رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 12
قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية روضتني 2
(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)
طمس الهوية
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الثاني عشر
ابتسم وهو يشعر بغصة تؤلمه فهو حقا قد أضاع عمره بالكد والعمل من أجل أن يصبح ما هو عليه الآن، ولكنه شعر أنه دفع ثمنا باهظا من راحة باله وإطمئنانه على من يحب من أجل توفير تلك الحياة الآمنة التي هو بعيد كل البعد عنها.
❈-❈-❈
ظل فارس وياسمين برفقتهما يمزحان ويثرثران حتى مر وقت لا بأس به وجاء كل من ساجد وشيرين لزيارة چنى وتهنئتها واكتملت العائلة بحضور مراد وميار وساهر وفريدة وحتى يزن ووالدته وأخيه.
هز فارس رأسه وهو يؤكد:
-منا مش فاهم إصرارك على الجوازه دي وأنت شايف الوضع عامل ازاي، روحت اختارت اكتر واحده مشكوك في نواياها ومشاعرها ومش فاهم مالك يا زين مهزوز كده ليه؟
استيقظت وهي تنوي انهاء هذا الأمر اليوم فارتدت ملابسها وتحركت صوب وجهتها.
لم تعقب حنان عليها حتى لا تدخل بنقاش قد تخرج منه خاسرة فمهما كانت مكانتها عند صاحب البيت إلا أنها تعلم أنها الآن تقف أمام والدته ليس مجرد فرد عادي قد يمر معه الحديث دون مشاكل.
وقف أمامها ينظر لها بحقد وكره دفين لا يعلم إن كان سيحاسب عليه من رب العالمين أم لا، ولكنه حقا لا يشعر تجاهها سوى بتلك المشاعر وتلك الغصة التي تضرب قلبه بسببها
التفت لزوجته التي تحمل صغيرتها وأمرها بغلظة لم تستاء هي منها لعلمها ما يخفيه داخل صدره:
-خدي الولاد واطلعي فوق.
انحنت تمسك راحة الصغير جاسر وتحركت بخطوات بطيئة تماشيا مع خطواته الطفولية فنفذ صبره وهو ينتظرها فصاح بصوت عال:
-سنيه.
هرعت الخادمة نحوه فحرك رأسه وهو يصر على أسنانه وبلمعة عين غريبة أمرها بحركة رأسه:
-ساعدي الهانم.
أسرعت تحمل الصغير وصعدت معها للطابق العلوي وتحركت حنان تستند على الأثاث حتى دلفت غرفتها؛ فرمق فارس والدته بحدة وتكلم بصوت غليظ:
-خير؟ وياريت بسرعة لأني مستعجل.
بسمتها السمجة والمرسومة على وجهها جعلته يتنفس بغضب وهو يستمع لها تقول:
-تعالى نتكلم فـ المكتب أحسن.
تحركت قبله فتبعها ودلفا للمكتب وفور أن أغلق الباب هدر بها بحدة:
-خلصي يا فريدة هانم، عايزة ايه؟
أجابته وهي تجلس على الأريكة:
-اقعد بس لأن الموضوع يطول شرحه.
صاح بها فورا وهو يرمقها بنظراته الحادة وبصوت خشن:
-انا لسه قايلك على فكره إني مشغول، اتفضلي يا فريدة هانم روحي وأنا لما افضى هبقى اعدي عليكي.
هم بالتحرك صوب الباب فهتفت:
-انت رايح الحج صحيح؟
التفت ينظر لها بعدم تصديق وضحك وهو يسألها ساخرا:
-آه، عند حضرتك مانع؟
حركت كتفيها وهي تنفي:
-لأ طبعا ربنا يتقبل، هو الحج فرض ربنا مفيش كلام ويا ترى بتعمل كل اللي ربنا قالك عليه برده ولا هو الحج عشان المظاهر الكدابة وبس؟
حطم فكيه من ضغطه عليهما وقبل أن يرد عليها أكملت:
-أصل ربنا قال "ولا تقل لهما أوف" وأنت ماشاء الله عليك مش بس بتقولي اوف ده فاضل شويه وتضربني.
مسح وجهه حتى يتمالك غضبه وجلس على المقعد المجاور لها وتنفس بعمق ليتحكم بعصبيته وسألها بهدوء لحظي:
-خير يا فريده هانم! عايزة تتكلمي في ايه؟
رققت صوتها وهي تحدثه:
-أنت ابني الكبير يا فارس، مهما عملت ابني وعمرك ما هتقدر تنكر ده حتى لو بطلت تقولي ماما زي ما بتعمل كده.
رد محاولا كبت ما يشعر به:
-أكيد مش جاية بعد كل السنين دي تتكلمي في ده، وأكيد وأنا بالسن ده مش هبدأ أقولك ماما فلو سمحتي للمره العاشرة بقولك عايزه تتكلمي في ايه عشان مشغول.
اقتربت منه ووضعت راحتها على كفه المسند على المقعد فسحبها بنفور واستمع لها تقول:
-أنا عايزة اصفي الخلافات والمشاكل اللي بينا يا فارس، أنا مش هعيش اد ما عشت وعايزه اقضي الوقت الباقي ليا وسط ولادي.
لم يتحدث وتركها تخرج ما في جعبتها فأضافت:
-عارفه انك مش قادر تشيل من بالك اللي حصل زمان وقت موت ماهر الله يرحمه، بس انت لازم تعرف وتفهم عشان تلتمسلي العذر و...
قاطعها بعد أن وقف رافضا حديثها:
-ألتمسلك العذر على ايه ولا ايه يا فريدة هانم؟ لو هو ده الموضوع اللي جايه تكلميني عنه فأنا مش مهتم اسمعه
وقفت هي الأخرى تمسكه من راحته وأجلسته عنوة وهي تكمل:
-اسمعني بس، مش هتخسر حاجه لو وفرتلي ساعه من وقتك وبعدها براحتك تعمل اللي انت عايزه.
نهج بأنفاسه وصر على أسنانه وهو يستمع لها تقول:
-جوازي من ماهر مكانش جواز بالمعنى المعروف، كان حاجه كده زي جوازتك من ياسمين في الأول، عافيه.. بالدراع.. بس الفرق أنه كمان من غير حب.
أراد أن يعقب عليها بما قالته داخل نفسه:
-وده يديكي الحق بمخالفة ربنا؟ ده انا كل حاجه غلط في حياتي عملتها بسببك.
استمع لها تكمل اطنابها:
-أنا ومدحت كنا بنحب بعض ومتفقين ع الجواز وماهر كان عارف، ده كان ساعات هو اللي بيداري علينا عشان نخرج سوا وفجأه كل ده اتغير اول ما مدحت دخل الجيش، ماهر وقتها اتغيرت معاملته معايا ومفهمتش السبب واتفاجئت إن جدك وبابا الله يرحمه اتفقوا على جوازنا.
بكت وهي تنظر له وتكمل قصها لماضيها:
-روحت لماهر واترجيته انه يعمل حاجه لأن بابا كان صعب جدا، كان شبهك كده لما يحط حاجه في دماغه مستحيل حد يقدر يخليه يغير رأيه، انت طالع لجدك بس مش جدك أبو أبوك انت طالع لبابا الله يرحمه.
ظل صامتا يستمع لها علها تنهي تلك القصة الغير شيقة وهو بنيته أن يرد على كل حرف مما قالته:
-عارف رد فعل ماهر كان ايه؟ قالي اعتبريها جواز صالونات وطالما بابا وباباكي اتفقوا على الجواز يبقى اقبلي زي ما انا هقبل.
بكت وانهارت وكأنها شابة صغيرة كُسر قلبها بريعان شبابها واسترجعت ماضيها تضيف:
-متخيلتش إن ده يكون رد فعله وأنا بقوله انا بحب مدحت، بحب اخوك إزاي عايزني اتجوزك وليه بسرعة كده قبل حتى ما ينزل اجازه ويلحق يتصرف بس ماهر مهتمش، ولحد اليوم ده انا كنت بعتبر ماهر اخويا الكبير بس كرهته، كرهته اوي من اليوم ده وسبته ومشيت.
بلل شفتيه وظل صامتا يرمقها بنظراته الحادة وهو يعقب بداخل نفسه:
-كل ده سمعته قبل كده من مدحت بيه، بس ده ميديكوش الحق في الخيانه وكسر شرع ربنا والأكتر في رمي ابنك عشان خاطر قلبك، انتي رمتيني يا ماما عشان خاطر مدحت.
ظل يرمقها وهي تمسح أنفها ووجها بالمحرمة الورقية ويتمتم بداخله:
-ماما، من وأنا عندي 8 سنين مقولتهاش ومش هعرف اقولها تاني.
أكلمت هي عندما وجدته صامتا وجامدا لا يوقفها أو حتى يعقب عليها:
-اتخطبنا وجدك صمم نكتب الكتاب وبعدها مدحت نزل اجازه وليك تتخيل كان وضعنا عامل ازاي، كان منهار وبيضرب دماغه في الحيطه وبيروح لماهر الشغل يبوس ايده انه يطلقني بس ماهر مرضاش بحجه انه مش عايز يزعل ابوه وهو تعبان.
ظل يزفر أنفاسه بفروغ صبر وهو يتسائل متى ستنتهي من ثرثرتها الغير مجدية وتدخل صلب الموضوع، ولكنها لم تصمت وظلت تقص عليه الأمر:
-فضل كده لحد ما أجازته خلصت ومكانش راضي يرجع الجيش لولا خاف يتسجن سجن عسكري وقالي لما يرجع الاجازة اللي جايه هيتصرف، بس جدك لقناه اتفق مع بابا على الفرح وتخيل لما يتعمل الفرح وليك اخ في الجيش مش الأصول برده تستناه عشان يحضر، لكن عشان كانوا عارفين هم بيعملوا ايه كويس...
قاطعها فارس اخيرا:
-انا عارف معظم القصة دي يا فريدة هانم، مش محتاج اسمع قصه سمعتها اكتر 30 سنه، قصه بسمعها من قبل ما بابا يموت وفضلت اسمعها لحد انهارده عن اد ايه بابا كان وحش وخطف حبيبة اخوه عشان ايه يا ترى؟ بابا عامل كده ليه؟ وجدودي الاتنين ساعدوه وصمموا على كده ليه؟
ابتلعت غصتها بداخلها وهي تجيبه:
-آه، جدك وبابا كانوا بيحبوا ماهر اكتر واحد زي ما الكل كانوا بيحبوه عشان ذكائه ودماغه، وده كان سبب كره مروان ومدحت ليه انه بيعرف يخلي اللي قدامه يتخدع فيه ويحبه، ماهر صمم يتجوزني عشان طلع بيحبني من زمان وكان ساكت عشان اخوه بس فـ الآخر طلع أناني وأخدني لنفسه ومهموش ابدا لا مشاعري ولا مشاعر اخوه.
قضم أسفل فمه وهتف بغضب:
-تمام، هو إنسان أناني وقرر ياخدك بالطريقة دي وجدي ساعده وده كان سبب كرهك ليه طول سنين جوازكم وده يمكن كنت متفهمه وعمري ما حاولت أحاسبك عليه، إنما اللي حصل بعد كده هو اللي مش مقبول وعمري لا هسامحك ولا هقبلك بسببه ولو فاكره إن بعد العمر ده كله ممكن أضعف وأراعي كبر سنك وأقول عفا الله عما سلف تبقى بتحلمي يا فريدة هانم ولو دي الحاجه الغلط في حياتي بعد ربنا ما هداني فأنا...
قاطعته وهي تقف بحدة:
-اسمعني للآخر، أنت واخد منى الموقف ده عشان اتجوزت مدحت قبل عدتي ما تخلص وأنت أصلا كان عندك 8 سنين ولا تفهم في عده ولا غيره، مراد هو اللي دخل الكلام ده في عقلك عشان تكرهني وتبقى معاه زي ما انت دلوقتي كده، يبقى هو وولاده نمره واحد عندك...
قاطعها ساخرا:
-الدكتور مراد عندي نمرة واحد مش عشان كده، عشان هو اللي رباني ووقف جنبي وكانت مراته ام ليا في غيابك.
التفت يوليها ظهره عاقدا ساعديه خلف ظهره وقال بجمود:
-الحوار ده لازمته ايه دلوقتي؟ أنا مش شايف موضوع مهم جايه تكلميني فيه زي ما قولتي فياريت تخلصي عشان أشوف شغلي.
التفت ووقفت أمامه ونظرت داخل حدقتيه بتركيز وهتفت:
-ماهر اتجوزني عشان غيرته من مدحت مش حب فيا، أنت لما حبيت ياسمين ولقيتها مش قبلاك طلقتها، طلقتها عشان بتحبها لكن ماهر محبنيش حتى لو قال العكس، عشان كده فضل عايش معايا بالرغم من كل حاجه حصلت بينا، بالرغم من أننا مكناش بنام في سرير واحد، بالرغم من اننا مكناش بناكل وجبه مع بعض، بالرغم من إننا مكانش في بينا أي حاجه تجمعنا غير ورقه، ورقه هي اللي بتقول اني مرات الراجل ده.
كلماتها رنت بداخل أذنه وعقله وهو يسترجع أحداث مرت ولم تمر من ذاكرته، ولت عليها السنوات ولم تستطع طمسها عن وجدانه ولكن كل ما جال بخاطره هو كيف استطاع والده العيش هكذا؟ مجرد زوج مثبت بالأوراق الرسمية فقط دون حقوق شرعية وهو ما فهمه الآن من حديثها بعدم وجود أي تواصل جسدي بينهما.
رد وهو يشعر بغصة تؤلمه من حديثها:
-بس ده ممنعش انك تخلفيني، وده يمكن السبب الوحيد اللي خلى بابا كمل معاكي وإلا أنا متأكد أنه كان طلقك بعد موت جدي لولا وجودي.
أخرجت ضحكة ساخرة وهي تؤكد حديثه:
-فعلا، وجودك هو اللي خلاه صمم ميطلقنيش، وجودك هو كان السبب الأساسي اني افضل على ذمته لحد ما مات عارف ليه؟
حدق بها بنفور وهي تتحدث بسخرية واستهزاء:
-لان وجودي ووجودك كان هو الضمان الوحيد أنه يفضل قدام الناس ماهر الفهد اللي محدش أده، ماهر الفهد رجل الأعمال اللي شق طريقه جوه الصخر وبقى صاحب المجموعة العالمية ومن بعد موت جدك ماهر بقى وحش كاسر، مش شايف حد ولا بيهتم بحد غير نفسه..
قاطعها بزئير مخيف:
-انتي جايه ترغي كل الرغي ده بس عشان تحاولي تهزي صورة ابويا قدامي أنه كان وكان وكان، مهما حاولتي تعملي أنا بابا عندي حاجه كبيرة اوي مش هتعرفي تخليني أكرهه.
اقتربت منه رافعه وجهها تنظر له بتحدِ وهتفت:
-فعلا أبوك حاجه كبيره اوي واستحمل كتير، وجه الوقت اللي تعرف فيه الحقيقة يا فارس وتعرف أبوك تعب أد ايه وانت مش مقدر ولا حاسس.
لم يفهم كيف كانت تذمه منذ لحظات والآن هل أصبحت تمدحه! ما هذا الهراء؟
-أنت وأبوك لازم تعرفوا الحقيقة بقى عشان أنا تعبت من كتر ما خبيتها.
جعد جبينه وهو يستمع لها تقول:
-ماهر الفهد كان عنده ضعف وملمسنيش من يوم ما اتجوزنا، بس انا مكنتش اعرف بضعفه إلا لما روحت قبل الفرح واعترفتله اني انا ومدحت غلطنا مع بعض ومينفعش اتجوزه بس هو مهتمتش وفكرت وقتها إنه مش مصدقني بس اللي حصل بعد الجواز انه مقربش مني ولا حاول ولا مره واحده.
ظل فارس يرمقها بنظراته النارية التي تخرج كسهام حادة جاهزة لاختراق رأسها الذي ينسج الأكاذيب وهي تقول:
-لما مدحت جه أجازة قولتله انه ملمسنيش فصمم اننا نكون لبعض مهما كان التمن وفعلا بعد وقت قصير اكتشفت اني حامل فيك وروحت اقول لماهر....
قاطعتها ضحكاته العالية والساخرة بصوته الأجش وصيحات عالية لم تستطع تحديد إن كانت ضحك أم بكاء وتكلم مستهزئا بما قالته:
-لاااااا متقوليش، أنا ابن مدحت صح؟ كل الرغي ده عشان توصليلي الكدبه دي!
حاولت الرد فصرخ بها بصوت حاد:
-أخرسي ولا كلمه زياده، أنتي فكراني غبي يا فريده هانم؟ انتي شكلك المسلسلات التركي أكلت دماغك...
قاطعته تؤكد حديثها:
-اللي بقوله هو الحقيقة، انت ابن مدحت، وماهر من يوم ما اتجوزته ولحد ما مات ملمسنيش يعني انا اعتبر مرات مدحت من لول لحظة وجوازي قبل العدة ده لاني مراته في الاساس، عايز تصدق صدق ولو مش عايز براحتك كده كده أنا كان لازم أقولك عشان تعبت من شيل السر ده لوحدي.
ضغط على أسنانه بعنف وأخبرها بحدة:
-مرضاش يطلقك وقولنا راجل هزؤ وديوث وقابل بالوساخه دي، ومخلكيش تقولي لمدحت عشان اي سبب اهبل هتألفيه، وكتب لي كل ثروته من كتر حبه فيا منا ابن اخوه برده.
ضحك عاليا وهو يضيف بحنق:
-ولما مات قلبك محنش عليا وبابا العزيز بيعاملني أوسخ معامله؟ بيضربني ويهيني ويحرمني من الاكل وفي الآخر اترميت في مدرسة داخلي...
قاطعته موضحة:
-ماهر لما عرف هددني إن لو حد عرف هيقتلني ويقتل مدحت ويقتلك ومش هياخد فينا يوم سجن لانها قضية شرف، وقالي لو سكت هنفضل عايشين اسره قدام الناس وبس، لكن لما مات عرفت من المحامي ان وصيته ليك ولو كنت اتكلمت كانت كل حاجه ضاعت، الورث والفلوس اللي تعبت زيي زيه وهو بيجمعها على قلبه وقولت لما تكبر شويه ومدحت يهدى من ناحيتك اعرفكم الحقيقة بس العداوة والكره بينكم فضل يزيد ومعرفتش اتكلم، اختارت اني اسكت وخلاص بس مش قادره اخبي أكتر من كده.
تلك النيران التي تخرج من عينيه تستطيع إحراق الأرض وما عليها، ولكنه تمالك نفسه وقال بصوت هادئ:
-مهما قولتي مش مصدقك، حاولي تدوري على كدبه تانيه يمكن تنجحي
أصرت على حديثها وهي تصيح بحدة:
-أنت ابن مدحت يا فارس مهما حاولت تنكر ده مسيرك تتأكد، أنت ابن مدحت.
صفعها بضراوة فارتمت على الأرض ولم يعيرها اهتمامه وهو يصرخ بها:
-اطلعي برا حياتي بقى
انحنى ممسكا ذراعها بقسوة واوقفها عنوة وخرج وهو يجرها جرا غير عابئ بسنها ولا بماهيتها وفتح باب المكتب واتبعه بسحلها وهي تكاد تسقط في محاولة منها للحاق به وفتح باب فيلته وألقى بها بقوة فسقطت على مقدمة الدرج الرخامي وتأوهت ألما كل هذا تحت نظرات ياسمين التي راقبت ما حدث بذهول وتجمع الخدم بالنوافذ يشاهدون ما يحدث بتعجب
انحنى مقربا وجهه لها وهددها ناظرا لها بشرر مريب:
-لو شوفتك ولا لمحتك في أي مكان ولو صدفه، هقتلك يا فريدة، فاهمة؟
استدعى حراسه الذين يقفون على مقربة من بوابة المنزل الداخلية وأمرهم:
-طلعوها بره ومتدخلش هنا تاني، مفهوووم؟
❈-❈-❈
دلف مكتبه وبدأ بالصياح وتكسير كل ما حوله بنوبة عصبية حادة لم تمر عليه من قبل، نزلت ياسمين الدرج بعد أن أولت رعاية صغيريها للمربية وعندما اقتربت من باب المكتب تنوي الدخول وقفت لها حنان تمنعها:
-سبيه يا بنتي.
رفضت وهي تشعر بالقلق الشديد مما تستمع له يحصل بالداخل:
-اسيبه في الحالة دي ازاي يا داده بس؟
أمسكتها من ساعدها وسحبتها معها وهي تؤكد:
-سبيه يا ياسمين، بلاش تبقى انتي اللي تبقي قدامه دلوقتي، أنتي عارفه وهو بالحالة دي ممكن يتصرف غلط ويأذيكي.
ظلت واقفة تستمع لها ولكنها لم تستطع موافقتها عندما سمعت صيحة ألم من نبض قلبها ففتحت الباب على الفور ودلفت مسرعة ناحيته وهو يلقي بكل ما تطاله يده بعنف فانكسر زجاج الشرفة التي تطل على الحديقة الداخلية وانكسر معها الأثاث الموجود بالغرفة.
أمسكت يده وهو يلقي بحاسوبه المحمول ومنعته من تكسيره فالتفت لها وحش ضاري بعيون محتقنة حمراء ومخيفة، وأنف ملتهب وأسنان مصطكة شرسة.
فور أن رآها نهج بأنفاسه وظل على حالته وهي تنظر له ببكاء دون التفوه بأي كلمة، ولأول مرة تبتلع فضولها بداخلها وتواسيه فقط بالصمت والنظرات، انحنى يحتضنها فربتت عليه بحب وحنان ولم تنطق ببنت شفة وظلت على هذا الحال حتى هدأ.
ابتعد عن حضنها وتكلم وهو يحاول استرجاع أنفاسه الهاربة:
-أنا لازم أروح الشركه، بس خليكي انتي مع الولاد.
أومأت فخرج صاعدا جناحه وتبعته هي لتجده دلف المرحاض واستمعت لصوت المياه المنهمرة بالداخل فدخلت غرفة ملابسه واحضرت له بدلته وملابسه وخرجت تنتظره أن ينتهي من استحمامه، ولكنه ظل واقفا أسفل المياه يبكي وكأنه فقد عزيز بل فقد حياته وجل ما يجول بتفكيره هو كذبها وتضليلها له بهذا الشكل الغير مكترث لأمره ولماذا تفعل هذا الشيء؟
خرج بعد أن أمضى وقتا طويلا تحت المياه فوجد ياسمين بانتظاره تساعده بارتداء ملابسه حتى انتهى منها وخرج من منزله قاصدا الشركة وهو على حاله الصامت مما لاحظه حارسه وسائقه بالطبع.
انتهى اليوم انشغل فارس بالأعمال لدرجة لم تجعله يجد الوقت حتى ليفكر بحديثها أو أن يبحث عن صحته من كذبه، فتح زين الباب الخلفي للسيارة حتى يركب رب عمله وقبل أن يحني فارس رأسه لتفادى حافة السيارة استمع لصوت زين:
-باشا!
ركب ولم ينتظره فزم زين شفتيه وهو يتوقع تأجيل آخر لوعده له فركب هو الآخر بالأمام بجوار السائق ولكنه تفاجئ بفارس يخبره:
-ميعادانا معاهم انهارده زي ما وعدتك يا زين متقلقش.
ابتسم وهو يلتفت لرب عمله ممتنا وأمر السائق:
-اطلع يلا.
وصل فيلته وصعد لجناحه فلم يجدها فعاد لدخول غرفة صغيريه فوجدها تجلس برفقتهما تداعبهما بمرح وحب فابتسم واقترب منهما عندما لم تنتبه هي لمجيئه فاتسعت بسمتها له معقبة:
-حبيبي، جيبت امتى؟
اجابها مقبلا وجنتها:
-لسه حالا، بس نازل تاني.
رمقته بنظرة حائرة فقرص وجنتها وهو يقول:
-شكلك نسيتي مشوار انهارده بتاع زين ودعاء.
ضحكت ووقفت بلهفة بعد أن تأكدت أنه لن يقم بإلغاء الزيارة بسبب أحداث الصباح وحمدت ربها أنها لم تخبر عائلتها باحتمالية الإلغاء، تعلقت بعنقه تقبله بفرحه فقال ساخرا:
-اللي يشوف فرحتك يقول خطوبتك انتي.
علقت عليه بمزاح:
-فشررر، ده مين ده اللي يملى عيني وأنا متجوزة أعظم راجل في الدنيا بحالها.
مسح على ظهرها متمتما:
-العظمة لله وحده، يلا طيب نغير هدومنا عشان منتأخرش على عيلتك.
ذهبا للجناح وفور ارتدائهما سألها بحيرة:
-تعرفي مين هيكون هناك؟
أومأت تخبره:
-جدي وعمي محمود وعمي أحمد طبعا.
سألها مبتسما بسخرية:
-مدام هدى لأ؟
غمز لها ضاحكا فخللت أصابعها بلحيته تداعبه:
-لأ، دي قاعدة رجاله بس نرمو جايه عشان تقعد معايا.
أومأ برأسه وتحركا للخارج فوجد زين وقد تأنق مرتديا بدلة لاقت له كثيرا وهذب لحيته وشعره وتعطر لدرجة زكم أنف فارس وهو يحتضنه ويباركه فمزح معه:
-ايه يا بني انت ناوي تموتنا مخنوقين بالبرفان ده.
أطرق زين رأسه حرجا فابتسم فارس وهو يراه يفتح له الباب باحترام ولكنه أوقفه قائلا:
-انت عريس انهاردة، روح سوق عربية ياسمين وابعت امجد يركب معانا.
فعل أمره ووصلوا جميعا لمنزل عم ياسمين فاستقبلهم الجميع بالزغاريد الفرحة وفور دخول فارس للمنزل استقبله الجد يحتضنه مرحبا به:
-أهلا يا بني، منور والله
رد باحترام:
-ده نورك يا حاج.
اقترب زين من الجد وانحنى مقبلا راحته المجعدة فابتسم له الأخير مربتا على ظهره.
جلس الجميع بالبهو وحتى الآن لم يظهر شادي ولا العروس فشعرت ياسمين بالارتياح، وربما كان هذا أمر جدها الكهل الذي لن يوافق على إفساد اليوم على أحفاده.
هم فارس بالحديث وهو يقول باحترام:
-طيب يا حاج احنا جايين نطلب ايد حفيدتك دعاء لزين، قولت ايه؟
نظر السيد لابنه فأومأ أحمد موافقا فهتف السيد على الفور:
-احنا نتشرف يا بني، وأي حد من طرفك مش محتاجين نسأل عنه حتى.
شكره فارس فهو يعلم حب هذا الكهل له ولحفيدته التي هي زوجته، قال فارس بصوت عال:
-طيب نقرا الفاتحه يا جماعه.
وقبل أن يرفع الجميع أيديهم استمعوا لصوت شادي المعتذر:
-آسف ع التأخير يا جماعه بس كنت بجيب هدية للعريس.
نظر الجميع لدخوله المفاجئ وقبل أن يعترض السيد عليه وقف بالمنتصف وعينه تلمع بالشرر ممسكا ورقة بيده وهتف بصوت عال:
-ده حكم من المحكمة ببطلان الطلاق اللي أجبرتني عليه يا فارس باشا.
ابتسم بسمة صفراء واستمع لهمهمات الحاضرين وسؤال جده المتعجب:
-محكمة ايه وطلاق ايه يا بني؟
رد وهو يفتح الورقه موضحا ما بها:
-هو انتوا متعرفوش اني متجوز جنى اخته وهو أجبرني اني اطلقها، وده حكم بشهادة المأذون انه اجبرني على الطلاق وكسبت القضية ورديتها لعصمتي من تاني.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية