-->

رواية جديدة بدون ضمان لخديجة السيد - الفصل 21

 

 قراءة رواية بدون ضمان كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية بدون ضمان

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة خديجة السيد


 الفصل الواحد والعشرون




ضيق أيمن عينيه ونظر إلى ليان بريبة ، وإزداد عبوس وجهه وقتامته ثم هتف بصوت جـــاد 


= عاوزه تطلقي يا ليان! ما كانش ده قرارك من مده وكنتي بتحاولي وتحاربي و متمسكه بيا اكتر من كده عشان عارفه ان انتٍ اللي غلطانه 

ومهما عملت فيكي ما طلبتهاش ولا مره اشمعنى جايه تطلبيها دلوقتي ؟ 


هتفت بمرارة وكأنه باتهامه ذلك لم يترك جرحاً غائراً في روحها


= وده سؤال ولا بتشك فيا كالعاده؟ عاوز تعرف طلبتها ليه المره دي! عشان خلاص يا ايمن حاسه اني مهما اعمل مش هتسامحني ولا هتنسى ولا حياتنا هترجع زي الاول، اللي اتكسر ما بينا عمره ما هيتصلح .


قال بإستنكار صريح وهو يرمقها بنظراته الساخطة 


= ومع ذلك كنتي بتحاولي ومستحمله كلامي

ومستنيه مني اي اشاره تاكد لك ان حياتنا ممكن ترجع زي الأول ؟ 


زادت حدة الآلام التي تعصف برأسها فصرخت بوجع شديد


= عشان مهما قعدت استنى الفرصة دي مش هتيجي! وانت مش هتسامحني مش هتنسى في يوم ان انا خنتك وحياتنا هتستمر في مشاكل طول الوقت .. وغير كده تعبت ما بقتش قادره استحمل اهانه تاني ولا شكك ولا كلامك التقيل على قلبي .. حتى لو انا الغلطانه انا برده انسانه ولي احساس .. عشان خاطري يا أيمن خلينا ننفصل بهدوء و ده هيكون اريح ليك ولي . 


رد عليها بنبرة قاتمة وهو ينظر لها بجمود


= لما قلت لك ان انا هتجوز عليكي وكنت فعلا قصدها ما طلبتهاش ؟ 


نظرت له بإحباط ويأس وقالت بصوت مختنق وهي ترتجف


= اتجوز يا أيمن انا دلوقتي اللي بقولها لك، روح شوف حياتك مع حد يصونك و يعرف يسعدك عني.. ممكن تنساني مع الوقت وتحب غيري كل شيء جايز ! 


نظر لها بجمود يخفي غضبه منها وهي توضح له أمرها بأنها أصبحت غير عابيء به ولا بزواجه من امراه اخرى، ليرد عليها ببرود


= آه كل شيء جايز فعلا زي ما انتٍ سبق و عملتيها و رحتي شفتي غيري وانتٍ على ذمتي! يا ترى انتٍ كمان بعد الطلاق هتروحي تشوفي غيري وتحبي مش كده؟ ولا هو اصلا موجود من غير ما تدوري ..و عريس الغفله هيكون البيه طارق .


رغمًا عنها خرج أنينًا من جوفها شاعرة بوخزات قاسية تعتصر فؤادها، أجهشت بالبكاء سريعًا، كورت يدها ضاغطة على أصابعها بقوة وهي تتحدث بأسى


= ولا طارق ولا غيره انا خلاص هعيش لنفسي وبس، وبعدين هو انت هتحللها ليك وتحرمها عليا ما انت مسيرك انت كمان بعد الطلاق تشوف حياتك وتتجوز.. شوف هنطلق امتى يا أيمن؟ بدل ما احنا عمالين نضيع وقتنا في حاجات بتوجعنا ومش هتفيدنا بحاجه وعشان ما حدش لي حاجه عند التاني بعد الطلاق وكل واحد حر في حياته 


رد عليها بجفاء وهو يشير بإصبعه بتحدي


= لا انا لي بقى غصب عنك؟ ما فيش طلاق يا ليان الا لما انا يجيلي مزاج عشان انا مش تحت أمرك شويه تحاولي تصلحي وشويه دلوقتي عاوزه تطلقي! ومش هطلقك عشان تروحي تستغفليني اكتر وتروحي تتجوزي  طارق ! ولما اجي اعاتبك تقولي لي خلاص ما انا ما بقتش على ذمتك 


تجمدت الكلمات على طرف لسانها فلم تستطع التحدث اكثر عن نفسها، ثم قالت بتعجب قوي من رده فعلة


= أيمن انا بقول لك طلقني انت سمعتني؟ طارق إيه اللي ماسك لي فيه دلوقتي، من فضلك خلينا ننفصل وطلقني.


بات الأمر متأزمًا بصورة أكبر، و رد معترضًا بشدة


=قلت لك مش هطلقك يا ليان ولو فكرتي في اي وقت تروحي عند بيت امك وتحكيلها  رغبتك في الانفصال هتلاقيني قلتلها كل حاجه وشوفي ازاي هتقدري تحطي وشك في وشها بعد كده؟ ولا هي هتستضيفك في بيتها بعد ما تعرف ان الهانم بنتها خانت جوزها 


تعقد ما بين حاجبيها بشدة، وصاحت مزمجرة


= هو انت عاوز ايه بالظبط من شويه ما كنتش طايقني وبتشتكي ان انت مش قادر تنسى وتسامح ولما انا اطلب الطلاق تقول لي لا ولما يجيلي مزاج؟ وبتهددني كمان انك هتروح تقول لماما عشان ما تستقبلنيش في بيتها وما يبقاش لي حد ! ايه لسه ما انتقمتش مني و بردت نارك من ناحيتي .. انا متاكده انك مش متمسك بيا حب لا انت متمسك بيا انتقام عشان لسه في حاجه اكيد في دماغك عاوز توصلها وتجرحني اكتر .. مش كده؟ 


ثم صمتت مجبرة ومتوقعة هلاكًا حتميًا قادم في حياتها معه، لكزته في صدره بكوعها صائحة بتشنج 


= كل اللي عملته فيا ده ولسه عاوز تنتقم مني كفايه يا أيمن عشان خاطري انا بقيت حاسه من التعب والزعل اللي انا فيه هيجرى لي حاجه في مره؟ صدقني انت انتقمت مني و زياده! عشان لما نفضل عايشين في بيت واحد وطول الوقت بتحسسني بالذنب و ضميري يانبني وقد ايه انا واحده رخيصه وما صنتش شرفك وتفضل تهين فيا وانا مش قادره افتح بقي.. وتفضل معيشني في قلق طول الوقت انك هتتجوز عليا ؟ كل ده ولسه ما خدتش بتارك مني ولا وجعتني .


تظاهر إنه يفكر قليلاً، و وقف أمامها ثم تنفس الصعداء بعد كلماتها تلك، فقال بتحدي وعناد 


= لا لسه يا ليان عشان الوجع اللي انتٍ عماله تشتكي منه ده انا شفت اكتر منه في حياتي بسببك .


❈-❈-❈


في شركة سالم، بالتحديد داخل غرفة مكتبة

ارتفع سالم حاجباه للأعلى باستنكار كبير حينما أخبرته تسنيم عن مهرة وحكايتها بالاضافه انها استضافتها في منزلها ؟ ضغط بغيظ على فنجان القهوة الذي كان في قبضته متسائلا بتعصب 


= يعني البنت عندك كل الأيام اللي فاتت يا تسنيم ولسه جايه تقولي لي دلوقتي ؟ افرضي 

كان وراها حاجه وجابتلك مصيبه بلاش تثقي في الناس بسرعه كده يا تسنيم


ارتجفت من غضبه المفاجئ وحافظت على ثباتها الانفعالي هاتفة بتبرير


= البنت بقيلها عندي اكتر من شهر ونص يا سالم ولو كانت فعلا وراها مصيبه ولا هضرني ما كانت عملت من زمان وبعدين انا من اول يوم ما سكتش اول ما عرفت حكايتها اتصلت بايمن على طول وخليته يتاكد وهو بعت حد يتاكد لنا من كل الكلام اللي قالته لينا صح 


أغاظه نوعًا ما كونها غير متأثرة بحالة الخوف التي أصابته لتخيله اي مكروه سوف يصيبها بسبب تهورها وظنها الطيب بكل البشر، وهي تقف أمامه متباهية بتصرفها، ليقف الاخر قبالتها هاتفًا بحنق


= انا مش قصدي حاجه يا تسنيم بس والله خايف عليكي، طب ما ممكن توجهي لابو مهرة ده تهمة الاتجار بالبشر! ماهو عقوبة الاتجار بالبشر عقوبتها مؤبد بس لازم النيابة توجه التهمة ديه للاب وممكن كمان يتسجن اخوها ده لو ماضي على قسيمه الجواز العرفي وتكوني خلصتيها من الإثنين 


شعرت بعدم الارتياح وهي تتحدث حول ذلك الموضوع بالإضافة إلى نظراته التي تحولت للغرابة وهو يطالعها، حلت ساعديها وقالت بتوجس 


= ومين قال لك ان انا ما قلتلهاش علي الموضوع ده وتخيل قالت لي؟ عاوزاني اسجن ابويا واخويا بايدي تصور بعد كل اللي عملوا فيها ولسه قلبها عليهم وخايفه تؤذيهم وهم ضيعوا مستقبلها .. بتصعب عليا جدآ البنت دي كل ما اتخيل انها قريب هتولد وهتتحمل مسؤوليه طفل هي مش عارفه عن مسؤوليته اي حاجه، هم دول أهل بجد 


لوي ثغره للجانب بابتسامة غير مريحة وهو يرد باقتضاب


= اهلها في النهايه برده يا تسنيم وطلعت لقت نفسها وما لهاش غيرهم و في بيحصل اكثر من كده في الدنيا، طب هي اكيد مش هتفضل عندك طول الوقت انا من رايه انك تعرضيها على جمعية لحقوق الإنسان وحد يتبناها منهم ويساعدها.. وانتٍ قلتي لي قبل كده كنتي بتطلعي ندوات زي كده واكيد عارفه ناس واثقه فيها وممكن كمان يخلوها تتعلم زي ما كان نفسها


هزت تسنيم برأسها وهي تحدثه بهدوء 


= ده كان رأي ايمن برده انا ولو عليا نفسي اتبناها واساعدها اكثر من كده بس هي فعلا مسؤوليه كبيره هي واللي في بطنها.. أن شاء الله تولد بالسلامه و أنا قريب كمان هرفعلها قضيه الخلع زي ما هي طلبت عشان اخلصها من البني آدم ده .


تجهمت تعبيراته بشدة وزفر بصوت مسموع، قائلا بازدراء وهو يرمقها بنظرات ساخراً بغيظ


=طيبه انتٍ أوي يا تسنيم وقلبك رهيف على كل الناس وبتحاولي تساعديهم الا انا مش عاوزه تساعديني وتريحيني وتقولي لي موافقه على طلبي ولا لاء؟ وكل اللي نازل عليكي سيبني افكر.. متهيالي لو سبتك اكثر من كده هتخشي على سنه واثنين وثلاثه وتكوني لسه بتفكري


ازدردت ريقها بحرج طفيف تعلم أنها قد استهلكت طاقتة المحدودة كلها في صبره، بالاضافه إلي انها لم تتخذ أي قرار حتى الآن في علاقتهما، نظرت له بتوتر شديد، واصطبغ وجهها بحمرة شديدة وأردفت بارتباك


= لا مش للدرجه دي انا عارفه ان انا زودتها معاك حقك عليا، بس ده جواز يا سالم ولازم افكر في كويس على العموم انا فكرت وهقول لك رايي دلوقتي ؟ 


نظر سالم بلهفه شديد، بينما تلون وجهها بحمرة لطيفة وهي تطالع نظراته الوالهة، وهمست له بخجل


= يعني بما أني هطول كده كده في التفكير ايه رايك نعمل فترة خطوبه عشان نعرف نتعرف على بعض فيها بطريقه اريح ومن غير ما تسبب لاي حد فينا حرج! يناسبك ده ؟ 


رأت في عمق نظراته حبًا أكبر وأصدق وهو يرد قائلاً بابتسامة متسعة


= يناسبني طبعاً وموافق! شوفي بس امتى ممكن تاخدي لي ميعاد من اخوكي عشان اجي اطلبك رسمي. 


❈-❈-❈


كان عليها تغير تلك النظره الطفوليه للأشياء ولكنها لم تفعل! فقامت الحياه بفعل ذلك حتي تفاجات بالشيب في قلبها.


الأيام والأسابيع تمر وفريدة في منزل عمها مع صمتها و وحدتها، ولم يقترب منها اى من عائله عمها ويتحدثون معها بموضوع قضيتها او خصمها مع والدها؟ وكأنهم يشعرون أنها تحتاج هذة الوحدة .. او هكذا حذرهم والدهم حسين.


نظرت أمامها لهاتفها وترددت كثيرا فى مهاتفة والدها أو أمها، وكيف ستفعل ؟؟ فوالدها طردها من المنزل ووالدتها لم تكلف نفسها عناء لتطمئن عليها، أحقا فعلت؟ فهل استحقت ذلك منها؟ أصواتها الداخلية تأتى على الصمت الذى تحتاجه بشدة .


تعلم جيد لم ياتي أحد منهما إليها، وعليها العودة وحدها كما غادرت وحدها وعليها الاعتذار أيضا لأنها لقد تحدثت إلي والدها بإسلوب غير لائق لتشعل بنفسها نار غضبه والتى تسببت فى كل ما حدث.. وكانها الوحيده عليها اللوم في تلك القصه .. وهم لم يتسببوا في اي اذي لها.


فقد عزم عابد على تأديبها لتبقي بمنزل اخية كما تشاء هو لن يتنازل عن اعتذارها وعودتها وهي متنازله عن قضيتها وإن رفضت فلتتحمل ما ستؤول إليه من مصير .


هل ستكون عار على عائلتها وفتاه عاق! اذا قالت انها بدأت تشعر بالجفاء.. والكره الشديد نحوهم .


كم كانت حمقاء حين فكرت فى مساعده اهلها

إليها، بلى هى كذلك و زواجها ذا كان دافع للفرار من الضغوطات ومن نفسها التى تصبو إليها ومن قناعه عائلتها الغربية بأنها ستكون سعيدة أو راضية وهي متزوجة من مغتصبها.


وبعد هذه اللحظة لم تري نفسها بخير ، فقط بخير عندما تتخلص من ذلك الزوج الذى تكره صورته المشوهة ، ستدعم نفسها بنفسها حتى تتخلص منه وإن لم تكن يوماً زوجه لأحدهم ستكتفي بكونها بخير .. فلا تريد عائله ولا زوج في حياتها بعد الآن !. 


وفي ذلك الأثناء فتح حسين باب الغرفة وقال باهتمام


= ايه يا فريده يا بنتي على طول واخده جنب مننا ليه؟ هو احنا مضايقينك في حاجه حتى بناتي ما بتقعديش معاهم.. هو احنا اغراب عنك ولا ايه ؟


فتحت عينيها، وإستنشقت الهواء وهي تتنهد بحرارة وهمست قائله بآسف


= لا خالص مش متضايقه منكم في حاجه، كفايه أن انتم فاتحين لي بيتكم ومقعدني، هتضايق منكوا ليه انا بس حابه اقعد لوحدي مش اكتر 


تقدم بخطوات بسيطة ليقف أمامها وهتف بجدية


= وبعدين يا فريدة هو الوضع ده ناوي يستمر كتير داخلين كده على شهرين وما فيش حاجه بتتحل؟ اول مره أصلا تتخاصمي انتٍ وابوكي اكتر من أسبوع .. حبيبتي انا مش بقول لك كده عشان مضايقني اعادك معايا، لا بس مش عاجبني اللي بتعملي انتٍ وابوكي والخصام اللي عمال يكبر ما بينكم نفسي يتحل . 


إبتلعت تلك الغصة المريرة في حلقها وكذلك علقت عبرة في أهداب جفنها وهي تقول بقهر 


= هو انا ليه دايما اللي مطلوب مني احل والغلط عندي؟ انا مش شايفه نفس المره دي غلطانه في حاجه ولا كان قبل كده في غلط مني، انا طلبت بحقي ومش عاوزه اكمل في جوازه اتغصبت عليها تحت ضغط وهو مش راضي فطردني من بيته! فين بقى الغلط اللي انا ارتكبته في كده .. ده انا حتي ماما ما كلفتش نفسها تيجي تشوفني وتطمن عليا


ضمها بذراعه إليه بحنان وقبل رأسها وقال لها 

بخفوت


= على فكره يا بنتي انا مش ضدك وموضوع القضيه دي براحتك انتٍ مش صغيره و تعرفي تاخدي قرارات لوحدك، انتٍ بقي مش عاوزه تكملي مع البني آدم ده و مش حابه براحتك عشان كده ما اتكلمتش معاكي في النقطه دي ولا قلت لك زي ابوكي اتنزلي .. ولو سألتيني رأيي هقولك اني ضد أي فكرة انفصال طالما في أولاد هي اللي هتدفع التمن في الآخر!!.. بس انتٍ في مشكلتك ما فيش أولاد او ممكن هي دي النقطه اللي خليتك ما تسكتيش ولا تكملي معاه


ومسح بإصبعه على جبينها، وهتف قائلاً 

بإستعطاف


= واذا كان مين اللي غلط ولا صح لو قعدنا نفكر فيها كده يبقى محدش من الثاني هيتنزل شويه عشان يتصالح، وبالنسبه لموضوع والدتك ما تظلمهاش يا فريده هي كانت هتيجي وراكي وتلحقك بس ابوكي الله يسامحه حلف عليها بالطلاق فاضطرت انها تستنى وتشوف الموضوع هينتهي على ايه 


تنهدت بحــرقة أشد وهي تجيب بصوت مختنق


= دايما كل واحد فيهم بيجري يدور على مبرر عشان يبين قد ايه هو مش غلطان و مظلوم وعمل كل اللي عليه من ناحيتي، عم حسين انا اسفه بس لو مستني ان انا اللي اطلع لبابا و اتاسف والصلح يجي مني؟ فتاكد ان ده عمره ما هيحصل.. وانا بقولها تاني وثالث انا مش هتنازل عن حقي المره دي .


❈-❈-❈


في مقر عمل زاهر، التفت برأسه نحو الأمام ليجد أنس و زكريا ! تطلع بهم بنظرات شرسة لا تبشر بأي خير، فشحب لون وجه كلا منهما سريعًا وشعروا بحجم الخطر المحدق بهم، فهو أصبح لا يتفاهم مُطلقًا، وأسلوبه حاد وعنيف معهم منذ اختفاء مهرة فتيقن أنس و والده أنهم لم ينالون وما يريدون منه هذة المرة.. نهض زاهر و تظاهر بالانشغال فاعترض طريقه زكريا معللة بإبتسامة قلق


= ازيك يا زاهر باشا و اخبارك ايه واخبار صحتك يا رب تكون بخير 


نظر زاهر إلي الإثنين بنظرات مميتة وهتف بفظاظة


= وهبقى كويس ازاي بعد ما شفتكم انتم الجوز؟ خير لقيت بنتك اللي هربت و فضحتك وسط الخلق ولا لسه ؟ 


حدق فيه أنس بنظرات قلقة، وهتف بهدوء حذر


= والله يا باشا انا عن نفسي مش هبطل تدوري عليها وكل يوم حتي بروح ادور عليها واشوفها عند قريبنا وعند كل الناس كمان، بس مش لاقي ليها اثر خالص زي ما تكون اختفت 


بالطبع لم يعجبه ذلك الرد، اكتسى وجه زاهر بحمرة رجولية منفعلة بسبب كلماته، وهدر بصوت جهوري جعله يرتعد في مكانه


= اختفت ولا انت اللي خايبه ومش عارف تدور عليها كويس، على العموم مش مشكلتي وانا ولا هتعب نفسي ولا هبعت رجاله يدوروا عليها وهفضل قاعد مكاني حاطط رجل على رجل؟ ومستني حد منكم يدخل عليا بيها غير كده تنسوا اني ارجع حد فيكم الشغل عندي من تاني ولا اديكوا مليم واحد 


انكمش أنس على نفسه حرجًا من نظراته الاحتقارية له أمام العاملين، فأبعد زاهر عينيه عنه بحدة وقال الآخر بصوت متوتر


= يا باشا طب احنا مالنا ليه وقف الحال ده و قطع الارزاق؟ هي اللي هربت احنا اللي نشيل شيلتها ليه؟ انت عارف ان احنا ما لناش لقمه عيش غير عندك مين هيرضى يشغلنا بس .. ابوس ايدك يا باشا رجعنا الشغل تاني


نظر زاهر بازدراء وهو يرمقه بنظرات دونية

وأمره بحدة


= انا قلت كلمتي ومش هرجع في كلامي! لو رجعتك انت وابوك الشغل هتقضيها استنطاع ومحدش منكم هيهتم يدور عليها ؟ و انتم الإثنين اللي مسؤولين عنها قدامي، وحط في اعتبارك لو مهرة ما ظهرتش ما فيش شغل هنا خالص عندي!


❈-❈-❈


" لا تتركوا الأشخاص من غير أسباب واضحة، لا أحد بالدنيا يستحق أن ينام وهو يشعر بأنه لم يكن كافيًا "

في قاعة المحكمة كانوا يجلسون بالخارج تسنيم وفريدة في انتظار موعد الجلسه التاليه بينما كانت تنظر فريدة حولها بنظرات مليئة بالياس و الخيبة كلما وجدت شخص ما بصحبه عائلته لتقديم إليه الدعم والمسانده! ولم يتركوا بمفرده بوضع كذلك؟ عكس ما رأته مع أسرتها !. إنحنت تسنيم للأمـام قليلاً وهي تجلس جانبها وسألتها بحيرة

= مالك يا فريده زهقتي ولا ايه ما تقلقيش خلاص إحنا اللي هندخل الجلسه الجايه معلش خلي بالك طويل عارفه الموضوع في اوله ممل بالذات ان في كل مره هتتاجل القضيه على حاجه شكل! بس في النهايه صدقيني هيتحكم لصالحك وبعدين ما فيش حاجه بتيجي بسهوله بدون تعب ولا ايه .

نظرت إلى تسنيم بحسرة كبيرة فسكونها المريب يذبحها بقسوة، وأنفاسها الضعيفة تجلدها بلا رحمة ثم أردفت بصوت خافت

= أسر من فتره اتجوز نرمين بنت خاله 

إختنق صوتها أكثر وهي تضيف بحسرة

= مش مصدقه إن أنا كُنت هعيش مع حد ذيه؟ مش مصدقه إن أنا كُنت هبـله و بدافع عنه و عماله أقول لا مستحيل يسيبني ويتخلى عني اللي عمله معايا ده أنيـل من الطريقه اللي سابني بيها في الوقت ده.. لما بفتكر حاله كان زمان معايا ازاي؟ و قد ايه كان بيرسم لي السعاده اللي هنعيشها وانه هو كان انسان مثالي بالنسبه لي !! و بقارنه دلوقتي! هو ده نفس الإنسان اللي كان معايا وقت الخطوبه 

نظرت أمامها بثبات وهي تجيبها بنبرة متريثة

= من اكبر الحوارات المحبطه في الحياة بنسبالي اللي هو مهما حاولنا ندعي المثاليه و نتقبل عيوب ناس أو مساعدتهم الا أما نتحط في الموقف؟ بيظهر هنا المثاليه المزيفه وأن مش مستعد يكون زي ما كأن بيدعي... 

خفق قلب فريدة بشدة وإزدادت إرتجافتها ، وهي تقول بحيرة 

= تفتكري ممكن اكون ظلمته وان لي مبرر ذي ما قال، وأن اي حد مكانه ما كانش هيستحمل الوضع ده وكان هينسحب.. هو برده مر بظرف وحشه انا عارفه ضغط اهله كان عليه ازاي زي الضغط اللي انا اتعرضت له .

مطت المحامية فمها للأمـام وأخذت نفساً عميقاً وزفرته على مهل وأجابتها بهدوء حذر

= هو لو كل الناس عملت ذيه يا فريدة فمعلش كل الناس زيه ما عندهاش احساس ولا ضمير، 
‏مش مبرر أن عشان الإنسان مر بظروف وحشه يبقي وحش مع غيرة هو كمان؟ هو لو راجل فعلا كان واقف قصادك وقال لك انا هسيبك ومش قادر اكمل؟ احسن ما تتفاجئي بالصدفه أنه راح خطب غيرك من غير ما يفسخ الخطوبه معاكي أولا ويحترم البيت اللي دخل طلبك منه، معلش يا فريده بس دي إسمها اهانه؟ ده كان على الاقل حتى وقف معاكي وساندك وبعد كده سابك لكن هو اختفى من حياتك فجاه! وده افزع من انه راح خطب غيرك؟ هو أناني أوى بجد يا فريدة انا ارهنك حتى انه راح خطب غيرك مش حب! و متقبلهاش عشان صعبت عليه لا قبلها عشان تنسي وتداوى جرح حبيبته اللي هو انتٍ يا فريدة 

ثم أضـافت قائلة بإقناع

= يعني طلع انانى وخاين كمان وما صانش العشر اللي بينكم.. إللي زي ده ما تستاهليش تفكري فيه ولا تندمي عليه لحظه واحدة .. ده ممكن الحاجة الكويسه اللي طلعتي بيها من كل التجربه دي؟ انها بينتلك ناس على حقيقتهم.

إنتــاب فريدة حــالة من بؤســاً و سريعاً ما تلاشت شجاعتها الزائفة التي كانت تصطنع إياها أمام الجميع هنا، فهي فتاه يمكن أن يقال مستهلكه نفسياً وعاطفياً وليس لديها رغبه في الصواب ولذة الإنحراف، هي كل ما تريدة تحقيق العدل في دنيا بررت للمغتصب جريمته !. 

تلتفت حولها وتهربت بعينيها عن تسنيم فوراً رؤيتها الحقيقية! التي حاولت أن تخفيها منذ خروجها من منزل والدها إلى منزل عمها؟ وهي محطمة! فعائلتها تزال ترى أن عليها تقديم التنازلات ويزال يراها والدها معيبة ويجب أن تقدم فداء لذلك العيب الذي يراه الجميع أنها عاقر و ستكون مطلقة! أنها أنثى في مجتمع يدفن الإناث في حياة كريهة مجبرات خانعات! تنهدت بحزن قائله بفتور

= معاكي حق، تعرفي انا من كتر المشاكل اللي عندي واتوجعت واتصدمت قد ايه في ناس ؟ 
لما بتعرض لمشكله ولا صدمه جديده مابحسش و بقيت اقول يعني هي جت عليها كده كده حياتي خربت 

أردفت تسنيم قائلة بجدية واضحة

= حياتك ما خربتش ولا حاجه يا فريده حياتك هتبتدي اول ما تبتدي تاخدي حقك والعدل يتحقق.. وبعدين لما انتٍ تكتبي نهايتك امال اللي جوه ورا قضبان السجن هيكتب ايه؟ انتٍ اللي معاكي الحق مش هو وما ينفعش تبقي مهزومه بعد اللي وصلتي له .

أدمعت عينيها متأثرة بكلماتها لتنظر مباشرة في عين سعاد التي كانت تجلس امامها بصحبه المحامي هي الأخرى في انتظار الجلسه، شردت قليلا بحسام وحياتها معه وكيف قضى على إنسانيتها، وبصوت متشنج ومختنق قالت وهي تحدجها بنظراتها الإحتقارية

= تعرفي بشفق أوي على حسام ده! اصل هو من البدايه مش غلطته لوحدة؟ لا دي غلطه أمه وهو ضحيه دلعها الزياده هي اللي وصلتله لكده وأنه مهما غلط بتفضل جانبه وتدعمه .. ومش قادره تتقبل اي غلطه لي وتسيبه يتعاقب 

أجابتها بنبرة جـادة وهي تهز رأسها نافية

= مش لازم نتعاطف مع الجاني يا فريدة مهما كانت المبررات؟ لأن مفيش مبرر للجريمة، أي ضغوط ممكن نتجاوزها سواء لوحدنا أو بمساعدة حد .. وهو دلوقتي مش صغير وعارف اللي بيعمله غلط! ولسه مكمل فيه؟ 

صمتت للحظة فريدة تفكر جيد في كلماتها ثم لوت ثغرها بإبتسامة متفائلة وهي تهتف بشرود

= دايما بفكر هعمل ايه في حياتي بعد ما أجيب حقي والقضيه تخلص، بس المهم دلوقتي أجيب حقي! و مش مهم اي حاجه تاني لان مهما كانت النتيجه حياتي بعد كده هتتبني عليها .. سواء بقى خسرت أو كسبت !. 

❈-❈-❈


في منزل تسنيم، كان أيمن جالسًا على الأريكة مسترخيًا مسترجعًا ذكرياته التي لم تكن أكثر من نظرات خلسة لم تطول ولم تروي عطشه ، ولم تهدئ جنون قلبه إلا بعد أن انتهت أحوال قلبه قبل أن تبدأ ، لقد رأى تلك اللحظات هي كل ما في حوزته منها وكل ما حصل عليه من السعادة هو تأثير الجنون الناجم عن خفقان القلب بصدره ، خانه بالقوة وأثار شغفًا بامرأة كان يؤمن بها دائمًا لكنه في الواقع كان يشاركها معه أحدهم.

ربما على بعض الأزواج إنهاء الزواج إن كان يضر رجالتهم، عاد اللوم يسيطر على ملامحه 
فيجب ان يكون عادل في تلك النقطه الخطأ صادر من الاثنين؟ هو حرمها من حب و إهتمام وهي حرمته من الحفاظ على سمعه! 
فماذا تنتظر منه سوى انتزاعه منها ؟

لم يعد قادراً على البقاء بهذا المكان الذي من المفترض يدعي عيش زواجهم، شعوره بالاختناق يتولد لحظة دخوله المنزل وينقبض صدره لحظة رؤية ليان .

وشعر هو بعدم الراحة وعدم الاستقرار بحياه القادمه معها، وكان يدفع نفسه للاستكمال حتى لا يشك احدهم به ! يخشى أن يصيبه ألسنتهم بالمزيد من الجروح التى يعلم جيدا أنه لم يتبرأ منها بعد ! وبرع فى التنصل من اى لقاءات غير مستحبة قد تجلب له حديثا سيئ من قبل الكثيرين. لذلك هو صامتاً ولا يتحدث حوله مشكله مع أحد .

ظل يقيم مبرراتها ومبرره حتى توصل لنقطة هامة أنها ادعت هذا، هو لم يكن بهذا السوء معها لقد أحبها !! حقا فعل لكن ما الذى قدمه لتشعر بهذا الحب؟ بم روى نبتته حتى تزهر الإهتمام بالتأكيد؟ وهذا ما حرمها منه .. وهنا عاد لتلك النقطة والحيره مره ثانيه !! هل الخطأ صادر منها هي فقط أم منه ؟. 

أسبلت تسنيم عينيها نحوه متابعة حالته باهتمام و تحدثت عن قصد عل بكلماتها تصل إلى مداركها وتفهم ما به

= على فكره انا بعرف اسمع كويس و ممكن اسمعك واعرف ايه اللي مضايقك ومخليك مبوز كده من ساعه ما جيت ؟ جرب بنفسك واتكلم

جمد أنظاره عليها مرددًا بثبات مريب

= عارف والله انك بتعرفي تسمعي وعرفت كمان أنك زنانه، تسنيم حلي عن دماغي قلت لك ما فيش حاجه ولو ما بطلتيش زن هقوم أمشي واسيبك 

كتفت ساعديها أمام صدرها، وهزت كتفيها في عدم مبالاة وهي تصر علي كلماتها بفضول

= طب عيني في عينك كده بجد ما فيش حاجه ؟ ولا حتي اتخنقت تاني مع مراتك 

نظر لها بنفاذ صبر هاتفًا من بين أسنانه المضغوطة

= تسنيم وبعدين انا هقوم أمشي و هريحك مني احسن.. قلت لك ما فيش حاجه يبقى ما فيش حاجه مش لازم تفضلي تزني لو في حاجه انا هحكيلك من نفسي مش لازم فضولك ده.

تراجعت بحذر للخلف قائلة باستسلام وقله حيله 

= طب خلاص اهدى و بالراحه كل ده عشان سالتك؟ على العموم كلامك وعصبيتك دي اكدتلي ان فعلا في حاجه بس هعديها بمزاجي، انا هقوم اجهز الغدا وهعمل حسابك معانا ما تمشيش 

في ذلك الأثناء خرجت مهرة من المطبخ وهي تلف حجابها على رأسها، وتحركت نحوهما على استحياء لتجد ابتسامه تمر منها دون أن يتحدث أحد معها لكن تلك الالفه بينهما تشعرها بالسعاده نوعا ما، وتحاشت النظر إليه هاتفة بخجل

= ازيك يا عم أيمن 

نظر أيمن إلي مهرة بحنان ثم عبس بوجهه مرددًا بحزن مصطنع

= عمو ايمن! و يا ترى اللي في بطنك كمان هيقول لي عمو لما يجي بالسلامه.. هو انتٍ على كده في الشهر الكام يا مهره

ضحكت مهرة من طريقته مردده ببراءة

= ماشيه في الشهر السادس 

استشعر أيمن بان هناك خطا ما بكلماتها فتساءل بهلع وهو يوجه أبصاره نحو أخته

= نعم اكيد اتلخبطي صح؟ ما انتٍ لو عديتي الشهر الخامس بطنك ليه مش ظاهره وباين عليك الحمل .

عمقت تسنيم من نظراتها نحوه و إجابته بهدوء مثير للأعصاب

= لا مش متلخبطه ولا حاجه يا ايمن هي فعلا ماشيه في الشهر السادس وموضوع بطنها سالنا الدكتورة عليه قالت انها عشان سنها صغير وجسمها ضعيف وعادي في ستات مش بيبان عليهم الحمل ومهره منهم .. انا هقوم اجهز الأكل وهعمل حسابك زي ما قلت لك ما تمشيش

زفر بصوت مسموع مستسلم لتلك الحياه التي تأخذ من مقاومته ومقاومه الجميع كليًا، فكان يعتقد بانه الوحيد من يعاني و يمتلك اكبر هموم بالحياه لكن قد تفاجا اليوم بأن مشكلته لا تساوي شيء مقابل تلك الأزمات التي شاهدها باعينه، فرد مداعبًا شقيقتة 

= والله لو هاكل نفس المكرونه اللي اكلتها من أيد مهرة المره اللي فاتت ما عنديش مانع بس لو اكلك هفكر .

نظرت تسنيم نحوه بحنق ولم تتحدث بل تحركت تجاه المطبخ، ثم أشار أيمن الى مهره لتجلس جانبه وقد فعلت ذلك بهدوء ليقول هو باستفهام 

= هو انتٍ عندك كام سنه بالضبط على كده يا مهره و اتجوزتي وانتٍ عندك كام سنه

أبتسمت مهرة وهي تجيب عليه بصوت منخفض

= كملت ال 15 سنه من أسبوع وكنت متجوزه وانا عندي 14 ونص 

لمعت عيناه تأثرًا فتلك الطفلة قد دفعت عمرها الصغير فدا اسرتها، وقال بصوت هادئ 

= العمر كله ان شاء الله يا مهرة، فكرتي بقى على كده هتسمي المولود ايه 

تلاشى تدريجيًا ابتسامتها، وهمست له من بين شفتيها بصوت يرتجف 

= لا ما فكرتش بصراحه وبعدين الدكتوره لسه ما عرفتش انا هجيب ولد ولا بنت قالت لي لسه مش باين، هو حضرتك متجوز وعندك أولاد يا عمو أيمن

تعقدت تعبيرات وجه أيمن إلى حد ما وقال بجدية

= متجوز اه بس ما عنديش اولاد، بس ما فيش مشكله ولا حاجه انا اللي مكرره انا ومراتي من اول يوم جواز هناجل موضوع الخلفه ده .. كان على اساس يعني نرتب ظروفنا ونشوف حياتنا ومسؤولياتنا بعد الجواز الأول، قرار زي كده صعب يتاخد الا لما نكون مرتبله 

نظرت مهرة إليه بغرابة، وكأنها لأول مره تسمع ذلك الحديث زادت حيرتها وغضبها من عائلتها اثر تلك الكلمات الموحية، وشعرت باضطراب أنفاسها وبتلاحق دقات قلبها من فرط الخيبة وبصوت مختنق تحدثت

= بس انا ما كنتش مرتبه لي حملي برضه وحصل؟ و ما حدش خد اذني أصلا .. هو مسؤوليه كبيرة فعلا عليا زي ما الكل بيقول لي

لم يجـد أيمن أي كلمات مناسبة ليجيب بها عليها فكيف سيتفاهم في تلك الأمور مع طفله مثلها؟ لكن هي مجبره على تلك الحياه التي ستخوضها قريبا مع طفلها وليس لها قرار بذلك 
حتى ، سلط أنظاره على وجه مهرة مرتبك للحظات، قائلاً بنبرة حائرة 

= اه يعني طفل مسؤوله عنه غير لما تكوني مسؤوله عن نفسك، بس في حاجات كتير بنتحط فيها واحنا مش مرتبلها ولا مسؤولين عنها يا مهرة بس مع الوقت والظروف بنحاول 
نتحمل المسؤوليه ونتعلم، وانتٍ شكلك شاطره وهتتعلمي بسرعه ما تشيليش هم ان شاء الله اللي خايفه منه هيكون سهل 

اتسعت حدقتاها بخوف كبير، زادت رجفتها وخوفها مما هي مقبلة عليه، ولم تقاوم رجفتها المتوترة وهتفت بذعر

= خايفه اكون مش قدها بس مش هعرف أتكلم لان هيكون خلاص بقى امر واقع قدامي ولازم اتحمل مسؤوليته .. بس انت عندك حق يا عم أيمن لازم نرتب لي حاجه زي كده و نتعلم مسؤوليتها قبل ما تحصل؟ زي ما كان نفسي أبويا يتعلم مسؤوليتنا قبل ما يجيبنا، بس هو ماشي بنظام احنا اللي بنعلم نفسنا مش هو اللي بيعلمنا ؟ بس في الحقيقه الدنيا هي اللي بتعلمنا .

حدقت في وجهه العابسة بتخوف كبير، و حيرة أكبر حيث تفكر في مصيرها الغامض الذي ينتظرها هناك وقد ارتجفت أوصالها 
وهي تضيف له بنبرة شبه مختنقة

= هو انا هقدر ازاي اربي ابني وانا ملاقيش اللي يبقى حنين عليا ويتحمل مسؤوليتي؟ مش عايزة أكبر و أنـدم زي أمي انها اتجوزت واحد ما يعرفش يتحمل مسؤوليه! و مش عايزة في يوم من الأيام إن الطفل دي ياجي قدامي و يقولي استحملتي ليه و أقول له علشان خاطرك أنت و أشيله همـي و زعلي و أحسسه بتأنـيب ضمير .. بيقولوا حتي الست التعيسة عمرها ما تعرف تربي طفل سعيد .. وأنا مش سعيدة ؟. 

تنهد بحرارة وهو يتابع بآسف حالتها فهي تتحدث وكانها أكبر بسنوات عديده من عمرها الحقيقي، فبالتاكيد تلك الحال اكتسبتها من الضغوط المحيطة بها والمحبطه ايضا؟ فا عائلتها بتأكيد هم الجاني في حقها وزوجها ذلك الحقير من هدر دمائها النقية في ثوب زفافها وليلة عرسها وهو من دمر حلمها البسيط، تطلع فيها بحزن وشفقه ثم مال عليها برأسه هامسًا بنبرة ذات مغزى

= بتتكلمي كلام أكبر منك يا مهرة .! 

ابتلعت غصة أشده مرارة في حلقها وخفق قلبها بشدة لشعورها بالإنكسـار وهي تردف 

= عشان انا اتحطيت في مشاكل أكبر مني!

❈-❈-❈


في منزل سالم كان الجميع يجلس حول السفره، تقوست ليلي شفتيها مبرزة ابتسامة صغيرة وهي تنظر الى والدها باهتمام بينما عبست ناهد بوجهها مرددة بغرابة

= خير! ما قعدنا انا وبنتك ليه قصادك وجايبلنا كمان اكل من بره مخصوص؟ ياتري ايه الموضوع المهم اللي عاوزنا فيه ؟ 

رد عليها بتلعثم وهو يحاول أن يبدو هادئاً أمامهما

= هاه حاضر هقول يعني في حاجه كده حصلت ولازم ابلغكم بيها عشان يكون عندكم علم بيها.. و انا كمان ما اخذتش الخطوه دي الا وانا متاكد انها لصالحنا يا ليلي

تنهدت بنفاذ صبر وهي محدقة به بضيق شديد

= ما تتكلم على طول يا سالم بقيلك كتير مقعدنا قصادك وعمل تلف وتدور بالكلام زي اللي عامل عامله، ايه هو الموضوع اللي عاوزنا فيه؟ وايه اللي انت عملته ما تتكلم دغري وتفهمنا .

تنحنح سالم بخشونة طفيفة وقال كلامه دفعة واحدة

= انا هتجوز ! بنت زميلتي في الشغل عندي  وفتحتها في الموضوع وهي وافقت . 

ارتفع حاجبي ليلي للأعلى في ذهول تام، بدت علامات الاندهاش جلية على قسماتها فلم يخطر ببالها أن والدها سيتزوج يومًا ما! ويأتي بامرأة لتشاركها به. أبتسمت ناهد بسخرية و ردت عليه بهدوء جـــاد 

= هو ده بقي الموضوع؟ كنت متأكدة انك قريب هتعملها ومش هتقدر تعيش من غير واحده ست في حياتك، على العموم دي حاجه تخصك وما ليش دعوه بيها بس الاهم عندي ليلي! اللي جايه دي لو فكرت تمس حفيدتي بحاجه وحشه انا مش هسكتلها لازم تفهم حاجه زي كده كويس .. ليلى خط أحمر .

لاحظ سالم صمت ابنته وحك مقدمة رأسه ، وسألها بحيرة 

= ايه يا ليلى مش عايزه تقولي حاجه؟ 

تطلعت فيه مطولاً بعدم تصديق ثم نهضت عن مقعدها فجأة وصـاحت بصوت متذمر وغاضب 

= على اساس أنك جي تاخد رايي ما انت بتقول طلبتها للجواز وهي وافقت ازاي تعمل حاجه زي كده؟ ازاي تتجوز واحده غير ماما طب وانا ما فكرتش فيا ؟ ليه اصلا عاوز تتجوز وتدخل علينا واحده ما نعرفهاش وغريبه عننا 

أجفل سالم عينيه عنها ليقول بصوت مقلق

= يا ليلي افهمي رايك مهم طبعاً يا حبيبتي لا إلا ما كنتش قلت لك دلوقتي انا بس بقول لك فتحتها في الموضوع ولسه هنعمل خطوبه وهنكتب الكتاب .. وبعدين تسنيم طيبه أوي وهتحبيها انا كلمتها عنك كثير وهي نفسها تشوفك وبعد الجواز هتكونوا قريبين من بعض انتوا الاثنين، انتٍ كبرتي دلوقتي واكيد محتاجه واحده معاكي تكون قريبه منك 

صرخت بصوت عالٍ ببكاء، وقد إتسعت مقلتيها بشراسة وغيرة

= انا ما طلبتش منك تجيبلي واحده تسكنها معانا في الشقه .. ومش هحبها ومش عاوزاها 

كانت ناهد مصدومه من رده فعلها وطريقتها بالحديث مع والدها الغير اخلاقيه! فهي لاول مره تشاهد حفيدتها كذلك؟ بينما إختنق صوته وهو يقول بحزن

= ليلي عشان خاطري أهدي وبطلي عياط الموضوع مش مستاهل .. ليلى ما انتٍ عارفه انا بحبك قد ايه؟ وكل حاجه بعملها في حياتي عشانك .

صرخت في وجهه بعصبية وهي تشير بيدها بقله احترام

= تحبني تقوم تجيبلي واحده وتتجوزها، طب تمام مش انت بتاخد رأيي دلوقتي؟ انا مش موافقه طبعاً .. يلا اثبتلي انك بتحبني فعلا واتصل بيها دلوقتي و قول لها انك مش هتتجوزها 

هز رأسه برفض متردد وقال بتوضيح وجدية

= ايه اللي انتٍ بتقوليه بس ده يا ليلى ما ينفعش طبعاً اعمل كده انا اديت الناس كلمه و رحت طلبتها من اخوها كمان .. يا حبيبتي اهدي وافهميني .

إنسابت عبرات ليلي على وجنتيها بغزارة شديدة، وهتفت بصوت باكي 

= كمان رحت لأهلها؟ انت مش بتحبني 

وغادرت الطاولة دون أن تنهى طعامها أو تنهى الحوار، إبتلع سالم ريقة بألم من حالتها وصاح بتوجس

= ليلى استني ! عشان خاطري ما تعمليش في نفسك كده واسمعيني.. لــــيـــــلي.

قاطعته ناهد وهي تقول بجدية

= استنى أنت خليك هنا وانا اللي هدخل اتكلم معاها طبيعي يكون رد فعلها كده؟ شويه و هتهدى ما تقلقش انا هدخل اتكلم معاها و افهمها .. بس بلاش انت تدخل لها وهي حالتها كده .

زفر سالم باستياء، وهمس بصوت مزعوج

= داخله تهديها ولا تشعليليها اكتر من ناحيتي 
هو انا مش عارفك 

ردت ناهد ضاحكة باستفزاز

= واشعليلها ليه وانا ليا مصلحه من انك تتجوز؟ ممكن ربنا يهديها وتوافق تعيش معايا، قولتلك انت مش فارق معايا تتجوز ولا تطلق حتى، انا كل اللي بيني وبينك حفيدتي وبس 

❈-❈-❈


توجه ذلك الرجل بدفترة إلى محل زاهر وهو يتطلع بأعينه باهتمام بالغ حوله ويسلط أنظارة بين الجميع بالداخل بتفحص، أنتبه له زاهر وعقد حاجبيه باستغراب ليتساءل الأخير و أردف قائلاً بخشونة

= سلام عليكم مين فيكو هنا اسمه زاهر القط 

تحشرج صوت زاهر أثر شرب الشيشه وهو يجيب بإستفهام 

= ايوه انا خير مين حضرتك؟ تامر بايه ؟ 

اقترب منه الرجل وهو يحمل دفتر بين يديه وقال بنبرة اهتمام

= اتفضل امضي هنا واستلم الورقه دي؟ ده استدعاء من المحكمه رفعته مراتك ضدك عشان تطلقها

قذف زاهر بعصبية كوب القهوة على الأرضية لتتحطم إلى أجزاء ويتناثر ما بها على الأرضية الصلبة، و انتفض العاملين في مكانهم من أثر الصوت المدوي، بينما قال هو صارخًا بحدة

= هي وفاء رفعت عليا قضيه تاني؟ هي ما بتحرمش، برده نفذت اللي في دماغها 

انصدم الرجل من طريقته وقال بغرابة

= وفاء مين؟ انت متجوز كام واحده اللي رافعة عليك القضية إسمها مهره زكريا ورافعه عليك قضيه خلع ! 

جمد أنظاره المخيفة عليه بطريقه مريب و صمت لحظة واحدة يستوعب الأمر ! ثم لم يمهل لنفسه الفرصة يستوعب ويفهم فقبض على ذراعه صائحًا بشراسة

= قلت مين؟ نعم يا روح امك مهره مين دي كمان اللي ترفع عليا قضيه خلع اتجننت ولا ايه؟ ده انا اشرب من دمك ودمها.. أنا زاهر كبير المنطقه هنا اللي بتتهزلي شنبات! عيله صغيره ذيها ترفع عليا قضيه خلع

استشعر الرجل التهديد العدواني في نبرته، فقال بهلع وهو يوجه أبصاره نحو عدلي الذي ركض علي الاصوات، فهو لم يمهله الفرصة لطلب النجدة أو الاستغاثة 

=نزل ايدك عني يا راجل انت بدل ما اعمل لك قضيه تعدي على موظف في تقضيه عمله وانا مالي ما تروح تتفاهم مع مراتك.. انا عبد المامور مش اكتر .. واتفضل أمضى خليني امشي

اقترب عدلي بسرعه وهو يحاول ابعاده عن الرجل، وقال موضحًا بنبرة غير قابلة للنقاش

= يا باشا ما يصحش كده هتجيب لي نفسك مشاكل استلم الاستدعاء وبعد كده نشوف حل.. نزل ايدك يا باشا وأبعد عنده الناس بتبص عليك ماينفعش كده ! ما توديش نفسك في داهيه وخلينا نفكر بالعقل

صمت هو مجبر فلم يتوقع أن تستعيد قوتها تلك الصغيرة وترفع مهرة هي الأخري دعوه ضده! مضي زاهر واستلم الاستدعايه و رحل الرجل وهو يتطلع إليه بضيق مكتوم، كانت صدمه كبيره حقا له فمعنى ذلك ستكون الزوجة الثانية التي تتجرأ وتطعن رجولته الزائفة وترفع ضدة قضية خلع! احتدت نظراته وبدت أكثر إظلامًا ليهتف من بين أسنانه بقسوة

= يا بنت الكلب يا مهرة .. بقي انتٍ يطلع منك كل ده؟ 

أمسك هاتفه وطلب أبيها فورا لحظات وجاءه رد الأخير ليصيح بلا احترام و بصلابة مخيفة

= بقى انا بنتك ترفع عليا قضيه خلع، و عاوزه تدخلنى النيابة يا راجل يا زباله؟

أصيب زكريا بذهول تام وتشنج وجهه، وفغر فمه قائلاً 

= قصدك مين؟ مهرة! طب ازاي وهي هتعرف تتصرف من غيرنا وتروح ترفع قضيه لوحدها

هدر زاهر بصرامة ترعب الأبدان

= انت بتسالني أنا يا روح امك! شوف انت بقي مين مقويها وعاوزها تطلق مني عشان الجو يفضلة معاها، البنت دي زودتها أوي يا زكريا اطولها بس بايدي وشوف مين هيلحقها مني إلا موتها .

❈-❈-❈


لا تعلم ليان لما ظلت بهذا المنزل واستمعت لهذا الهراء الذى قاذفه أيمن ومنعها من الرحيل بعد أن تجرأت و طلبت الطلاق! بدأت نادمه على استسلامها للامر لكن يجب ان ترحل قريباً فبدات ان تتعب وتمل من الاستمرار في تلك العلاقه التي تستنزف من وقتها و مجهودها الكثير دون فائده؟ لكن هي من تركت نفسها فريسة للأعين الجائعة .

أغمضت عينيها تخفى ألم روحها فهل هذا الذي أصبح يتعامل معها أيمن زوجها؟ الذى طالما ترنم بغلاوتها بقلبه وقربها لروحه! لكن كل ذلك اختفى مع مهب الريح بسبب غلطه واحده ارتكبتها في حقه ؟ فكرت ان تذهب الى والدتها الان وتحكي لها كل ما حدث معها وتستنجد بها 
لكن بالتاكيد ستصرخ فزعا بها وستجد تقريعا واتهامات مباشرة بالإفراط فى تدليلها حد الإفساد لتخون زوجها وأنها ألقت علي العائلة عار لن يمحى وأنها لا تريد أن تسمع عنها خبر سوى إن كان نهايتها .

إنتفضت بخوف شديد فتلك التخيلات أتت على روحها تزيد احتراقا، نفضت عنها التحسر عليها أن تجد حل؟ وأنها تعلم جيد ستظل تدفع ثمن هذه الغلطه طول حياتها من الجميع

مذلة بدأت تشعر بها تقتحم حياتها فجأة من الترف إلى النقيض تمامًا، لم تتصور أن تصبح بين عشية وضحاها في وضع كذلك، أصدرت أنينًا موجوعًا وهي تتقلب بألم على جانبها محاولة النهوض لتجد أمامها المصحف الكريم! 

خفضت رأسها بخجل شديد من ربها وشعرت بعدم الرضا عن نفسها. خلال الفترة السابقة بدأت في إهمال الجانب الديني من حياتها كثيرًا ، حتى ابتعدت كثيرًا عن ربها ، وبسبب ذلك هل أوصلها إلى تلك الحالة؟ وارتكاب تلك الأخطاء القاتلة دون التفكير في العواقب الوخيمة!

توضات وارتدت الاسدال وفوق منه حجاب بسيط وحملت المصحف وبدات ان تتلاوه بعض الآيات الكريمة وهي تشعر بالحزن الشديد و الإجهاد كلما بدات فيه سوره جديدة وانتهت وبدات الأخرى؟ بسبب بعدها عن قراءة القرآن لفترة وشيطانها يحاول منعها للاستكمال لتتوقف! لكنها استمرت لبعض وقت هكذا .

وبعد فترة دخل أيمن ليتفاجا بها تقف امام المراه وتضع حجاب أعلي رأسها، عقد حاجبيه باستغراب ليتساءل 

= بتعملي ايه ؟ 

ارتجفت شفتاها وهي تقول

= بفكر اتحجب ! الفكره بقت تراوضني الأيام دي كتير ونفسي اخذ القرار 

تجهمت تعبيراته بشدة وزفر بصوت مسموع مجيب بازدراء وهو يرمقها بنظرات دونية

= وده ليه بقى ان شاء الله؟ عشان تدري على عمايلك ولا عشان احاول اسامحك بالطريقه دي .

هزت برأسها بيأس ولم تجيب لكن تعالي صوت هاتفها فجاه فانكمشت على نفسها قلق من نظرات الشك لها، أشار هو بذراعيه معللاً 

= مش هتردي على تليفونك

هنا زاد شحوب وجهها وزاغت أبصارها، جذبها أيمن من ذراعها بقبضته العنيفة بجمود وقبل أن يستفسر عن اي شيء تفاجأ بها تتحدث بجراه لم يتوقعها وقالت بصدق

= لا رد انت ده تلاقي طارق! بقيله فتره كل يوم بيحاول يكلمني من نمره شكل غريبه كل ما اعمل له بلوك ! رد انت عليه المره دي بس استنى لما هو يرد الاول عشان تتاكد .

اتسعت عيناه بعنف شديد وتركها وأخذ الهاتف 
ليحدق في الشاشة بنظرات حادة، تحولت تعبيراته للوجوم الشديد حينما ضغط على زر وفتح الخط وانتظر سماع صوته الملهوف وهو ينطق باسم زوجته مرددًا 

= ليان أخيرا رديتي عليا .

ضايق نظراته أكثر وهو يصيح بشراسة

= اه يا زباله يا واطي انت بتتصل بالنمره دي ليه؟ عاوز منها ايه بعد اللي عملته؟ ما ترد يا حيوان اول ما سمعت صوتي سكت ! والله لو ما بعدتش عنها وعني هبلغ عنك ما تخليك راجل وتعالى واجهني في وشي وتقولي انت عاوز ايه منها ؟؟ ما ترد 

اغلق طارق الهاتف بسرعه بخوف، ليلتفت أيمن إليها بازدراء وكاد أن يتحدث و يعنيفها هي الآخري؟ لكنها رحلت قبل ان ينفعل عليها لانها تعلم جيد سيخرج غضبه بها وهي ليس لها ذنب . 

يتبع


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية بدون ضمان, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة