رواية جديدة في غيابت الجب لنعمة حسن - الفصل 10
قراءة رواية في غيابت الجب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية في غيابت الجب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة نعمة حسن
الفصل العاشر
خطة
كان بإنتظارها والقلق على أشده.. وبجانبه تجلس بسمة وهي تنظر مرارًا بساعة يدها وكلما تقدم الوقت إزداد خوفها أكثر..
كلما تذكر صوتها أخذه الفِكر مأخذًا بعيدًا ؛ لم تكن نبرتها هي المعتادة منها ولم يشعر فيها بالسكينة أبدًا..
رآها تدخل من الباب فانتفض متجهًا نحوها بسرعة وهو يتفحصها قائلًا:
_ لينا، إتأخرتي ليه كده؟ مال وشك؟ إنتي معيطة؟!
نظرت اليه وتهدل كتفيها بتعب، ثم تقوست شفتاها بحزن وسرعان ما إنخرطت في بكاءٍ مرير.
ضمها إلى صدره متلهفًا وهو يجاهد ألا يُبدي قلقه الـشديد وقال بهدوء:
_ بــس يا بابا.. مالــك يا حبيبتي، قوليلي حصل إيه؟
_ كان في ناس عاوزين يخطفوني يا بابي.
أجابته لتجحظ عينيه على آخرهما بصدمة بينما هرعت بسمة تحتضنها وهي تتفحصها بقلق.
دب الرعب قلبه بقوة حتى كاد يغادر ضلوعه وقال:
_ بتقولي إيه؟ إزاي ده! مين دول؟ تعرفيهم؟ تعرفي توصفيهم؟
أومأت أن لا، فظل يلاحقها بالأسئلة، والتوتر يعيث فسادًا بقلبه وأضاف:
_ طيب إنتي كويسة؟ حد منهم عمللك حاجه؟!
أومأت بنفي وهي تنزح دمعاتها وقالت:
_ لأ. في واحد ساعدني.. لولاه كانوا خطفوني..
قرب رأسها إليه مجددًا وقبّل أعلاها وقال:
_ طيب يا حبيبتي إهـدي، الحمدلله إنك بخيــر. الحمد للــه.
قال الأخيُرة وهو شاردًا يفكر فيما من الممكـن أن يفعله، تجوب رأسه الكثيــر من الخيالات والتكهنات وكلها لا تنذر بالخيـر أبدًا.
تنهدت بتعب وأسى وقالت:
_ أنا طالعة أرتاح.
مسح على وجنتيها بيديه وقال:
_ إطلعي يا حبيبتي.. وصليها يا بسمة.. متخافيش كل حاجه هتبقى زي الفل إن شاء الله.
مسحت بسمة على ذراعيها بحنان وحثتها على السير برفقتها إلى غرفتها؛ إنصرفتا فتهاوى جمال إلى الأريكة من خلفه مرتابًا وهو يحدّث نفسه ويقول:
_ معقول!! ممكن دليلة تكون ورا اللي حصل ده؟ و ليه لأ؟ ماهي أكيد رجعت بعد السنين دي كلها عاوزة تنتقم مني عشان مرضتش أتجوزها!! أومال إيه اللي يخليها تظهر بعد المدة دي كلها؟ أكيد ناوية على حاجة.. بس ممكن توصل لإنها تحاول تخطف لينا؟!!!! لاااا.. كله إلا لينـا.. أنا مش ممكن أسمح لحد يأذيها أبدًا .. ولا حتى يفكر بس مجرد تفكير!
أخـرج هاتفه القابـع بجيب بنطاله وقام بالإتصال على " مرتضـى " الذي أجاب على الفور وقال:
_ إزي حضرتك يا جمـال بيه.
_ عملت إيه يا مرتضـى؟ عرفت توصل لحاجة؟
تنحنح الآخر بحرج وقال:
_ الحقيقـة يا جمال بيه الموضوع مش بالسهولة اللي حضرتك متخيلها دي..
قاطعه جمال متذمرًا وقال:
_ و إيه اللي خلاه صعب يا مرتضى ؟!
_ حضرتك إحنا زي اللي بيدوّر على إبرة في كوم قش.. المعلومات اللي معايا مش كفاية عشان أوصل لها في زمن قليل.. متنساش حضرتك إني معرفش غير إسمها والعنوان اللي كانت ساكنه فيه، وحتى لما سألت عنها هناك محدش دلني على حاجه.. أنا بدور والله مش ساكت وبإذن الله في أقرب وقت أكون قدرت أعرف عنها أي معلومة..
_ مرتضى إنت لازم توصل لها.. البني أدمه دي ناوية تأذيني.. أنا لازم أوصل لها قبل ما تأذي حد من عيلتي.. النهارده لينا كانت هتتخطف، وانا متأكد إن دليلة هي اللي ورا اللي حصل.. دليلة خطر عليا فوق ما تتصور..
صمت مرتضى للحظات وهو يحاول إستيعاب ما إستمع إليه، ثم قال:
_ طب إيه اللي يخليها تعمل كده حضرتك؟ وإيه علاقة آنسة لينا باللي بينكوا أيًا كان هو إيه؟ يعني ليه تحاول تخطفها؟
تنهد جمال ومسح وجهه بضيق وقال:
_ تقدر تقول مشكلة قديمة بيننا وراحت لحالها.. بس الحريم ودماغهم بقا ما إنت عارف.. دليلة الظاهر كده راجعة وناوية على خراب.
_ أيوة فهمت.. عالعموم متقلقـش خالص أنا هحـل كل حاجه إن شاء الله.
_ أنا واثق فيك يا مرتضى وعارف إنك هتتصرف وتخلصني من الورطة دي في أسرع وقت.
_ إن شاء الله يا جمال بيه.. مع السلامة.
أنهي جمال الإتصال متنهدًا بشرود وتمتم قائلًا:
_ يا ترى ناوية على إيه يا دليلـة.
❈-❈-❈
كانت دليلة تجلس وهي تفرك يديها بتوتر ، جالسةً تنتظر قدوم رزق وما إن إنفرج الباب ودخل حتى هرولت نحوه بسرعة وهي تقول:
_ إيه اللي خلاك تروح لحد بيت جمال يا رزق؟
جلس على المقعد وهو يشير إليها بالجلوس أمامه بمقعدها وقال:
_ إقعدي بس الأول.
جلست وهي تنظر إليه بترقب، بينما بدأ بسرد ما حدث وقال:
_ كنت رايح أوصل بنته.
إزداد تعجبها واشتدت تقطيبة حاجبيها وهي تقول:
_ توصل بنته! إشمعنا!
تنهد وهو يميل للأمام قليلًا ويقول:
_ اللي حصل يا ستي إني إتفقت مع إتنين صحابي هيرصدوا طريق بنت جمال.. وقد كان، مشيوا وراها بعد ما خلصت حفلتها مع شوية العيال صحابها وأول ما الطريق سَلَك زنّقوا عليها بعربيتهم قال يعني هيخطفوها..
كانت تستمع إليه بإنتباه وتهز رأسها دون أن تنطق بحرف، بينما إستطرد وقال:
_ طبعًا البت فافي.. قلبت الدنيا صريخ و نواح وفجأة..
أومأت دليلة بحماس وفضول وكأنها تتابع فيلمًا من أفلام الإثارة والتشويق فأكمل رزق وهو يبتسم بزهو ويقول:
_ ظهر البطل الهُمام .. أنا!.. جريت عليهم وأول ما شافوني قالوا يا فكيك.. دخلت عليها أنا بوش الطيبة والشهامة وسألتها إنتي كويسة، طب حصل لك حاجه.. طب إركبي وأنا أوصللك.. طبعا هي مكانش فيها أعصاب ووافقت علطول.. ركبت معاها ووصلتها لحد باب الفيلا.. بس.. أدي ياستي كل الليلة.
إلتمعت عينيها بإنبهار وهي تقول:
_ يعني إنت عملت كل ده عشان تتعرفـوا على بعض؟
_ اومال.. لازم الدَخلة تبقا منطقية.. ولسه كام حركة من الحركات بتوع السيما اللي بيجيبوا البنات على ملا وشهم دول وهتلاقيها بقت خاتم في صباعي.. ويبتدي الشغل بقا.
تسائلت بحيرة وقالت:
_ طيب.. إنت عملت كده عشان تشوفها المرة دي.. هتعمل ايه علشان تشوفها المرة الجاية؟
ضحك بمكرومسح جانب فمه بإبهامه وهو يقول:
_ و دي تفوتني بردو! كله معمول حسابه ومتخطط له كويس أوي متشغليش بالك إنتي.
ثم نظر أمامه وعينيه تبرق ببريق شيطاني صِرف، وتنهد فهبط صدره المملوء بالحقد وقال متوعدًا :
_ ده انت هتشوف معايا أيام هباب يا جمال يا بدري.
إرتابت دليلة من نبرته الجامدة قليلًا؛ فوضعت يدها على يده وهي تقول برجاء:
_ رزق، إوعى تتصرف من غير ما تقوللي.. لازم أعرف إنت ناوي على إيه..
طالعها بضيق وأردف:
_ ياما خلاص قولتلك الموضوع ده برا عنك.. أنا حر التصرف مع جمال ، مش إنتي عاوزة حقك يرجعلك؟
أومأت بموافقة فقال:
_ خلاص.. يبقا تسيبيني مني ليه بقا.. أنا عارف كويس أوي أنا هدخل له منين وهاخد حقك منه إزاي وهلاعبه بأنهي طريقة..
تسائلت بتوجس:
_ هتعمل إيه؟ إوعى تكون ناوي تقتـ..
_ متكمليش.. قاطعها بحدة وأضاف:
_ مش جمال اللي أخش فيه السجن ساعة واحده.. ده ميستاهلش.. تعرفي؟ لولا إني عارفك وفاهمك كويس أوي كنت قلت خايفه عليه.
ضحكت بسخرية وقالت:
_ خايفة عليه؟ هه.. إذا كنت مش عاوزاه يموت فأنا مش عاوزاه يموت عشان لسه بيننا حساب لازم نصفيه.. لازم هنتقابل وجهًا لوجه وأشوفه وهو مكسور قدامي.. بدعي ربنا إني مموتش قبل ما ييجي اليوم ده يا رزق.
ربت على كتفها وقال بحنان:
_ متقوليش كده ، ربنا يطول في عمرك وتشوفي جمال مكسور وبنت جمال مكسورة هي كمان .. عشان بدل الفرحه يبقوا فرحتين.
أنهى حديثه وضحك بوقاحة، ثم نهض واقفًا وهو يقول:
_ أدخل أنام أنا بقا ألا أنا خلاص مش شايف قدامي.. تصبحي على خير.
إنصرف وتركها في حالةٍ هي أقرب للـهدوء الذي يسبق العاصفة.
❈-❈-❈
تقوقعت لينا حول نفسها بيأس، ثم دفنت رأسها بين ذراعيها وهي تتذكر تلك اللحظات المخيفة التي عاشتها منذ قليل.
دخلت بسمة وهي تحمل كوبًا من الليمون الساخن.. وضعته أمامها وهي تجلس بجوارها وتقول:
_ إشربي اللمون يا حبيبتي عشان تهدي
نظرت لينا إليها وقالت:
_ اول مرة أخاف كده يا مامي.. لولا الشاب اللي أنقذني ده كان ممكن يجرالي إيه؟
عاودت بسمة إحتضانها وهي تمسد شعرها وتقول بحنان:
_ الحمدلله يا حبيبتي إنك كويسة.. قدر و لطف الحمد لله.
طُرق الباب، ثم انفرج ودخل جمال، تقدم منهما وجلس بجوار لينا وأحاطها بذراعيه بقوة فمالت برأسها على صدره تلتمس منه الأمان.
_ عامله إيه دلوقتي يا بابا؟
تنهدت بهدوء وقالت:
_ الحمدلله.
_ من هنا ورايح مفيش خروج إلا بحراسة يا لينا.. أديكي شفتي كان هيجرالك إيه وإنتي لوحدك.
نظرت إليه بعناد وقالت:
_ مش معقول يا بابا همشي ومعايا جاردات.. أنا مش طفلة!
_ ولما إنتي مش طفلة كنتي هتتخطفي ليه يا هانم؟ الموضوع منتهي. مفيش خروج لوحدك تاني.
_ خلاص أفضل محبوسة في البيت أحسن ما أخرج متكتفة كده.
تنهد بيأس من يباسة رأسها وقال متراجعًا من أجل إرضاءها:
_ خلاص طالما وجود الحراسة معاكي هيضايقك بلاها. إنما عالأقل يكون معاكي سواق.. راجل يقدر يحميكي لو لاقدر الله إتعرضتي لحاجه زي كده تاني.
أومأت بسمة مؤيدةً حديث زوجها وأضافت:
_ بابي معاه حق يا لينا.. عالأقل يكون معاكي شوفير أهو نبقا مطمنين عليكي شوية.
تنهدت لينا بخنوع لرغبة والديها وقالت:
_ حاضر.. لو وجود شوفير معايا هيخليكوا مطمنين عليا أوكي..
أومأ جمال براحة نسبيًا وقال:
_ تمام، وأنا من بكرة هشوف الموضوع ده.. ولحد ما نلاقي حد مناسب مفيش خروج من البيت.
نظرت إليه لينا بتحفز وضيق وقالت بتذمر:
_ مش معقول يا بابي.. أنا عندي بروڤات كتير عشان الحفلة..
_ تغور الحفلـة.
قالها بلامبالاة، فنظرت لينا إلى أمها بضيق ثم عاودت النظر إليه وقالت:
_ تغور إزاي يا بابي!
إنتفخت أوداجه ونفرت عروقه بغضب وانفعال وقال:
_ أنا مش فاهم إيه المفيد في اللي بتعمليه ده! شوية عيال لا هما شبهك ولا إنتي شبههم.. واقفين واحد بيعزف والتاني ماسكلي زمارة وإنتي واقفة وسطهم تغني!!
نظرت لينا إلى أمها بعدم تصديق وكأنها تلتمس منها المؤازرة ولكنها تفاجئت بها وهي تضحك على أسلوب زوجها الساخر فقالت:
_ مامي إنتي بتضحكي؟!!
أجابها جمال قائلًا:
_ ما هي لازم تضحك! قوليلي كده بذمتك بتبهدلي نفسك معاهم ليه! ناقصك إيه إنتي عشان تفضلي تتنططي وياهم من هنا لهنا في أنصاص الليالي! وأديكي أهو كنتي هتتخطفي.
زفرت أنفاسها المُتعبة وأجاباهُ بهدوء:
_ يا بابي لو سمحت إفهمني.. أنا مش بغني معاهم عشان أنا مستنيه عائد.. طبعا لا.. الأجر اللي بنتقاضاه في الحفلات دي أصلا أنا بصرف أضعافه كل شهر.. أنا بغني لأني بحب أغني، بحب أقف وسطهم وأغني.. بحس كده إني خفيفة وأنا بغني وروحي خفيفة.. لما الناس بتشجعني بحس إني مبسوطة وعندي باور .. أنا مبسوطة كده.
تنهد بقلة حيلة؛ فهو يعلم أن الأمر لن يختلف كثيرًا حال حاول إقناعها أو لا.. طالما عقدت النية على شيء فانتهى! لا جدوى من الحديث أكثر.
أومأ بإذعان ونهض وهو يقول:
_ اللي يريحك يا لينا إعمليه.. أنا عارف إن راسك أنشف من راس أبوكي!
ألقاها وتوقف للحظة عندها! لما لا يتوقف عن نسبها إليه في كل شيء وكأنها إبنته حقًا؟
دائمًا ما يذكرها بأنها تشبهه في شخصيته وطباعه وينسى أنها ليست سوى إبنته المُتبناة!
ولكنه لا يشعر بذلك، ولم يشعر بذلك أبدًا؛ فمنذ قدومها إلى دنياه لم يشعر بأنها ليست إبنته قط!
سحب حاله وخرج من الغرفة متجهًا إلى غرفته وترك بسمة برفقتها فقالت:
_ لينا حبيبتي متزعليش من أسلوب بابي.. إنتي عارفه هو قد ايه بيحبك .
إرتمت لينا بأحضانها وأغمضت عيناها وقالت:
_ ممكن تنامي معايا هنا الليلـة؟
مسحت بسمة على شعرها بحب وابتسمت؛ فصغيرتها حتى وإن شب عودها لا زالت تلجأ لأحضان أمها كلما إشتد بها الحال.
مسدت بسمة ذراعيّ ابنتها بحنان ومنحتها قبلةً حانية، ثم قالت:
_ حاضر يا حبيبتي.. هفضل معاكي متخافيش.
إعتدلت بسمة بمكانها وتسطحت ،وفعلت لينا المثل واحتضنتها بقوة وأغمضت عينيها وسبحت في سبات عميق.
❈-❈-❈
في اليوم التالي.
غادرت لينا غرفتها بعد أن استعدت تمامًا، نزلت درجات السلم لتجد والدها ينتظرها فقالت:
_ صباح الخير يا بابي..
_ صباح الخيـر الساعة ٣ العصر يا لينا!!
ضحكت لينا وقالت:
_ حضرتك متشيك كده ورايح فين؟
_ جاي معاكي.
طالعته باستغراب وقالت:
_ جاي معايا فين يا بابي؟
_ مانا مش هسيبك لوحدك.. عالأقل النهارده بس لحد ما نشوف سواق.. أنا مش عارف بس ماله مصيلحي ولا سعيد!
_ رغايين.. رغايين وبيفضلو ياكلوا دماغي برغيهم وأنا ببقا على أخري ومش طايقة بني آدم.
_ خلاص هنشوفلك سواق أخرس عشان ميفضلش يرغـي وياكل دماغك..
وضعت يدها بيده وهما يضحكان ويتحركان للخارج، تقدم نحو سيارته فاستوقفته قائلة:
_ على فين يا چيمي؟ إنت اللي جاي معايا يبقا تركب معايا.
نظر إليها ضاحكًا وتقدم منها ثم استقل السيارة وصعدت هي بجواره لتقع عيناها فورًا على ذلك الجزدان الملقى بأرضية السيارة فانحنت تلتقطه، ثم فتحته لتجد صورة ذلك الشاب الذي أنقذها بالأمس..
_ رزق! ..رددت إسمه بتمهل، ثم نظرت إلى والدها وهي تناوله الجزدان وتقول:
_ ده وقع من الشاب اللي ساعدني إمبارح!
إلتقطه والدها منها ونظر إلى الهوية مليًا يتفحصها بدقة وقد لفت انتباهه لقب ذلك الشاب فأخذ يردد إسمه مرارًا.
أسرع أمن الفيلا يقومون بفتح البـوابة الرئيسيه فدعس جمال مكابح السيارة وانطلق للخارج.
❈-❈-❈
كان رزق قد نهض من نومه باكرًا واستعد وخرج قبل أن تفيق دليلة حتى.. ركب دراجته النارية منطلقًا بها في قبلته المنشودة.
بعد حوالي ساعة كان قد توقف بالدراجة أمام منزل " جمال البدري ".
ظل واقفًا يتفقد المكان إلى أن إنتبه على خروج سيارة لينا فتحمحم بتأهب واستعداد للقادم.
لمح لينا وهي تطلب من والدها أن يتوقف بالسيارة وكان هذا تمامًا ما خالف توقعاته؛ فلم يحسب أبدًا أنه سوف يلتقي بجمال سريعًا هكذا.
أخفضت لينا زجاج السيارة المجاور لها وهي تنظر بدقة إلى رزق، ثم فتحت الباب ونزلت وتقدمت منه، ثم صافحتهُ بابتسامه ودودة وقالت:
_ إزيك يا رزق؟
ضحك بهدوء فأردفت قبل أن يتسائل وقالت:
_ متستغربش.. عرفت إسمك من البطاقة بتاعتك..
أومأ مؤكدًا وقال:
_ وقعت مني إمبارح.. قولت أجي أسألك جايز وقعت في عربيتك . والحمدلله إني لقيتها..
ابتسمت وقالت:
_ هي مع بابي، ثواني أجيبهالك منه .
كان جمال يرمقه بتفحص، ظل يتتبعه وهو لازال جالسًا خلف المقود لم يتحرك. إقترب منه رزق وصافحه وقال:
_ إزي حضرتك ؟
صافحه جمال برسمية وقال:
_ أنا حقيقي مش عارف أشكرك إزاي علي مساعدتك للينا.. أنا متشكر جدًا.
_ حضرتك أنا معملتش غير الواجب والأصول.
ناوله جمال الجزدان فمد رزق يده ليلتقطه ولكنه ندر إلى جمال عندما شدد ضغطته فوق الجزدان وقال:
_ تقرب إيه لحسين الكومي؟
دق قلب رزق بقوة وأجاب بثبات:
_ حسين الكومي الله يرحمه يبقا عمي!
جحظت عينا جمال وهو يقول:
_ حسيـن مات!!
أومأ رزق بأسف وقال:
_ من عشرين سنه.
إزدادت دهشة جمال أكثر، لم يتوقع أبدًا أن ينتهي به الحال هكذا وهو لا يعرف أن أعز أصدقائه أنه قد رحل! ومنذ عشرون عامًا!!
ترجل جمال من السيارة ووقف أمام رزق وهو يسأله باهتمام:
_ إزاي ده حصل!
_ حادثه.. كان رايح شغله وعربيه خبطته.. الله يرحمه .
تمتم جمال بأسف بالغ:
_ لا حول ولا قوة الا بالله. إزاي السنين دي كلها وأنا معرفش ! الله يرحمك يا حسين.. كنت ونعم الناس.
كان رزق ينظر إليه شزرًا ويقول محدثًا نفسه:
_ أكيد كان ونعم الناس.. أومال زيك كنت أوسـخ الناس!
إنتبه على صوت جمال يقول:
_ طيب يا رزق أنا تحت أمرك لو إحتاجت أي مساعدة. كفايه إنك من طرف حسين الله يرحمه.. لو محتاج أي مساعدة قوللي أنا عنيا ليك .
إبتسم رزق بهدوء وقال:
_ شكرا سعادتك ..
أومأ جمال بنفي وقال بإصرارة
_ لالالا.. إسمع يا رزق أنا مش بعزم عزومة مراكبية وخلاص،أنا فعلا عاوز أساعدك بأي شكل.. متتخيلش حسين الله يرحمه كان غالي عليا إزاي، والظاهر إنك وارثُه في الشهامة والرجولة.. عشان كده أنا عاوز أساعدك فعلا.. إنت شغال إيه يا رزق؟
أجابه رزق:
_ الحقيقة يعني سعادتك أنا مليش شغلانه ثابته.. تقدر تقول أرزُقي كده على الله.. الشغل اللي بلاقيه بشتغله.. محدش يقول لأكل العيش لأ يا باشا.
أومأ جمال بتأكيد وقال:
_ معاك حق كلنا على الله.. طيب يا رزق إنت أكيد بتعرف تسوق.. وأكيد معاك رخصة.. مش كده؟
تهلل وجه رزق بزيف وقال:
_ أيوة معايا رخصة.
_ عندك مانع لو تسوق عربية لينا بنتي؟
نظر رزق إليها وقال:
_ أكيد معنديش مانع يا باشا هو أنا أطول!
_ عال أوي.. كده ولا كده أنا بعد اللي حصل إمبارح كنت بشوف سواق مناسب وميكونش شاب طايش من شباب الايام دي .. والظاهر إن الرزق بينادي صاحبه فعلا.. أديك جيت تاخد بطاقتك عشان أنا أشوفك ويكونلك نصيب تبقا إنت السواق الخاص بلينا..
نظر رزق إليها وابتسم قائلا:
_ ده شرف ليا سعادتك..
_ ده إحنا اللي شرف لينا إن حد من طرف حسين الله يرحمه يكون معانا.. وبصراحه بعد الموقف اللي عملته مع لينا امبارح وكمان صلة قرابتك بحسين الله يرحمه خلوني أطمن إن بنتي هتكون في أمان طول ما هي معاك.
إبتسـم الآخر بزهو مردفًا:
_ ثقتك دي غاليه قوي سعادتك وان شاء الله أكون قدها.
هز جمال رأسه مؤكدًا وقال:
_ قدها وقدود إن شاء الله. عالعمـوم يبني تقدر تستلم الشغـل من بكره.. ولا بكره ليه.. إحنا فيها.. من دلوقتي لو مفيش عندك مانع.
أجاب رزق بحماسة برع في إظهارها وقال:
_ أكيد مفيش مانع سعادتك .. لو الآنسة مستعده نتوكل على الله.
نظرت إليه لينا بابتسامة هادئة وقالت:
_ يلا بينا.
إبتسم جمال وودعها بينما إنطلقت هي برفقة رزق ليوصلها إلى المكان الذي إعتادت ملاقاة أصدقائها به.
يُتبع..