-->

رواية جديدة ظلمات حصونه 2 لمنة أيمن - الفصل 21

 

قراءة رواية ظلمات حصونه الجزء الثاني 

الإنتقال من الظلمة الى النور

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية ظلمات حصونه

الجزء الثاني

الإنتقال من الظلمة الى النور

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة منة أيمن


الفصل الواحد والعشرون



الوقت دائما ما يمر سريعًا دون أن نشعر به، ولكن عندما تنتظر أن يمضي وتترقبه يمر كأنه سنوات من العمر، قضت هذه الأربعة وعشرون ساعة بصعوبة بالغة بين إغمائها عندما سمعت بحقيقة ما حدث له وإستعادتها للوعي، مرورًا بوقفها أمام زجاج العناية المُشددة وهي تطالعه بقهر.


لا تستطيع أن تتبين ملامحه، فجسده بالكامل يكسوه اللون الأبيض، ذلك بفعل الجبيرة الطبية بساقه وذراعه والشاش الأبيض الذي يُحاوط بطنه بالكامل، والبعض منهم على رأسه ووجهه، كانت تقضي هذه الساعات فى البكاء المرير الذي ينهش قلبها، على الرغم من تحذير الأطباء لها بالبقاء فى الغرفة التي حددوها لها لظروف حملها، إلا إنها لم تنصاع لهم.


حتى بعد مرور تلك الساعات التي أخبرهم بها الطبيب بأنه سيُحدد مصير حالته بعد قضائهم، لم يخبرهم بما يريح قلبها، بل زاد من ندمها وحسرتها، لقد أخبرهم الطبيب أن "مالك" يُعاني من الكسور المتفرقة فى الساق والذراعين وسيحتاج إلى شهرًا على الأقل فى تلك الجبيرة حتى يتم إصلاحهم ويليهم قرصًا من العلاج الطبيعي حتى يتمكن من الرجوع كما كان.


طمئنهم على الجرح الخاص ببطنه وإنه سيتعافى منه سريعًا ولن يترك أثار جانبية عليه، ولكن ما يقلق الطبيب ويقلقها هي أيضًا أن الغيبوبة التي تعرض لها "مالك" والإصاباة الشديدة بالرأس قد ينتج عنها بعضًا من الأثار الجانبية بعد الإيفاقة منها.


أخبرهم أن ربما يحدث عدم استجابة بعد الغيبوبة، وإنه يمكن أن تشمل الأعراض التي تعقب الوعي صعوبات في التذكر وحركات غير طبيعية وضعف في الذراعين والساقين وقلة التناسق والمشاكل البصرية، صعوبة فى التذكر! هل هذا يعني إنه يُمكن أن ينساها؟


أخبرهم أيضا أن إضطرابات الحركة شائعة جدًا، بما في ذلك عدم التنسيق والتشنج وضيق العضلات اللا إرادي والرعشة وضعف القدرة على ضبط وضع الجسم، أجهشت فى البكاء وهي تفكر فى كل هذه الأشياء التي يمكن أن تحدث له، تتمني لو كانت ماتت قبل أن تقسو عليه هكذا، لينتهي الأمر به كالجثة الهامدة أمامها هكذا.


تقدمت منها "ديانة" بعد أن لاحظت إنهيارها الشديد وبكائها التي لم تتوقف عنه، وضعت يدها على كتفها تحثها على التوقف مُردفة بقلق ورجاء:


- أبوس إيدك كفاية كده، الوضع مش مستحمل تنامي جمبه أنتي كمان.


أنتحبت "زينة" من بين بكائها وهتفت بإنهيار شديد:


- مش قادرة يا ديانة، حسه إن روحي بتتسحب مني.


أقتربت منها "ديانة" أكثر وضمتها إليها كي تُحاول تهدئتها والتخفيف عنها مردفة بتحذير:


- عشان خاطر اللي فى بطنك، خليكي أقوى من كده، مش عايزينه يروح مننا.


نظرت الأخرى أمامها على "مالك" من خلف الزجاج الشفاف وعقبت بقهر وندم:


- مالك هو اللي بيروح مننا.


نهتها "ديانة" عما تقول شاعرة بالقلق والذعر من حديثها، وهتفت محاولة أن تطمئنها وتطمئن نفسها مردفة برجاء:


- متقوليش كده إن شاء الله هيقوم وهيبقى كويس.


أبتلعت "زينة" بمرارة وأغمضت عينيها بندم مرددة:


- أنا السبب.


حزنت "ديانة" عليها وعلى إلقائها بالذنب على نفسها وصاحت مُصححة لها:


- متقوليش كده يا زينة أرجوكي ده نصيب يا حبيبتي.


نفت "زينة" حديثها وصاحت مُفصحة عن حقيقة ما حدث مردفة ببكاء:


- لا أنا السبب، لو مكنتش أجبرته يطلقني مكنش حصل كل ده.


ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها بإستنكار ممَ سمعته مرددة بتعجب:


- يطلقك!


أومأت لها "زينة" بحسرة شديدة وهي تؤكد على حديثها مُردفة بقهر:


- أيوه يا ديانة، أنا ومالك أطلقنا يوم الحادثة.


أتسعت عيني "ديانة" بصدمة ممَ أستمعت إليه ولم يُسعفها لسانها على النطق بأي شيء، لتُكمل "زينة" حديثها وقصت عليها كل ما حدث، تخطيطها للهجرة وطلبها للطلاق، وقرارها بالابتعاد عن الجميع، وطلاقها هي و"مالك" بالنهاية وذلك الحديث الذي دار بينهم.


أجهشت فى البكاء مرة أخرى وهي ارفع يدها لتُشير بها على نفسها مردفة بإنهيار:


- أنا السبب، هو قالهالي بلسانه، قالي إنتي قتلتيني، أنا اللي قتلته يا ديانة أنا اللي قتلته.


أختل توازنها وكادت أن تسقط، لتدخل "ديانة" سريعًا لتعاونها على الوقوف وهي لا تزال فى حالة صدمة يُغلفها الألم والحزن، وعقبت بقلق ورجاء:


- عشان خطري متعمليش فى نفسك كده، والله هيقوم وهيبقى كويس.


هتفت "زينة" مرة أخرى مُلقية بالذنب كاملًا على نفسها مُتناسية ما فعله بها، نعم هو أخطاء كثيرًا فى حقها، ولكنها أيضا كانت قاسية جدًا معه ولم تعطي لنفسها وله فرصة أخرى، على الرغم من وجود الحب والرصيد الجيد بينهم، لتصيح بكثير من الندم:


- أنا اللي عاندت وركبت دماغي، هو ندم واعتذر وحاول يصلح غلطه بكل الطرق وأنا اللي كنت مش شايفة غير كبريائي وكرمتي، ملعون أبو كبريائي وكرامتي أنا مش عايزه غيره هو دلوقتي.


أنتحب قلب "ديانة" من شدة الحزن على الحالة التي وصلت لها "زينة" ولم تجد من الحديث ما تستطيع إعانتها به، ماذا عليها أن تقول وهي الاخرى تفعل المثل، هي وقعت فى حب "جواد" ولكنها أيضا تخشى أن تعود له، أرتعد قلبها عندما تخيلت للحظة إنها بمكان "زينة" و"جواد" بمكان "مالك"، كلا لن تحتمل ذلك، فهي الأن تعترف بها، هي لا تستطيع العيش بدونه.


رفعت "زينة" عينيها ونظرت إلى "ديانة" التي انسابت دموعها رغمًا عنها، وأضافت بندم وكان بحديثها رسالة هامة تود أن تُخبرها إياها بطريقة غير مباشرة تُحثها بها على أن ترتكب هي الأخرى نفس خطائها مُردفة بنحيب:


- عارفة يا ديانة، مش بنحس بقيمة الحاجة غير لما بتروح مننا، مش بنقدر قيمة الوقت اللي بنضيعه فى زعل وخصام وعتاب غير لما بيفوت الأوان.


توصلت "ديانة" لتلك الرسالة المُبطنة فى حديثها وأدركت تماما إنها على صواب، نحن لا نملك الكثير من الوقت لكي نُهدره فى الخصام والعتاب، بينما كان هناك من يستمع إلى كامل حديثهم وقلبه يتمزق إربًا على حال إبنته الذي علم لتو إنها أنفصلت عن زوجها.


لاحظت "ديانة" أن حالة "زينة" تزداد سوءًا، وإذا أستمرت فى البكاء بهذا الشكل سيحدث ما لا يُحمد عقباه، لذلك حاولت تهدئتها مرة أخرى وتطمئنها عساها تتوقف عن ذلك البكاء مُردفة بتأكيد:


- والله هيبقى كويس وهترجعوا لبعض ومحدش هيربي اللي في بطنك غيركوا أنتوا الأتنين.


هزت رأسها بإنكار غير مُصدقة ما تقوله "ديانة" وكأن كل ما يسيطر على عقلها الأن إنها خسرته للأبد ولن يكون معها مرة أخرى، وصاحت بصوت مبحوح نن شدة البكاء والنحيب مردفة بقهر:


- متضحكيش عليا يا ديانة، مالك بيموت وأنا السبب.


ازداد إنهارها إلى أن لم يحتمل جسدها أكثر من ذلك وخارت قواها، لتسقط بين يدي "ديانة" التي شعرت بالذعر ممَ حدث لها وكافحت كي لا تسقط منها أرضًا، وصاحت بكثير من الهلع مُتسنجدة بأحدًا:


- حد يلحقني يا جماعة، يا جــــــواد.


ركض الجميع نحوهم وأولهم "هاشم" الذي أستمع إلى كامل حديثهم، ولكنه لم يستطيع حملها بسبب إنهيار أعصابه هو الأخر، ليتقدم "جواد" بلهفة وحمل شقيقته بين ذراعيه وأخذها إلى الغرفة التي أخبره بها الطبيب.


❈-❈-❈


اطمئنوا جميعًا على "زينة" بعد أن فحصها الطبيب وأخبرهم بإنها فقط أنخفض ضغط الدم لديها، وهذا بسبب إجهادها لنفسها منذ أمس، ولذلك قام بتعليق محلول طبي لها وأخبرهم أن ينتبهوا عليها جيدًا وألا تُرهق نفسها مرة أخرى.


خرج الجميع من الغرفة وتركوها نائمة وجلست "ديانة" و"جواد" برفقتها، كانت أخر من خرج من الغرفة هي "لبنى" بعد أن قبلت "زينة" فى جبهتها وملست على شعرها، وأخبرت "ديانة" أنت تنتبه لها وتخبرها عندما تستيقظ.


خرجت "لبنى" لتبحث عن زوجها "هاشم" بعد ان أختفى عن الأنظار منذ بضع دقائق، وجدته بعيدًا عن الجميع يقف فى زاوية من زوايا المشفى مخفية عن الأنظار، أقتربت منه للإيطمئنان عليه، ولكن عندما اصبحت قريبة جدًا أستمعت لصوت بكائه ونحيبه.


وضعت "لبنى" يدها على كتف "هاشم" فى حالة من الزهول والحزن وهتفت مُستنكرة:


- أنت بتعيط؟


لاحظ "هاشم" وجودها ورغمًا عنه شعر بالحرج من إنهياره هكذا أمامها، رفع يده ليمسح بها عينيه مُحاولا إخفاء دموعه عنها، ولكن باتت مُحاولته فاشلة ليزداد بكائه أكثر.


شعرت "لبنى" بالحزن الشديد عليه وبلحظة رغمًا عنها كانت تُعانقة مُحاولة أن تهون عليه مرارة كا يمر به، وأخذت تربط على كتفه مُردفة بتشجيع:

 

- أجمد يا هاشم مش كده، أومال زينة تعمل إيه؟


انتفض من البكاء داخل عناقها، لستسلم ويعلن عن إنهياره مُردفًا بألم:


- مش قادر يا لبني، صعبان عليا بنتي أوي.


أنسابت الدموع من عينيها متأثرة بما يحدث له، وما حدث أيضا لـ"زينة"، ولكنها تمسكت بأخر ذرة قوة لديها مُحاولة تهدئته مُردفة بحكمة:


- دا أختبار من ربنا وإن شاء الله تنجح فيه ومالك يقوملها بالسلامة.


صاح "هاشم" بين إنهياره مُفصحًا عن حقيقة الأمر مُردفًا بيأس:


- زينة ومالك أتطلقوا يا لبنى.


شهقت بصدمة ممَ أستمعت له ورددت بغير تصديق مُتمتمة بإستنكار:


- اتطلقوا؟


قص عليها "هاشم" ذلك الحوار الذي دار بين كلا من "زينة" و"ديانة" وما حدث بينها وبين "مالك" فى ليلة الحادث، فشعرت "لبنى" بالحزن الشديد على "زينة" وعلى حجم الألم النفسي التب تُعايشه بسبب شعورها بالذنب تجاه كل ما حدث، وما ألمها أكثر هو رؤئية "هاشم" منهار هكذا، لتُحاول أن تطمئنه بأن الأمور سوف تصبح على ما يرام مردفة بنبرة ثقة:


- زينة ومالك بيحبوا بعض وده أختبار من ربنا ليهم، إن شاء الله مالك هيقوم بالسلامة ويرجعوا لبعض بإذن الله.


مسح "هاشم" أثار الدموع من على وجهه وهتف بتمني:


- يارب يا لبنى، يارب.


شعرت "لبنى" بعدم إتزان وكأن رأسها يدور رغمًا عنها ولا تستطيع التحكم فى ثباتها، لتستند على ذراع "هاشم" خشية من أن تسقط أرضًا، ولاحظ "هاشم" ما حدث وأمسك بذراعها مُعقبًا بنرة يُغلفها القلق:


- مالك؟


أجابته ولا تزال تشعر بعدم الأتزان مُردفة بتوضيح:


- حسيت إني دوخت كده فاجاة.


شعر "هاشم" بالقلق وحاول أن يجعلها تسير معه مُردفًا بحسم:


- طب تعالي نشوف الدكتور يطمنا عليكي.


رفضت "لينى" إقتراحة ظنًا منها أن الامر لا يستحق مُردفة بتبرير:


- لا لا مش مستهله، ممكن يكون ضغطي وطى ولا حاجة أو إرهاق بسبب الظرف اللي أحنا فيه.


تمسك برأيه وصاح مرة أخرى مُعقبًا بإصرار:


- بردو لازم نتطمن عليكي.


أصرت هي الأخرى على حديثها ولكنها أقترحت حلًا حتى تُرضيه وهتفت بهدوء:


- صدقني مش مستهلة، أنا هروح أقيس الضغط، خليك أنت هنا مع زينة.


وافق "هاشم" إقتراحها وهتف بتحذير:


- ماشي بس خدي بالك من نفسك.


أومات له بالموافقة قبل أن تنصرف من أمامه مُردفة بإبتسامة إمتنان:


- حاضر.


❈-❈-❈


أسوء إحساس يمكن أن يمر به الإنسان هو أن يشعر بأن أحبائه هم من يدفعون ثمن أخطائه، هو أن يراهم يُعانون من شيئًا هو من فعله منذ البداية، وهذا كان شعوره وهو يرى شقيقته مُستلقية بالفراش لا حول لها ولا قوة، تذكر ما حدث لها منذ البداية وإنها كانت تدفع ثمن ما أكترفه من أخطاء.


نعم هو يعلم أن كل ما حدث لها هو بسبب ذنب ما فعله بـ"ديانة"، مثلما أعتدي عليها وتسبب لها بالألم والأوجاء، جاء من يفعل نفس الشيء فى شقيقته ولسخرية القدر إنه بعد أن فعل ذلك بـ"ديانة" وقع فى عشقها، ومن فعل ذلك بشقيقته هو حبيبها، أهذا تفسير لجملة كما تُدين تُدان.


ليته لم يفعل ذلك منذ البداية، ليته لم يستمع يومًا إلى "هناء"، ليته كان علم بالحقيقة قبل أن يفعل ذلك، ليته كان ميت بدلا من أن يرى جميع من يحبهم متأذون بسبب أخطائه، رغما عنه تجمعت الدموع فى عينيه قهرًا على كل ما فعله وردد دون إرادة منه بصوت مسموع وهو ينظر إلى شقيقته قائلًا:


- أنا السبب.


أستمعت "ديانة" إلى ما قاله بوضوع ورأت تلك الدموع المُتحجرة فى عينيه، لتضيق ما بين حاجبيها بعدم فهم مُردفة باستنكار:


- أنت السبب فى إيه؟


لم يكن يخطت أن تسمعه "ديانة" أو أن يخوض معها ذلك الحوار، ولكنه أيضا يشعر إنه يريد أن يُخرج ما بداخله عساه أن يتخلص من تلك الألم، ليُحول نظره إلى "ديانة" الجالسة على الكرسي بجانب سرير شقيقته مُرددًا بندم:


- أنا السبب فى كل اللي أختي وصلتله ده.


حاولت أن تُزيل تلك الفكرة من رأسه مُردفة بهدوء:


- لا أنت مش السبب فى حاجة د..


قاطعها عن الحديث بعدم إقتناع بما ستقوله، مُتأكدًا ممَ يفكر فيه، ليصيح بعد أن تهاوت تلك الدمعة مُردفًا بإنفعال وقهر:


- لا أنا السبب، اللي بيحصل فى زينة ده ذنبك أنتي، ذنبك بيخلص مني فيها، زي ما أغتصبتك مالك أغتصبها، وده اللي وصلها لكل اللي هي فيه دلوقتي، هي اللي بتدفع تمن أخطائي أنا.


على الرغم من إنتفاضة جسدها من إنفعاله الأإرادي، إلا إنها شعرت بمدي حزنه وقهرته ممً يحدث، لتحاول أن تهُدئة وتخرج تلك الأفكار من رأسه مُردفة بتوضيح:


- محدش بيدفع تمن أخطاء حد يا جواد، كل واحد بيحاسب على ذنوبه بنفسه، يعني أنا مثلا كنت بدفع تمن ذنب مين؟ اللي حصل لـ زينة ده غلط مالك بسبب رد فعل متهور منه وساب إضطراب نفسي جواه يتحكم فيه وعشان كده كان بيتعاقب عليه، أما بالنسبة لـ زينة وارد جدًا يكون ده أختبار من ربنا.


نهضت من جانب "زينة" كي لا تزعجها بحديثها، وأبتعدت عنها مُتقدمة نحو النافذة الموجودة بالغرفة بجانب الأريكة التي يجلس هو عليها، وهتفت مُفصحة عما تفكر فيه وهي تُسلط نظراتها إلى خارج النافذة مُردفة بشرود:


- أنت ومالك فيكوا من بعض كتير يا جواد، أنتوا الأتنين سبتوا الجانب السيء جواكوا يتحكم فيكوا، بس بردو كل واحد فيكوا عنده عذره، مالك الجرح اللي حصله زمان رجع أتفتح تاني، وفى نفس الوقت كان سكران ومش فى وعيه، وغلط زينة الوحيد إنها راحتله اليوم ده لوحدها.


زفرت بثقل شديد ممً أوشكت على النطق به، وكأنها تُخرج كل ما بداخل رأسها بحديث منطقي خالي من العواطف، مُضيفة بمزيد من الشرود:


- أما عذرك أنت فهو تربية هناء القاسية ليك وزرعها الانتقام جواك، الحسنة الوحيدة إنكوا ندمتوا وحاولتوا تصلحوا غلطكوا، ومع ذلك أحنا مش مجبرين نستحمل، الست مش مركز تأهيل أو كأن مٌجبر يستحمل ويتهاون مع أغلاط الراجل حتى لو كانت بتحبه، إحنا كمان بشر ومش بالساهل نسامح وننسى.


أبتسمت بسخرية على ذلك الحديث المنطقي الذي قليل جدًا من النساء تستطيع تطبيقه، فالمرأة لا تخلوا من العواطف، أو لنكن أكثر وضُحًا المرأة لا تُحركها سوا العواطف، حقا نقصات عقل.


ترجعت بقدميها لتصبح واقفة أمامه وهي تُشير إلى "زينة" وعقبت بتعاطف معها ومع حالتهما المتشابهتان قائلة:


- بس أهي قدرت تسامح وتنسى لما حست إنه راح من إيدها، لأنها طول الوقت كانت بتحبه بس وجعها منه كان كبير، مش معنى إنك تحب يعني تعدي لحبيبك كل حاجه وتبقى إنسان معندوش دم، بالعكس إحنا مش بنزعل أوي غير من اللي بنحبهم أوي يا جواد.


نهض هو الأخر ووقف أمامها مباشرة وفى مواجهتها مُردفًا بإستفسار:


- طب وأنتي سامحتيني يا ديانة؟


تلاقت زرقاوتيهم لبعض الوقت الذي لم يشعر به كلاهما، لما كل هذا الوقت من الصمت! هل تُفكر فى إجابته لتقولها! أم أن نظرة عينيه أنساتها ما كانت ستقول؟ لما عينيه صافية هكذا؟ هل هذه العينين هي نفسها لذلك الشخص الذي كان ينتقم منها! لحظة واحدة ماذا كان يقول من قليل؟


تنهدت متذكرة سؤاله ولاتزال تنظر إلى عينيه، لتُجيبه بوضوح وصدق نابع من قلبها:


- سامحتك، سامحتك لما حسيت إنك ندمان على اللي عملته فيها، لما أنقذتني أنا واللي فى بطني يوم موضوع كوثر، لما خاطرت بحياتك ورميت نفسك لـ هناء يوم ما كانت هتوقعك معاها من على سور الفيلا، سامحتك لما أنقذتني للمرة التالته وأحنا مسافرين لما رميت نفسك فى البحر ومطلعتش غير وأنا معاك.


أقترب منها أكثر وكأنه يُحاول أن يزيح ذلك الحاجز بينهم مُردفًا بمزيد من الإستفسارات:


- سامحتيني الأول ولا حبتيني الأول؟


لما هي صريحة معه هكذا، لما تُجيب على كل أسئلته بهذه الأريحية والوضوح، هل حقا هي الأن تفصح عن كل ما بداخله تجاهه، وهي تنظر إلى أعماق زرقاوتيه! بالتأكيد فقدت عقلها تماما، والأن المزيد من الوضوع فى إجابتها:


- الأول سامحتك، سامحتك عشان حسيت إنك أنت كمان ضحية زيي بالظبط، ولأن من حسن حظك إحنا مكناش نعرف بعض قبل كده ولا كان فيه بينا حب عشان أتوجع منك من جوايا، واللي راضيني كمان إني كنت قوية وبجيب حقي منك، ولا نسيت الجرح اللي فى صدرك.


حاولت أن تُخفي تلك اللمعة بعينيها بقليل من المرح حتى لا يلاحظ مدى رغبتها فى مُعانقته الأن، بينما أبتسم هو بخفوت والمزيد والمزيد من الأسئلة تضرب برأسه، ويشجعه وضوحها الشديد معه هذه المرة، ليتجرئ ويحاوط ذراعيها بكفيه مُردفًا بعشق:


- طب وحبتيني أمتى؟


ما هذا الذي تشعر به! لما تشعر بإرتجاف قدميها وإضطراب بمعدتها، هل هذا تأثير قربه الشديد منها؟ أم بسبب لمسته لجسدها؟ أهذه أول مرة يلمسها فيها؟ أم أن هذه المرة مختلفة تمامًا! هل ما تشعر به هذا هو الإستمتاع؟ أجابته بنبرة عشق نابعة من قلبها مُردفة بصدق:


- حبيتك لما لاقيتك مش عايز تخسرني، بتعمل كل اللي تقدر عليه وأكتر عشان متبعدنيش عنك، حبيت تمسكك بيا وإنك على أتم إستعداد إنك تقاتل علشاني، حبيتك عشان حبتني بجد يا جواد.


ضرب برأسها تلك الذكريات القاسية التي مرت عليها فى طفولتها، بل وتعايشت معها بمفردها دون أن تُخبر أحدًا بها، ويبدو إنه حان الوقت للإفصاح عنها مُظهره الوجه الحقيقي لها والتي تُخفيه تحت قناع القوة التي ترتديه  ليراها لأول مرة بهذا الضعف والدموع تترقرق في عينيها مُردفة بألم:


- أنت عارف إني طول طفولتي كنت فاكرة إن أمي وأبويا أتخلوا عني بإرادتهم وإنهم مكنوش عايزني، حتى بعد ما كبرت وماما وبابا قالولي إن أهلي ماتوا وإنهم كانوا جيرانهم وإنهم ملهومش أهل، كان فيه جزء جوايا شاكك فى الكلام ده.


ضحكت بسخرية وأضافت بنبرة يُغلفها القهر مُتمتمة:


- طب أحكيلك موقف عمري ما حكيته لحد قبل كده!


تمزق قلبه لرؤيتها بهذا الكم من الضعف والقهر، وكل ما أستطاع أن يفعله هو إنه أومأ لها بالموافقة لكي تًكمل حديثها وتخرج كل ما بداخلها، لتُكمل هي وقد إنسابت دموعها مُقصة عليه أسوء ذكرى تعايشتها فى حياتها:


- وأنا فى خامسة إبتدائي كانت ملك فى رابعة إبتدائي فكنا معروفين فى المدرسة إننا أخوات وإننا بنروح ونيجي سوا، بس أختلاف أسمي وأسمها ده كان لافت الإنتباه جدًا يين المدرسين، ومعظم المدرسين كانوا عارفين إني مُتبناه.


خرجت منها الكلمة الأخبرة بقهر شديد بدى واضحًا فى نبرتها وأكملت بمرارة:


- كان فيه بنت معايا فى نفس الصف أسمها سالي، كانت مُتنمرة شوية ومحدش بيحبها لأنها بتجرح بكلامها، كانت فى يوم واخده النضارة بتاعتك بنت زميلتنا نظرها ضعيف وفضلت تتريق عليها والبنت تعيط، روحت أدخلت وأخدت منها النضارة وأدتها للبنت وقولتلها لو ضيقتيها تاني هشتكيكي للمس.


ضحكت بسخرية والمزيد من دموعها تنساب دون توقف وقاربت على الإنهيار وأضافت بغصة شديدة فى حلقها:


- فهي أتغاظت من اللي أنا عملته وإنها أتحرجت قدام زمايلنا وراحت زقاني فى صدري وقالتي يلا روحي أشتكبني للمس، على الأقل أنا هجيب بابا وماما يحموني، إنما أنتي هتجيبي مين! أهلك اللي رموكي ومكنوش عايزينك؟ ولا أهلك المزيفين اللي بيربوكي شفقة.


إنهارت فى البكاء رغمًا عنها وكادت أن تسقط أرضًا، لولا تدخل "جواد" الذي حاوطها بذراعيه وضمها إلى صدره، مُحتضنًا إياها بكثير من الحب والحزن على تلك الذكرة السيئة التي من الواضح إنها تركت أثرًا كبيرًا فى روحها، لتُكمل هي بنحيب قائلة:


- مش عارفة هي عرفت منين؟ ممكن تكون سمعت المدرسين بيتكلموا مع بعض! بس من يومها وأنا أتربى جوايا إحساس إني محدش عايزني ولا حد هيتمسك بيا.


ضمها "جواد" أكثر إلي صدره حتى أن قدميها كادت أن تىتفع عن الأرض بسبب حمله لها بين ذراعية، فى عناق قوي يُعبر عن مدي تمسكه بها مُعقبًا بعشق وصدق:


- أنا بحبك يا ديانة وعايزك، ومتمسك بيكي، ومش هسيبك لحد أخر نفس فى عمري.


أنتحبت "ديانة" من كثرة البكاء وصاحت بنبرة بدت متوسلة له مُردفة بضعف:


- متخذلنيش وتسبني يا جواد، أنا أول مرة فى حياتي أعرف يعني إيه حب.


نفي فكرة أن يخذلها وهتف بكثير من الثقة ولايزال يضمها إليه بشدة قائلًا:


- مش هخزلك يا ديانة، مش هخزلك ومش هسيبك، أنا ما صدقت لاقيتك.


لأول مرة هي الأخرى ترفع يدها وتحاوط بها رقبته بإرادة منها وتشبثت فى عنقه، ليجمعهم عناق قوي جدًا يُغبر عن مدى عشقهم ومدى إحتياج كلا منهما إلى الأخر، ليحلقان معا فى سماء عالمهم الخاص بهم والملئ بالحب الصادق.


فتحت "زينة" عينيها قليلا وقد أستمعت لكامل حديثهم، وتهاوت دموعها بسعادة من أجلهم وتمنت بداخلها لو كان "مالك" هو الأخر بجانبها، تقسم إنها لكانت تعلقت هي الأخرى فى رقبته هكذا وتناست كل شيئًا سيء حدث بينهم، تقسم إنها عندما يستيقظ لن تبتعد عنه أبدًا.


❈-❈-❈


يومين أخرين مضو ليصبح المجموع ثلاث أيام مروا عليه وهو مازال على نفس الحالة، ثلاث أيام أمامها كالجثة الهامدة لا يدل على بقائه على قيد الحياة سوا صوت صفير جهاز ضربات القلب، ثللث أيام مروا عليها هي سنوات من الموت.


لا تُنكر إهتمام الجميع بها وإبذالهم قصاري جُهدهم لجعلها تتحسن عما كانت عليه، وبالفعل صحيًا أصبحت أفضل من السابق، ولكن نفسيًا وروحيًا هي جسد بلا روح، إنه هو روحها وسبب بقائها على قيد الحياة، يجب أن يستيقظ، لقد قررت أن تدخل له وتخبره كم هي بحاجة له.


دلفت "زينة" غرفة العناية المُشددة بعد أن أخذت الإذن من الطبيب ووافق لها بشرط ألا يؤثر هذا عليه، أقتربت من فراشه بخطواط ثقيلة ويصعب عليه رؤيته بهذا الوضع، يكسوا اللون الأبيض ولا يظهر منه سوا القليل من معالم وجهه فقط، ما الذي أوصلهم إلى هذا الوضع! عنادها وكبريائها تبا لهما ولها هي أيضًا.


جلست بجانب فراشه ووضعت يدها على يده بمحاولة منها على تنبيه مردفة بخفوت:


- مالك.


هل تنتظر منه أن يُجيبها أم تُذكر نفسها بمتعة مُنادته ووجوده في حياتها! كلا هي تنبه بوجودها، فهي تعلم جيدًا إنه يعلم بوجودها، فهتفت مُعلنه عن ذلك قائلة:


- أنا متأكدة إنك سامعني وحاسس بيا.


أحتضنت كف يده بين يديها وهتفت مُعترفة بخطائها وأعلنت عن كامل أسفها وندمها عما أكترفته فى حقه وحق نفسها مُردفة بندم:


- مالك أنا أسفة، أسفة على غبائي وقسوة قلبي، أسفة إني مقدرتش ندمك وفضلت أعاند وأركب دماغي وأفكر فى نفسي وبس، أسفة إني عميت عيني عن حبك اللي ليا وتمسكك بيا.


أمتلئت عينيها بالدموع قهرًا على عدم إستجابته لها وبقائه موصد العينين أمامها هكذا، لتهتف مرة أخرى بصوت يملئه الألم والحسرة مُعقبة برجاء:


- أصحى يا مالك وأنا أوعدك مش هبعد عنك تاني، أصحى وأنا أقولك قد إيه بحبك ومقدرش أعيش من غيرك.


إنسابت دموعها ولم تُحاول منعها، بل أستسلمت لهذا الإنهيار مُضيفة ببحة شديدة فى حلقها ونبرة يُغلفها التوسل المرير:


- أنا مسمحاك يا مالك، يارب أنت كمان تسامحني، والله بمجرد ما تفوق هنرجع بيتنا وهنعيش فى سعادة أنا وأنت واللي فى بطني.


ابتسمت بخفون من بين دموعها عندما تذكرت الفحص التي أجرته قبل اليوم وأخبرتها الطبيبة حينها بجنس المولود، لتقترب من أذنيه هامسة له بحب:


- طب أقولك على سر.


قربت يده من بطنها بهدوء مردفة بسعادة:


- أنا حامل فى ولد.


مرة أخرى شعرت بالحزن لعدم وجوده معها لمشاركتها فرحتها بنوع مولودهم، فرددت مرة أخرى بندم ورجاء:


- أصحى بقى عشان نختار إسمه سوا ونشتري هدومه وحاجته سوا، ونجهزله أوضته مع بعض.


وضعت رأسها على كف يده بإنهيار تام ولكن دون إصدار أي صوت يدل على ذلك حتى لا يستمع لها من بالخارج، وتمتمت بتوسل مرير:


- قوم يا مالك عشان أنا مش حمل إني أخسرك.


❈-❈-❈


كان يقف بعيدًا عنهم وعلى ما يبدو يجري إتصالًا هاتفيًا ولكنه لم يتحدث، يبدو وكأنه سيجن حتى يتم إستقبال تلك المكالمة ويُحيبه الطرف الأخر، ما الذي يحدث له؟


أقترب منه "جواد" مُحاولًا معرفة سبب إنزعاجة وتوتره الواضح عليه هذا، هتف "جواد" مُردفًا بإستفسار:


- فيه إيه وشك مقلوب ليه!


أجابه "إياد" والقلق واضحًا على وجهه مُردفًا بإنزعاج:


- لاحظت إن ملك مش موجودة بقالها شوية، قولت أرن عليها أول مرة مردتش ودلوقتي مقفول.


حاول صديقه تهدئته وتطمئنه مُعقبًا بتحليل:


- ممكن تكون شبكة متقلقش، جرب تاني.


حاول مرة أخرى الإتصال بها ولكن دون فائدة  ليُنزل الهاتف مرة أخرى وزفر مُرددًا بغضب:


- مقفول.


على الرغم من شعوره هو الأخر بالقليل من القلق الذي تسرب إلى قلبه، إلا إنه حاول تطمئنته حتى لا يجن أكثر من ذلك، ليردف بهدوء:


- يبقى فصل شحن منها، متقلقش زمانها جاية.


تفاجأ كلاهما بـ"ديانة" التي كانت تركض نحوهم ويبدو عليها الكثير من الخوف والهلع، ليزداد قلق "جواد" وصاح مُستفسرًا:


- فى إيه؟


حاولت "ديانة" تمالك أعصابها بعيدًا عن شعورها بالذعر، وهتفت بهلع:


- ملك مش لاقينها!!


يُتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة منة أيمن, لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة