-->

رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 8

    قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 

 


رواية روضتني 2

(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)

طمس الهوية

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الثامن

ترك مكتبه بعد أن تلقى ذلك البريد الالكتروني الخاص بالصفقة الجديدة، توجه ناحية مكتب رب عمله ورفيق دربه وسأل مساعدته:
-فارس فاضي؟

ابتلعت لعابها بحرج وهي تشير للباب الذي يهتز وظِل أقدامهما التي تتضارب مع بعضها من خلف الباب؛ فحرك رأسه مستسلما ومبتسما من أفعاله بعد أن فطن عما يدور خلف الباب وأخبرها:
-لما يفضى بلغيني.

أومأت وهي مطرقة رأسها لأسفل ولا زال العاشقان خلف الباب تستند هي عليه بظهرها وينحني هو يدفع جسدها بقوته ليهتز الباب وتهتز مشاعره ومشاعرها على حد سواء.

لهث وهو يحاول تدارك نفسه ولكن هيهات فقد خرج السهم من قوسه وانتهى وانتهى معه صبرهما فالتحما غير عابئين بمكان تواجدهما، انزلها بعد أن كان يحملها مجبرا ساقيها على محاوطة خصره وأخرج تنهيدة عفوية وهو يبتلع ريقه الجاف وهمس لها:
-وجودك قدامي في الشركة مش في مصلحة الشغل، كده غلط.

اختفت شفتيها بداخل فمها وهي تستمع له يضيف:
-شكلنا هيبقى وحش اوي لو حد حس باللي بيحصل هنا.

لم تعقب عليه وانخفضت بجسدها لتناول ملابسها الملقاة على الأرض وبدأت بارتدائها فقاطعها:
-مش هتغتسلي الاول؟

رمقته بنظرة محتارة وهو يسحبها معه صوب مرحاض مكتبه وهو يبتسم:
-عارف انك بتخافي عشان كابينه، بس انا معاكي مش هينفع تقضي اليوم كله على جنابه.

خجلت وارتبكت وهي تدلف معه وبدأ بمساعدها على التوضوء والإغتسال؛ فهمست بعد أن انتبهت لسهوهما:
-الوسيلة يا فارس.

أخرج زفرة قوية وهو يلعن بداخله سهوه وقال بضيق:
-ما الوضع ده مش هينفع، لازم نشوف حل ووسيلة فعاله عن كده.

انتهيا من اغتسالهما وخرجا بعد ارتدائهما لملابسهما وبدأت هي بجمع شعرها المبلل بكومة منمقة وقالت مازحة:
-أدخل المكتب شعري ناشف واخرج مبلول، وكأني بقول اللي مفهمش أفهم.

ضحك عاليا وهو يجلس على مكتبه:
-انتي السبب، من بكره تلزمي البيت عشان كده الشركة هتخرب.

رمقته بنظرة متضايقة وهمت بالحديث إلا أنه قاطعها:
-خلاص خلاص متكشريش، بس ابقى قللي تعامل معايا وقت الدوام.

أومأت وهي تقضم شفتيها وفتحت الباب فهتف يذكرها:
-متنسيش برشام الطوارئ لحد ما نشوف حل.

عضت على جانب شفتها وقالت بدلال لاحظته من تجلس بالخارج:
-تحت امرك يا باشا.

فور إغلاقها الباب ورائها وجلوسها على مكتبها تمتمت المساعدة تسألها بتوتر:
-هو فارس باشا فاضي دلوقتي؟

أومأت لها وهي تسأل بتعابيرها عن سبب سؤالها فأجابت فورا:
-مازن بيه كان عايزه.

لحظات وجاء مازن بعد أن أخبرته بتفرغه أخيرا ودلف مبتسما بسمة واسعة وهو يسخر منه مشاكسا:
-أمور المسخره دي متنفعش في الشركة يا باشا عشان الهيبه.

انعقد جبين فارس وهو يرمقة بنظرات جامدة والآخر لم يعبأ بتاتا بنظراته وأكمل سخريته:
-وابقى ابعد عن الباب عشان الفضيحة كانت باينه من تحت عئب الباب.

لمعت عين فارس بعد انتباهه لحديثه وهو يضيف:
-ده غير الخبط والرزع بضهر الغلبانه فـ الباب يا قاسي يا وحش.

علقت غصة بحلق فارس واتبلعها رغما عنه وهو يحاول تصنع الجمود، ولكن على من فذلك الجالس أمامه يحفظ تفاصيله فضحك عاليا ولم يجد فارس بداً سوى بمشاطرته الضحك واستمع له يتذمر:
-حمل چنى ده جه على دماغي وانت هايص هنا وفي البيت، حظوظ يابا.

سأله فارس باهتمام:-بقالي يومين مزورتهاش، هي عامله ايه دلوقتي؟رد وهو يقوس فمه بحزن:
-بقت احسن وارتاحت اكتر لما روحت البيت وجهزت لها الجناح كأنها في مستشفى وبابا حاطط لها تمريض ٢٤ ساعه.

حمد ربه بتضرع وتكلم فارس أخيراً وهو يسحب ذلك الملف الذي ألقاه مازن أمامه:
-هات امضيلك على الورق وخلينا نشوف شغلنا.

ضحك ضحكة رقيعة وهو يعترض:
-شوف مين اللي بيتكلم، يسطا انت عديت كل المراحل واللي معاك مسعداك الصراحة.

زفر بأنفاس وكاد أن يفرغ صبره بقال بجدية صائحا به:
-يا بني أقعد خلينا نشوف شغلنا.

❈-❈-❈

جلسا على مائدة الطعام وكل منهما شاردا بحاله؛ فنظرت لهما والدتهما وسألتهما بصوت مسموع:
-سرحانين في ايه انتو الاتنين؟ الاكل مش عاجبكم؟

رد يزن على الفور:
-لا أبدا يا ماما تسلم ايدك.

ابتسمت له وهي تربت على راحته وهتفت بتضرع:
-ربنا يحفظكم ليا، مفيش حد فيكم ناوي يفرحنى ويتجوز ويجيب لي احفاد.

ابتسم يزن وهو يحرك رأسه باعتراض على إلحاحها المستمر منذ عودتهما لأرض الوطن، وعلى الرغم من معرفتها رغبة ابنها الأصغر بالزواج من تلك الفتاة التي لا تريدها، لم يثنها ذلك عن التحدث بالأمر فهتف يسألها:
-عايزاني أتجوز مين يا ماما؟

أجابته بدون تفكير:
-أي واحده بنت حلال.

رد يحاورها:
-ولو بنت حرام بس هي محترمه وغلبانه!

وقفت بغضب تصرخ به:
-انا قولتلك البنت دي لأ، اختار أي واحده وشاور بس وأنا اجوزهالك إلا دي.

وقف بدوره يهتف بغضب:
-وإذا كانت دي هي اللي ابنك عايزها؟

ظلا يتشاجرا ولم يتدخل يزن بالحوار فهو قد مل من تكراره يوميا لنفس الشجار والحديث؛ فترك المائدة وصعد غرفته ليستريح ممسكا هاتفه ينظر لتطبيق المراسلات ودخل على ملفها الشخصي ناظرا لمحتوياته فوجد صورة لها بشعرها الحريري ومكتوب تحتها:
-خطوة الحجاب قادمة لا محالة.

ابتسم دون وعي وأغلق ذلك التطبيق وفتح الآخر الخاص بالصور وبحث عنها حتى وجدها، وهنا حدق أمامه بشرود كلما نزل لأسفل ليجد صورها بمناسبات عدة.

وجد العديد من الصور الفردية والجماعية منها ما يجمعها بتوأمتها وابنة عمها زوجة كبيرهم، ومنها بمناسبات العائلة كالأفراح وغيرها من الإحتفالات، وكم كانت ولازالت رائعة الجمال والرقة.

بالرغم من تشابه ملامحها مع توأمتها إلا أنه لا يجد تشابه مطلقا لا بالشكل ولا بالروح؛ فظل يتصفح ملفها الشخصي حتى وصل لصور زفافها فنظر بحنق لزوجها السابق وكم يبدو عليه السعادة وهو ممسكا براحتها.

تعمق أكثر بملفها الشخصي؛ فوجد صور لخطبتها بابن عمه والعديد من الصور التي جمعتهما سويا وهنا قارن ما بين ملامحها برفقة مازن وملامحها بعد تركها له وحتى بوقت زفافها؛ فوجد تناقض رهيب بين سعادتها وابتسماتها التي كانت من القلب ليجد عكسها من عبوس وحزن خيم على ملامحها حتى وهي مبتسمة ليتاكد بداخله انها لم تتخط انفاصلها عنه بالرغم من زواجها وطلاقها وربما حتى الآن.

شعر بالحزن وبألم بداخله ولكنه حدث نفسه بضيق:
-معقول لحقت تقع اوي كده؟ انت لسه كنت في مرحلة الاعجاب وزي ما قالك مازن بلااااش.

أغلق عينه وأكمل حديثه لنفسه:
-معاه حق، هو ادرى وعارف أنها متنفعش معايا والأفضل أني اقفل الموضوع ده من قبل ما يكون صعب.

ترك الهاتف من يده ونزل مجددا ليتفاجئ بوجود ابن عمه وزوجته برفقة صغيرهما وأمه ترحب بهما:
-ايه النور ده يا فارس! مش كنت تقول انك جاي كنا اتعشينا سوا.

ابتسم وهو يقود زوجته للداخل:
-سبقناكم، لو لسه بتتعشوا روحوا كملوا.

نفت على الفور وهي تشير له بالدخول:
-لا أبدا اتفضل اتفضل نورت والله.

صافحه آسر وبعده يزن الذي تسائل بعفوية:
-خير اللي جايبك؟

شهقت والدته وهي توبخه:
-حد يقول كده؟ البيت مفتوح له في اي وقت.

ضحك فارس وهو يرد:
-مامتك عندها حق، انا مش ضيف والمفروض بيتك يتفتحلي في اي وقت ولا ايه؟

أومأ ولكنه عقب موضحا:
-اكيد، بس الزيارة أكيد لها سبب عشان كده قلقت، خصوصا لو مبلغنا قبلها إنما الزيارات المفاجئة دي وراها حاجه.

ابتسم فارس وهو يجلس:
-صح، انت صح يا يزن أنا جاي عشان موضوع مهم بس قولت بالمره اجيب ياسمين معايا عشان تتعود عليكم.

التفتت والدة يزن لياسمين ورحبت بها:
-ده انتي تنوري يا بنتي، والله من ساعة ما شوفتك وأنا قولت فارس محظوظ بيكي وانتي زي القمر كده.

ابتسمت ياسمين بمجاملة وجلست وهي تستمع للأولى تسألها:
-معندكيش أخت يا ياسمين أجوزها لواحد من ولادي اللي مش عايزين يفرحوني دول؟

ردت وهي تنظر لزوجها الذي اختلى قليلا بابني عمه:
-انا عندي اختين بس واحده متجوزه ساجد والتانية...

قاطعتها الأخرى فورا:
-مش دول بنات عمك؟

أومأت لها فأضافت الأولى برفض:
-لأ ما خلاص مينفعوش، على رأيك واحده متجوزة والتانية مطلقة، أنا عايزه افرح بولادي.

التقطت أذن يزن حديث والدته بالرغم من انشغاله بالاستماع لفارس الذي تحدث عن قضية الميراث التي على وشك خوضها لاجلهم ضد أرملة والدهم الراحل.

حدق بوالدته بنظرة متخاذلة واستمع لياسمين ترد غيبة ابنة عمها:
-نرمين اصلا مبتفكرش لا في ارتباط ولا جواز في الوقت الحالي، وأنا قولت لحضرتك معنديش حد ينفع.

عاد يزن بتركيزه لابن عمه وهو يوبخ شقيقه الأصغر:
-كل ده ولسه مبلغتش مامتك؟ أنا الظاهر اعتمدت على واحد ميعتمدش عليه.

تجهم وجه يزن وهو يستمع لتوبيخه الحاد لشقيقه؛ فصاح بنبرة مسموعة وعالية:
-ما براحه يا فارس، انت فاكره موظف عندك ولا ايه!

احتدت نظرات فارس تجاهه ووقف فورا يصيح بغضب أرعد زوجة عمه وزوجته على حد سواء:
-لو صوتك علي عليا تاني أنا هشيل اي اعتبارات وههينك واقل منك قدامهم.

وقبل أن يبادر يزن بشجار محتوم وقف آسر بينهما وهو يبعد أخيه عن مرمى نظرات فارس وهمس له:
-بطل تناطحه بقى يا أخي.

التفت آسر واعتذر له:
-معلش يا فارس، أنا اتكلمت مع يزن بس في الموضوع ومجاتش فرصه أفاتح ماما وأديك هنا أهو نكلمها سوا وبالمرة تفاتحها في موضوعي احسن مزرجنه دماغها خالص.

أومأ له وهو لا زال ينظر للآخر بحنق؛ فاقتربت والدتهما تسأل بتخوف:
-في ايه يا بني؟

أجابها فارس وهو يعود للجلوس واضعا قدما فوق الأخرى بنفس الغرور والتباهي المشهور به:
-في موضوعين لازم تعرفيهم، الأول إن البنت اللي كان متجوزها مروان بيه طلعت مزوره أوراق واستولت على حاجات من حقكم ومحامي الشركة...

قاطعته تؤكد بحزن:
-أنا مش عايزه من فلوسه حاجه، وحمدت ربنا إن فلوسه راحت للبوليس ولولا اني عارفه إن أسهم الشركه مش من فلوسه مكنتش قبلت آخدها.

هز قدمه التي تعلو الأخرى وقال بحدة:
-عايزك تعرفي اني مبحبش حد يقاطعني ولا يعترض على قراراتي، يمكن انتو متعرفونيش وعشان كده أنا مش هحاسبكم على ردود أفعالكم دي.

صر يزن على اسنانه وحاول النطق، ولكن فارس كان الاسبق باستكمال حديثه:
-انا فاهم انك خايفه على مصدر فلوسه الحرام، بس أحب أقولك إن فلوسه الحلال من أرباح الشركة كافيه تعيشكم مرتاحين والڤيلا والممتلكات اللي سرقتهم مراته ميجوش ربع أرباحه من الشركه ف...

عادت لمقاطعته بغير اهتمام:
-الحلال اتخلط بالحرام يا بني، وفلوسه كلها دخلت في دوامه المخدرات والسلاح وبقى صعب تفرق مصدر الفلوس.

اقتنع بحديثها فزفر انفاسه وهو ينظر لقناعتها ورضاها بما قسمه الله لها ولنجليها فسألها:
-يعني اسيب حقكم للبنت دي تسرقه؟

أومأ وهي تؤكد:
-القبر مفيهوش جيوب يا بني، محدش هياخد معاه حاجه وهو ماشي.

التفت يسأل نجليها:
-وانتو كمان رأيكم كده؟

أكدا بحركة رأسيهما؛ فصمت قليلاً ولكنه رفع رأسه وتحدث بقوة:
-الموضوع التاني هو جواز آسر من لا ميتا...

وقبل ان ينهي حديثه قاطعته من جديد برفض وإصرار:
-لااااا كله إلا ده، انا قولتله اني مش موافقه و...

وقف فارس محتدا وناظرا لها بغضب؛ فلاحظت ملامحه وصمتت على الفور وهو يتكلم بصوت أجش:
-الظاهر لما جيت اتكلم معاكم فهمتوا غلط، أنا مش جاي آخد رأيكم، انا جاي اعرفكم باللي هيتعمل وبما انكم لسه مش فاهمين اسلوبي فأنا هفهمكم بالراحة.

اقترب من والدة يزن ونظر لها بنظرات ثاقبة وهو يقول:
-توكيل المحامي يتمضى لأن مش ناوي اسيب حتة بنت زي دي تضحك علينا وتسرق مليم من عيلة الفهد، ولما نكسب القضية أبقي وزعي الفلوس على الجمعيات الخيرية ولا طيريهم فـ الهوا.

تنفس بحدة وهو يضيف:
-وموضوع لاميتا فالبنت لسه يادوب 18 سنه يعني كل اللي هيحصل خطوبة ويعرفوا بعض لحد ما تتم 20 سنه على الأقل وطول ما هي وسطنا هنقدر نشوف اذا تنفعه ولا لأ!

عقبت عليه:
-دي واحده عايشه طول عمرها بين المهربين وقتالين القتله هتطلع ايه؟

أجابها وهو يصر على أسنانه غاضبا:
-كانت عايشه مسجونه مش بمزاجها و...

لم تتوقف عن مقاطعته هاتفة:
-العرق دساس، وأبوها الحقيقي والمزيف ناس مهربين وبتوع مخدرات وأمها اللي قبلت تعيش مع ده شويه وده شوية تبقى تربيتها ايه؟

ابتسم بزواية فهمه وهو يوضح:
-أظن انتي آخر واحده تتكلمي عن العرق والأب يا سحر هانم، ولادك الاتنين ابوهم حرامي وتاجر مخدرات وسلاح ومش قتال قتله وبس، ده لا بيهمه صلة دم ولا قرابه فهل حد من ولادك طلع زي ابوه؟

تضايقت من حديثة وهو يعيد عليها ذكرياتها السيئة مع زوجها الراحل فقالت بتأكيد:
-وأنا لما لقيته كده اخدت ولادي وبعدت، وعارفه تربيتي كويس وانهم مستحيل يكونوا شبه ابوهم.

عاد لابتسامته الباهتة وهو يعقب:
-وأظن وقت ما مشيتي كان يزن أكبر من لاميتا وآسر كان تقريبا في نفس سنها، يعني لو كان في مجال ياخدوا حاجه من طباع ابوهم كانوا أخدوها من زمان، وبرده بأكد إنها هتعيش وسطنا والبنت لسه صغيره ونقدر نقوم سلوكها كويس.

رفضت وهي تقول:
-محدش بيتغير والطبع بيغلب التطبع.

اتسعت بسمته وآسر يهمس له بهدوء:
-امي محدش بيعرف يغير لها رأيها ابدا يا فارس أسألني أنا.

هز رأسه وهو يزم شفتيه للأمام وقال بحمود:
-كان نفسي تشوفوني من كام سنه فاتت كنت عامل ازاي.

ضحكت وهي تؤكد:
-ملحقناش ننسى اسلوبك يا فارس، كنت موجودة وأنت بتبلغ عن مروان وموجودة وأنت بتجبر عاليا تتجوز الحارس بتاعك، وعارفه اسلوبك كويس مع كل اللي حواليك.

سألها بهدوء عكس ملامحه الغاضبة:
-ولسه شيفاني بنفس الشخصية؟

وقبل أن تجيبه أضاف:
-على العلم اني بقيت أسوأ بعد سفركم وفضلت اتحول من سيئ لأسوأ وبعدها ربنا هداني زي ما انتي شايفه وواقف أهو بتناقش معاكي بالرغم من قراري اللي انتي عارفه كويس انه هيتنفذ.

تنهدت وهي تسأله:
-يعني أنت مالي ايدك من البنت دي؟ متأكد إن مفيش حاجه هتأثر على ابني بعدين؟

أجابها وهو يزفر انفاسه بفروغ صبر:
-انا قولت خطوبه سنتين والتجربة خير دليل وهتفضل تحت عنينا، ولو حاجه ظهرت عليها انا أول واحد هطلع سلاحي وافرغه في نافوخها، عندك سؤال تاني؟

ابتلعت ريقها بعد حديثه الحاد ونفت بحركة رأسها؛ فنظر لزوجته الصامتة لم تتدخل بالحديث وأمرها بصوت قوي وحاد:
-يلا.

وقفت تتبعه فالتفت ينظر لزوجة عمه وهتف آمرا:
-امضتك وامضة ولادك على توكيل المحامي تكون على مكتبي بكره الصبح، مفهوم؟

وافقته بهمهمة بسيطة فتحرك للباب وتبعه آسر الذي اتسعت بسمته وشكره ممتنا:
-مش عارف أقولك ايه؟ بجد متشكر يا فارس.

حدقه بنظرة جامدة وأكد:
-انا مكنتش بقول كلام فـ الهوا عشان مامتك توافق يا آسر، لو البنت دي ظهر عليها أي علامات استفهام مش هسمي قبل ما أدبح، فاهم؟

ضحك وهو يوافقه الرأي وودعه مغلقا الباب وتحرك صوب غرفته لهاتفها ويبشرها بالأخبار السعيدة.

❈-❈-❈

استيقظت كعادتها على صوت المؤقت؛ ولكنها لا تعلم لما تشعر اليوم بإجهاد غير عادي فحاولت استعادة نشاطها وبدأت تتجهز للذهاب لعملها.

خرجت فوجدت كلا والديها وجدها مستيقظون ويستعدون لتناول الإفطار، تحدثت هدى فور أن أبصرتها:
-تعالي أفطري يا نرمين، وأوعي تقولي مفيش وقت مش كل يوم تنزلي من غير فطار.

ابتسمت لها وجلست على المائدة وهي تنظر بهاتفها:
-ممكن الحق آكل ساندوتش على ما حد يقبل الoffer اللي انا مقدماه على البرنامج.

تجهم وجه والدتها وهي تسألها:
-هو كل يوم تروحي الشغل بأوبر ده غالي يا بنتي ومرتبك كده هيروح ع الفاضي.

ردت وهي تمضغ طعامها:
-لأ ده برنامج جديد وأنا بحط السعر اللي يعجبني ويا الكابتن يقبل يا يرفض.

لحظات واستملت موافقة على عرضها فوقفت تتصل بالسائق:
-ايوه، تمام هو نفس اللوكيشين، خلاص 5 دقايق وأكون تحت.

اغلقت معه وسحبت حقيبتها وهي ترتدي حذائها وهتفت يتعجل:
-يلا بقى سلام، العربيه واقفه تحت.

أسرعت بخطواتها وركبت السيارة وجلست منشغلة بتفقد هاتفها وحسابها الشخصي حتى انها لم تلحظ الطريق بجوارها إلا بعد فترة من الزمن عندما لاحظت انقطاع خدمة الهاتف بسبب إنعدام الشبكة؛ فنظرت حولها وسألت السائق:
-هو إحنا هنا فين؟ انت اخدت طريق تاني غير اللي على اللوكيشين؟

أومأ وهو ينظر للطريق:
-أيوه أصل الطريق التاني هيبقى زحمة دلوقتي أوي.

نظرت حولها وسألت:
-بس الطريق ده أنا اول مرة أشوفه.

رد وهو يوليها رأسه ناظرا أمامه:
-ده طريق جديد وزي ما انتي شايفه فاضي خالص.

زفرت بضيق ونظرت بساعة هاتفها وهي تتحدث بتذمر:
-الطريق التاني كان زماني وصلت، بسرعة شوية لو سمحت عشان انا كده اتأخرت أوي.

ظل يقود بلا وجهة معلومة لها وما زاد ريبتها هو انعدام التام لشبكة الهاتف المحمول؛ فبدات تشعر بالقلق يغزو قلبها فهتفت تحدثه:
-أنت رايح بيا على فين؟ 

أجابها بزفرة قوية:
-رايح اللوكيشين يا فندم هو في ايه؟

هدرت بحدة:
-انا اللي في ايه؟ ده انت واخدني في حته مقطوعة ولا في شبكه حتى اجيب مكاني فين؟

ضحك وهو ينظر لجهاز التشويش على الهواتف الموضوع بأرضية السيارة والذي قام بتشغيله فور دخوله هذا الطريق:
-وأنا مالي ومال الشبكه، هو أنا اللي عاملها!

قالت بضيق وغضب:
-ما ده دليل اننا في حته مقطوعة وكل مدى ما بنبعد اكتر واكتر، انت يا توهت ومش عارف رايح فين يا....

قاطعها صائحا:
-هكون خاطفك يعني يا آنسه! عموما خلاص قدامنا اقل من 10 دقايق.

تنهدت بتوتر وهي تعقب:
-هو يعني ال 10 دقايق دول والعمار هيظهر! ده احنا في مكان مفيهوش بشر، بقولك ايه وقف هنا نزلني.

نظر لإنعكاسها بالمرآة التي أمامه وهو يسألها:
-هتنزلي هنا في المكان المقطوع ده؟

ردت بارتباك:
-على الأقل أعرف احنا فين، وقف العربيه لو سمحت.

اوقف محرك السيارة والتفت ينظر لها وقال بضيق:
-أديني وقفتها.

صرت على أسنانها وهي تقول: 
-أنا هقدم فيك شكوى على فكرة لان ده مش شغل كابتن محترف.

حاولت فتح الباب فوجدته موصد فصرخت به:
-افتح اللوك حالا.

انحنى للامام يوهمها أنه يفتحه، ولكنه تناول زجاجة والتفت يرش منها بوجهها وهو يغطي وجهه وأنفه؛ فزاغت عينيها على التو وشعرت بالذعر لمعرفتها انها قد تم اختطافها بالفعل، وثوان قليلة وكانت فاقدة لوعيها فترك السيارة وخرج متحدثا بهاتفه:
-ده انتي رغايه ومتعبه.

أجابته على الطرف الآخر:
-وصلت لفين؟

رد بضيق:
-قربت ادخل عليكي، بس اضطريت اخدرها بقى مبطلتش زن.

أغلقت معه والتفت تنظر لأنس مبتسمة وهي تقول:

-نرمين قدامها 10 دقايق وتكون قدامك يا مجنون نرمين، بس عالله متنسانيش بعدها.

لمعت عينه وهو يبتسم باتساع فاهه ورد بسعادة:

-كل اللي هتطلبيه هيكون تحت ايديكي يا سوسو
❈-❈-❈

دلف مكتبه بعد أن ظل واقفا أمام مكتبها متعجبا من عدم حضورها إلى الآن، وما زاد من تعجبه انه هاتفها اكثر من مرة ولكن وجده مغلق.

جلس على مكتبه يحدث نفسه متمتما:
-أول مره تتأخر كده وهي عارفه إن في اجتماع مع رؤساء الأقسام انهاردة.

زفر أنفاسه بعد أن انتظر لساعة كاملة فقرر التحدث لشقيقها عله يعلم ما في الأمر.

تحرك تاركا مكتبه ودلف مكتب ياسين فرحب به الاخير:
-اهلا يا يزن بيه، خير؟

سأله دون أن يبادله التحية:
-هي نرمين مجتش لحد دلوقتي ليه؟

تعجب ياسين وسأله:
-إزاي مجاتش؟

حرك يزن كتفيه دلالة على عدم معرفته للأمر وقال:
-عندنا اجتماع مهم كمان نص ساعه، وتليفونها مقفول فيمكن راحت عليها نومه.

غزا القلق قلب ياسين وهو يمسك هاتفه مؤكدا:
-مستحيل، ولو ده حصل فماما هتصحيها أكيد.

رن هاتف والدته فاجابته ولم يمهلها الوقت لسؤاله عن حاله ولكنه سألها فورا:
-ماما هي نرمين فين؟

أجابته متعجبة:
-نزلت من بدري، دي حتى ملحقتش تفطر زي كل يوم و...

قاطعها متسائلا بخوف ظهر على ملامحه:
-نزلت لوحدها ولا مع بابا؟

أجابته توضح:
-لوحدها أبوك نزل بعدها يجي بنص ساعه، هي لسه مجاتش؟

سألته بخضة فأجابها وهو يبتلع ريقه:
-لسه، تكون راحت فين وموبايلها مقفول؟

بتلك اللحظة تحديدا بدأ يزن يشعر بالخوف حقا، فهل يمكن أن يكون قد أصابها مكروه ما! أو يمكن أن تكون قد علقت بالطريق؟ ابتلع ريقه بتباطئ وهو يستمع لياسين يسأل والدته:-راحت مواصلات ولا أوبر؟اجابته فورا:
-قالت لي حجزت برنامج جديد بتقدم له مبلغ التوصيلة و..

قاطعها هاتفا بتعجل:
-ايوه ايوه عارفه.

صرخت هدى بخوف:
-انت قلقتني أوي يا ياسين.

رد وهو يهم بالخروج من المكتب:
-هطمنك يا ماما أول ما توصل.

أغلق معها وبدأ يشرح ليزن ما فهمه من والدته؛ فارتبك الاخير وهو يجاهد لإخفاء قلقة البالغ وسأله:
-ممكن تكون راحت مشوار مثلا ولاااا...

قاطعه ياسين وهو يؤكد:
-نرمين مش البنات اللي تلف هنا وهنا من غير ما تعرفنا، وغير كده هتقفل تليفونها ليه؟

تنهد بضيق وهو يخبره:
-طيب تعالى معايا المكتب نشوف الحكاية دي، ولا نتصل بالدعم بتاع التطبيق ده نشوفه يتصرف.

❈-❈-❈

استقبلته مبتسمة وهي ترحب به:
-اهلا يا عمر بيه، فارس مستنيك جوه.

بادلها البسمة ودلف فوقف الآخر يرحب به وهو يحتضنه:
-عمر الباشا، يا أهلا.

جلسا فتحدث فارس فورا بالعمل:
-وصلك التحويل بتاع المكافئات؟

أومأ وهو يطري عليه:
-بجد انت أول عميل تصرف مكافئات بالمبالغ دي، الجاردات والسيكيورتي كلهم مبسوطين وبيدعولك، بس التحويل اللي جه باسمي ده معناه ايه؟

رد فارس وهو يرمقه بنظرة جاده:
-ده حقك، انت تعبت واتبهدلت معايا الفترة اللي فاتت ولحد دلوقتي بتعملي خدمات خارج نطاق شغلك، وبعدين متتكلمش في الحاجات الصغيرة دي عشان مزعلش منك يا عمر احنا بقينا اصحاب ولا ايه!

ابتسم له فسأله الأول:
-عملت ايه فـ الموضوع التاني ده؟

أجابه بدقة:
-زي ما طلبت مني بالظبط، جمعت تحريات من غير ما حد يحس بأي حاجه ورجالتي وراه خطوة بخطوة بس هو مبيعملش حاجه جديدة اليومين دول، عيادة وبيت وسعات يروح للبنت المومس اللي بيتردد عليها من فترة.

تجهم وجه فارس وهو يسأله:
-ايه يعني تاب على حظنا؟ مش عارفين نمسك عليه تحركات كده ولا كده؟ انا عايز أعلم عليه بشكل يخليه ينتحر من كتر اللي هيحصل فيه.

وافقه وايده مؤكداً:
-هيحصل، بس يمكن يكون اليومين دول واخد حذره شوية....

قاطعه فارس بحدته المعهودة:
-هياخد حذره من ايه غير انه يكون حس بالمراقبة اللي عليه، وده معناه أن اللي وراه مش شايفين شغلهم صح.

تنهد عمر تنهيدة حادة وهو يحاول كبت غضبه من اسلوبه الذي لم ولن يعتاد عليه وقال بحزم:
-كل مرة تجيب الغلط على الرجاله بتاعتي مع إنهم شايفين شغلهم على أكمل وجه، بس انت عندك مشكلة ثقه وعموما انا هسحب رجالتي من وراه وتقدر انت تبعت اللي تشوفه اهل للمهمة دي.

هم بالخروج فوقف فارس يهدر بحدة رهيبة:
-انت ايه حكايتك؟ بتنسى كتير اوي انك واقف قدام فارس الفهد.

لمعت عين عمر بالغضب وهو يرمقه بنظرات حاده واستمعت ياسمين من الخارج لحدة زوجها؛ فاستئذنت ودلفت تنظر لهما بحيرة واستمعت لعمر وهو يقول:
-لأ فاكر كويس اني واقف قدام فارس الفهد بس انا برده عمر الباشا، ومش معنى اني بسكت يبقى دي الطريقة اللي تعتمدها فى التعامل معايا يا فارس.

تأجج غضبه وهو يصر على أسنانه هاتفا:
-يا بني انا عايز اخلص من الحكاية دي وكده طولت اوي و...

قاطعه عمر:
-يبقى زق عليه حد ونخلصهالك في يوم بليله انما انا هعمل ايه اكتر من كده.

اقتربت ياسمين بجوار زوجها وربتت على ذراعه تهمس له:
-بالراحه شوية يا فارس مش كده، في ايه لكل ده؟

رد بهدوء مصطنع:
-مفيش حاجه، ضغط الشغل بس.

وأثناء حديثه معها تلقى عمر اتصال على هاتفه من أحد رجاله يخبره:
-عمر بيه، في حاجه غريبه شوية حصلت في تحركات أنس الشيخ يا فندم وحضرتك مأكد عليا ابلغك أي جديد.

هز رأسه مستمعا ومتسائلا:
-خير؟

رمق فارس نظرة يخبره بها بوجود جديد؛ فركز الأخير أنظاره عليه واستمع لهمهماته والحارس يخبره:
-نزل من بيته من شويه وعلى غير العادة بدري كده، وراح اخد البنت المومس وفضل سايق لحد ما وصل ل*** ودخل بيت دورين كده ومش متشطب أوي.

حتى الآن لم يجد ما يهمه ولكنه انتظر استطراده:
-وبعدها بشوية جت عربيه ملاكي تانيه فنزل هو وهي يقابلوا الراجل اللي سايقها وراخو مخرجين بنت من العربية مستندينها وادخلوا بيها البيت.

ارتفع حاجبه وهو يعيد على فارس ما استمع له فزم الأخير شفتيه وتهيئ، فها قد واتته الفرصة أخيراً للإنتقام ليس فقط لابنة عم زوجته والمقربة إلى قلبها بل أيضاً لنفسه من الغضب الذي تأجج بداخله تجاه تلك العائلة التي ترتدي قناع الشرف وهم بعيدين كل البعد عن ذلك.

أغلق عمر هاتفه بعد أن أخذ كم وافر من المعلومات ونظر لفارس منتظرا منه أن يخبره بما يود فعله، ولكن الآخر جلس على مقعده وبدأ يتلاعب بقلمه وكأنه يفكر بخطة محكمة للقضاء عليه غير عالم أن تلك المحتجزة هي نفسها التي يود الثأر لها.

لحظات من التفكير وياسمين واقفه مكانها تنظر له وتمنى نفسها بأنه حان وقت الإنتقام، ولكن رنين هاتفها ما جعلها تترك مكتب زوجها وتخرج لتلطقه من على مكتبها فوجدته ابن عمها فاجابت فورا:
-ازيك يا ياسين؟

لم يجب بل تحدث بلهفة:
-ياسمين احنا محتاجين مساعدة فارس بسرعة.

انعقد حاجبيها وهي تسأله:
-في ايه؟

أجابها دون مماطلة:
-نرمين مش عارفين نلاقيها وحاولت اتواصل مع التطبيق بتاع العربيات الجديد ده عشان يدوني أي معلومات عن رحلتها بس رفضوا وتليفونها مقفول و...

بنفس وقت قصه لها للمعلومات الضئيلة التي بحوزته كانت هي قد عادت للداخل بعد أن تأكدت أن الفتاة المختطفة هي نرمين نفسها وفور دخولها صرخت فورا بذعر:
-الحقني يا فارس، هو اللي خطفها.

وقف على الفور غير واع لما قالته فرددت:
-أنس خطف نرمين.


يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة