-->

رواية جديدة حياة بعد التحديث لخديجة السيد الجز الثاني من بدون ضمان - تكملة الفصل 1

 

 رواية جديدة من روايات الكاتبة خديجة السيد

رواية حياة بعد التحديث

الجزء الثاني من رواية بدون ضمان


رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


تكملة الفصل الأول


نظر سالم إلي ليلي وهي راقده فوق فراش المستشفى غائبة عن الوعي، شعر بتأنيب الضمير لأنه اهملها بتلك اللحظات ولم يشعر بتعبها، ألمه ذلك كثيرًا رفعها إلى صدره وضمها إليه ثم مد يده على بشرتها ماسحًا برفق عليها، همس لها وهو ينحني على جبينها


= سلامتك يا روحي ان شاء الله انا وانتٍ لا.


ثم نظر إلى الطبيبة و أضاف بقلق بالغ


= انتٍ متأكدة يا دكتوره انها كويسه لو في حاجه خطيره صارحني أو ممكن ننقلها مستشفى ثانيه أكبر، بس اهم حاجه تكون بخير 


طمنتة قائلة بتأكيد


= ما تقلقش حضرتك هي كويسه و السخونيه خلاص اهي نزلت وهي شويه وهتبتدي تفوق وممكن تروحوا من دلوقتي لو حابب .


أصغي لها دون مقاطعة حتى قال بجدية


= الوقت اتاخر ممكن اسيبها النهارده في المستشفى تحت الملاحظه عشان اتاكد من حالتها انها بقت بخير ومش هيحصل لها حاجه تاني والسخونيه مش هتعلى ويغمى عليها، أنا هبات معاها النهارده كمان .


ثم هتف متسائلا باهتمام كبير


= بس قوليلي يا دكتوره هي اللي كان فيها وخلى جسمها يسخن كده فجاه و تفقد الوعي


في تلك اللحظه فتحت ليلي عيناها وشعرت بالتوتر والقلق فهي من اوصلت نفسها الى تلك الحاله حتى يظل والدها جانبها وخشيت ان تنكشف! لكن الطبيبة أجابت باختصار 


= شكلها من حراره الجو والتغيير وما استحملتش، انا همشي وبكره الصبح هاجي اشوفها عن اذنكم.


تنفست ليلي بصعوبة بالغة بأن لم يتم كشف أمرها وسرعان ما شعرت بالسعاده بانها حققت مرادها ووالدها سيظل بجانبها ولم يرحل مع تلك خطافه الرجاله، بينما في الخارج، اقتربت تسنيم من شقيقها وهي بفستان الزفاف وقالت بهدوء


= ايمن خلاص الدكتورة طمنتني وهي ابتدت تفوق ممكن تروح انت وانا هفضل مع سالم، بس معلش هستاذنك تروح البيت بتاعي القديم وتجيبلي اي حاجه عشان اغير هدومي بدل ما انا بفستان الفرح كده وإللي رايح واللي جاي عمال يتفرج عليا .


تنهد أيمن براحه وقال باهتمام


= طب الحمد لله انها بقت كويسه بس هي مالها ليه وقعت فجاه كده من طولها في الفرح 

ما كانت كويسه 


كادت أن تتحدث لكنها تذكرت شيء لتضرب رأسها بخفه وهي تقول بعبوس 


= يووه انا نسيت حاجتي كلها نقلتها في بيت سالم، اعمل ايه دلوقتي هفضل لابسه الفستان ده لحد بكره .


هز رأسه أيمن متفهم وقال باقتراح 


= خلاص اهدي ما تقلقيش انا هجيبلك اي هدوم من اي محل فاتح تقضي الغرض قبل ما اروح .. المهم خليكي معايا على التليفون وطمنيني لو في حاجه حصلت او محتاجيني ابقي اتصلي بيا علي طول.


بعد دقائق انسحبت ناهد لتذهب الى منزلها بعد اصرار كبير من سالم، خصوصا بعد أن اطمأنت على ليلى واخبرتهم الطبيبه ان حالتها بخير ولا يوجد شيء خطير يستدعي لجلوسها هنا، بينما ظل هو بجانب أبنته التي استيقظت لدقائق وبعد ذلك عادت للنوم مره ثانيه بسبب الادويه المخدره .


فتحت الباب ودخلت وابتسمت له تسنيم قائلة بود


= حمد لله على سلامتها يا سالم ان شاء الله تقوم وتبقى كويسه، اهدي انت وما تقلقش والدكتورة اهو طمنيتك بنفسها .


انعقد ما بين حاجبيه باستغراب وهو يسألها

بذهول


= تسنيم انتٍ لسه هنا انا فكرتك روحتي مع ايمن اخوكي، روحي انتٍ يا حبيبتي خلاص و انا هبات هنا معاها مش معقول هتفضلي اليوم كله هنا.


هزت هي رأسها قائلة باعتراض


= إيه اللي انت بتقوله بس ده يا سالم يعني معقول هسيبك في ظرف زي ده وبعدين هروح البيت اعمل ايه لوحدي، خليني معاك لحد ما نطمن عليها وتفوق.. انا اتخضيت عليها أوي لما وقعت من طولها في الفرح الحمد لله ان الدكتورة طمنتنا. 


طبع قبلات متتالية على رأس أبنته النائمه ويدها بحنان ثم اقترب من زوجته يضمها بإمتنان قائلاً بتنهيدة حارة بعد أن ضمها إليه أكثر


= ومين سمعك ده انا اعصابي سابت بس الدكتورة بتقول حاجه بسيطه واكدلي ان ممكن نروح من بكره عادي، بس اسمعي الكلام بقى وروحي انا اما صدقت روحت جدتها بالعافيه 


ربتت زوجته على ظهره تجيب بلطف


= خدت بالي منها وهي ماشيه عشان كده هقعد معاك وبعدين شويه وايمن هيجي بعته يجيبلي هدوم عشان اغير الفستان في اي حمام هنا وافضل معاك براحتي و ريح نفسك يا سالم انا مش هسيبك في وضع زي ده لوحدك.


أرجع رأسه للخلف ليحدق في وجهها بنظرات عاشقة فابتسمت له، بينما عبس وجه قائلا


= انا مش محتاج حد معايا روحي انتٍ يا تسنيم وارتاحي، مش كفايه الفرح اللي باظ انا بقيت شكك ان في حد بصصلنا في الجوازه 

قبل اربع شهور بعد ما رتبنا كل حاجه عمك توفي واستناني اربع شهور بعد وفاته وقلنا نعمل الفرح واهو دلوقتي بنتي تعبت مش عارف عين مين بس دي .


ابتسمت بشدة علي كلماته وأجابت بنبرة متفائلة


= بس يا سليم ما تقولش كده وانا مش متضايقه ولا حاجه مش الحمد لله عملنا الفرح وعدى على خير وموضوع بنتك طلع بسيط، العمر قدامنا طويل نفرح براحتنا بقي.. وبعدين مش بيقولوا كل تاخيره وفيها خيره انا متفائله بقى من الأيام اللي جاية معاك.


رد عليها بنبرة امتنان وهو يرمقها بنظرات عاشقة


= دي ايه العقل والرزانه اللي نزلت عليكي مره واحده دي، ده انا قلت تلاقيكي دلوقتي هتزعلي دي ليله العمر بالنسبه لك وضاعت فرحتها في الآخر 


ضمت شفتاها بعبوس قليلا ثم مالت عليه لتقبله من وجنتيه بجراء وقالت بخجل طفيفة


= الفرحه الحقيقيه مش في الفرح والفستان يا سالم، الفرحه الحقيقيه بالشخص اللي معايا وثقتي في انه هيعوضني ويسعدني دايما .. ولا انت ناوي بقى تغدر بيا الايام اللي جايه أعترف انا فاكره كل وعد وعدتهلي السنه ونص اللي اتخطبناها .


هز رأسه مداعبًا إياها بكلماته


= ماسكه عليا سيديهات يعني، على العموم اطمني حتى لو ما وعدتكيش قلبي هو اللي هيغدر بيا ويسعدك .. ما هو متنيل واقع في حبك اعمل ايه نصيبي.


تلاشت ابتسامتها بغيظ شديد صائحة بتذمر


= ايه متنيل دي! هو انت رجعت في كلامك ولا ايه ما تحسن ملافظك شويه شكلك حاسس انك اتسرعت وناوي ترجع في كلامك على العموم احنا فيها وانا لسه بفستان الفرح قولها بس وانا هروح من هنا لعند بيتي .


تفاجا بها تنسحب من امامه، لكنه أمسك سالم بكف يدها ضاغطًا عليه بأصابعه، فنظرت له بجدية، قرب كفها منه قائلا بضحك


= ده انتٍ إللي بتتلككي تعالي هنا انا بهزر انتٍ اما صدقتي، والله شكلك انتٍ اللي بتتلككي عشان تمشي وحاسه انك اتسرعتي بس على مين انتٍ خلاص دخلتي قفص سالم و مش هتخرجي منه أبدا الا بموته.


تنهدت قائلة بضجر


= بعد الشر عليك ما تقولش كده .. ربنا يديك طوله العمر ويخليك لي .


نظر لها بأعين لامعة بسعادة، متلمسًا بشرة وجهها برفق وعاود ضمها إليه ولفت هي ذراعيها حول خصره لتزيد من تشبثها به وهو يقول مبتسماً بخبث


= ايوه كده كان فين من بدري الكلام الحلو ده! ما تجيبي بوسه يا تسنيم ومحدش واخد باله كده في المستشفى.


إنكمشت بحضنه في خجل ولم تجيب، و

أدارها نحوه ببطء دون أن يفلتها حتي ينال من شفتيها بقبلة شغوفة وكادت أن تستسلم لحرارة مشاعره الفياضة وتتجاوب معه إلا أن ....! 


قاطعهم فجاه صوت من الخلف وكان أيمن الذي احضر لها ملابس مناسبه كما طلبت، حمحم أيمن قائلا بجدية زائف 


= احم معلش لو جيت في وقت مش مناسب الهدوم اللي طلبتيها اهي يا تسنيم انا همشي بقى 


ظل سالم ثابت بمكانه، بينما أخفضت تسنيم عينيها حرجًا منه، وهزت رأسها باستنكار كبير لتصرفها الأحمق دست يديها في خصلات شعرها المتبعثرة ضاغطة على شفتيها بقوة، ابتسم أخيها لخجلها الحرج منه متابعًا بصرامة زائف 


=اسف على المقاطعة كملوا براحتكم بس ابقوا خلوا بالكم انتم في مستشفى والناس رايحه جايه وممكن حد يدخل الاوضه عليكوا زيي كده .. يلا تصبحوا على خير


نظرت إلي أخيها بتوتر شديد، واصطبغ وجهها بحمرة شديدة و حاولت أن تنسل من أحضان زوجها بإحراج لكنه أحكم ذراعيه حولها كي لا تفلت منه، لكنها تحركت بارتباك وهي تدفعه متسائلة بعدم تصديق وبنبره بها لمحه بكاء 


= ده شافنا صح، شافك وانت بتبوسني؟ نهار أبيض اودي وشي دلوقتي منه فين، وأنت قليل الادب اصلا ايه اللي انت عملته واحنا في المستشفى .. يقول عليا ايه دلوقتي ينفع الموقف اللي حطيتنا فيه ده .


أرخى ذراعه عنها بذهول حتي كاد أن ينفلت بالضحك على اسلوبها وخجلها ليمسك بها من معصميها، وطوق بالأخر خصرها ليتمكن من احتضنها قائلاً بلؤم


= هو ايه اللي هيقول عليكي ايه دلوقتي،و إيه الدراما اللي انتٍ عاملاها دي هو قفشك مع حد غريب ده انا جوزك وبعدين ما انتٍ من شويه كان عاجبك الوضع ولولا انه داخل كان زمانك بوستيني انتٍ كمان .


استخدمت أقصى قوتها في دفعه من صدره علها تتحرر منه لكنها لم تستطع إبعاده عنها، ظل محاوطًا إياها يقربها أكثر إليه، فخجلت من كلامه مرددة بهمس حذر


= احترم نفسك وبطل قله ادب انا ما كنتش 

هبوسك اصلا جايب الثقه دي منين، انا بس سكت من الصدمه! بس بعد ما فوقت كنت لسه هزعقلك علي فكرة واقول لك احترم نفسك بس هو اللي دخل وشافنا .


رفعت برأسها نحوه لتجد أعينه تقتحم عينيها بقوة، وظلت أنظاره مثبتة عليها وهو يميل برأسه نحوها بصمت غامض، شعرت باضطراب أنفاسها وبتلاحق دقات قلبها من فرط الموقف الممزوج بالحياء والخجل، وقالت بقلق شديد


= مالك؟ بتبصلي كده ليه؟


سألها بغموض غامزًا بطرف عينه


=ايه انتٍ؟! هو أنا لسه عملت حاجه


انتابها مشاعر متداخلة و ارتجفت أكثر من اقترابه المهلك منها في لحظة خاطفة، وأردفت متسائلة بغضب مكتوم


= وانت ممكن تعمل ايه اصلا وأحنا هنا... سالم ما تتهورش احسن تفضحنا تاني


اقترب هو منها حتى إلتصق صدره بجسدها ، انصدمت منه وقالت بتوتر شديد


= إنت بتعمل ايه؟ حاسب من وشي، عاوزة أمشي عشان اروح اغير الفستان! 


لم يتركها بل طبع قبلة صغيرة على جبينه يضيف هامسًا لها بصوت ماكر


= ما هو الموضوع إللي عاوزك في لي علاقه برده بتغيير الهدوم.. بقول يعني بما أن الباب مقفول وكده.. فرصة ناخد راحتنا و...


انتابها إحساس غريب بالخوف حاولت تهدئة نفسها لكنها لم تقاوم رجفتها المتوترة، و قاطعته بغيظ شديد


= قليل الأدب، عيب كده!


شدد من ضمته لها وهو يغمز لها


= مش احنا اتجوزنا، يا قلبي يعني محدش هايكلمنا وشكلك كده مش عاوزه تصدقي ولا تستوعبي ان انا جوزك ، غير لما ابوسك


فزعت أكثر من أسلوبه الذي لم تعهده من قبل، وحاولت الإبتعاد وهي تقول بتشنج


= ابعد عني يا وقح... سالم فوق أنت مالك؟ بنتك نايمة بنفس الأوضه، والله اصوت والم عليك الناس


لم يعبأ بمقاومتها الشرسة او تهددها له فرد عليها سالم مازحًا


= أنا عملت حاجه، ده أنا ذي جوزك حتي! 

يلا هترغي كتير، أنا تعبت و عاوز ...


ضيقت عينيها في حيرة وشك وهي تقول بسخط


= عاوز ايه ما تحترم نفسك بقى انت مالك فجاه قلبت رياكشن حمدي الوزير .


تطلع بوجهها العابس وعلي حديثها بطريقة مثيرة للضحك مرددًا 


= في واحده تقول لجوزها في ليله زي دي حمدي الوزير برضه، وبعدين عشان تعرفي انك ظلماني وفهماني غلط انا كنت عاوز اساعدك عشان تقلعي الفستان والطرحه اللي زي التهمه على دماغي دي! طب بذمتك هتعرفي تقلعيها لوحدك .


دفعته تسنيم بقوة من قبضتيها فتمكنت من تحرير نفسها منه، وردت بصرامة زائفة


= والله! طب ابعد عني مش عاوزه منك مساعده


حررها من قبضتيه فانطلقت مسرعة نحو باب الغرفه لتفر منه لكنه اعترض طريقها مجددًا 

رفض إفلاتها حاوطها من خصرها مقربًا إياها بقوة إلى صدره هامسًا بتسلية


= متاكده! راجعي نفسك انا مش بعرض غير مره واحده بس.


جزت علي أسنانها بشراسة وهي تقول بنبرة مغتاظه


= متشكرين يا سيدي على خدماتك، اوعي .


❈-❈-❈


في الصباح ذهبت ليان الى الخزانة وارتدت جيب سوداء طويلة وفوقها شيميز من اللون الابيض الرقيق وفوقه جاكت من اللون الاسود و حجابها الذي زينها ولم تضع أي مساحيق تجميليه واخذت حقيبتها وخرجت من غرفتها

لتجد دلال تقف بجانب الطاوله وتصنع السلطه 

نظرت ليان إليها بأعينها الزرقاء بابتسامة صافيه قائله


= صباح الخير يا ماما 


إلتفتت برأسها نحوها لترمقها بنظرات حـادة ، وقالت بصوت مغتاظ


= انتٍ خارجه ورايحه فين؟ في الوقت ده احنا مش هنخلص ولا ايه .


تنهدت هي بضيق قائلة بنبره مُرهقه


= طب ردي الصباح الأول، و انا رايحه الجامع 

ولو عاوزه تيجي معايا عشان تتاكدي اتفضلي 


ظلت نظراتها البارده دائما تطلع فيها ثم قالت بنبره جامده بارده


= انتٍ مش لسه كنتي من يومين في الجامع مش كل يوم هو اتفضلي يلا خشي جوه ربنا هيتقبل صلاتك في البيت برده مش شايفه

لي لازم مروحك كل شويه ونزولك.


هزت راسها وهي تقترب منها قائله بنبرة خافتة


= لسه فاضل ساعه على صلاه الظهر وانا عاوزه اروح الجامع شويه اقعد بحب اسمع شرحهم للايات وكلامهم، من فضلك يا ماما سيبيني انزل.. هو انا بروح ولا باجي إلا لي الجامع وبس .. انا زهقت من الحبسه دي ومش فاهمه انتٍ حبساني ليه أصلا .


لوت فمها قائلة بقسوة وهي تشيح بوجهها بعيداً عنها 


= مش فاهمه بجد حبسكي ليه؟, بلاش احسن نفتح في القديم يا ليان اتفضلي انزلي هم ساعتين بالكتير وما تتاخريش.. ولما نشوف حالك اللي اتغير ده فعلا وعرفتي غلطتك من حبستك هنا في البيت ولا تمثيل بتعملي عليا عشان عاوزه تعملي حاجه ثانيه 


كتمت جرحها منها وهي تنظر لها بملامح تشمل حُزن العالم بأكمله كإن كل الحزن والأسى والتعب خُلق فقط ليُمزق قلبها ارباً، إجابتها بصوت مخنوق 


= انا اتغيرت عشان انا عاوزه كده مش اتغيرت من الحبسه! يا ريت تفهمي كده انتٍ والبيه اللي كنت متجوزه وكان بيحبسني ومفكر كده هيمنعني من اي حاجه غلط عاوزه اعملها، الحبسه عمرها ما هتمنع اي انسان الشيطان مسيطر عليه وعلى افكاره كان في طرق تانيه كان ممكن تقربوا مني بيها بس انتم اخترتوا الطريق الأسهل للأسف .


التفتت بهدوء لترحل الى الخارج ولم تنتظر ردها ثم صعدت الى الاسانسير وأغلقته خلفها، لم تشعر بعدها إلا بدموعها التي تسيل الان كسيل النهـر من كثرتها وهي تشعر بقلبها ينبض ويقرع كـ الطبول.


هي فقط شعرت بإختناق رهيب! أو ربما شعور بشع يُصيبها، كلما تتذكر كلمات والدتها لتشعر بإشمئزاز ونفور إتجاه نفسها، وما يؤلمها اكثر بانها تحاول التغيير لاجل نفسها ولاجلهم لكن لا أحد يصدقها بالنهايه..اخرجت من حقيبتها واضعه نظارتها الشمسيه علي عيناها الزرقاء تنظر الي اللاشئ.


وكان الدنيا دائما تخبرها لا فرحة لها، ولا لذة ولا صبر ولا نعيم ولا راحة، وعند ذكر طلقها أيمن، إرتعش قلبها وعيناها امتلئت بالدموع أكثر بحسرة .


وجدت نفسها تلقائيا تضع يدها فوق قلبها المتألم وهي تشعر بخزي الدنيا عندما تشرد بكلماته السابقه وهو يعايرها! ما زالت تدور بعقلها تُصيب قلبها كـ السهام المنغرزه المسمومه.. من يـراها الان هي فتاه مُنكسره ولكن هي فعلت كل هذا بيدها لم يجبرها أحد علي فعل شئ، وبنفس الوقت هي ضحيه نفسها وضحيه شيطانها وضحية إهمال أسرتها و زوجها السابق أيضا.


ألزمت نفسها بشدة بأن لا تفكر به مره ثانيه بالتاكيد هو الان تزوج بغيرها ونسيها و أنشأ حياة جديده .. وذلك الذي يجب ان تفعله أيضا تبحث عن ذاتها بحياتها الجديدة .


❈-❈-❈


كان بدر بداخل ورشته الخاصة، يعمل بمزاج سيء تماماً بالاضافه إلى الأرق الذي يشعر به بسبب عدم انتظامه بالنوم نتيجة اهتمامه بأطفاله والسهر طوال الليل، تنهد بألم وهو يتذكر زوجته الراحلة منال ودائماً يعترف بينه وبين حاله أن الحمل أصبح ثقيلاً عليه! مسؤوليه طفلين والعمل المرهق في الورشة لساعات طويلة، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية الذي يقوم بها بمفرده.

حتى شكواه كانت مخفية بينه وبين نفسه فقط! فلمن سيذهب ويشكو؟ عاش وتربى وهو يعلم جيداً أنه طفل متبنى ولا يعرف شيئاً عن عائلته الحقيقية ولا يريد أن يعرف عنهم شيئاً لأنهم تخلوا عنه منذ البداية أو ربما ماتوا ، هو لا يعلم لكنه يعلم جيداً أن تلك السيدة الراحله التي كان يناديها أمي! هي التي اعتنت به بعد أن أخرجته من الملجأ. لم تفشل في فعل أي شيء معه لاسعاده، بل هو مدينًا لها بالكثير. حتى زوجته منال كانت سيدة بسيطة لا تريد شيئا في الحياة سوى عائلة بسيطة وزوج يعتني بها، لكن لم تستمر بحياته  و رحلت هي الاخرى، هز رأسه بقله حيلة وألم فالجميع حوله يرحلون دون مقدمات، بينما هو يظل بتلك الحياه مع أبنائه.

أستغفر الله كثيراً هو لا يعترض على حكمته ولكنه يخاف من القادم ويخاف من تلك الأعباء
أن لا يستطيع حملها ويقصر في تربية أولاده، لكنه على يقين أنه يبذل قصارى جهده لمحاولة تعويضهم عن حنان أمهم، ولكن الذي يقلقه عندما يكبرون؟ ومن المؤكد أن العبء عليه سيصبح أكبر وأكثر.

تذكر نصائح الجميع من حوله بالزواج مرة أخرى؟ وحتى في بعض الأحيان يشفق عليه الجيران من حوله وهم يشاهدون على هذه الحالة ويقدمون له عروساً مناسبة، لكنه دائماً يرفض تلك العروس التي يراها الجميع مناسبة له سواه، فيجب دراسة تلك الخطوة جيداً؟ سيأتي بزوجة اب لأولاده سيدة يريدها أن تعتني بطفلتين لديهم أربعة أشهر ونتيجة لذلك، مطلوب يعتني بها هو أيضًا.

هز رأسه ساخراً، فمن تلك الفتاة التي مستعدة تتخلى عن مجهودها الصحي مقابل تربية أولاد ليس اولادها، ولو وجدها فإنه حتما سيظلمها معه، لذا لم يلتفت إلي ذلك نهائيا واكتفى بما  يقدمه من خدمات الى اطفاله؟؟ اخفض رأسه بقله حيلة إنه يكذب بالتأكيد. منذ قليل اعترف أن الحمل أصبح ثقيلاً، ويحتاج إلى امرأة في حياته؟ امرأة يثق بها ثقة عمياء ويترك لها تربيه اولاده وتتحمل المسؤولية الكاملة، بالإضافة إلى مسؤوليته أيضاً!!.

لذلك هو يشعر بالظلم من تلك الخطوة، إنه يريد حقاً زوجة مناسبة لأولاده ومناسبة له. و يعلم إذا وجدها فسوف تقدم له تضحية كبيرة وتنقذه من ذلك الحمل، لكن يدعو ربه داخله إذا وجدها؟ لم يترك لها حمل رعايه اطفاله كله بالتأكد.. بل سيشاركها المسؤوليه أيضا.. فهم أولاده بالنهاية و مسؤوليته هو!

لذا لا ينبغي له أن يكون رجلاً ظالماً، ويتزوجها فقط حتى يجعلها مربية لأولاده، وزوجة تلبي احتياجاته.. هكذا سيكون أمام نفسه، ليس رجلاً بلا من أشباه الرجال.

ولكن أين هي؟ تلك العروس التي ستتوفق مع أولاده، حتي وإن لم يجدها؟؟ لقد عاش حياته الماضية في رعاية بناته التوأم وسيعيش حياته القادمة يرعهم دائمًا وهكذا أخبر والدتهم قبل أن تودع الدنيا وتغادر، وكأنها تشعر بما سيحدث وكانت تريد منه أن تبقيهم بداخله بوعد منه، وقد حدث بالفعل.

في ذلك الاثناء آفاق على صوت الصبي الذي يعمل معه يدعي عوض، وهو يردف بدهشة

= يا اسطى بدر بقيلي ساعه عمال اكلمك مش سامعني، الراجل صاحب العربيه اللي جوه بالورشه اتصل من شويه وبيسال يجي يستلم العربيه ولا لسه فيها تصليح

نظر له ببطئ، فتنحنح بصوت خشن قبل أن يتحدث بهدوء

= معلش يا عوض سرحت شويه لو أتصل تاني اقول له، أيوه يجي ياخدها وما تنساش تحاسبه 

تبادل عوض مع بدر نظرات حائرة بعد كلماته  وتسائل هو باستغراب

= مالك يا اسطى إيه اللي قلقك كده ومخليك سرحان اكيد موضوع بناتك مش كده، بصراحه بتصعب عليا أوي يا اسطى شايل حمل كبير أوي عليك، ده انت بتاكلهم وترضعهم وبتطبخ بنفسك ليهم وتكنس وتمسح البيت غير الشغل هنا اللي بيقطم الظهر، طب عليك ايه بكل ده .

لمعت عيناه ببريق حزين، وهو يجيب بنبرة ساخراً بألم

= تقصد ايه بكلامك؟ عاوزني ارمي عيالي يعني ولا اعمل ايه؟ نصيبي كده اعمل ايه مراتي تموت وهي بتولدهم وتسيب لي حملين مش حمل واحد حتى .

اقترب عوض منه باهتمام وتحدث بتوضيح

= ما انت لو تطوعني وتتجوز لوزه مرات اختي هتشيل عنك الحمل، علي الأقل عارفينها وعارفين تربيتها ومتربيه وسطينا وغير كده بتحبك من زمان وانت عارف .

نظـر إليه بدر لحظات و نـفي تلك الفكره عن عقله تمامـا الارتباط بتلك الفتاه بالذات، بالرغم من معرفته لها الجيدة ولكنه قال بجدية شديدة  

= عوض قلت لك بدل المره عشرة ما تفتحش معايا الموضوع ده، انا مش هامن على بناتي لواحده اتنازلت عن ولادها لجوزها في الغربه وسابتهم و اتطلقت منه وجيت هنا .

انعقد ما بين حاجبيه بعبوس كبير، فتلاش حماسه وقال بإحباط

= طب ليه يا اسطى الظلم ده، ما انت عارف اللي فيها هي في أم هتتنازل عن عيالها من شويه؟ ده كان مطفحها الكوته وكل يوم والثاني يديها علقه لحد ما في الآخر سومها على الطلاق، وقال لها لو عاوزه تطلقي مني تتنازلي عن العيال وتنزل تعيش لوحدها.. وما تفتكرش انها قاعده يعني مبسوطه مع مراتي بالعكس دي كل يوم بتفتكرهم ونفسها تكلمهم، وانا عشان كده عرضت عليك الفكره هي اكثر واحده هتكون حنينه عليهم .  

تنهد بدر بصوت مسموع بضيق ثم قال  
بنبرة قاتمه كـ ملامحه تمامـاً

= يا عوض انا ما قلتش انها وحشه انا عارف كل ده وربنا يكون في عونها يا سيدي بس في النهايه انا مش قادر اتقبل في دماغي فكره ان واحده تسيب ضناها وهي مش عارفه عنهم حاجه مع واحد كل يوم كان بيعذبها وهتيجي تربيلي عيالي وتشيلهم فوق راسها، وبعدين بلاش نضحك على بعض الراجل اللي كانت متجوزه كانت سمعته وحشه والكل عارف وهي اللي صممت عشان كانت طمعانه في  العيشه اللي كانت هتعيشها معاه بره مصر.. 

وأضاف بدر بعدم رضا قائلاً بنبرة خشنة

= ده انا ذات نفسي حذرتها منه وما سمعتش كلامي.. بس هنقول ايه يلا ربنا يعوضها بواحد احسن مني ومنه بس صدقني لوزه ما تنفعنيش .

هز رأسه بحرج طفيف، وقال معتذرًا بحذر

= اللي تشوفه طبعاً يا اسطى هو يعني الجواز بالعافيه دي حياتك وانت حر فيها انا بس كنت عاوزه اخدم، هروح اشوف شغلي انا بقى عن اذنك .

❈-❈-❈


كان أيمن يجلس في ذلك النادي للطبقات النبيلة، فمنذ فترة لم يأتي إلى هنا، فتزوجت أخته منذ أيام قليله وأصبح وحيد، أو كان كذلك بالفعل بعد انفصاله عن زوجته ليان! حقا لم يعرف عنها شيئا بعد الانفصال، ولم يتحدث معها، أو حتى تجرأت على الاتصال به، كما أنه لم يجرؤ على الذهاب لمقابلتها خوفاً من التعرض لموقف محرج ولم تكن تريد مقابلته أو منعته والدتها من رؤيته.

كرس حياته السابقة للعمل فقط ولم يحاول التقرب من أي فتاة بذلك الوقت، فهو غير مستعد لخوض علاقة مرة أخرى وتحديداً في ذلك الوقت! حيث تزال زوجته السابقة ليان تشغل قلبه بحبها المجنون وبراءتها.

كانت في حياته كالشعاع، ذلك الشعاع الذي أضاء حياته واختفى بفراقها. ولم ينكر أن قال إن انفصالهما عن بعضهما البعض لفترة كان خطوة جيدة لهما أو له بالتأكيد، لأنه بدأ مؤخرًا في إعادة النظر في كل حساباته، وتفاجأ بحبه الشديد لها فلم يتوقع ذلك! حيث توقع أنه بمجرد ابتعد عنها وتذكر أفعالها المشينة، لم تخطر بباله أبداً، لكن ما حدث هو العكس تماماً.

لكن الغريب أنه عندما يفكر بها يفكر بالأوقات السعيدة، وترتعش مشاعره شوقاً إليها، ولم يعد يشمئز منها أو ينفر منها؟ لم يعد يشعر بالسوء على كرامته كرجل أو على كبريائه.. حتى عندما يهيم ويفكر في خيانتها، يفكر أيضًا في خيانته. ولأول مرة يعترف وهو عادل في حكمه بينه وبين نفسه أنه أخطأ أيضاً وفشل تلك العلاقة بينهما بسببها و بسبب إهماله في الأول.. وخيانته بالاخير.. بالفعل هذه الفترة التي كانت بعيدة عنه، كان يحتاج إليها بكل إصرار لاستعادة كل ترتيباته وحساباته، واعترف أخيرًا أن الخطأ صدر من الاثنين!.

أخرجته تلك الفتاة من شروده العابس ولم تكن غيرها سلمي طليقة طارق الذي اقتربت منه، متسائلة باستفهام 

= استاذ أيمن مش كده أهلا بحضرتك، ما كنتش اعرف انك بتيجي هنا النادي بس فرصه سعيده مش كده؟ 

أخذ دقائق حتى يتذكر ملامحها من تكون؟؟ وعندما تعرف عليها نظر لها شزراً ولم يعقب علي حديثها، تقوست شفتيها مبرزة ابتسامة صغيرة وهي تقول بنبرة رقيقة وناعمة

=انا سلمى انت مش فاكرني انا كنت مرات طـ.. 

قاطعها قائلا بضجر وهو يشير بكفه محذرًا 

= فاكرك مش محتاجه تذكري إسم الحيوان ده 

هزت كتفيها في تأكد وجلست على المقعد أمامه دون استأذن وكأنها لم تقتحم خصوصية للتو وأردفت قائلة وهي تجوب بعينيها المكان 

= عندك حق بلاش السيره دي مش ناقصين 
نكده، و أهو الاثنين راحوا في داهيه و دلوقتي إحنا نشوف حياتنا بقي .. بعيد عن الخيانين دول .

رفع حاجبيه بضيق شديد بينما التفتت إليه و
أخفضت نظراتها لتحدق في هيئته باهتمام، ثم أوضحت حديثها قائلة بضحكه مستفزه 

= قصدي يعني كل واحد فينا يشوف حياته بعيد عنهم لوحده انت فهمت إيه؟ إحنا ما اخذناش منهم الا الوجع والاذى دول ما يستاهلوش حتي نفكر فيهم ولا نزعل عليهم ولا انت ليك راي تاني ولسه بتفكر في مراتك.. يووه نسيت قصدي طليقتك ؟ 

نظر أيمن إلى سلمي بحيرة ثم سألها بعدم فهم 

= انتٍ عاوزه ايه بالظبط وايه كلامك الغريب ده وبعدين انتٍ عرفتي منين اني طلقت ليان هو انتٍ بتراقبيني ولا ايه؟ 

أمسكت خصلات شعرها المتمردة تلفها حول أصابعها وهي تنظر له بمكر وأردفت قائلة 
بتهكم

= ولا براقبك ولا حاجه انا كنت بوقعك في الكلام وعرفت منك دلوقتي! على العموم مبروك على الطلاق مش الأحسن اباركلك برده 
أنك اتخلصت من واحده خاينه زي دي .

تنهد بعمق قائلاً بصوت متجهم وهو يتطلع فيها بحنق كبير

= معلش ممكن تسيبيني لوحدي، انا جاي هنا مخصوص عشان عاوز اقعد مع نفسي فبعد اذنك اتفضلي.

أغاظها جفائه المستفز لها، وشعرت بالاحراج فقالت مرددة بهدوء زائف

= هاه آه تمام، بس ممكن طلب قبل ما امشي ممكن تليفونك عشان تليفوني ضايع وعاوزه ارن عليه عشان اعرف هو فين ؟. 

هز رأسه أيمن بإيجاز وهو يخرج الهاتف لها بنفاذ صبر حتي ترحل بسرعه من أمامه وتتركة وحده، اخذت سلمى الهاتف منه و ضغطت على الأزرار وانتظرت دقائق حتى رن هاتفها داخل حقيبتها التي تحملها حول كتفها.

عقد حاجبيه بسخرية بينما إبتسمت له باتساع ومـالت سلمي برأسها نحو أيمن الذي أبتعد علي الفور للخلف بتعجب منها، تغنجت بكتفيها قائلة بدلال

= كده انا سجلت نمرتك عندي ونمرتي بقيت عندك كمان في تليفونك، لو عزت تدردش مع حد في اي وقت هتلاقيني موجوده كاصدقائي يعني بلاش مخك يروح لي بعيد ، أكيد الأيام دي بتكون محتاج تفضفض مع حد بالذات بعد ما بقيت لوحدك .. سلام .

أخذ الهاتف منها بصرامة وهي اعتدلت لترحل وما زالت تضحك وتبتسم بتلك الطريقه المستفزه له، تابع رحيلها بأعين مصدومه وقال بتعجب 

= ست غريبة!. 

❈-❈-❈

بدأت فريدة تمر على الحالات بالدار وتهتم بهم بعناية شديدة، بوجه خالي من التعبير لكنها  ظلت تعمل دوماً ولا تضيع دقيقه واحده فهذا المكان الوحيد الذي تحاول نسيان الماضي فيه تحاول وتتمني أن تستطيع بالفعل.. مر الوقت و اشتغلت أكثر وأكثر حتي ذهبت الى الكافتيريا لترتاح قليلا ودلفت في تلك اللحظة سماح واخذوا يتناقشون في أمور عديدة حتي هتفت الأخري فجاه بنبرة سعيدة 

= مش البنت هناء هتتجوز فرحها يوم الخميس اللي جاي وعزمتنا كلنا .

هزت كتفها بعدم اهتمام وهي تجيب عليها بصوت هادئ

= عزمتني انا كمان بس اعتذرتلها عندي شغل وما ليش مزاج اروح افراح و دوشه

نظرت سماح إليها بعدم رضا وقالت بإلحاح

= ليه كده يا فريده تعالي نروح ونفك عن نفسنا شويه، بذمتك ما زهقتيش من الحبسه اللي حبسها لنفسك يا بنتي انتٍ من ساعه ما جيتي واشتغلتي هنا، فين وفين لما خرجتي بره الدار .. اسمعي كلامي وروحي هتتبسطي اوي ومين عارف ممكن هناك الصناره تغمز وتتخطبي انتٍ كمان، ما هي الجوازات كده بتجر بعضها  

قالت آخر كلماتها بنبرة مزاح، بينما إبتسمت فريدة ابتسامة ساخرة بمرارة ونظرات مليئة بالياس والإحباط وهي ترد قائلة

= تصدقي ضحكتيني وأنا ماليش نفس اضحك هو مين عبيط ممكن يتجوز واحده زي؟ طب قولي كلام غير ده .

اتسعت عيناها بدهشة من كلماتها بهذا الشكل ولكنها تسائلت بعتاب

= ايه واحده زيك دي! هو يطول مالك يعني فيكي ايه أقل عن غيرك، كفايه جمالك واخلاقك ما تقلليش من نفسك تاني مره يا فريدة 

تطلعت فريدة بعينان شارده رغم قسوتها حزينه رغم جمودها تقطر ألـما وهمست بنبرة خاليه

= ما اسمهاش بقلل من نفسي يا سماح، اسمها صريحه مع نفسي وعارفه اللي فيها طب فكري فيها انتٍ كده؟ هو لو حد ناوي يرتبط بواحده زيي هتديله ايه؟ اولاد وعارفين اللي فيها انا مش واحده عندي مشاكل في الخلفة  لا انا ما عنديش رحم من أصله.. اخلاق زي ما بتقولي اول ما هيعرف ان انا اتعرضت لاغتصاب قبل كده والقضايا اللي كنت رافعاها هيمشي ومش هيرجع تاني.. طب جسم! مش هيلاقي حاجه تحسسه اني ست حسام قضي عليا وكرهني في الجواز كله.. وغير أن انا مطلقه وفرصه المطلقه للجواز تاني في المجتمع ده! مشكله تانيه لوحدها.. هاه اكمل ولا كفايه كده؟ 

حاولت الأخري تواسيها وقلبها يؤلمها علي حال صديقتها، و أردفت سماح بإشفاق

= بس برده يا فريده في اللي بيمر بظروف اصعب منك وبيتجوزوا، بلاش التشام ده وان شاء الله ربنا هيوعدك باللي يعوضك عن كل اللي شفتيه في حياتك .

نظرت إليها لثوانِ بنظرات لم تعلم ولم تستطع تفسيرها ثم هزت راسها بجمود خارجي وألم وتعب داخلها وهي تردف بتهكم

= اه ما انا عارفه اللي بيمروا بظروف شبهي بيتجوزوا و جوازاتهم بتكون شكلها ايه؟ هتلاقي واحد عاوز يقضيله يومين ويطلق ولا واحد تاني عاوز زوجه تانيه ولا واحد مطلق ولا ارمل عاوز واحده تربي عياله وحاجات من دي كتير. المهم خليكي متاكده اي واحد هيتقدم لواحده فيها العيوب دي هيكون عنده نقص وعاوز يطلع عقدوا فيها .. انما حب وحنان مش هتلاقي.

كتمت دموعها داخلها بصعوبة وإبتلعت غصه مؤلمه في قلبها وهي تشعر بإستياء وحزن، و أضافت بنبرتها مُختنقه 

= عشان كده لازم أكون صريحه مع نفسي و عارفه قمتي كويس.. والاحسن اقولها واعترف بيني وبين نفسي أفضل ما استنى حد يقولهالي في وشي، انا واحدة منفعش للجواز !؟. 

❈-❈-❈


بداخل أحد البنايات الواسعه، كان يجلس رجل عجوز وهو يستمع الى الراديو المنبعث منه صوت ام كلثوم كوكب الشرق و كأن يدندن مع الاغنيه بصوت منخفض وكأنه بعالم آخر بمفرده، و في ذلك الأثناء أقترب منه السيد سراج و وضع أمامه الكوب قائلا بإبتسامة بود

= وادي يا سيدي الحلبه باللبن اللي بتحبها عملتها لك بايدي زي ما طلبت، مش ناوي بقى تريحني انت كمان وتوافق على طلبي .

عقد العجوز حاجبيه باستغراب وهو يسأله بغرابة

= طلب إيه فكرني تاني؟ أنا نسيت 

تنهد سراج بعمق وأجاب بصبر

= بقول نفس الكلام اللي بفضل اقوله كل مره باجي من السفر انك تيجي تقعد معايا انا وابني هناك في تركيا، وافق بقى عشان خاطري المره دي مش كل ما اجي افضل اتحايل عليك وفي الاخر ما ترضاش يعني عاجبك قعدتك لوحدك هنا  .

رفع العجوز عيناه التي تعصف بمشاعر كثيره ينظر الي إبن أخيه بشرود ثم أجاب بنبرة عاديه

= ما تريح نفسك مني يا سراج انا مرتاح هنا، وبعدين ده انا خلاص كلها كام يوم وتسمع خبر وفاتي يرضيك بعد السنين دي كلها اتدفن في بلد غريبه .

هز رأسه يائس منه فزفر السيد سراج بغضب وضيق قائلا بوجوم

= أولا بعد الشر عليك، ثانياً بعد عمر طويل طبعا لو حصل حاجه زي كده أوعدك هاجي ادفنك هنا بس احنا بنتكلم دلوقتي وانت عايش وربنا يديك طوله العمر، طوعني وتعالى معايا ده انت هتتبسط هناك و رسلان ابني نفسه يشوفك كمان.

أمسك كوبا الحلبة وبدأ يرتشف ببطء منه ثم تسائل بتذكر

= قول لي صحيح يا سراج، هو انت ما عندكش عيل غيره ما جبتش ليه عيال تاني؟  العيال الكتير عزوه وبتنفع في الزمن ده .

أبتسم الاخر بهدوء وهو ينظر نحوه و أردف بجدية 

= هو كان طلب مراتي الله يرحمها ان احنا نكتفي بعيل واحد بس، عشان نعرف نربي كويس وبصراحه انا كنت موافقها جدا أصل حكايه الخلفه الكتير دي مش هستفاد منها بحاجه غير أضيع عمري وصحتي عشان اوفر لهم احسن عيشه وفي الاخر يا علم بعد عمر طويل حد منهم هيردلك الجميل ولا لاء .

لوي ثغره للجانب ساخراً بألم وهو يتحدث بنبرة حزينه

= في دي فعلا غلبتني ومعاك حق كل واحد بيتلهي في حياته وينسى احبابه، زي ما عيالي بيعملوا دلوقتي، ما شفتكش في مره يعني وانت نازل بابنك مصر بتجيبه معاك طالما بتقول انه نفسه يشوفني أوي كده! مش بيجي ليه؟ وعلمته صحيح يتكلم عربي زينا ولا لاء .

ربت سراج على كتف عمه يواسيه، ويتألم قلبه عليه فهو يعيش وحيدا وأولاده لا يزورونه، لذا يحاول دائما إقناعه بالسفر معه، هز رأسه بهدوء أثناء حديثه قائلاً

= الصراحه لا هو بيتكلم تركي زي والدته الله يرحمها، وكمان هو عاش واتربى سنين حياته في تركيا وعمره ما نزل مصر غير مرتين ثلاثه وهو صغير بس بيتكلم كمان انجليزي اتعلمه مؤخرا بسبب شغله معايا.. هو كمل دلوقتي
الـ 20 سنه بس انا صممت اخليه يتعلم الشغل من بدري، ما انا ما عنديش غيره وبكره يمسك الشركه اللي قضيت فيها سنين حياتي كلها وانا بكبرها في تركيا.. وهو مستني الفرصه المناسبه وهينزل مصر قريب ان شاء الله .. ممكن بقى نرجع لكلامنا تاني هتيجي معايا تركي ولا ايه.

أبتسم بهدوء وهو ينظر الي انحاء المنزل قائلا بحنين و اشتياق

= عارف انا عندي كام سنه دلوقتي وعشت هنا قد ايه، وبالذات حياتي كلها اللي قضيتها في البيت ده و ذكرياتي كلها هنا.. تعرف ساعات بندم ان انا زمان ما اشتريتش البيت ده وسبتوا لعيالي للذكرى عشان يفتكروا كل لحظاتنا الحلوه فيه، انا بقيت خلاص عارف ان انا هموت واتدفن هنا لوحدي وانا راضي.. سافر انت لابنك وحياتك في تركيا وما تشغلش بالك بيا .

صمت سراج لفترة وهو يفكر في كلامه ثم نظر إلى ذلك المنزل وكان يفكر بجدية في شيء ما. وقبل أن يسأل عمه سمع صوتا عاليا يأتي من الخارج، عقد حاجبيه بتعجب وهو يقول بقلق

= في صوت دوشه بره زي ما يكون حد بيزعق وبيتخانق مع حد .

لكن عمه لم يستمع إليه لأنه خلال تلك الفترة كان رفع صوت الراديو بينما يقربه من أذنه حتى يتمكن من الاستماع جيداً ولم يهتم بما يدور حوله، هز سراج رأسه في يأس وخرج ليعرف سبب ذلك الصوت.
  

يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة خديجة السيد من رواية حياة بعد التحديث الجزء الثاني من رواية بدون ضمان لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة