رواية جديدة نزيلة المصحة لريناد يوسف - الفصل 25
قراءة رواية نزيلة المصحة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية نزيلة المصحة
من روايات وقصص
الكاتبة ريناد يوسف
الفصل الخامس والعشرون
اكمل حسام جملته، وما إن فعل حتي جحظت عينا عبدالله من الصدمة!
ورفع فنجان القهوة الذي كان لايزال في يده، فشرب مافيه، دفعة واحدة، ولم ينتبه أن الفنجان لم يكن يتبقي به سوى التفل."ولكنه بلعه على ايةحال."
وترك الفنجان من يده وهو ينظر لحسام، وكل حواسه متحفزة، وينتظر أن يكمل بفارغ الصبر.
فأردف حسام:
-رحتلها عند المدرسه، وشفتها من بعيد وهي واقفه وسط زميلاتها، ومندمجه معاهم في الكلام،
قربت أكتر وانا قلبي بيتنطط بين ضلوعي من الفرحة، وبمجرد مابقيت قصادها، ومفيش غير مترين تلاته هما اللي بيفصلونا عن بعض، لقيت عربيه سوده بتقف بيني وبينها!
قولت اكيد دا ولي أمر وحده من البنات الليواقفين معاها، وجاى ياخد بنته، أو قريبته.
لكن اللي حصل؛ أن العربيه اتحركت بعد دقيقتين من وقوفها، ولما بصيت علي ود؛ ملقيتش غيرها هي بس تقريباً اللي أختفت من وسط البنات!
اتلفتت حواليا زي المجنون؛ عشان الاقي عربيه ولا تاكسي، اركب فيه واروح وراها؛ وخصوصاً وانا شايف العربيه بتبعد، وانا معرفش مين اللي جواها؟ ولا مين اللى أخد ود دا، وواخدها على فين!؟
ملقتش أي عربيات فى محيطي، ملقتش قدامي غير واحد بتاع دليفرى جاي من بعيد بموتوسيكل...
وقفت قدامه وهو حاول يتفاداني، لكن كل ماكان يروح لجهه...كنت اقف قدامه،
لغاية ماأستسلم ووقف.
وأنا بمجرد ماعمل كده؛ جريت عليه ورميته من فوق الموتوسيكل، وركبت مكانه، وطلعت ورا العربية على السرعة القصوي.
وقلبي وقع فرجليا وانا مش شايفها؛ والشوارع كتيره ومتفرقه، وسألت نفسي ياترى أخدوا انهي طريق من دول؟ ووصلوا لفين؟ وهلاقيهم تاني ازاي؟
❈-❈-❈
كل دى اسئلة كنت بسألها لنفسي وانا ماشي وبتلفت حواليا زي المجذوب.
لكن من كرم ربنا عليا؛ أني شفت العربيه فآخر شارع فرعى، ولسه هتنحرف عشان تطلع لشارع تاني.
فرملت وغيرت اتجاهي ورحت وراهم.
ولما وصلتلهم مرضتش ابين لود اني شفتها، وقولت استني اشوفها رايحه فين؛ بدال ماتنزل من العربيه، ومعرفش كانت رايحه تهبب ايه.
وبعد مسافة طويله من تتبع العربيه، لقيتها دخلت فشارع، ووقفت قدام عماره!
وقفت من بعيد وانا مستني أشوف اللي هيحصل للنهاية.
دقيقة بالظبط؛ ولقيت باب السواق بيتفتح، وطلع منه شاب تقريباً من سني؛ أو أكبر مني بشوية.
ومن الناحية التانيه خرج شاب تاني، والباب الوراني اتفتح، ونزلت منه ود وبنت تانيه...
والصاعقه انها كانت بنت من البنتين اللي سبق قبل كده وحذرتها منهم؛
واللي حافظ شكلهم كويس.
فضلت برضوا مستنى لغاية ماألاربعه طلعوا العماره، وطلعت وراهم.
ولقيتهم بيدخلوا شقه في الدور التالت.
فوراً طلعت تليفوني، واتصلت بعمي، واديته العنوان، وقولتله اني بتخانق مع ناس في العنوان ده.
مرضتش ادخل عليهم دلوقتي، وقولت اديهم الوقت المطلوب، عشان لما ادخل أشوف الحقيقه كامله.
وفضلت مستني عمي، اللي هما يدوب ١٧ دقيقه اخدهم في الطريق وكان واصل الشارع وبيرن عليا وأول مافتحت عليه قالي بخوف:
-حسام أنت فين؟ انا مش شايفك فأي حته في الشارع اللي وصفتهولي!
رديت عليه بصوت كله قهر:
اطلع العماره الصفرا ياعمي لو شايفها..انا في الدور التالت.
رد عليا بإستغراب: طلعت عندك ليه ياحسام! وعمارة مين دي؟
رديت عليه:
مش وقت أسئله ياعمي؛ اطلع بس أنت، وانا هفهمك كل حاجه لما توصل.
ومفيش دقيقتين وسمعت صوت خطوات رجليه طالع.
وأول ماوصل، لقاني قاعد علي السلم والنار شابه بين ضلوعي،واللي يبص فوشي متخفاش عليه حالتي.
وقف قصادي، وبرعب من منظري سألني:
-حسام ايه اللي حصل اتكلم؟
رفعت وشي عليه وبصوت مخنوق قولتله:
-ود جوا الشقه دي هي وبنت تانيه؛ واتنين شباب.
=ود مين! ود بنتي؟
بصيت عليه ومردتش، وهو فهم أن سكوتي تأكيد لكلامي.
ولقيته مره وحده رايح علي باب الشقه، ورفع ايده عشان يخبط..
لكني لحقته ومسكت ايده قبل مايعملها:
-بالراحه ياعمي عشان يفضلوا علي وضعهم... واللي عايزين نكتشفه بالمظبوط...ورفعت ايدي رنيت الجرس بهدوء مرتين، وحطيت كفة ايدي علي العين السحريه بتاعة الباب عشان اللي يبص منها ميشوفش حاجه.
دقيقتين ورنيت الجرس تاني لما ملقتش جواب؛ والمرادي سمعنا صوت بيرد علينا بنرفزه:
-أيوه مين؟
وخطوات وصلت للباب ووقفت؛ واستنتجت أنه حاول يشوف الأول مين اللي علي الباب،
ولما معرفش يشوف سمعنا ترباس الباب بيتفتح، وبمجرد مالباب زيق شويه دفعته بكل قوتي، وفتحته على آخره، ودخلت زي المجنون.
وأتجننت أكتر وانا شايف الولد اللي فتحلنا قاعد بالملابس الداخليه بس!
وطبعاً مكنش الموقف محتاج ذكاء عشان يتفهم.
جريت علي أول أوضه قابلتني وفتحتها... وشفت البنت والولد التانيين فوضع مُشين، خلاني قفلت الباب بسرعه
كل دا والولد اللي فتح الباب بيحاول أنه يوقفني، وبيسأل فيا انا وعمي بكل عصبيه:
- انتوا مين وعايزين أيه؟
لكن أنا لا كنت سامعه، ولا شايفه، ولا شايف قدام عنيا؛ غير المنظر اللي خايف الاقي ود فيه.. واللي حاسس ان قلبي مش هيتحمله.
ووصلت للاوضه التانيه، ومديت ايدي اللي بترجف علي أوكرة الباب، وفتحته، وانا سامع صوت كل خليه فجسمي بتقولي بلاش. مش هتتحمل اللي هتشوفه.
لكن عيني صممت انها تشوف؛ وتوري قلبي اللي مش عايز يشوفه.
وفتحت الباب وشفت "وياريتني ماشفت".
شفت ود وهي في السرير، وبتحاول تستر نفسها بملايه، وأول ماشافتني صرخت وأغمي عليها؛ - طبعاً- ماانا آخر حد كانت عايزه تشوفه قدامها فالوقت دا، أو تحب أنه يشوفها وهي في الوضع دا.
قربت منها وأنا كل كياني بيصرخ، وروحي بتنزف؛
وانا شايف طرح قلبي وروحي وتعب سنين العمر؛ اتقطف بأيد غيري.
مديت ايدي ومسكت الملايه وغطيتها بيها، غطيت حتي وشها، زي ماتكون ماتت.
وليه زي؛ ماهي ماتت اصلاً فعيوني فاللحظه دي.
دورت وشي وانا بمسح دموعي، لقيت عمي واقف علي باب الأوضه ومسنود عليه، وماسك قلبه بألم.
كان المفروض أجري عليه واسنده قبل مايقع؛ لكن للاسف مقدرتش؛لأن انا نفسي كنت محتاج اللي يسندني، عشان أقدر أوصل عنده.
وشفته بيقع قدام عنيا علي الأرض. وبصراحه في اللحظه دي محستش بأي شفقه عليه؛
لان كل اللي بيحصل دا؛ "هو السبب فيه" هو السبب بسلبيته، وجبنه، وخوفه من كريمه، وخضوعه ليها، حتي في الغلط.
أما النصيب الأكبر من الجرم، فكان لكريمه.
واللي كنت فاكر أن خلاص بعد عملة ود دي، رصيدها من السماح عند عمي هيخلص، وهيبدأ حسابها العسير.
لكني زي كل مره، كنت مخطئ.
بصيت حواليا بعد ماأبتديت افوق من الصدمه، وخطيت علي عمي وخرجت ادور فالشقه ملقيتش حد!
لا الاتنين الشباب، ولا البنت اللي كانت معاهم،
لقيتني انا وعمي وود بس.
مسكت تليفوني وأتصلت بالإسعاف، واديتهم العنوان، ودخلت الأوضه اللي فيها ود مره تانيه.
كشفت وشها وبصيتله ودموعي نزلت؛ وزادت الدموع وانا بكشف الغطا عن باقي جسمها، عشان البسها هدومها..
وأستر اللي اتكشف لغيري، وانا اللي كنت مستني يؤن الأوان عشان اقطفه لنفسي.
لبستها هدومها وانا بهرب بعيوني فكل مكان بعيد عنها، وبتجنب أني ابصلها؛ عشان ماتحسرش أكتر.
وبعد مالبستها بصيتلها بصه اخيره، ومش عارف ليه في اللحظه دي؛ مشوفتهاش ود الطفله اللي يادوب عندها ١٥ سنه!
نظرتي ليها اتغيرت، وحتي ملامحها الجميله حسيتها اتغيرت فعيوني، واتحولت لمسخ.
شلتها بين ايديا ونزلت بيها؛ عشان قولت أكيد الشقه دي مشبوهه، ومش عايز سمعتها تتمس وتتفضح أكتر، وهي خارجه منها علي عربية الإسعاف.
وخصوصاً أن عربية الاسعاف وجودها فمنطقه، بيخلي أهل المنطقه كلها تتجمع تشوف فيه ايه.
نزلتها وحطيتها في العربيه، ورجعت اجيب عمي، نزلته شايله برضوا، ودخلته هو كمان العربيه- وطلعت للشقه مره تانيه، أدور علي أي حاجه تدلني علي الولدين دول وتوصلني ليهم.. لكن للأسف ملقيتش أي حاجه.
ملقتش غير شنطة ود وحاجتها.
اخدتهم ونزلت، بعد ماقفلت باب الشقه، وركبت العربيه، واتحركت بيها شويه من قدام العماره.
واستنيت الأسعاف؛ اللي جت وأخدت ود وعمي للمستشفي، وانا روحت وراهم بالعربيه بتاعة عمي.
وبمجرد مادخلوا المستشفي ود فاقت. ومن أول ما فتحت عنيها، وشافتني واقف فوق دماغها، صرخت نفس الصرخه اللي صرختها في الشقه؛ لكن المرادي فضلت بعدها واعيه، وبدأت تبكي بصوت عالي، وجسمها بيتنفض وهي باصالي،
لدرجة ان الدكاتره خرجوني من الأوضه يمكن تهدى.
أما عمي.. فبعد الفحص الأولي، الدكاتره اكتشفوا أنه ضربته جلطه في القلب، وحالته خطيرة؛ وبناء عليه دخلوه العنايه المركزه، وابتدوا معاه خطة العلاج.
وانا قعدت في الطرقه وانا حاسس أني تعبان أكتر منه، وإن الدكاتره لو فتحوا قلبي في اللحظه دي؛ هيلاقوه مشلول ونبضه واقف.
❈-❈-❈
لكني برغم كل دا، فضلت متماسك بطريقة، لغاية النهارده وانا مستغربها!
واللي مستغربه اكتر، جَلدي وقوتي؛
وأنا واقف قدام باب الشقه،
وعقلي وقلبي وحواسي كلها، وكل حاجه حواليا، بتقولي إن ود جوا الشقه فحضن راجل غيري.
زفر حسام بقوة، وهو يحاول أن يتماسك في هذه اللحظه؛ كي لا تتفجر ينابيع دموعة؛ إثر هذه الذكرى المؤلمه، والتي يوشك ألمها أن يصل الي حد الجحيم،
ويعتقد بأن أحداً غيره، لن يستطيع تخيل أو فهم مايحدث بداخله الآن؛ بعد أن إنفجر لغم هذة الذكري المريره في قلبه.
ولكنه كان مخطئ في هذا الإحساس كلياً، فهوإن تلفت فقط علي يساره، لوجد عبدالله غارق في دموع الشفقة عليه، حتي أنه بدأ يشهق شهقاتٍ خفيفه.
أما حمزه فأخذ يفرك عينيه ووجهه بكلتا يديه؛ وهو يشعر بصدمة شديدة! فكيف لهذا الملاك الهابط من السماء، والذى رآه بأم عينيه، ويكاد يقسم أن أجنحته مخبأة في مكان لم يلحظه؛ أن تخرج منه هذه الافاعيل؟!
أغمض حسام عيناه، ثم فتحهم مرة أخري؛ وهو يحاول أن يستعيد رباطة جأشه؛ لينطلق في سرد باقي الأحداث؛ ويتخطى هذه الذكري البشعه سريعاً، وينتقل الي مرحلة شراء السيارة.
- اتصلت بأمي وقولتلها أني في المستشفي مع عمي وود، ومرضتش أحكيلها تفاصيل فأي حاجه، غير لماتوصل؛ لأني خفت عليها، احسن تجرالها حاجه هي كمان من الصدمه، وهي بعيد عني.
وشويه ولقيت أمي جايه عليا تجري من آخر الطرقه، وقفت واستقبلتها، وابتديت اطمنها عشان تهدي؛ لكن هي مكنش فيه حاجه هتهديها غير حاجه وحده؛
انها تشوف عمي قاسم قدامها وهو سليم معافى.
وقد ايه استغربت وانا شايف لهفتها عليه! برغم زعلها منه، وقهرتها من اللي عمله فيها... لكني فهمت بعد كده، أن كله كان من ورا قلبها، وانها لسه بتحبه، ودا اللي بينته المواقف.
قعدتها، وابتديت احكيلها كل اللي حصل، وانا مراقب ملامحها، اللي اتحجرت من كتر الصدمه، وبقت طول ماهي بتسمع باصه لنقطه في الفراغ، وبتهز دماغها برفض.
خلصت كلامى وسكت، ولقيتها بتهمس وهي شارده:
ود!-إزاي دي طفلة- ازاي تعمل كده؟ وعرفت من مين الحاجات دي؟
وبصتلي مره وحده وقالتلي:
- مايمكن يابني محصلش اللي فبالك دا، واللي أنت فاكره، انت متاكد انها.. أنهم.. أنه يعني حصل.. مايمكن مكنش لسه حصل.
زعقت فيها بعلوا صوتي:
ياأمييي! قولتها واتلفتت حواليا من خوفي أحسن حد يكون سامعني وأنا بتكلم وكملت وانا بجز علي سناني.. محصلش أيه ياأمي، محصلش أيه! بقولك كانت عري.. وغمض عنيه لما مقدرش يكملها وأستغفر، وبعدها فتح وهمسلها بكسرة:
- بقولك انا ملبسها هدومها بأيدي ياأمي، بأيدي دي ساترها.. وشكلها مكنش يقول أنها مرتها الأولي ابداً.
قالها ورفع وشه لفوق، وهو بيتنهد بألم، وفي اللحظه دي أمه حست أن ابنها محتاج لحضن "وادتهوله" ..
أخدته فحضنها، ومسدت علي ضهره، وكأنها أدتله إشاره؛ عشان يفرغ كل ألمه فهيئة دموع، نزلت منه زي المطر، وغرقت كتفها، وحرقت روحها علي إبنها الوحيد، بالظبط زي مية النار، مابتنزل علي الجلد "تحرقه" .
فضلت سعاد حاضنه حسام لغاية ماهدي، وبعدها بعدته عن حضنها بالراحه، ومسكته من دراعاته وقالتله:
-اجمد ياحسام، إقوى عمك وقع، ومحتاجلك في الوقت دا تكون قوي، عشان تقدر تواجه الكارثه دي؛
اصل مفيش غيرك أنت يابني دلوقتي، اللي هيجيب حق ود من الندل اللي ضحك عليها دا.
ولا فيه غيرك هيشيل عمك فمرضه. دلوقتي حان وقت رد الجميل ياحسام، وتسديد الديون.
قالتها وقامت وهي بتمسح دموعها واستعادت قوتها وهي بتقولي:
-
-ودلوقتي انا هدخل لود، واحاول اعرف منها الحكايه بالظبط،
بس يارب كريمه متوصلش بسرعه وتبعدني عنها، وتلفلف اللي حصل، وتعديه زي مابتعدي كل حاجه لود؛ والموضوع دا مينفعش يمر مرور الكرام ابداً ياحسام.
طمنتها وقولتلها:
-متقلقيش؛ تليفون ود وتليفون عمي كمان، معايا، ومحدش منهم كلم كريمه، ولسه متعرفتش أي حاجه.
ومش هرد عليها مهما اتصلت؛ غير لما افهم اللي حصل دا بالظبط وأشوف حل للمصيبه دي.
هزت سعاد دماغها بموافقه، ودخلت لود بعد كلام حسام، وهي عازمه انها تعرف منها كل حاجه.
وبمجرد مافتحت الباب وود شافتها، غمضت عنيها بضيق، عشان عارفه سعاد هتقول ايه، وهتفرح فيها ازاي؛
ماهي اكتر وحده في الدنيا بتكرهها، وبتتمنالها كل شر، ومنتظره أي فرصه عشان تتشمت فيها؛ وأهي الفرصه جاتلها على طبق من دهب.
لكن الحقيقه، أن كل دا مش حقيقي؛ دا اللي كانت كريمه زارعاه فدماغها من صغرها.
بصت ود لقت سعاد بتقرب منها، وقعدت جنبها وبصتلها بشفقه وسألتها بحنان:
- فيه وحده زي القمر كده، تعمل في نفسها اللي عملتيه دا ياود يابنتي!
هي كريمه ولا مره قالتلك وفهمتك، أن البنت شرفها لازم ماتفرطش فيه لأي حد غير جوزها، والأ تبقي مش كويسه، والناس كلها تبعد عنها، ومفيش حد يرضي يتجوزها؟
طيب ماعلمتكيش؛ أن الوحده اللي تتكشف علي غير جوزها تبقي ارتكبت أكبر الكبائر، وتبقي كده زانيه؟
ترضي إن اللقب دا يرتبط بيكي ياود؟
ردت عليها ود بثقه وقالتلها:
-طيب مانا متجوزه!
قالتها بثقه خلت سعاد برقت بصدمه وهي بتسالها:
-جواز ايه ياود وانتي قاصر؟ جواز ايه اللي من غير ولي أمرك دا؟ جواز أيه اللي تتجوزه طفله زيك يابنتي؟!
ردت عليها ود بنفس الثقه:
-جواز عرفي.
شهقت سعاد وهي بتسمع كلام ود، ورددت وراها الكلمه بإستنكار:
-عرفي!؟
جاوبتها ود للمره التالته:
- ايوه عرفي؛ زي مالناس كلها بتتجوز.
= طيب وايه يابنتي اللي جبرك تعملي كده؟ مقولتيش ليه لأبوكي وهو كان جوزهولك جواز شرعي مادام فيه قبول مابينكم!؟
-عشانه هو مش عشاني؛ عشان ظروف دراسته ووضع باباه الحساس، إحنا اتجوزنا عشان نضمن إن محدش فينا يبعد عن التاني، ولغاية مالأمور تتحسن، والظروف تتعدل، وقتها نبقي نعلن جوازنا رسمي.
سعاد فهمت أن ود وقعت في الفخ اللي كل البنات بتقع فيه، وقالتلها بكل أسف:
-عيله وانضحك عليكي يابنتي، بس العيب مش عليكي؛ العيب عاللي سايباكي من غير ماتديكي نصيحه؛ تعرفي تعيشي بيها وسط الغابه اللي انتي فيها دي.
العيب عاللي أهم حاجه عندها تفرض سيطرتها علي كل اللي حواليها، حتي لو بالغش والخداع.
-انا مش عيله يامرات ابويا ولا انضحك عليا؛ انا كبيره وحبيت واتجوزت، والست اللي بتتكلمي عنها دي، محدش بيخاف عليا وعلي مصلحتي قدها.
ماما كريمه اصلا مفيش فحياتها حد تخاف عليه غيري.
هزت سعاد دماغها بأسي، وهي بتهمس:
- أكيد لازم تقولي كده؛
دا غسيل دماغ بيتعمل من سنين، حقك يابنتي محدش هيلومك.
وكملت بنبرة صوت أعلي عشان ود تسمعها:
-سيبك من كريمه والدفاع عنها دلوقتي؛ لان مش وقته، ومش هنغير قناعات اتربيتي عليها وعايشه فدماغك من سنين، وقوليلي-مين هو الي اتجوزتيه ؟ ومين ابوه اللي موقفه حساس دا؟
ردت عليها ود وهي بتبص لبعيد:
- شادي "ابن هادي بيه" صاحب شركات الهادي للمقاولات.
بصت سعاد بإستغراب لود، علي نبرة الفخر اللي فكلامها وقالتلها:
-شكلك ورطتي نفسك، وورطتينا احنا كمان، مع ناس أحنا مش قدها،
ودخلتينا فحوارات ومشاكل احنا فغني عنها..ربنا يسامحك، ويجيبها علي أحسن حال.
نهت جملتها، وقامت عشان تطلع من الأوضه، لكن وقفها صوت ود:
- قولي لحسام أنه لو اتعرضلي بأي سوء، هخلي شادي يوديه ورا عين الشمس، وياريت تقوليله ملوش علاقه بيا من هنا ورايح، انا دلوقتي متجوزه، وجوزي يقدر يحميني منه، ومن أي حد.
وهنا مردتش عليها سعاد؛
لكن اللي رد عليها حسام، اللي كان واقف علي الباب، وبسبب قعاد امه قدامها مكنتش شايفاه:
-جوزك مين! جوزك اللي هرب وسابك لوحدك، من غير مايعرف مين اللي دخل عليكي الشقه، ولا عايز منك ايه؟
ولا جوزك اللي لغاية دلوقتي مفكرش يرن عليكي، عشان يطمن جرالك حاجه ولا لأ؛ دا في حال أنه كان عارف اننا أهلك يعني.
فين جوزك دا ياود قوليلي!؟
=جوزي مينفعش يظهر فأماكن عامه، ولا يعرض نفسه لمشاكل، عشان أبوه مرشح نفسه في انتخابات مجلس الشعب، وأي شوشره ممكن تأثر عليه..
"جوزي مش حد عادي ياحسام"
قالتها واستغربت وهي بتسمع ضحكة حسام الساخره، اللي استفزتها وخلتها ترد عليه بإستفزاز اكبر:
-بتضحك علي ايه؟
بتضحك علي واحد احسن منك مليون مره!
غابت ضحكة حسام، وبصلها بعيون ماليها الألم وهمسلها:
-تشكري يابنت عمي، تشكري عشان لفتي نظري للنقطه دي. بس عارفه...
يلا مش مهم، مفيش داعي للكلام، اصل الكلام دلوقتي مفيش منه فايده، دلوقتي وقت الفعل.
ود بتهديد:
-فعل ايه؟ بص ياحسام انا بحذرك لآخر مره؛ ابعد نفسك عن الموضوع دا، ومتدخلش نفسك فيه، عشان متتأذيش.
وبعدين أنت أصلاً تتدخل فحاجه تخصني ليه؟ أنا اللي يتدخلي باب... وسكتت كأنها أفتكرت حاجه كانت ناسياها،
وسألت:
صحيح هو بابا فين؟ بابا جراله ايه؟ انا عايزه أشوف بابا.. ونزلت من السرير وجات ناحيتي وسألتني بخوف:
بابا فين ياحسام؟
رديت عليها وقولتلها:
-عمي في العناية المركزه ياود، نزلت عليه جلطه بسببك، وبسبب اللي عملتيه، وجايز ميقومش منها، وأبقي خلي أبن هادي بيه بتاعك دا ساعتها ينفعك.
خلص حسام كلامه، وخرج وساب ود بتهز دماغها برفض، ودموعها نزلت، وبصت لسعاد عشان تكدب اللي قاله حسام؛
لكن اللي حصل أن سعاد بصت للارض بأسي، وأكدت كلامه بسكوتها، وهنا ود انهارت انهيار تام، وفضلت تصرخ بإسم باباها، لغاية ماوقعت من طولها.
أما حسام فبمجرد ماسمع أسم الولد اللي اتجوزته، وعرف إسم أبوه، خرج من المستشفي بسرعه، وراح يدور علي عنوانهم عشان يوصلهم.
أرجع حسام رأسه للخلف، وأسندها علي نهاية الأريكة، ليريح عضلات عنقه التي تشنجت، وأكمل وهو على هذا الوضع:
-ورحت، ودورت، وعرفت، ووصلت.
وياريتني مادورت، ولا وصلت؛ لأني فعلاً زي ماقالتلي أمي، دخلت نفسي فمصيبه أنا كنت فغني عنها،
وزي ماقالت ود، اني مكنتش قد شادي، ولا أبوه؛ اللي حاربوني فى كل حاجه، لدرجة انهم خلوني أجرب أشتغل أكتر من ١٠٠ شغلانه، وكل مره أتفصل منها، من غير أي سبب؛
الأ اني هددتهم بأني هفضحهم.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية