-->

رواية جديدة ظلمات حصونه 2 لمنة أيمن - الفصل 24

 

قراءة رواية ظلمات حصونه الجزء الثاني 

الإنتقال من الظلمة الى النور

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية ظلمات حصونه

الجزء الثاني

الإنتقال من الظلمة الى النور

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة منة أيمن


الفصل الرابع والعشرون



توقعت أي شيء منه، توقعت العتاب، الحزن، طلب الرجوع مرة أخرى، أو حتى طلب الرحيل وعدم رؤيتها مرة أخرى، ولكن ذلك السؤال لم تتوقعه قط، لقد فاجئها لدرجة إنها لم تسوعب ما يُعنيه بسؤاله حتى أعاده مرة أخرى مُستفسرًا بإصرار:


- ردي عليا يا زينة أرجوكي، إحنا اتطلقنا ليه؟


لم تكن تعرف حقا بماذا توجيبه! أو لماذا يسأل هذا السؤال؟ أيمكن أن يكون فقد الذاكرة! ولكن كيف وهو يتذكرها؟ هناك شيئًا هي لا تفهمه، لتجيب على سؤاله بسؤال أخر مردفة بتلعثم:


- هو.. أنت مش فاكر إحنا اتطلقنا ليه؟


هز رأسه بالنفي وهو يشعر بالتخبط والحيرة مُرددًا:


- لا!


ماذا يعني بـ لا! هل حقا نسي سبب طلاقهم الذي هو بالأساس سبب زواجهم؟ هل نسي حقا أم يصطنع ذلك ظنًا منه إنه هكذا يوقف طلاقهم؟ هو لا يحتاج إلى ذلك، هي بالفعل سامحته وهي الان التي لا تريد هذا الطلاق، ما الذي يحدث له بالضبط؟ هتفت مرة أخرى مردفة باستفسار:


- أومال فاكر إيه؟


المزيد من التخبط والحيرة، الكثير من الصور والذكريات تتضارب فى رأسه بصخب، ما الذي يحدث له! لماذا يشعر بهذا الكم من الصداع؟ أجابها بملامح تصرخ بالتشتت ونظرات حائرة تعج بالغرفة بأكملها مُردفًا بارتباك:


- مش عارف، أنا فاكر كل حاجة لينا مع بعض قبل الجواز، وفاكر حاجات قليله من فرحنا، أنتي كنتي زعلانة ليه وقتها!


لم تستطيع أن تُجيب عليه وأكتفت بالإستماع إلي ما يقول بتأهب، بينما أكمل هو والمزيد من التخبط يضرب به مُعقبًا بحيرة:


- فاكر حاجات من حياتنا بعد الجواز، كنا مسافرين! وبعدين رجعنا! وبعدين حاجات كده زي ما تكون كنا بنتخانق و...


سكت من تلقائه نفسه وحول نظره نحوها مرة واحدة بصدمة، لدرجة إنها شعرت بالفزع من نظرته لها، ليفاجئها بسؤاله مُردفًا بإستنكار:


- هو أحنا فعلا مقربناش من بعض بعد الجواز! ولا حصل وأنا مش فاكر؟


شعرت بالإرتباك الشديد من سؤاله وأشاحت بزرقاوتيها عنه مُتلاشية النظر إلى داخل عينيه، بينما حاول هو الاتكاء على ذراعه السليم والإعتدال فى جلسته ولكنه شعر بالألم، ليعود كما كان، لتمنعه هي من فعل هذا وعقبت بتهرب:


- مالك أنت تعبان والحادثة لسه مأثرة عليك أرتاح دلوقتي ونتكلم بعدين.


رفض الانصياغ لحديثها والكثير من الأسئلة تضرب برأسه وكاد أن يجن من كثرة التفكير، ليصيح بها مُردفًا بإصرار:


- لا مش هستنى، أنتي ليه كنتي حزينة معايا بعد الجواز؟ وليه مش فاكر أي علاقة لينا! هو فيه مشكلة حصلت بينا وأنا ناسيها؟


هل يمكن أن يحدث هذا حقا! هل يمكن للإنسان أن ينسى ذكرة مُعينة فى حياته وينسى كل ما يتعلق بها! يجب عليها أن تسأل الطبيب أولًا قبل أن تُخبره بشيء، ستُحاول الإن إقتضاب إجابتها حتى لا تؤثر عليه بالسلب بعد أن عاد من الموت، لتُجيبه مُصطنعة الهدوء مُردفة بتررد:


- الموضوع مش كده، أحنا كنا مختلفين فى حاجة معينة وكان فيه سوء تفاهم، بس أتحل الحمدلله وأنا عايزة نرجع لبعض و..


لم يقطنع بحديثها ومُحاولتها فى إظهار الأمر وكأنه عادي، هو يتذكر جيدًا ما حدث بينهم يوم الحادث، يتذكر بكائها وإنهيارها وطلبها لطلاق، يتذكر أوراق الهجرة تلك، ولكنه لا يتذكر حديثهم، فقط كلمة أنتي طالق هي كل ما يتذكر، ليقاطعها هاتفًا بحدة:


- سوء تفاهم إيه اللي يخليكي تجهزي أوراق للهجرة وتبقى مُصرة كده على الطلاق والبعد عني؟


حاولت تغير مجرى الحديث وإلهائه عن تلك الأسئلة، مُستنجدة بأسرتهم وعقبت بتحذير:


- مالك أحنا محدش يعرف إننا أتطلقنا، وأنا مش عايزة حد يعرف حاجة أرجوك، خلينا نرجع لبعض فى هدوء ومن غير منزعل حد بسببنا.


وكأنها لم تقل شيئًا، لم تستطيع أن تنتشله من دوامة أفكارة وأسئلته، الكثير من الصور لها داخل رأسه يراها أمام عينيه، لماذا يملك العديد من الذكريات لها وهي تبكي! هل كانت تبكي دائما بسببه؟ بل لم يكن هذا بكاء يبدو وكأنه إنهيار تام! ما الذي فعله بها جعلها تصل لهذا الإنهيار، نظر لها مرة أخرى بعين يملئها الدموع مُستفسرًا:


- أنا عملت إيه يا زينة! ليه حاسس إني جرحتك أوي وخسرت حبك؟


تمسكت بأخر ذرة من القوة لديها وحاولت مرة أخرى التهرب من هذا الحديث وتأجيله إلى أن تتحدث مع الطبيب، وهتفت بترجي:


- مش وقت الكلام ده يا مالك أرجوك، وبعدين اللـ..


طرقت الممرضة على الباب وبعد ثوانً فتحته ودلفت، ومكأنها كانت طوق النجاة الخاص بـ"زينة" التي كانت على وشك الإنهيار والإفصاح عن كل شيء، لتُعقب الممرضة موجهة حديثها نحو "زينة" مُردفة بإعتذار:


- أنا أسفة يا مدام، ممكن بعد إذن حضرتك تستني برا لحد ما ننقله أوضة تانية.


كم تتمنى أن تشكرها الأن على مجيئها فى الوقت المناسب وإنقاذها من أسئلة "مالك"، ولكنها لا تستطيع حتى لا يرتاب هو بالأمر، فأومأت لها بالموافقة ووجهت حديثها نحو "مالك" مُردفة بهدوء:


- أنا هخرج وهجيلك لما تروح الأوضة.


لم تنتظر رد منه وفرت هاربة بسرعة من أمامه، عازمة على الذهاب فى الحال إلى الطبيب الخاص به.


❈-❈-❈


يجلس كلاهما أمام الطبيب للإستفسار منه عمَ بدر من "مالك" فى حديثه مع "زينة"، لقد كانت فى أشد الحاجة لمن تُشاركة ما تمر به، ولم تجد أفضل من "ديانة" فهي دائمًا ما تُخفف عنها وتساعدها، وهي الأن حقا تائهة وفى أمس الحاجة للمساعدة.


هتفت "زينة" موجهة حديثها نحو الطبيب مُحاولة الإستفسار عمً حدث بينها وبين "مالك" مُرددة:


- أنا كنت عايزة أسألك على حاجة يا دكتور، هو مالك ممكن ينسى حاجة حصلت؟


فى البداية تعجب الطبيب من سؤاله لانه لم يلاحظ على "مالك" أي شيء من أعراض فقدان الذاكرة، ولكنه أجابها مؤكدا على حدوث شيء كهذا مُردفًا بتوضيح:


- أيوه طبعا وده كان من ضمن الأعراض الناتجه عن الغيبوبه اللي أنا قولتكوا عليها، بس أنا ملاحظتش أي فقدان ذاكرة عليه! يعني عارف هو مين وأنتوا مين وحتى كمان طلبك أول ما فاق!


حاولت إطلاع الأمر عليه بطريقة غير مباشرة مُردفة بإرتباك:


- أيوه بس وأحنا بنتكلم فى حاجة مهمة جدًا هو مش فاكرها وبيسألني عليها.


لاحظ الطبيب إرتباكها وأصطنبت أن المسألة شخصية ولا تريد الأفصاح عنها، لذلك أحترم خصوصيتهم وأردف بإقتضاب:


- طيب بدون دخول فى تفاصيل، ممكن أعرف هي ذكرى كويسة ولا وحشة.


أجابته "زينة" بتوضيح دون التطرق لأية تفاصيل شخصية أو الإفصاح عن حقيقة ما حدث، مُردفة بتفسير:


- ذكرى سيئة جدًا بس مميزة ومتتنسيش، بس أترطب عليها حاجات كتير مهمه حصلت بعد كده وهو فاكر الحاجات دي، بس مش فاكر الذكرى دي بالذات عشان كده بيسأل عليها؟


أستنتج الطبيب من حديثها أن هناك جزء مفقود من ذاكرة "مالك"، وهذا الجزء على ما يبدو مشكلة كبيرة حدثت بينهم، ويبدو أيضا إنه لم يتقبل تلك الذكرة لهذا كتنت هي أول الاقترحات التي ضحت بها ذاكرته، ليردف الطبيب موضحًا لها سبب ذلك:


- يمكن عشان كده مش فاكرها، ممكن الإنسان يمر بفترة صعبة جدًا فى حياتة، لدرجة العقل بيكون رافضها وافض يحتفظ بيها، فبمجرد ما تجيله الفرصة إنه ينسي حاجة بتكون هي من أول الإقترحات.


خرجت "ديانة" عن صمتها بعد أن كانت تستمع لكل ما يدور بين الطبيب و"زينة" وعقبت مُستفسرة بإهتمام:


- يعني يا دكتور هيفضل ناسيها على طول؟


نفى الطبيب هذا مُعقبا بمزيد من التوضيح:


- طبعًا لا، الجزء الخاص بفقدان الذاكرة المؤقت ده بسبب تأثير الحادث والغيبوبة اللي تعرض ليها، لكن مع العلاج والوقت هيزول التأثير ده وهيفتكر كل حاجة.


أردفت "زينة" مرة أخرى مُستفسرة عن الجزء الذي أتت من أجله فى كيفية الرد على أسئلت "مالك" حول ذلك الأمر قائلة:


- طب أتصرف مع أسألته حولين الجزء ده أزاي يا دكتور؟


أنعش الطبيب رئته مُتخذًا أكبر كم من الهواء قبل أن يٌجيب على سؤالها مُعقبًا بتحذير:


- أهم حاجة دلوقتي إنه ميتعرضش لصدمات، وصدمة ذكرى سيئة زي دي دلوقتي حاجة مش مضمون نتايجها هتكون إيه، خصوصًا وإنه لسه خارج من غيبوبة، عشان كده من الأفضل إنه يتذكرها لوحده.


لم تدري "زينة" ماذا عليها أن تفعل! كيف عليها التصرف معه؟ أو بماذا تُخبره عندما يسألها عن ذلك الأمر! ماذا ستقول له؟


لاحظت "ديانة" ملامح الارتباك والقلق على وجه "زينة" لذلك مدت هي يدها وصافحت الطبيب مُردفة بإمتنان:


- شكرًا يا دكتور.


ابتسم له الطبيب برسمية وأضاف بود:


- العفو وحمدلله على سلامتوا.


❈-❈-❈


بذلت قصاري جهودها فى تهدئة "زينة" التي انهارت فور خورجهم من عند الطبيب، لم تعد تتحمل تلك الأختبارت التي تضعها فيها تلك الحياة، بكائها ونحيبها وهي تسألها بماذا أخطأت لكي تُعاقب بمثل هذه الطريقة! حقا تمزق قلبها حزنًا عليها، ولكنها كان يجب أن تُساندها وتحثها على الثبات.


ولكنها هدأت قليلا عندما أقنعتها أن ما حدث لـ"مالك" بخصوص فقدانه لتلك الذكرة السيئة شيئًا جيد وليس سيء، هذه فرصة جديدة لهم لكي يُكملان حياتهم معًا دون حزن أو ندم، عليها أستغلال تلك الفرصة وتوتيض علاقتهم وتكوين ذكريات جميلة تُنسيهم مرارة ما حدث.


وبالنهاية أقطنعت "زينة" بحديثها وعزمت أن لا تجعل حياتها هي و"مالك" تتحطم أكثر من ذلك، عليها إصلاح ما تم إفساده وإعادة السعادة إلى حياتهم مرة أخرى، لقد أنتهت فترة العتاب والندم والقسوة والأبتعاد، من الأن وصاعدًا سيتغير كل شيء وهي أول ما سيتم تغيره.


وبعد أن تركت "زينة" أرسلت رسالة إلى "جواد" تطلب منه أن يُقابلها فى نهاية الدور بعيدًا عن الجميع، لأنها تريد إخباره شيئًا، وبالفعل ذهب إليها لمعرفة ما هذا الشيء الهام التي تريدة، وبمجرد أن وصل لها، هتفت هي بحزم:


- فيه حاجة مهمة عايزة أقولك عليها.


ضيق "جواد" ما بين حاجبيه بإستنكار وأضاف مُستفسرًا:


- حاجة إيه!


صاحت "ديانة" مُفصحة عن الأمر مُردفة بإقتضاب:


- مالك فقد الذاكرة.


لم يعي "جواد" ما تقصده، كيف فقد الذاكرة وهو طلب التحدث إلى "زينة" فور إستيقاظه! ليُعقب بمزيد من الاستفسار:


- إزاي يعني مهو فاكرنا كلنا أهو وفاكر كل حاجة!


علقت "ديانة" بمزيد من الاقتضاب مُرددة بغموض:


- مش كل حاجة.


أتضحت علامات الاستفهام على وجه "جواد" وكاد أن يُخبرها بإنه لا يفهم شيئًا من حديثها، ولكنه سبقته مُفصحة عن الأمر مُعقبة بتوضيح:


- مالك نسى اليوم اللي شاف فيه إياد وزينة مع بعض، ونسى إنه أعتدى عليها، وتقريبًا كمان إنها حامل.


رفع حاجبيه بصدمة ممَ أستمع له وصاح بتعجب:


- معقول! إزاي يحصل كده؟


زفرت "ديانة" بإرهاق من أن تقص عليه ما حدث، لهذا قررت أن توضح له مرة أخرى وستكتفي الأن بتحذيره قائلة:


- هفهمك بعدين، المهم خلي بالك فى الكلام معاه، ونبه إياد كمان يخلي باله، مش عايزين نأثر عليه أكتر من كده.


أومأ لها بالموافقة وأعلن عن إنصياغه لها مُرددًا:


- حاضر.


تحرك كلاهما ليعودوا إلى الباقية، بينما أختبئ "هاشم" الذي كان يمر من قليل ورأهم معا ووقف ليستمع لكامل حديثهم، وبمجرد أن أبتعدوا تتهد "هاشم" بقليل من الراحة على ابنته.


❈-❈-❈


مُستلقيًا على ظهره بهذا الفراش داخل الغرفة التي تم نقله إليه بعد أن فحصه الطبيب وأفصح عن تحسن حالته، ولكنه لايزال يشعر بالقليل من التخدر فى منتصف بطنه حول ذلك الجزء الملحوم، ياله من شعور مُزعج حقا، بلإضافة إلى ذراعه وقدمه المُحكمان داخل تلك الجبيرة الطبية، متى سيتم نزعها عنه؟


ما يُهون عليه ذلك الإنزعاج هو تواجد الجميع حوله وفرحتهم الشديدة بإستيقاظه مرة أخرى، يكتشف المرء أحبائه حقا فى أوقات الشدائد، أقتربت والدته وجلست بجانبه وأعينها تملئها الدموع، لتلتقت يده وتُقبلها بلهفة هاتفة بعاطفة وحنان:


- حمدلله على سلامتك يا جبيبي.


جذب يده منها بسرعة وحاوطها بذراعية ضاممًا إياها إلى صدره مُعقبًا بحب وإمتنان:


- الله يسلمك يا ماما.


تدخل والده وربط على كتفيه بعاطفة أبوية مُردفًا بقليل من العتاب:


- مش تخلي بالك يا مالك وأنت سايق، كده توجع قلبنا عليك.


تقابلت عيني "مالك" و"زينة" فى نظرة مليئة بالمشاعر، العتاب، الندم، الحزن، الأنزعاج، التخبط، ولكنه تذكر تحذيرها بأن لا أحد يعلم ما حدث بينهم، ليربط على يد والده التي كانت على كتفه ونظر له بود وأضاف مُعتذرًا:


- معلش يا بابا، تقريبًا سلك الفرامل كان مقطوع، عشان كده حصل اللى حصل.


صاح "هاشم" مُدخلًا وهو يربط على ساقه السليمة مُردفًا بموساة:


- الحمدلله يا أبني إنك بقيت بخير دي أهم حاجة.


ابتسم له "مالك" بإمتنان شديد وهو يتذكر أن مُعاملتهم كان جيدة فيما بينهم، ولكنه لا يتذكر تفاصيلها، ليتدخل "إياد" هو الأخر فى الحديث مُجها كلماته نحو "مالك" مُعقبًا بمشاكسة:


- شد حيلك بقى يا عم مالك، عندنا مناسبات مش عايزين نإجلها.


مناسبات ماذا! أليست أخر ذكرى يتذكرها تجمعه بـ"زينة" وهي سعيدة معه كانت فى حفلة خطبة "ملك" و"إياد"! بعدها لا يتذكر كُليا ماذا حدث؟ أجل لقد تذكر، بعد هذا تجمعه عدة لقطات بـ"زينة" ولكنها لم تكن سعيدة حينها، وبعدها يتذكر حفل زفافهم، لقد كان معهم عروسين أخرين، نعم لقد كان والد "زينة" ووالدة "ديانة"


قطع تفكيره صوت "جواد" مُجها حديثه نحو "إياد" مُعقبًا بمرح:


- أنت على طول بتفكر فى مصلحتك كده يا أخي!


أكدت "ملك" على حديث "جواد" مشاركته الراي وأضافت بقليل من العتاب على التوقيت الذي يتحدث فيه عن ذلك الأمر:


- لا إزاي ميبقاش إياد.


ماذا يقصدون بهذه الكلمات، هل هناك شيئًا أخر لا يتذكرة، لحظة! هو يتذكر إنه حضر بصحبة "زينة" عقد قيران شقيقته و"إياد" إذا ما الذي يتبقى! أجل إنه حفل الزفاف، أتاه صوت "ديانة" موجهة حديثها نحو الجميع ومن ثم إلى "إياد" مُردفة بتأيد:

ديانة


- أنتوا كلكوا على الراجل كده ليه، أنا معاك يا إياد إحنا عايزين نفرح بقى.


تدخل "مالك" هو الأخر مؤكدًا على حديث "ديانة"، وصاح موجها حديثه هو الأخر نحو "إياد" مُردفًا بحزم:


- ديانة معاها حق، إحنا فعلا محتاجين نفرح، معاد فرحك زي ما هو يا إياد، أنا خلاص بقيت كويس وكل حاجة لازم تمشي زي ما كانت.


قال جملته الأخيرة وهو ينظر نحو "زينة" بنظرات ذات مغذى، ولكن دون أن يلاحظه أحد، لتشعر هي بالتوتر والإرتباك، وتمنت لو تستطيع الهرب من نظراته التي تجعل عقلها يتأكل من كثرة التفكير.


صمت الجميع ليتيقن "هاشم" أن هذا الوقت المناسب ليُشاركهم سعادته، وصاح لافتًا إنتباههم جميعًا مُرددًا ببسمة خافته:


- طب على ذكر الأفراح بقا، أنا عايز أقولكوا على حاجة.


ألتفت إليه الجميع وأولهم "لبنى" التي فطنت ما هو مُقبل على قوله، ليحمر وجهها خجلًا وتمنت لو تنشق الأرض أسفلها وتبتلعها قبل أن يتفوه بحرف، بينما أمسك "هاشم" بيدها ونظر لها بحب ثم حول نظراته إلى الجميع مُعقبًا بسعادة:


- لبنى حامل.


الصدمة هي كل ما أحتل وجوه من بالغرفة، نعم فهذا الخبر ليس من المُعتاد سماعه، أنثي فى العقد الخامس من عمرها وتملك من العمر ما يزيد عن الخمسة والأربعون عامًا، حامل من زوجها الذي يكبرها عشر سنوات، إنه ليس بأمر إعجازي ولكنه مفاجاة حقا.


فى غضون ثوانًا تحولت الملامح المصدومة لاخرى ضاحكة وسعيدة بهذا الخبر، وأكثر من شعروا بالسعادة هم "ديانة" و"جواد" و"وزينة"، فسيكون ليدهم أخًا صغير يُعوضهم جميعًا عمَ تم فقدانه منذ سنوات عدة.


أخذ الجميع يُهنئ "هاشم" و"لبنى" وسط جو عائلي دافئ وجميل وسعادة حقا نابعة من القلب، وهذا جعل "لبنى" تتخطى إحراجها وشعورها بالخجل وتحول بأكمله لسعادة عارمة، وأستيقذت بداخلها لهفة لرؤية ذلك المولود.


❈-❈-❈


خرج الجميع من الغرفة وتركوها وحدها معه، ولأول مرة بعد مرور أسبوع سيعود الجميع إلى حيلتهم الطبيعية بعد أن طمئنهم الطبيب على "مالك"، وأخبرهم بإنه تجاوز الخطر ويتبقى فقط ذلك الكسر الغير خطير فى الساق والذراع وسيتحسن ويعود كسابك بعد حل الجبيرة والمواظبة على جلسات العلاج الطبيعي، حتى أن جرح بطنه قد ألتئم وأصبح أفضل.


والأن عاد الجميع إلى منازلهم وبثيت "زينة" فقط لتكون مُرافقة له، إلى أن يسمح له الطبيب بالخروج والعودة إلى المنزل مرة أخرى، ونظرًا لظروف حملها أمر الطبيب بوضع سرير أخر داخل الغرفة من أجل "زينة".


تحركت لتقف بجانبة وبيدها كأس من العصير له، وضعته على الطاولة بجانبه ومدت يدها لمُعاونته على الجلوس، ليمسك هو بإحدى يديها بيده السليمة، وساعدته هي بيدها الأخرى حتى تمكن من الجلوس.


حاولت سحب يدها من لتناوله كأس العصير، ليتشبث بيدها وجذبها إليه مرة أخرى، مُستفسرًا بإصرار:


- بردو مش هتقوليلي إيه اللي حصل وصلنا لكده.


لا تملك الشجاعة لإخباره، خصيصًا بعد ما أخبرها به الطبيب من أضرار ممكن أن تُصيبه، ستفعل أي شيء إلا أن تخسره مرة أخرى، ستتحمل أي شيء من أجله، ستبدأ معه بداية جديدة وستتناسى ما مضى، نظرت له وحاولت أن تُظهر مدى صدقها له مُردفة بهدوء:


- أنا قولتلك يا مالك، سوء تفاهم وأتحل، ومش وقت العتاب والزعل دلوقتي، ده وقت الفرح زي ما أنت قولت.


تذكر "مالك" سعادة العائلة باكملها لإستيقاذه مرة أخرى، وتذكر سعادة "إياد" و"ملك" وزواجهم الذي اقترب، لا يجب أن يُحطم سعادتهم بخبر طلاقه هو و"زينة"، يكفي ذلك الحزن الذي جعلها تعيشه وحتى إنه لا يتذكر جريمته فى حقها.


هتف "مالك" حازمًا أمره فى عدم معرفة أحد فيما حدث بينه هو وهي مُعقبًا بحزم:


- محدش فيهم ليه ذنب إن فرحته تتكسر بسببي، عشان كده مش هنعرف حد حاجة.


ابتسم "زينة" وكادت أن تتحدث مؤيدة له الرأي، ولكنه منعها عندما أضاف مُلقيًا عليها ما يدور فى راسه مُردفًا بنبرة غير قابلة لنقاش:


- بس بما إنك مش عايزة تعرفيني أنا عملت إيه وصلنا لكده، هنفضل زي ما أحنا لحد ما أعرف أنتي كنتي عايشة معايا حزينة وطلبتي الطلاق ليه؟


لم تُدرك "زينة" ما يقصدة بالضبط من حديثه، لتُعقب مُستفسرة عمَ يُعنيه:


- يعني إيه!


تنهد "مالك" بثقل وهو بنظر إلى داخل زرقاوتيها التي أشتاق لهم للغاية، وكم يود أن يُعانقها ولكنه مُتأكد أن هذا ليس من حقه، ليُضيف بغضب من نفسه مُعقبًا بحدة:


- يعني قدمهم إحنا لسه متجوزين عادي وهنرجع بيتنا، لكن بيني وبينك لحد ما أعرف إيه اللي أنا عملته! إحنا كما كنا، زي الأخوات.


يُتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة منة أيمن, لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة