رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - اقتباس الفصل 26
قراءة رواية بدون ضمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بدون ضمان
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
اقتباس
الفصل السادس والعشرون
احترقت أعصاب مهرة لمجرد سماعه أمر القاضي بتأجيل القضيه بسبب عدم حضور زاهر مثل العادة، فماذا عن حقها إذن؟ لتعلم بتلك اللحظة لقد كانت محاولة فرارها منه فاشلة بكل المقاييس، وكانت فكرة مواجهتها له حمقاء لأقصى درجة فها هو يعيد عليها إذلالها من جديدة بتلك الطريقة حقا.
شعرت باحتباس أنفاسها باضطراب شديد يحتاجها بجفاف حلقها خلال تلك اللحظات الثقيلة، كانت الأصعب إليها والأكثر توترًا بالنسبة لها، حاولت أن تبذل مجهودًا مضنيًا لضبط انفعالاتها حتى تتمكن من الثياب ورفعت أنظارها إلي القاضي مراقبة لوجهه بين لحظة وأخرى، طال انتظارها بيأس حتى نهضت وهي على حافة الانفجار ونفذ صبرها من مماطلته، فصاحت بعصبية طفيفة
= قضيه إيه اللي هتتاجل تاني .. هو انا عمري في قد ايه عشان اضيعة كله في المحاكم.
التفتت تسنيم ناحيتها لترمقها بنظرات تحذير وهي تقول بقلق
= اسكتي يا مهرة ما ينفعش كده ، احنا اسفين يا حضرة القاضي يا ريت حضرتك تقدر حالتها
معلش الوضع صعب عليها وهي في سنها ده
نظرت حولها باستهزاء وسخرية و كورت مهرة قبضتها بقوة ضاغطة على أناملها المتوترة، وأشارت بالأخرى هامسة بصوت شبه متحشرج
= سن؟ هو انا عمري بقى في قد ايه عشان احسبة وبعدين انتٍ لو هتحسبيها بالسن اللي مكتوب في شهاده الميلاد هتطلعيني صغيره، إنما لو هتحسبيها من اللي شفته فـ هتديني يجي 50 ولا 60 سنه .
لم يعبأ القاضي بحالتها العصبية ورد عليها قائلاً بهدوء عجيب
= استني انتٍ يا سيادة المحاميه، عايزه تقولي ايه يا مهره اتفضلي.
رفعت وجهها لتنظر إلي القاضي فوجدته يجلس قبالتها محدقًا فيها بنظرات قوية لكنها لم تشعر بالخوف أو القلق نحوه، بل بادلته نظراتها أسف علي حالها وضعف وهي تقول بصوت ضعيف
= انا مش عاوزه حاجه من الدنيا غير حقي، وحق بنتي الغلبانه اللي ملهاش ذنب زيي غير أنها طلعت لقيت نفسها ليها أب مش راضي يعترف بيها ولا يشيل مسؤوليتها معايا، و يا ريت ما حدش يحسبها بالعمر تاني انا في سني ده وشفت حاجات كتير ما يستحملهاش ولا كبير ولا صغير .. يا سياده القاضي انا ما كنتش عاوزه حاجه من الدنيا غير أني اتعلم ويبقيلي مستقبل بس اهلي استخسروا عليا الحلم ده للأسف .
ارتفع حاجبي القاضي للأعلى باهتمام، واتسعت حدقت تسنيم بحزن كبير عليها، وبلا وعي اقتربت مهرة من منصه القاضي لتصيح بشراسة حارقه لروحها
= عينيهم زغلله من الفلوس اول ما شافوها ونسيوا بنتهم ورموا لحمهم ! اخويا ومرات اخويا اتهموني في شرفي عشان ابويا يشك فيا ويرضى يجوزني لاي واحد يخبط على بابه؟ وهو لما صدق وباعني لي وقبض ! و شفت معاه عذاب مش قادره اتخطى ولا انساه حتى في احلامي ولما تعبت وحاولت اشتكي محدش سمعني منهم .. عشان كده انا موجوده هنا يا سياده القاضي .. مش عاوزه بنتي تشوفي اللي انا شفته، لما هي في السن ده بتدخل اماكن زي كده عشان اجيبلها حقها ، امال لما تكبر هيحصل ليها ايه تاني ؟؟.
هزت مهرة رأسها بحسرة، ابتلعت غصة عالقة في حلقها لتضيف بمرارة
= عرفتوا بقى انها ما تتحسبش بالعمر!! المفروض حته العيله دي اللي عندها لسه شهور اللي كل يوم تتحجز في المستشفى بسبب مرضها اللي مش لاقيه لي علاج ولا قادره على مصاريفها لما تكبر.. طب هطبطب عليها واساندها ازاي؟ وانا ما لقيتش اللي يداويني، هم مش بيقولوا برده فاقد الشيء لا يعطي ! اصل مفيش عيان بيداوي عيان ، و احنا كلنا في الدنيا دي شوية مرضى ..
بكت عفوياً حسرة مما اصبحت تراه ومع هذا رفضت الإستسلام وأكلمت صراخها المختنق
= اهلي وصلوني لمرحله انو ميكونش عندي
وجهه نظر اصلا او رأي ليا، انا كنت بتكسف اقول رايي ودلوقتي لو حاجه مضايقاني ببقى نفسي اقول مش عاجبني ده، كان نفسي حد يقف جنبي و ينصحني ويقولي متتكسفيش متخليش حد يشوف نفسه عليكي ولا يقول نص كلمه في حقك تضايقك في يوم .
كانت تلك الكلمات تعبر بها عن معاناتها الفعلية هذه اللحظة، وماذا كان ينتظر أحد منها؟ بعد ما رأته بحياتها، فالجميع كان ينظر لها بقاعه المحكمه وهم لا يستوعبون عمرها الصغير ذلك وهي تتحدث بتلك الطريقه! صمتت للحظة تأخذ نفسها ونظرت بعينيها الحمراوتين له الم يكفي أنها حصلت على لقب مطلقة في عمرها الصغير هذا وتصبح كالعار في نظر الجميع، أضافت قائلة بصوت لاهث
= انا يا سيادة القاضي اتعملت في الدنيا دي أن عشان اعيش مرتاحة؟ اعمل نفسي غني الاقي الدنيا حواليا ولما يعرفوا الحقيقه كله يبعد عالاقل عشت مع ناس فهمتها وعرفوني ان الدنيا قاسيه قد ايه على الضعيف اللي زيي
كان نفسي حد يطلع من وسطهم كويس و مش تفرق معاه الفلوس .. بس ما لقيتش غير الاذيه.. انا اتجوزت واتطلقت وانا في السن ده؟ دخلت محاكم و برفع قواضي وانا في السن ده برده؟ بربي عيله مش عارفه عن مسؤوليتها حاجه وانا في سني ده.. أنا شفت حاجات سني ما يستحملهاش وبرده مكمله عشان ما عنديش اختيار .
تنهد القاضي بضيق وهز رأسه بقله حيلة، فالحكم في تلك الأمور لا يقرر بها ولا ياخذها بعين الاعتبار بسبب الإستماع لمعاناتها .. فالحكم هنا يصدر على اساس اوراق واثباتات وليس بدموع حزن وصرخت ألم .
تشنجت وتعالت شهقاتها الباكية ومسحت بأصابعها المرتجفة تلك العبرات التي أغرقت مقلتيها، و بح صوتها وشعرت بتلك الحشرجة القوية تجتاح أحبالها الصوتية فآلمتها بشدة ، ورغم هذا واصلت الحديث لعلها تجد من يرقْ قلبه لها
= يا حضرة القاضي انت بتقول العدل صحيح.. بس هو فين تنفيذ العدل في مجتمعنا .!! مين الجاني فينا و اللي مفروض يتحاسب انا ولا هم ؟؟.
من الجانى بالفعل؟ مغتصب أنتهك شرف أنثى أم مغتصبة تنازلت عن حقها بسبب نظرات المجتمع لها؟ أم قانون وقف عجزاً عن حمايتها؟ بسبب محامى أستخدم أسلوب ملتوى للتحايل على، أم حبيب تخلى عنها بسبب أعتقاده أن الشرف بضعة دماء وسماعه لحديث المجتمع فتزوجت من شبه رجل أم طفلة أغتصبت من عجوز متصابى تحت مسمى الزواج؟ تم بيعها بالمال من شبه أب فأصبحت أم لطفل مجهول النسب والسؤال الذى ليس له أجابة من الجانى ياسادة؟
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية بدون ضمان, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية