-->

رواية جديدة كما لو تمنيت لبسمة بدران - الفصل 6

   قراءة رواية كما لو تمنيت كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية كما لو تمنيت 

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة بسمة بدران 


الفصل السادس

(أكرهك)


صدحت الزغاريد في منزل الحاج رشيدي فقد نجح محمد بمجموع عالي يخوله لدخول كلية الطب كما أرادا والديه 

وقفت الحاجة زينب والدته تملء أكواب الشربات الموضوع عليه بعض شرائح الموز بشكل جميل وهي تحمد الله تارة وتزغرد تارة أخرى

 كانا يوسف ومحمد يحملان الصواني الممتلئة بالأكواب ويوزعان على الجيران الذين فرحوا لمحمد ودعوا له بالتوفيق 

استمر هذا الوضع لوقت ليس بالقليل حتى خلا المنزل من المهنئين 

ألقى يوسف بنفسه على أقرب مقعد وهو يزفر براحة قائلا: ياااااه وأخيرا المولد انفض الواحد رجله ورمت وربنا.


ضحك محمد بصخب وقال وهو يجلس على يد المقعد الذي يجلس عليه أخاه: أحيه يا أبو سوسو انت لحقت تتعب أومال في فرحك هتعمل ايه!

 

صفعه على مؤخرة رأسه: اتلم يا حيـ وان أمك هنا.

 

استقام واقفا وهو يضع يده مكان صفعة أخيه وقال ببلاهة: أوبا لموأخزة يا زوزو.

 

ضحكت بمرح: ولا يهمك يا روح زوزو كفايا انك حققت أملي وهتبقى دكتور قد الدنيا.

 

صدحت ضحكات يوسف في المنزل وقال بصوت متهدج من كثرة الضحك: دكتور مين ده يا امي اللي بياخد على قفاه بس

 

قاطعته صفعة على مؤخرة رأسه من والده الذي قال بنفس المرح: عادي يا بش مهندس ما في مهندسين برضو بياخدو على قفاهم.

 

ضحكات عالية صدرت من محمد الذي صفق بحماس: أيوة كدة يا حاج اديله ده انا قفايا اشتكى منه وابنك بصراحة ايده تقيلة اوي.


 شهقة صدرت منه عندما نزلت صفعة من يد والده الذي ضحك بقوة: بس مش اتقل من ايدي يابو حميد.

 

قهقه يوسف ووالدته ومن ثم تحدث بشماتة: تستاهل يا زفت عشان تحرم تضحك عليا.

 

ظلا هكذا يمزحون وسط جو عائلي جميل حتى استمعوا لصوت أذان العشاء فقاموا يتوضأون ثم وقفوا جميعا بين يدي الخالق يؤمهم الحاج رشيدي.

❈-❈-❈


بينما في فيلا صبري

 كانت تشعر بالسعادة من أجل أخيها فقد هاتفتها والدتها وبشرتها بنجاح أخيها  

وقفت في المطبخ تدندن بسعادة وهي تعد عشاء خفيف لها ولابنتها ولم تشعر بالذي وقف يتابعها منذ وقت بصمت 

فقد جاء منذ قليل باحثا عنها فأخبرته الخادمة بأنها في المطبخ تعد 

تركها وذهب دون أن يستمع لباقي كلماتها 

وقفت على أطراف أصابعها لتحضر أحد الأطباق من إحدى الأرفف العالية شعرت بأحدهم خلفها استدارت وجدته قريبا منها بشكل كبير كادت أن تسقط لكنه أمسكها من خسـ رها باحكام رفعت عينيها إليه لتوبخه لكن الكلمات ماتت على شفـ تيها عندما أبصرت نظراته الحنونة التي كان يرمقها بها

 ظلا ينظران لبعضهما وقت ليس بالقليل حتى قاطعت هي تواصلهما البصري إذ أشاحت بعينيها عنه ودفعته بغضب: ابعد عني يا أدهم انت اتجاوزت حدودك معايا اوي وانا مش هعدي اللي عملته قبل كدة معايا.


رفع أحد حاجبيه ومن ثم سألها بخبث: ايه ده هو انا عملت ايه يا ديدة فكريني؟


اغتاظت من بروده هذا فأجابته وهي تلكزه في كتفه: أنت عارف عملت ايه كويس يا أدهم ومش هسمحلك.


ابتلعت باقي تهديدها عندما وجدته يمسك بأصبعها الذي تلكزه به ويرفعه إلى فمه يقبله برقة شديدة 

ارتسمت ابتسامة ماكرة عندما شعر برجفة خفيفة في يديها اثر فعلته تلك فدنى منها بغتة حتى شعرت بأنها تتنفس أنفاسه أغمضت عينيها مستمتعة بقربه المهلك منها 

أما هو فكان يحتاج لكل شيء يعرفه عن الثبات الانفعالي كي يتحكم بنفسه أمام تلك المرأة زفر بحرارة ومن ثم طبع قبـ لة طويلة فوق جبينها وذهب دون الالتفات إليها فأنه يقسم بأنه لو استدار إليها سيقبلها بقوة وليحدث ما يحدث.

بينما هي ظلت مكانها مغمضة العينين قلبها يهدر بعنف شعرت بالبرودة حولها فأيقنت أنه ذهب فتحت عينيها ببطء وهي تلعن نفسها على استسلامها المخزي له 

أمسكت بأحد الأكواب ورمته أرضا ليتهشم إلى قطع صغيرة وهي تسب وتلعن أدهم انحنت تنظف الفوضة التي فعلتها وقررت أن تهاتف حازم ليقرب ميعاد خطبتها.

❈-❈-❈ 


عاد في وقت متأخر من الليل يشعر بالإرهاق الشديد فقد قضى نهاره بين الاجتماعات والمناقصات حتى أنهكه التعب فوجئ بهدوء الفيلا يبدو أن طفلته الصغيرة ومربيتها المجنونة نائمتان

 اتجه لغرفة طفلته أولا ليطمئن عليها فتح الباب لكنه وجد الغرفة فارغة فأيقن على الفور أنها في غرفة تلك المربي اتجه إليها أخذ نفس عميق ثم فتح الباب وولج ومن ثم أغلقه خلفه بهدوء ثم اتجه للداخل

 تجمد مكانه عندما أبصر تلك الفتاة تنام بحرية وتحتضن ابنته من يراهما يظن أنهما أم وطفلتها 

دنى منهما بحذر لكنه ابتلع لعابه بصعوبة عندما وجد الغطاء انحصر عن تلك الفتاة فأظهر قدميها يبدو انها ترتدي منامة قصيرة زفر بحدة واتجه إليها ثم أمسك الغطاء ودثرهما جيدا 

شعرت بحركة غريبة في الغرفة ففتحت عينيها بسرعة أبصرته يواليها ظهره يبدو أنه يهم بالخروج  

نادته بخفوت: مراد بيه


استدار اليها وهو يرمقها بتساؤل؟ 

تحدثت بغضب وهي تستقيم جالسة وتحكم الغطاء حولها جيدا: انت ازاي تدخل هنا من غير إذن كام مرة هقولك اني محجبة وميصحش تشوفني بالمنظر ده.


رمقها بسخرية ومن ثم اتجه للخارج وهو يشعر بالاستـ حقار تجاه تلك الفتاة هو حقا لم يصدق أحداهن مرة أخرى ففي نظره كلهن مخادعات تتحدثن عن الشرف وهن بعيدات كل البعد عنه

 فتح الباب ودلف ثم أغلقه بهدوء كما دخل وهو غافل عن تلك النيران المشتعلة بداخل الفتاة التي تقبع خلف هذا الباب.

❈-❈-❈ 


مر يومان لم يحدث بهما أي جديد سوى تحديد موعد لحازم الذي سيذهب لمقابلة عائلة فريدة اليوم 

وقفت أمام المرآة تتأمل هيئتها الأخيرة برضا وابتسامة عذبة ترتسم على ثغرها الذي طلته بلون أحمر داكن كما أنها زينت عينيها بالكحل الأسود 

حقيقة أنها لم تبالغ في زينتها فهي لم تكن متبرجة يوما فهي تربت وسط عائلة ملتزمة يتمسكون بدينهم 

دارت حول نفسها تتأمل فستانها البنفسجي الذي ينسدل بانسيابية فوق جـ سدها ويتسع من عند الخسر حتى الأسفل وأكملت أناقتها بحجاب أبيض زادها إشراقا أعطت لنفسها قبلة في الهواء ومن ثم دلفت للخارج لتصتحب ابنتها التي قد طلبت من أحدى الخادمات أن تساعدها في إرتداء ملابسها وتصفيف شعرها

 ابتسمت باتساع عندما أبصرتها تنتظرها في الخارج فمدت لها يدها التي تمسكت بها تالين على الفور وهي تشعر بالسعادة كأي طفل سيذهب لزيارة عائلتة والدته


بعد ذهابهما عاد أدهم إلى الفيلا باحثا عن الجميع فاخبرته الخادمة أن والدته لم تعد من النادي ووالده في المكتب بينما فريدة وابنتها قد ذهبتا لبيت والدها 

غلى الدم في عروقه عندما سممع بأنها خرجت بدون علمه لم يتردد واتجه للخارج مستقلا سيارته عازما على الذهاب إليها وتحطيم رأسها اليابس أمام والديها وليحدث ما يحدث

❈-❈-❈


في نفس الوقت وصل حازم وأخيه ووالدته إلى منزل الحاج رشيدي الذي استقبلهم بترحاب شديد وبعد السلام والتعارف المعتاد تحدث حازم بهدوء: بص يا عمي رشيدي انا متجوزتش قبل كدة وعارف كل ظروف مدام فريدة ويشرفني اني أكون واحد من عيلتكم المحترمة دي.

 

قاطعه يوسف بهدوء: ايوة يا أستاذ حازم بس احنا ما نعرفش حاجة عن حضرتك طبعا عيلة الفيومي أشهر من نار على علم بس متأخذنيش يعني احنا ما يهمناش أي حاجة غير حضرتك طبعا انت فاهمني.

 

أومأ بخفة: مفهوم طبعا يا بش مهندس يوسف بس انا كنت شاب طايش زي معظم الشباب بتوع اليومين دول بس ربنا يعلم اني اتغيرت وبقيت أحسن بكتير.

 

ابتسم الحاج رشيدي برضا ثم ربط على كتف حازم الذي كان يجاوره: عجبتني صراحتك يا ابني.

 

تحدثت والدته بمزاح: اه والله يا حاج رشيدي ده كان عامل فيها عمر الشريف وفرحان بلمة البنات حوليه

 ثم تابعت حديثها وهي تربط على كتف ابنها يوسف الفيومي: دا حتى انا واخوه فقدنا الأمل في صلاح حاله بس الحمد لله اتحسن كتير عن الأول  ويشرفنا نطلب ايد بنتك فريدة لابني حازم.


أردف الحاج رشيدي: الشرف لينا يا ست هانم بس الرأي في الأول والآخر لفريدة.


 ثم وجه حديثه ليوسف: قوم يابني نادي لأختك من جوى.


أومأ موافقا وذهب لتلبية طلب أبيه

وبعد بضع دقائق ولج يوسف وخلفه  فريدة التي سلمت على الجميع فاعجبت بها السيدة مها كثيرا

 تنحنحت بارتباك وقالت: أومال فين الست والدة يوسف؟

 

أجابها يوسف بابتسامة: جية ورايا على طول

تنهد الحاج رشيدي موجها حديثه لابنته: فريدة يا بنتي انتي طبعا عرفة ان الاستاذ حازم جاي النهرده عشان يطلب ايدك فانا قلت ان الرأي رأيك؟


ابتسمت باستحياء وقالت: موافقة يا بابا.


قاطعها صوته الغاضب: بس أنا مش موافق يا فريدة هانم.


ما كان هذا الصوت 

 أدهم الذي حضر منذ بضع دقائق فقد فتحت له الباب والدة يوسف التي كانت ستهم بالدخول 

تنهد بغضب وقال: وانت دخلك ايه بقى يا أدهم بيه أعتقد إن اللي كان بيربط فريدة بيكم هو أخوك واهو الحمد لله انه مات وانت وانا عرفين هو كان بيعمل فيها ايه.


سحق أسنانه بغضب ليس من طريقة حديثه عن أخيه المتوفى بل من نطقه باسمها دون ألقاب

تجاهله تماما ومن ثم وجه حديثه للحاج رشيدي: اسمعني كويس يا حاج رشيدي انا مش موافق على الجوازة دي.


تحدث الحاج رشيدي بهدوء: الناس بتقول سلام عليكم الأول يا أستاذ أدهم وعلى كلا تعالى اتفضل أقعد نتفاهم.


زفر بقوة كي يستعيد هدوئه فهو يحترم الحاج رشيدي كثيرا ويقدره

اتجه إلى أحد المقاعد الفارغة وجلس عليها

تحدث يوسف الفيومي بحدة طفيفة: حضرتك بقى تبقى مين عشان تعترض يا أستاذ أبوها ولا أخوها مثلا؟


كور أدهم يده بغضب فلو كان هذا السخيف في مكان غير هذا لحطم وجهه البغيض من وجهة نظره

أجابه الحاج رشيدي: ده يبقى الأستاذ أدهم صبري أخو المرحوم أمير جوز فريدة يا يوسف يابني.


قاطعه حازم: قصدك اللي كان جوزها يا عمي.


رمقه بنظرة نارية وقال بفظاظة: الكلام بيني وبين عم رشيدي محدش يتدخل بينا.


وقبل أن يتحدث الحاج رشيدي ويوبخه أردف أدهم: خلاصة الكلام انا مش موافق على الجوازة دي مهو مش معقول يكون اخويا مبقلهوش سنة ميت والهانم بتدور عالجواز

وغير كدة انا مش هسمح لحد يربي بنت أخويا وانا موجود.


ضاق صـ در السيدة مها من فظاظته فصاحت به: بقولك ايه انت من الصبح قاعد بتتكلم وكانك ولي أمرها احنا جينا نطلبها من والدها واخوها وهما موافقين يعني باختصار رأيك ميهمناش.


رمقها بغضب حارق وقال باستفزاز: طيب انا مش هقول ان ابنك كان هلاس وبتاع بنات بس هتكلم عن مراة صاحبه مازن الحسيني اللي خطفها ووهم الكل انها ماتت وكان بيديها حبوب تخليها تفقد الذاكرة هو ده النسب اللي ترضاه لفريدة؟

 

وقبل أن يكملى حديثه باغته حازم بلكمة قوية على وجهه كاد أدهم أن يردها له لكن يوسف الرشيدي وقف بينهما وصاح غاضبا: بسسسسسس انت وهو انتو اتجننتو بترفعو ايدكم على بعض قدام الحاج رشيدي!


قاطعه أدهم: هو اللي بـ…

قاطعه صوت الحاج رشيدي الصارم: انا مش عايز اسمع صوت خالص واتفضل اقعد منك ليه.


استجابوا جميعا لكلامه

فأردف قائلا: أستاذ حازم انتو شرفتونا النهرده ادونا بس مهلة نسأل ونرد عليكم.

 

كان أدهم سيهم بالحديث لكن نظرات الحاج رشيدي المحذرة جعلته يصمت

نهض كلا من حازم وأخيه وتبعتهما والدتهما التي قالت: الشرف لينا يا حاج وان شاء الله خير.

 

اتجهوا للخارج ما عدا حازم الذي أخر نفسه قليلا فابتسم لفريدة ومن ثم رمق أدهم بتحدي وابتسامة نصر تزين وجهه.

بعد أن أوصلهم يوسف للخارج عاد وهو يشعر بالحنق من أدهم فجلس في صمت ينتظر حديث والده الذي قال: احنا دلوقتي بقينا لوحدنا يا أستاذ أدهم اتفضل قول اللي عندك وهو صحيح الكلام اللي قلته عن حازم ده؟


كز أدهم على أسنانه فهو يشعر بالغضب كلما ذكر إسم هذا الحازم أمامه فتمالك نفسه وأجابه: ايوة طبعا صحيح أومال هو اتحمق ليه وضربني بالبوكس.

 

صمت الحاج رشيدي قليلا ثم تحدث: بس يابني الراجل تاب وقرر انه يفتح صفحة جديدة  ومدام فريدة موافقة يبقى…


قاطعه أدهم صائحا: مستحيل ده يحصل لو بنتك عايزة تتجوز يبقى أنا أولى اني أربي بنت أخويا.

 

سأله يوسف بتوجس : قصدك ايه!

أجابه بحدة: اتجوز فريدة.


صدمة شلت حواسها ماذا هل يريد الزواج بها هل هذا هو قدرها أن تبقى في تلك العائلة لا هذا لم ولن يحدث حتى ولو ستموت 

هبت واقفة وصرخت به: أنت ايييييييييييييه عايز مني ايييه مش كفايا اللي حصلي بسببكم.

 انهمرت الدموع على وجنتيها وتابعت حرام عليك ده انت اكتر واحد شفت الضرب والإهانة اللي كنت فيها كام مرة كنت بتلحقني من ايد اخوك وهو بيضربني من غير رحمة

 تعالت شهقاتها: ده انا لولى خوفي من ربنا وخوفي على بنتي كنت انتحرت من زمان

 

اقتربت منه وجذبته من تلابيبه ليقف أمامها: قولهم ان اخوك كان مريض نفسي وانكم خبيتو عليا قولهم اني مشفتش يوم حلو من ساعة ما دخلت بيتكم.


ألمه قلبه عليها لم يجد حلا سوى أن يضمها إلى قلبه كي تهدء لم تعارض بل تشبثت به وظلت تنتحب بطريقة تمزق نياط القلوب

أما عن والدها ووالدتها وأخيها كانت الصدمة تحتل وجوههم ماذا هل تحملت ابنتهم كل هذا بمفردها 

شعر الحاج رشيدي بأن قلبه سيتوقف من هول ما سمع

بينما انهمرت الدموع من عين والدتها

أمى عن يوسف فكان بداخله نار لو خرجت ستحرق الأخضر واليابس

لم يشعر بنفسه إلا وهو يجذب أخته من بين أحضـ ان أدهم ويعتصرها بين ضلوعه يتمتم لها بكلمات اعتذار 

ظلت هكذا تنتحب لوقت ليس بالقصير حتى هدأت شهقاتها فابتعدت عن أخيها ثم اقتربت من أدهم وقالت: أنا بكرهك وبكره كل عيلتك يا ريت تغور من وشي ومتورنيش وشك تاني.


نزلت كلمتها تلك كالصاعقة على أذنيه بكرهك

ألقت كلماته تلك وولجت للداخل عند ابنتها التي نامت قبل تلك الزيارة


أما عن أدهم فقد شعر بأن قدميه لم تعد تحمله فألقى بنفسه على المقعد وبداخله حزن شديد على تلك المرأة التي تتغلغل بداخله كالدم في الشرايين.


نهضت الحاجة زينب واتجهت للغرفة التي تقبع فيها فلذة كبدها


بينما في تلك الغرفة كان الصمت هو سيد الموقف حتى قطعه يوسف قائلا: احكلنا كل حاجة يا أدهم.

 

تنهد أدهم وقص عليهما كل شيء

وبعد أن انتهى وضع الحاج رشيدي رأسه بين يديه 

بينما يوسف رمقه بغضب فلولا وجود والده لانقد على عنقه يعتصرها حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة رفع الحاج رشيدي رأسه وقال بهدوء عكس ما بداخله: بص يا ابني بنتي هتفضل عندي خلاص مبقاش في حاجة تربطها بيكم وبنتها هعرف أربيها زي ما ربيت امها وخوالها.

 

سأله أدهم متوجسا: تقصد ايه؟


أجابه يوسف بحدة: يقصد ان بنتنا هتفضل عندنا.

 

شعر أدهم بأن قلبه سيتوقف فقال بضعف: بس انا ما اقدرش أعيش من غير فريدة ولا تالين.


شعر يوسف بالغضب فهم لينقد عليه بالضرب لكن صوت والده الحازم جعله يجلس مكانه

تنبهت حواس الحاج رشيدي لكلمات أدهم وكذلك نبرة الضعف التي تحدث بها فهو شعر بأن هذا الرجل يكن مشاعر لإبنته فقد ربط كل الأحداث ببعضها نظراته لها وغيرته عليها وتحكماته بها كل تلك الأشياء لا يفعلها إلا عاشق 

تنحنح الحاج رشيدي قائلا: قصدك ايه بالكلام ده يا أدهم؟


أجابه بحزن: أقصد أني بحب فريدة من زمان بحبها حتى من قبل ما تتجوز أمير الله يرحمه

ابتلع غصته ومن ثم راح يقص عليهم من أول لقاء بينهما حتى وقتنا هذا


أشفق الحاج رشيدي عليه كثيرا فهو تعذب كثيرا وكذلك يوسف فهو رجل مثله ويعلم مدى المعاناة التي تعرض لها فما أصعب أن ترى من تعشق ملكا لرجل آخر


ساد الصمت مرة أخرى بينهم حتى قطعه أدهم: أنا بجدد طلبي يا عم رشيدي انا عايز اتجوز فريدة


قاطعه يوسف: تتجوزها ازاي بس دي مش طيقاك!


لكن الحاج رشيدي لم يتفق مع يوسف فلو حقا فريدة تكرهه لما ارتمت بين أحضـ انه 

تنحنح الحاج رشيدي ومن ثم قال: انا ما عنديش مانع يا أدهم بس شوف بقى يا فالح هتقنعها ازاي.


صاح يوسف: بس يا بابا؟

 

قاطعه والده: هنتكلم انا وانت بعدين يا يوسف.


أومأ برأسه فهو يعلم أن والده سيختار الصواب

ابتسم أدهم  وقال: حيث كدة بقى سيبولي الموضوع ده ومحدش يتدخل مهما حصل

ثم صمت قليلا وأردف: انا بوعدكم اني هعوض فريدة عن كل الوحش اللي شافته في حياتها بس عايزكو تثقو فيا.


سأله يوسف بتهكم: طيب وخطيبتك يا دونجوان؟


أجابه بثقة: اعتبرها ما حصلتش يا بش مهندس انا أصلا خطبتها عشان أبطل تفكير في اختك.


ضربه يوسف على رأسه بقوة وقال بحنق: يا ابني احترم نفسك وراعي ان ابوها واخوها قعدين.


تألم أدهم باصتناع: اااااه يخـ رب بيت تقل ايدك مرزبة


قال كلماته تلك وهو ينهض من مكانه ومن ثم تابع مردفا: خلي فريدة عندكم كام يوم لحد ما تريح أعصابها بس كام يوم أصلا مش هقدر أبعد عنها أكتر من كدة.

 

رمقه يوسف بغضب وهم للانقضاد عليه لكن أدهم ركد للخارج وبداخله سعادة كبيرة فهو اجتاز نصف المهمة لكن الجزء الأصعب هو استمالة تلك العنيدة وترويضها فأقسم بداخله على تعويضها عن كل شيء سيء رأته في حياتها.

❈-❈-❈


مرت تلك الليلة بسعادة للبعض وحزينة للبعض وهكذا تمضي الحياة بين فرح وحزن


وصل يوسف إلى شركة عواد في ميعاده المعتاد ألقى التحية على موظفي الاستقبال ومن ثم اتجه إلى مكتبه مستقلا أحد المصاعد الخاصة بالعاملين

 جلس على مكتبه ثم طلب كوب من القهوة بالهاتف الداخلي للشركة من موظف البوفيه وبعدها راح يتفحص بعض الرسومات التي رسمها للقرية السياحية وبداخله سعادة وفخر بنفسه فهو يعشق مهنته ظل هكذا بعض الوقت حتى استمع لصوت طرقات فوق الباب 

ترك ما بيده ومن ثم سمح للطارق بالدخول وما كان هذا إلا عامل البوفيه الذي وضع فنجان القهوة على المكتب وابتسامة صافية ترتسم على وجهه 

بادله يوسف الابتسامة وسمح له بالانصراف بعد أن شكره

 وما كاد يرتشف أول رشفة من فنجانه حتى تفاجء بها تفتح الباب وتولج بدون استئذان 

شعر بالحنق منها لكنه لم يظهر ذلك تابع تقدمها منه وهي تتهادى في ثوب أنيق عبارة عن بنطال أسود وقميص ابيض  وسترة رمادية أكملت أناقتها بحذاء أسود ذو كعب مرتفع زادها أنوثة 

رفع أحد حاجبيه بدهشة عندما جلست أمامه فوق المكتب دون أن تتفوه بكلمة

تنحنح بخشونة كاسرا ذلك الصمت: لارا هانم ميصحش قعدتك دي لو حد دخل هيبقى منظرك مش لطيف.


هزت قدميها بلا مبالاة ولم تعقب

زفر بنفاذ صبر وأردف: يا لارا هانم

 

قاطعته بحدة وهي تقف على قدميها ثم جذبته من يده ليقف أمامها وسط تعجبه قائلة: اسمعني كويس ملكشي دعوة بأصحابي أنت فاهم ولا لا؟


سألها وهو يحرر يده من بين يديها: تقصدي إيه ومين أنا مش فاهم حاجة!


كزت على أسنانها بقوة: أقصد أروى صفوان.


رمقها بدهشة: بس أنا مفيش حاجة بيني وبين أروى هانم انا حتى مشفتهاش غير في الكام مرة اللي كانو معاكي 

ثم سألها بتوجس: هي اشتكتلك من حاجة؟


قاطعته بحدة: حاجة حاجة زي ايه يعني؟


تحدث بنفاذ صبر: انا اللي بسألك دلوقتي


أجابته باختصار: لا


أردف منهيا الحديث: يبقى خلاص مفيش موضوع من أصله.


قطعت المسافة التي تفصلهما حتى أصبحا قريبين جدا من بعضهما وقالت بهدوء: يوسف ملكش دعوة بأي بنت غيري.

 

قالت كلمتها تلك ثم قبـ لته قبـ لة سطحية على شـ فتيه ودلفت للخارج بهدوء عكس الحالة التي ولجت بها منذ قليل.

أما يوسف فظل مكانه مصدوما من فعلتها فهو يعلم أنها فتاة جريءة بسبب تربيتها المنفتحة لكنه لم يتخيل بأنها ستقبله والأدهى أنها تغار عليه

ارتمى فوق مقعده وهو يستغفر الله ويفكر في حل لتلك المجنونة من وجهة نظره.

❈-❈-❈


بينما في منزل الحاج رشيدي

 جلست فريدة تطعم ابنتها في صمت ويرتسم الجمود فوق قسمات وجهها الجميل انتهت من إطعام ابنتها فطلبت منها أن تذهب لتجلس أمام التلفاز تتابع أحد أفلام الكرتون التي تفضلها 

استجابت لها تالين على الفور 

أما هي فظلت في مكانها شاردة في ما حدث بالأمس فهي لم تقصد بأن تكشف سرها أمام عائلتها لكن بعد سماع طلبه بالزواج منها شعرت بأن عالمها سينهار مرة أخرى لم تشعر بنفسها إلا وهي تقص ما حدث لها دون أرادة منها

قطع شرودها صوت والدتها التي أتت للتو: حبيبة أمها عاملة ايه دلوقتي؟


أجابتها وهي تجذب يدها لتستلقي على الأريكة بجوارها وترتمي بين أحضـ انها: انا مش كويسة يا أمي.


مسدت فوق خصلاتها بحنو: روقي يا قلب أمك تبات نار تصبح رماد.


هي لم تخبرها بموافقة والدها على زواجها من أدهم كي لا تتشبث بعنادها 

ظلت تمسد فوق ظهرها وشعرها حتى هدأت تماما

انتفضت من بين أحضـ ان والدتها عندما وصلها صوته المرتفع قليلا: خيااااانة بنتي  ومراتي.

 

ابتسمت رغما عنها على مزحته تلك

بينما والدتها وضعت يدها على قلبها قائلة بعتاب: اخس عليك يا أبو يوسف كدة بردو تخضني.


سبل عيونه وقال بغزل: سلامتك من الخضة يا جميل ان شالله انا وانتي لاء.

 

اتسعت ابتسامتها وتنحنحت: نحن هنا يا ابو يوسف.

 

استدار اليها وقال بغمزة: طيب ايه متخليكي خفيفة كدة وتروحي تعمللنا كوبيتين شاي.


رفعت أحد حاجبيها المنمقين: احييييييه انت بتطرقني يا ابا الحاج!

 

رد بعبث: أخيرا فهمتي يا فيرو يلا روحي اعملي لنا كوبيتين شاي ويا ريت يكون شاي ام حسن.


انفجرت فريدة بالضحك وكذلك والدتها التي شعرت بالخجل من حديث زوجها لكنها لم تستطع كبت ضحكاتها

دنى منها والدها واحتـ ضنها بقوة قائلا بحنان: أيوة كدة يا قلب ابوكي اضحكي وخلي بيتنا ينور.

 

ضمته هي الأخرى وشعرت بأن قلبها سيتضخم من فرط سعادتها وهي تحمد الله على تلك العائلة.

❈-❈-❈ 


أخذت تركد وهي معصوبة العينين بحثا عن تلك الصغيرة التي أحبتها كثيرا كادت أن تتعثر لكنها تماسكت صرخت بإنهاك: انتي فين يا عشق بقى انا تعبت وربنا.

 

أتاها صوتها من بعيد: انا هناااااا يا ثمث تعالي.

 

راحت تتبع الصوت وهي تزفر بحنق وتتمتم بغضب: يخــ رب بيت دي لعبة انا استاهل ضرب الجزمة عشان اقترحتها عليكي وبعدين انا خلاص عجزت قربت أقفل العشرين يعني العضمة كبرت وبعد كدة هشتري كريم ايفا بتاع التجاعيد


 شهقت بقوة عندما اصطدمت بشيء صلب 

رفعت يدها بحذر لتتحسس هذا الشيء فأطلقت صرخة مدوية عندما وجدت صـ در عريض تحت يدها 

قالت بتلعثم: يخـ رب بيتك دانا جالي ارتجاج في المخ من الخبطة أقصد يعني مش تكح قصدي يعني انااا


قاطعها بهدوء وهو ينزع الرابطة من عينيها: انتي ايه يا بنتي قطر ما بتفصليش!

 

فتحت عينيها ببطء ورفعتها لتواجه عينيه كادت أن ترد عليه ردا لاذعا لكن الحروف ماتت على شفـ تيها عندما وجدت نفسها قريبة منه كثيرا لم تمنع عينيها من تأمله ظلت تحدق به وكذلك هو 

قطع تواصلهما البصري صوتها الرقيق: بابي انت جيت.

 

تنحنح بقوة ثم انحنى لمستواها حاملا أياها معانقا لها بقوة قائلا بحنو: حبيبة بابي اللي وحشتني جدا.


لمعت عيناها عندما شعرت بحنان ذلك الرجل تخيلت نفسها لو مكان تلك الصغيرة بالتأكيد أنها ستشعر بسعادة كبيرة

 استفاقت من شرودها به على صوته الرجولي الجذاب: بقولك ايه يا شمس انا بشكرك عشان عشق اتحسنت كتير عن الأول انتي تستحقي مكافأة.

 

أما عن شمس فلم تستمع لباقي الكلام فقد توقف عقلها عند نطقه لإسمها تنهدت بحالمية وأخذت تحدث نفسها: أحييييييه أول مرة اعرف ان اسمي حلو كدة وربنا انا حبيت اسمي وهروح ابوس أبويا عشان سماهولي.


قاطع شرودها بقوله وهو يلوح بيده أمام وجهها: ايييييه يا بنتي رحتي فين؟


أجابت بتلعثم: انا انا أهو معاكم.


منحها ابتسامة واسعة أظهرت غمازتيه: طيب تعالي ورايا المكتب عشان تاخدي المكافأة.

 

كادت أن تسأله  لكنه لم يمهلها الفرصة وسبقها للداخل

ضربت الأرض بقدمها كالأطفال وتبعته وهي تسبه في سرها: جتك القرف في حلاوتك دي.

❈-❈-❈


بينما في منزل شهد  كانت تقطع الغرفة ذهابا وإيابا وهي تفكر في حل ينقذها مما هي فيه حقا هي لم تعد تتحمل فقد كرهته وكرهت عيشتها معه 

كان يونس يتابعها بدهشة وهو حزين على والدته 

ظلا هكذا لوقت ليس بالقصير حتى استمعا لصوت فتح الباب أخذت نفس عميق ومن ثم أمرت ابنها بالولوج  إلى غرفته 

شعرت بالاشمئزاز عندما رأته يتقدم منها ملقيا تحية المساء

لكن شعر بأن الأرض تميد من تحت قدميه عندما وصله صوتها الهادئ: طلقني يا محمود أنا ما بقتش طيقة العيشة معاك انا بقيت أكرهك سمعني انا بكرررررررهكك.

❈-❈-❈


أما عند فرحة لا تكف عن البكاء منذ ذلك اليوم فهي اشتاقت له حد الجنون تعرف أنها أخطأت عندما سمحت لنفسها التمادي معه في الحديث والخروج لكنها ليست نادمة على مشاعرها تجاهه تعلم علم اليقين من صدق مشاعره لها لكنه كان سلبيا معها كان عليه أن يتخذ خطوة كي تكون له

 لكنه أيضا معذور فلديه مسؤوليات أهم وهي أسرته المتعلقة في عنقه

كفكفت دموعها بظهر يدها وما كادت أن تنهض من مكانها حتى شعرت بأحدهم يدفع بابها بقوة 

وما كان هذا إلا أخيها علي

أطرقت رأسها أرضا تترقب تقدمه منها 

تنحنح بخشونة قائلا: مبروك يا قلبي جالك عريس محترم دكتور أطفال قد الدنيا شافك عجبتيه فجه ودخل البيت من بابه واتفقنا انه هيجي يقابل أبوكي بكرة جهزي نفسك.


ألقى ما لديه دفعة واحدة ودلف مغلقا الباب خلفه بهدوء


انسابت الدموع من مقلتيها مجددا فوضعت يدها تكمم فمها كي تكتم صوت شهقاتها 

أيقنت أن هذه نهاية قصة حبها التي لم يكتب لها الحياة

فهي تعرف أن هذا هو عقاب الله لها فهي ارتكبت خطأ مبين عندما سمحت لنفسها بأن تتحدث معه وتقابله سرا دون الاكتراث لشيء 

أيقنت أن أختها الصغرى كانت محقة عندما أخبرتها أكثر من مرة أن ما تفعله يغضب الله ومن تعجل شيء قبل أوانه عوقب بفقدانه

تعالت شهقاتها عندما تخيلت نفسها لرجل آخر غير حسام شعرت بوخزة قوية في قلبها دفنت وجهها في الوسادة وأجهشت في بكاء مرير يمزق نياط القلوب.

❈-❈-❈


في فيلا صبري 

ولج للداخل وهو يطلق صفيرا قويا 

تفاجء بوالديه جالسين في غرفة المعيشة 

تقدم منهما وألقى تحية المساء بهدوء

تركت المجلة التي بيدها على المنضدة المستديرة التي أمامها وسألته باهتمام: شكلك مبسوط يا ترى ايه سبب انبساطك ده؟


أجابها بمرح: رغم أني ما كنتش ناوي أبلغكم دلوقتي بس الظاهر أن الوقت أزف.


أراح والده ظهره على الأريكة وسأله: ايه بقى الحاجة اللي وقتها أزف دي؟


أجاب بهدوء: هتجوز آخر الأسبوع.


اتسعت ابتسامة والده

بينما تنهدت والدته بارتياح قائلة بسعادة: وأخيرا يا أدهم ده انا مستنية اليوم ده من زمان يا حبيبي بس أنا كنت مع مرام النهرده في النادي ومقلتليش حاجة الندلة بتخبي عليا!

 

قاطع حديثها المتواصل بصوته الرخيم: بس أنا مش هتجوز مرام.


شحب وجهها على الفور 

بينما والده بقي هادئا كعادته سائلا إياه: امال هتتجوز مين على ما أعتقد إنك خاطب مرام؟

 

أومأ مؤكدا على حديثه: ايوة خطبتها بس مش هتجوزها.


صرخت به: هو ايه الكلام الفاضي ده هو لعب عيال.

 

كز على أسنانه بغضب فهو يكره أن يرفع أحد صوته عليه

فأردفت والدته: ويا ترى هتتجوز مين بقى؟


أجابها بهدوء: فريدة بنت الحاج رشيدي…


يتبع

إلى حين نشر الرواية الجديدة للكاتبة بسمة بدران، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة