-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 49


قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل التاسع والأربعون



كل معالم البؤس، والشجن كانت معتلية وجهه، طوال اليومين المنصرمين، منذ تفوهه لخطيبته بتلك الكلمات الدنيئة، المحملة بمعانٍ بذيئة، واتهامات شنيعة تمس سمعتها وأخلاقها، لم يتخيل أن يطبق الاختناق على صدره من تركها له، وأن يراوده شعورٌ بانتقاص شيء هام من يومه، إذا لم يكن الأهم والأول، فلقد استحوذت بتلقائيتها، وروحها النقية على اهتمامه، وسيطرت على مشاعره، وجعلت لها مكانة كبيرة في حياته، حتى بات ابتعادها، وانفصالها عنه يشيع الضيق في نفسه، كما استشعر لأول مرة تألمًا ترسخ قلبه لفراق إحداهن.


أحاسيسٌ لطالما أنكر وجودها داخله الفترة الماضية، انبقثت بقوة، وسيطرت على كامل كيانه، ولكنه أرجأ التفكير في تفسير تلك المشاعر التي تنبض في قلبه لها الحين، فقد أصبح شاغله الأكبر والأول هو استعادتها ثانية مهما كلفه الأمر من عناء، خاصة وأنها ترفض مكالماته، ولا تجيب على كافة رسائله، وبعد تفكير مضنٍ في كيفية الوصول لها، بعيدًا بالتأكيد عن زيارتها في بيتها، تهادى عقله إلى مهاتفة إحدى صديقاتها المقربة، حيث أنه قد سبق وتسنى له التعرف عليها، بأحد اللقاءات الجماعية، التي جمعته بها أثناء مرافقته لـ"سما".


لم يضيع الوقت، وقام بإجراء اتصالًا بها على الفور، ليستعلم منها عن مكان تواجد "سما" في الوقت الراهن، حتى يلتقي بها، ويجبرها بتلك الطريقة على الحديث إليه، ليتمكن من إصلاح ما أفسده برعونته، وغبائه، حتى إذا وصل الأمر إلى توسلها، واستعطافها حتى تقبل بالنظر في وجهه والتحدث معه مجددًا. عندما علم منها عن تواجدها في الجامعة الأمريكية، لحضور إحدى المحاضرات الخاصة بالماجستير الذي تُحضِّره، ذهب على الفور إلى هناك، وعند وصوله لمح سيارتها مصطفة عند أحد الأرصفة، انحرف بسيارته حينها وتوجه إلى حيث تقف، وتوقف جوارها.


بعد مرور بعض الوقت، لم يتخطَ العشرة دقائق، أمسكت عيناه بها آتية من على بُعد، استطاع من موضعه أن يلاحظ حزنها، ضم شفتيه بندم وانتظر حتى اقتربت قليلًا من موضع سيارته وقام بالترجل منها، وعند انتباهها هي لوجوده، ظهر توتر طفيف على محياها، إلا أنها سريعًا ما أخفته وهي محافظة على سيرها في نفس المجاز الذي ينتهي بسيارتها، ولكنها قبل أن تتخطاه قطع "كرم" طريقها، واقفًا أمامها، مما أجبرها على التوقف لحظيًا، وعندما كاد يمسك يدها تنحت على الفور جانبًا، وشرعت في التحرك ثانيةً، في تلك اللحظة منعها وهو يهتف بتلهف وهو يعود للوقوف قبالتها:


-سما ممكن نتكلم.


لاح التجهم على وجهها، وبصوت خفيض مشبع بالغضب أمرته:


-ابعد يا كرم.


ترائى له نفورها المبرر من رؤيته، والنظر لوجهه، لهذا حاول استمالة قلبها بتوسل:


-عشان خاطري، مش هاخد من وقتك كتير..


فتحت فمها بطريقة منفعلة توحي بتمسكها برفض التحدث إليه، إلا أنه حال دون تفوهها بحرف وسارع في الإضافة بإلحاح:


-هنقعد في أي حتة، وهما كلمتين، ولو حسيتي إنك مش عايزه تسمعيني هسيبك تمشي.


ظلت لعدة لحظات متحاشية النظر إليه، تستعرض طلبه في رأسها، ومع تصميمه رأت أنه لا ضرر من الاستماع لما لديه لمرة أخيرة كما أقنعت نفسها، زفرت نفسًا طويلًا، ثم أومأت بغير أن تنظر له، وبدأت في التحرك نحو الجانب الآخر من السيارة، تهللت أساريره من استجابتها وتوجه نحو الجانب المخصص لعجلة القيادة، ودلف السيارة وهي إلى جواره، اختطف نظرة لها وهو يدير المحرك، ليجد وجهها ما يزال على عبوسه، مما جعله ييقن أنها لن تمنحه عفوها بتلك السهولة التي تخيلها.


بعد مضي بعض الوقت، كان قد وصلا إلى واحد من المطاعم المجاورة، خلال انشغاله في إملاء النادل طلبه، الذي كان يقتصر على كأسين من عصير الليمون، ظهر السأم على تعبيراتها، مما اعتبرته مماطلة مقصودة منه، وفور انتهائه وارتكازه ببصره عليها عاجلته متسائلة بنبرة جامدة:


-خير؟


زم فمه لثانيتين، بطريقة تعبر عن جزيه، ثم تأسف منها بندم حقيقي:


-أنا آسف.


لم تتأثر ملامحها، ولظت ثابتة وهي تسأله بغير اكتراث:


-هما دول الكلمتين؟


رغم اندهاشه من جمودها الغريب، والذي آثار قلقه حيال قبولها لاعتذاره، إلا أن حبها وقلبها الحنون أعطياه الأمل ودفعاه للمتابعة في الاعتذار:


-سما أنا مش عارف قلت الكلام ده ازاي، حقيقي مش عارف، حقك عليا، أوعدك مش هتتكرر مني تاني.


عند قوله الأخير، الذي اخرجها عن طور هدوئها المزعوم، سألته بلهجة مستنكرة مالت للانفعال:


-إيه اللي مش هيتكرر منك تاني يا كرم؟ اتهامك ليا إني بروح لرجالة شقق عادي، ولا الـdress (فستان) اللي كنت شوفتني بيه اللي بيتلبس في أوضة النوم، ولا لما كنت شاربة والله أعلم كنت فين وقتها، وانت عارف أصلا أنا كنت لابسة كده بسبب مين وشربت بسبب إيه، فانت قصدك على إيه بالظبط اللي مش هيتكرر تاني؟


ازداد ضيقه من نفسه، وتعقدت ملامحه بنقم على ما فاه به في لحظة سيطر عليه الشيطان بها، وأردف محاولًا استرضائها:


-سما..


لم تدع له فرصة للتحدث حيث أكملت مبدية ندمها عمَ سبق وقد اقترفته:


-أنا عارفة إني كنت غلط، ومكانش ينفع أشرب وأنا أصلا مبشربش، بس أنا كنت مخنوقة، شعور إن حد يتحكم فيك ده وحش جدا، والأوحش إنك مجبر تنفذ اللي بيتقالك عشان ثقتك متتهزش في نفسك وتحس إنك قليل بين اللي حواليك أو فيك حاجة غلط.


التمعت عيناها بالدموع، ولكنها حاولت أن تتحكم في نفسها، تنفست نفسًا عميقًا، ثم تكلمت مطلقة صراح ما يجيش به صدرها والسبب الرئيسي في مأساة حياتها:


-مامي وبابي ليهم دماغ لواحدهم، بابي مثلا كل اللي بيهمه البيزنس، وازاي يجمع فلوس ويبني إمبراطورية عريقة تعلي من مكانته، وأنا تقريبا آخر اهتمامته، أو تقدر تقول مهمشة بالنسباله..


اعترى وجهها الاستنكار وهي تضيف:


-هو شايف أصلا إني مش ناقصني حاجة طالما طلباتي مجابة وكل اللي بتحلم بيه اي واحدة في سني موجود تحت رجلي، بس ميعرفش إني ناقصني حاجات كتيرة أوي، زي إن حد يحس بيا وباحتياجي للحب والحنان والاهتمام ودفا الأسرة اللي معرفش عنه حاجة وعمري ما حسيته وسطهم.


زفرت نفسًا معبرًا عن كتمها للبكاء، في حين تفشى الحزن بملامحه، تأثرًا بما يستمعه منها لأول مرة، وتفاجؤً من كونها تحمل بداخلها تلك الأشياء المثخنة بالوجع، المنبجس من كافة إيماءاتها ونبرة صوتها الذي بدأ في الانتحاب وهي تتابع:


-ومامي كل اللي بتهتم بيه هو المظهر العام وشكلنا قدام المجتمع المنحصر أصلا على صحباتها، سيدات الطبقة المخملية..


التوى فمها ببسمة ساخرة مشبعة الأسى الذي ظهر في تكملتها:


-وعشان كده بتبقى عايز تخليني البس شبه بنت طنط منيرة، واحط ميكاب زي بنت طنط نجوى، واتكلم شبه دي وامشي زي دي، بتعاملني على إنى حتة صلصال وعايزه تشكلني على مزاجها، ولو اعترضت تشككني في نفسي، وتحسسني إن فيا حاجة غلط وقد إيه هيبقى شكلي منفر لو مشيت بمزاجي ولبست على راحتي وذوقي اللي بالنسبالها أساسًا بشع ومقرف.


انهمرت دموعها رغمًا عنها وهي تطنب بشجن:


-أوكي أنا عارفة إنها بتحاول تظهرني في أجمل صورة وتحلي شكلي عشان جمالي قليل..


عند قولها الأخير ولم يسمح لها بإضافة المزيد، هاتفًا في استهجان غلب تأثره برؤية دموعها:


-مين اللي قال إن جمالك قليل؟ انتي إيه أصلا معيار الجمال بالنسبالك؟


انتشلت منديلًا من حقيبتها، قامت بتجفيف وجنتها، ثم أخبرته بلكنتها الإنحليزية المليئة بالتهكم:


-Colorful eyes, white skin, and straight hair (العينين الملونة، البشرة البيضة، والشعر المستقيم)   


ثم أكملت باستياء من إجبارها الدائم على التعديل في طبيعة خِلقتها:


-وعشان كده لازم البس لانسز، واحط بودر، وأفرد شعري و..


حال دون تكلمها بالمزيد قوله الصادق الغير متملق:


-كل ده موجود في بنات كتير، ومع ذلك ممكن الراجل ميلاقيش فيهم الجمال اللي بيدور عليه.


ناظرته بنظرة بائسة وهي تسأله بنشيج:


-اللي هو إيه؟


أجابها برفق وعيونه تتشرب من نقاء عينيها:


-جمالك يا سما.


رأت امتداحه تملقًا زائدًا، وعقبت بسخرية:


-فين جمالي ده؟


حز في قلبه انعدام ثقتها في نفسها، الناتج عن محاولات والدتها الدائمة تغيير طبيعة ملامحها وشكلها، وإيهامها بأن هذا لتجميلها، ولإخفاء عيوبها، ولكنه منذ الوهلة الأولى لم يلاحظ بالأساس أي عيب بها، على الرغم من رؤيته لها على طبيعتها لأكثر من مرة، بدون مستحضرات التجميل، التي تفرط في وضعها بأوامر من والدتها.


ولم ينكر إعجابه بهالتها البريئة والناعمة، حتى وإن لم يكن يتخيل الارتباط بمثيلاتها في بادئ الأمر، فهذا كان راجعًا إلى استحواذ "داليا" بجمالها الأوروبي على فكره، ولكن عندما بُهت انبهاره بذلك النوع من الجمال، خاصة بعد تعامله معها عن قرب، وعدم شعوره بأي من تلك المشاعر التي تختلج قلبه حين يتواجد مع خطيبته.


بدأ ييقن حقيقة شعوره تجاهها، وأن ما يسيطر على فكره حيالها ما هي إلا رغبة جسدية، يريد أن يشبعها عن طريقها، ولكنها انمحقت تمامًا مع صدها لمحاولة اجتذابها في الدخول معه في علاقة آثمة، علم أنه لن ينولها، ولم يعد يرغب حتى بها، واكتشف أنه كان يركض خلف شهوته، التي تسببت في خسارة لم يكن يعلم أنها ستكون شاقة هكذا، وهي خسارته لـ"سما".  


فقد تأكد أن احتياجه الأشد نابع من حاجة قلبه، خاصة عندما وجد نبضه يتزايد وهو بين أحضانها، راغبًا بأكثر من عناق، وكأنه ود أن يُدمغا بحميمية أقوى، وفي تلك اللحظة لم يخطط لأي أهداف ستتحقق عن طريق الظفر بها، غير حاجته لوجودها الذي شغل حيزَ الفراغ الذي كان غارقًا في عتمته قبل دخولها حياته لتنيرها.


ولهذا فهو يراها من منظور آخر، بعين تختلف نظرتها عن عين الجميع، فما تود تغييره، يعشق فطريته، كشعرها الغجري المليء بالتمويجات، وعيناها البنية المائلة للسواد، وبشرتها الحنطية القريبة من السمار، فكل ذلك رآه مميزات، وليست عيوب تستحق الاختفاء. لاحت بسمة محبة على وجهه، ورد عليها بصدق غير مبتذل:


-كل حاجة فيكي جميلة، لو انتي مش قادرة تشوفي الجمال ده بسبب كلام مدام جيهان، أو إن توفيق بيه عمره ماخلاكي تلتفتي ليه، فأنا شايفه، وشايف إنك استثنائية في كل حاجة، وغير بنات كتير اتعاملت معاهم، مليانين تصنع وبيجملوا في نفسهم بكل الطرق.


مسحت عيناه بنظرة والهة على ملامحها المنطفئة التي أشرقت بعض الشيء من امتداحه الصادق، وأضاف بعاطفة متيمة:


-إنما انتي طبيعية، ملامحك وكلامك وروحك، كل حاجة فيك شدتني ليكي من غير ماحس، لحد مابقيت دايب فيكي ومش عارف اقضي يوم واحد من غير وجودك فيه.


ابتهج وجهها، وملأته النضارة، وارتسمت بسمة ناعمة على شفتيها الممتلئتين، جعلت بسمته تتسع ويقول بنزق:


-طب عندك فكرة الضحكة دي عملت في قلبي إيه؟


تضرجت بشرتها بحمرة خجلة، وشعرت بقلبها كالمضخة في صدرها، فكلماته أعادت لها نبض الحياة الذي قد سلبه منها منذ يومين بكلمات أخرى لا تود تذكرها، لم تطِل في إبعاد نظرها عنه، فقد اجتذبها ثانية للنظر له عندما تلمس بكفه يدها الموضوعة فوق الطاولة، وأخبرها بعاطفة صادقة:


-أنا عايزك زي مانتي يا سما، وشايفك حلوة بكل حاجة فيكي من غير تغيير أو تصنع، ومتسمعيش لأي كلام يتقالك غير كده، وبعدين هو انا مش المفروض اكتر حد يهمك رأيه؟


سألها بالأخير من قوله ببعض المرح، الذي جعلها تبتسم، وضاعف من إشراقة وجهها، ظل وجهه باسمًا حتى فاجأته بتسؤلها الجدي المباغت:


-احنا هنتجوز أمتى؟


للحظة أُلجم لسانه عن الرد، ولكنه سريعًا ما تحكم في صدمته وأجابها على الفور:


-الميعاد اللي تحدديه.


ردت عليه بهدوء ضاعف من صدمته الفرحة:


-أنا عايزه نتجوز في أقرب وقت، عشان ابقى في بيت لوحدي واستقل بنفسي، ومحدش يتحكم فيا ولا في طريقة حياتي ولبسي.


ناظرها بنظرة غير مستوعبة رغبتها في تعجيل موعد الزواج، وسألها ببسمة مستشفة كأنه يتأكد مما فهمه:


-يعني أكلم توفيق بيه؟


هزت رأسها بإيماءة مؤكدة، وعيناها لم تبتعد عن وجهه الذي ظهر به أمارات السرور من موافقتها. استرعى اهتمامها عندما وجدته يضع يده في جيب بنطاله، وسريعًا ما تحول ذلك الاهتمام إلى سعادة عندما رأت خاتم خطبتها بين أصابعه، أمسك بيدها وقام باليد الأخرى بوضعه الخاتم موضعه في إصبعها، ثم انحنى برأسه مقبلًا ظهر كفها قبلة دافئة، مطولة، ومعتذرة، أطاحت بغضبها منه، وأعادات المياه الراكدة لمجاريها بينهما، ارتفع بوجهه تحت نظراتها التي تلمع بالعشق، وقال ببسمة غبطة:


-نطلب حاجة ناكلها بقى.


أومأت له بالموافقة، ولكنها اشترطت بتدلل:


-ماشي، بس أنا اللي هطلب الأكل.


انصاع لرغبتها قائلًا بصدر رحب:


-ماشي يا ستي.


راقبها وهي تختار الطعام من قائمة الاختيارات، بعينين تنبجس منهما المشاعر المتضاربة، ففي خلال يومين تغيرت كل مخططاته، وبعدما كان يستغل تلك العلاقة فقط لأهدافه الدنيئة، أصبح يستغلها لإشباع حاجة ملحة في قلبه لوجودها، ورغم أنه ما يزال متذبذبًا نحو الاعتراف بحقيقة تملكها قلبه، ألا أنه ييقن من أن الراحة والسكينة قد عادت إلى روحه الملتاعة بعودتها ثانيةً له.



❈-❈-❈


علاقته بها أصبحت مرهقة، ومهلكة من كافة الأصعدة، فلقد أصبحت تتدحرج حسب مزاجيتها، أحيانًا يصل معها لنقطة فارقة، يظن حينها أن كل شيء عاد إلى نصابه السابق بينهما، وأحيانًا أخرى تصدمه بكلماتها وتجعله يفقد الأمل حيال اكتمال زواجهما، لا ترسيه على بر نهائيًا، ومع ذلك يظل صبورًا، ويتعامل معها برفق وحكمة، يبذل قصارى جهده معها، حتى يبقى على طور هدوئه وعقلانيته، ليثبت لها تغيره الجدي تلك المرة دونًا عن سابقاتها، على الرغم من إنها لا تساعده، ولا تشد أزره في أوقاته الأكثر إحباطًا، إلا أنه يثبط من كل شعور سيء يداهمه، ويقوي من عزمه، حتى يظفر بمتغاه في الأخير، وهو اكتمال علاجه النفسي بشكل كامل وسليم، وتشييد أسرة دافئة، وهادئة.


بسبب تزعزعها، وعدم ثباتها على موقف محدد، لم يعطِ لنفسه أملًا تلك المرة، وتعامل مع التقارب الذي حدث، بنفس الأسلوب العقلاني القائم بينهما الآونة الأخيرة، على الرغم من تصاعد الأمور، وازدياد الحميمية تلك الليلة، حتى وصلت إلى تبادل القبل واللمسات، حتى التهبت بداخلهما نيران الشوق بدرجة كبيرة، ولم يكن في وسعهما فعل أي شيء، يطفيء ما استعر في وجداناهما، غير أن يستكين كل منهما في أحضان بعضهما البعض، بأنفاس لاهثة متهدجة، ورغبة متأججة هدأت تدريجيًا مع الاحتواء الذي ساد في العناق. ربما ما حدث يبشر بالخير، ولكنه مع ذلك ترك لها حرية القرار، في اختيار الوقت الذي تجده ملائمًا للعودة إليه والمكوث في بيت العائلة.


أفكاره كالعادة انحرفت عن مسارها، واحتلت هي في ثانية صفحة ذهنه بدلًا من أعماله الذي يقوم بها على حاسوبه، في دوام عمله بالشركة، وعندما وجد تركيزه قد تشتت بشكل تام عما يفعله، قرر أن يأخذ استراحة قليلة، تنهد مطولًا بتعب وهو يعود بجسده للخلف، مريحًا ظهره على مسند مقعده، أغمض عينيه لبرهة، مستحضرًا الهدوء من داخله، ولكن صخب أفكاره بها، أبت أن تجعل للسكينة مجالًا للاستقرار في نفسه، وحتى يسكت أصوات رأسه ولو بقدر بسيط قرر مهاتفتها، علّه بكلمة لينة يستميل قلبها، ويحصل على مراده، وينتهي اشتباك الأفكار الدائر في رأسه.


في بداية المكالمة كان الكلام المتبادل فيما بينهما روتينيًا، حتى عم الصمت بينهما بعد بضعة عبارات عادية، وظل لا يجد أي منهما ما يُقال ليفتح به حديث مع الآخر، حتى طرأ برأس "عاصم" أمر طفليه، الذي لم يستمع صوتهما كالعادة عندما يهاتفها، وهذا ما تسائل عنه ليكسر حاجز الصمت، مرددًا:


-مش سامع صوت الولاد، انتي مش قاعدة معاهم ولا إيه؟ 


ردت عليه بصوت هادئ رخيم:


-الولاد الناني نيمتهم، وأنا روحت أوضتي ارتاح شوية.


بعد تنهيدة منهكة علق على ما قالته بكلمات موحية:


-أنا كمان نفسي ارتاح أوي يا داليا.


قصده لم يكن من الصعب عليها فهمه، فهي باتت تيقن أن سبب عناءه هو هجرها له، ولكنها ما تزال متذبذبة حيال اتخاذ قرار، ولهذا آثرت الصمت، حتى استشف "عاصم" تخبطها وعدوم إيجادها رد، وليزيل ذلك التخبط عنها سألها بمشاكسة:


-انتي نمتي ولا إيه؟


 أخبرته بنبفس النبرة الهادئة:


-أنا نايمة على السرير آه، بس صاحية، معاك يعني.


سألها باستشفاف:


-كنتي هتنامي قبل ما اكلمك؟


همهمت بتأكيد، وفي نفس اللحظة طرأ أمر في رأسه، وسبق وقد أخبرته به في بداية علاقتهما، جعله يبتسم قبل أن يسألها:


-لسه بتفكري فيا قبل ماتنامي زي زمان؟


سألته بدهشة بصوت يوحي بتسمها:


-انت لسه فاكر؟


أجابها مؤكدًا:


-أيوه فاكر..


سحب نفسًا مليء بالعاطفة، زفره بهدوء قبل أن يكمل بصدق:


-مانا بصراحة اكتشفت إني عمري مانسيت أي حاجة قلتيها أو عملتيها معايا.


بتردد التمسه في صوتها قالت له:


-هو أنا.. فعلا كنت بفكر فيك.


اقتنص فرصة اعترافها وطلب منها بصوت محمل بالشوق:


-طب ما طالما بتفكري فيا وشاغل تفكيرك كده، ماترجعي بيتنا بقى، وانا اوعدك إني هابقى قدامك ومعاكي وفي حضنك، ومش هيخليكي تتعبي نفسك في التفكير في أي حاجة.


أخبرته بصوت آسف مشوب بالتخبط:


-أنا لسه محتاجة وقت يا عاصم، خصوصا بعد كل اللي حصل الفترة الأخيرة.


لم يكن ينتظر تلك الإجابة، خاصة مع تفاعلها الأخيرة، واسنجامها معه، وبتفاجؤ طغى على قسمات وجهه صوته سألها:


-لسه محتاجة وقت؟ حتى بعد ما بقيتي متأكدة من حبي ليكي وإن انا مش قادر ولا هقدر استغنى عنك؟


توترت أنفاسها النافذة عبر الهاتف، ووضحت له وحهة نظرها:


-ماهو أنا اكتشفت إن الحب مش أهم حاجة، وإن لازم يكون قبل الحب فيه تفاهم واحترام وأمان..


ضاعف ما قالته من دهشته، واقتبس مما قالته متسائلًا:


-أمان! انتي مش حاسة معايا بالأمان؟


ازداد صوتها تخبطًا وهي ترد عليه:


-أنا مبقتش عارفة ولا فاهمة نفسي يا عاصم، أنا فعلًا مبطمنش غير معاك، بس في نفس الوقت مبقتش حاسة بالأمان ناحية علاقتنا، شوية مشاكل بتغير مسار حياتنا في لحظة، وأنا بقيت بستجيب للمشاكل تقريبًا اكتر منك.


صمت للحظة تسحب أنفاسها، ثم أكملت بنفس النبرة المشوشة:


-انت ممكن متفهمنيش، ومتحسش بالتشتت اللي أنا فيه، بس بجد انا محتاجة أثق فيك عشان ابقى متطمنة لحياتي معاك، وعشان كده عايزه وقت، عشان على الأقل مارجعلكش وانا مترددة، أو مش مستقرة نفسيا.


لم يعترض على تفكيرها، لاقتناعه بأسبابها، بالرغم من تعارضه مع رغباته، ولكن كل ما عبأ به حقًا بين كل ذلك هو أمر واحد، ولن يرجئ الاستفسار عنه، وبعدما سكت لبرهة، أردف بجدية:


-داليا سؤال ومحتاج رد عليه.


سحب نفسًا عميقًا، وزفره وهو مغمض العينين، خوفًا من أن يصدمه ردها، ثم سألها بتعبيرات بائسة:


-انتي لسه بتحبني ولا..


قبل ان يتم سؤالها، أجابته بصوت يحمل مزيج من العشق والشجن:


-لسه بحبك..


قبل أن تظهر معالم الفرح على وجهه من ردها، عاجلته بقولها:


-بس صدقني الحب ده في علاقتنا معادش كفاية.


بالرغم من انتقاص فرحته، ولكن اطمئنانه حيال حقيقة مشاعرها نحوه، بعد كل ما مضى في علاقتهما المُدمرة، جعل الأمل يعود بداخله من جديد، وأخبرها برضاءٍ:


-بالنسبالي كفاية.


وحتى لا تفسر مكالمته على أنها ضغطًا منه، ليؤثر على قرارها، استطرد:


-أنا مش هضغط عليكي، خدي كل الوقت اللي عايزه، بس المهم إنك في الآخر ترجعيلي.


لم يجد منها ردًا، ليعلم أن الحديث توتر بينهما ثانية، ولهذا قرر أن ينتقل إلى حوار آخر، زفر نفسًا متعبًا، ورغم الأسى المرسوم على وجهه، حاول أن يضفي جانبًا مرحًا على صوته وهو يسألها:


-مقلتليش بقى كنتي بتفكري في إيه؟


فشل مسعاه في جعلها تعدل عن قرارها القاسي تلك المرة، ولكنه لم يفشل في استعادة رنة ضحكاتها، وشغفها للتحدث إليه، حتى أصبحت هي من تفتتح الأحاديث في تلك المكالمة، وتطيل فيها وتستفيض، وهذا ما اعتبره –مجازًا- انتصارًا، حتى وإن كان ضئيلًا.



❈-❈-❈


خيم الصمت عليهما، خلال تناولهما لوجبة العشاء، ما يزال لا يتشارك معها أي حديث، وإن خاطبته هي يقتضب في ردوده، ذلك الفتور الخانق، الذي حط على علاقتهما، جعلها فاقدة لرونقها، وتفردها، حتى أصبحت "رفيف" تؤنب نفسها طوال الوقت، كونها هي المتسببة في اهتزاز أعمدة زواجهما، وجعل معاملة زوجها تتغير لتلك الدرجة المخيفة والمقلقة. في تلك الأثناء كان يختلس النظرات لها بين الفنية والأخرى، ملاحظًا شرودها، وعلامات الحزن البادية على وجهها، مما جعله يود أن يرفع السياج الفاصل بينهما، ليعيد النضارة والبهجة لوجهها. أطال النظر بها، وهو يلوك الطعام ببطء شديد، فقد أضناه الشوق لها، حتى بات يشعر أنه ينتقم من نفسه بذلك البُعد المرهق، وليس منها هي. أمسكت بعينيه خلال ذلك وهي مثبتة على وجهه، وهذا ما جعله ينتبه إلى نفسه، وحمحم وهو يحول نظره لطعامه، وسألها بهدوء وهو يعبث به:


-مجيتيش الشركة النهارده ليه؟


رد عليه بنفس النبرة المستخدمة ببنهما مؤخرًا:


-كنت تعبانة شوية..


رفع عينيه لها، يناظرها بتفحص، حينها تابعت مبلغة إياه:


-وبصراحة يعني أنا قررت آخد أجازة الفترة الجاية.


عقد حاجبيه ببعض الغرابة، ومط شفتيه بحركة بسيطة قبل أن يعلق:


-أجازة؟ غريبة يعني! انتي مش بتملي من قاعدة البيت؟


تركت الملعقة من يدها، دلالة على إنتهائها من تناول الطعام، وقالت له ببعض الغموض:


-ماهو أنا مش هقعد في البيت.


تفاقمت عقدة حاحبيه وهو يسألها باستغراب:


-امال هتقعدي فين؟ 


تطرق شك في رأسه وما لبث أن أفصح عنه بلهجة تهكمية:


-أوعي تكوني نويتي تقضي الأجازة دي مع صاحبتك عشان تفكي عنها شوية.


انفرجت شفتاها ببسمة طفيفة، وبدون أن تعطي له الجواب، وضعت يدها بداخل جيب سترة ثوبها البيتي، وأخرجت ورقتين مطويتين، ثم مدت يدها له بهما، أخذهما منها وهو يتساءل قبل أن ينظر بداخلهما:


-إيه ده؟


أخبرته ببعض الحماس الذي لاح بغتة على نظراتها:


-شوف بنفسك.


عندما تفحصهما، وجدهما تذكرتي طيران لرحلة لأحد البلدان الأوروبية، لم يظهر أي تغيير لتعبيرات وجهه، وتركهما أمامه على الطاولة، ثم أردف برفض ظاهري:


-مين قالك بقى إني عايزه اسافر؟


خبا حماسها على الفور من جموده، ولكنها كانت تتوقع مثل ذلك الرد، ولهذا حاولت إقناعه بقولها المرتب له مسبقًا:


-احنا بقالنا كتير اوي مفصلناش من جو الشغل، ده غير إن احنا محتاجين نرجع نقرب من بعض، الفترة اللي فاتت بعدنا اوي، ولا انت حابب نفضل كده؟


سألته بالأخير بأعين مترقبة، حينها سأله بنظرات لائمة:


-انتي شايفة اني حابب؟


ردت عليه بوجه بائس:


-انا شايفة إنك زعلان مني..


وبصوت اهتز قليلًا أضافت:


-وانا بحاول اصلح غلطي عشان ترجع تحبني تاني.


فغر عينيه بصدمة من قولها، وهتف بلهجة مستنكرة:


-انتي مجنونة؟ انتي فاكرة اني مبقتش احبك؟


ردت عليه بصوتها المملوء بالشجن:


-مش مهم انا شايفة ايه، المهم انت حاسس إيه؟


احتقنت نظراته وقال لها قبل أن ينهض عن مقعده باستياء حانق:


-حاسس إنك غبية ومبتفهميش، وانا تعبت معاكي يا رفيف.


أدمعت عيناها وهي تتابع نهوضه المنفعل، نفخ بضيق ما إن لاحظ تلك الدموع العالقة بطرفيها، وبغير تفكير سحبها من يدها، مجتذبًا إياها لأحضانه، حينها أطلقت صراح دموعها، مما جعل قلبه يرق، وقال لها بصوت ضعف إثرًا لبكائها:


-مش قلتلك بتستغلي دموعك عشان تأثري عليا..


عندما وجد بكائها هدأ، وجسدها استكان، تابع بنبرة اكتسبت طابعًا مرحًا:


-خلي بالك ده ابتزاز عاطفي ده.


صدرت منها ضحكة خافتة ممزوجة ببحة البكاء، جعلته يفصل العناق، وحاوط وجهها بكفيه، مجففًا وجنتيها، ثم قال لها بحنان:


-بطلي هبل يا رفيف، أنا مش فاهم ازاي اصلا التفكير ده ييجي في دماغك! 


رفعت حدقتيها –اللامعة من أثر الدموع- له، وهو يتابع بنفس النبرة اللينة:


-وانا يعني لو مش بحبك هزعل ليه منك على اللي حصل الفترة اللي فاتت؟ ما كان وقتها مش هيفرق معايا بعدك من قربك.


علقت بصوت مرتجف مثخن بالوجع:


-بس دي أول مرة تاخد موقف مني صعب بالشكل ده.


مسح عبرة أخرى انهمرت من إحدى عينيها، وعقب بعتاب:


-عشان دي أول مرة تهمليني وتتجاهليني بالشكل ده.


أخبرته بصوت نادم:


-وانا اتأسفتلك.


هز رأسه بالسلب وهو يقول:


-مكانش ده اللي مستنيه.


تساءلت بعينين حائرتين:


-امال إيه اللي مستنيه؟


بإحدى يديه أعاد خصلاتها للخلف وهو يجيبها:


-تثبتيلي إن زعلي فارق معاكي اكتر من كده.


بنفس النظرات المهتمة سألته:


-إزاي؟


رد عليها ببعض الغموض المتعمد:


-تفكري في حاجة تخلينا نقرب تاني من بعض، وتخليني انسى زعلي منك.


تعقدت ملامحها وسألته بصوت عاد إلى نبرته العادية:


-حاجة زي إيه؟


افترت شفتاه عن بسمة عابثة وهو يجيبها بتوضيح:


-زي موضوع السفرية اللي رتبتيله مثلا.


توسعت عيناها وهي تسأله ببوادر سعادة اعتلت وجهها:


-يعني موافق إننا نسافر؟


مسح فوق كتفيها وهو يرد عليها بحنوٍ بالغ:


-أكيد مش هيهون عليا زعلك يا رفيف.


اغرورقت عيناه بالدموع ثانية وأخبرته بتأثر:


-وانا كمان مش هاين عليا زعلك يا جاسم، عشان خاطري..


قاطع محاولتها في طلب العفو، مرددًا برفق: 


-انسي خلاص مبقتش زعلان، كفاية بقى عياط.


تشكلت بسمة على وجهها الباكي، الذي عادت له إشراقته، وباشتياق شديد احتضنته وهي تهمس بعاطفة:


-بحبك والله أنا آسفة متزعلش مني.


أطبق بقوة على جسدها بذراعيها، ملصقًا إياها به بشدة، كأنه من كثرة اشتياقه لها، يود وشمها به، وأخبرها هو الآخر بنبرة لا تقل عشقًا عنها:


-أنا كمان بحبك اوي..


مسح بيده فوق شعرها وهو يتابع معتذرًا:


-ومتزعليش انتي كمان مني، أنا فعلا كنت صعب في زعلي المرادي، حقك عليا.



❈-❈-❈



في الحديقة المتسعة الخاصة بفِلّة "عاصم"، كان يركض "عز الدين" خلف ابنه، في مشهد مبهج تملؤه الضحكات الطفولية، ظل لبعض الوقت يتظاهر بعدم قدرته على الإمساك به، حتى شعر بإرهاق الصغير من الركض، فانحنى نحوه وحمله بين ذراعيه، يرفعه في الهواء، وعندما يسقط بين يديه يكرر الفعلة، حتى انتبه إلى أخيه الجالس بالجوار، والوجوم متشعب بوجهه، حينئذ قرب الطفل منه، قبل وجنته، ثم أنزله وأشار له نحو والدته، ليتوجه نحوها، وبعدما نفذ الصغير أمره، ذهب هو نحو أخيه، ليرى ما به، وما إن جلس بجانبه، على المقعد الخشبي الكبير، حتى تكلم "عاصم" بلهجة مستشاطة، وهو ينظر إلى شاشة هاتفه بكراهية بائنة:


-كتب كتاب الـ... النهارده.


استنبط المقصود من عبارته، لذا لم يستفسر عن هويته، ومد يده نحو هاتفه وهو يقول له:


-وريني كده.


أعطاه الهاتف والغل المكبوت بداخله يقوده إلى الذهاب لخنقه، وبعد مضي عدة لحظات، من تفحص الآخر للصورة الظاهرة على شاشة الهاتف، والتي توضح وجود مشاعر متبادلة بين الاثنين، وقتئذ مط فمه باستغراب، ثم قال:


-غريبة، واضح أنه بيحبها.


لم يعبأ "عاصم" بقوله، وهدر بسخط مليء شديد:


-يعكرلي دمي ابن الـ...، ويفرح هو ويتبسط.


في ذلك الوقت كان "عز الدين" ما يزال منشغلًا بالتفكير في السبب الوجيه الذي دفع الآخر لخيانة خطيبته، طالما يحبها كما هو مترائيًا له، وعندما لم يجد سببًا منطقيًا من وجهة نظره العقلانية، أردف بحيرة:


-أنا مش فاهم برضه طالما بيحبها كده ليه يبص لواحدة غيرها؟


أجابه بنظرات يندلع منهما العداء:


-عشان خاطر توفيق، بيرضي الـ... حماه.


انتبابته حالة من التفاجؤ، وعدم الاستيعلي لتشجيعه على خيانة ابنته، وبصوت مدهوش علق:


-بس دي بنته، معقول بيجرأ خطيبها إنه يبص لغيرها!


ملأ وجهه النفور وهو يعقب على ما قاله:


-وهو ده يفرق معاه بنته ولا امه، ده كل اللي فارق معاه مركزه اللي بناه على حساب أرواح الناس وصحتهم.


ردد "عز الدين" بجزع:


-لا حول ولا قوة إلا بالله..


ثم ما لبث أن أضاف بضيق:


-طب مش يتقي ربنا في شرف غيره عشان ربنا يحفظله شرفه.


واصل التنفس بوتيرة تظهر غضبه، ولكن للحظة انحبس النفس في رئتيه، وجحظت عيناه مما طرأ برأسه من عبارة أخيه التلقائية، وعلى الفور حول حدقتيه، بنظرات غامضة نحو الآخر، وقال له بنبرة مشوبة بالخبث:


-تصدق يالا يا عز انت جيبتلي فكرة جهنمية من اللي قلته من غير ما تحس.


تعجب من الغموض المثير للريبة في قوله، ولكن أكثر ما استرعى انتباهه قد اقتبسه مما قاله، وردده بلهجة مستنكرة:


-يالا يا عز؟


بحماس غريب قال له:


-سيبك من ده دلوقتي، واسمع بس اللي جه في دماغي.


ثبت "عز الدين" بصره عليه، وأنصت باهتمام إلى ما يسترسله، وعندما أتم "عاصم" مخابرته بفكرته المستوحاة من كلماته النزقة، هتف بغير رضاء:


-حرام يا عاصم.


اعترت عيناه تعبيرات قاسية وهو يعلق بغير تهاون:


-ومش حرام اللي كان هيعمله في داليا؟


توترت حدقتيه للحظة من عدم إيجاده لرد مقنع يرجعه عمَ برأسه، مردفًا:


-ايوه بس..


بعزيمة مليئة بالعدائية، قاطعه قائلًا:


-مبسش يا عز، حقي مش هييجي غير كده.


زفر نفسًا مزعوجًا، فتصميم أخيه يوحي له بعدم عدوله عمَ خطط له لتوه، ولم يكن في وسعه غير أن يخبره بتنبيه:


-احنا عندنا ولايا يا عاصم وعايزين ربنا يمشيها معانا بالستر.


عاد بظهره للخلف، مسترخيًا في جلسته، وانشق ثغره ببسمة ماكرة قبل أن يتشدق مطمئنًا إياه بلهجة لا تبشر بالخير:


-متقلقش، هي لوية دراع مش اكتر.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شيماء مجدي من رواية مشاعر مهشمة الجزءالثاني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية