-->

رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 10

    قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 

 


رواية روضتني 2

(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)

طمس الهوية

للكاتبة أسماء المصري


الفصل العاشر

ظلت تستند على صدرها حتى خرجت السيارة من المنطقة السكنية وياسمين تربت عليها وتقبل أعلى رأسها بحنان وكل هذا وذلك الجالس بالأمام بجوار أخيها يركز بصره على انعكاسها في المرآة التي أمامه حتى لاحظت ياسمين تحديقه المستمر بهما وأيقنت أنه يركز نظراته على توأم روحها فحدثت نفسها بحنق:

-لأ بقى سيبوها فى حالها كفايه اللي شافته، ده لولا إنها أقوى واحده فينا كان زمانها اتجننت 

صمتت قليلا وحدقت بعينيه فارتبك ونظر أمامه للطريق وياسين يحدثه:

-تعبناك معانا يا يزن بيه

التفت ينظر له بتعجب وهو يقول:

-يزن بيه ايه بس! هو احنا مش قرايب ولا ايه؟

شعر ياسين بالخجل وهو يوضح له:

-ده ميمنعش اننا بنشتغل عندكم

تجهم وجهه بشدة وهو يعقب:

-عيب الكلام ده يا ياسين، إحنا اخوات ومفيش فرق بينا

كلماته ربما قد تجعلها تلين وتتخذ طرفه ولكنها ظلت ممتعضة الوجه وهي تنظر له وتحدث نفسها:

-مش بعد كل ده يبقى أخرة نصيبها ابن مروان كمان، لأ وألف لأ، كفايه عليها اللي حصل لها من مازن وهو عايش حياته ولا هامه حاجه وهي اللي اتعذبت و ضغطنا عليها بالزفت مالك وآدي اللي جرالها من ورا اصرارنا عليها، ياريتنا ما اتدخلنا ولا حد مننا اقنعها بالجوازة الزفت دي وميبقاش كمان نصيبها في واحد ابوه أسوأ نموذج في الحياة

لم يقطع تفكيرها سوى رنين هاتفها برنته المميزة فأجابت على الفور:

-ايوه يا حبيبي

رد فارس متسائلا:

-أنتو ماشيين بسرعة ليه كده؟ خلى يزن يهدي السرعه شويه

فعلت ما أمرها به وعادت لتستمع له وهو يخبرها:

-عربيتكم خرجت من الشارع بدري وملحقتوش تعرفوا اللي حصل

انتبهت حواسها وملامحها وهي تسأله:

-خير؟!

اعتدلت نرمين ونظرت لها وهي تحدث زوجها:

-الرجاله اللي كانت لسه واقفه مع الناس بلغوني ان مرات صاحبه ضربته بترابيزة القهوة الحديد على دماغه

لمعت عينها وهي تسأله بترقب:

-مااات؟

رد متحيرا:

-غالبا، الرجاله لسه هناك وبلغتهم ميمشوش لحد ما نعرف الموضوع وصل لفين

هتفت ياسمين بقهر:

-ما يموت ولا يروح في داهيه، أحسن، يستاهل

سألتها نرمين بصوت مبحوح:

-أنس اللي مات؟ ردي يا ياسمين؟

اومأت لها وهي تخبرها:

-اصبري بس أفهم من فارس

هتف فارس من الطرف الآخر:

-خلى يزن يركن على جنب احنا قربنا نحصلكم

أخبرته وهي لا تزال على الخط واستمعت له يكمل:

لو مات هندخل في قضية وسين وجيم وإحنا مبقناش نلحق اسمنا يبعد عن الميديا

تكلمت بعدم اكتراث لما يقوله:

-احنا مفيش علينا حاجه، عشيقته اللي قتلته و....

قاطعها موضحا:

-يا ياسمين افهمي، اللي حصل كان قدام 100 شاهد واكتر ومش شرط ابدا الكل يحكي اللي حصل زي ما هو، ده غير ان الكل شافها وهي بتحقنه بالمخدر وده كان سبب انه مقدرش يقاوم وقت ما قتلته ومش بعيد ابدا يتهموها بالتحريض او المشاركه او...

سحبن نرمين الهاتف من يدها واخبرته:

-أنا مستعده لأي حاجه يا فارس، كفايه اني انتقمت

رأت ياسمين السيارات تقترب منهم فترجلت ومعها البقية ووقف ياسين بجوارهما يربت على كتف اخته وفور اقتراب فارس منهم سأله الاول بخوف:

-نرمين ممكن تتسجن؟

رمقه بنظرة محذرة لما تفوه به من عفوية جاهلة قد تضع اخته بحالة نفسية سيئة ورد بقوته المعهودة:

-أنا مش هسمح بكده، نعرف بس الأول الدنيا ايه

التفت يحدث زوجته:

- يلا احنا يا ياسمين

امسكت راحة نرمين وهي تخبره:

-لأ، انا هروح معاهم البيت

حك انفه وهو يعقب:

-بس الولاد كده طول اليوم من غيرك، تعالي نروح وبكره...

قاطعته بإصرار:

-لأ يا فارس، روح انت وابعتلي الولاد والداده مع اي سواق

احتدت تعابيره فلاحظت نرمين وعلى الفور تكلمت حتى لا ينشب خلاف بينهما:

-روحي بيتك يا سو، انا كويسه والله خالص متقلقيش

رفضت مصرة:

-أنا مش هسيبك وانتي بالحالة دي

هذب فارس لحيته بغضب ويزن يخبره:

-متقلقش عليهم انا هوصلهم لحد البيت

صر على أسنانه والتفت يرمق زوجته بنظرة حادة وهي تؤكد عدم انتظارها لموافقته أو رفضه:

-وخلي آلاء ولا سنيه تبعتلي هدوم عشان احتمال كبير ابات هناك

اخشوشن صوته وهو يسألها بغضب:

-أنتي بتستأذنيني ولا بتأمريني عايز أفهم؟

تأكدت نرمين أنه تم نزع فتيل غضبه بنجاح وقد كان ما كان فأمسكتها من ذراعها وهي تخبرها:

-روحي مع جوزك يا ياسمين انا كويسه والله

تحديها له بالنظرات والأفعال أخرجه من هدوءه فصاح بها موبخا:

-ايه حكايتك؟ كلامي مش بيتسمع ليه من أول مره؟

ردت تحاول تدارك الموقف بعد أن انتبهت أخيرا لغضبه:

-معلش يا فارس عايزه...

قاطعها بحدة وعيون تطلق شرر:

-بس ولا كلمه

اقترب عمر منه وقطع تبادله النظرات الحادة والمحذرة مع زوجته:

-هتحرك انا يا فارس ولو في جديد هبقى ابلغك

رفع فارس حاجبه وهو يسأله:

-مش هتيجي معايا نشوف هنعمل ايه في الليله دي؟

ابتسم وهو يجيبه:

-مفيش حاجه نقدر نعملها لحد ما نعرف انس عايش ولا مات، وكده ولا كده هيتفتح تحقيق و...

قاطعه فارس بغضب:

-المفروض تكون دلوقتي بتعمل اتصالاتك عشان تعرف أساس الموضوع وممكن يوصل لفين!

رد بدبلوماسية:

-أكيد هعمل ده وأنا في طريقي للبيت، بس أروح أشوف مراتي وبنتي بقالي يومين مشوفتهومش

هتفت ياسمين معقبة على حديثه:

-ابقى سلملي على خديجة

أومأ وهم بالرحيل ولكنه استمع لتعقيب فارس الغاضب:

-ده أنا مبقاش ليا قيمه خالص

عاد ينظر له بتفاجئ وهو يسأله:

-مالك يا فارس؟ انا عايز...

صاح مقاطعا:

-مش عايز اسمع نفس من حد فيكم

التفت ينظر لزوجته وأمرها:

-استنيني فـ العربية

همت بالحديث والرد عليه فصاح بصوت مرتفع:

-ولا كلمه، اتحركي يلا على العربيه

تجهم وجهها وأطرقت نظراتها لأسفل بحنق ودلفت سيارته تتذمر بضيق، التفت هو يحدث عمر بصيغة آمرة:

-روح اتغدا وساعتين بالكتير وتكون عندي عشان نشوف هنعمل ايه

لم يستحسن طريقته بالتعامل معه بهذا الشكل فصر عمر على أسنانه وتكلم بأسلوب غاضب:

-متنساش اني صاحبك مش الجارد الخاص بيك يا فارس، وعشان انا صاحبك هخلص اللي ورايا واعدي عليك نشوف آخر التطورات

تحرك من امامه وفارس لا زال غاضبا يضغط على اسنانه حتى كاد يهشم فكه حتى شعر بلمسة نرمين على ذراعه تهدأه فالتفت يرمقها بنظرات مكترثة وسألها بإهتمام:

-متأكده انك كويسه؟

أومأت بهدوء فأضاف:

-لو احتاجتي حاجه كلميني على طول، أكيد رقمي معاكي يعني مش لازم تحطي ياسمين وسيط بينا يا نرمين انتي عندي زيك زي اخواتي البنات

هزت رأسها بحركات متتالية فالتفت يحدث يزن:

-وصلهم وكلمني

ألقى بجسده على مقعد السيارة وامر سائقة بصوت غليظ:

-ع البيت

قاد سائقه بصمت وظل فارس يهز قدمة بلازمة عصبية فحاولت ياسمين فتح حديث معه بسبب امتعاضها من اسلوبه الجاف:

-عمرك ما هتبطل تزعق لي بالشكل ده قدام الناس

تحدث من بين اصطكاك اسنانه:

-وهمد ايدي المره الجايه اللي هتتحديني فيها بالشكل ده قدام حد او حتى لوحدنا 

اتسعت مقلتيها بشكل متفاجئ وهي تستمع له وسألته بحزن خيم على ملامحها:

-هتعمل ايه؟ هتمد ايدك؟ أنت سامع نفسك؟

التفت وهو يصر على أسنانه مؤكدا:

-أيوه سامع وبأكد كل على كلمه بقولها، المرة الجايه اللي هتردي عليا فيها توقعي قلم على وشك يعدلك عشان انتي الدلع بيعوجك

ابتلعت ريقها بغض وحزن في آن واحد وأشاحت بوجهها عنه تنظر للنافذة فلم يكترث لعبراتها التي لمحها بانعكاسها بزجاج النافذة وامسك هاتفه قاصدا التحدث مع مازن الذي سأله فور أن أجاب:

-ايه الأخبار عندك؟ جنى بقت أحسن

أجابه بهدوء:

-الحمد لله

ردد ورائه:

-الحمد لله، انا هعدي عليكم اطمن عليها ونتكلم شويه في اللي حصل انهاردة مع...

قاطعه مازن على الفور:

-أحنا مش فـ البيت

لم ينتظر حتى يسأله وأضاف:

-جنى ولدت وإحنا في المستشفى دلوقتي

سأله بضيق:

-وليه مقولتليش؟ هو مش كنت لسه بكلمك؟

أجابه موضحا:

-كنت هتبقى ما بين نارين، نار انك تخلص موضوع نرمين ونار انك تيجي وكده كده مكنتش هتلحق توصل قبل ما جنى تدخل العمليات

زفر انفاسه وهو يفكر لماذا اليوم بالتحديد يشعر بهذا الكم من الغضب الذي تحكم بحواسه وأفعاله، فتمتم بداخله بعد أن أغلق المكالمة

-أنا مالي متعصب اوي ليه كده؟ الظاهر زيارة الدكتور وجبت

❈-❈-❈

وقف منتفضا فور اقتراب والدته منه وهو يسألها:

-أتأكدوا؟

ردت وهي تمسح على وجهه بحنان:

-أهدى يا حبيبي وإن شاء الله التحاليل تطلع ونطمن

أقترب مراد منهما عندما استمع لحدة ابنه:

-أنا مش فاهم إزاي مكتشفوش الكلام ده من أول الحمل؟ على الأقل كان ممكن يبقى في حل؟

عقب عليه والده بتجهم:

-كنت هتنزله ولا إيه؟

التفت ينظر له بحزن واطرق رأسه فعاد الأول هاتفا:

-ده يمكن ربنا مظهرش الموضوع في الأول عشان عارف نيتك

وبخته دينا على الفور:

-ده وقت الكلام ده يا مراد؟

جلست بجوار ابنها تهدئه وتواسيه:

-كل حاجه بأمر ربنا، وإحنا علينا نحمده على كل خير وشر

رد عليها باكيا:

-ونعم بالله، الظاهر إن ده عقاب ربنا ليا عشان الذنوب اللي مغطياني، كنت فاكر ان مرضي كافي بس الظاهر ذنوبي أكبر بكتير 

بكى وانتحب فاحتضنته والدته وظلت تربت عليه وهو يسألها:

-أنا اهتميت بكل تحاليلها يا ماما عشان احنا قرايب وخوفت يكون في مشاكل في الحمل زي ما بنسمع إن جواز القرايب ممكن يجيب اطفال عندهم مشاكل، والتحاليل كانت كلها سليمه

ردت عليه بعملية:

-يا حبيبي المتلازمة مش مرض بييجي من جواز القرايب، ده خلل بيحصل في انقسام البويضة أو الحيوان المنوي وممكن ميبانش في التحاليل لأن العيلة كلها مفيهاش تاريخ لحاجه من دي وغير كده احنا بنطلب التحاليل دي لما بنشك أو بيظهر في السونار

اعتدل بجسده ونظر لها بعينين تفيض بالعبرات:

-مشكتوش وقولت ماشي، بس ازاي مبانش في السونار يا ماما بس وهي تحت الملاحظة من اكتر من شهر؟

ردت توضح له: 

-جنى تعبت قبل ما تتم السابع اصلا وكل تركيزنا كان على جنى وصحتها الاهم، ووظايف البيبي واغلب الحالات بتظهر بعد الولادة اصلا من الشكل العام للطفل

بكى واضعا وجهه بين راحتيه فأقبل عليه والده مواسيا:

-ربنا مش بيعاقبك يا مازن، ربنا مديك تذكره تدخل بيها الجنه وبدل ما تفرح بيها زعلان وعمال تعيط

استنشق ماء انفه وهو يعقب:

-لله الأمر من قبل ومن بعد

خرج الطبيب المباشر لحالة رضيعه فانتفض مازن من مجلسه واقترب منه بلهفة يسأله:

-طمني

رد على الفور دون تأجيل:

-الحالة حالة متلازمة داون الموزييك

انعقد حاجبي مازن بعدم فهم بينما ابتسم مراد وانفرجت أسارير دينا وهي تهلل:

-الحمد لله يارب، ده أخف نوع يا مازن

التفت لها متسائلا بصمت فأجابته وهي تبتسم له:

-أخطر نوع هو النوع المنتشر واللي بنشوفه حوالينا وهو متلازمة الثلث الصبغي 21 والموزييك ده أخف نوع فيهم لان الخلل بيكون في نوع واحد من الخلايا وأعراضه خفيفه جدا وبالعلاج والمتابعة ممكن الطفل يعيش زي الاطفال الطبيعية

التفت مازن يسأل الطبيب:

-هو ايه السبب أصلا؟

رد يوضح بعملية:

-معظم الحالات اللي معندهاش وراثه بالمرض ده في العيلة وانجبت اطفال مصابين كان السبب خلل حصل بسبب كبر سن حد من الاوبين أو واحد منهم حامل للجين ونقله أثناء التخصيب للجنين

ابتلع ريقه متسائلا:

كبر سن أد ايه يعني؟

ضحكت دينا وهي تخبره:

-فوق الأربعين يا حبيبي، أنتو الاتنين لسه صغيرين وعشان كده مشكناش واحد في الميه أنه ممكن يحصل ومظهرش فـ السونار ولا التحاليل لأنه أخف نوع وربنا لطيف بيك يا حبيبي

عاد يسأل الطبيب:

-مرضي والعلاجات اللي باخدها والكيماوي ممكن تتسبب في ده؟

اومأ الطبيب موضحا:

-ممكن، الكيماوي بيعمل خلل عام في الجسم كله وممكن يتسبب في خلل في الكروموسومات

تسائل بحزن:

-وهل حالتي ممكن تخليني اخلف طفل تاني بالشكل ده؟

رد الطبيب وهو يلتمس الفرار بعينيه من رب عمله:

أظن الدكتور مراد هو اكفأ مني للإجابه عن السؤال ده و...

قاطعه مازن بحدة:

-هو بابا دخله ايه، مش حضرتك المفروض دكتور امراض وراثية! يعني انت اكتر واحد تقدر تجاوب

ابتلع ريقه فأومأ له مراد ليجيب:

-احتمال، شيئ مش مستبعد إلا لو موقف العلاج فتره كويسه وتحاليلك كلها سليمه

سأله بإهتمام:

أقدر أعمل التحاليل دي دلوقتي عشان أتأكد؟

وافقه ورافقه لغرفة التحاليل فتحدثت دينا من خلفه:

-هيشيل نفسه الذنب و...

قاطعها مراد:

-هو كده كده حاسس بالذنب من اول يوم جواز يا دينا، حس أنه اناني عشان يتجوز بنت صغيرة عنه ب14 سنه وهو مريض كمان

بكت دينا بحزن وهي تتضرع لله:

-يارب اقف معاه وقويه ومتوجعنيش فيه 

دلف فارس بتلك اللحظة ليرى عبرات زوجة عمه فهرع ناحيتها وهو يسألها بلهفة:

-في ايه؟ جنى حصل لها حاجه؟

نفت وهي تمسح عبراتها:

لأ يا حبيبي متخافش عليها هي كويسه وفي اوضتها نايمه

سألها من جديد بنفس اللهفة:

-أومال بتعيطي ليه؟ مازن عندها؟

نفت وهي تخبره:

-لأ هي لسه مصحتش، مدينها منوم عشان اول ما فاقت في الإفاقه كانت عماله تعيط وخوفنا عليها تسخن، ده حتى مازن مدخلهاش

سأل بحدة وفروغ صبر:

-أومال في ايه؟ مازن فين؟

خرج مازن بتلك اللحظه من غرفة التحاليل واقترب من فارس مجيبا:

-انا اهو يا فارس

احتضنه وربت عليه مباركا:

-مبروك يا مازن ولا أقولك يا بابا مازن

بسمته المقتضبة جعلت فارس يستشف أمرا فسأل بتخوف:

-في ايه يا مازن؟ طمني

رد باكيا:

-ابني عنده متلازمة داون يا فارس، ابني اللي ممكن يكون الوحيد هيعيش حياته كلها طفل ومش هيكبر ابدا، مش هيكون سندي لما اكبر او يبقى الراجل لمامته لما اموت

استمع له فارس وتصنع التماسك والقوة وهو يربت عليه:

-ارتضي بقضاء الله وقدره يا مازن، ربنا مبيعملش حاجه وحشه

رد باكيا:

-ونعم بالله

سأله بحيرة:

-عشان كده جنى كانت عماله تعيط؟

نفى وهو يؤكد على الجميع:

-لأ هي لسه متعرفش ومش عايزها تعرف دلوقتي خالص وياريت محدش أصلا من العيله يعرف...

قاطعه مراد:

-انت هتتكسف من ابنك من دلوقتي يا مازن؟

نفى وهو يوضح:

-لأ يا جماعه، انا خايف حد يقع بلسانه قدام جنى وانتوا منبهين انها متزعلش عشان ميجلهاش حمى زي اللي جت لياسمين، انا معنديش استعداد تتعب التعب ده، مش هتستحمل يا جماعه

وافقه الجميع فسألهم فارس:

-أنتو مكلمتوش مامتها؟

ردت دينا وهي تتأفف:

-هو احنا كنا فايقين يا فارس، ده من ساعة ما تعبت لحد دلوقتي مفضناش لحظه

أومأ وهو يسحب أنفاسه بداخله وزفر زفرة قوية وقال بصوت جاد:

-بلغوها عشان جنى هتحتاجها جنبها، وميار كمان تيجي تقف جنب اختها

لم يستطع حتى الآن أن يعترض عليه أي فرد من عائلته أو خارجها فوافق الجميع بتعابير وجوههم دون التفوه بأي كلمة وجلس هو بجوار رفيق دربه يؤازره ويهون عليه بالكلمات المراعية والمحفزة

❈-❈-❈

وصل أسفل بنايتها فصف سيارته ونزلت تستند على شقيقها ونزل هو الآخر يقف بجوار باب السيارة مودعا إياهما فهتف ياسين داعيا إياه:

-ما تتفضل يا يزن بيه تطلع نشرب اتنين قهوة

ابتسم وهو يقول بمعاتبة:

-برده يزن بيه؟ مفيش فايده؟ طيب انا مش هطلع إلا لو شيلت الألقاب يا ياسين 

بادله البسمة وقال أخيرا عندما وجد نرمين لا تقو على الوقوف:

-خلاص يا يزن اتفضل البيت بيتك

صعد برفقتهما فرحب به اهل المنزل وقام محمود بسحب ابنته واحتضنها وهو يدعو لله:

-الحمد لله يا بنتي، الحمد لله ربنا حفظك

عقبت هدى:

-قدر ولطف، ربنا رحيم بينا كان زمانا دلوقتي ماشيين مطاطين راسنا قدام الخلق كلهم

التفت يزن لطريقتها بالحديث التي هي النقيض تماما عن زوجها او أبنائها فالتفت محمود يوبخها بحدة:

-كلامك سم يا هدى، أنا بنتي مغلطتش ولا عمرها هتاطي راسها لحد طول ما انا عايش

أشار ليزن وهو يشعر بالحرج:

-معلش يا بني متآخذنيش انشغلت ببنتي ومرحبتش بيك، اتفضل جوه

بعد مناقشة الامر والتحدث بالكثير من الأمور المتعلقة بزوجها السابق وشقيقه النذل سأل ياسين والده:

-دلوقتي فارس باشا بيقول إنه لو مات نرمين ممكن تتسجن! ده صحيح يا بابا؟

أومأ ممتعضا:

للأسف، ممكن تتوجه لها تهمة التحريض او المشاركة لأنها خدرته، كلام فارس باشا مظبوط جدا

تجهم وجه يزن وهو يستمع لهما فعقب متسائلا:

-بتقولوا لفارس يا باشا؟ ده حضرتك في مقام حماه وياسين يعتبر اخو مراته؟

ضحك الجميع ونظروا للجد وهو يوضح:

-تقريبا انا الوحيد اللي مبقولوش يا باشا، حكم السن بقى

تجهم وجهه بشدة وهو يقول:

-وهو الأستاذ محمود مش اكبر منه سنا برده ولا ايه؟

رد المعني:

-بس هو اكبر مقاما يا بني، الناس مقامات برده وهو بتفرق معاه الحاجات دي اوي

ليتدخل ياسين بالحديث موضحا:

-ده شخط في ياسمين حته شخطه يا بابا عشان كانت مصره تيجي معانا، يعيني جسمها كله كان بيترعش منه

حرك محمود رأسه مستنكرا:

-الله يهديه، مفيش فايده معاه وهي غلبانه

قاطعهم يزن وهو يسأل بإهتمام:

-خلونا فـ المهم يا جماعه، ايه الحل في موضوع نرمين؟

تنحنح محمود وهو يجيبه:

-أنا محامي يا بني، بس مفيش أي حاجة نقدر نعلمها غير لما التحقيق يبدأ ونشوف شهادة الشهود وتوجه النيابه هيكون لفين

❈-❈-❈

ظلت بغرفة طفليها تداعبهما وعبراتها لم تتوقف عن النزول بعد أن شعرت بالإهانة من تصرفه وأكثر ما آلمها انه جعل حرسه الخاص يأخذوها للمنزل وذهب لزيارة اخته الصغرى بدونها

خطى الصغير جاسر بخطواته الطفولية ومسح عبرات والدته بأصابعه الصغيرة وهو يبتسم لها وقبلها متحدثا بشكل طفولي غير مفهوم:

-ممما مما، ايط مما

فهمته فأخفت حزنها وهي تقبله:

-لأ يا حبيبي مش بعيط، أنا بحبك أوي يا جاسر

قبلها قبل كثيرة وهو يردد:

-ابك مما ابك مما

وقفت تسأل مربيتهما:

-جاسمين بتسخن بالليل ولا حاجه؟

نفت مؤكدة:

-من ساعة آخر نقل دم والحمد لله مسخنتش خالص

سحبت نفسا عميقا وطردته وهي تردد:

-الحمد لله

جلست بجوارها تنظر لها بإهتمام وسألتها:

-مالك يا هانم بتعيطي ليه؟

عادت للبكاء رغما عنها وردت وهي تهم بالخروج:

-عندنا مشاكل فـ العيلة، متشغليش بالك 

وقفت على اعتاب باب الغرفة وأخبرتها:

-لو احتاجتي حاجه ليكي أو للولاد بلغيني على طول

نزلت الدرج فوجد حنان جالسة تحيك مشغولات صوفية للصغيرين فابتسمت رغما عنها من حنانها الفياض المماثل لأسمها وسألتها:

-لسه مخلصتيش الفستان ده يا داده؟

أومأت وهي تحرك يدها تكمل ما تفعله:

-خلاص يا بنتي هانت أهو، وخلصت الشرابات عشان الدنيا بدأت تبقى برد أوي عشان الولاد يلبسوهم ويدفوا

قبلت رأسها وهي تدعو لها:

-ربنا يخليكي لينا يا داده

جلست بجوارها فسألتها الأولى:

-هو فارس اتأخر ليه لدلوقتي؟ ده ولا جه عـ الغدا وآدي العشا قرب ومجاش برده

حاولت إخفاء حزنها منه فأجابتها موضحة:

-اليوم انهارده كان طويل عليه اوي يا داده، بدأ بخطف نرمين

لمعت عين حنان وياسمين تكمل:

-وولادة جنى ومعرفش انشغل بايه تاني!

اعتدلت بجسدها حتى تصبح في مواجهتها وسألتها بفضول:

-لأ احكيلي ايه اللي حصل

❈-❈-❈

خرج من العيادة بعد تلك الزيارة الاستثنائية وهو يشعر بالارتياح لمجرد شرح الطبيب لحالته بأنها ما هي إلا ضغوطات لا أكثر فقد كان متخوفا بشدة ان يعود لسابق عهده من الحدة والقسوة والغرور وربما السادية

دلف سيارته وقادها متوجها لفيلته فهو كالعادة صرف حرسه وسائقه ليحتفظ بهذا السر لنفسه كما أعتاد دائما، وبينما هو مركزا بصره على الطريق استرجع مقتطفات من حديث طبيبه:

-هل انت حاسس أنك عايز ترجع زي الاول؟

أجابه نافيا:

-لأ طبعا، ده انا حاجز للحج السنه دي إن شاء الله

ابتسم الطبيب وهو يهنئه:

-حج مقبول مقدما يا باشا، يبقى احنا هنا كل اللي بنعمله إننا بنشوف سر العصبية اللي أنت فيها اليومين دول

أوما مستمعا له فأكمل:

-أنا من اللي حكيت عنه ومن اللي بسمعه في السوشيال ميديا فحضرتك مريت بضغوطات كبيرة أوي الفتره اللي فاتت وشايف انك الأفضل لو تحاول تخرج من الضغط ده وتسافر تستجم يومين بره البلد

ضحك فارس وهو يقوس فمه:

-اللي زيي لا له راحه ولا استجمام، أنا عندي هموم متلتله أسيبها لمين بس؟

أصر عليه طبيبه:

-ما أنت لازم تفصل عشان تقدر تكمل، خد المدام والولاد وحاول تكرر السفريه اللي عملتوها في الصيف، يمكن ساعتها الضغط اللي عليك يقل وترجع اقوى من الأول

رفض موضحا:

-للأسف التوقيت صعب، مش هينفع

أراح الطبيب جسده للوراء مستندا على مقعده وسأله بحيرة:

-طيب بلاش سفر، ايه اكتر حاجه بتحب تعملها في الأيام العادية وممكن تخرجك من المود ده؟

أجابه بدون تفكير:

-الرياضة وخصوصا ركوب الخيل، ممكن البوكس مع اني خفيت لعب خالص عشان ابطل عنف

اومأ بتفهم وسأله:

-عندك ساونا في البيت؟

أجابه مؤكدا فابتسم الطبيب ولما ظن انه لا يملك واحدة وقال بحرفية:

-ايه رأيك لو كل يومين كده تعمل جلسة ساونا على جاكوزي ويا سلام لو مساج تهدي بيه اعصابك و...

صمت عندما لاحظ شروده وابتسامته فجعد جبينه متسائلا:

-ايه اللي جه فـ بالك اول ما قولتلك الكلام ده؟

اجابه وبسمته قد اتسعت لأذنيه:

-ياسمين، أصلها بتعمل مساج حلو أوي

ابتسم الطبيب هو الآخر وسأله:

مساج مساج ولا مساج بمشتملاته؟

أجاب بعد أن حاول تصنع الجدية:

-أكيد بمشتملاته يعني انا مش النبي يوسف

صدحت ضحكة الطبيب وهو يسأله:

-والعلاقة مش بتخرجك من المود الوحش؟

أجابه:

-أكيد بتخرجني، بس انا بهدلتها اوي انهارده، أبقى معنديش دم بصراحه لو رجعت طلبت منها مساج ولا علا...

قاطعه الطبيب وهو يغمز له بطرف عينه اليسرى:

-الحاجات دي مبتطلبش، هي بتيجي لوحدها، وبعدين حضرتك اللي قايل لي انها بتتصالح بكلمتين ولو زودت عليهم هدية بسيطه إنشالله لو بوكيه ورد اظن انها هتطير من الفرحه

عاد من شروده مركزا بالطريق ونظر امامه ليجد بائع للزهور الطبيعية فابتسم وصف سيارته مترجلا منها ووقف امام البائع يشير لأحد باقات الزهور وهو يوقل:

-هات البوكيه ده

ناوله البائع إياه بعد ان قام بلفه بأوراق السلوفان والشرائط الحريرية فاغدق عليه فارس بمبلغ يعادل حصيلته من الزهور فظل البائع يدعو له وعاد المعني للجلوس بسيارته واضعا الزهور بجواره وقاد متوجها لفيلته ولكنه التفت ينظر للباقة وتمتم لنفسه:

-لأ مش لدرجة ورد

قاد سيارته متوجها لمتجر المصوغات الذي تعامل معه دائما ودلف بهالته المهيبة فرحب به صاحب المتجر ترحيبا يليق به:

-أهلا أهلا يا باشا، نورت المحل

جلس فارس على المقاعد الجلدية المبطنة بركن كبار الزوار ورمق صاحب المتجر بنظرات متحيرة وسأله:

-عايز حتة ألماظ بس تكون مفيش زيها، حاجه كده من القطع الفريدة واللي يشوفها لازم ينبهر بيها

رد الرجل بعد ان لمعت عينه:

-طلب سيادتك عندي يا باشا

ذهب للخزينة التي يضع بها الثمين من المشغولات أو بالأخرى أثمن الثمين من الألماس وأخرج ذلك العقد المرصع بكامله بالألماس وينتهي بفص كبير يخطف الأنظار وناوله لفارس الذي نظر له بإعجاب وظل يقلبه يمينا ويسارا وهو يسأله:

-ي منه كام قطعه العقد ده؟

أجابه وهو يخرج العقد الموثق للعقد:

-حته واحده بس يا باشا زي ما طلبت، الشرطة عملته قطعة فريدة ومكررتهوش تاني

نظر فارس للأوراق وتاكد من حديثه فوقف مخرجا حافظة نقوده وأخرج منها البطاقة الإئتمانية الخاصة به وهو يشكره:

-متشكر جدا، يا ريت تحطه في العلبة هو والأوراق بتاعة ملكيته

غادر فارس بعد أن فعل الصائغ ما امره به ودلف سيارته قاصدا فيلته تلك المرة، وبالطريق استقبل هذا الاتصال الذي كان ينتظره طوال اليوم:

-ايوه يا عمر، طمني؟

اجابه عمر من الطرف الآخر:

لسه عايش، بس في غيبوبه

سأله بفروغ صبر:

-والتحقيقات؟

رد عمر فورا:

-كل الجيران قالوا فـ التحريات المبدئية انهم مشافوش حاجه ولا يعرفوا ايه اللي حصل، حتى صاحب القهوة قال انه كان في المخزن هو والصبي بتاعه وخرج على صوت الصويت بتاع اهل مالك

سأله فارس وقد وصل على اعتاب منزله:

-واهله أقوالهم كانت ايه؟

أجابه بحيرة:

-أهو ده اللي مش فاهمه، الرجاله بتوعي اتكلموا مع الجيران لما الإسعاف جت اخدته وعلى أساس كده الكل شهد بانه مشافش حاجه بس الغريب أن المباحث لما سألت أهله اخواته وأولهم مالك قالوا أنهم نزلوا على صوت صرخه ولقوه بالشكل ده

تعجب فارس وسأله من جديد:

-معقول! وامه سكتت؟

أجابه موضحا:

-أمه وقعت من طولها وفي العناية المركزة وصعب التحقيق معاها

أغلق المكالمة وصف سيارته مترجلا صوب الباب ودلف فرحبت به مربيته الجالسة برفقة زوجته وطفليه ومربيتهما بغرفة الجلوس:

-حمدالله ع السلامه يا حبيبي، ده انا قلقت عليك كنت فين كل ده

جلس بجوارها بعد ان دفن نفسه بينها وبين زوجته فابتعدت لتسمح له بالحلوس بالمنتصف:

-كان ورايا شغل كتير يا داده

التفت يرمق زوجته بنظرات متفحصة وسألها:

-مفيش حمدالله ع السلامه يا حبيبي انتي كمان ولا انا حبيب داده بس

لم ترد عليه فصاحت حنان فورا:

-يا خرابي عليكم، أنتوا متخانقين برده؟ يا ولاد كبروا دماغكم بقى الدنيا فيها مشاكل كفايه مضيقوهاش على بعض

ابتسم وهو يرد على مربيته:

-انا اللي غلطان المرة دي يا داده، ومستعد اصالحها

أخرج العلبة المخملية من جيب سترته واقترب من أذنها هامسا:

-ارفعي شعرك لفوق

استدارت توليه ظهرها ورفعت شعرها فوضع العقد حول عنقها وانحنى مقبلا إياها من عرقها النابض وهو يهمس بصوت مسموع:

-أنا آسف، متزعليش مني

لمعت عين مربية صغيريه مما وضعه للتو على عنق حبيبته فشهقت دون قصد:

-الله 

اجتاحها الفضول لترى شكله فوقفت متجهة لأقرب مرآة ونظرت له وهي تتلمسه باناملها فتبعها ووقف خلفها وسألها بصوت آسر:

-قطعه فريدة مفيش غيرها فـ العالم كله اتعملت عشانك انتي وبس

التفتت ترمقه بنظرات حزينه وتمتمت:

-مادية انا هتصالحني بعقد الماظ فهجري عليك وأنسى اللي حصل؟

رد وهو يسحبها معه خارج غرفة المعيشة:

-أنا عارف إن الماديات آخر حاجه تفكري فيها، بس كل الستات بتحب المجوهرات وانا بصراحه معنديش غير طريقتين عشان اصالحك بيهم

نظرت له بفضول وسألته:

-الهدايا وأيه كمان؟

انحنى هامسا بأذنها:

-وقلة الأدب

يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة