-->

رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 9 - 2

 

 قراءة رواية بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية بدون ضمان

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


الفصل التاسع

الجزء الثاني




في منزل أسر، إستدار هو بظهره للخلف  وحدج بوالدته بنظرات نارية بعد ان اخبرته بزواج فريدة من حسام القريب في حين تحرك أسر في إتجاهها إلى أن وقف أمامها ثم بصوته الآجش قال بعدم تصديق


= يعني ايه؟ يعني ايه فريده هتتجوز واحد زي ده، واهلها كمان إزاي يوافقوا كده، ازاي أصلا يفكروا في حاجه زي كده.. وهي ازاي رضيت بالوضع ده .


لوت سميحة فمها في إستهجان ثم رفعت حاجبها وهي تجيبه ببرود


=  امال عاوزهم يعملوا ايه يا روح امك دي بقت حامل خلاص، هتروح فين وهي بالعيل ده هتسيبه يجي على الدنيا من غير اب ولا اوراق؟ أهي عملت الصح وريحت نفسها وريحتنا، وبكده الحكايه الناس هتنساها مع الوقت


نظر لها أسر بنظرات حادة وهو يسألها بغيرة شديدة


= مستحيل! فريدة ما تفكرش كده اكيد اهلها هم السبب وهم اللي ضغطوا عليها، ده مش مستوى فريده ازاي اخرها تتجوز واحد زي ده ؟. 


تحولت نظرات والدته بحنق ثم لوحت بيدها بعصبية وبنبرة اكثر حدة


= جري ايه يالا، انت مالك تتجوز ولا تطلق حتي احنا مالنا بيها هو انت ناسي انك خطبت ولا ايه؟ انساها وطلعها من دماغك خالص.. و هي كمان أهي هتتجوز وتشوف حياتها زيك.. ارضي بنصيبك يا حبيب أمك عشان تعيش .


ابتسم بسخرية مريرة وبنبرة مقتضبة ولكن ذات مغزى أجابها بألم


= ما هي كانت نصيبي وانتٍ السبب، انا مش عملت اللي انتٍ عاوزاه سيبيني في حالي بقى وما لكيش دعوه اذا كنت اطلعها من دماغي ولا لا؟ دي حاجه اصلا مش بايدي انا شخصيه عشان احققهالك .


❈-❈-❈


بمنزل أيمن، قد جاءت تسنيم لتطمئن على ليان زوجه اخيها، لكن تفاجات باستقبالها الجاف حتى عندما جلسوا يتحدثون كانت الأخرى تجيب باختصار شديد بشرود و أحيانا تصمت ولم تتحدث؟ شعرت تسنيم بالغرابه الشديده من حالتها لكن اعتقدت أنها لا تريد التحدث معها بسبب موقفها الحازم بعد معرفة ما ارتكبته بحق اخيها، ضيقت تسنيم عينيها وهي تتسائل 


= وبعدين يا ليان بقيلي اكتر من نص ساعه قاعدة جنبك عماله اصالح واتحيل عليكي تتكلمي وانتٍ ساكته للدرجه دي زعلانه مني والله قلت لك انا اللي شغلني عنك شغلي مش الموضوع اللي انتٍ حكيتهلي انا جاهز في الاول فعلا اتضايقت بس غصب عني 


أضافت بجدية وهي تشير بعينيها بقله حيلة


= ده اخويا برده وتوامي وما ليش غيره يصعب عليا اشوف حد بياذي وافضل ساكته، بس بعد كده لما هديته وفكرت اني مش من حقي احسبك وان الوضع لو كان العكس كنت برده هكون مع اخويا، وخلاص اللي حصل حصل .. خلينا دلوقتي نفكر احسن هنحل الموضوع ازاي .. ما تزعليش مني بقى انتٍ عارفه انا بحبك قد ايه وبعتبرك اختي 


حركت ليان عيناها ببطء شديد وهي تنظر لها  وسرعان ما تجمعت الدموع داخل عيناها وهي تجيب بصوت دون حياه به


=  اخوكي عاوز يتجوز عليا يا تسنيم !. قال لي عشان اسامحك لازم انتٍ كمان تحسي باللي انا حسيته، ولما قلتله بلاش تغضب ربنا عشان تنتقم مني؟ قال لي الوضع هيكون غير عشان انا هتجوز ومش هغضب ربنا 


انفرجت شفتاها بصدمة قليلة من جملتها المفاجئة تلك، لتقول بصوت مصدوم


= انتٍ بتقولي ايه؟ ما يمكن بيقول كده عشان يحاول يضايقك زي ما انتٍ عملتي، بيحاول يعني يرد كرامته بالكلام ده، لكن مستحيل يعمل كده ويتجوز عليكي طبعاً 


لم تستطع الرؤية بوضوح بفعل دموعها الغزيرة لكن خرج صوتها الضعيف هاتفه بمرارة


= لا ما كانش بيقول اي كلام كان يقصده فعلا، عارفه النهارده الصبح قبل ما يروح الشغل قال لي ايه؟ ما توريني صور أصحابك اللي مش متجوزين وبالمره اشوفلي عروسه تكوني عارفاها عشان تتعودوا على بعض بسرعه .


هزت هي رأسها باعتراض قائلة بإصرار


= لا برضه أكيد في حاجه غلط أيمن بيحبك مهما عملتي يا ليان فيه، صدقيني شكله بيقول اي كلام بيضايقك بيه وخلاص، لكن مش هيعملها .


ابتلعت ريقها هاتفة بذعر


= وإذا عملها بجد واتجوز عليا هعمل ايه وقتها؟ 


وفي ذلك الاثناء تفاجئ الاثنين بوجود أيمن خلفهما؟ الذي دلف دون أن يشعر به أحد بالبداية واستمع إلى حديثهما، جحظ بعينيه واقترب من زوجته وجذبها من ذراعها بقسوة شديدة وهو يسألها بشراسة 


= انتٍ ايه اللي خلاكي تحكي لاختي على اللي حصل مفكره لما تروحي تشتكي ليها كده هسمع الكلام ومش هعمل برده اللي انا عاوزه يا ليان .. عيل صغير انا هخاف منكم مثلا .


تأوهت ليان بأنين واضح وهي تحاول تخليص ذراعها، بينما شعر تسنيم بالذهول من تصرف اخيها تجاه زوجته فلم تكن من صفاته ان يعنفها امام احد ولا حتى بينه وبينها مطلقاً، أبعدت بسرعه يد ايمن عن ذراع زوجته ثم نظرت له دون أن تطرف بعينيها وقالت بغضب


= بس يا أيمن ايه اللي انت بتعمله ده عيب كده، وبعدين في ايه مالك؟ ايه يعني لما اعرف هو انا حد غريب عنك هروح مثلا اقول لحد عليك؟ ده أنا اختك وبعدين هي ملهاش ذنب انا اللي فضلت اضغط عليها عشان تحكيلي .. 


فركت ليان ذراعها بكفها برفق لتخفف من حدة وجعها وقد لمعت الدموع بعيونها من الانكسار ثم قال أيمن ببجاحة وهو ينظر في عيني ليان بتحدي دون أن يرمش للحظة


= ماشي حسابك معايا بعدين انا هعرفك ازاي تحكي اسرارنا لحد غريب تاني، و لو بتعملي كده مفكره هتراجع عن موضوع الجواز تبقي غلطانه .. وقريب انتوا الاتنين هتباركوا لي على الجوازه التانية .


تنهدت أخته بعمق وهي تراقبه بإهتمام ملحوظ وهتفت برهبة متوترة


= يعني كلامها صح وانت فعلا هتتجوز عليها !!. 


ابتسم باستهزاء و عقد ساعديه أمام صدره وهو مازال يتطلع إلي زوجته و بإبتسامة قاسية أردف بصرامة


= والله بقى انا حر دي حياتي واعمل اللي انا عاوز فيها وما حدش لي دخل ولا انتٍ ولا غيرك .. 


❈-❈-❈


بعد مرور أسبوعين قد تم الزواج العرفي بين فريدة وحسام حتى يستطيع الجاني ان يخرج من تلك القضيه وهذا ما حدث بالفعل و تم، بداخل غرفة فريدة تجمدت عينيها في مقلتيهما، ولم تعرف ما الذي يجب ان تفعله في تلك اللحظة، فكل شيء تم مثل ما كان يريدون و ذلك اللعين الذي اعتدى عليها قد خرج من السجن اليوم !!. 


تجمدت من الصدمة وشحب لون وجهها سريعاً وهي غير مصدقة أنها قد أضاعت حقها بيدها و ساعدت في خروج ذلك الحقير، بعد أن خسرت شرفها وعرضها بسببه.. وكل ذلك حتى تمنع الناس من اكاذيبهم حول سمعتها !!. 

اضاعت حقها واخرجت الجاني!! للحفاظ على سمعتها المتبقيه التي خسرتها من البدايه على يده .


عضت هي على شفتيها في غيظ بالغ بدأت تلوم نفسها بشدة، هي لم تتخيل أن يكون مصيرها دامية بحق لم يطرأ ببالها أن يحدث ذلك بها، وأن تتزوج بـ شبيه الرجال ذلك!. ولم تتصور أن تشارك عائلتها في تلك الجريمة معه..


حقاً لقد صدقت حينما تحطمت وتالمت.. و افقدت أبسط حقوقها للدفاع عن نفسها.. ستجن حتما منذ أن حدث ذلك وتم خروج

حسام من الحبس وبعد فترة سيصبح زوجها شرعياً ! وهي تموت في نفسها مقهورة، رفعت يديها تشد على شعرها بعصبية زائده تريد اقتلاعه من جذوره من شدة غضبها و جنونها .


دب الذعر في جميع أنحاء خلايا جسد فريدة،

‏لقد هُلكت تمامًا ولكنها لا تعرف طريقًا آخر سوى الصّمت وقبول وضعها الجديد؟ مسحت عبراتها بيدها في حين توقفت مكانها تحاول استيعاب الأمر، و إهتاجت هي بإنفعال شديد 


= خلاص طلع وهيعيش حياته عادي من غير ما يتعاقب على اللي عمله فيا، ولا اكن حاجه حصلت؟ وحياه اللي اتدمرت مين إللي هيدفع تمنها .


ثم صمتت مجبرة وعضت على شفتيها بيأس و كورت قبضتها في ضيق وبدى وجهها متألم ، فقد كافحت لتخفي الوخزات والآلام الحادة الناتجه بجسدها..احتقن وجهها بالدماء الغاضبه وإختنق صوتها في حلقها فخرج متشنجاً حينما صاحت بجنون 


= لا يعني ايه؟؟ حقي ضاع! وانا ضيعته بايدي

ازاي اعمل كده في نفسي .. عــقــلـي كــان فـيـن !! هتجنن آآآآه


تحركت في مكانها لأكثر من مرة بجسدها المنهك بحسرة و جنون وإختنق صدرها من كثرة البكاء لتجد صعوبة في التنفس بصورة طبيعية فالآلم الجسدي يقتلها ، والآلم النفسي كسرها بحق، إنهارت فريدة على الأرضية ، فساقيها لم تعد تقويان على حملها وبكت بحرقة وبصوت مختنق لتضع يدها أعلي فمها تمنع صرختها المغلوله.. و تحولت فريدة نظراتها بنظرات مشتعلة من عينيها المغرورقتين من البكاء ثم هدرت صارخة بمرارة


= ما كانش لازم اعمل كده.. ما كانش لازم اسيب حقي.. ما كانش لازم اوافقهم.. كان لازم احارب اكتر من كده ومستسلمش .. آآه قلبي محروق و وجعني .. لــيــه كـــده ؟؟؟. 


نظرت حولها بصمت مخيف وظلت تبكي بحرقة ومرارة إلى أن تورمت عينيها وصارتا حمراوتين وكذلك إنتفخ أنفها..


بعد فتره دخلت خيريه الغرفه تبحث عن ابنتها، لتجد الغرفة مظلمة و فريدة تجلس بالأرض تسند ظهرها على الفراش منكمشة على نفسها في قهر وحسرة جلي ، وثنيت ركبتيها أمام صدرها وضمت لساقيها معاً بذراعيها.. انصدمت أمها من حالتها ثم ابتلعت هي ريقها في توتر، و وزعت نظرها عليها وهي تضيء الاباجوره وهتفت متلعثمة 


= خير يا بنتي مالك قاعده هنا لوحدك ليه

في الضلمه كده 


تمُر على الإنسان أوقات، تكون فيها أعظم أمنياته هي أن لا يشعر وهذا ما كانت تتمناه و بشدة، رفعت عينيها ببطئ شديد بسبب ضعفها وتشنجت تعابير وجهها وعضت على شفتيها تكتم المها ثم أغمضت عينيها وضغطت عليهما بطريقة مريبة


= عارفه دلوقتي نفسي في ايه؟ أموت عشان أرتاح.. ماما أنا مش خايفه الموت .


فرغت خيرية شفتيها في صدمة وخوف و اقتربت إليها وهي تقول بقلق شديد


= بعد الشر عليكي من الموت يا فريدة، ليه كده يا بنتي عاوزه توجعي قلبي عليكي 


وضعت يدها فوق وجهها و بصوت مختنق من البكاء اردفت بضعف شديد 


= الموت للي زي ستره يا ماما .


إندفعت مسرعة ناحيتها ثم جلست على إحدى ركبتيها ومدت يدها لتمسح بنعومة على وجنتيها وبصوتها الأمومي قالت لها 


= ليه بتقولي كده يابنتي حياتك دي نعمه من ربنا حرام تفرطي فيها، طب فكري فينا لو جري ليكي حاجه بعد الشر انا هعمل ايه من غيرك، ده انتٍ حته مني يا فريدة 


وببقايا محطمة وقوى مستنزفة مع انسياب دمعاتها التي بدأت كالمياه الحارقة لروحها همست بقوة قليلة


= مش بايدي يا ماما العذاب اللي انا في ده شكله مطول معايا وانا تعبت.. حتي انتم ذات نفسكم عايزين تخلصوا مني.. بس انتم برضه معذورين .. العالم اللي بره صعب طالما بنعمل حساب للناس .


نظرت إليها والدتها بنظرات مرتجفة وحاولت أن تتحدث فخرج صوتها متلعثماً بخوف وعطف


= متقليش كده و متخافيش انا جنبك عشان اطمن عليكي .. كلنا هنفضل جانبك. 


توسلت فريدة إليها وبكت باختناقٍ


= انا محتاجه ليكي أوي يا ماما 


رغمًا عنها انسابت عبراتها المنكسرة على وجنتيها متأثرة بكل ما خاضته مؤخرًا، وما ضاعف من ذلك الإحساس بالخذلان والضعف بداخلها وهي تضيف 


= الامتحان تقيل وصعب.. تقيل أوي عليا يا ماما .


ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تشاهد حاله ابنتها البائسه، أبعدت خيرية كفي يد فريدة قليلاً عن وجهها و رفعت فريدة عينيها المنتفختين للأعلى، وأجابت امها عليها بصوت مبحوح


= الامتحان تقيل علينا كلنا.. تقيل أوي يا فريده، بس مش تقيل على اللي يقول يارب .


لتضمها أمها بعدها علي الفور إلى أحضانها وشددت من قوة ضمها لتشعرها بالأمان لها، وما إن ارتمت الأخيرة في صدرها حتى انفجرت باكية بحرقة، إنتحبت فريدة وتعالت شهقاتها الممزوجة بأنينها وهي تترجى ربها قائله


= يــاررررررب.


لا تستهينوا بالكلمات فبعضها لها أيادٍ حانية تربت على أوجاعنا .


❈-❈-❈

################


في المساء، كانت تسنيم بداخل مكتبها مازالت تعمل و تحاول إخراج طاقتها السلبيه بالعمل! من ناحيه شقيقها وزواجه المفاجئ؟ ومن ناحيه اخرى قضيه فريدة التي انتهت ولم يعد لها وجود بالأساس بعد الآن، وبعد فتره كانت انتهت لتنهض وهي تحمل هاتفها بيديها للرحيل،لكن اقتربت منها عزة بخطوات متوترة وقالت بصوت متردد


= تسنيم أستاذ سالم عاوزك في مكتبه ضروري.. سيب اللي في ايدك و روحي شوفيه عاوز ايه .


نظرت نحوها بملل ثم هزت راسها لتتحرك تجاه مكتب سالم وعندما دخلت تفاجأت به يقف وسط المكتب، اقتربت منه وحافظت على ابتسامتها المتكلفة وهي تقول بإيجاز


= حضرتك طلبتني يا استاذ سالم، لو الموضوع اللي حضرتك عاوز تكلمني في بخصوص قضيه فريده فخلاص انا اللي بعدت وهم كده كده كانوا هيبعدوني وفريدة من نفسها خلاص بدات تستسلم للامر الواقع .


وقف قبالتها ورمقها بنظرات ثابتة ثم تشدق قائلاً بصرامة خفية


= من حوالي فتره كده مش فاكر قد ايه اديتكٍ ملف تشيله في مكتبي بنفسك واديتكٍ كمان المفتاح عشان ما لقيتش عزه وما كانش فيه قدامي غيرك فاكره ؟ 


قطبت جبينها مندهشة ونظرت إليه بعدم فهم وهي تتساءل


= ايوه الموضوع ده حصل من حوالي شهر ونص، بس ايه اللي فكر حضرتك بالموضوع دلوقتي وبتسالني ليه ؟. 


صر على أسنانه وهو ينطق بحنق يحمل التهكم 


= بسالك لان بكل بساطه الملف لما فتحته  النهارده اكتشفت ان ورق ابيض ومش موجود جوه الاوراق اللي انا خدتها من الموكل بنفسي، هي ممكن تكون غلطتي ان انا ما دورتش في الورق ثاني يوم على طول واتاكدت من الملف بس ما فيش غيرك في الوقت ده اللي امنته على مفتاح المكتب 


اتسعت مقلتاها في صدمة وقالت بصوت بطيئة 


= هو انا حسب اللي انا بدأت افهمه دلوقتي ان حضرتك بتتهمني بسرقه الملف مش كده؟ 


لم تتغير تعبير وجهه بل على العكس إزداد نبرته حدة حينما قال باتهام


= بالظبط كده يا تسنيم وما فيش قدامي حد غيرك ممكن اتهمه؟ رغم اني مفيش دليل برده ان انتٍ اللي سرقتي .. بس للاسف كل الادله إللي قدامي ما تخلينيش اشك في حد غيرك، لان اليوم ده كمان كانت الكاميرات فصله وهو نفس اليوم اللي انا اديتكٍ الملف وسمحتلك تدخلي مكتبي وخلال الفتره اللي عدت بعد كده محدش دخل مكتبي وانا مش موجود ولا اديت المفتاح لحد ثاني ولا الكاميرات اتعطلت يبقى ايه ؟؟. 


ما زالت هي لم تستوعب اتهامه، لتردف ببلاهة


= لا أنا.. مش فاهمة قصدك ايه


ضيق سالم عينيه الغاضبتين وحدج بتسنيم بقوة ثم أشار بيده وبنبرة مميتة هدر


= لا انتٍ فهماني كويس ، ماتستهبليش على اللي جابوني !! الملف ده بتاعه قضية مهمه وممكن جدا المنافس الثاني عرض عليكي مبلغ كويس وعينك زغلله على الفلوس فسرقتي 


كادت أن تجن من أسلوبه الوقح واتهامه دون مبرره، لتردف له بضجر


= لا انت مش طبيعي انت فاهم بتتهمني بايه والمشكله معكش دليل واحد على كلامك !؟. 


تنهد بنفاذ صبر و رد عليها بجمود 


= تسنيم بهدوء كده وحاولي تعترفي افضل احسن ما اصعد الموضوع للشرطه لان الملف ده بتاع قضيه مهمه وانا دلوقتي اللي متهم فيه، فلو ما اعترفتيش انا ما قداميش حل غير أن احولك للتحقيق .


هزت راسها بعدم استيعاب و بصوت مختنق يحمل الكثير صرخت فيه بإنفعال


= اعترف بإيه؟ هو حضرتك بتتكلم بجد انت مفكرني انا اللي اخذت الملف وسرقته من مكتبك؟ انا فعلا خدت منك الملف وطلعت حطيته زي ما قلتلي والمفتاح فضل معايا لحد ثاني يوم جيت وخدته مني لكن ولا خدت حاجه ولا فتحت الملف شفت اللي جواه حتي


نهرها هو بصوت مرتفع


= انتٍ سمعتيني كويس هحولك للتحقيق وهناك هم هيتصرفوا معاكي؟ انا لحد اخر لحظه بحاول اتصرف معاكي بهدوء انا ياما عدت عليا اشكال كتير من عينتك .


ازدردت ريقها بغيظ وهي تقول بحذر 


= إنت بجد في وعيك ، إنت مش عــارف بتعمل ايه .!


تمتم سالم من بين شفتيه بصوت قاسي


= تمام يعني برده مصره على الانكار يبقى انا ما قدمش حل غير اني احولك على التحقيق، لكن لو حاولتي تكوني صريحه معايا هكتفي برفضك من هنا بس؟ القرار بايدك وحاولي تحافظي على مستقبلك بدل ما ينتهي بسبب غلطه هتدفعي ثمنها اكيد .


صمتت ولم تعقب للحظات فإغتاظ سالم أكثر ثم أردفت هي بنزق 


= يعني عاوزين اعترف بحاجه ما عملتهاش؟ انت بجد مش طبيعي، وانا مش خايفه من التحقيق اللي انت هتحاولني لي ممكن لما  هناك يعرفوا براءتي ساعتها انت اللي هتدفع ثمن اتهمك دي ليا كتير أوي .


نظر لها ببرود وبنظرات واثقة ثم تحدث  بتهديد


= خدي بالك لو اتاكدت ان انتٍ اللي وراء سرقه الملف؟ مش بالساهل إني أسيبك ..! عشان كله إلا سمعتي وشغلي خط أحمر


ردت من بين شفتيها المضغوطتين بصوت شبه ثابت 


= ولو طلعت ان انت بتتهمني زور وبتظلمني فكرت ساعتها هتعمل ايه؟ وهيكون رد فعلك ايه؟ يا ريت زي ما بتفكر في نفسك فكر في اللي قدامك شوية يا .. يا متر !. 


هز رأسه بعدم مبالاة ولم يجيب عليها وذلك اشعرها بالغضب اكثر والإهانة، لذا التفتت للرحيل بخطوات غير ثابتة وهي تشعر بالدماء تفور منها من الغيظ، لتدلف عزه وهي تقول بنبرة مختنقة


= يا استاذ سالم تسنيم بقيلها كتير هنا في الشركه عمرها ما عملت حاجه زي كده ولا اي موظف هنا، صدقني اللي عمل كده اكيد من بره وانا والله ما ببرر لحد، حتى انا كمان عارفه ان انا متهمه معاهم بس اول مره حاجه زي كده تحصل في الشركه واتصل باستاذ نبيل بنفسك واتاكد من كلامي 


زم هو شفتيه في عدم إكتراث وقال بصوت خشن حازم 


= عزه اطلعي بره و سيبيني لوحدي وانا مش بمشي ورا شويه احاسيس.. انا ليا في اللي قدامي؟ و يلا اتفضلي كملي شغلك إللي طلبته منك .


هزت رأسها بيأس وخرجت، و زفر هو بصوت مسموع وهو يفرك وجهه بضيق كبير ويفكر بحديثها فماذا اذا كانت بريئه من ذلك الإتهام بالفعل؟ لكن هو بالفعل لم يجد غيرها امامه في دائره الشك! أخفض رأسه ليلاحظ هاتفها هنا فوق مكتبه! فمتى تركته هنا !!. اقترب وامسك به بين يداه وفكر ان يخرج ويعطيه لعزه فهم اصدقاء لكن تذكر بانه أرسل عزه لتنتهي من عمل خاص بالشركه ولم تعود الآن . 


هبطت تسنيم إلي الأسفل بعصبية شديدة وهي تبحث بغير هدى عن طريق للرحيل بسرعه من أمام تلك الشركة، وهي تشعر بالاهانه والغضب الشديد من ذلك الاتهام الشنيع الذي وجهه إليها سالم ففي الوقت الذي تأمل فيه أن تنعم بحياة هادئة يظهر ذلك سالم ليمحو ببراعة محاولاتها لهذا، للحظة فقدت تسنيم تركيزها وتوقفت في مكانها لتستعيد سيطرتها على نفسها ونظرت حولها تبحث عن اي وسيله مواصلات فاليوم لم تاتي بسيارتها وتركتها بالصيانه، لكن انتبهت لصوت سالم الأتي من خلفها المنادي باسمها 


= تــسنــيــم !. 


نظرت خلفها بعفوية لتجده مسرعًا في خطواته نحوها، همَّت بالركض لكنه وصل إليها، وقبل أن يمسك بها من ذراعها ليوقفها اسرعت بخطواتها لتبعد عنه لتتعثر بقدمها فجاه ساقطه بالأرض بقوة فوق ساقها الأيمن !!. 


اتسعت عيناه بدهشة وانزعج قسمات وجهه 

بسبب فعلتها فهي اذا ما كانت تحركت للهروب منه ما كانت سقطت وتاذت، ليقول بتوبيخ عنيف 


= انتٍ مش سامعني؟ بنده عليكي وانتٍ لفيتي راسك وشفتيني يبقى بتجري ليه مني! شفتي بسبب تهورك ؟ رجلك ممكن تكون اتكسرت


ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تشعر بالالام في ركبتها ولكن إرتخت ثغرها للأسفل ووجدت صعوبة في الرد عليه بوضوح


= آآ.. إنت ..آآ انت مالك بيا ابعد عني آآه عاوز مني ايه؟ بعد اللي عملته فوق ؟. 


لوى سالم فمه في باستهزاء ثم أردف متهكماً


= ما تخافيش اوي كده مش جايه اعتذر لك ولا حاجه موبايلك نسيتي في مكتبي وكنت جاي اديهلك 


خرج رغماً عنها شهقة مكتومة حينما ضغطت على قدمها اليسرى وهي تحاول النهوض لكن فشلت وعادت مكانها بالأرض، وعندما لاحظ ذلك هبط لمستواها وجذب ركبتيها ببطء  ليتفحصها وهو متسائلاً بتلهفٍ لم يستطيع اخفاءه


= حصلك ايه؟ 


رفضت مساعدته وما يفعله وصرخت معترضة  بإقتضاب عابس 


= ولا حاجة ! قال يعني فارقه معاك وعندك قلب .


رفض التخلي عنها وتشبث أكثر بها ليكشف قليلا بنطلونها المصنوع من القماش ليرى كدمه زرقاء كبيره والدماء تنزف من حولها، ضيق نظراته ليتأمل حالتها الفوضوية وهو يكاد يجن من تصرفاتها المتهوره، أغمضت عيناها متألمة وقالت بوجع 


= آه ، سيب رجلي ! انت مالك بيا اصلا مش لسه من شويه ما كنتش طايق تشوفني و هتحولني للتحقيق!! جاي ورايا تعمل ايه و بتطمن عليا ليه دلوقت؟ 


بدا وجهه صارم الملامح وهو يرد ببرود مستفز


= اكيد مش حبا فيكي يعني؟؟ بس عشان ضميري ما يفضلش يانبني بالليل وما اعرفش انام .. لكن انتٍ مش هماني، و اكيد مش ههتم بواحده سرقاني وهتوديني في داهيه 


اتسعت حدقتي تسنيم بذهول من رده الغريب والذي يعبر عن شكة المستمر نحوها، نظرت إليه بإندهاش عجيب قائله بحنق واضح


= تصدق بالله انت اللي زيك ما طبيعي ومكانه الاصلي في مستشفى المجانين ابعد عني ما لكش دعوه بيا، لسه مصمم بعد كل اللي حصل ان انا السبب في سرقه الملف؟. ابعد عني ومش عاوزه منك مساعدتك كان يوم اسود يوم ما مسكت الشركه واشتغلت معاك انا اصلا سايبهلك باللي فيها ومش ناويه اشتغل معاك تاني حتى بعد ما اثبت براءتي ! 


رد عليها بصرامة وقد قست نظراته


= عاوزة تسيبي المكتب وتمشي وماله ، اعملي ده بس بعد ما أتأكد انك فعلا ما لكيش يد في سرقه الملف.. والاهم دلوقتي رجلك بتنزف و لازم تروحي مستشفى حالا .. و آه أنا بساعدك عشان دي الأصول !. 


زاد عبوس وجهها وهي تقول بتهكم ساخط


= أصول ايه دي اللي تخليك تتهم بواحده بالسرقه من غير دليل.. قلتلك ابعد عني ومش عاوزه منك مساعده 


تنحنح بخشونة ثم تحدث قائلًا بصوت آمر


= محدش طلب منك موافقتك


كزت على أسنانها قائلة بغيظ


= هو بالعافية


وضـع هو قبضة يده على ذراعها وضغط عليها بخفه ثم تكلم بصوت حانق


= اعتبريه كده ! 


ثم دنا منها بخطواته المفاجئة فارتعدت من اقترابه الشديدة وفجاه دون مقدمات انحنى  نحوها ممددًا ذراعه أسفل ركبتيها بحذر و محاوطًا بالأخر خصرها ليحملها عنوة.. انصدمت واتسعت حدقتاها مصدومة من فعلته الجريئة غير مكترث بمن حولهم لتنفرج شفتاها بإستنكار وصاحت بحرج


= انت بتعمل ايه؟ يا نهارك اسود نزلني آآآه ، رجلي ! براحه يا بني ادم أنت.. انا مش بكلمك ما تنزلني


نظر لها بعدم اهتمام ولم يرد، توترت من قربه الذي ألجم لسانها واكتسى لون بشرتها الذابل بحمرة دموية عجيبة، وعندما بدأ يسير بها وسط الشارع غير مهتم بنظرات الناس حوله تتابعه بدهشة، ازدردت ريقها الجاف بصعوبة قائله بإرتباك 


= إنت واخدني على فين ؟


حركت رأسها ببطء ناحيته وهو حاملها ليقترب من أذنها ثم همس لها بصوت عميق


= على المستشفى وبطلي بقى رغي شويه، ولا اقول لك الموضوع صعب عليكي انك تسكتي عشان كده اتكلمي براحتك وانا هعتبرك مش موجوده ولا هاخد على كلامك لحد ما نوصل اقرب مستشفى 


شعر هو بتأثير أنفاسه الساخنة على تعابير وجهها الشاحب الذي تشنج قليلاً ، فأرجع رأسه للوراء وظل يراقبها عده لحظات في صمت تام

بينما هي تنحنحت قليلاً ثم بنبرة صوت ثابتة

هتفت


= أنا مش مجنونة عشان تقولي كده ! وقلت لك مش عاوزه مساعدتك.. هات التليفون اللي انا نسيته معاك وانا هتصل بحد من أهلي يساعدني .


هز رأسه سالم بيأس منها وتحرك نحو سيارته متجاهلا إياها، تنهدت هي في إزعاج من صمته ثم مطت شفتيها للأمام بغيظ شديد 


= انا بكلمك ما ترد .. ده أنت بارد .


تجاهل إياها مرة أخرى وهو يتفحص الطريق امامه بتركيز شديد، كزت على أسنانها بقوة حتى كادت أن تحطمهم من فرط العصبية المكتومة داخلها لكنها متعجبة من أفعاله الغامضة وحدقت فيه بغرابة شديدة طول الطريق حتي وصلوا الى المستشفى وساعدها بالنزول وحملها مرة أخرى دون أن ينتظر اعتراضها، حتى تسطحت في الاعلى على الفراش بالمستشفى وبدأت الطبيبه تكشف عن حالتها لتقول هي بإبتسامة هادئة إلي سالم


= ما تقلقش التواء بسيط حاول بس الفتره الجايه تخليها ما تتحركش علي رجليها كتير وما تقلقش على المدام هي بخير تلاقيها بس بتدلع عليكي 


لوت هي شفتيها في تأفف حينما سمعت كلمات الطبيبه و أشارت بعينيها لها وهي تقول بتزمت  


= انا مش بتدلع.. وانا مش المدام بتاعته ! و ياريت تخلصيني بسرعه عشان تعبت وعاوزه اروح  


عقدت الطبيبه حاجبيها بتعجب وقالت بأسف 


= اسفه فكرتك مراته على العموم انا خلصت عن اذنكم .


رحلت الطبيبه للخارج، بينما كان سالم يتابع الموقف بصمت وكتف ساعديه أمام صدره وهو يقول بهدوء


= اهدي على نفسك شويه ما كانش في داعي تزعقي فيها كده عملتلك ايه يعني؟


ثم مط شفته بعدم إكتراث قاصد استفزازها 


= وبعدين مالك اتعصبتي أول ما قالت لك المدام بتاعتي هو انتٍ تطولي أصلا! 


ردت عليه بنبرة تحمل التهكم و الاستفزاز المتعمد هي الأخري وهي ترفع حاجبها للأعلى مستنكرة كلماتة بوجه عابس


= شكراً لكرم حضرتك مش عاوزه اطول.. كفايه مستحملاك المدير بتاعي وعصره على نفسي 100 ليمونه... كمان استحملك جوزي كنت اتعميت في نظري ولا ايه .


برزت عيناه الغاضبتين من محجريهما تاثير كلماتها وشعرت هي بتوتر رغم استشعارها بأنه لم يستطيع أن ياذيها هنا بالتأكيد؟ انخفض لمستواها وهي تجلس فوق الفراش وقال سالم بصوت قاتم وعينيه تنطقان بالشرر


= لسانك المبرد ده مش عاوزه تقفلي شويه، ماشي يا تسنيم الحساب يجمع مش هنتكلم هنا .  


حاولت أن ترسم الشجاعه وانتظرت أن يبتعد عنها لكنه ظل مقترب منها؟ رفعت أنظارها لتحدق فيه بغرابة وهو هم بالإقتراب منها أكثر وقام بحملها فجأة لتشهق بهلع رافضة فعلته مجدداً، لكن لم تستطع ركل ساقها بالهواء محاولة الخلاص منه بسبب المها وهو كان أكثر تصميمًا على فعل ما يريد، توردت وجنتيها قليلاً وضغطت على شفتيها بحرج بائن هاتفة بتلعثم غير واضح


= انت آآ مم


بينما هو حدق مباشرة في عينيها قائلاً بهدوء واثق


= زي ما طلعتك هنزلك ! اهدي ما انتٍ لسه سامعه كلام الدكتوره قالتلك ما تدوسيش علي رجلك كتير .


صمتت من هول المفاجأة وان حملها بين ذراعيه للمره الثالثه ورفض ان يجعلها تسير على قدمها، اضطرت تسنيم أن تلف ذراعها حول عنقه واستندت بالأخرى على صدره لكنها تحاشت النظر إلى وجهه .. مثل ما فعلت سابقة. 


❈-❈-❈


كأن عابد يجلس فوق الفراش بداخل غرفته ويسند يدي فوق رأسه مغمض عينيه بتوتر لعله ينام براحه ويرتاح من التفكير المرهق، لكنه في كل مره يفشل في التوقف عن التفكير و في ذلك الاثناء دخلت زوجته بخطوات بطيئه الغرفه وهي تقترب منه، انتبه لها متساءلًا باقتضاب 


= فين يا وليه كوبايه الشاي إللي طلبتها منك، امال انتٍ كل ده بتعملي ايه بره؟ ده انا كنت قايم أشوفك رحتي فين كل ده؟ 


التفتت ناحيته محدقة فيه بنظرات جافة وهتفت برهبة فجاه بصوت متلعثم


= عابد.. هو احنا مش اتسرعنا في موضوع جواز بنتك من الشاب الأصغر منها ده، حاسه أن كده البنت بضيع مننا، لا مش قادرة بقول لك ايه؟ ما تيجي نرجع في كلامنا ونلغي كل الترتيبات.. انا قلبي مش مطوعني نعمل فيها كده.


اتسعت عيناه بدهشة وانزعج قسمات وجه عابد ليردف بضيق شديد


= انتٍ بتقولي ايه انتٍ اتجننتي بعد ما خلاص البنت شبه اتجوزته ولا قضيه اللي اتنازلنا عليها جايه تقولي لي دلوقتي نلغي.. تعالي نامي يا خيريه وسيبي الواحد في الهم اللي فيه وما تفتكريش انك لوحدك قلقانه على بنتك وحاسه ان اللي جاي هيكون صعب بس اديكي شايفه ما كانش بايدينا حل تاني .


ردت عليه خيرية بنبرة حزينة للغاية


= عارفه اني ما كانش بايدينا حل تاني بس البنت صعبانه عليا أوي يا عابد... دي في اوضتها مموته نفسها من العياط ومش قادره تستحمل اللي هي فيه و هيجريلها حاجه .


شعر بالخوف والقلق هو الآخر من القادم لكن ما باليد حيله، و بصوت متردد محاولة تبرير فعلته أردف 


= كلنا مش قادرين نستحمل بس نصيبنا هنعمل ايه؟ ربنا يتولانا كلنا بقى من اللي جاي، تعالي نامي وخليني انام أنا كمان.. عشان شكل الأيام اللي جايه ما فيهاش نوم بعد كده .


❈-❈-❈


بــعــد مــرور فــتــرة .


في أحد الشوارع الشعبية ، أضاءت الأضواء المبهجة بأعداد كبيرة وبدأ بعض العمال في ترتيب الكراسي الملونه ( بالمفرش الأحمر) وسط الشوارع الرئيسية ، وآخرون كانوا يركبون زينة الزفاف الذي سيشهدونه اليوم!.


كانت تقف شيماء في شرفة منزلها وهي تنظر إلى ما يحدث بالاسفل بنظرات حزينة وفي ذلك الأثناء تقدمت والدتها لتنظر هي الأخري وتتابع ما يحدث باهتمام، في حين رفعت شيماء حاجبها في توجس ، وزمت شفتيها في امتعاض ويأس


= الله يكون في عونها.. يا ترى عامله ايه دلوقتي.


زمت والدتها شفتيها في إحتجاج عندما رأت 

ابنها يقف في الخلف وينظر الى النافذة في الاعلي بحسرة


= بكره تتعود وتعيش ده نصيبها في الاخر، زي ما غيرها شاف حياته و نسي .. مش كده ولا ايه يا أسر


رفع عينه بفتور إليها ثم أخذت نفسا مطولا ، وزفر في تعب لـ يهتف بصوت مبحوح متوتر


= هاه ،آآ أنا رايح شغلي عشان ماتاخرش.. عن اذنكم.


ليرحل دون حديث آخر و لحقت به والدته بامتعاض ثم مطت شيماء شفتيها في حزن ، وأطرقت رأسها للأسفل ، ثم ولجت إلى الداخل ...


بينما في الاعلي بداخل أحد المنازل كانت تجلس فوق الفراش بائسة ، محطمة ،مكسورة ، بقاياها دفنتها داخليًا .. رغم أنها بارعة في رسم ابتسامات مجاملة وزائفة .. وكل ذلك يعود لـ فضل عائلتها التي كانت جزء من هذا التحطيم؟ فبدلا ان يساعدوها على اخذ حقها والخروج من العذاب بلا أجبرت ان تظل داخلة لتجد نفسها جرت بأذيال الخيبة .. الدمار .. اليأس.. 


لتخفض برأسها أرضا وهي تنظر إلى فستان زفافها الذي كان بين يدها وبدأت ان تقطع اجزاؤه بعنف وغل ودموعها تهبط دون توقف... وكان الألم يعتصرها من شعور الظلم و الخذلان .


نهضت فريدة من على الفراش الذي كانت متكورة عليه وتركت قطع الفستان الذي كان بيديها ليسقط أرضا ، وسارت بخطوات متثاقلة في اتجاه باب غرفتها لتنظر إلي والدها ووالدتها لتجد كلا منهم يجلس ويضع يديه تحت خده بعجز وحزن بينما وهي تصدر أنيناً خافتاً بسبب الآلم ..نظرات باكية إلى والدها بعينيها الحمراوتين والمنتفختين ، تتمنى داخلها بشده ان يتراجع عما يفعله فيها الآن .


لكن قد تم ترتيبات كل شيء فهي تعلم جيداً أنه لا هناك مجال للرجوع !. هي لم تتخيل أن ليلتها ستكون دامية بحق ، لم يطرأ ببالها أن يفعلوا أسرتها بها هذا ، ولم تتصور أن يشارك والدها في تلك الجريمة معهم.. فـ حقاً لقد حطمها وألمها .. وأفقدها أبسط حقوقها .. بينما ظلت ترتجف بشدة ، وتبكي بمرارة وهي ترى المصير القادم المقبلة عليه ..


❈-❈-❈


وفي بيت قديم للغاية، لم تتوقف حسناء عن إطلاق الزغاريد ، ولا عن التباهي بعرس شقيقه زوجها الذي سيقام الليلة في الصوان الكبير الذي ينصب حاليا أسفل البناية .. لتهتف بصوت جهوري بفخر


= يالا يا بنات .. يالا يا حبايب ، كل يهيص ويرقص ، ده الفرح هيفضل منصوب لبعد الفجر دي اوامر زاهر بيه العريس ، ادعوا له . 


وبالفعل سادت أجواء البهجة والزغاريد في أرجاء المنزل ..... وفي الاسفل كان أنتهى معظم الرجال المتواجدين بالشوارع وحول المقام لحفل زفاف الليلة من العمل فيه ، وتبقى فقط تعليق بعض الزينات واﻷضواء الكهربائية على مداخله ، وأيضا على واجهات البنايات الملاصقة ... و أخرين نحو الكوشة الخاصة بالعروسين ، وقام شابين صغيرين برص المقاعد والطاولات الخشبية على الجانبين.


وقف رجل ضخم البنية ما في منتصف الشارع واضعا قبضه يده في جيب بنطاله الجينز ، وموليا ظهره لمعظم المتواجدين ، وهو يتابع الترتيبات باهتمام شديد وعندما تم نصب مسرح خشبي واسع وتجهيزه بمعدات الفرقة الموسيقية التي ستتولى إحياء تلك الليلة اقترب منه شاب صغير يتسائل (هل سيبدأ الان في تشغيل الاغاني ) 


أومأ شقيقه العروسه برأسه موافق في حين وزع بصره بينه ، وبين الطريق بتركيز. 


وفي ذلك الأثناء بداخل صالون التجميل جلست تلك العروسه وهي تحمل أطراف فستانها ، ولم تعبأ بنظرات الدهشة الممزوجة بالصدمة على أوجه الحاضرات وهم ينظرون الى صغر عمرها... اعتدلت في المقعد المخصص لتزيين العرائس ، ونظرت إلى مصففة الشعر التي بدأت في تجهيزها بعناية فائقة في وضع التجميل على ملامحها حتى تبدو امرأه كبيره قليلا .


فقضمت شفتاها بقهر بائسة مُحطمة الأمال بسبب جفاء أخ عاق و أب جاحد فلم تجد احد بعد وفاه والدتها يصبرها علي مرارة الحياه.. لترفع عيناها الدامعة وهي لا تعرف بماذا يجب ان تفعل ولمن تشكوا، فالخوف أصبح أساس حياتها .. لتُعاود النظر إلى المرأة نحو طفولتها التي تغتال خلال اللحظات! فلمحت حسناء تتقدم نحوها بابتسامه عريضه..


انكمشت مهرة على نفسها ، وقبضت أكثر بأصابعها على يدها بقلق بالغ وحزن أشد، ثم رفعت نظراتها البائسه لها.. لوت حسناء شفتيها أكثر في استهجان


= ما تفردي وشك يا بت في ايه؟ ده منظر عروسه النهارده فرحها ؟ خليكي ناصحة ، وبصي لمصلحتك يا بنت ده انتٍ النهارده هيتكتبلك السعد والهنا خلاص هتفرقي الفقر و الهم والغلب ..يا بنت المحظوظه .


لم تهتم إليها وظلت تطلع بنظرات جامدة بينما تابعت تهتف الأخري بحزم وهي تشير بإصبعها محذرة 


= ربنا يسعدك يا عروسه ويكرمك يا رب مع عريسك ، حطيه في عينيكي واياكي تزعليه احنا مش ناقصين مشاكل من أولها.


أخفضت عينيها للأسفل بانكسار ، بينما ربتت حسناء على ظهرها ، وهي تكمل نصائحها بجدية وتحذير


= هاه.. مش هوصيكي ده انتٍ أخذتي عريس محدش يحلم بالعز اللي انتٍ هتشوفيه و اللي هتعيشي معاه ، وأي مشاكل تحصل بينك وبين جوزك محدش يعرف عنها حاجة ، كده أريح ليكي.. ولو عاوزه تريحي دماغك اكتر اي حاجه يقول لك عليها قولي حاضر.. ونعم .


تنفست بصعوبة ، ونظرت إليها بنظرات شبه معاتبة ، ثم أجابت بنبرة مختنقة


= وفري نصائحك لنفسك .. حسبي الله ونعم الوكيل.


احتقن وجه حسناء بالدماء المشتعلة من الغيظ ، وهي تهز ساقيها بعصبية مفرطة وتشدقت


= بتحسبني في وشي! ماشي هعديلك المره دي بس عشان ما نكدش عليكي يوم فرحك .. مبروك يا عروسه. 


رحلت من امامها وهي تطلق سيل من الزغاريد في الانحاء.. بينما هي وجدت صعوبة في التنفس بصورة طبيعية من شعرها بالقهر ولم تحاول حتى النهوض من مكانها لتهرب من هنا، لانها ببساطه لم تستطيع حتي الرفض، والآلم البدني يقتلها ، والآلم النفسي كسرها بحق ..


حتى حسناء لم تفعل شيئًا جيدًا في اللحظات الأخيرة! لمصلحتها وتنصحها بالحياة التي ستعيشها ، فبدلاً من تعليمها كيفية الحفاظ على زوجها.. تعلمها مفاهيم الحياة الزوجية وما ستقبله حتى لا تصطدم بالواقع أثناء حياتها معه في ذلك العمر ... لكنها لم تهتم بها إلا للحفاظ على هذا الزواج لمصلحتها الخاصة حتى لا تنقطع الأموال التي أخذتها هي وعائلتها من وراء هذا الزواج.


فيبدو أن هذه الليلة ليست سعيدة للجميع ، فبعضهم يشعر بالكسرة والظلم الحقيقي ، رغم أن تلك الليلة هي ليلة زفافهم وحياتهم الجديدة ليمحوا الماضي الذي أتى بهم إلى هنا..


يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية بدون ضمان, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة