رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 15
قراءة رواية بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بدون ضمان
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الخامس عشر
أمام بناية تسنيم كانت تقف بالاسفل وبحثت بعينيها عن سيارة أجرة حتي تذهب لشراء مستلزمات لمنزلها لكن لم تجد فإبتلعت ريقها بهدوء ، ثم إشرأبت برأسها للأعلى للبحث عن البواب ليساعدها، فلم تجده .. وايمن قد ذهب لعمله الآن لذا لم تريد إزعاجة يكفي المدة التي قضاها معها وتعطل أعماله لأجلها.
أمسكت بهاتفها وعبثت بأزراه ثم وضعت الهاتف على أذنها وهي تسير مبتعدة بالشارع بخطوات بسيطة إنتظرت أن يأتيها رد من حارس العمارة على إتصالها ، ولكن دون جدوى فبدى وجهها منزعجاً و زفرت في ضيق وحدثت نفسها بخفوت قائلة
= راح فين ده ؟ ومش بيرد على مكالماتي ليه؟ يووه أطلع ولا ايه بقي ما انا خايفه رجلي تشد عليا وانا في السوبر ماركت لوحدي .
أبعدت الهاتف عن أذنها عندما لم ياتي رد و
إلتفت برأسها نصف إلتفاتة لتتسع أعينها وهي تنظر إلى ما أمامها بصدمه
= استاذ سالم انت بتعمل ايه هنا ؟.
اقترب منها فكان هنا بانتظارها و انتبه سالم إلي مظهرها فقال مبتسمًا
= شكلك كنت خارجه تعالي اوصلك في طريقي وبالمره اقول لك انا ايه اللي جابني هنا
لوت فمها في عدم إكتراث متعمد وأردفت متهكمة
= لا شكراً مش عاوزه اتعب حضرتك هطلب دلوقتي اوبر يجي ياخدني متشكره لخدماتك.. وبعدين بلاش تقرب من واحده حراميه ذيي عشان ما تسرقكش تاني وتضيع مستقبلك المهني
إبتسم سالم مجاملاً إياها وحدثها بلؤم
= ممم ده انتٍ قلبك اسود بقى و لسه فاكره، شايله مني للدرجه دي.. بس حقك انا زودتها معاكي المره اللي فاتت شويه وبعد كل ده طلعت فعلا ظلمتك
حافظت تسنيم على تلك المسافة الكبيرة بينهما، متعمدة الظهور بمظهر جدي أمامه و رغم ما تفعله من غضبها لأنه اشعرها بالإهانة، إلا أنه كان هادئ الطبع متأملاً إياها بتمعن، شددت في لهجتها معه عند عمد ثم أدارت رأسها بخفة ناحيته بتشنج قليل
= شويه! لا حضرتك في الحقيقه جيت عليا جامد .. و قلتلي بقى الموضوع طلع كده ان حضرتك عرفت انك ظلمني عشان كده جيت بنفسك هنا، طب وليه تعبت نفسك هي هتفرق معاك في حاجه أنك تظلم الناس بالباطل ومن غير دليل ..
استشعر بجدية أنها لم تدعي الأمر يمر مرور الكرام هكذا، فهدوء أعصابها المريب يوحي بغضب مستطير على وشك الحدوث، انتزع نفسه من تفكيره الشارد بها وقال بصوت جاد
= تسنيم تعالي نقعد جوه في العربيه حتى ونتكلم وقفتنا هنا كده مش كويسه ليكي، ويا ستي اعملي اللي انتٍ عاوزاه مش هتكلم انا جاي وعارف انك هتكوني مش طايقاني ولا عاوزه تشوفيني بعد اللي حصل عشان كده هستحمل منك اي اسلوب عشان انا فعلا غلطت فيكي جامد و لأول مره أحس فعلا في حياتي ان انا ظالم بسبب اللي عملته معاكي .. بس انا اسف حقيقي .
رمقته بنظرات مستخفة وهي تعلق ساخرة
= وانت شايف بقى كل اللي انت عملته يتمحي بكلمه اسف! تتهمني ان انا حراميه وبتفق مع اعداء الموكلين عشان اديهم الملفات واخد منهم فلوس، خلينا نكون صراحه مع بعض انت جاي هنا ولا انا فارقه معاك في حاجه وكل اللي انت عاوز تثبته عشان تريح ضميرك مش اكثر وتبين قد ايه لنفسك انك حتى بعد ما غلط جاي تتاسف وتصلح الموضوع .. مش كده؟
تنهد سالم بعدم إرتيــاح لأن كان يريد انتهاء تلك الليلة دون حدوث أي مشاحنات من أي نوع مجدداً معها، لكن من الواضح الأمر اكبر مما توقع! وهي قد بدأت تفهم وجوده هنا بشكل خاطئ، لذا بسرعه أجابها دون تردد
باستنكار قليل
= طبعا لا أنا
قاطعتة بغضب مكتوم وهي تعض على شفتيها محاوله كتم دموعها التي التمعت داخل عيناها لكنها لم تستطيع وهبطت لتشعرها بضعفها أمامه وما افترى بحقها، وهمست بحزن
= ما يفرقش معايا انت ايه انا كل اللي يفرق معايا الاهانه اللي انا اتعرضت ليها بسببك، و الأسف اللي انت جاي تتاسفه مش هيفرق معايا في حاجه برده عشان مش هنسى اللي انت عملته فيا وقد ايه اهنتني !
نظر لها بأسف شديد وندم فلم يتوقع الامر يصل معه الى ذلك الحد ولا كان يريد رؤيه دموعها، هو كان حذر في كلماته لكنه لأول مرة يشعر بالضيق من تصرفاته تجاهها على الرغم من اقتناعه بها حدق مجددًا بها بنظرات مهتمة، بينما ضاقت هي نظراتها حتى بدت مزعوجة من كلماته فرغم أنه قادم إليها حتى يعتذر عن موقفه ذلك وقد ظهر الحق لكنها ما زالت تشعر بكرامتها المهانه وما زاد من ضيقها هو تعامله البسيط بالامر كانه شيء عادي وكأنها مجرد هامش وليس لديها مشاعر، نظرت له بإحتقان وهي تضيف بسخرية مريرة
= و لو عاوز تتعلم من الدرس فعلا في حياتك فالافضل انك تعرف حياه الناس مش لعبه بانك تتهمهم زور بالباطل باتهام شنيعه زي ده، و تيجي بكل بساطه تتاسف وتريح ضميرك .. وما يفرقش معاك هم حاسين بايه وتعبانين من ورا كلامك؟ طب عندك ادنى فكره الايام اللي عدت عليا كنت عامله ازاي وانا لاول مره في حياتي اتعرض لموقف زي كده وحد يتهمني اتهام حقير زي ده ويمحي كل تاريخي المهني بسبب غلطه زي دي هو اللي غلطها مش انا ؟
تفاجيء سالم بصوتها المرتجف وغضبها و حزنها المخيف لتعيد على مسامعه مجدداً بألم أشد
= انا طول عمري بشتغل عشان اجيب للناس حقها واشوفهم قد ايه مبسوطين ان بعد كل التعب ده حقهم رجع.. بس ما توقعتش ان هياجي يوم عليا واحس بالظلم زيهم ومستنيه اللي يجيبلي حقي ويدافع عني.. ياريت ذي ما بتفكر في مصلحتك تفكر كمان انك لو ما كنتش عرفت الحقيقه كان ايه الوضع اللي هيحصل دلوقتي؟ كنت زماني وسط الناس واحدة ما عنديش ضمير ولا اخلاق في شغلها وبكل بساطه بتبيع حقوق الناس.. في غمضه عين كنت هنضيع مستقبلي وجاي بعد كل ده تقول لي آسف !؟. هي سهله عندك انك تدوس على كرامه غيرك و بعد كده تندم
لم يكن يرغب في الجدال معها أو مناقشة تصرفاته وتبريرها لها، هو اراد فقط الاعتذار! لكن حقا شعر بالندم من ذلك الموقف وقد لعن تسرعة واتهامه الباطل لها فمن الواضح نتيجة فعلته تلك ادت إلى الكثير من معاناتها حتى تتجاوز الامر! او لم تتجاوز بعد! فبشرتها الشاحبة وحزنها الواضح على ملامحها بالاضافه الى دموعها التي تساقطت أعلي وجنتيها ، كل ذلك كان تاثير حديثه الساخط معها سابق ، أجابها بعد زفير ثقيل
= تسنيم انا اسف حقيقي وندمان على كل اللي عملته معاكي، وعارف ان انا ظلمتك جامد وقد ايه انا في اللحظه دي قرفان من نفسي ومتضايق عشان كده انا حقيقي بعتذر على كل حاجه عملتها وشوفي ايه اللي انتٍ عاوزاه ممكن اعملهلك عشان تتراضي وتحسي ان كرامتك رجعتك
رسمت إبتسامة باهتة علي ثغرها وبنبرة جادة رغم ضيقها الواضح على تعابيرها أجابت بين دموعها بمرارة
= للاسف يا سياده المحامي اسفك مش هيفيدني بحاجه عشان كده مش هقبلة .
❈-❈-❈
جـلست خيرية أمام شاشة التلفاز متابعة بشرود ما يعرض عليها، لم يكن بها أي رغبة للخروج أو لسماع ثرثره ابنتها ريهام التي كانت تجلس جانبها ولم تتوقف عن الحديث لحظه واحده وهي تشكي عن مشاكلها مع حماتها وزوجها كعادتها، كانت بالعاده تستمع إليها امها وتطيب خاطرها وتعينها على الصبر، لكن اليوم لم يكن لها رغبه في الاستماع ولا التكلم.. فكان كل تفكيرها في فريدة! فبعد زيارتها إليها وهي تشعر بالقلق الشديد نحوها ونحو حالها المجهول ! فلم تكن بخير مطلقاً و رغم ذلك لم تستطيع أن تساعدها ولم تشتكي اليها لتصبرها ببعض الكلمات .. وصمتها ذلك يقلقها أكثر من القادم .
أدارت رأسها للجانب حينما صاحت ريهام بإنزعاج حتى تنتبه إليها فقالت بتعجب متسائلة
= بتقولي حاجه يا ريهام
عقدت حاجبيها بغيظ وقالت بضيق
= بقول حاجه واحده بس؟ ده انا بقالي جنبك نص ساعه بقول حاجات وانتٍ مش معايا خالص سرحانه في ايه يا ماما ده انتٍ كل يوم على الحال ده هو في ايه؟
ظل عقلها مشغولًا بابنتها وهي ترد قائلة بابتسامة باهتة
= هـاه، لا ما فيش حاجه قلقانه بس على اختك شويه مش متعوده على البيت فاضي من غيرها
لتربت ريهام على كتفها مرددة بيأس
= تاني؟؟ ما إحنا قلنالك ما هي كويسه وانتٍ رحتي شفتيها بنفسك وانا لما حاولت اتصل بيها ما ردتش عليا تلاقيها لسه مقمصه مني. واذا كان على غيابها بكره تتعودي زي ما قلنا لك انا وبابا .. ما انتٍ عملتي كده برده لما انا اتجوزت في اول جوازي فاكره! كنتي كل يوم تدخلي اوضتي تدوري عليا وتنامي مطرحي وتفضلي تعيطي .
صمتت لحظه ثم غمغمت بتنهيدة مطولة
وهي تلقي نظرة شاملة على أرجاء المكان و بالاخص نحو غرفة فريدة شاردة في تلك اللحظات وكانها تمر امامها مثل شريط سينمائي
= صح و كانت فريده اختك تدخل تطيب خاطري وتصبرني على فراقك، وتقول لي ما انا موجوده اهو يا ماما بدلها ومش هتجوز و اسيبك عشان ما اشوفكيش بتعيطي عليا زي اختي..
ثم أخفضت رأسها ببطء للاسفل وهي تحدق بالفراغ و رمشت عينيها بتثاقل وشعرت بوخز في قلبها كانها تتحسر على قيمه تلك الأيام التي ضاعت مع مرور السنوات ،و تحشرج صوتها قائلة بإبتسامة زائفة
= وانا كنت اقول لها لا يا حبيبتي انا على قد ما بعيط دلوقتي فرحتي مش بتسعني لما اشوفكم مستورين في بيتكم .. واهي اتجوزت وسابتني هي كمان ذيك! بس يا ريتها ما سابتني أهو دلوقتي مين هيصبرنا على فراقها.
❈-❈-❈
وضعت ليان اللمسة الأخيرة على ملامحها ثم
استدارت برأسها نحو المرآة لتطالع وجهها الذي تحول للإشراق بفضل جهودها منذ الصباح، ثم نهضت وبدات في تحضير الطعام من لذ وطاب وخصوصة الأصناف المحببه إلى قلب زوجها ، فبدات ان تتبع نصيحه تسنيم وتحاول ان تركز في حياتها القادمه وليس بالماضي .
و بعد فتره دخل أيمن منزله ليجدها تظبط السفره وتضع الاطعامة المحببه إلي قلبة، بالاضافه الى منظرها المبهر الذي خطف قلبه للمرة ثانية! ضيق هو عينيه في إستغراب شديد و رفع حاجبيه مندهشة وسألها بتهكم
= وده ايه بقي ان شاء الله؟ عامله كل اصناف الاكل اللي انا بحبه ومولعه شموع، ايه قلت امشي بنظريه الطريق الى قلب الراجل معدته مفكره بشويه الاكل دول هرجع في كلامي واسامحك يا ليان .. بتخططي ليه ايه المره دي؟
وضعت ليان قبضتيها على كتفيه بعد أن وقفت خلفه لتخلع عنه الجاكت ثم قالت باهتمام
= أيمن ممكن نحاول ناخد هدنه شويه من الكلام ده، انا ولا في نيتي حاجة تجاهك ولا بعمل خطط ومؤامرات
بدت علامات الإندهاش جلية عليه عقب تصريحها الأخير وهتف غير مصدق
= امال ايه الجو اللي انتٍ عاملاه ده عاوزه توصلي لايه؟ عاوزه تفهميني انك من ورا الشغل ده مش عاوزه توصلي لحاجه
مطت شفتيها بعبث أنثوي ثم ابتسمت بتصنع وهي ترد
= قلت لك مش عاوزه حاجه غير اننا ناخد هدنه ونعيش في هدوء عشان انا تعبت من الكلام اللي مش بيودي ولا يجيب مش انت مصمم على اللي في دماغك خلاص انت حر ..
مش هفضل كل يوم بقي اتخانق واحارب وانت مصمم على انك تتجوز وتعذبني وقلت لي قبل كده أنك مهما تعملي مش هتمنعيني وانا فعلا عملت كل اللي أقدر اعمله و ما عنديش حاجه تاني أعملها .
تركته وجلست أعلي مقعد السفرة و أخفت ليان ابتسامتها الحرجة بكف يدها وهي تضيف
مرتبكة
= اقعد يا أيمن كل و قلتلك انا مش بخطط لمؤامرات ولا في دماغي حاجه .
رمقها بنظرات مطولة قبل أن يوليها ظهره ويتجه نحو الغرفة منزعج لكنها أوقفته بنداء منها بصوتها الناعم لتناول الطعام، ليقف مكانه وينظر اليها بإقتضاب قائلاً بسخرية
= مصممه ليه اكل معاكي، تكونيش حاطه لي سم في الاكل عشان تسميني واموت؟ تلاقي قلتي طالما كده كده هيتجوز اموته بايدي احسن ما يكون لغيري؟ ويا ترى بعد ما اموت هتاكلي السم انتٍ كمان زيي عشان تحصليني
إبتلعت ريقها في حلقها الجاف ، وحدثته بنظرات مليئة بالحب له
= ممكن تخلص من جوه موعد على العشاء ده وتقعد تاكل او يا سيدي لو مش عاوز براحتك سيبني اكل انا الاول عشان تتاكد حتى أن في بالاكل سم ولا لاء .. شكلك فعلا خايف على نفسك مني ومتصور ان انا ممكن ااذيك
نظر لها باستهزاء وهو يجيبها بإيجــــاز
= طب ما انتٍ سبب واذيتيني يا ليان
أطرقت رأسها في إنكسـار واضح وبدى الحزن ظاهر علي ملامحها ثم حركت رأسها بإيماءات تؤكد ما قاله، وهمست بندم وبريق من الأمــل كان يلوح في عينيها
= وندمت!! واديني بدفع ثمن غلطتي وربنا بيغفر وانت مش عاوز تسامح.. أيمن علشان خاطري كفايه كلام في الموضوع حقيقي نفسيتي تعبت من كل ده .
ظل مكانه ولم يتحرك بينما بدأت ليان تضع الطعام بالصحن أمامها ثم وقفت أمامه وطلبت منه أن يتذوقه ويعطيها رأيه فرغ شفتيه قليلا من طلبها رغم أنها كانت تفعل ذلك بالبداية دائما معه! ذا فتح ثغرة لها، ضغطت هي على شفتيها بقوة وهي تفعل هذا، فبدت كمن يقوم بعملية جراحية حساسة للغاية.. وهو نظر لها مدهوشًا، لكنه لم ينكر استمتاعه بالأمر.
❈-❈-❈
عندما تختفي الأخلاق كل إنسان يبرر لنفسه
الرغبات الذي يشتهيها واذا كانت تتعارض مع كل القيم ليحصل على ماذا يريد ؟. مذللا نفسه بالعقبات بوسائل غير مشروعة ! ولا إنسانيًا ولا أخلاقيًا ، فقط من أجل بعض المتعة العابرة
دون أن يدرك ذلك فالاهم في تلك اللحظة هو الحصول على ماذا يريد .. حتى لو سلك طريق غير مشروعه .
ببكاء وصراخ حاد، يدوى صوت أحدهم بأرجاء
المكان وكان ذلك صوت مهرة، قبض زاهر علي عنقها محكمًا أصابعه عليها، ثم هزها بعنف قبل أن يطرحها أرضًا بتلك الركلة القوية في ركبتها، ثم جثى فوقها وجذبها من خصلات شعرها وهي كانت ولا حول ولا قوه تصرخ وتستنجد به من الوجع والقهر ..
نظر لها بأعين جامدة بوجه متصلب لم ينبض أبداً بالحياة فصرخ فيها عالياً وهو يسبها ببشاعة و ألفاظ بذيئة
= هو انتٍ ايه مابتحسيش !! عاوز احس انی
متجوز واحدة ست .. ست، مش لوح ثلج هقعد افهم فيكي لحد امتى انك لازم تطوعيني وتعملي كل اللي اطلبه منك بالحرف!.
سعلت مهرة بشدة محاولاً التقاط أنفاسها فقد اختنقت أحبالها الصوتية بفعل قوة ضربة فسبب لها اختناقًا مؤقتًا، لم يكترث له زاهر أو يظهر نحوها أي نوع من الشفقة، لتقول بقلة حيلة وضعف
= طب ما انا بحاول اعمل كل اللي بتطلبه مني بس آآ آه في حاجات بتبقى صعبه عليا ومش فاهماها ولا عارفه اعملـ..
أجبرها على قطم عبارتها بصفعه بشراسة على صدغها لاعنًا إياها بكلمات حادة
= هو انتٍ بتعملى حاجة خالص ! جتك القرف
وضعت مهرة يدها على وجهها متألمًا بشدة وهي تبكي بحرقه من تلك الإهانة، ثم تقوس فمه بطريقة مريبة وهو يهمس لها قائلاً بنبرة تشبه فحيح الأفعى
= مش عاوزه اسمعلك صوت، ولا تعملي نفسي عمايلك السوداء وتبعدي عني ولا ما تطيعنيش في كلمه هكسر رقبتك .. فاهمه .. لو ضربتك دلوقتى مش هخلي في جسمك حته سليمه
اتقي شري
ارتسمت علامات الفزع الممزوجة بالخوف على تعابير وجهها لتهز رأسها عدة مرات موافقة بإذعان، وكأنها تملك خيارا بالرفض! من الأساس!
أقترب منها مجدداً لتتأكد ألا مفر لها بالفعل هو يحدد ويقرر وعليها أن تتابع الخضوع حتى تجد نفسها بين جدران منزله حبيسة سطوته وتملكه للأبد.
بعد فترات بدأ يأخذ ما يريد منها .. وكالعاده الألم بدأ أن يتصاعد بجسدها، إنكمشت بجسدها و حاولت أن تبتعد عنه.. لكن حـالة الآلم الرهيبة المسيطرة عليها جعلتها عاجزة عن التحرك .. وهو بالطبع لم يتركها دون ان ياخذ ما اراد .. و لقد قامت بكل ما طلبه منها أو أمرها به .
نظر إليها بمزيد من الاحتقار وهو يبتعد
عنها ليتسطح بفراشه مسترخيا يلتقط جنون
أنفاسه
= مفيش فايدة.. متجوز لوح تلج !! وانا اللي كنت بحسد نفسي على حلاوتك؟ تغور الحلاوة من برودك يا شيخة .. انا قلت من الاول شكلها جوازه هم
ثم تراجع ونام على ظهره مما سمح للاسترخاء ملامحه وهو يتنفس مسترخية بعض الشيء دون إهتمام بمشاعرها، تعثرت وهي تنظر إليه بحزن.. لم تكن تنوي مضايقته ولكن كيف يتوقع بعد أن يطعنها بكلماته طوال اليوم أنها ستجعله يتودد إليها في النهاية !!
وكيف لها وهي تكره قربه أن تسلمه بنفسها طوعاً !! برضاها عن طيب خاطر هي بالاساس أصبحت تكره تلك العلاقه التي تشعرها بالالام.. والاهانة.. و الاشمئزاز من نفسها و منه أيضا .. فاذا كان ذلك حقيقه الزواج فلا تريدة
نهضت عن الفراش لتتجه نحو الحمام كما تركها تماماً، وقفت أسفل انهمار المياة رغم أنها لا تصدق أن الماء قد يطهر ما دنسه منها .
إنها تعاني من عذاب لا يستطيع أي إنسان أن يتحمله لإهانته ووحشيته وضربه لها .. لكنها تشعر بذلك و أنوثتها المرهقة تذبل.. تنسحب .. تفقد نفسها كلها للتعايش مع هذا الرجل.
❈-❈-❈
بداخل أحد الغرف كانت تجلس فريدة و
كانت جاحظة العينين محدقة بالحائط المواجه لها وكأنها فاقدة للإدراك الحسي والذهني.. أخذت نفس طويلاً حبسته في صدرها محاولاً السيطرة على هذا الشعور الذي يتمكن منها رويداً رويداً... وهو شعور الضعف و الضياع .!
ظلت تعابير وجهها على حالتها الجامدة ولكن لاحت إبتسامة باهتة على شفتيها عندما نظرت إلى بطنها، ثم حركت يدها في إتجاهها ومن ثَمَ أسندتها على بطنها وضغطت بكفها قليلاً بأصابعها المرتجفة لعله يستشعر جنينها بوجودها وهو في رحمها .
ثم بدأت تمسح عليها بحنان و أمسكت بمنشفة و رقية لتمسح عن وجهها تلك الدمعات التي تبلله وهي تتحدث مع طفلها فتلك العاده التي اكتسبتها في أيامها الاخيره
= صدعتك مش كده تلاقيك نفسك تطلع من بطني عشان تخلص من الزن بتاع كل يوم ورغي معاك، بس اديك عرفت حاجه عن امك و انها رغايه .
رفعت أعينها الباكية أمامها بالفراغ كم تمنت أن تساندها عائلتها التي أرهقتها ظروف الحياة وأضنتها فتعرضت للظلم البائن لانها أرادت نصرتها .. لكن أنتهي الأمر لصالح الجاني وليس الضحية، هتفت بحزن قائله
= بس انا مش لاقيه حد اتكلم معاه غيرك و نفسي ترد عليا، او اقول لك ما بقتش عاوزه حد يجاوبني أو بمعنى اصح يكدب عليا، انا بقيت لوحدي في الدنيا وما ليش غيرك وانت كمان .. بس ما تخافش مش هسيبك تتظلم زيي
بكت فريدة مجددًا و زاد نحيبها وهي تقاوم تلك الذكريات الموجعة التي قضت عليها سابقاً ، وهمست بنشيج
= ساعات بسال نفسي هو انا ضعيفه عشان محاربتش اكتر في قضيتي عشان اجيب حقي ولا انا قليله الحيله؟ بس هو انا كنت هعمل ايه اكتر من اللي عملته انا العالم كله كان فعلا ضدي!! مش اهلي والجيران واصحابي وبس !. انا حتى لو كان عندنا بواب لبيتنا كان هيدخل في الموضوع ويقول لي اتنزلي عشان سمعت البيت! مش فاهمه ناس بقيلي كتير ما شفتهمش ولا يعرفوا عني حاجه باي حق يحكموا في حياتي ويقولي لي كفايه عشان سمعتنا
كانت ترمش بوهن متأملة بطنها باشتياق حقيقي إلي رأيت طفلها، وحاولت رسم ابتسامه خفيفه حالمة وهي تحدث نفسها بنبرة حنونه
= هو يا ترى انت هتطلع ولد ولا بنت؟؟ تعرف انا كان نفسي زمان أجيب بنت وتبقى قريبه مني وادلعها، بس الـ .. آآ
انتبهت فريدة لحديثها وخفق قلبها قلقاً لتهز رأسها برفض بسرعه وهي تتابع بصوت متأثر
= لأ لأ لأ، البنت في العالم دي بتتظلم لما بتطالب بحقها الافضل انك تيجي ولد .. حتى لو ما لكش حق هيجيلك .
قطع استرسل حديثها دخول حسام وانتبهت لصوته الأجش وهو يتساءل بجدية مردد بنبرة عالية
= هو انا كل ما ادخل عليكي الاقيكي بتكلمي نفسك طب ما تيجي تونسيني برة بدل ما انا قاعد لوحدي بره وزهقان .. تعالي اتكلمي معايا بدل ما تتجنني، وانتٍ مش ناقصه .
إعتصرت عينيها بقوة محـاولة كتمان شهقاتها
هي تبغض رأيته وتكر كل لحظة يكون فيها إلى جوارها.. فلقد ذبحها بسكين بـارد ووقف متشفياً على بقاياها و مستمتعاً بجسدها المذبوح .. فما ينتظر بعد منها! فتحت عينها بثقل و نظرت له شزراً و قالت باشمئزاز
= هو انت إللي يعشرك يبقى في عقل، ما لكش دعوه بيا وسيبني في حالي .
تجاهل كلماتها ثم تقوس فمه مردداً بسخط
= طب قومي اعملي لي حاجه اكلها وما تلويش وشك زي كل مره وتقولي لي ملكش حاجه عندي اعملها لك .. مش هقعد كل مره افكرك انك مراتي ولي حقوق عندك كتير .. انا مستني بره و مش هستنى كتير قومي شوفي حاجه اطفحها كفايه النكد اللي انتٍ معيشاني فيه من ساعه لما اتجوزتك وساده نفسي عن كل حاجه .
رمقها بنظرات أخيرة مستهزأة من طرف عينه وهو يتحرك للخروج من الغرفة، وصفعه خلفه بقوة فإنتفضت هي على إثر الصوت، وهو شاعراً بالانتصار من ضعفها واذلالها أمامه .
يعتقد أنه ربحها بخسارة حقها .. وهي مستعدة لدفع أي ثمن لشراء نفسها .. لشراء حالها .. بينما هو مستعد لبيع رجولته الزائفة.
ذرفت الدموع بلا توقف وهي تقول بصوت مبحوح
= الهي نفسك تتسد يا بعيد ما تتفتح ، ربنا ياخذك ويخلصني منك .
❈-❈-❈
بــعـد مــرور شــهـر و نـصـف .
في منزل زكريا بداخل غرفة نوم أنس، تجمدت أنظار حسناء على وجه زوجها وردت عليه بغموض مقلق
= نعم يعني ايه؟ يعني ايه زاهر جوز اختك رفض يديك شقه من العماير اللي عنده نقعد فيها بدل التلات اوض اللي احنا عايشين فيها وكلنا مكبوسين فوق بعض ومش عارفه اتنفس هي حته الشقه اليتيمه اللي مستخسرها فين في بحر العز اللي هو عايش فيه حاجه والله ولا هيحس أن ماله نقص قشه واحده
برر لها موقفه بتجهم شرس
= اكتمي يا حسناء وبطلي تزعقيلي وانا مالي! ما انا عملت اللي انتٍ طلبتيه مني مع اني كنت رافض في البداية عشان ما يفتكرناش ان احنا طمعانين فيه وقلت لك نستنى شويه كمان بس انتٍ اللي صممتي.. واهو رفض أهو وفهم اللي احنا طمعانين فيه وقال لي كفايه عليك المحل اللي خليتك تمسكه و مرتبك اللي زودته اكثر من كده ما تحلمش انا مش خلفتك ونسيتك عشان اصرف عليك وعلى عيلتك .
استشاطت نظراتها أكثر، وباغته بضربة موجعة في صدره صائحة فيه بنبرة مغلولة بجنون
= انت بتعيدلي الكلام تاني عشان تحرق دمي اكتر، ما انا فهمت وسمعت يا اخويا، عرفت ان انا كل اللي عملته راح على الفاضي والعز اللي انا حلمت بي شكلي مش هطول منه حاجه! و اختك بنت المحظوظه هي اللي هتقش كل حاجه.. حتى ابوك اللي كان رافض الجواز من الاول نابو من الحب جانب وانا آآ !.
ابتعدت خطوه للخلف وقد برزت عروق وجهها النابضة بعنف، لتشعر الغيظ و الغضب داخلها يتصاعد من تحطيم أملها لذا صرخت بعصبية
تهلهل
= وانا طلعت من المولد بلا حمص.. اه يا خيبتك يا حسناء.. يا حظك الاسود واللي منيل يا حسناء.. قعدت تخططي وترسمي عشان كل حاجه تمشي زي ما انتٍ عاوزه ومشيت! بس غيرك هو اللي قش .
رفع أنس كف يده أمام وجهها مقاطعها بانفعال
= يا وليه اكتمي هتفضحينا، ما اشوفهمش هم بيسرقوا شافوهم و هم بيتحاسبوا .. هتخلي اللي ما يعرفش يعرف احنا كنا بنعمل ايه.. ابويا برة لمي نفسك بقي
كظمت حسناء حنقها المشتعل في نفسها لتردف بصوت محتد وهي تكز على أسنانها بقوة عنيفة
= ما يعرف يا اخويا هيعمل ايه يعني، هيرجع في كلامه مثلا ويطلق أختك عشان يديله ال ١٠٠ الف اللي خدهم؟ طلع الناصح الوحيد فينا اللي عرف يامن مستقبله مش زيك بلا خيبه.. وانا اللي كنت عشمانه كمان أنه يعمل لنا ماهي ويدينا فلوس كل شهر ! اتاريني طلع نقبي على شونه .
هز رأسه بيأس منها، بينما هي قفز قلبها في قدميها و نظرات له بنظراتها المخيفة وتيقنت أنها وقعت في مأزق كبير، لذلك أمسكت رأسها بحسرة تشعر بصداع عنيف يضرب داخلها، هزت رأسها بصورة هيسترية لتضيف بنبرة جنون
= آآه هــتجــنــن نـفوخـي هـيطـق يـا نــاس هيجريلي حاجه.. يا خيبتك السوداء يا حسناء
ظلت حسناء تهلهل بعصبية زائدة بعد أن جلست على الأريكة وهي بحاله جنون و تغمغم بكلمات بذيئة باسم مهرة و زوجها زاهر و تتحسر علي حالها .
لوى أنس ثغره للجانب مبديًا عدم اعجابة بأفعالها فاستأنف قائلاً بحدة
= انتٍ عاوزاني اعمل لك ايه يعني؟ اروح بالعافيه اخد منه الشقه والفلوس اللي عاوزاها.. بقول لك ايه اقفلي على السيره دي وكفايه اوي مرتبي اللي زاد والحمد لله لحد كده .. احنا ما كناش اصلا نحلم بالمرتب ده بلاش بطر
اغتاظت من أسلوبه البارد في التعامل مع الموقف وكأنه لا يعنيه، وهي داخلها يشتعل الغل والحقد بين جنبات نفسها بنيران قوية، فصاحت بإنفعال ناقمه علي حياتها
= بس انا بقى مش راضيه وهعمل برده المستحيل عشان اعيش على وش الدنيا ؟؟
خلي أختك المقشفه اللي ما كانتش تحلم بالعيشه اللي عايشاها دلوقتي؟ هتلبس دهب وتمشي تشخلل وتغيظني .. وتنام على حرير .. وتلبس احسن لبس وتاكل احسن اكل واغلى الأنواع كمان.. لا وكمان بعد كل ده ما كانتش عاوزه وبتتبطر علي النعمة بنت الـ**
لمعت عيناها بشر دفين تحقد علي حياة مهرة والاخرين من الأثرياء ثم صـاحت بعنف وقد تشنجت قسمات وجهها من الغل
= و أنــا افـضـل زي مــا أنــا مـحرومـه و مـتحسـره عـلى عـيشـتي؟؟ هو اللي مـعاهـم فـلوس احـسن مـني فـي ايـه؟؟ اشـمــعـنـا أنــا اللي مـكـتـوب عـليا الـهم والـفقـر ده، وغـيري مـعاه وعـايشه أحـسن عـايشه.. اشـمــعـنـا أنــا !..
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية بدون ضمان, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية