-->

رواية جديدة ظلمات حصونه 2 لمنة أيمن - الفصل 15

 

قراءة رواية ظلمات حصونه الجزء الثاني 

الإنتقال من الظلمة الى النور

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية ظلمات حصونه

الجزء الثاني

الإنتقال من الظلمة الى النور

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة منة أيمن


الفصل الخامس عشر



أنتهى العشاء العائلي الذي كان بالنسبة لها كالقيد يُحجمها من الصراخ فى وجهه وزجره على ما فعله، لولا خشيتها من انزعاج الأخرين لكانت أخرجت كامل غضبها عليه، ولكن لا بأس ها هما وها هي فرصتها.


وقفت أمامه والغضب يتطاير من زرقاوتيها وتُحاول عدم قتله الليلة، هدرت بإنفعال:


- أنت بتستهبل صح!


للوهلة الاولى تعجب من اندفاعها الغاضب نحوه، ولكنه سريعًا استنبط ما تعنيه وعمل على عدم إظهاره، وأجابها مُصطنعًا عدم الفهم:


- إيه أنا عملت إيه! 


هتفت منزعجة كثيرًا بسبب أسلوبه المُراوغ الذي لا يتخلي عنه:


- لا والله مش عارف عملت إيه؟


نفى برأسه بمزيد من المُراوغة مُصطنعًا البراءة:


- لأ!


أحتقنت دماء وجهها من الغضب، حقا هو يتعمد إخراج أعتي شياطينها عليه، صاحت فيه بهجوم:


- شهر عسل مين اللي عايز تعوضه؟


أجابها بهدوء وهو يرفع كتفيه وكأنه يقول أمرًا عاديًا:


- عسلنا!


عليها الإستسلام إنه حقًا شخص مُستفز، كم كانت تود ركله الأن بين مُلتقى ساقيه لكي تُعلمه كيف يكون الاحتفال بشهر العسل، ولكنها منعت نفسها فى اللحظة الأخيرة زاجرة إياه بنظرات مُحذرة:


- جواد متستعبطش أحسنلك.


عليه ألا يتمادى أكثر من ذلك حتى لا ينقلب الوضع ضده، هو يعلم كم هي مُتهورة ولا يُهمها أحد، عليه مُحاولة الدفاع عن نفسه حتى لا يخرج الوضع عن السيطرة، هتف مُصطنع الجدية:


- كنتي عايزاني أقولهم إيه يعني وهما مُصرين كده وأنتي بتعترضي بأسلوب يثير الشك فينا.


تذكرت ما فعله حينها ووضعه ليده فوق فخذها مُستغلًا وجود الجميع من حولهم وهو يُرحب بفكرتهم للذهاب إلى الشاطئ، صاحت فيه بمزيد من الانفعال:


- تقوم تسوق فيها وكمان ترحب بفكرتهم؟


شعر بإنذار الخطر يصدح فوق رأسه مُعلنًا عن وجود مشكلة كبيرة إن لم يحتوي الموقف الآن، فسألها مُصطنعًا عدم الفهم:


- أنتي مشكلتك فى إيه دلوقتي؟


لم تعد تحتمل مُراوغته فاندفعت لاكزة إياه فى صدره هادرة بحدة:


- مشكلتي فيك أنت وفى بجاحتك اللي عماله تزيد.


إن لم تستطيع إحتواء الأمر فعليك أن تقلب الأمور إلى صالحك، عساك تستطيع النجاة من نيران الغضب الوشيكة، رمقها بنظرة مُحذرة:


- لاحظي إنك بتتمادي فى الغلط.


حقا صُدمت من بجاحته ولكنها سريعًا ما ذكرت نفسها مع من تتحدث، إنه "جواد الدمنهوري"، رفعت حاجبها باعتراض مُهاجمة إياه:


- وأنت بتتمادى فى وقحتك وعامل نفسك مش واخد بالك.


جذبها من ذراعها مُقربًا إياها منه بحركة خاطفة ليست عنيفة، وانخفضت يده مُحاصرة خصرها مُضيفًا بهمس:


- ولما حد يسمعك وأنتي بتهزئي جوزك حبيبك دلوقتي يقول إيه؟


لم تُحاول الفرار من يديه وكأنها اكتسبت الكثير من الجراءة فى الأيام الأخيرة، أجابته بنبرة ساخرة:


- ده فى أحلامك.


ابتسم بإعجاب من فعلتها الغير مُتوقعة وراقته كثيرًا تلك المنقاشة، وأضاف بمكر:


- هو إيه اللي فى أحلامي؟


على الرغم من إقترابه الشديد لها إلا إنها حافظت على نظرة التحدي فى عينيها، مُجيبة إياه بحدة:


- إنك تأخد أكبر من حجمك فى حياتي، أنت مجرد واحد الظروف ورطتني معاه وقدرت أتخلص منه.


المزيد من المكر يحتل بسمته ورد بتحدي مماثل لها:


- متاكدة إنك قدرتي.


الكرامة والكبرياء هما ما يميزا الأسير عن الحر، وهي امرأة حرة لم ولن تنكسر أمام أحدٍ ولو كلفها هذا الباقي من عمرها:


- صدقني قريب جدًا.


قالتها وهي تدفعه فى صدره بحركة مفاجئة لم يتوقها، وبالفعل أبتعد عنها بفعل حركتها الغير مُستعدٍ لها، بينما حاولت هي الفرار من أمامه بسرعة مُصطنعة المزيد من القوة.


قبل أن تبتعد عن مرمى ذراعه قبض عليها مرة أخرى، ولكن تلك المرة مُمسكًا بها من مؤخرة عنقها راغمًا إياها على الالتفاف نحوه مرة أخرى، مما جعل وجهيهما مُتقابلين وقريبين للغاية، أضاف بهمس:


- صدقيني أنتي عمرك ما هتقدري تبعدي عني.


قالها وهو يقترب منها أكثر مما جعلها تستشعر أنفاسه المحمومة على شفتيها، شعرت بالارتباك الشديد وسقط قناع القوة التي كانت ترتديه، ماذا يقصد بكلماته هذه! لمَ كل هذه الثقة وكأنه يملك زمام أمورها؟ وما الذي يُحاول فعله الآن! هل يُحاول تقبيلها؟


بينما هو بمجرد أن رأى ارتباكها جليًا فى زرقاوتيها، ابتعد شاعرًا بلذة الانتصار فى إشعال فتيل المشاعر الدفينة داخلها، خرج من الغرفة تاركًا إياها مُتخبطة بصخب أفكارها.


❈-❈-❈ 


استقلت السيارة بجانبه بعد أن جاء على حسب إتفاقهما قبل يومان بتناول الإفطار معًا والذهاب لمُقابلة المهندس لتجهيز عش الزوجية، أغلقت الباب وهي تُطالعه بإبتسامة عزبة، قابلها هو الأخر بنظرات الحب المولعة هاتفًا بغزل:


- يا صباح النوتيلا.


لم تنجرف وراء ذلك الغزل المُصاحب لنظرات العشق الواضحة كى لا تضطر لمسايرته، فهتفت بما لم يتوقعه:


- بالمناسبة صحيح، أنا عايزه أحلي بنوتيلا بعد الفطار.


انزعجت ملامحه وبدا الإستياء واضحًا عليها مُتهكمًا:


- الناس بتصبح على بعضها بكلمة حلوه بابتسامة جميلة، وأنتي بتصبحي عليا بكرشك على الصبح.


بالكاد منعت نفسها عن نوبة ضحك كانت ستُهلكها من شدتها، واصطنعت التذمر مُضيفة:


- إيه ده! من أولها كده هتعد عليا الأكل؟


أجابها موضحًا مقصده ممَ حثها على الاستلطاف معه:


- مش بعد عليكي يا ستي، بس صبحي الأول وأنا أروق عليكي.


رفرفت بأهدابها برومنسية مُبتذلة مُعقبة بلطف:


- طب صباح الفل يا حبيبي، أنا عايزه أفطر كبدة إسكندراني بقي.


رفع حاجبيه باستنكار مُصحبًا إياهما بسمة ساخرة على فمة مُستفسرًا:


- عشان صباح الفل كبدة إسكندراني! أومال لو طلبت بوسة هتأكلي إيه؟


للمرة الأولى لم توبخه على وقاحته، بل وسايرته أيضًا مُحاولة تخطي حاجز الخجل بينهما، ضيقت عينيها وبدت وكأنها تفكر فى الأمر، لتجيب فى النهاية بحيرة:


- مش عارفة ممكن شاورما لحمة ولا حاجة!


اعتدل فى جلسته بسرعة البرق وأدار مُحرك السيارة مُستعدًا للانطلاق، بينما هي سألته مستفسرة:


- على فين؟


أجابها بمنتهى الحماس واللهفة:


- على أكبر محل شاورما فى إسكندرية كلها.


ضحكت على ما تفوه به، بينما أنطلق هو بسرعة مُحددًا وجهته، وكأنه لا يُريد إضاعة تلك الفرصة من بين يديه.


❈-❈-❈


أستيقظت من النوم بكسلٍ شديد يُسيطر على سائر جسدها، ولكنها لم تندهش فهذا الأمر تمر به منذ فترة وهذا بسبب تأثير الحمل عليها، هذا ما أخبرتها به الطبيبة.


على ذكر سيرة الطبيبة تذكرت مقابلتها معها ليلة أمس بعد خروجها من المرسم الخاص بها وإنهاء بعض الأمور المُتعلقة بالمسابقة.


••


دلفت غرفة الكشف الخاصة بالطبيبة بعد أن انتظرت دورها، تتحرك وبرأسها الكثير من الأكاذيب التي تُحاول إنتقاء واحدة منهم لطرحها عليها إذا استفسرت عن موعد زواجها، أردفت بإرتباك:


- مساء الخير.


قابلتها الطبيبة بإبتسامة مُرحبة ومدت يدها مصُافحة إياه:


- مساء النور، أتفضلي.


أشارت لها بالجلوس، ففعلت وعلى وجهها علامات القلق، أتاها صوت الطبيبة مرة أخرى مُستفسرة:


- أسم حضرتك إيه؟


أجابتها بهدوء:


- زينة هاشم شمس الدين.


أضافت الأخرى:


- عندك كام سنة؟


ردت:


- ٢٥ سنة.


رفعت لها الطبيبة وجهها بمزيد من الإستفسار ببسمة أربكتها:


- متجوزة بقالك قد إيه؟


ارتجف قلبها تأثرًا من هذا السؤال التي توقعت سماعه، ولكنها حافظت على عدم إظهار ذلك التوتر الذي أصابها، أجابتها مُصطنعة الهدوء:


- من أربع شهور.


بالفعل هي تعلم إنها كاذبة، فزواجها لم يمُر عليه شهرين، ولكن ليس أمامها خيارًا أخر، حتى لا ينكشف سترها أمام الطبيبة، ابتسمت لها الأخرى بود مُعلقة:


- ألف مبروك.


قابلتها بود مُماثل:


- الله يبارك فيكي.


نظرت لها الطبيبة بإهتمام مُستفسرة عن سبب زيارتها بأبتسامة ودودة:


- خير!


فطنت ما تُعنيه بسؤالها فأجابت بهدوء:


- أنا كنت مسافرة أنا وجوزي من بعد فرحنا على طول ولسه راجعين من عشر أيام، وأنا مسافرة عرفت إني حامل والدكتور اقترح عليا مرجعش مصر غير على الأقل لما أكون فى أخر التالت عشان يكون الحمل ثبت لأنه كان خايف من حدوث إجهاض.


أومات لها الطبيبة بتفهم وأضافت مُستفسرة:


- يعني إنتي دلوقتي فى أخر الشهر التالت؟


أومأت لها "زينة" مؤكدة:


- بالظبط.


- طب أتفضلي نتطمن عليكي وعلى الجنين.


قالتها وهي تنهض مُشيرة لها على المكان المُخصص للفحص وبجانبه جهاز الفحص التلفزيوني، استلقت فوق الفراش بعد أن أخفضت ملابسها بعيدًا عن بطنها مُفسحة المجال للطبيبة لعمل الفحص.


وضعت الطبيبة تلك المادة الشفافة على أسفل معدتها ووضعت عليها ذلك الجهاز، ظهرت صورة جنينها الموجود فى رحمها على الشاشة المُعلقة أمامها، وكانت تلك أول مرة تراه فيها، وما هذا أيضًا! أهذا صوت دقات قلبه؟


شعرت بسريان القشعريرة بجسدها، بالأضافة إلى ذلك الصخب الذي أندلع داخل قلبها، ما هذه الشعور التي تختبره لأول مرة، هي رأت جنين "ديانة" من قبل ولم تشعر بمثل هذا الشعور، بالفعل كانت سعيدة حينها، ولكن سعادتها حينها لا تُضاهي سعادتها الآن.


إحساس لا تستطيع وصفه، الكثير من المشاعر تختبرها فى آنٍ واحد، سعادة، حزن، حماس، قلق، ضحك، بكاء، ما هذا الذي يحدث؟ أيمكن أن تكون هذه هي مشاعر الأمومة!


أفاقها من دوامة المشاعر تلك صوت الطبيبة مُطمئنة إياها:


- تمام جدًا الحمدلله، ظبطي هدومك وتعالي عشان نشوف وزنك.


عدلت من شكل ملابسها وذهبت لجهاز قياس الوزن، هتفت الطبيبة بتحذير:


- الوزن مش أحسن حاجة بس اللي هيحسم الأمر ده التحاليل اللي هديكي أساميها دلوقتي عشان نتطمن على كل حاجة.


أومأت لها "زينة" بالموافقة وعادت لمقعدها مرة أخرى، أمسكت الطبيبة بذراعها ووضعت بها جهاز الضغط لفحص ضغطها، وبعد ثوانٍ أضافت:


- الضغط الحمدلله تمام.


قابلتها بسؤالها عن شيء تمر به منذ عدة أيام وهذا أحد أسباب مجيئها:


- مش عارفة ليه يا دكتور بقالي كام بحس بكسل ومش ببقى عايزه أقوم من النوم.


أجابتها الطبيبة موضحة:


- ده الطبيعي فى أول الحمل بس متستسلميش للكسل ده ومارسي حياتك بشكل طبيعي جدًا، ومن الأفضل إنك تلعبي رياضة بس بشرط تكون مخصصة للحوامل، وأنا هكتبلك على vitamins كويسة جدًا.


كتبت أسماء بعض الأدوية فى النشرة الطبية أمامها وأخرجت ورقة أخرى ووضعت بعض العلامات بجانب أحد الكلمات، وأعطتهم لها موضحة:


- دي الvitamins اللى هتجبيها، ودي التحاليل المطلوبة، اللي معمول جمبها علامة صح بس، هتعمليهم وتيجي الإعادة بعد أسبوعين.


أمتدت يدها مُلتقطة إياهم مُردفة بإمتنان:


- شكرًا يا دكتور.


•••


أمتدت يدها مُحاوطة بطنها وكأنها تُعانق جنينها وتُلقي عليه تحية الصباح، أعتدلت فى جلستها وأخرجت ذلك الفيتامين الذي وصفته لها الطبيبة وتناولته، لحظات ما بين الاستيقاظ الكامل ومحاربة آثار النعاس كانت تقضيها بالفراش مُستدعية الحيوية والنشاط.


ضرب برأسها ما حدث بينهما ليلة أمس من مُناوشات نتج عنها بكاء مرير لها، أفسد عليها سعادتها برؤية طفلها لأول مرة وسماع صوت نبضه، شعرت بالإنزعاج الشديد من صراخه عليها حينها وتهديده لها بإنه لن يتركها تخرج مرة أخرى، من يظن نفسه ليقول هذا؟


لا تُنكر إنها أخطأت بأنها لم تُجيب على إتصاله، ولكنها لم تكن تعلم إنه سيقلق هكذا ويفعل ما فعله هذا، حاولت السيطرة على غضبها من أجل جنينها وربطت على بطنها بحنان موجهة حديثها نحو جنينها مُعلقة:


- انت عندك أب غبي.


نهضت من فوق الفراش وذهبت إلى المرحاض للاغتسال الصباحي، مُستعدة لبداية يومها، انتهت وخرجت من غرفتها مُتجهة نحو المطبخ لتناول الأفطار.


فى البداية كانت تظنه لايزال نائمًا أو خرج للعمل، ولكن تغير ظنها عندما وجدته يقف فى المطبخ ويُصدر الكثير من الحركة، يبدو إنه يُعد شيئًا ما، على الرغم من تفاجئها من كونه بالداخل، إلا إنها لم تُبدي أي إهتمام.


دخلت مُتجهة نحو الثلاجة لتقع عينيها على طاولة الطعام الموجودة فى المطبخ وما يوضع عليها من طعام، بيض مسلوق، أنواع مُختلفة من الجبن الغير مُعلبة، توست، عصير ومن الواضح إنه مانجو، حسنا هو يستعد لتناول الفطار ولكن لما توضع تلك القهوة هنا أيضا.


بمجرد أن لاحظ وجودها خلفه التفت لها وألقى عليها تحية الصباح ببسمة مُرحبة:


- صباح الخير.


لم ترد عليه التحية وكأنها غير مُستمعة له، إنها لاتزال غاضبة من طريقته معها ليلة أمس، أكملت فى طريقها نحو الثلاجة، قطع طريقها وأصبح يقف أمامها مباشرة مُضيفًا بإلحاح:


- بنقول صباح الخير!


رمقته بنظرة يملأها الغضب من إلحاحه الشديد وكأنه لم يفعل شيئا، كادت أن تصرخ فيه، فبادر هو مُعتذرًا:


- أنا أسف.


تفاجئت من إعتذاره السريع وظلت تُطالعه بعتاب، ليُكمل هو:


- مكنش قصدي والله، أنا كنت قلقان عليكي عشان كده فقدت أعصابي وأتعصبت عليكي، بجد أنا أسف.


لم يترك لها فرصة لتوبيخه أو لصب غضبها عليه، ها قد أعتذر وانتهي الأمر، حاولت الابتعاد عنه والاستمرار فى طريقها مُردفة:


- خلاص محصلش حاجة.


اعترض طريقها مرة أخرى مُضيفًا بحماس:


- طب تعالي بقى نفطر.


حاولت عدم إحراجه ورفضت بطريقة لابقة حتى لا تفتح مجالا للمشاجرة مرة أخرى:


- معلش مليش نفس.


رمقها بنظرة مُلحة جدًا وكأنه يستعطف قلبها فى أن تحن وتتقبل دعوته مُردفًا بترجٍ:


- عشان خاطري تعالي، أنا صاحي من بدري عشان أجهزهولك.


ليس أمرًا أخلاقي أن ترفض الأن، خصيصًا بعد تصريحه بإنه أستيقظ باكرًا لإعداده لها، لا يوجد أمامها سوى الاستسلام، بالإضافة إلى إنها جائعة أيضًا:


- حاضر.


تحركت وجلست معه على الطاولة، الأن فهمت لماذا يوجد عصير وقهوة، فالعصير لها والقهوة له، يا له من فطار صحي، على ما يبدو إنها تسرعت فى الحكم عليه عندما وصفته بالغبي.


كانت تتناول الطعام فى صمت مُتحاشية النظر نحوه كي لا تجعل بينهما مجالًا للحديث، ولكنه لن يسمح بذلك، كسر الصمت بينهما مُستفسرًا:


- هي المسابقة دي هتبقى أمتى؟


توترت ملامحها ولوهلة شعرت بالقلق، أيمكن أن يكون علم بشيء! يستحيل فهي لم تبدأ فى الاستعداد لهذا الأمر بعد، حاولت ألا يظهر عليها شيء وهي تجيب باقتضاب:


- الشهر الجاي.


يبدو إنه لم يُشك بالأمر وإنها كانت مُتوترة بدون داعٍ، وتأكدت من ذلك حينما أضاف:


- ياريت تبقي تعرفيني قبلها عشان أبقى موجود معاكي.


شعرت بمزيد من الارتباك، هي ليست بتلك الشخصية التي تُجيد الكذب أو الخداع، ولكنه إذا علم بما تخطط له لن يتركها لتكمل فيه، لذلك عليها الكذب لكي تستطيع تنفيذ ما انتويت على فعله، أومأت له بهدوء قائلة بإيجاز:


- إن شاء الله.


لن تستطيع البقاء أسفل نظراته هكذا، دقيقة واحدة وستخور قواها وتعترف له إنه لن يستطيع أن يكون معها فى تلك المسابقة، بل لن يستطيع الوصول إليها حتى، تركت الطعام ومسحت على فمها بمحارم المائدة مردفة بأمتنان:


- شكرًا على الفطار.


نهضت مُتجهة نحو غرفتها هاربة من نظراته التي تُشعرها بتأنيب الضمير، عزمت على أن تستعد لذهاب إلى المرسم الخاص بها، وعليها أن تعطيه خبر قبل أن تذهب لكي لا يتكرر ما حدث ليلة أمس، ولكنها لن تفعل إلا عندما تتأكد من مجيئ السائق الخاص بها، حتى لا يعرض عليها توصيلها مرة أخرى.


❈-❈-❈


يهبط الدرج بعد أن بدل ملابسه مُسعدًا لذهاب إلى الشركة، وجد "لبنى" هي من تُحضر السفرة، على ما يبدو إنها تركت "نور" مع العاملة لكي تُحضر هي الفطور.


وضعت أخر صحن على السفرة وهي تبتسم بسعادة على ذلك الشعور التي أفتقدته منذ سنوات، شعور المسؤلية، أنتبهت لصوت "هاشم" الذي يترجل الدرج مُهللًا:


- يا عيني، ست الكل بنفسها هي اللي بتحضرلي الفطار!


شعرت بقليل من الحرج بسبب كلماته المعسولة وإقترابه ووقوفه أمامها:


- لو استمريت على طريقتك دي مش هعرف أعمل حاجة تاني، أنا بقولك أهو.


هتف بمرح وهو بيحاوط وسطها مُقربًا إياه إليه جدًا:


- مكسوفة مني ولا إيه يا لبنى؟


حاولت إبعاده برفق بعيدًا عنها شاعرة بكثير من الخجل أثر فعلته تلك مُردفة بتلعثم:


- هاشم لو سمحت متحرجنيش أكتر من كده.


حاول إستغلال الموقف وعرض الأمر عليها قائلًا:


- طب أنا ليا طلب.


أنتشلها من خجلها وأثار إهتمامها وعقبت مُستفسرة:


- طلب إيه؟


أجابها بكثير من الأستياء:


- لما العيال اللي قرفوا أهلي دول يرجعوا من برا وبنتك تفك الحظر عن الواد عايزين نروح نأخد دورنا أحنا بقى.


قضبت ما بين حاجبيها غير مُدركة ما يرمي له مُضيفة:


- دورنا فى إيه؟


رد بإبتسامة ماكرة وعاد ليقترب منها مرة أخرى مُتمتمًا:


- فى شهر العسل!


هذه المرة تُقسم إنها شعرت بلهيب وجنتيها، لم تكن تعلم إنه جرئ فى الحديث إلى تلك الدرجة، وهي ليست مُعتادة عليه بعد، حاولت الفرار من قبضته مُتحججة بحفيدهم، صاحت مُستنجدة:


- هاتيلي نور يا دادا.


أبتعد عنها بغيظ من فعلتها مُردفًا بتوعد:


- ماشي، أبقي وريني بقى نور هيحميكي لحد أمتى؟


جلس كلاهما على السفرة وبدئوا فى تناول الطعام، جائت "حسنة" ووجهت حديثها نحو "لبنى" بهدوء:


- نور نام يا مدام لبنى.


أومأت لها بالموافقة مُردفة بإبتسامة ودودة:


- تمام يا دادا، معلش حضرلنا القهوة.


إنصاعت لأمرها وذهبت على الفور، بينما صدح هاتف "هاشم" مُعلنًا عن اتصال، فأجاب على الفور مُستمعًا إلى الجانب الأخر وبادله التحية:


- صباح النور يا دكتور.


ظل يستمع إليه ما يُقارب الدقيقتان ويستقبل حديثه بملامح جامدة لا تُعبر عن إذا كان ما يسمعه خيرًا أم شر، كسر ذلك الصمت بالنهاية مُستفسرًا:


- والعملية دي نسبة نجاحها قد إيه؟


لفت سؤاله إنتباه "لبنى" التي خمنت أن تلك المُكالمة بخصوص "هناء" ولكنها ألتزمت الصمت حتى ينتهي، ليضيف مرة أخرى بمزيد من الجمود:


- تمام يا دكتور هعدي على حضرتك النهاردة فى المستشفى ونخلص الاجرائات المطلوبة.


أنهى المكالمة وعاد لإكمال طعامه وكأن شيئًا لم يحدث، أو هذا كا كان يُحاول إظهاره، لتتدخل "لبنى" مُستفسرة:


- تليفون من المستشفى؟


رد بإقتضاب:


- أيوه.


لم يرضي هذا الرد فضولها فأضافت مرة أخرى:


- بخصوص هناء؟


هذه المرة قرر إهطائها الجواب التي تريده حتى لا تنزعج أو تُفكر إنه يخفي عنها شيئًا:


- الدكتور بيقول إنها محتاجة عملية فى أقرب وقت، بس نسبة نجاحها مش مضمونة، خصوصًا إنها مش مُتعاونة معاهم لا جسديًا ولا نفسيًا.


علقت بحذر من ردة فعله مُردفة بهدوء:


- طب ما تروحلها يا هاشم.


ترك الملعقة من يديه بإنزعاج مُردفًا بحزم:


- الموضوع ده منتهي يا لبنى.


حاولت أن تُرقق قلبه تجاهها شاعرة بالشفقة عليها:


- هاشم دي فى الأول وفى الأخر بنت عمك وأخدت جزائها على اللي عملته خلاص، وربنا هو اللي بيحاسب.


صاح مُنزعجًا من دفاعها عنها بعد كل ما عايشته من ألم وظلم بسببها وبسبب غبائه هو أيضًا، نعم هو مُعترف بخطأه ولا يُلقي بالذنب كامل على "هناء"، ولكن هذا لا يُغير حقيقة إنها هي السبب فى كل ما حدث:


- أخدت جزاء إيه يا لبنى، أخدت جزاء قتل تهاني واللي فى بطنها! ولا عجز ماجدة وأعدتها على الكرسي الملعون ده عشرين سنة من غير كلمة أو حركة! ولا موت شرف اللي أتصدم من مكالمتها ليه يوميها! ولا حبسي ليكي وكل اللي كنت بعمله فيكي وظلمي ليكي! ولا بقى جواد واللي عملته فيه وخليته يعمله مع ديانة؟


أدمعت عينيها تأثرًا بكم تلك الكوارث الذى عايشوها، اللعنة على العشق الهوسي الخاص بتلك للمرأة، بينما أكمل هو بقهر:


- اللي هناء عملته فينها كلنا بنعاني منه لحد دلوقتي وهنفضل نعاني منه طول حياتها، أوقات وحاجات كتير ضاعت مننا مش هنقدر نعوضها، ولا هنقدر ننسى الألم اللي عشناه بسببها.


نهض مُنسحبًا من تلك المناقشة قبل أن يصعف وينهار أكثر من ذلك، أو يجرحها بكلمة لا إرادية منه، بينما لاحظت "لبنى" ما يمر به وتركته مُشفقة عليه مُتمتمة:


- الله يسامحك يا هناء.


❈-❈-❈


كانت مُستلقية على الفراش مُستعدية لنوم، وجدته خرجًا من غرفة تبديل الملابس ويتجه نحوها، أمتدت يده لرفع الغطاء مُستعدًا لنوم بجانبها، صاحت فيه مانعة إياه عمَ كاد أن يفعله:


- إيه ده!أنت رايح فين؟


زفر مُصطنعًا الإسياء من كثرة أسئلتها مُجيبًا ببرود:


- هنام!


لا يجد صعوبة فى إغضابها وإخراجها عن شعورها، وها هو قد فعلها مُجددًا:


- هتنام فين؟


المزيد من البرود الذي يُصيبها بالجنون والتمني بأن تنهض وتصفعة عشرات الصفعات حتى بتحدث مثل البشر الطبعين:


- هو فيه حاجة تانية أنام عليها غير السرير؟


قست ملامحها وهي تُزجره بحدة:


- المفروض إنك تنام على الأرض.


لم يهتم بما قالته وأستلقى على الفراش بجانبها مُعقبًا بكلمات ذات مغزى:


- بلاش نتكلم عن المفروض عشان لو طبقنا مش هيعجبك!


انتفضت من مكانها مُنزعجة بشدة ونهضت بسرعة عن الفراش، وكشفت الغطاء عنه وأخذته وأبتعدت إلى أخر الغرفة، سالها بإندهاش من فعلتها:


- رايحة فين؟


أجابته بمزيد من الإنزعاج والحنق وهي تسير بحدة:


- أولع بالسرير.


ألقت بالغطاء على الأرض مُحاولة صنع مكان لنوم لها، بينما هو تململ بالفراش وقام بسحب أحد الوسائد وأحتضتنها بيده وقدميه مُتمتمًا:


- براحتك!


عادت إليه مرة أخرى وسحبت الوسادة من بين قدميه والنيران تندلع من عينيها بسبب أسلوبه الوقح معها وطريقته الإستفزازية، مُردفة بإنفعال:


- وهات دي كمان.


أبتسم بكثير من الاستمتاع على ما يحدث بينهم، مُمتنًا جدًا لفكرة والده، أغمض عينيه مُصطنع النوم حتى تغفو هي الأخرى، وحينها سيحملها ويضعها بالفرش وينام هو فى هذا المكان التي صنعته بيدها، على الأقل سيحظا بإستنشاق رائحتها بالوسادة طوال الليل.


❈-❈-❈


تقف بالشرفة تتفقد المنظر الجميل الذي يُطل على منزل "إياد" والذي سيصبح منزلهم بعد عدة أسابيع، لون مياه البحر بصحبة صفاء السماء والطيور تُحلق بينهم ينتج عنه منظر خلاب يخطف القلوب من شدة روعته.


دلف "إياد" إليها بعد أن أوصل المُهندس إلى المصعد وإتمام إتفاقة معه على الإنتهاء من طلباتهم فى أسرع وقت، لاحظ إندماجها فى المنظر أمامها، فتقدم بضع خطواط وأحاط خسرها مُعانقًا إياها من الخلف هامسًا فى أذنِها:


- الجميل سرحان فى إيه!


انتفضت شاعرة بقشعريرة سرت فى سائر جسدها، أبعدت عنه بسرعة مُردفة بتلعثم:


- ولا حاجة، هو المهندس مشى؟


لاحظ توترها وأبتسم بهدوء على عكس نظرته الغير مُطمئنة مُجبًا:


- آه مشى.


شعرت بالتوتر من هدوئه الغير مُعتاد، هي لا تُشكك فيه ولكنها تعلم إنه مُنحرف ويعشق إخجالها، أردفت بإرتباك:


- طب كويس عشان أروح بقى، أنا كده أتأخرت أوي.


تحركت ودخلت من الشرفة عازمة على الرحيل، ليلحق بها ويقف أمامها مباشرة، مما جعلها تصتدم فى صدره العريض، سألها ببسمة ليست مرحة:


- أنتي خايفة مني ولا إيه!


حاولت تمثيل الشجاعة أجامها حتى لا يتمادى أكثر من ذلك، ورمقته بسخرية مُصطنعة:


- وهخاف منك ليه يعني! هتأكلني ولا إيه؟


أبتسم بإستمتاع شديد على نظرات الإرتباك فى خاصتها وتمثيلها لشجاعة، فأجأبها بمشاكسة:


- متستبعديهاش عشان هتحصل، بس ليلة الدخلة.


أنهى جملته بغمزة وقحة جعلت ركبتيها ترتجف رغمًا عنها، حسنًا هو يتلاعب بأعصبها وها هو قد نجح فى إتلافها بالفعل، أرتبكت ودفعته فى صدره مُهاجمة إياه:


- أنت قليل الأدب.


قضب ما بين حاجبيه مُصطنع البراءة مُستفسرًا:


- قليل الأدب عشان بلمح لمراتي هنعمل إيه فى أول يوم جواز لينا؟


رفعت إصبعها مُحذرة إياه بحدة ظننًا منها إنه سيتراجع مُردفة بتهديد:


- إياد احترم نفسك بدل والله ما عدت أجي معاك هنا تاني.


ابتسم بمكر صريح هذه المرة وتقدم منها بنظرات أربكتها، هو لا بنوي إيذائها أو المساس بها وخيانة والدها، ولكنه أريد يريد إزاحة ذلك الخجل من بينهم حتى تكون مُستعدة جيدًا لوقاحته بعد الزفاف:


- هو أنا قولت حاجة ولا عملت حاجة لسه؟ وبعدين يا حبيبتي أنتي مراتي ومش حرام ولا عيب إني أهزر مع مراتي شوية.


أجابته بإنفعال طفولي مُعبرًا عن مدى إرتباكها وتوترها من طريقته تلك:


- لا عيب وحرام عشان لازم إذن بابا الاول، أنا فاهمة فى الموضوع ده كويس.


ضحك بصوته كله على طفوليتها وثقتها بنفسها وكم كانت ضحكة جذابة تخطف الأنفاس، ولكنها لم تتأثر بها بسبب توترها، فأضاف موضحًا:


- لا يا حبيبتي أنتي كده فاهمة الموضوع غلط، الحرام إني أدخل بيكي قبل إذن ولي أمرك لأن دي بتتسمى خيانة أمانة وأنا مش خاين للأمانة.


لاحظ تشتت وعدم إقتناعها بالأمر أو عدم الوصول لما يُحاول قوله لها، ليخبرها على طريقته عساها تفهم ما يقصده، أقترب منها بشدة مما جعلها تشهق فزعًا وأضاف بوقاحة تفاقت كل الحدود:


- يعني مش هتصل بعمي محمود مخصوص عشان أستأذنه إني أبوس مراتي، لكن لو هاخد مرتي وندخل أوضة النوم نتأكد هنحتاج نغير السرير ولا لأ فى الحالة دي لازم أستأذنه.


لم تعد تُميز أهذه حرارة أنفساه المحمومة أم حرارة وجنتيها، ستذوب حتمًا من شدة الحرارة، أستجمعت أخر ذرات طاقة لها ودفعته فى صدره مُضيفة بصوت مبحوح عانت جدًا لإخراجه:


- أنت مشوفتش ريحة التربية.


كادت أن تفر من بين يديه ولكن خطواتها الثقيلة ورجفة قدميها لم يُساعدها مُطلقًا، بالإضافة إلى يده التي جذلتها نحو الحائط وثبت يديها الأثنان بيدًا واحدة منه وأحاط خصرها باليد الأخرى، لتصبح بين يديه لا حول ولا قوة لها.


أنقض على شفتيها مُلثمًا إياها بحب وشغف مُهبرًا عن مدى عشقه لها، وإمتلاكه لها أيضًا، وكأنه يُخبرها بطريقة ما إنها ملكًا له، وظل يتعمق فى القبلة بنهم شديد، بينما كانت هي فى البداية تُحاول دفعه بعيدًا عنها، ولكن بمرور لحظات وبسبب مُحاطته لخسرها وخبرته الكبيرة مع النساء.


أستسلمت له وتركته يفعل بشفتيها ما يحلو له، بل وحاولت أيضا مُبادلته فى القُبلة ولكن بدون خبرة، فترك يديها لتمتد وتحتضنه رغمًا عنها، شعر بالكثير من السعادة وأضاف بهمس دون أن يتوقف:


- بحبك يا ملك.


بأدلته هي الأخرى بأنفاس مسلوبة تاركة له التحكم فى زمام الأمور مُتمتمة:


- وأنا كمان بحبك أوي.


بالكاد أستطاع التحكم فى نفسه وعدم التمادي أكثر من ذلك، ليفصل القبلة وظل مُيتند بجبينه على جبهتها مُردفًا بأنفاس محمومة لأهثة:


- طب يله بينا بقى عشان بجد شكلي هتصل أستأذن.


وكأن كلماته أعادتها إلى أرض الواقع مُدركة ما يُعنيه بكلماته، وركضت بسرعة من بين يديه بخطواط مُتعثرة، حتى إنها كاد تسقط أرضًا، بينما أبتسم هو وأتجه إلى الكرسي وأمسك بحقيبتها التي لم تلتفت لها وكأنها نستها، زفر مُحاولًا تنظيم أنفاسة مُهدئًا نفسه ببعض الكلمات:


- أصبر يا إياد، كلها شهرين.


يُتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة منة أيمن, لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة