-->

رواية جديدة البريئة والوحش لأميرة عمار - الفصل 22

 

قراءة رواية البريئة والوحش كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية البريئة والوحش 

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أميرة عمار


الفصل الثاني والعشرون

كل من يراني يهابني وذلك ليس لأنني شخصاً 

مُرعب ولكن في هذا المجال لدي هيبة تجعل أكبر الرجال ينحنوا تقديراً لي 

ولكن تلك البريئة التي إقتحمت حياتي جعلتني أنا من أنحني إليها حتى تسمح لي بكلمة من بين شفتيها،من نظرة بعيناها الساحرتين 

أو بلمسة من أناملها الناعمين



❈-❈-❈

خرج فارس من الڤيلا والدم يغلي بعروقه وخلفه وائل يحاول مجاراة خطواته التي تطوى الأرض من تحته وكأن على الأرضية 

جمر نار يحرقه


مسك وائل ذراعه بقوة قائلاً:


-في إيه يا فارس ما تهدى شوية 


نفض ذراعه من بين يديه وقال بغضب كان يكبته بداخله:


-عايز مراتي من بين ايديه بأي تمن يا وائل 


-البنت باين عليها مش عوزاك يا فارس أكيد مش هتاخدها غصب عنها 


رد عليه بصوت عالي نافراً لما يقوله وائل:


-مش عوزاني إزاي نغم بتحبني وعمرها ما هتكرهني ، إنتَ صدقت كلامها ده؟...كل ده كذب هي لسه زعلانه مني عشان الكدبة اللي كدبتها عليها


نظر له وائل بإستنكار وقال:


-وهي دي كدبة برضو يا فارس...يا جبروتك رايح تكدب على واحدة وتتجوزها كده عادي من غير ولا خوف ولا قلق


-أنا حبتها يا وائل،والله العظيم حبتها بجد هي الحاجة الوحيدة اللي عاوزها من الدنيا دي 

عارف إني غلطان وإن اللي حصل مكنش ينفع بس مش ندمان ولو رجع بيا الزمن تاني هعمل كده برضو وهتجوزها...إنتَ مش متخيل يا وائل أنا ببقى مبسوط معاها إزاي بشوف الحياة مختلفة،مببقاش قلقان فارس الهواري اللي بتطمنه واحدة ست يا وائل ومش مكسوف أقولها 


رأى الصدق بعيناه،وإزدهار ملامح وجهه عند الحديث عليها،ما يراه الآن هو حدث فريد من نوعه فتلك اللحظة التي يمر بها فارس الآن لم يراه بها طوال حياته...يعشقها ولم يخجل أن يقول ذلك أمام أعتى الرجال

معترف بغلطته الكبيرة ولكن لم يندم عليها 


ما رآه وائل من نغم يؤكد تخطيها لفارس وكرهها الواضح له...على ما يبدو أن نغم تكيفت على المعيشة مع علي ومازن

وماحته من ذاكرتها تماماً


حمحم بصوت عالي ليجلي ما بحلقه قائلاً:


-لو مش عاوز تخسرها بجد يا فارس يبقى 

تثبتلها حبك ده بالهدوء مش بالصوت العالي ولا البلطجة على أهلها شئت أم أبيت نغم بنت علي المنشاوي وهو أبوها يبقى لازم تهدي نفسك وتريح أعصابك وترجع فارس الهواري العاقل اللي بيعرف يصطاد بذكائه مش بعضلاته 


-مش قادر أسيبها يا وائل هنا،لحد دلوقتي مش مصدق إنها بنته وإن دمه النتن بيجري في عروقها...عاوز أنتشلها من وسطهم بأي طريقة

أنا عارف كويس اوي هراضيها إزاي بس هي تديني الفرصة 


ربط وائل على كتفه قائلاً بحسم:


-زي ما قولتلك يا فارس بلاش همجيتك دي تسيطر عليك لأنك وقتها هتخسرها فكر الأول وبعدين نفذ


أماء له فارس بإقتناع بحديث خاله الصحيح مئة بالمئة ثم قال بإبتسامة بسيطة:


-شكراً يا وائل إنك معايا 


-خالك يا قليل الأدب 


ضحك فارس من قلبه وقال:


-مش عاوز أكبرك يا عم،هو خير تعمل شراً تلقى 


ضحك وائل على ضحكته ومن ثم إتمحت الضحكة من على وجهه بعدما تذكر ذلك الموضوع الذي يعكنن عليه قائلاً لفارس:


-أمك يا فارس هتفضل كده؟..مفيش أمل للصلح بينهم؟ 


اختفت معالم الضحكة من وجه فارس هو الأخر عندما سمع حديث وائل 

ما يراه من أبيه الآن يوحي له أن الموضوع أُغلق لديه بالمفتاح ،لأول مرة يرى أبيه جامد القلب تجاه والدته بتلك الدرجة 

على ما يبدو أنه ينتظر منها هي المبادرة للصلح لأنه يعلم أبيه تمام المعرفة ويبصم على أنه لن يحاول أن يعيد المياه لمجاريها أبداً إن لم تخطي أمه تلك الخطوة وتعبر له على أسفها وندمها عما فعلته 


-الاتنين معاندين مع بعض وكل واحد فيهم مستني التاني هو اللي يروحلوا


❈-❈-❈


في الأعلى بغرفة نغم 


مستلقية على الفراش وبجوارها علي يمسد على شعرها بهدوء وهو يهمس بإسمها حتى تستيقظ من غيبوبتها 


دخل مازن الغرفة نظر لنغم وجدها مازالت في حالة الإغماء التي داهمتها منذ دقائق


جلب زجاجة العطر الموضوعة على التسريحة واتجه ناحيتهم ورش القليل على يده ووضعها تحت أنف نغم حتى تتغلغل الرائحة بأنفها 


ثواني وكانت نغم تطبق عيناها على بعضهما بشدة وهي تدور برأسها يميناً مبتعدة عن الرائحة 


وما هي إلا ثواني معدودة وكانت تفتح عيناها على وسعيهما وجدت أبيها جوارها على اليمين ومازن على اليسار


نظرت لمازن بهدوء وقالت له متسائلة:


-فارس مشي 


أماء لها برأسه مخبراً إياها بذهابه 


-وغلاوتك عندي يا نغم لأخدلك حقك منه وأدمرهولك، هدفعه التمن غالي أوي


استقامت جالسه على الفراش ومسكت يد أبيها قائلة برجاء:


-لو سمحت يا بابا متعملش أي حاجة تأذيه

أنا مش عاوزه منه أي حاجة غير إنه يبعد عني ويسبني في حالي 


قام علي من على الفراش بغضب قائلاً:


-معملوش حاجة إزاي بعد اللي عمله فيكي أنا 

مش هسمي عليه


نزلت دموع نغم وهي تقول بجدية:


-والله لو أذيته بأي حاجة مهما كانت صغيرة 

همشي من البيت ده ومش هتعرفلي طريق 

أنا مش عاوزة أي حاجة غير إني أعيش في سلام وأعرف أصلح اللي إتكسر مني 


نظر مازن لأبيه وهو يقول بجدية مؤيداً نغم في حديثها :


-نغم معاها حق يا بابا...تأديب فارس هو طلاق نغم منه ودي كفاية عليه أوي 


خرج علي من الغرفة بعصبية شديدة بعدما قال:


-أنا خارج لحسن انتوا الاتنين هتجننوني قال إيه خايفين عليه بعد كل اللي عمله 


نظرت نغم لمازن قائلة له بحزن:


-بالله عليك يا مازن متخلهوش يعملوا حاجة 

أنا مش هتحمل إنه يتأذي بسببي


جلس مازن جوارها على الفراش وقال بتساؤل:


-لسه بتحبيه؟


هزت رأسها لليسار واليمين كعلامة لنفي كلامه قبل أن تقول بصدق مصاحب لدموع:


-والله العظيم بطلت أحبه يا مازن صدقني 

إنتَ عارف لما تحب شخص وفي الأخر تكتشف إن الشخص اللي إنتَ حبيته ده كان وهم ومش موجود أصلاً أهو أنا كده حبيت شخص فارس كان مزيفه عليا 


مد مازن كف يده ماسحاً دموعها مردفاً بهدوء:


-ميستهلش دموعك دي يا نغم صدقيني 

وأوعدك إن بابا مش هيجي جمبه 


إرتمت نغم بأحضانه متشبثة بقميصه قائلة:


-شكراً إنك جمبي يا مازن ومعايا...تعرف إن طول عمري كان نفسي يبقى ليا أخ أفضفض ليه وأحكيله مشاكلي وأهو الحمدلله ربنا عوضني بيك


شدد مازن من إحتضانها وقبل جبهتها بحب قائلاً بمزاح:


-إنتِ هتقلبيها دراما ولا إيه ده إحنا أخوات من شهرين 


ضحكت نغم على مزحته وقالت:


-ده إنتَ فصيل والله


-أيوة كده شوفي ضحكتك قمر إزاي،طب والله فارس ليه حق يتجنن إن القمر ده يسيبه


إختفت البسمةمن على وجه نغم ووجهت سؤال لمازن قائلة:


-إيه سبب العداوة اللي بينكم يا مازن


صمت فارس قليلاً قبل أن يقول بدون تزيين للحقيقة:


-إتجوزت سارة بنت عمه عرفي 


فتحت نغم عيناها على وسعيها مصدومة من فعلة أخيها التي لا تمت للأخلاق بصلة 


تدارك مازن صدمتها فقال مكملاً حديثه:


-عارف إني غلطان بس صدقيني كنت بحبها وإتقدمت كذا مرة وكان كل مرة مبلاقيش غير الرفض فملقتش قدامي وقتها غير السكة دي 


وسرد عليها كل القصة منذ البداية وكيف كانت علاقته بفارس قبل تلك الواقعة... أخرج كل ما بجبعته إليها 


صمتت نغم وهي تفكر في حديث مازن الذي وللحق أدخل السعادة وبنسبة بسيطة لقلبها 

لمعرفتها بأن فارس كان مجبر على الزواج من سارة كما أخبرها ولكنها أمحت تلك السعادة

مذكرة نفسها بأن موضوعها الأساسي لا يخص زواجه بسارة بل كذبه عليها وخداعه لها  

واستغلاله لطيبة قلبها وبرائتها التي جعلوها تقع فريسة سهلة له


❈-❈-❈


دخل زين الغرفة وجده يجلس على الفراش عاري الصدر وبيده سيجار وعلى ما يبدو أن حالته النفسية لا توحي بالخير 


أغلق الباب خلفه وإتجه إليه جالساً على الفراش جواره قائلاً بتساؤل:


-روحت عند علي المنشاوي النهاردة ؟


نظر له فارس بقوة قائلاً بسخرية:


-صديقك الوفي هو اللي قالك؟


لوى زين فمه من كلام صديقه المبطن

وصمت حتى لا يغضبه أكثر 


ولكن كيف سيصمت فارس؟!!


-بقى تستغفلني يا زين وتعرف إنه في مصر وتخبي عليا؟...لاء والكبيرة إنك صاحبته ورجعته تاني تحت جناحك بعد اللي عمله فيا 


قال فارس حديثه بصوت عالي غاضب 

لا يصدق أن مازن كان موجود بمصر مثل تلك المدة وهو لا يدري....حديث أمه مازال يدوي برأسه والشك يملؤها فهل بالفعل قابل سارة وهي على ذمته؟


رد زين بهدوء وجدية:


-مازن كان أخونا يا فارس وإنتَ عارف كده كويس...أول ما قبلته مدتلوش وش مرعاة ليك بس بعد كده حسيت إنه محتاجني معاه 

وبعد تفكير كبير قررت أني أرجع علاقتي بيه تاني لأني حسيت إني ظلمته ببعدي عنه 

خدت صفك من غير ما أفكر إن مازن هو كمان ممكن يبقى مظلوم وأكتر منك 


ضحك فارس بقوة قائلاً:


-مظلوم وأكتر مني كمان...والله يا صاحبي كتر خيرك 


أغمض زين عيناه من سخرية صديقة وفهمه الخاطئ له... لا يعلم بما يبرر موقفه الآن أمامه وعلى ما يبدو أنه خربها أكثر مما كانت عليه 


-مش قصدي يا فارس اللي إنتَ فهمته...أنا أقصد إن كل واحد فيكوا إتظلم بطريقة مختلفة 


-لاء يا زين هو عك العكة وأنا شربتها....فين الظلم ليه في كده؟


صمت زين وخفض رأسه للأرضية منسحباً من إجابة السؤال الذي طرحه فارس الآن 


-رد عليا وقولي فين الظلم اللي إتظلمه

أنا حياتي باظت يا زين،نغم خلاص كرهتني 

واللي زاد وغطا أنها طلعت بنت علي 

بعد ما قولت خلاص الحياة ضحكتلي وعوضتني بنغم وكنت راضي والله العظيم

كنت راضي بعوض ربنا ده وفرحان بيه 

بس تقريباً كده أنا جاي الدنيا دي عشان أتظلم وبس 


يعلم بعمق جرح صديقه يرى بعيناه حزنه الطاغي فهو خير من يعلم كيف أحب فارس نغم 

ولكن ما لم تصدقه عيناه بكائه عليها فلثاني مرة يرى دموعه تهبط بكبرياء على خديه 

ألهذه الدرجة!!؟


-فارس إنتَ بتعيط؟


قالها زين بسؤال مستنكر لدموعه الهابطة


-تستاهل يتبكي عليها عمر كامل يا زين 


إسترسل حديثه قائلاً بحزن واضح بنبرة صوته:


-أنا عارف إني خدعتها وكذبت عليها بس والله العظيم بحبها ومش عاوز حاجة غيرها 

مكنتش أتوقع في يوم إن الأمور توصل لهنا 


ربط زين على كتفه وقال:


-اهدى يا فارس واجمد زعلك ده مش هيرجعهالك 

رد فعل نغم طبيعي جداً والمطلوب منك إنك تثبتلها حبك من أول وجديد 


-نغم كرهتني يا زين شوفت في عنيها قسوة عمري ما كنت أتخيل إنها تكون فيها


-اللي بيحب مش بيعرف يكره صدقني، سيبها بس فترة تهدى وبعدها كلمها 


تنهد فارس بقوة يشعر وكأن جبلاً ثقيلاً مطبقاً على صدره،حبل غليظ يلتف حول رقبته يخنقه بقوة...لا يقدر على فقدها بعد أن أصبحت زوجته وملك يمينه 

الحياة دونها أصبحت عتمة


يريدها داخل أحضانه مرة أخرى لكي تخبره أنها معه ولن تتركه أبداً...ما رأه منها اليوم غريب 

لدرجة أنه لم يصدق أن هذه هي نغم التي تزوجها وأحبها...قالتها صريحة دون زيف أنها أصبحت تكرهه وطلبت من الطلاق


-لو علاقتك بقت حلوة بمازن فعلاً يا زين اقنعه يرجعهالي أنا حاسس إنه هو وأبوه اللي لاعبين دماغها


-صدقني يا فارس من غير ما تقولي حاولت ومش من يوم ولا اتنين ده قبل حتى ما تخرج من المستشفى بس اللي أنا عرفته إن الرفض ده قرار نغم من غير أي ضغوطات منهم 

نغم لحد دلوقتي بتتعالج عند دكتورة نفسية يا فارس البنت طلعت فعلاً متستحملش اللي حصل 


أغمض فارس عيناه وهو يشدد على قبضة يده 

لا يتقبل فكرة الرفض منها، مازال يقنع نفسه أن ما رأه اليوم منها ما هو إلا قناع أجادته نغم 

حتى تعاقبه على فعلته 


❈-❈-❈

دخل وائل المنزل وجد أخته تنتظره بالبهو وأول ما رأته ركضت إليه وهي تقول بقلق:


-إيه اللي حصل يا وائل فارس كويس


-فارس كويس يا سارة هو مش عيل صغير عشان تقلقي عليه كده 


نظرت سارة له بحزن قائلة:


-مقلقش عليه إزاي بس يا وائل إنتَ مش شايف حالته عاملة إزاي 


ربط على كتفها قائلاً بحب أخوي:


-خلاص يا حبيبتي اطمني أنا عقلته وهو الحمدلله بقى اهدى دلوقتي 


-طب عرف يكلم نغم ولا لاء


-للأسف لاء البنت شكلها صرفت نظر عن موضوع الرجوع ليه خالص 


-فارس بيحبها يا وائل 


قالتها سارة بوجع على إبنها البكري الذي لم يرتاح بهذه الدنيا أبداً وكأن كُتب عليه الشقاء


-اللي عمله غلط يا سارة وملوش مبرر هو ضحك على البنت واستغلها أسوأ استغلال 

واللي بيحصل ده قمة العدل 


هزت رأسها بنفي ودموعها تهبط على وجهها قائلة:


-مش عدل والله العظيم مش عدل يا وائل فارس طول عمره بيتظلم في الدنيا دي عمره ما اتمنى حاجه وجتله دايما الدنيا مضلمة في وشه 

من صغره بيشتغل عشان يكبر إسم الهواري 

وبعد ما كبر إسم الهواري اتجوز سارة وشال شيلة غيره عشان اسم الهواري برضو 

ويوم ما قلبه دق أخيراً وحس إنه حب نغم 

راح واتجوزها وخدها غصب من الدنيا

وبرضو الدنيا مسبتوش في حاله وحرمته منها 

حرام والله العظيم حرام


أنهت سارة حديثها بصوت عالٍ حزين على حد ابنها العسير بهذه الحياة 


-سارة متقنعيش نفسك بكلام أهبل زي ده...هو قولاً واحد اللي فارس عمله في نغم ده محدش يرضاه على نفسه،ضحك عليها وبين ليها صورة مش صورته واستغلها 


رفضت سارة حديثه وهي تقول بعناد:


-فارس حبها يا وائل وعشان كده اتجوزها هو لو كان عاوز يضحك عليها مكنش اتجوزها ولا شيلها اسمه 


زفر وائل بضيق من دفاع أخته المستمر على ولدها البكري قائلاً بنزق:


-طول عمرك شايفة فارس صح فالكلام معاكي ممنوش فايدة يا سارة 


ثم إسترسل حديثه قائلاً بتساؤل:


-مش ناوية تحلي اللي بينك وبين إبراهيم؟


-أنا اللي هحله يا وائل؟...ده مهنش عليه حتى يراضيني 


قالتها سارة بحزن داخلي لم تتوقع منه تلك القسوة والجحود الذي عاملها بهم بعد الطلاق 

لم تتخيل أنه يقدر على البعاد عنها كل تلك المدة 


-إبراهيم عاوزك إنتِ اللي تروحيله يا سارة


رددت سارة خلفه الكلمة بإستنكار قائلة:


-أنا اللي أروحله؟...ده ليه إن شاء الله


-عشان إنتِ اللي غلطانة والموضوع لما يتعلق بفارس إبنك بتنسي عقلك ومبتعرفيش إنتِ بتقولي إيه....صلحي علاقتك بإبراهيم يا سارة لأنه هو اللي بقيلك متخليش البعد يأخد أكتر من كده بينكم


أنهى وائل حديثه وصعد إلى الأعلى حتى يغفو بغرفته فقد تأخر الوقت كثيراً ولا يبقى سوى أن يطلع النهار


أما سارة فبقيت محلها تفكر في حديث أخيها

فهي تريد العودة لبيتها وتبقى بأحضان زوجها وجوار أولادها ولكن كرامتها تأبى عليها 

فهي تعرف إبراهيم جيداً عندما يعند بشئ فمن الصعب أن يخضع بعدها وهي من سابع المستحيلات أن تذهب إليه وتخبره برغبتها في العودة إليه 


❈-❈-❈


-انا حاسة بتأنيب الضمير أوي يا زين لدرجة إني مبعرفش أنام 


زفر زين بضيق وهو ينقل الهاتف من أذنه اليسار إلى اليمين قائلاً :


-اللي حصل حصل يا رانيا انسي الموضوع خالص


-أنساه ازاي بس أنا حبيت نغم أوي يا زين ومفتقداها في حياتي 


-وإنتِ في إيدك إيه تعمليه يا حبيبتي ما إنتِ روحتيلها ورفضت إنها تشوفك 


ردت عليه رانيا بنبرة مليئة بالحزن قائلة:


-عاوزة أروحلها تاني يا زين يمكن قلبها يحن شوية...عدى شهر على أخر مرة روحتلها فيها أهو


-اذا كان قلبها محنش على جوزها اللي كانت بتعشقه هيحن عليكي إنتِ يا حبيبتي


نزلت دموع رانيا وهي تقول:


-كفاية إنها شيفاني إنسانة وحشة بسببك إنتَ وصحبك يا زين...إنتَ اللي أقنعتني وخلتني أشترك معاكوا في اللعبة دي 


أردف زين قائلاً بنفاذ صبر:


-لعبة إيه يا رانيا اللي أنا دخلتك فيها؟..فارس اتجوز نغم على سنة الله ورسوله وكل الحكاية إني طلبت منك تكوني معاها وهي بتجيب هدومها وتفهميها الدنيا ماشية إزاي لأنها لا ليها أخت ولا أم 


أكمل حديثه متسائلاً بعصبية:


-لعبة إيه بقى اللي أنا دخلتك فيها يا رانيا قوليلي


صمتت رانيا قليلاً قبل أن تقول:


-مكنش قصدي يا زين اللي فهمته...أنا أعصابي تعبانة بسبب الموضوع ده وإني إشتركت في الكذبة دي عليها 


-الموضوع برة عنك يا رانيا وإنتِ مشتركتيش في حاجة فبلاش كلام كتير ملوش لازمة...سلام 


لم ينتظر ردها بل أغلق الهاتف بوجهها بغضب شديد من نفسه قبل أن يكون منها ورمى الهاتف بعيداً


نظر خلفه عندما شعر بوجود أحد وجد والدته تقف خلفه عاقدة يديها على صدرها وهي تنظر إليه بهدوء


-إنتِ هنا من إمتى يا ماما


-من أول كلامك مع رانيا يا زين 


دار وجهه للأمام مرة أخرى دون أن يرد عليها 

ووضع يده على رأسه من الأعلى عله يخفف من ذلك الصداع الذي يداهمه


جلست سمر جواره وهي تضع يدها على ذراعه 

قائلة بلين:


-مالك يا حبيبي إحكيلي يمكن ترتاح 


-تعبان أوي يا ماما...شايف نفسي وحش أوي


نظرت له سمر بإستغراب وهي وتقول:


-ليه بتقول كده يا زين 


-مكنش ينفع أبداً اجاري فارس وأشجعه 

كان المفروض إني أنا اللي أوعيه وأقوله إن ده غلط...فارس كان حبه لنغم عاميه بس أنا مليش أي مبرر في اللي عملته،لاء وكمان جريت رانيا معانا في الموضوع وخليتها تبان في صورة وحشة عند نغم دلوقتي


جذبت سمر رأس زين ووضعتها على صدرها بحنان وقالت وهي تمرر أناملها بخصلات شعره:


-متحملش نفسك فوق طاقتك يا حبيبي إنتَ معملتش حاجة غير إنك كنت عاوز تساعد صاحبك يمكن الطريقة كانت غلط بس في الأساس نيتك كانت سليمة


-مش قادر أشوف فارس في الحالة دي يا أمي حاسس إنه هيجراله حاجة...بلوم نفسي أني وقفت معاه لحد ما اتجوزها ودلوقتي بلوم نفسي إني سبب في الوجع اللي حاسس بيه دلوقتي 


-بعد الشر عليه يا زين فارس قوي وأكيد مش حاجة زي دي اللي هتأثر عليه ولو نغم بتحبه بجد زعلها هياخد شهر شهرين ويختفي خالص 

اللي بيحب مبيقدرش يبعد عن حبيبه يا زين مهما حبيبه عمل فيه 


هز زين رأسه بالنفي وهو يقول:


-لاء يا ماما نغم مش هترجع لفارس تاني...شخصية نغم اتحولت تماماً واستقوت بعلي ومازن،ولو حنت لفارس في يوم علي عمره ما هيسمحلها بده أبداً


-لو حابب أروح أقعد معاها واكلمها شوية أنا معنديش مانع يا زين...لأن ميفهمش الست غير واحدة ست زيها 


قبل زين يدها قبلة مطولة قائلاً بحب:


-ربنا يخليكي ليا يا أمي وميحرمنيش منك أبداً

هقول لفارس ولو وافق هوديكي ليها بنفسي 


إبتسمت سمر بحب لإبنها وقبلته هي الأخرى على جبينه قائلة:


-قوم يلا صالح رانيا وخفف عليها أي واحدة مكانها هتزعل يا زين من اللي حصل وهتحس بالذنب كمان فأنت حاول تخفف عليها


-حاضر يا حبيبتي


❈-❈-❈

في صباح يوم جديد بغرفة أحمد 


يستيقظ على رنين هاتفه مد يده بكسل شديد ليجلب الهاتف من على الكوميدينو ونظر إلى شاشته بنصف عين ليرى من المتصل ومن غيرها 

رقية...


وضع الهاتف على أذنه وقال بصوت مبحوح من أثر النوم:


-أخر حاجة فاكرها إننا متخانقين...يا ترى إيه الحاجة الكبيرة اللي خلتك تتنازلي وتكلميني إنتِ


-صباح الخير يا حبيبي


قالتها رقية بصوت هادئ متجاهلة المقدمة الطويلة التى ألقاها على سمعها منذ قليل


أخفض الهاتف عن أذنه ونظر إلى شاشة الهاتف مرة أخرى حتى يتأكد إذا كانت رقية المتصلة أم أحد آخر


-إنتِ كويسة يا رقية!!


قالها أحمد بتساؤل وهو يجعد حاجبيه بإستغراب 


-أنا كويسة وزي الفل صحصح كده عشان عاوزاك في موضوع محدش هيخلصه غيرك 


-خير يا رب...في إيه 


نظرت رقية ليونس الواقف جوارها وقالت بتمهيد:


-يونس أخويا 


-ماله 


-الصراحة كده عاوز يخطب لين أختك وهو اللي أجبرني إني أكلمك عشان تشكر فيه قدام أبوك وتخليه يوافق عليه 


فرك احمد عيناه حتى يذهب النوم عن جفونه وقال متسائلاً:


-مين اللي عاوز يخطب أختي؟


-يونس أخويا يا أحمد إنتَ فقدت الذاكرة ولا إيه 


رد عليها احمد وهو يقول بغيرة على أخته:


-بقى الصايع الضايع ده عاوز يخطب اختي


جارته رقية في الحديث وهي تقول بمزاح:


-الصراحة كده يا أحمد إنتَ معاك حق وده الكلام اللي أنا قولتهوله أول ما قالي 

بس هو قعد يبتذني عاطفياً لحد ما خلاني أوافق 


-إنتِ بتهزري على الصبح يا رقية؟


-والله أبداً هو واقف جمبي أهو وهيكلم فارس النهاردة بس قالي أقولك عشان تطبله 


-قوليلوا ده لما تشوف حلمة ودنك إن شاء الله

لين مين دي اللي عاوز يتجوزها ومين قال إن إحنا هنجوزها أصلا 


سحب يونس منها الهاتف وقال بتساؤل:


-مش هتجوزوها إزاي يعني..هتسبوها تخلل جمبكوا


-اه يا أخويا هنسبها كده ميخصكش في حاجة


رد عليه يونس برجاء قائلاً:


- بالله عليك يا أبو نسب وجب معايا والجميل ده مش هنسهولك في حياتي


رد عليه احمد بغضب وهو يقول:


-أوجب إيه يا بني أدم دي أختي إنتَ مجنون


-هشيلها في عيوني والله إنتَ بس أشكر فيا 

وزق الجوازة 


-يخربيت ألفاظك اللي زي الزفت على دماغك أقفل يلا عشان مش طايقك لا إنتَ ولا أختك 


قال يونس بجدية مصطنعة:


-طب أعمل حسابك يا أحمد يا هواري إن رفضتوني دهبك هيرجعلك ومنتش طايل أختي


رد أحمد بثبات إنفعالي وهدوء:


-والله أحسن ده حتى الدهب غلي


❈-❈-❈


هبط فارس درجات السلم بخيلاء وهو ينظر بساعة يده وجد نفسه متأخر عن ميعاد الشركة 

نصف ساعة 


وجد الجميع يجلسون في البهو كعادة إكتسبوها بعد تناولهم الفطار


أردفت لين مخبرة فارس:


-طلعت اصحيك عشان تفطر بس إنتَ كنت في سابع نومة


إبتسم لها ابتسامة بسيطة وهو يقول:


-كنت هلكان نوم 


قامت لين من مكانها قائلة:


-طب ثواني هخلي حد من المساعدين يعملك الفطار


أشار لها بيده حتى تجلس مكانها مرة أخرى وهو يقول:


-هفطر في الشركة عشان مش هلحق هنا 


ثم نظر حوله وهو يقول بتساؤل:


-أمال فين مالك مش شايفه 


رد عليه أحمد قائلاً:


-مالك في أوضته بيكتب واجبه 


أماء له برأسه ومن ثم إستدار خارجاً من الباب الداخلي للقصر


أما إبراهيم فبعد تناوله كوب الشاي الخاص به صعد لغرفته التي أصبحت ملجأه بعد طلاقه من سارة 


نظرت لين بشفقة على حال أبيها وقالت لأحمد:


-بابا مش عاجبني خالص يا أحمد....هيفضل مكابر لحد إمتى في إنه يرد ماما 


-لحد ما ماما هي اللي تيجي وتطلب منه ده 


قالها أحمد ببساطة وهو يحتسى كوب القهوة الموجود بين يديه 


لوت لين شفتيها بإستنكار قائلة:


-وده طبعاً مش هيحصل غير في الاحلام


-يونس بيكلمك؟


سؤال ألقاه أحمد على مسامعها جعل كل خلية منها تهتز زاغت بعيناها بأنحاء الغرفة قائلة بتساؤل يملؤه الإستنكار الكاذب:


-يونس مين 


-أخو رقية 


هزت رأسها بنفي وهي تقول بإرتباك:


-لاء هيكلمني ليه 


زاح أحمد بصره من عليها مثبتاً إياه على كوب القهوة الموجود بيده وقال:


-طالب إيدك 


ردت عليه ببلاها مصطنعة قائلة:


-هو مين ده 


-يونس أخو رقية...ما تصحصحي معايا كده يا لين


-معلش يا أحمد أصلي منمتش كويس عشان كده دماغي تقيلة...هطلع أنام 


قامت لين من مكانها سريعاً صاعدة على درجات السلم ومنها إلى غرفتها مباشرةً


أما أحمد فظلت نظراته معلقة عليها حتى إختفت عن محل رؤيته وبداخله شعور طاغي بأن يوجد شئ مخفي بذلك الموضوع 


فلين من ربكتها وتوترها نست أن تعلق على الموضوع وصعدت ركضاً إلى غرفتها


❈-❈-❈

يجلس على كرسي مكتبه يلعب بالقلم الذي بين أنامله على سطح المكتب بشرود 


قفلت كل الأبواب بوجهه،لأول مرة يجلس مكتف الأيدي مثل الآن...كان كل شيء عنده له خطة بديلة ولكن الآن تعطل ذهنه عن العمل 


يجلس منتظراً أن ينزل الوحي عليه بأول حدث يجب أن يفعله حتى تعود نغم تحت كنفه مرة أخرى 


مد يده يلتقط هاتفه من على سطح المكتب الذي دوى صوت رنينه 


أردف فارس بصوت جادي بعدما وضع الهاتف على أذنه:


-مين؟


أتاه الرد من يونس قائلاً بهدوء:


-أنا يونس الشاذلي 


جعد فارس حاجبيه بإستغراب لسبب إتصال يونس به ولكن تدارك الامر سريعاً وهو يقول:


-أهلاً يا يونس...خير في حاجة


حمحم يونس قبل أن يقول بتوتر:


-خير إن شاء الله...كنت عاوز حضرتك في موضوع شخصي 


-إيه هو الموضوع الشخصي ده 


قالها فارس بإستنكار وهو يرفع حاجبه الأيسر 


-كنت عاوز أطلب إيد الآنسة لين منك 


رد عليه فارس ببلاهة قائلاً:


-عاوز إيه من إيديها


صمت يونس قليلاً ليعي ما قاله فارس ومن ثم كرر الحديث مرة أخرى:


-بقول لحضرتك أنا عاوز أتقدم للأنسة لين أخت حضرتك


لفظ كلمة بذيئة من فمه جعلت يونس ينصعق في مكانه لثواني يستوعبها 


أما فارس تدارك أمره سريعاً قائلاً بكذب:


-معلش دي كانت دبانة رخمة مش سيباني في حالي 


-لاء عادي ولا يهمك...أنا متصل بحضرتك عشان أخد معاد وأتقدم رسمي فيه 


-تمام يا يونس هتواصل معاك قريب إن شاء الله أما أشوف معاد مناسب


❈-❈-❈


إرتمت على الأرضية المسلحة من أسفلها فاقدة للوعي من أثر إصطدام إحدى السيارات بها 


فتح باب سيارته سريعاً وعلى وجهه علامات الزعر متجهاً نحو تلك التي لا حول لها ولا قوة 

جلس القرفساء حتى يرى وجهها وهنا كانت الصدمة 


سارة!!


زادت وتيرة أنفاسه وبدأ قلبه يخفق بشدة 

مغلقة العينين شاحبة الوجه جبهتها ملوثة ببعض الدماء

لم يفق من صدمته إلا على أصوات الناس المرتفعة من حوله 

نظر خلفه وقال بصوت متقطع :


-هوديها المستشفى متقلقوش


رد عليهم أحدهم قائلاً بجدية:


-بسرعة يا بني البت شكل حالتها حالها


أماء له برأسه وحمل سارة برفق شديد ووضعها على الكرسي الخلفي بسيارته وصعد هو على كرسي القيادة وسار إلى أقرب مستشفى بسرعة كبيرة 


عقله شل عن العمل يشعر بذبذبات تخرج من جسده...هذا الموقف بتفاصيله عاشه معها من قبل، ولكن تلك المرة يشعر بالخلو

جسده متشنج من أثر حمله لها 

كانت بين يديه مرة أخرى بعد سنوات عدة 


نظر إلى الخلف ألقى عليها نظرة سريعة وجدها كما وضعها...رأها منذ نزوله لمصر مرتين تقريباً

ولكن تلك المرة تأثيرها مختلف تماماً عن كل المرات السابقة


يكفى أن لقائهم هذا ذكره بأول لقاء بينهم 

بهذه اللحظة تحديداً لم يتذكر أي شئ بخصوص ما فعلته به أو ظنونه التي كانت تداهمه...كل ما يتذكره أن تلك التي تستلقي معه السيارة الآن حبيبته وزوجته السابقة 


رغبة عارمة بداخله أن يتوقف الزمن عند تلك اللحظة


أخذ نفساً عميقاً يحاول فيه إستجماع شتات نفسه وركن سيارته أمام المستشفى 


فتح باب السيارة ونزل منها على عجلة ومن ثم فتح الباب الخلفي وحمل سارة بهدوء 

وأغلق الباب بكتفه 


سار بها وهو يحملها بين يديه داخلاً بها إلى المستشفى ينظر إلى ملامحها التى كانت بالنسبة له شئ مقدس،كل شئ بها يثير مشاعره نحوها وبشدة...كان يكرهها هو متأكد من ذلك ولكن عندما حملها بين يديه لأول مرة 

شعر بأحاسيس كثيرة تغزوه 


❈-❈-❈

مسك هاتفه المحمول وزاح من عليه غطاء الظهر 

وأخرج منه كارت الإتصال الخاص به راكنناً إياه على الكوميدينو

ووضع الكارت الجديد الموجود بيده مكانه 


ومن ثم وضع الغطاء مرة أخرى وعاد تشغيل الهاتف


كتب رقمها الذي يحفظه عن ظهر قلب و قف قليلاً حتى يلتقط أنفاسه ومن ثم ضغط على زر الإتصال قبل أن يضع الهاتف على أذنه منتظراً ردها 


وثواني معدودة وكان صوتها العذب الذي إشتاقه بشدة يصل لأذنه 


أغمض عيناه وهو يأخذ زفير وعلى وجهه إبتسامة بسيطة من أثر عذوبة صوتها 


جعدت حاجبيها بأستغراب وقالت بتساؤل:


-مين معايا 


رد عليها بصوته الرجولي ذو البحة المميزة قائلاً:


-أنا يا نغم


-فارس


لفظتها نغم بصدمة فهي لم تنسى صوته أبداً مهما مرت الأيام والساعات 

يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أميرة عمار من رواية البريئة والوحش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة