رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 7
قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية روضتني 2
(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)
طمس الهوية
للكاتبة أسماء المصري
الفصل السابع
❈-❈-❈
استيقظت على صوت مؤقته ففتحت عينيها بخمول ومدت يدها لتلمسه حتى يستيقظ عندما ظل المؤقت يصدح برنينه داخل الجناح، ولكنها تفاجئت بمكانه فارغ فاعتدلت بجسدها على الفراش ونظرت حولها محاولة أن تعرف أين قد ذهب مبكرا هكذا؟
تركت الفراش وتوجهت للمرحاض وفتحت بابه بحذر وهي تهمس منادية:
-فارس انت جوه؟
لم تجده فتعجبت وتسائلت بداخلها أين يمكن أن يكون بهذا الوقت؟ ارتدت مئزرها وخرجت تبحث عنه فوجدته يخرج من غرفة صغيريه؛ فابتسمت لحبه الزائد لنطفتيه وقطعتي روحه وهمست تسأله:
-صحيت امتى؟
أجابها وهو يقترب منها:
-مجاليش نوم أصلا، نزلت ركبت عنتر وبعدها عديت ع الولاد لما سمعت صوتهم صاحيين، وأديني راجع لك اهو.
ابتسم بنهاية حديثه بعد أن سحبها بقوة داخل حضنه؛ فارتطمت بصدره بقوة، ولكنها لم تتاوه بل ابتسمت وهي تستند براحتيها على صدره العريض وسالته بقلق:
-ايه اللي شاغل بالك؟
تنهد وهو يسحبها ورائه لداخل الجناح ورد:
-حاجات كتير اوي، بس أولهم جنى طبعا.
ربتت على كتفه تؤازره:
-إن شاء الله هتبقى كويسه والبيبي كمان يبقى كويس.
تضرع لله هاتفا:
-يارب، كان نفسها فيه اوي وهتدمر لو حصله حاجه وهي من غير حاجه سلوكها مش سوي من ساعة اللي حصل لأبوها ولمروان الفهد قدام عنيها.
حاولت تهدئة أفكاره وهي توضح:
-جنى بالرغم من كل اللي مرت بيه بس هي جدعة وبتقدر تتخطى المشاكل بسرعة و...
قاطعها نافيا توضيحها:
-مش معنى إن اللي قدامك بيرسم أنه كويس يبقى كويس يا ياسمين، أنا عارف اختي كويس وعارف إن كل اللي حصل لها من اول موضوع شادي الزفت ده ولحد انهارده مش عادي أبدا حتى لو بتحاول تبين انها تمام والامور زي الفل.
تنهدت وأومأت له برأسها تؤيد حديثه بعد أن استشعرت غضبه وحزنه؛ فأستند برأسه على كتفها وهو يهذي بتعب:
-انا تعباااان اوي، مش قادر أكمل بجد وطاقتي خلصت.
رفعت رأسه براحتيها ونظرت لعمق عينيه وهي تبتسم له بحب:
-مش فارس الفهد اللي يقول كده، أنت أقوى من كل اللي حصل وبيحصل وربنا هيقويك لأن ربنا بيدي كل واحد على قد قوة تحمله، وانت يا حبيبي ماشاء الله عليك بتشيل جبال هموم.
قوس فمه وهو يعقب:
-بس تعبت خلاص، مش لاحق لا أفوق ولا أعيش حياتي ولا حتى أرتاح يا ياسمين.
ربتت عليه وقبلته من وجنته وهي تعقب:
-ربنا يقويك ويخفف الحمل اللي عليك يا رب.
انتفض بسرعة ينظر بساعة الحائط وهو يسالها:
-هي الساعة 8 فعلا؟
أومأت له وهي توضح:
-ساعة ما خرجت ادور عليك كان منبهك رن و...
قاطعها وهو يتوجه للمرحاض بعجالة:
-ده انا عندي ميتنج مهم اوي الساعه 9 ولازم اروح الشركه احضر له عشان مازن مش معايا.
دلفت وراءه تساعده بتجهيز حمامه:
-لو عايزني آجي اساعدك انا 5 قايق واكون جاهزة.
رمقها بنظرة متحيرة وظل ينظر لها وهي تتحكم بصنبور المياة للتحكم بدرجة حرارتها وهتف فور أن انتهت:
-طيب روحي البسي على ما أخلص، أطلع ألاقي لابسه يا إما مش هاخدك معايا.
هرعت لتنفيذ رغبته أو بالأحرى اقتراحها وارتدت حلة رسمية نسائية ووقفت تصفف شعرها ترفعه عاليا بيديها حتى تستطيع تصفيفه؛ فخرج هو ملتفحا بمنشفة عريضة فلمحها على الفور وابتسم مطلقا صافرة إعجاب وهو يطري عليها:
-ده ايه الجمال ده كله؟ قلبي الصغير لا يحتمل.
تركت شعرها على الفور فانسدل يغطي جسدها فاتسعت بسمته من حسنها الخلاب الذي يسرق لبه، اقتربت منه تتحسس صدره العاري وهي تشاكسه:
-شكلي حلو؟
أومأ لها وهو يعض على شفته السفلى:
-زي القمر يا روحي، بتفكريني بأول مره شوفتك فيها وخطفتيني.
اتسعت بسمتها من غزلة بها واستمعت له يكمل:
-اللبس والشعر والمكياج وعيونك الحلوين دول سرقوا قلبي مني.
ظلت على حالتها السعيدة والمبتسمة، ولكنه تجهم فجأة وهو يتحدث بصوت حاد:
-بس لو عايزه تنزلي معايا الشغل، شعرك ده يتلم والمكياج ده يتمسح بدل ما امسحه انا بمعرفتي.
غمز لها بنهاية حديثة وبالرغم من حدته إلا أنها ضحكت عندما قبلها برقة وهو يضيف:
-مش عايز حد يشوف جمالك ده غيري، أنا وبس.
أومأت له وتحركت صوب مرآة الزينة لتزيل مساحيق التجميل الخفيفة التي وضعتها على وجهها وعقصت شعرها بكومة منمقة وحملت حقيبتها النسائية وانتظرته ليخرج من غرفة ملابسه؛ فلم يتأخر بالخروج مرتديا بدلة رسمية ذات ماركة عالمية بدت رائعة الجمال فاطلقت هي نفس الصافرة تقلده وهي تمدح ذوقه الراقي:
-شيك اوي اوي البدله دي.
اقتربت منه وارتفعت على أطراف أصابعها وهي تحكم تضييق ربطة عنقه وتسأله بدلال:
- يا ترى المييتنج ده فيه ستات؟
ضحك عاليا وهو ينحني لارتداء حذائه وقال متعجبا:
-ده بجد؟ يلا بلاش دلع هتأخر على المييتنج.
وصلا لبوابة الشركة؛ فترجل كل من سائقه وحارسه ليفتحا لهما الباب ودلفا وهو يخلل أصابعه بخاصتها؛ فانتبه الموظفين لدخوله فوقف الجميع احتراما له، ولكنه لم يشغل باله بأحد وتحرك للداخل صوب الدرج وتبعه حارسه الشخصي الذي أمره فارس باتباعه.
صعد ثلاثتهم الدرج للطابق المخصص لمكتبه فرآهم كل من بالشركه وقد أصبح الجميع يعلم بحالتها ورهابها من الأماكن المغلقة؛ فبدأت الهمهمات عن كم هي محظوظة بزواجها منه بعد تغيره الذي طرأ عليه ولاحظه الجميع وبالأخص موظفيه الذين كانوا ينالون النصيب الأكبر من حدته.
-كنا بنقول هيتسلى بيها كام شهر ويسيبها راح متجوزها، وقولنا اتجوزها عشان معرفش يطولها غير بالحلال وشوية ويطلقها.
عقبت أخرى:
-بعد ما خلفت منه اتنين واتغير بالشكل ده عشانها! مظنش فارس باشا كان بيتسلى.
دلف مكتبه وتبعه حارسه وتخلفت ياسمين للجلوس برفقة مساعدته حتى تطلع على بعض الأمور الخاصة باجتماع اليوم.
جلس على مقعده الجلدي ولم يكن من الصعب على زين التنبؤ بماهية الحديث القادم من رب عمله؛ فوقف مترقبا لما هو آت فاستهل فارس حديثه بصوته الجاد:
-اقعد يا زين.
جلس أمامه وهو منتظرا أن يتحقق حلمه ويتفرغ له رب عمله ولو قليلا من أجل إتمام مشروع زواجه بعد أن مر بالكثير من الأمور التي شغلته عن إتمام تلك الزيجة مما أدى لنشوب خلافات بينه وبين من أحبها، جلس متذكرا آخر مقابلة تمت بينهما عندما تقابل معها بعد إلقاء القبض على رب عمله ووقتها لم تهتم هي كثيرا بما حدث وهدرت به عندما أخبرها بضرورة تأجيل زيجتهما للمرة التي لا يعلم عددها:
-أنت أكيد بتهزر، اسمع بقى يا زين لأن شكلك كده بتتسلى وانا خلاص مش هكمل الموضوع ده.
رفع حاجبه مستنكرا حديثها:
-بتسلى! أنا بتسلى يا دعاء؟
سألته بحدة رهيبة:
-اومال تسمي اللي بيحصل ده ايه؟ انا مالي ومال فارس اللي مشاكله مبتخلصش ده، وهو لو انسان كويس مكانش بقا ده حاله وانت كمان رابط جوازنا بيه.
زفر ممتعضا من حديثها وحاول الرد عليها، ولكن رنين هاتفها قاطعه قبل أن يتحدث فأجابت والدها الذي سألها:
-أنتي فين؟
أجابته بعدم اكتراث:
-مع زين يا بابا، بنهي معاه القصه دي كلها.
لمعت عينه وهو يستمع لحديثها؛ فسحب منها الهاتف وتكلم باحترام:
-أنا آسف يا أستاذ احمد بجد على اللي حصل.
سأله أحمد وهو ينظر لذلك الجالس أمامه:
-أنت مشكلتك انك مش واضح يا زين، ولولا إن بنتي عيزاك انا كنت رفضت الجوازه دي من الاول.
ابتلع زين ريقه بتباطئ وهو يستمع للطرف الآخر:
-هو فارس حبسوه ليه؟
أجاب زاما شفتيه بالضيق:
-متهمينه بقتل عاليا هانم مع انها انتحرت.
تنهد احمد وهو يخبره:
-لو قاعدين قريب هات دعاء وتعالى البيت نكمل كلامنا.
وافقه ووقف يدفع حساب المقهى وتحرك معها صوب منزلها وفور دخولهما تفاجئ بشادي يقف أمامهما مبتسما وفاردا ذراعيه؛ فهرعت دعاء تحتضنه باشتياق وهي تصرخ:
-شااااددي، أنت جيت امتى؟
ربت على ظهرها مبتسما ورد:
-لسه من ساعتين، وحشتيني أوي يا دودو.
ابتعدت عن حضنه؛ فرمق زين بنظرة جامدة ومد راحته يصافحه:
-ازيك يا زين؟
بادله المصافحة بتوجس وجلس منتظرا أن يفتح والدها الحديث والذي تكلم بشكل مباشر:
-بص يا بني، احنا كلنا عارفين إن فارس وشادي اعداء مش مجرد اتنين حبوا نفس البنت، وبالرغم من وجودي دايما في تجمعات العيلة بس عارف إن في شرخ كبير حاصل ومش هيتداوى بسهوله، مش زي باقي العيلة اللي نسوا بسرعة هو عمل فيهم ايه عشان يتجوز ياسمين.
ظل زين يستمع له وهو يكمل:
-وكلنا عارفين برده انك الراجل بتاعه وولائك له اكبر من أي حاجه في الدنيا ولو اتحطيت في اختيار ودعاء بنتي في كفه وفارس في الكفه التانية فأنا مش حابب أقولك كفة مين اللي هتربح، أظن كلامي صحيح؟
صمت ولم يعقب فتبادل أحمد الحديث مع ابنه الذي نطق أخيرا:
-انا كل ده ميهمنيش وكل اللي يهمني هو سعادة اختي الوحيده ولو هي بتحبه يا بابا فأنا هحط أعصابي في تلاجه واستحمل عشان خاطرها، بس يكون هو عارف قيمتها ويحافظ عليها.
التفت ينظر له بمغذى وهو يضيف:
-والعداء اللي بيني وبين فارس الفهد انت بعيد عنه لاني مش حاطك طرف بالرغم من انك كنت الايد اللي بتنفذ أوامره، بس أنا عاقل وفاهم انك بتنفذ الاوامر عشان ده شغلك وأكل عيشك، لكن لو هتيجي على اختي فهو ده اللي مش هقبل بيه.
ظل زين يذدرد ريقه وهو يستمع لهما يتحدثان بالتناوب عندما عقب أحمد على حديث نجله:
-وبالرغم من كل ده ولسه يا بني لا قادر تاخد قرار ولو شوفنالك اهل جم يتعرفوا علينا ونتعرف عليهم، طيب فارس وبيخرج من مشكله يدخل في غيرها فهل من المنطقي اننا نفضل مستنيين لما مشاكله كلها تتحل؟ طيب على الاقل اهلك ييجوا ونقرا فاتحه عشان خروجك مع بنتي ميبقاش كده من غير ارتباط رسمي.
رد أخيراً عندما تركوا له المجال بالرد:
-أنا يتيم من وأنا عندي 10 سنين ودعاء عارفه كده، ومليش غير اتنين عمامي وعلاقتي بيهم تكاد تكون معدومه، ففعلا انا مليش حد غير فارس باشا و....
قاطعه أحمد بضيق:
-طيب الحل ايه؟ نستنى ولا نفضها يا بني؟
أطرق رأسه متخاذلا وهو يرد:
-أنا عايزاها يا عمي، بس مقدرش اتخطى فارس باشا مش عشان هو مديري وبس، لأ .. وعشان فضله وجمايله عليا اكتر من اني أعدها.
رمقه شادي بنظرة كارهة واقترب منه جالسا بجواره وهمس له بصوت لم يستمع له سواه:
-متنساش حقي انا اللي عندك لأن لحد دلوقتي منستش انت عملت فيا ايه وايدك لسه معمله على جسمي.
لمعت عين زين وهو مضطر للتغاضي عن حديثه وتهديده فقط لأجلها هي، واستمع له يهمس مستطردا:
-بس عشان قلبي يصفا من ناحيتك مش هضربك باللكميات ولا بالجنازير الحديد زيك، بس هدوس على رقبتك بجزمتي زي ما كنت بتعمل معايا ونبقى خالصين يا زين.
احتدت تعابيره ووقف بغضب ناظرا له وأحمد يسألهما:
-أنتو بتتوشوشوا في ايه؟
ابتسم شادي بسماجه وهو يجيبه:
-ولا حاجه يا بابا بهزر مع خطيب اختي.
ابتسم ولا زال زين واقفا ينظر له بحدة؛ فتسائلت دعاء بحيرة:
-مالك يا زين؟
حرك رأسه نافيا وهو يجيبه:
-ابدا مفيش، المهم دلوقتي ادوني كام يوم لحد ما فارس باشا يخرج من الورطه اللي هو فيها واعرف افاتحه بالموضوع تاني، حتى لو نعمل خطوبه ع الضيق لحد ما ربنا يسهل.
رفض شادي على الفور وهو يؤكد بإصرار:
-لاااااا، أنا مش موافق إن اختي الوحيده تتخطب وتتجوز بالشكل ده، دعاء هيتعمل لها فرح متعملش لواحده ف العيلة كلها حتى لمرات الباشا بتاعك وده شرطي الوحيد، ومظنش لا بابا ولا دعاء هيختلفوا معايا في النقطة دي.
رجع من شروده وفارس يخبره:
-عارف اني اتاخرت عليك كتير وكذا مره ناخد ميعاد من والد دعاء ونخلف معاه، بس هو من العيلة وشايف اللي بيحصل.
أومأ له دون تعقيب فاستكمل فارس حديثه:
-أنا مش مناديك انهارده عشان اقولك حدد ميعاد جديد، لكن عشان اقولك إن الموضوع بتاعك لازم يتأجل شويه لأن صعب جدا نعمل فرح في الظروف دي، وبلغ الأستاذ أحمد إن دي أوامري وهو هيقدر الظروف.
ابتلع ريقه وبلل شفتيه فلاحظ فارس ردة فعله فسأله:
-في عندك اعتراض على كلامي يا زين؟
نفى على الفور وتكلم بتوتر:
-مش اعتراض يا باشا، بس الاستاذ أحمد كان لسه مكلمني ومش راضي يستنى اكتر من كده عشان الناس عرفت اننا مرتبطين فخايف على سمعة بنته و...
قاطعه فارس وهو يعقب عليه:
-ولو،إحنا عندنا مشاكل اكبر من مجرد خطوبه تتأجل ولا تتلغي حتى، بس طالما مستعجلين اوي كده يبقى نعمل خطوبه ع الضيق كده عشان ظروف العزا والحداد وبرده انت عارف اللي فيها.
عاد لتوتره فلمحه فارس الذي احتد ووقف صائحا:
-ايه الحكاية؟
أجابه بعد أن وقف هو الآخر أمامه باحترام:
-يا باشا والله لو عليا مش هراجع سيادتك فـ كلمه بس هم مش صابرين وعايزين فرح كبير و...
قاطعه فارس متسائلا:
-هم؟! مين هم؟ تقصد دعاء وأبوها؟
أومأ مضيفاً:
-واخوها.
رمقه بنظرة جامدة وسأل باقتضاب:
-هو رجع؟
أومأ بصمت؛ فجلس فارس على مكتبه متكئا على مقعدة وتنهد وهو يقول:
-أنا عارف إن الجوازه دي مش هييجي من وراها خير ابدا، بس إصرارك مخليني مضطر مزعلكش يا زين.
ظل الآخر صامتا فأغلق فارس عينيه وفتحهما وهو يقول:
-تمام يا زين، قولهم الخطوبه ع الضيق والدخله نبقى نعمل فرح.
خرج زين وهو يشعر بالتوتر والقلق، فها هو رب عمله يعرب للمرة التي لا يستطيع إحصائها عن رفضه لتلك الزيجة بل وتخوفه منها، وهو نفس الإحساس الذي يعتريه منذ فترة كبيرة ولولا صراحة حبيبته معه وإخبارها له مؤخرا بكل ما خططت له برفقه شقيقها لكان قد أنهى ذلك الإرتباط منذ فترة طويلة.
دلفت ياسمن تخبره باحترام:
-الوفد جه تحت يا باشا.
اتسعت بسمته وغمز لها ووقف متحركا للخارج، ولكنه سحبها من خصرها يحتضنها وتحرك بها صوب المصعد ووقف منتظرا وصول الوفد الذي رحب بهم ترحيب حار وجلسوا جميعا بغرفة الإجتماعات.
تسائل أحد رجال الوفد:
-أين السيد مازن؟ لقد أكد علينا حضوره بتهذا الإجتماع.
رد فارس فورا دون مماطلة:
-لديه بعض الأمور العالقة ولم يستطع الحضور، ولكنني هنا معكم وبالتأكيد سيتم تنفيذ كل البنود التي تم الإتفاق عليها معه لا تقلق.
أثناء الإجتماع ظلت نظرات هذا الرجل مرتكزة على ياسمين بشكل كبير؛ فلاحظها فارس الذي حاول تمالك ثورة غضبه حتى أحتد أخيراً متسائلا:
-ما سبب تحديقك المستمر بزوجتي؟
لمعت عين الرجل وهو يهتف مندهشا:
-زوجتك! حقا لم أكن أعلم وكنت على وشك سؤالك ما إن كانت مساعدة جديدة لديك؛ فتلك المرة الأولى التي أراها هنا.
صر فارس على أسنانه وهو يؤكد:
-ها قد علمت الآن أنها زوجة فارس الفهد، فهل ستظل تحدق أم علي أن أجبرك عن التوقف عن تحديقك بطريقتي الخاصة.
ضحك الرجل وهو يطرق رأسه ناظرا للاوارق التي أمامه هاتفا بمزاح:
-ومن لا يعلم طريقة فارس الفهد الشهيرة، أنا لا زلت شابا وأود الإستمتاع بحياتي يا رجل.
ضحك الجميع على رده على العكس منه الذي ظل متجهما وهو ينظر لها بغيظ وكأنها من اقترفت الخطأ هنا.
فور انتهاء الجميع وخروجهم تحركت معه لداخل مكتبه فبدأ ثورة غضبة التي تعلم جيدا أنها قادمة لا محالة:
-ليه انا دمي يتحرق كده في اجتماع مهم زي ده؟
لم ترد عليه وتركته يخرج ما بداخله:
-كل ما اقول هتعدلي لبسك وأسلوب حياتك برده تفضلي على نفس النمط بتاعك بس خلاص أنا هنزل أمر وهتنفذيه من غير نقاش.
ظلت صامته وقبل أن يخبرها بأمره رن هاتفها فابتسمت وهي تجيب بعد عدة رنات:
-والله بنت حلال، كنتي في بالي وعايزه اكلمك.
رفعت نرمين حاجبها متفاجئة وسألتها:
-انتي عبيطه يا ياسمين؟ ما انتي بعتالي على الواتس عشان اكلمك.
اتسعت بسمتها من جديد وهي تقول:
-ايوه ايوه، انا اصلي في الشركه مع فارس فكنت مشغوله شويه.
لم تفهم الأخرى حديثها فتسائلت بحيرة:
-هو أنا اللي غبيه ومش فاهمه كلامك ولا انتي بتحاولي تعملي فيلم على فارس اني متصله بيكي من نفسي؟
أجابتها ببسمة واسعة:
-الله ينور عليكي، استني طيب هروح مكتبي واشوفهالك.
رمقها فارس بنظرة مغتاظة وهي تقبله من وجنته:
-حبيبي، معلش نكمل كلامنا بعدين ومتزعلش نفسك.
أسرعت من أمامه وهو يصر على أسنانه بغضب وخرجت تجلس على مكتبها وهي تتنفس الصعداء وقالت بارتياح:
-انقذتيني من ايده، كان ناوي ينزل فرمان من فرمانات فارس الفهد ولحقتيني.
ضحكت نرمين وهي تسألها:
-فرمان ايه ده؟
حركت رأسها بحيرة وهي تخبرها:
-مش عارفه بس هو الفترة الأخيره دي اتكلم معايا كذا مره عن اللبس والحجاب فكنت متوقعه هيقولي تتحجبي وانا...
قاطعتها وهي تعقب:
-والله أنا قولتلك قبل كده انا عايزه اتحجب اوي، ما تشجعيني يا ياسمين وناخد الثواب ده سوا.
زفرت بضيق رافضة:
-أوووف هو انا ههرب من فارس هتطلعيلي أنتي، أنا مش مستعده لسه للخطوة دي ولو انتي عايزه تلبسيه go a haed محدش مانعك.
تضايقت نرمين من أسلوبها فهتفت بإصرار:
-طيب والله أنا خلاص أخدت قراري وهلبس الحجاب، خليكي انتي والهبله التانيه كده عايشين في اللا لا لاند ربنا يهديكم.
زفرت ياسمين وهي تقول:
-يا بنتي يخربيت كده، اسمعيني بس عايزه اقولك على حاجه.
استمعت لها تقول:
-فارس قرر ان كل العيلة تنزل الشغل وأنهارده اخدني معاه عشان كده بفكر لو اكلمه تنزلي انتي كمان معايا واهو منه شغل ومنه نقضي الوقت سوا.
سألتها متعجبة:
-فارس وافق تسيبي الولاد وتنزلي الشغل؟
أجابتها موضحة:
-هو انهارده عشان مازن مع جنى ف المستشفى، بس أنا هكلمه انزل كل يوم ولو انتي موجوده ممكن يوافق.
رفضت نرمين وهي توضح وجهة نظرها:
-مينفعش طبعا، انتي عيزاني انزل معاكي ووشي يبقى ف وش مازن طول اليوم؟ دي كانت جنى هدت الدنيا، ده غير حرق الدم اللي هبقى فيه، لا يا ستي الله الغني وبلاه الشغل اللي ييجي من وراه وجع دماغ.
عقبت عليها بعد أن انتبهت لحديثها:
-أوبسسس، معاكي حق انا نسيت موضوع مازن ده خالص، طيب ايه رأيك تنزلي العالميه أهو تبقي مع ياسين وساجد.
وافقت بحركة طفيفة من رأسها خرجت منها بعفوية:
-آه، لو كده ماشي المهم ابقى بعيد عن مازن خالص.
وافقتها وأغلقت معها وعادت لطرق باب مكتبه ودلفت وهي تبتسم له فور أن رفع وجهه ناحيتها مزيلا عنه نظارة القراءة التي أصبح يرتديها مؤخرا:
-هديت ولا لسه متعصب؟
قوس فمه وابتعد بمقعده للوراء قليلا ليسمح لها بالجلوس على قدمه؛ ففعلت فورا وداعبت وجهه ولحيته وهي تقول:
-في مجال نرمين تنزل تشتغل في العالمية؟
أومأ لها وهو يخبرها:
-مرزقه البت نرمين دي، لسه سكرتيرة ساجد مبلغه إنها هتاخد أجازه عشان هتتجوز، خليها تنزل من بكره عشان تلحق تتدرب.
سألته بحيرة:
-أجازة الجواز اسبوعين يا فارس ولما السكرتيرة ترجع نرمين هيكون مصيرها ايه؟
رد مقبلا راحتها من الداخل:
-متقلقيش، في يزن وآسر نازلين الشغل واكيد كل واحد فيهم هيحتاج طقم سكرتيرات ومساعدين خصوصا انا ناوي اعين يزن رئيس مجلس الإداره بالنيابه عني للفترة الاولى.
ابتسمت وهي تقبله:
-حبيبي ربنا يخليك لينا.
غمز لها وهو يعقب:
-متفتكريش انك عرفتي تأكليني الأوطنه وتهربي مني قبل ما اقول القرار اللي اخدته بخصوص لبسك.
وجدت نفسها محبوسة بركن ضيق لم تستطع الفرار وهو يقول:
-من هنا لحد ما نسافر الحج هتتعودي على اللبس المحتشم واحده واحده عشان متقوليش مش عارفه ومش مستعدة، بس بمجرد رجعونا من الحج انسي تماما يا ياسمين انك تقلعي الحجاب وترجعي للمسخرة دي تاني
زفرت بضيق وردت تحاوره:
-أولا انا لابسه محتشم انهاردة وثانيا معلش يعني يا فارس هو انت مش حبتني واتجوزتني وانا ده لبسي وطريقتي ولا ايه!
أومأ ورد:
-لو انتي شايفه البنطلون المحزق ومبين تفاصيل جسمك بالشكل المستفز ده يبقى لبس محتشم، يبقى انا لسه قدامي مشوار طويل اوي معاكي لحد ما تتعدلي.
بللت شفتيها بلسانها واستمعت له يضيف:
-ولو على بداية تعارفنا ببعض فأنتي كنتي عنيده وبتردي عليا كل كلمه ولبسك كان مسخره، وانا كنت سادي وبتاع ستات وعايش بالزنا والحرام، أنا ربنا هداني وفاضل انتي.
خجلت من حديثه وهو يكمل:
-جدك مبيفوتش فرض ربنا، وعمك كمان والمفروض انك رايحه لبيت ربنا معايا فـ إزاي عيزاني اقبل او اوافق بالوضع ده؟
حاولت الاعتراض:
-يا فارس انا...
قاطعها بحدة:
-أنا مش عايز نقاش، ده أمر ويا يتنفذ بالشكل التدريجي اللي قولتلك عليه يا هيتنفذ فـ التو واللحظه واضربي دماغك في اطخن حيطه، هو عشان انا ساكت هتسوقي فيها، كل راع مسئول عن رعيته وانتي يا هانم مراتي وأنا هتحاسب عليكي، فهمتي ولا اقول كمان؟
صمتت تذدرد لعابها بتباطئ وهي تعلم تلك النظرة التي يرمقها بها وتعلم مدى جديته عندما يتحدث بتلك اللهجة الصارمة فحاولت ان تهداه ولو قليلا وهي تداعب وجهه براحتيها تتدلل عليه كعادتها:
-طيب خدني واحده واحده، انا مكنتش عامله حسابي اني هلبس الحجاب بدري كده.
رفع حاجبه الأيسر وهو يسألها:
-بدري كده! هو مش الحجاب فرض برده ولا إيه؟ فرض من البلوغ ولا انا فاهم غلط؟
تنفست بعمق وهي تستمع له:
-حبيبتي، انا نفسي ربنا يرضا عننا ونقرب منه أكتر يمكن ربنا يخرجنا من الضيق اللي عايشين فيه على طول ده ويبارك لنا فـ ولادنا.
أومأت له وهي صامتة فقبلها من وجنتها وهو يقول:
-حبيبتي انتي يا سلطانه.
❈-❈-❈
انهى ما بيده وضغط على زر استدعاء مساعدته فدلفت مبتسمة له وهو يسألها:
-في حالات تانيه بره؟
نفت وهي تقترب منه تشاكسه بمداعبة:
-لأ، خصلتهم كله كله.
شعر بالامتعاض من دلالها الذي يشعره بالتقزز احيانا ولكنه مضطرا لمجارتها فهي احدى ضحاياه ويعلم تماما انها قد تفتضح امره إن ما ابتعد عنها كما يفعل مع مريضاته.
ابتسم لها وهو يخلع رداءه الأبيض اللون والذي هو عكس ما بداخل قلبه وصدره من عتمة وقال لها وهو يهم بالمغادرة:
-كويس خلصت بدري انهارده عشان عندي كذا مشوار.
لحقت به مسرعة وهي تنظر للوقت:
-لسه بدري ده اليوم لسه فـ اوله، استنى يمكن حالات تانيه تيجي.
رفض وهو يغادر:
-لأ خلاص كفايه عليهم كده انهارده الساعه عدت 2 الظهر.
تحرك صوب سيارته ومنها لذلك الشارع الضيق والمنزل المهترئ الذي يتقابل فيه مع عاهرته؛ فاتسعت بسمتها بتفاجئ:
-معقول! انت جاي من غير ما تقولي ليه؟
دفعها حتى ارتطم ظهرها بالحائط وهو يقبلها بعنف ورد على تساؤلها:
-نفسي فيكي اوي.
غمز لها بطرف عينه فتركته ليدلف واغلقت الباب وراءه بعد أن تاكدت أن احدا لم يراه من سكان المنطقة الشعبية التي تعيش بها وتبعته للداخل؛ فوجدته يفتح ثلاجة الطعام يبحث عن شيئ ما والتفت لها بعد أن استمع لصوتها المتسائل:
-بتدور على ايه؟
رد وهو يغلق الثلاجة متأففا:
-معنديش لا بيره ولا حاجه تتشرب خالص؟
نفت بحركة من كتفها الايمن بدلال وهي تقترب منه تداعب شعيرات صدره الظاهرة من فتحة قميصه:
-مفلسه بقالي كذا يوم يا حبيبي، هات فلوس وأنا ابعت اجيبلك اللي انت عايزه.
زغر لها بعينه وأخرج حفنة نقود وهو يتذمر:
-لحقتي خلصتي الفلوس اللي اديتهالك من يومين؟ خدي بس هاتي بيرة وأكل بسرعه احسن جعان.
أومأت وهي تتحرك للخارج تستدعي أحد الأطفال الذين يلعبون بالشارع:
-خد يا واد يا حوده، خد الورقة دي هات اللي فيها وهات لنفسك حاجه حلوه.
ابتسم الطفل وهرع بسرعة ليلبي طلبها؛ فتعجب أنس وهو يسألها بحيرة:
-هتخلي الواد ده يجيب البيره؟!
ضحكت وهي تتجه للمطبخ قائلة:
لأ طبعا هو انا هبلة، ده انا عندي ازازتين في الفريزر كنت لسه بشبرهم واهم من نصيبك.
جلست على فخذه بعد أن ناولته زجاجة وأمسكت الأخرى:
-ابقى هات طلباتك معاك وانت جاي يا دكتور عشان احنا هنا في منطقة شعبيه وصعب تلاقي فيها اللي انت عايزه.
زغرها بعينيه وأومأ ممتعضا وبدأ بالتحدث معها بجدية:
-عملتي حاجه فـ الموضوع اياه؟
تصنعت البلاهة وهي تسأله:
-موضوع ايه ده؟
أجابها وهو يصر على أسنانه:
-انتي هتستعبطي؟ موضوع مرات اخويا.
وقف وهو ينظر لها بحدة وصحح:
-أو اللي كانت مرات اخويا.
ابتسمت بمكر وجلست على الفراش تتدلل بابتذال كاشفة عن مفاتنها وتحدثت بإغراء:
-كل حاجه عايزها هتحصل يا دكتور وزي ما انت بتحلم واكتر.
اسرع ناحيتها وسألها بلهفة:
-طيب فهميني ناوية تعملي ايه؟ انا على اعصابي ومبقتش عارف اركز في شغلي من يوم ما قولتيلي على اللي فـ بالك.
تكلمت بمياعة:
-عشان كده جيتلي انهارده وأنت مش من عوايدك تجيلي مرتين ف اسبوع واحد كده.
زفر أنفاسه وهو يكاد يشعر بالملل وفروغ الصبر فصاح بها:
-اخلصي بقى وقولي اللي عندك
غمزت بعينها وهي تسحبه من راحته ناحيتها فسقط بجسده عليها:
-نمرة هتتلعب عليها متخرش المية بس محتاجه اشغل علاقاتي شوية، ومتقلقش محلوله بس فك انت كيسك والدنيا هتمشي زي السكينه ف الزبده.
قضمت اسفل شفته بنهاية حديثها فتألم وابتعد مخرجا حافظة نقوده وأخرج منها حفنة من النقود وألقاها عليها وهو يسألها:
-دول كفايه؟
اخذتهم وبدأت بحصرهم وهي ترد:
-دول عربون يا دكتور، لسه الليله بتاعتنا طويلة وهتكلفك شويتين.
أومأ مبتسما بانتصار لحظي شعر به:
-وماله، كله يهون عشان خاطرها
❈-❈-❈
جلس بمكتبه الجديد وبدأ يتفحص محتويات الغرفة وهو مبتسم من داخله انه وأخيرا أصبح فردا من عائلته التي ابتعد عنها مرغما طوال حياته بسبب أفعال والده المنافية للعقل والمنطق.
لحظات من المتابعة وبدأ بالفعل على التعود على سير العمل ولم يحتج لمساعدة ابن عمه ورئيسه الذي يصغره سنا، ولكنه منى نفسه بوعد فارس بتوليه رئاسة مجلس الإدارة للفترة الاولى كما وضح لهم بعد تنحيه هو عن متابعة المجموعة العالمية التابعة للعائلة.
استمع لطرقات على بابه فأذن للطارق بالدخول وتفاجئ بلحظة دخول ساجد ومعه زوجته وتوأمها مبتسمين واستمع لساجد يهتف:
-يزن باشا، اخبار الشغل معاك ايه؟
أومأ بوقار وهو ينهض من مقعده:
-الحمد لله، كله تمام.
التفت ساجد ناظرا لزوجته وهو يقول:
-شيرين مراتي، أظن مش محتاج اعرفك عليها؟
ابتسم لها ومد ساعده ليصافحها وهو يرد:
-لأ طبعا اتقابلنا اكتر من مره.
التفت برأسه ناحية توأمها ومد راحته وهو يعقب:
-وعارف حضرتك كمان يا استاذه نرمين، اتقابلنا في فيلا فارس.
أومأت له دون تعقيب وصافحته بالمقابل فهتف ساجد موضحا:
-وهتبقى المساعدة بتاعتك يا باشا كمان.
حاول إخفاء سعادته فهو حقا قد سحر بها ولا يعرف لما اصبح يفكر بها طوال الوقت، وحتى ذلك اليوم الذي تقابل فيها مع طليقها وشعر تجاهها بنوع من الحماية والغيرة الغير مبررة لفتاة تقابل معها توا لم يكن ليظن انه قد يقع لفتاة لا يعرف عنها سوى احرف اسمها فقط.
بادله ساجد الابتسام وهو يقول:
-وشيرين هتبقى المساعدة بتاعتي وربنا يستر.
التفتت تنظر له وهي توبخه:
-يا سلااام، وخايف من ايه بقى يا ساجد بيه؟
ضحكوا ثلاثتهم دونها هي التي ظلت صامته فهتف يزن فورا:
-انتوا واقفين ليه كل ده؟ تعالوا اشربوا حاجه.
رفض ساجد وهو يهم بالخروج:
-انا عندي شغل متلتل، حاولوا تعملوا مع بعض اجتماع مغلق بقى لان انتوا الاتنين جداد ومحتاجين تتعرفوا على الشغل، ولو احتاجتوا اي حاجه اسألوني على طول.
هز يزن راسه موافقا وسأله قبل مغادرته:
-وآسر نظامه ايه؟
أجابه ساخرا:
-فارس بعتله عشان محتاجه في شغل تبع الفهد، انا قولتله قبل ما يمشي يسلم ع الشهدا اللي معاه، بس الظاهر لسه مستوعبش الكارثه اللي رايح لها برجليه.
ضحك يزن عاليا وهو يعقب:
-والله انتوا عاملين وكأن فارس ده وحش ولا بوبع بتخوفونا بيه والراجل عادي مفيهوش حاجه.
غمز ساجد وهو يرد:
-اديك هتشتغل معاه وهشوف رأيك هيتغير بعد شهر واحد ولا لأ!
غادر ساجد وشيرين؛ فالتفت يزن لتلك الجالسه مطرقة رأسها وصامته لم تشاطرهم لا الحديث ولا حتى الضحك وحاول فتح حديث معها عله يذيب ألواح الجليد التي بينهما:
-وشيرين هتسيب فارس الصغير فين وهي هنا؟
أجابته بصوت خافت بالكاد استمع له:
-مع المربية.
أومأ وهو يفتح حاسوبه وتحدث بجدية:
-طيب تعالي قربي من اللاب عشان نتابع الشغل سوا، مش عايز حد يفتكر عشان جداد ف الشغل هنحتاج مساعدتهم.
ردت وهي تتحرك بمقعدها بالقرب منه:
-متقلقش، انا اشتغلت ف كذا شركة قبل كده وعندي خبره كويسه وإن شاء الله هكون عند حسن ظن حضرتك.
ابتسم لها وهو ينظر لابتسامتها الرقيقة:
-احنا قرايب، مفيش داعي للرسميات دي.
ارتبكت وابتعلت ريقها وهي ترد:
-الشغل شغل، وانا طبعي كده.
ابتسم وهو يعقب:
-ده انتي تنفعي تشتغلي مع فارس جدا على كده.
ابتسمت بسمة متكلفة ولم تعقب عليه فسألها بفضول:
-انتي عندك ولاد؟
رفعت بصرها ناحيته متفاجئة من سؤاله الشخصي؛ فلاحظ هو تفاجئها وحاول تلطيف الاجواء قليلا مفسرا:
-عشان بس أحاول مأخركيش عنهم لو في ضغط شغل.
أجابته وهو تزفر بانفاسها:
-لأمعنديش.
ابتسم بسمة واسعة لامست أذنيه وهو يقول:
-طيب كويس جدا.
❈-❈-❈
وصل بوابة الشركة وصعد بالمصعد للطابق الاخير المتواجد به مكتب ابن عمه، دلف فوجد ياسمين تجلس على مكتب المساعدة فابتسم وهو يقول بداخل نفسه:
-كل واحد جايب مراته مشغلها معاه، امتى بقى اتجوز واجيبها تفضل قدامي ليل نهار كده؟
تحرك ناحيتها وابتسم ناظرا لها وأومأ بلباقة:
-أزيك يا ياسمين؟
بادلته البسمة بأخرى مقتضبة؛ فهي لا زالت متخوفة من التقرب منه أو من شقيقه بالرغم من كل ما حدث بسبب والدهما وما فعله بها وبحياتها، سألها آسر على الفور:
-فارس فاضي؟
أومأت له وأمسكت سماعة الهاتف الداخلي تخبره:
-آسر الفهد عايز يقابل حضرتك.
ابتسم ذلك الجالس على مكتبه وأجابها:
-دخليه.
دلف هاتفا بمزاح:
-المدام بتاعتك بتتعامل رسمي اوي.
رمقه بنظرة جامدة وهو يعقب:
-عشان ياسمين بروفيشنال في شغلها، وياريت تتعلم انت ويزن نظام الشغل بسرعة قبل ما اقلب عليكم.
ابتلع ريقه وجلس أمامه يسأله:
-محتاجني في اي؟
قوس فارس فمه ووقف رافعا حاجبه بغرور وغضب وهو يجيبه:
-هو أنا لسه قايل ايه من شوية؟
لم يفهم مقصده فنظر له بتيه فصاح به الاول:
-لما اكلمك تقف يا بني آدم وتنسى خالص صلة القرابه اللي بينا، أنت هنا موظف وأنا صاحب الشغل.
بلل طرفي شفتيه بعد أن قضمهما وهو يعتذر:
-آسف يا فارس هحاول اتعود....
قاطعه فارس بصرامة وقوة:
-انا هنا اسمي فارس باشا، ولا انا ابن عمك ولا صاحبك فاهم ولا أفهمك بطريقتي؟
ابتلع ريقة المر والجاف والذي غص بحلقه وهو يجيب:
-تمام يا فندم، حضرتك طلبتني.
عاد فارس للجلوس على مقعده وآسر واقفا مكانه فتركه فارس على تلك الحالة حتى يرسي بداخله قواعده الخاصة بالتعامل معه على طريقته الخاصة (طريقة فارس الفهد الشهيرة) وبعد لحظات أشار له بالجلوس ففعل بعد أن استحسن بداخله صبره وتعلمه السريع.
استهل حديثه مخرجا مستند اوراق:
-الورق ده بتاع وصية مروان الفهد وكان ناقص التوقيعات بتاعتكم انت ويزن ووالدتك، وطبعا في املاك جديده ظهرت مراته كانت مخبياها عن اعلان الوراثه بالتواطئ مع المحامي بتاعه.
لمعت عين آسر بالدهشة واستمع له يكمل:
-لسه وصلاني المستندات دي انه كان طلقها وقت ما هرب من البوليس وبلغ المحامي يمسح اسمها من الوصيه، والادهى إن محاميه جاب له الورق ومضاه عليه زي ما انت شايف.
أومأ آسر وهو يتصفح الملف الذي بحوزته واستمع لفارس يضيف:
-بس لا راح وثقه ف الشهر العقاري ولا بلغ بيه الورثه ونفذنا الوصية القديمة واللي اخدت هي فيها حاجات مش حقها بصفتها اصلا مبقتش مراته.
سأله سؤال عابر:
-والحل؟
رد فارس بوقار:
-محتاج منكم توكيل للمحامي بتاعي عشان نبدأ اجراءات القضية عشان نرجع لكم حقكم، خصوصا ان والدتك فضلت على زمته بالرغم من انفصالها عنه، فهي كده الاحق بوصية الزوجه مش بنت النصابين دي.
حك آسر لحيته النابته وقال بضيق:
-ماما لو عرفت هتقول مش عايزه منه حاجه، ويزن لو عرف ممكن يتهور ويروح يقتل البت دي.
حرك فارس رأسه بمعنى أعلم وهو يقول:
-منا عشان كده بعتلك انت، انا أكيد فهمتكم وعرفت عيوب ومميزات كل واحد فيكم، يزن متسرع ومتهور وممكن يعمل مصايب بعصبيته الزايدة ووالدتك مش بتفكر بشكل سليم وإن الفلوس دي حقها وحقكم، وعشان كده بعتلك انت لأن انت الوحيد اللي هتقدر تخليهم يعملوا التوكيل للمحامي من غير مشاكل.
وافقه بحركة طفيفة من رأسه فأمسك فارس سماعة الهاتف وهو يسأله:
-نسيت اسألك تشرب ايه؟
رفض آسر وهو يهم بالوقوف معتذرا:
-لا معلش ملوش لزوم، انا لازم أرجع الشركه عشان عندي شغل كتير وكمان محتاج أفكر إزاي هبلغهم.
هزات متتاليه مستحسنه من رأس فارس كانت الرد الوحيد على حديثه؛ فاستئذن وقبل أن يغادر التفت يسأله بحيرة:
-ليه صممت إن لاميتا تقعد عند عمي مراد؟
زغره بعينه اليسرى وهو يجيبه:
-المفروض تقعد معاكم والبيت فيه اتنين رجاله عزاب؟
فهم سببه فوافقه بحركة رأسه ولكنه عقب:
-أنا بحبها.
ابتسم فارس بسمة واسعه وهو يقول:
-عارف.
بلل شفتيه بتوتر وأضاف:
-وعايز اتجوزها بس ماما مش موافقه.
غمز له فارس وهو يطمئنه:
-متقلقش، سيبلي الموضوع ده.
ابتسم بفرحة واستئذن للخروج فتبعه فارس للخارج ناظرا لزوجته وغمز لها يستدعيها بحركة طفيفة من رأسه؛ فوقفت ودلفت للداخل وهو لا يزال ممسكا بمقبض الباب واغلقه وراءها ساحبا إياها ليحاصرها بين جسده وبين الباب واستند بكفيه التي حاوطت رأسها وانحنى مقتربا من اذنها يهمس:
-أنا جعااان اوي
ابتسمت وهي تعلم مغذى حديثه الذي يبعد كل البعد عن الحديث عن الأكل وقضمت شفتيها داخل فمها، فحاول هو تحريرهما من عضها عليهما وعاد لهمسه:
-كده غلط واحنا فـ الشركة.
ضحكت رغما عنها واستندت براحتيها على صدره وسألته بمشاكسة:
-عايز تاكل ايه؟
تعلم هي الإجابة مسبقا ولكنها أرادت أن تسمعها منه وهو ينطقها بصوته الآسر الذي يحرك حواسها ويلهب مشاعرها وهو يقول:
(قولوها انتم الاجابة بقى؟!)
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية