رواية جديدة ظلمات حصونه 2 لمنة أيمن - الفصل 19
قراءة رواية ظلمات حصونه الجزء الثاني
الإنتقال من الظلمة الى النور
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ظلمات حصونه
الجزء الثاني
الإنتقال من الظلمة الى النور
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة منة أيمن
الفصل التاسع عشر
استيقذت من نومها وأعتدلت فى جلستها مُترقبة إذا كان أسيقذ أم لا، وجدت الغرفة فارغة فأختلست النظر نحو المرحاض فوجدته هو الأخر فارغ، خمنت إنه بالأسفل لتناول الأفطار.
نهضت من مكانها ودلفت المرحاض لكي تأخذ حمامها، وبالفعل أنتهت منه وأرتدت ملابسها سريعًا ونزلت إلى الأسفل وألقت عليهم تحية الصباح مُرددة:
- صباح الخير.
بادلها الجميع التحية مُرددين:
- صباح النور
ظلت تجول بعينيها باحثة عنه بين الحضور ولكنها لم تجده، شعرت بالقلق خاصة وأن الجميع حاضرون، حتى أن "عامر" و"كارم" موجودين، ترى أين ذهب هو من الصباح الباكر هكذا؟
أنتبهت إلى صوت "أسما" الذي هتفت موجهة الحديث نحوها بإستفسار:
- أومال فين جواد؟
ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها مُقابلة إياها بإستنكار:
- هو منزلش!
تدخلت "ماجدة" مُجيبة على كلاهما بتوضيح:
- لا نزل يا حبيبتي من ساعة كده وقال عنده مشوار مهم، ولو ملحقناش هنا، هيجلنا على الBeach.
أومات لها "ديانة" برأسها وهي تُفكر أين يمكن أن يكون ذهب فى هذا الوقت الباكر! من المؤكد إنه لم يذهب إلى الشركة وإلا كان لدى أحدهم خبرًا عن ذلك، حتى أن الجميع هنا بإستثنائه هو، وهذا يدل إنه ذهب لقضاء أمرًا خاص به، شعرت بالمزيد من القلق يتوغل بداخلها ولا تعرف سبب ذلك الشعور! ماذا يعني لها كي تقلق عليه؟ ألم تحسم قرارها من قبل بخصوص ذلك الموضوع؟
لحظة واحدة، هل حديث والده عندما كان يقوم بتوصيلهم صحيح! أيمكن أن يكون ذهب لإحدى النساء التي يعرفهم هنا؟ أيمكن أن يكون وقح إلى هذه الدرجة! يترك زوجته فى منزل عمتهم ويذهب هو لفعل تلك الأشياء الحقيرة والرخيصة؟
تحول قلقها إلى جمرة من الغضب تجاهه وتجاه نفسها، ولكن النصيب الأكبر من الغضب كان من نصيبها هي، لأنها سمحت لنفسها من البداية أن تفكر فيه وتقلق عليه أيضا، فليحترق هي لن تهتم بعد الأن.
أنتشلها من دوامة أفكارها صوت "ماجدة" داعية إياها إلى الطعام مُردفة بحب:
- يلا يا ديانة عشان نفطر.
انتبهت لها وقابلتها بإبتسامة وهي تتحرك نحو السفرة مُردفة بهدوء:
- حاضر يا عمته.
جلس الجميع لتناول الطعام فى أجواء أسرية دافئة، بينما كان "ديانة" لاتزال تفكر بالأمر وأفكارها لن ترحمها أبدًا إلا عندما تراه يقف أمامها.
❈-❈-❈
أستقل سيارة بعد أن أنهى تلك الجلسة العلاجية مع الطبيب المختص بطب النفس والذي رشحه له طبيبه الخاص فى مصر، جلس يسترجع مع نفسه كلمات ذلك الطبيب معه، بخصوص علاقته هو و"ديانة".
والذي كان مضمونه إنه يراه أكبر ضحية من ضحايا "هناء" وإنها هي من تسببت فى تشويه شخصيته وبث الكراهية والإنتقام فى عقله، وإنها كانت تستغله كأداة لتنفيذ مخطتها، وأيضا إنها كانت تريد أن تجعله صورة منها، لا يحب أحد ولا يحبه أحد، كان تريد أن تثبت لنفسها أن هناك من يشبها وإنها ليست على خطأ، بل الجميع هم من أحطئوا.
أخبره أيضا إنه يرى إنه حقا يحب "ديانة" وأن ما يفعله معها وتمسكه بها نابع من قلبه وليس من شعوره بالشفقة أو الندم، وما يثبت هذا إنه تراجع عن إنتقامه منها قبل حتى أن يعرف أن والدتها لم تقتل والدته، حتى إنه عندما كانت يتقرب منها بدافع إستمداد طاقته منها، كانت تلك فقط حجة يُراوغ بها نفسه لكي يتقرب منها، إنه كان يحبها منذ البداية، أحبها منذ أن وجد بها ما يميزها عن الجميع، وجد بها كل ما تمنى أن يكون عليه في يومًا من الأيام.
هو بالفعل ظلمها وثأر منها لشيء هي بريئة منه، ولكن مازال أمامه فرصة لإصلاح ما أفسده، عليها المحاولة معها مرة أخرى، عليه أن يخبرها بكل ما لديه من مشاعر وأحاسيس منذ أن رأها أول مرة.
عليه أن يحاول ولو لمرة واحدة، وإن وجدها مُصرة على عدم إعطائه فرصة أخرى، سيتوجب عليه حينها تحريرها، سيتبع معها نظرية إن كنت ترغب في شيئًا وبقوة أطلق سراحه، إذا عاد فهو لك،وإذا لا فإنه لم يكن لك منذ البداية، سيُحاول أن يجعلها تعود له، ولكن فى البداية عليه أن يتخلص من هذا اللزج "أدهم".
أرتفع صوت هاتفه مُعلنًا عن إتصالًا، رمقه فوجد المتصل "كارم" تنهد بشدة ليستعيد ثباته وأجابه بهدوء:
- إيوه يا كارم!
أتاه صوت الأخر مُستفسرًا:
- إيه يا جواد أنت فين؟
أجابه بطريقة غامضة غير مُحبذًا الأفصاح عن مكانه مُقتضبًا:
- أنا كنت بخلص شوية حاجات مهمة كده.
لاحظ الأخر إنه لا يريد الأفصاح عن مكانه، فأحترم خصوصيته ولم يتغلغل فى الأمر، فهتف بهدوء:
- طب خلصت ولا أيه!
قابله "جواد" بهدوء مُستفسرًا عن مكانهم:
- آه تمام، أنتوا فى الفيلا ولا أتحركتوا؟
أجابه "كارم" بإقتضاب لأنه يقود السيارة:
- لا أحنا أتحركنا.
تفهم "جواد" وأضاف بقليل من الحماس:
- تمام أنا هحصلكوا على هناك.
وافقه "كارم" مُعلقًا بهدوء:
- تمام مستنينك.
أنهى "جواد" المكالمة وأدار مُحرك السيارة وتحرك نحو الضاطئ المتفق عليه.
❈-❈-❈
وصلوا جميعًا معا فى نفس التوقيت التي وصل فيه "جواد"، قام الجميع بتبديل ملابسهم إلى ملابس خاصة بالشاطئ والسباحة، لم تكن عارية كملابس الغرب فهم لايزال مُحافظون على ثقافتهم كعرب، وبلأخص صعيد مصر.
كان الجميع يتبادل الاحاديث ما عدا "ديانة" التي كانت تجلس بصمت وتختلس النظر إلى "جواد" من حين إلى أخر، يقتلها الفضول لكي تعرف أين كان منذ الصباح الباكر وماذا كان يفعل؟ هل حقا يمكن أن يكون ذهب لإحدى العاهرات؟
تملكها الغضب مرة أخرى وأخذت ترميه بنظرات نافرة، بينما لاحظ "جواد" ما تفعله وإنها تُطالعه بغضب، نظر لها مُطولًا عساه يعرف سبب ذلك الغضب، وعندما تلاقط زرقاويتهما معا أشاحت "ديانة" نظرها عنه بإنفعال وطفولية.
تعجب من فعلتها تلك ولكنه سريعًا خمن إنها بالتأكيد تشعر بالغضب ممَ فعله ليلة أمس، رغمًا عنه أبتسم بخفة عندما تذكر ردة فعلها حينها، أستشاطت "ديانة" أكثر من فعلته تلك وقررت الانسحاب قبل أن تُهاجمه أمام الجميع.
نهضت فجأة من مكانها وهتفت موجهة حديثها نحو "أسما" مُردفة بحزم:
- أنا هنزل الماية يا أسما، هتيجي معايا؟
أجابتها "أسما" بلهفة مُعبرة عن حماسها ورغبتها في ذلك من وقت طويل قائلة:
- ياااا أخيرًا دا أنا عايزة أقولك من بدري، بس خوفت تكوني مش بتعرفي تعومي وتتحرجي مني.
بالفعل هي لا تُجيد السباحة، ما كانت تقصده بنزول الماء هو السباحة على الشاطئ وليس التعمق إلى الداخل، ولكن فات أوان الإفصاح عن ذلك الشيء، الجميع يُطالعها الأن وإذا قالت إنها لا تجيد السباحة سيسخرون منها وبالأخص ذلك "جواد" الذي لا يُفوت فرصة لتقليل منها كأنثى، ماذا تفعل الأن؟ ليتها لم تتحدث من البداية.
"جواد" لم يكن يعلم إنها تُجيد السباحة، لم يتحدث أحدًا أمامه فى ذلك الأمر من قبل، لذلك لم يُعلق بكلمة، بينما خلعت "أسما" قبعتها وهتفت فى حماس وهي تتحرك من مكانها قائلة:
- let's go.
تحرك كلاهما إلى الشاطئ وهم يتبادلان القليل من الكلامات وفى لحظات كانوا بالفعل داخل المياء، كان "جواد" يتابعهم بصمت إلى أن كسرت "ماجدة" ذلك الصمت بصوت لا يسمعه سواهم مُردفة بإستفسار:
- كنت فين يا جواد!
أجابها "جواد" بهدوء وهو لايزال يخطف بعض النظرات إلى "ديانة" داخل المياه وكانه يراقبها:
- كنت عند الدكتور.
تملك القلق من قلب "ماجدة" وهتفت بخوف أمومي:
- ليه مالك! فيك حاجة تعباك أو...
ربط على يدها بعد أن حول كامل نظره لها وأضاف مُوضحا لها الأمر كي تطمئن:
- حبيبتي أهدي أنا كويس، كنت عند الدكتور النفسي اللي رشحهولي دكتوري فى مصر.
تنهدت براحة بعد أن أطمئنت إنه بخير وأضافت بتفهم:
- أنا مش هسألك الدكتور قالك إيه لان دي أسرار بينكوا، بس كل اللي هقولهولك هون على نفسك يا جواد وأنسى، حاول تبدأ من جديد، حتى مع ديانة، أتعرف عليها وكأنك لسه اول مرة تشوفها، يمكن يكون فيه أمل.
زفر على مهل شاعرًا بالندم على كل ما فعله بها وأردف بصدق:
- أنا بحبها أوي يا عمته، نفسي أنسيها كل الوحش اللي ورتهولها.
ربطت هي على كتفه بحنان مُهونة عليه وتحاول تشجعية وعدم إحباطه مُردفة بحب:
- أتكلم معاها يا جواد، خرج كل اللي فى قلبك، وأنا متأكده إنها هي كمان فيه جواها حاجة حلوة نحيتك.
وقبل أن يُجيب عليها سمع الجميع صوت "أسما" وهي تصرخ وترقض نحوهم مُستنجدة بهم:
- يا مامي، يا جواد.
ركض الجميع نحوها ومعهم "جواد" الذي شعر بالفزع بمجرد أن رأها بمفردها ولا يرى "ديانة"، الصدمة جعلته يتجمد مكانه دون حركة أو كلام، بينما هتف "كارم" بلهفة مُستفسرًا:
- فيه إيه يا أسما! وفين ديانة؟
حاولت "أسما" التحدث من وسط بكائها ولكنها لم تنجح بإخراج جملة واضحة بسبب فزعها، فظلت تردد وهي تُشير بيدها إلى البحر:
- ديانة.. ديانة.
صاحت بها "ماجدة" مُحثة إياها على الحديث صارخة بانفعال:
- انطقي فيه إيه؟
بصعوبة بالغة أستطاعت "أسما" تكوين جملة صغيرة مُختصرة لهم ما حدث قائلة:
- أنا وديانة كنا بنتسابق وفجاة ملقتهاش!
لم ينتظر "جواد" لسماع أي شيء أخر وركض بسرعة نحو الماء بعد أن تأكد أن "ديانة" بالفعل لا تُجيد السباحة، وبلحظة لحق به "كارم" هو الأخر مُتمنيا أن لا يكون فات الأون، بينما شعر الجميع بالصدمة والذعر من فكرة غرق "ديانة".
صاح "عامر" بإنفعال موجه حديثه نحو إبنته بانزعاج كبير صارخًا:
- إيه اللي خلاكوا تعملوا سباق وزفت؟
لم تكن "أسما" ينقصها صراخ، فهي بالكاد تستطيع الوقوف على قدميها التي يرتجفان من هول الصدمة، فصاحت ببكاء مُحاولة الدفاع عن نفسها:
- والله يا بابي هي قالت إنها بتعرف تعوم.
ظلت "ماجدة" تصفق بيدها من فعل توترها وهي تنظر إلى البحر، وإلى "جواد" و"كارم" الذين يبحثون عن "ديانة" إلى أن أختفوا من أمامها مُضيفة بتمني:
- يارب أستر يارب.
كان "جواد" و"كارم" متأكدان أن "ديانة" لا تُحيد السباحة، لهذا بالتأكيد ستكون بالأسفل وليس على سطح المياه، كانوا يغوصان أسفل المياه للبحث عنها ويعودان لصعود مرة أخرى لأخذ القدر الكافي من الهواء لإعادة الغطس مرة أخرى.
كان "جواد" قلبه يرتعد من شدة الخوف والفزع، لن يتحمل فكرة أن يُصيبها شيئًا، ليس بعد كل ما حدث، لن يستطيع العيش بدونها، بالتأكيد لم تبتعد كثيرًا عن هنا، سيجدها ويحتضنها ولن يجعلها تغيب عن نظره مرة أخرى، كانت يُحاول إنكار فكرة أن يكون فات الأوان.
وبالفعل وجدها مُعلقة فى المنتصف أسفل سطح المياه بعدة أمتار، غاص إليها وأتتشلها من خصرها وصعد بها إلى الأعلى ليراه "كارم" ولكنها كانت غائبة عن الوعي تمامًا.
خرج "جواد" إلى الشاطئ وهو حاملًا إياها بين ذراعيه، بمجرد أن رأته "ماجدة" ركضت نحوه وهي تصرخ بلهفة:
- ديانة!
وضعها "جواد" أرضًا وبدأ فى مُحاولة إسعافها وتنشيط قلبها، بينما كانت "أسما" تبكي والخوف يتأكلها مُلقية بكامل الذنب على نفسها، لاحظ "كارم" ذلك وأقترب منها ليضمها إلى صدره مُحاولا تطمئنها أن الأمر سيكون على ما يرام.
وعلى الجانب الأخر كان "جواد" بُحاول إسعاف "ديانة" بكل الطرف، عن طريق التنفس الصناعي والضغط لإنعاش القلب، كان يشعر بالكثير من الذعر والغزع والدموع ملئت عينيه، وأخذ يصيح مُتناسيًا من حوله:
- لا.. لا مش هسيبك، مش هتروحي مني.
ظل يضغط على قلبها مُحاولًا جعلها تفيق وبالفعل دموعة قد تهاوت من شدة فزعه وظل يردد دون وعي منه بما يقول أمام الجميع:
- أنا أسف، أسف على كل حاجة، سامحيني والله ندمان وهصلح كل حاجة.
كان الجميع يستمع إلى ما يقوله "جواد" والقلق ينهش قلبهم من تكون "ديانة" حدث لها شيء، كان "كارم" و"أسما" لا مُتعجبان ممَ يقوله "جواد" ولا يعلمان ماذا يقصد أو لماذا يعتذر منها وعلى ماذا هو نادم؟
بينما "عامر" و"ماجدة" كانوا متفهمان ما يقوله "جواد" ومتأثران به بشدة وخوف من أن يخسروها مرة أخرى، بينما "جواد" شهق بقوة مُعلنًا عن مدى إنهياره الذي صدم الجميع، وظل يردد بإلحاح وترجي موجها حديثه لتلك العامدة أمامه:
- أرجوكي يا ديانة فتحي عينك، متعاقبنيش بالطريقة دي، مش هقدر صدقيني، متسبنيش أنا بحبك متسبنيش.
وكأن كلمة "بحبك" كانت هي كلمة السر بالاضافة إلى ضغطه على صدرها، وفى تلك اللحظة سعلت "ديانة" وأخرجت المياه التي كانت حبيسة داخل قصبتها الهوائية، وعلى مهلًا فتحت عينيها ورأت دموع "جواد" وملامح الذعر والانهيار على وجهه.
بينما تنفس "جواد" الصعاد ونهض ليترك لها مساحتها لتستعيد كامل وعيها، وأشاح بوجهه بعيد عن الجميع فى مُحاولة فاشلة منه لإخفاء إنهياره الذي بات واضحًا أمام الجميع.
أقترب الجميع من "ديانة" ليردد "عامر" بإمتنان:
- الحمدلله فاقت.
ركضت "ماجدة" لإحضار منشفة وحاوطتها بها مزيد من الخوف وضمتها إلى صدرها باهفة مُرددة:
- الحمدلله إنك كويسة يا بنتي.
ظلت "ديانة" تنظر إلى "جواد" وهي متاكدة إنه كان يبكي بإنهيار، حولت نظرها إلى الجميع مُردفة بإستفسار:
- هو إيه اللي حصل؟
أجابها "كارم" موضحًا لها ما حدث قائلا:
- موتينا من الخوف عليكي يا ديانة، أنتي كنتي بتغرقي وجواد هو اللي أنقذك.
نظرت مرة أخرى إلى "جواد" الذي مازال أثار البكاء عليه، فمسح على وجهه مُحاولا عدم الانهيار مرة أخرى هاتفًا بحزم:
- كفاية كده يلا نروح.
أتجه نحو "ديانة" التي كانت اثار التعب مازالت مسيطرة عليها، وانحنى وحملها من فوق الرمال وضمها إلى صدره بقوة وكأنه يثبت لنفسه إنها مازالت بجانبه، تحرك بها نحو السيارة وأتبعه الجميع، بينما "ديانة" لأول مرة لا تشعر إنها تريد إبعاده، بل تريد التعلق فى رقبته إلى أخر العمر، وكأنه هو ملجئها الوحيد.
❈-❈-❈
دلف إلى الغرفة الخاصة به فى ذلك الفندق بعد أن عاد من عمله فى الشركة، فهو قام بحجز تلك الغرفة منذ عدة أيام لان منزله تحت التعديل ولا يصلح للعيش فيه الأن.
ذهب إلى المرحاض لأخذ حمامًا بارد يُنعشه، وسريعًا ما أنتهى منه وقام بلف إحدى المناشف حول خصره، خرج من المرحاض وأتجه نحو الطعام الذي قام بشرائه وهو عائد من العمل، أخرجه من الحقيبة وقبل أن يبدأ فى الاكل صاح هاتفه بإتصال منها، فأحابها بغزل:
- يا مسا التماسي على اللي مسيطر على كل إحساسي.
ضحكت "ملك" على كلماته وعقبت بسخرية مُشاكسة إياه:
- لا دا أنت بقيت بتقول شعر أهو.
أبتسم بخفة وقابلها بسخرية هو الاخر قائلا:
- آه شعر من حواري بولاق.
هتفت مُسفسرة بخفة:
- روحت أمتى!
أجابها بالتفصل مُشاركها فى كافة تفاصيل يومه:
- لسه من شوية واصل الأوتيل يدوبك أخدت شاور، حتى لسه ملبستش.
هتفت مُعترضة عما قاله مُردفة بإستفسار:
- ده اللي هو إزاي يعني! ماشي عريان فى الأوضة؟
ابتسم بمكر وعزم على ممارسة هوايته المفضلة، مشاكسة صغيرة بعبراته الجريئة والوقحة، أجابها بمكر:
- لا طبعا يا قليلة الادب للافف الفوطة على وسطي، أنا مش همشي عريان غير فى شقتنا لما تكوني أنتي فيها.
توردت وجنتيها خجلا مما قاله، وخصوصا عندما تدخل عقلها فى تخيل منظره حينها، فصاحت به زاجرة إياه بحدة:
- أنت قليل الأدب يا إياد ومحتاج إعادة تربية.
ضحك بسخب مُتحمسًا لوجودهم فى منزل واحد بمفردهم، وسيرى حينها من سيُربي الأخر، أضاف مُعقبًا بمكر:
- أموت وأتربى على إيدك أنت يا صغنن.
لم تفهم المغذى الحقيقى وراء جملته وأضافت مؤكدة على ما قالت:
- هيحصل يا حبيبي وبكرة تشوف.
حاول إستغلال الفرصة ليجتمع بها بمفردهم، فهو أشتاق لها كثيرًا ولرؤية تورد وجنتيها بفعل أفعاله الجريئة، ليهتف بحماس:
- طب بقولك إيه، المهندس خلص جزء من الحاجات اللي قولتيلوا عليها، تيجي نروح نشوفها بكرة.
تذكرت ما فعله من أشياء وقحة فى أخر مرة كانت معه هناك، وبتلقائية وسرعة صاحو رافضة:
- لا يا إياد.
صدم من ردة فعلها السريعة تلك مُعلق بخيبة أمل:
- إيه الرد السريع الغير متوقع ده؟
اصرت على قرارها مُردفة بحزم:
- هو كده وانسى فكرة إني أروح معاك هناك تاني لوحدنا.
حاول إستفزازها مُردفًا بإستفسار:
- خايفة مني ولا إيه؟
أجابته على سؤاله مُعطية له تبريرًا لرفضها قائلة بوضوح:
- أنا مبخفش من حد، بس أنت قليل الأدب ومن هنا لحد ما تتربى مش هجتمع معاك فى مكان لوحدنا.
صاح بها مُعترضًا على ما قالته، كيف لن يجتمع بها، أهي حقا غبية أم تدعي الغباء، حسنا لنري ما لديها، هتف بها قائلا:
- نعم يا أختي! أتربى ومش هنجتمع فى مكان لوحدنا! أنتي عبيطة ولا فاهمة الجواز غلط؟
صاحت هي الاخرى مُعترضة على تفكيره نحو الزواج، وظنه إنها حمقاء لا تفقه شيء فى تلك العلاقة:
- لا أنت اللي فاكر إن الحياة الزوجية قلة أدب وبس.
ادرك هنا إنها تفهم كل شيء ولكنها تدعي الغباء فى بعض الأحيان، وذلك بسبب خجلها اللعين ذلك، حسنا لنحاول مرة أخرى تخليصها من ذلك الخجل، هتف مرة أخرى مُتعمدًا التحدث بوقاحة قائلا:
- لا هي مش كلها قلة أدب، بس أهمها قلة الأدب، ودي بقى أنا جامد أوي فيها وأعجبك.
لن تتحمل سماع شيئًا أخر، ستشتعل من الخجل، لتزجره بحدة وإرتباك:
- مش بقولك إنك قليل الأدب.
أغلقت المكالمة فى وجهه دون التفوه بأي كلمة أخرى، ليضحك هو بإستمتاع شديد ممزوج بقليل من الغيظ لكونها فى كل مرة تغلق المكالمة فى وجهه، ليتمتم متوعدًا لها:
- أبقى قولي عليا مش راجل لو مخلتكيش تلفي ورايا فى البيت كله عشان قلة الأدب دي يا أم لسانين.
❈-❈-❈
كانت متوسدة الفراش بعد أن ساعدتها "ماجدة" فى تبديل ملابسها وإحضار الطبيب كي يفحصها ليطمئنوا عليها، أنتهى الطبيب وهتف موجها حديثه نحو "ديانة" مُردفًا بهدوء:
- لا داعي للقلق يا سيدتي، أنتي الأن بخير تمامً، ولكن أحذري فى المرة القادمة.
تدخلت "ماجد" موجهة حديثها نحو الطبيب مردفة بإمتنان:
- شكرًا جزيلا لك دكتور لوس.
قابلها الطبيب بإحترام وتقدير:
- العفو منك سيدتي هذا واجبي.
أشارت له نحو باب الغرفة كي تصاحبه فى الخروج من الغرفة قائلة:
- تفضل.
جلست "أسما" بجانب "ديانة" بعد أن أطمئنت عليها وهتفت بقليل من العتاب:
- كده بردو يا ديدا تخوفينا عليكي.
أجابتها "ديانة" شاعرة بالحرج لانها كذبت عليهم وأخبرتهم إنها تُجيد السباحة، وهذا ما أنتهى الأمر عليه:
- معلش يا أسما أنا بجد مش عارفة إيه اللي حصلي فاجأة.
لاحظت "أسما" إحراجها لذلك قررت أن تغير مجرى الحديث لما تترق شوقًا فى الحديث عنه، وعن مدى حب "جواد" لها، لتهتف بثقة:
- بس أنتي عارفة، جواد طلع بيحبك أوي.
تعجبت من تلقائيتها ونبرة الثقة التى تتحدث بها وكأن هناك شيئًا ما فاتها، لتُردف بإستفسار:
- ليه إيه اللي حصل.
أجابتها "أسما" قاصة عليها ما حدث بالضبط:
- لما لقاني لوحدي وأنتي مش معايا وشه جاب ألوان ولما قولتلهم على اللي حصل جرى على الماية ومطلعش غير بيكي، ولما طلع كان غريب جدًا.
ضيقت ما بين حاجبيها بإستنكار غير مُدركة ما تعنيه "أسما" لتعقب بمزيد من الاستفسار:
- غريب إزاي!
أجابتها "أسما" بإعجاب بما عمله "جواد"، وأيضا بفضول لتعرف لماذا كان يعتذر منها وعلى ماذا هو نادم؟ فهتفت بتوضيح:
- قعد يعيط وهو بيعملك الاسعافات وكان بيتأسفلك وبترجاكي متسبهوش ومتعقبهوش بالطريقة دي، وقعد يقولك إنه بيحبك وكلام كتير ما بين الندم والاعتذار.
صمت "ديانة" لبعض من الوقت ولم تعرف ماذا عليها أن تقول؟ لتُكمل "أسما" حديثها مُضيفة بثقة وتأكيد:
- أنا مش فاهمة بصراحة إيه اللي حصل بينكوا، بس اللي شوفته إنه جواد ندمان عليه، وإنه بيحبك جدًا.
فى تلك اللحظة دلفت "ماجدة" إلى الغرفة بعد أن قامت بتوصيل الطبيب إلى الأسفل ليُطمئن "جواد" والباقية، صاحت موجهة حديثها نحو "ديانة" بإهتمام:
- أنتي كويسة دلوقتي يا حبيبتي؟
أومأت لها "ديانة" بنعم وأضافت مطمئنة إياها:
- اه يا عمته الحمدلله.
لاحظت "ماجدة" إرهاق "ديانة" لذلك قررت أن تتركها كي ترتاح، خصيصًا وهي تعلم إن ابنتها لن تترك ما سمعته اليوم من "جواد" دون الاستفسار عنه، لذا قررت تركها تستريح وهتفت موجهة حديثها نحو ابنتها بهدوء:
- طب يلا يا أسما نسيبها تستريح.
كلاهما خرجوا من الغرفة وتركوها لدوامة أفكارها وذلك التشتت الفكري الذي يفتك برأسها من حين لأخر، لماذا قالت "أسما" هذا الكلام! هل هي تعرف حقيقة العلاقة بينهم لهذا أردت أن تحنن قلبها عليه؟ أم هذه حركة عفوية منها نابعة مما استمعت له؟
هل حقا قال هذا الحديث أمام الجميع؟ هل حقا كان خائفا عليها لتلك الدرجة التي نسي بها نفسه ومن حوله! هل كان يُمثل ذلك القلق لكي تسامحه وتعطي له فرصة أخرى؟ كلا لما ليدعي القلق وهو يعلم إنها حقا غائبة عن الوعي! حتى إنها رأت دموعة وملامح الذعر على وجهه.
أحتضنت ذراعيها متذكرة وهو ينحني ويحملها من على الأرض وضمها إلى صدره، وكأنه يخبرها بطريقة غير مباشرة إنها شيء خاص به ولن يُفرط فيه، لماذا يفعل كل هذا؟ هل هو نادم على ما فعله معها لذلك يُحاول إرضائها ليُريح ضميره! أم إنه حقا يُحبها؟
كلا هو لا يفعل ذلك فقط ليُريح ضميره، وإلا لما كان مُهتمًا لأمرها فى بداية زواجهم عندما علم بحملها؟ لماذا توقف عن إذائها وصرح رغما عنه فى ذلك اليوم بإنه يهتم بها وبأدق تفاصيلها؟
••
- مش صحي إنك تأكلي حاجه مُعلبة، لأنها كلها مواد حافظة.
أمتدت يده لصحن الجبنة المطبوخة وقربه نحوها مُضيفًا بإهتمام:
- دي أحسن ليكي ومفيدة أكتر، والأحسن لو تركزي على البيض واللبن اللي مقربتيش منهم من الصبح، مُفيدين جدًا.
الصدمة هي كل ما تشعران به "زينة" و"ديانة"، ولكن الصدمة الأكبر كانت من نصيبه هو عندما أستوعب ما فعله، الأن أصبح متأكدًا إنه فقض عقله تمامًا، ما دخله هو أن تتناول المُعلبات أم المأكولات الطازجة، بماذا سيفسر حماقته تلك الأن؟
على الرغم من صدمة "ديانة" بما فعله وشعورها بإهتمامه الصادق، إلا إنها شعرت بالنفور من تقبله، ما رأته منه ليس بهين، ولن تنسى ما فعله بها أبدًا، لتسحب يدها منه بحدة زاجرة إياه:
- ملكش دعوة بيا، وخليك فى حالك أحسنلك.
شعر بالإحراج الشديد ممَ قالته وفعلته، ولكنه ليس بذلك الشخص الذي يتقبل الخسارة، ليخبرها ببرود لازع دون أن ينظر لها:
- ده أصلا مش عشانك، ده عشان اللي فى بطنك مش أكتر.
نهض من مقعده وهو بمسح على فمه بتلك المنشفة الصغيرة موجهًا حديثه نحو "زينة":
- لو أحتجتي حاجة يا زينة أبقي كلميني.
خرج من المنزل ولم يلتفت خلفه حتى أغلق الباب خلفه، لتحول "زينة" نظراتها نحو "ديانة" وأبتسمت لها بسمة ماكرة، فطنتها "ديانة" بسرعة وفهمت معناها، لتعود وتكمل طعامها من ذلك الصحن الذي أعطاه لها.
•••
هل حقا كان يهتم لأمرها هي أم الجنين! بالتأكيد يهتم لطفله، وإلا تغير معها فور أن حملت منه؟ ولكن لحظة واحدة، هل فى ذلك اليوم عندما أرسلت "هناء" تلك التي تُدعى "كوثر" لتسميمها كان مذعورا لأجل الطفل أيضا أم لأجلها؟
تتذكر عندما أحاط وجهها بين كفيه وهو يتفحصها بلهفة مستفسرا إن كان بها شيء! ذلك اليوم رأت بعينيه نظرة لهفة عليها هي وليس على الجنين، حتى ذلك اليوم الذي كان ثملًا فيه، عندما حدثها عن طفولته وعما فعلته "هناء" به.
كان هناك جزء خاص بها هي، إنها تُصدق مقولة أن هناك ثلاثة لا يكذبون، من على فراش الموت، والغاضب جدًا، والثمل.
••
- لحد ما ظهرتي أنتي، فى البداية كنت عايز أنتقم منك أوي لأنك بنت الست اللي أتسببت فى اللي حصلي ده وإن أمي ماتت وهناء هي اللي أتحكمت فيا، بس لما لقيتك بتقفي فى وشها وبتعملي اللي أنا مش قادر أعمله وكمان مديتي إيدك عليها، حسيت إنك أقوى منها وخصوصًا إني أول مرة أشوف حد قدر يقف فى وشها، عشان كده كنت بضربك وبهينك عشان أحس إني أقوى منها وإني قدرت على اللي هي مش قادرة عليها، حبيت أثبت لنفسي إني مش جبان ومش ضعيف وإني قوي.
كانت ملامحه مُشتتة وهو يبكي بحرقة وألم، يشعر بالضعف الشديد ليُلقي بنفسه فى صدرها، لتنزعج ملامحها ممَ فعله، ولكنها لم توقفه حتى يُخرج كل ما بداخله، ليضيف بمزيد من البكاء والثمالة:
- قالتلي مقربش منك وملمسكيش وعشان أثبت لنفسي إني مش بمشي ورا كلامها زي ما قولتي، نمت معاكي بس مكنتش متخيل إن الموضوع يوصل لحمل، لما عرفت إنك حامل حسيت إني عاجز مش عارف أعمل إيه؟ أقتلك وأقتل ابني ولا أقتل نفسي عشان أرتاح من كل ده؟
أخذ صدره يعلو ويهبط من كثرة إنفعاله وبكائه مُكملا بتلعثم:
- بقيت.. بقيت بضعف قدامك، بقيت بحاول أبعد نفسي عنك على قد ما أقدر، بقيت بنام فى أوضة تانية بعد ما أرجع أخر الليل بعد ما أتأكد إنك نمتي، وأخرج الصبح بدرى قبل ما تصحي، كنت بخاف إني أقابلك أو عيني تيجي فى عينك، كنت بترعب إني أضعف قدامك أو أعمل حاجه أحاول أثبت بيها لنفسي إني مش ضعيف أقوم أأذيكي.
توقف عن البكاء وقد أحتدت نبرته وبرزت عروقه من شدة الغضب مُعقبًا بأسنان مُلتحمة:
- لحد ما عرفت إنها عايزه تقتلك أنتي واللي فى بطنك، روحتلها ولأول مرة أحس إني مش ضعيف قدمها، لأول مرة أمنعها إنها تمد إيدها عليا، لأول مرة أزعق فى وشها وأزقها بعيد عني، لأول مرة أحس إني راجل بجد.
ضعفت نبرته مرة أخرى ولم يعُد يملك القدرة على البكاء مرة ثانية، ليتشبث بها أكثر مُتمتمًا:
- كل ده حصل بسببك لأني خفت عليكي، أنا مش عايز أقتلك يا ديانة أنتي مصدر قوتي، ياريتك ما كنتي بنت لبنى، كان زمان كل حاجة أتغيرت، متسبنيش يا ديانة أرجوكي أنا ضعيف من غيرك.
•••
هبطت دموعها رغما عنها مُتأثرة بتلك الكلمات التي القاها عليها، فى ذلك اليوم كانت أول مرة تشعر بالشفقة تجاهه، ورغما عنها إنحرفت مشاعرها وتخبطت لا تعرف هل هذا كان بسبب تأثير الحمل أم بسبب تأثيره هو عليها.
تتذكر أيضا ما حدث في غرفته ذلك اليوم الذي دلف الغرفة ورأها ممسكة بقميصه، كانت تتمنى أن تختفي من شدة الحرج، وما فعله بعدها جعل الأمر أسوء، لا تعرف هل إستسلامها له حينها كان نابع من داخل قلبها لإنها حقا لا تكره أو تكمن له بعض الحب فى قلبها! أم إنها فطرة ورغبة مُلحة فقط.
أبتسمت رغمًا عنها متذكرة بعض المواقف الطريفة التي جمعتهم معًا نهاية بما حدث ليلة أمس بسبب "ماجدة" و"أسما" وكأن الجميع يتأمر عليها لكي تستسلم لكونها ملكًا لجواد الدمنهوري.
هل ستستطيع يومًا أن تسامحه؟ هل يمكن أن يأتي ذلك اليوم وتجتمع معه فى منزل واحد هو وصغيرها؟ على ذكر صغيرها تذكرت ذلك الحوار الذي خاضه "جواد" مع نفسه أمام طفليهما وتلك الوعود التي أعطاها له.
••
- أيوه عشان ديانة لإني حبتها بجد، عارف إني جيت عليها ووجعتها وظلمتها، بس كل ده كان غصب عني، مش أنا اللي كنت بعمل فيها كده، الشخص المريض والضعيف اللي جوايا هو اللي عمل كده، الوحش اللي ربته هناء جوايا هو اللي خلاني أخسر البنت الوحيدة اللي حبتها بجد وحسيت إني إنسان بجد معاها.
- نفسي تسامحني، نفسي تنسى اللي فات وتديني فرصة تانية، تسبني أعوضها عن كل اللي عملته، خايف أطلب منها الطلب ده تفكر إني مستهون باللي عملته فيها وتفكر إني إنسان أناني وطماع، أيوه أنا طماع، طمعان فى وجودها جمبي، طمعان فى إحساس الراحة اللي بحسه وأنا معاها، طمعان إني أبص فى عيونها الحادة وأشوف فيهم القوة اللي عمري ما شوفتها فى عيني، طمعان تديني الحنان اللي عشت عمرى كله محروم منه، أنا بحب ديانة أوي ومش عايز أخسرها.
قال "جواد" تلك الجملة الأخيرة بنحيب وبكاء مماثل لبكاء طفله، بينما "ديانة" لم تسطيع السيطرة على دموعها للتهاوى دون توقف بالإضافة إلى أنينها التي تحاول أن تكتمه، ليلفت إنباهها "جواد" الذي رفع يده إلى وجهه ماسحًا تلك الدموع من على وجهه مُكملا حديثه بإصرار:
- ديانة هترجعلي وهتسامحني يا نور، أيوه هسميك نور، أنت النور اللي هينور حياتنا أنا وديانة وهيخلينا نرجع لبعض من تاني، أنت اللي هتخرجنا من الضلمة لنور، أنت النور اللي هيحط نهاية لكل ظلمات حصوني.
•••
الندم، الندم هو الشعور الوحيد التي تشعر بها الأن، الندم من جلوسها مع نفسها لبداية تلك المواجهة بينها وبين نفسها، هل حدث لك أن جلست مع نفسك وبدأت تفكر فى اشياء عدة، فبدلا من أن تجد لها حل وجدتها تزداد تعقيدا فتمنيت لو لم تفكر من الأساس.
هذا بالضبط ما تشعر به، نادمة على إقحام نفسها فى التفكير في هذا الامر لأنها بالنهاية وصلت لطريق مسدود به بابين فقط، أحدهم مكتوب عليه إنها تحبه والأخر مكتوب عليه لا تحبه وعليها أختيار واحد فقط منهما ولا يمكنها التراجع عن إختيارها.
حسنا ولأول مرة تفصح عنها بوضوح، إنها تحبه، لا تعرف كيف ومتى ولكنها أدركت حقا إنها تحبه عندما كادت "هناء" أن تُسقطه معها من فوق سطح المنزل، حينها شعرت بالهلع الحقيقي وكأنها هي من ستموت وليس هو، حينها تأكدت من كونها تحبه.
ولكن ستظل المشكلة بالنهاية إنها لا تستطيع نسيان ما فعله بها، رغم قوتها ورغم كل ما تغير فيه، هي تشعر بالخوف منه، تشعر بالخوف من تملكه لها تلك المرة كحبيبة، عندما يضمن الانسان بقاء من يُحب تظهر كافة عيوبة، إنها تخشي ما لديه من عيوب هي لم تراها بعد.
إنها قلقة جدا من تلك المشاعر التي تحملها له، ترى إلى أين سوف تلقي بها؟ قطع شرودها دخوله إلى الغرفة وإغلاقه للباب خلفه، تأكدت من إنها لا تبكي أو عدم ظهور أي شيء عليها، بينما تقدم "جواد" نحوها بأعين مُتفحصة مُردفًا بإستفسار:
- أنتي كويسة يا ديانة.
أومأت له براسها كاجابة منها بنعم مُردفة بهدوء:
- الحمدلله.
ظن أن هذا الوقت المناسب للحديث معها وإخراج كل ما بداخلة ليتم وضع النهاية لهذا الأمر المعلق بينهم، هناك مواجهة أخيرة ستحدث بينهم وبعدها هي من ستقرر مصير علاقتهم معًا، هتف بهدوء:
- ديانة أنا..
من هيئته وملامح وجهه أدركت إنه لديه كلام كثير يريد قوله وهي الأن غير مُستعدة لذلك الحوار، سواء نفسيًا أو جسديًا، لذلك قررت أن تقاطعه ولأول مرة تطلب منه بنبرة لينة:
- أنا عايزة أرجع مصر بكره، قول لعمته إن نور وحشني وإني محتاجه أشوفه.
تفهم رغبتها ووافقها على ما تريد مُردفًا بهدوء:
- حاضر.
ظنت أن الحديث قد انتهى ولكنه عاد مُصرًا على حدوث تلك المواجهة مرة أخرى مُضيفًا باصرار:
- أنا عايز أتكلم معاكي شوية.
هذه المره أفصحت عن عدم مقدرتها للحديث بشكل صريح مُردفة برجاء:
- لو سمحت أنا تعبانه جدًا، أجل أي كلام لحد ما نرجع مصر.
لن يستطيع أن يُصر عليها أكثر من ذلك بعد أن أخبرته إنها لن تستطيع التحدث الان، يبدو إنه سينتظر إلى عودتهم إلى المنزل، وهناك ستكون المواجهة الأخيرة، أوماء لها بالموافقة مُردفًا بتفهم:
- حاضر يا ديانة.
❈-❈-❈
جالسان على الاريكة يُشاهدان التلفاز فى غرفتهم ويأكلان بعضًا من التسالي، وكان هذا كافيًا جدًا بالنسبة لها، فأسعد اللحظات على أي زوجة هو عندما يُخصص لها زوجها بعضًا من وقته ويجلس معها ليقضيان وقتًا مُسليًا معا.
أنتهى الفيلم الذي كانوا يُشاهدوا، كاد "هاشم" أن يُغير القناة، ليوقفه صوت "لبنى" التي هتفت مُقترحة:
- إيه رائيك نعزم مالك وزينة يجوا يقضوا معانا كام يوم عقبال ما جواد وديانة يرجعوا.
أُعجب "هاشم" كثير بفكرتها وصاح مؤيدًا لها الرأي قائلا:
- فكرة حلوة أوي يا لبنى، وخصوصًا إن زينة وحشتني جدا.
أبتسمت بسعادة لأنها أستطاعت أن تُشعره بالسعادة وإنه سيقضي وقتًا لطيفا مع إبنته، لتهتف بتأكيد:
- خلاص بكره الصبح هكلمها وأقولها.
نظر لها بكثير من الحب وبلحظة خطر بباله شيئا ما ليبتسم بمكر وعقب بكلمات ذات مغذى:
- الصبح! يعني لسه قدمنا وقت.
لم تتوصل للمغذى من كلماته وأردفت بأستفسار:
- وقت لإيه بالظبط؟
نهض من مكانه وحملها بين يديه، لتشهق هي بصدمة من فعله السريع، بينما تقدم هو بها نحو الفراش مُردفًا بمشاكسة:
- إني أتبسط أنا ومراتي حبيبتي شويه.
أعتلت وجهها ملامح الخجل مما أستنتجته من كلماته وأبتسماته الماكرة تلك، وهتفت بإعتراض:
- هاشم ميصحش اللي بتعمله ده.
أنزعجت ملامحه بتذمر بسبب إعترضها مُردفا بحنق:
- والله اللي ميصحش فعلا اللي بتقوليه دلوقتي ده.
حاولت أن تجعله لا ينزعج منها، وبالوقت نفسه تُحاول التملص من بين يديه مُردفة بهدوء:
- طب نزلني بس أقولك على حاجة.
صاح هو مانعًا إياها من قول المزيد من التفاهات مُردفا بحزم:
- لا بقى أنا اللي هقولك على حاجة، الظروف ومش معادها، ونور ونايم، وحسنة وهي كمان نايمة فى أوضتها، عندك أي أعذار تانية.
ظلت صامته تبحث عما تقوله وبالفعل لا يوجد لديها أية أعذار، هي فقط تشعر بالخجل منه ومما يفعله معها فى كل مرة، وكأنهم لايزلان فى سن الشباب، بينما لاحظ "هاشم" أن صمتها طال ليُدرك إنها فقط تشعر بالخجل، ليصيح هو بتأكيد:
- يبقى مفيش.
وضعها على الفراش وبدا فى ممارسة حبِه معها مُعبرًا عن مدى عشقه لها، لقد بات مُتعلقا بها أكثر من ذي قبل، يشعر وإنه عاد بالشباب لسن الثلاثون وهي معشوقته ذو الخمسة والعشرون عامًا، حقا هناك بعض الأشخاص نشعر معهم إننا فى ريعان شبابنا مهما كبرنا، وهنام أشخاص نشعر معهم بالاحباط والعجز مهما كان صغر عمرنا، ليبقى السن مجرد رقم والسر فقط فى مع من ستقضي ذلك العمر.
❈-❈-❈
عاد إلى المنزل بعد أن أنتهى من عمله، ومنذ أن عاد والمنزل هادئ تمامًا، لدرجة إنه خمن أن "زينة" قد خلدت إلى النوم، تحرك نحو غرفته مرورًا بغرفتها، ليجد أن باب غرفتها والأنوار مفتوحان!
تحرك بهدوء إلى الداخل فسمع صوت المياه داخل للمرحاض، فأدرك إنها بالداخل وتأخذ حمامًا، كاد أن يخرج مرة أخرى ليلفت إنتباه مُجاد كُحلي اللون يظهر منتصفه من تحت الوسادة.
أمتلكه الفضول ليعرف ما هذا، لونه يبدو مألوف بالنسبة له، رفع الوسادة ليُصدم مما رأه، إنه جواز سفر وتذكرة طيران وأوراق أخرى لم يتعرف عليها وهي موصدة، لذلك أنتشلها وأخذ يتفحصها بعناية وبلحظة تعرف عليها، إنها أوراق خاصة بالهجرة خارج البلاد.
ماذا تفعل بتلك الأوراق! لماذا تُخبأهم بعيد عنه ولم تُخبره! هل تريد الهروب منه؟ لماذا؟ لماذا تريد أن تفعل به هكذا؟ ألهذه الدرحة أصبحت تكرهه لدرجة تجعلها تهرب من البلاد بأكملها؟
فى تلك اللحظة خرجت "زينة" من المرحاض وهى تلف منشفة كبيرة حول جسدها، وأخرى صغيرة حول شعرها، كادت أن تُصيح فيه بإنفعال بسبب دخوله غرفتها ورؤيتها بهذا الشكل، ولكن ما رأته فى يده ألجم لسانها.
رفع "مالك" ما في يده من أوراق خاصة بالهجرة وجواز السفر والتذكرة مُطالعًا إيها بإستنكار مُردفًا بإستفسار:
- إيه ده؟
لم تجد ما تقوله لذا ظلت صامته وأشاحت بوجهها بعيدًا عنه، يبدو أن مخطتها فى الرحيل بهدوء قد تحطم الان وسيتوجب عليها المواجهة التي كانت تتمنى أن تهرب منها، ليكرر "مالك" سؤاله مرة أخرى كاسرًا ذلك الصمت مُرددًا:
- بقولك إيه ده؟
يبدو إنه حان الوقت، لم يعد هُنام مفر، عليها أن تواجهه للمرة الأخيرة غير مُكترثة كيف ستنتهي تلك المواجهة، لتُجيبه بملامح جامدة:
- زي ما أنت شايف.
ضحكة مُحطمة خرجت منه وهو يُطالع ما فى يده مُعقبا بسخرية:
- أنا شايف باسبور، وتذكرة سفر، وورق هجره!
قال كلمته الأخيرة بقهر وغصة مؤلمة تكونت فى حلقه، ليبتلعها بمرارة مُحاربًا ذلك الإنهيار الوشيك مُضيفا بمزيد من الاستفسار:
- عايز أفهم بقى يعني إيه الكلام ده؟
يبدو إنه لن يتوقف إلا عندما يسمعها منها، هي حاولت بقدر المستطاع أم تبتعد دون أن ينجرح أيًا منهما بقسوة حديث الأخر، ولكنه مصمم على أن يجعلها تترك له ذكرة سيئة قبل رحيلها، له ما يريد إذًا، صاحت فيه مجيبة على سؤاله بحدة:
- معناه إن خلاص يا مالك، مش هكمل، مش قادرة أنسى، مش قادرة أسامح، هسيبلك البلد كلها وهبعد، أرجوك طلقني بهدوء.
لم يكن يتوقع منها كل هذا الجمود والثمود لتقول كل هذا، أكانت تريد الهرب هكذا بدون معرفة أحد، أم أن عائلتها توافقها الرأي، ليهتف مُستفسرا بصدمة:
- طب أهلك هتقوللهم إيه؟
أجابته بهدوء وكأن ما ستفعله أمرًا هيننًا لن ينتج عنه تحطيم الكثير من القلوب وأولهم قلبه هو:
- مش هعرف حد حاجة لحد لما أسافر وبعدها هشرحلهم كل حاجة وهما أكيد هيقدروا ظروفي.
يبدو إنها خططت جيدًا لذلك الأمر ولن تسمح لشيء يُعيقها ولا حتى عائلتها، ولكن ماذا عنه ألم تفكر فيه هو أو بطفلهما، صاح مُردد ذلك السؤال عليها بإستنكار:
- طب وأنا! فكرتي فيا؟
قابلته بهجوم وقسوة لم يكن يتوقعها منها، يبدو إنها أستعدت لتلك المواجهة جيدًا ولن تسمح لكلماته أن تؤثر عليه وأجابته بحدة:
- وأنت كنت فكرت فيا؟
حاول الدفاع عن نفسه للمرة المليون صارخًا بإنه لم يكن يريد أن يفعل بها هكذا، وإنه لم يكن واعي لما يفعله، وصاح بكثير من الندم مُحاولا إستعطافها وإرجاهها عن قرارها:
- أنا مكنتش في وعيي وندمت وبحاول أصلح غلطي.
عندما يتعرض الشخص المحب للخذلان من حبيبه، يصبح شخصًا قاسي يصعب إستعطافه، وهذا ما حدث بالفعل ل"زينة" التي صاحت به برفضًا تام:
- وأنا مش قادرة أسامح ولا قابله ندمك ده.
لما هي قاسية إلى هذا الحد، لما لا تستطيع أن ترى بكائه وندمه وصراخ قلبه، لما لا تريد مسامحته وهي تعلم جيدًا أن ما حدث كان رغمًا عنه، لم يعد يحتمل أكثر من ذلك، صرح فيها بألم وقلب مُنتحب:
- أنتي إيه يا شيخة! مش بتحسي! مش بتشوفي؟ أعملك إيه أكتر من كده! عارف إني أبن ستين كلب وغلطان وأستاهل ضرب الجذمة على دماغي، غلطت وندمت وأتأسفت وحاولت أصلح غلطي على قد ما أقدر، قولتلك شوفي اللي يريحك وأنا هعملهولك بس متسبنيش.
صاحت فيه هي الأخرى وهلطت دموعها مُعلنة عن تحطيم حصنها التى شيدته لتكون قوية وصامدة أمامه، لتظهر الأن على حقيقتها مُحطمة ومُنهارة لا تستطيع النظر إلى عينيه وهي تُردف بتلك الكلمات المؤلمة عليها قبل أن تكون قاسية عليه:
- وأنا مش قادرة أتعايش مع الوضع ده، مش قادرة أكمل حياتي كده، عارف أنا حاسة بإيه؟ أنا حاسه إني معيوبة، رغم إنك أنت اللي غلطان، أنا حسه إنك بتتفضل عليا، مبقاش عندي ثقة فى نفسي، شايفة نفسي شخص مُنتهك، شخص إتكسر من أكتر حد كان بيثق فيه، أنت خذلتني يا مالك وأنا مش قادرة أسامحك.
قالت كلمتها بنحيب ودموعها لا تتوقف عن البكاء، ليحاول هو إستعطافها وإيقاذ أخر ذرة حب له فى قلبها وعينيه أمتلئتها الدموع مُردفًا بصدق:
- بس أنا بحبك ومش قادر أسيبك.
حاولت إستجماع أخر ذرة قوة لديها قبل أن تنهار تمامًا مُحاولة إقناعة بأن أستمرار زواجهم أو الرجوع لما كانوا عليه شيئًا مستحيل، لذلك يجب عليهم إنهاء الأمر قبل أن يتلاشى كل ما كان جميلا بينهم فى يومًا من الأيام، هتفت مُصطنعة القوة والثبات:
- مش دايمًا الحب بيكون كفاية، فى حاجات كتير أهم من الحب، زي الثقة والأمان والكرامة، وكل دي حاجات أنا ملقتهاش عندك، طلقني يا مالك أرجوك.
ما رأه فى عينيها أكد له أن الأمر قد أنتهى، لقد خسرها إلى الأبد وفشل في إعادتها مرة أخرى، لا فائدة من الندم أو البكاء أو حتى الصراخ، لن يشفع له شيئًا عندها، حتى الموت لا يمكنه إصلاح ما أفسده هو، يكفي إلى هذا الحد.
طالعها بنظرة مٌحطمة خالية من الحياة وبداخله يتمزق إربًا مما هو مُقبل على قوله، ولكنه لن يرغمها على البقاء معه، ما جعلها تُفكر فى هجره وهجر عائلتها وهجرة البلاد بأكملها، يعني إنه لم يخسرها هو فقط بل جعلها تخسر نفسها أيضا، عقب بصوت شبه مبحوح أثر ما يشعر به من ألم قائلًا:
- أنا أتخدعت مرة زمان وأفتكرت إني حبيت، بس لما عرفتك عرفت إني عمري ما حبيت قبلك، أنا أه كسرت ثقتك وأمانك معايا، بس حفظت كرامتك قدام الكل وأعترفت بغلطي وحاولت أصلحه، أنا فعلا خذلتك وكسرتك بس أنتي قتلتيني.
لم تتوصل لما يقصده بأخر جمله قالها وظلت تتابعه بعينيها بصمت وهو يتحرك نحو باب الغرفة عازمًا على الخروج منها، وقبل أن يخطوا أخر خطوة إلى الخارج، ألتفت لها بنظرة ميته ودموعه تهبط من عينيه وقلبه ينتفض بين ضلوعه مُضيفًا بحسرة وشفتان يرتجفتان:
- أنتي طالق يا زينة.
اليوم وبنفس المكان خسرها للمرة الثانية ولكن هذه المرة دون رجعة، خرج من الغرفة بسرعة قبل أن يسقط مُغشيًا عليه أمامها الأن، بينما "زينة" تُقسم إنها سمعت صوت كسر قلبها من بين ضلوعها، لقد فعلها، لقد طلقها وتركها، وضعت يديها الأثنان على فمها مُحاولة كتم تلك الصرخة التي تُهددها بالخروج.
سقطت أرضا على ركبتيها، فقديها لم تعد تستطيع حملها، تشعر بضيقًا فى نفسها، على الرغم من شعورها بإنها أخف من الهواء، تشعر وكأنها داخل المياه ولا تشعر بقدميها، تتنفس بصعوبة شاقة وكأن الموت يدق بابها.
لماذا تشعر بتلك الاحاسيس! لماذا تشعر بالموت؟ ألم يكن هذا ما كانت تريده من البداية؟ لماذا إذًا تشعر وكأنها تحتضر! لماذا لا تشعر بجسدها مُطلقا! هل أصيبت بالعجز؟
❈-❈-❈
يقود السيارة بسرعة جنونية ومخيفة جدًا، من حسن حظه أن الوقت متأخر ولا توجد الكثير من السيارات على هذا الطريق، فسرعته مهوله بالإضافة إلى عينيه المليئة بالدموع والتي تُصعب عليه الرؤية.
هل حقا فعلها! هل حقا طلقها؟ هل خسرها نهائيًا تلك المرة! دموعه لا تتوقف عن النزول وصوت بكائه وشهقاته ونحيبه أعلى من صوت حركة السيارة والهواء حوله.
كل أوقاتهم معا منذ اول يوم رأها فيه إلى الأن تمر أمام عينيه وكأنه فيلمًا يُشاهدة، يتذكر كل شيء ووجع قلبه لا يرأف بيه أبدًا، قلبه يصرخ وينتفض بين ضلوعه، يقسم إنه يشعر بإنه سيتوقف فى أية لحظة، يكز على أسنانه بحسرة وهو يردد أسمها بينه وبينه وبين نفسه وكأنه ينتظر أن تٌجيبة.
أخذ يحرك رأسه يمينًا ويسارًا رافضًا تصديق إنها لن تكون معه بعد اليوم وإنه خسرها إلى الأبد، فظل يردد بنحيب وبصوت خافت تحول إلى صراخ بالنهاية قائلًا:
- لا يا زينة، لا متسبنيش، لا يا زينااااه.
كان يصرخ بأسمها وأغمض عينيه بألم ينهش قلبه، بينما كان يمشي بالسيارة علي يسار الطريق وبنفس سرعته الفائقة ولم ينتبه إلى تلك الشاحنة الخاصة بالنقل الثقيل التي كانت تخرج من الطريق الأخر لطريق الذي يسير فيه، حتى أن سائق الشاحنة لم ينتبه له بسبب سرعته المهولة.
وبمجرد أن فتح عينيه أصتدمت سيارته من الأمام بالشاحنة التي كانت تعبر الطريق من الجانب، مما نتج عليه إنقلاب الشاحنة وتدمير النصف الأمامي من سيارة "مالك" الذي كان يجلس فيه وتناثرت دمائه ولم يعد ظاهرًا فى مقعده بسبب ثني صاج السيارة عليه.
أصوات مكابح السيارات على كلتا الجانبين هما الشيء الوحيد المسموع في تلك اللحظة، يليها صوت تهويل الناس التي أجتمعت على الحادث لأنقاذ ما يمكن إنقاذه، ليصيح أحدهم:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، حد يتصل بالاسعاف بسرعة يا جماعة.
هتف واحدًا أخر وهو ينظر إلى سيارة "مالك" وهتف بذعر:
- أعوذ بالله الراجل اتفعص بين صاح العربية والدم مغرق الدنيا.
واحد أخر أقترب من "مالك" ووضع يده على عنقه مُحاولا إستشعار نبضه، ولكنه لم يجد به أية نبض، ليهتف بأسئ:
- أشهد أن لا إله إلا الله وأن مُحمدًا رسول الله، إنا لله وإنا إليه راجعون.
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة منة أيمن, لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية