كان زماني لسه بلف حوالين نفسي، كل واحد في مكانه بيدي افضل ما عنده يا عمر وبجد انا بشكر الأحداث دي اللي كانت السبب في تقربنا لبعض الشكل ده، انت بقيت أخ مش مجرد صديق.

احتضنا بعضهما البعض وفتح الباب عليهما وما كان إلا لمازن الذي عاد للوراء بتفاجئ زائف واعتذر مطرقا رأسه لأسفل متمتما بسخرية:

-آسف آسف كان لازم اخبط، هرجع لكم وقت تاني تكونوا خلصتوا خلتوكم.

عاد ليغلق الباب وهو يضحك بقوة وفارس يشاطره الضحك وهو يقول:

-عيل فقر، ما تتهد بقى.

عاد لفتح الباب ودلف جالسا بينهما وهو يدفع عمر ليبتعده وكأنه فتاة تغار على رفيقها:

-إتاااخر كده شوية يا عمر الباشا.

ضحك عمر بسخرية على طريقته التي دائما ما تخرجهم من الحزن واستمع لفارس يسأله:

-ياسمين مجاتش؟

وقبل ان يجيبه كانت هي الأسبق بالدخول؛ فوقف يفتح لها ذراعيه فألقت ما بيدها ارضا وهرعت تجاهه فحملها وساقيها تحيط خصره وذراعيها تتعلق برقبته وهو يسندها بساعديه القويين وبدأت بتقبيله بدون مقدمات؛ فتفاجئ عمر الباشا واشاح بوجهه وحاول المغادرة فضرخ مازن موبخا:

-يا جدعان طب انا وماشي اتعودت خلاص، عمر الباشا هنا مش كده بقى.

انزلها فارس والتفت يرمقه بنظرة جامدة معقبا:

-مش انت عارف التصرف المثالي للوضع ده ايه؟

اومأ مازن وهو يخبره:

-ألف وشي واخرج.

أومأ له وهو يمسك كتفه بقوة ضاغطا عليه ليديره تجاه عمر المطرق الرأس وقال بقوة:

-علم صاحبك بقى الرولز عشان ميغلطش هو كمان.

انعقد جبين مازن وهو يسحب عمر للخارج متمتما:

-تعالى يا بني، ام الجفاف العاطفي اللي الواحد عايش فيه بسببهم.

سأله عمر بعد ان خرجا:

-هم كده على طول؟

اومأ له مؤكدا:

-يووووه، أنت لسه شوفت حاجه.

ضحك وهو يقول:

-ده انا بتكسف ادلع مراتي قدام بابا، لأ .. ولو هزرت معاها قدام أهلي تزعل وتقولي كسفتني.

ضحك مازن عاليا وهو يقول:

-لا فارس بجح واتجوز اللي أبجح منه، متحطش في بالك انت بدل ما يجيبولك اكتئاب أو جلطه ايهما اقرب.

بنفس اللحظه بالداخل تعلقت هي بعنقه وظلت تقبله وهو يبادلها القبلات الهائمة وابتعد اخيرا ليلتقط انفاسه الهاربة، ولكنها عادت تتعلق به وتقبله من كل انش بوجهه وعنقه فضحك وهو يحاول مجاراتها ولأول مرة يفشل بذلك فيقول بصوت هامس متحشرج:

-مش كده يا ياسمين، احنا في القسم والمكتب فيه كاميرات مراقبه.

تركته اخيرا وهي تتنفس بقوة وبكت فورا فتعجب رافعا حاجبه متسائلا:

-ده اسمه ايه ده كمان؟

أجابته وهي تبكي بحزن:

-أول مره اخاف بالشكل ده، عايزين فلوس عاليا عشان يسيبوك

زاد تعجبة ودهشته وسألها:

-وانتي عرفتني منين الكلام ده؟ ده المحامي ملحقش...

قاطعته تخبره:

-ولاد مروان الفهد جم البيت وقالولنا على كل حاجه، حتى جايبين معاهم بنت الراجل ده وعندها استعداد تساعد.

سحبها واجلسها على فخذه وبدأ يداعب جسدها بانامله وهو يبتسم فارتبكت وهي تسأله:

-مش قولت في كاميرات؟

أومأ لها وهو يشير لمكان عدسة الكاميرا واكد لها:

-يا مطفيه يا لمبة التشغيل محروقه.

ابتسمت وهي تسأله:

-ولو لمبة التشغيل محروقه ده معناه ان الكاميرا مش بتسجل؟

أجابها:

-لأ هتكون بتسجل، بس انا هتعامل انها مش شغاله ونبقى ضيفنا القسم  لليسته بتاعتنا.

لمعت عينيها بريق الدهشة وهي تراه يهم بتقبيلها باثارة واستباحت يده جسدها من اسفل ملابسها فلم تجد بد سوى بالتفاعل معه ومبادلته القبلات الحارة.

❈-❈-❈

استمع لهم وهم يخبروه بكل المعلومات التي توصلوا لها وشاركهم هو المعلومات وما استنتجه فارس بتحليل منطقي وقال بالنهاية:

-بما ان كل عيلة الفهد معندهاش مشكلة انها ترجع لهم الفلوس المشئومة دي وكمان الآنسه لاميتا، هيفضل بس أهل عاليا من ناحية والدها لأنهم ورثه شرعيين و..

قاطعه مازن يوضح:

-يا عمر الفلوس دي في بنوك بره مصر، يعني قانون المواريث بتاعنا مش هيمشي عليها، فارس كان معاه صلاحيات توقيع وتوكيل عام لعاليا وبصفتها مريضة كان له حق التصرف بكل حاجه، وحتى لما راح لها امبارح كان عشان يسلمها الفلوس ع الورق لكن الفلوس بره في البنوك تحت وصايته وحراسته وهو اللي يقدر يتصرف فيها يعني لا ههتوزع ورث ولا حاجه.

عقب عليه عمر:

-بس فارس هو اللي قال إن..

قاطعه مازن:

-ما هي مثالية فارس دي هي السبب في كل اللي احنا فيه، هتلاقيه يقولك لازم أهل عاليا يعرفوا بالفلوس وبعدها نفهمهم الخطر اللي عليها، وانا بقولك من دلوقتي لازم نقف له عشان ده ميحلصش احنا مش ناقصين لا مشاكل ولا عطله.

أومأ له وسأله بخجل:

-طيب أحنا هنفضل هنا لحد امتى؟

ضحك مازن وشاركه مراد بالضحك وعقب الاول:

-لما هو يفتح لنا الباب يباشا.

❈-❈-❈

وجد نفسه يخرج عن سيطرته فابتعد عنها وهو يحاول تمالك نفسه ونهج بانفاسه مبتلعا ريقه ناظرا لها باثارة وهو يتمتم بتذمر:

-كده كتير.

ضحكت وهي تكوب وجهه براحتيها:

-بحبك اوي.

أغلق عينيه باستمتاع وانتشاء لتلك الكلمة التي تتغلل بداخله كالسحر ورد:

-وأنا بعشقك يا سلطانه.

تركت فخذه وتحركت صوب الحقيبة الملقاة على الأرض وهتفت تخبره:

-جبتلك اكل وهدوم وشامبو جاف ووايبس و...

قاطعها ضاحكا بصوت مسموع لمن بالخارج وهو يسألها:

-شامبو جاف!؟ هو أنا كلب؟

ضربته بكفها على صدره موبخة:

-فشر، أنت فهد.

عادت ضحكاته العالية وهو يصحح:

-قطه يعني، المهم نوع من انواع الحيوانات وخلاص.

بللت شفتيها بطرف لسانها وبدأت ترص الطعام أمامه وهي تخبره:

-انا عارفه اد ايه هتكون تعبان وعرقان، غلطانه انا يعني؟ وبعدين ده بتاع بني آدميين.

قبلها من وجنتها وتناول منها الشطيرة وهو يشكرها:

-تسلم ايدك يا روحي.

استمعوا لطرقات بالخارج وتبعها مازن الذي وارب الباب يسأله:

-سمعناك بتضحك يا باشا، لعله خير؟

أشار له واللقيمة لا زالت بفمه:

-تعالى تعالى يا أخرة صبري.

دلف وتبعه البقية فوقف فورا تاركا ما بيده ليرحب بيزن واحتضنه مربتا على ظهره:

-حمد الله ع السلامه يا يزن، انتوا كويسيين؟

أومأ وهو يطمأنه:

-متقلقش انت كله بخير، المهم أنت دلوقتي.

لحظات بعد ان تناول فارس طعامه ودخل العسكري يخبر عمر الباشا باحترام:

-الباشا رئيس المباحث بيقول لحضرتك ان النيابة وصلت وجاهزين للتحقيق.


يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة