-->

رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 14

       قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 

 


رواية روضتني 2

(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)

طمس الهوية

للكاتبة أسماء المصري


الفصل الرابع عشر

❈-❈-❈

ظلت تهاتفها طوال طريق العودة دون رد منها؛ فبدأ القلق يتسرب إلى قلبها ونظرت لوالدها بالمرآة تستمع له وهو يُحدث والده:

-أنا مش فاهم يا بابا أنت رفضت ليه نروح لفارس دلوقتي؟

أجابه الجد:

-مش عايزين نزودها عليه يا بني، لو متعصب وروحناله دلوقتي ممكن يغلط والمشكله تكبر بينا وأنا شوفت أنه مش في حالته الطبيعية، المهم دلوقتي زي ما نبهت على أحمد ميعرفش حد خالص أنت كمان اوعى تحكي حاجه وبالذات لهدى.

أوما وهو مركز بصره بالطريق فتكلمت نرمين أخيراً:

-موبايل ياسمين مقفول من ساعة ما نزلت وحاولت أرن على فارس بس لقيته مقفول هو كمان وبدأت أقلق

التفت السيد ينظر لها بحيرة وهو يتضرع لله:

-يارب يعديها على خير، أنا مش عارف الواد شادي ده ايه اللي جننه كده؟ وحكاية جوازه من أخت فارس إزاي عدت عيلنا كلنا بالشكل ده؟

زفر محمود بغضب:

-هو شادي كان ايه اللي وصله للي هو فيه إلا من عمايل فارس معاه يا بابا، مش معنى اننا سامحنا يبقى خلاص ننسى اللي عمله فينا كلنا.

حرك السيد رأسه رافضا حديث ابنه ووضح:

-يا حبيبي ربنا بيقبل التوبه والعبد مش هيقبلها! ما الراجل ربنا هداه وبقى بيصلي وبيعرف ربنا ومش شايف غير مراته وولاده، ولا هنفضل ماسكين له غلطته الأولى؟

عقب على حديث نفسه مؤكدا:

-لو كل واحد فينا غلط يا محمود يا بني وفضلت الناس تفكره بغلطه وتعلق له المشنقه كان زمانا كلنا يا ماشيين غلط يا موتنا نفسنا من احساس الذنب، مين فينا مغلطتش واتمنى غلطته تتمحى من عقلنا؟

امتعض وجه محمود وهو يتذمر على حديث والده:

-مش كلنا عملنا كوارث زيه، ولو كل واحد غلط وقال آسف تبقى خلصت يبقى ايه لازمة الثواب والعقاب بقى؟

ضحك السيد على سذاجة حديث ابنه وحاول توضيح وجهة نظر ذلك الكهل الذي عاش وعاصر الكثير والكثير من المشاكل:

-البني آدم مننا بيتحدد حجم غلطه باللي حواليه، لكن توبته دي بتاعة ربنا هو اللي يقبلها أو يرفضها واحنا لينا المظهر الخارجي، ممكن تلاقي واحد زي شادي اهو ابننا ومتربي وسطنا وراح لعب على بنت صغيره وضحك عليها وهو بنفسه اللي حكى المؤامرة اللي عملها مع عم فارس اللي مات ده، وفي نفس الوقت ده بنلاقي واحد زي فارس غلط بأنه اتجوز بنتنا بالعافيه ولما فهم غلطته صلحها وطلقها ومرجعهاش إلا لما هي اللي كانت عيزاه ومن وقت ما تاب وهو ماشي كويس وزي الالف.

ارتخى بجسده على مقعد السيارة وأكمل حديثه:

-هنقول غلطته كبيره ومينفعش تتنسى ولازم في كل موقف نفكره بيها! يبقى بنعمل ايه غير اننا نصبنا نفسنا قضاه ولا جلادين نحكم وننفذ الحكم على الناس، الراجل من ساعه ما رد ياسمين وهو شايل كل كبيرة وصغيرة فـ العيلة من أصغر مشكلة لحد مشكلة نرمين اللي لسه مخلصها من كام يوم، كل ده ميشفعلوش عندنا يا محمود؟

صمت الأخير مستمعا لوالده وهو يضيف:

-فارس كان نموذج سيئ جدا من الرجاله واللي كنت بدعي ربنا كل يوم في صلاتي أنه يرحم ياسمين منه، بس دلوقتي انا شايف انسان يستحق فعلا المكانه اللي هو فيها وبالرغم من كل مشاكله الكبيرة دي عارف يحتوي مراته وولاده.

عقبت نرمين على حديث جدها:

-معاك حق يا جدو، بس هو مهما حاول يتحكم في نفسه ساعات عصبيته بتتحكم فيه ومش بيلاقي غير ياسمين قدامه فبيأذيها وعشان كده انا قلقانه دلوقتي.

زم الجد شفتيه معترضا:

-يا بنتي البيوت يامه بيكون فيها ولو وقفنا لكل مشكله حصلت بين المتجوزين هنلاقي العالم ده كله مطلق بعضه، البيوت ياما بيمر عليها ولازم يستحملوا بعض.

صاح محمود معترضا:

-بس مش على حساب نفسها يا بابا، عصبيته واللي أذاها بيها قبل كده اكتر من مره ممكن تتطور وتخسرنا بنتنا.

ضحك الجد وهو يؤكد:

-فارس هيأذي ياسمين لدرجة نخسرها يا محمود! فارس اللي عنده استعداد يموت عشانها، فارس اللي لما اتخطفت عيط بالدموع قدامنا كلنا وهو بيقولي كانت هتضيع مني؟ يا بني ده روحه فيها ومحدش أبداً بيأذي روحه.

التفت له وهو يضيف:

-اذتيه ليها كانت اد ايه يعني، اتعصب عليها كام مره في 3 سنين جواز وانا بقول 3 سنين لاني محسبتش الوقت اللي كان قبل طلاقهم، ولا هنفضل نحكم عليه من الفترة دي بس؟

لم يجد إجابة فأجاب هو:

-هو أنت مستحمل هدى ليه كل الوقت ده؟ ايه اللي مصبرك عليها تقدر تقولي؟

لمعت عينه وهو يسأله:

-هدى مشكلتها لسانها يا بابا ومش بتكون قصدها تأذي حد هي...

قاطعه والده:

-ده اللي أنت شايفه من وجهة نظرك عشان أنت بتحبها ومش شايف إن العيب ده ممكن يأذي جامد، ممكن يوصل حد نفسيته تعبانه لوضع وحش اوي وهتكون هي السبب فيه، أد ايه عانت منها ياسمين ومن معاملتها ليها بس أنت باقي عليها مش عشان العيال اللي بينكم لأنهم خلاص كبروا، انت باقي عليها عشان لسه فاكر هدى الحلوة واللي بتحبك واللي كانت شيلاني أنا وأمك الله يرحمها.

ابتسم محمود من حديث والده والآخر يكمل:

-فارس غلط وحاول يصلح غلطه وياسمين سامحت في حقها واحنا كمان سامحنا في حقنا، فدلوقتي بقى مش من حق أي حد فينا أنه يفتح الدفتر القديم ده والراجل مأصرش معانا وحاول يعضونا عن اللي عمله ووقف في ظهر كل واحد من العيلة من أول ياسين وحتى شادي.

ضرب كفا على كف وهو يضيف:

-بعد ما يضحك على اخته ويهددها يسفره يشتغل بره، تخيل يا أخي وتقولي اللي عمله فينا.

صمت محمود بعد أن وجد اقتناع والده التام بما يقوله ووقوفه بصف فارس منذ اليوم الأول فهو لم يخف عليه حبه ودعمه له من البداية، التفت يسأل نرمين:

-لسه مبتردش عليكي؟

أومأت مؤكدة:

-وموبايلها اتقفل كمان، إن شاء الله خير.

هتف يحثها:

-طب ما تتصلي على البيت ولو معاكي رقم الدادة بتاعته واطمني اذا في مشاكل عندهم ولا لأ؟

أشارت لوالدها مبتسمة:

-والله فكره.

هاتفت حنان التي ردت على الفور:

-ازيك يا بنتي؟

أجابتها نرمين:

-الحمد لله يا داده حضرتك عامله ايه؟

أجابتها وهي تحاول إخفاء نبرتها الباكية:

-نحمد ربنا يا بنتي.

سألتها على الفور دون مقدمات:

-هو فارس وياسمين وصلوا البيت؟

أومأت مؤكدة:

-ايوه يا بنتي وطلعوا جناحهم من شويه

حركت نرمين رأسها عدة مرات متسائلة:

-طيب متعرفيش إذا متخانقين؟

نفت هي الأخرى:

-معرفش والله ،بس مفيش صوت خالص منهم، هو فارس اللي كان جاي متعصب شويه مع مازن وواحد تاني معرفوش، هي ايه الحكاية يا بنتي؟

حاولت إخفاء معرفتها بالأمر:

-مش عارفه يا داده، انا بس قلقت لما لقيت تليفوناتهم مقفوله، بالله عليكي لو حسيتي أنهم بيتخانقوا كلميني وطمنيني.

وافقتها حنان وهي تهم بالخروج من غرفتها للاطمئنان عليهما بعد أن تسرب القلق والشك إلى قلبها، وصلت للدرج فوجدته يخرج من غرفة طفليه ونزل وهو ينظر لها بعيون محتقنة وخرج من البوابة كالرعد المندفع لا يمكن الوقوف أمامه؛ فصعدت بسرعة صوب غرفة الصغيرين للاطمئنان عليهما لربما أحدهما مريض وهرع هو بذلك الشكل لإحضار طبيب.

هذا ما جاء بمخيلتها وهي تدلف بلهفة تسأل المربية الخاصة بهما:

-في ايه يا بنتي؟ حد من الولاد تعبان؟

نفت وهي ترمقها بنظرات متعجبة:

-لأ خالص، ده الباشا كان عمال يبوس ويحضن فيهم وشكله مضايق من حاجه ونزل على طول.

تعجبت من حاله وتذكرت مكاملة نرمين فأيقنت أنه قد أخرج نوبة غضبه التي عاصرتها بنفسها، ومن غيرها ليخرج نوبته بها كما يحدث دائما.

خرج اسمها من فمها بعفوية:

-ياسمين.

تحركت صوب الجناح وتبعتها المربية بعد أن حملت بيدها جهاز خاص بسماع الصغيرين عندما تكون بعيدة عنهما، طرقت حنان وهي تناديها:

-ياسمين.

لم تجد رد فكررت طرقاتها ونداءها:

-ياسمين يا بنتي، أنتي جوه.

 ❈-❈-❈

بنفس اللحظة ظلت ياسمين داخل المرحاض بعد أن ارتعدت من تصرفه، وما زاد خوفها ورهبتها هو سماعها لتكسيره لبعض المقتنيات بالخارج فانهارت من البكاء ونظرت لراحتيها وما بها من حلى أحدها مطبوع اسمه بالداخل والأخر من الألماس الثمين والذي قدمه لها بذكرى زواجهما.

خلعت المحبسين من أصبعيها وألقت بهما على الأرض وهي عازمة على إنهاء عذابها الذي لم تعد تتحمله بعد فعلته الشنيعة معها.

تخوفت حنان بالخارج من عدم ردها ففتحت الباب ودلفت فلم تجدها، ولكنها وجدت إناء زهور محطم ففزعت وهرعت صوب المرحاض المفتوح الباب على مصراعيه.

وجدها تجلس بأرضية الحمام ترتدي ثوب الاستحمام وتضم ركبتيها بذراعيها ووجهها وعينيها محتقنتين بشكل محزن وتبكي بصمت.

انحنت بمساعدة بوسي وسألتها بقلق:

-ايه اللي حصل بس يا بنتي؟

انهارت بحضنها باكية وهي توضح:

-فارس رجع أسوأ من الأول يا داده، أنا خلاص حياتي معاه انتهت لحد كده.

ربتت على ظهرها تواسيها بعد أن لاحظت محبسها الذهبي ملقى على الأرض بالقرب من مكان جلوسها ولاحظت الآخر على بعد خطوات أيضاً فحزنت على حالهما:

-لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، مبتلحقوش يا بنتي، لله الامر من قبل ومن بعد.

رفعت ياسمين وجهها الباكي لمربية صغيريها وسألتها:

-الولاد فين؟

أجابتها فوراً وهي ترفع الجهاز بيدها:

-نايمين يا هانم، فارس باشا عدا عليهم باسهم ونزل.

وقفت على الفور تسألها:

-يعني هو خرج؟

أومأت فالتفت تطلب من حنان:

-هاتي موبايلك يا داده بسرعة.

ناولتها إياه وهي تسألها:

-في ايه بس؟

لم تجب والتفت تطلب من مربية صغيريها:

-روحي لبسي الولاد وجهزي لهم شنطه هدوم.

وافقتها وخرجت فسألتها حنان باهتمام:

-ناوية على ايه؟

رأت الغضب وقد تجلى بعينيها وملامحها فحاولت تهدأتها مؤكدة:

-لما يهدى هيعرف انه زعلك وهيصالحك، بلاش تكبري الموضوع يا بنتي جوزك...

قاطعتها رافضة:

-اوعي تقوليلي جوزك بيحبك، اوعي يا داده أنتي متعرفيش عمل معايا ايه.

تحركت وهي تنهي حديثها فربتت حنان على كتفها وتبعتها خارج المرحاض متسائلة:

-طيب انتي تتخيلي إن فارس يزعقلي ويهيني؟

حدقت بها بذهول وهي تسألها:

-ده افتراض ولا حصل فعلا يا داده؟

بكت حنان وهي تقول:

-حصل يا بنتي، اول مره من اربع سنين من ساعة ما جيت عشت معاه يعملها، والصبح اللي دار بينه وبين فريده هانم وخلته عمل اللي عمله في المكتب وبعدها زعيقه لمازن واللي كان معاه بالشكل الرهيب ده ورجع كسر المكتب ومعاهم منظر الاوضة واللي عمله فيها ده معناه ايه يا ياسمين؟

لاحظت صمتها وشرودها فاقتربت منها ممسكة بكتفيها لتسترعي انتباهها:

-ده معناه انه بيمر بأزمة كبيرة اوي، وأكيد انتي عارفه ايه اللي حصل.

صرت على أسنانها وهي تجيبها:

-حتى لو عارفه، حتى لو عنده مشاكل فأنا مليش ذنب أبدا كل مره يبهدلني بالشكل ده.

كلماتها خرجت متقطعة وكأنما أصابها مرض التلعثم؛ فحاولت حنان مؤازرتها بكافة الطرق وربما إصلاح ما أفسده من اتخذته ولدا:

-طيب أنتي عايزه تكلمي مين؟

أجابتها بنفس التلعثم والانهيار:

-اهلي، عايزه اهلي.

نزلت دموع حنان على وجنتيها وهي تسألها:

-نويتي تسبيه لوحده في الظروف اللي هو فيها؟ طيب افتكريله حاجه كويسه واحده.

ابتسمت ساخرة وهي تعلق عليها:

-للأسف كل الكويس بيمحيه بعمله واحده من اللي بيعملها معايا، سبيني يا داده الله يخليكي امشي قبل ما يرجع ويحبسني زي زمان.

تبعتها للخارج وهي تتوسل لها:

-طيب استهدي بالله واستنيه يرجع وأنا...

قاطعتها فورا ولم تتركها تكمل:

-لأ يا داده، أبوس ايدك سبيني.

بكت حنان وهي تمسكها من ذراعها:

-لو سبتيه هيضيع يا بنتي، لانك انتي الفرامل بتاعته ولو سبتيه هيدهس الكل وبعد ما يأذيهم مش بعيد يأذي نفسه.

دلفت غرفة الصغيرين فأضافت حنان:

-طيب فكري في ولادك وانهم يبعدوا عن ابوهم، ده بيعشقهم وزي ما ميقدرش يعيش من غيرك برده ميقدرش يعيش من غيرهم.

انهارت ياسمين وهي ترجوها:

-يا داده الله يخليكي كفايه، مش هقدر، انتي متعرفيش حاجه أبوس ايدك سبيني ولو مش هتساعديني أمشي من هنا يبقى على الأقل متمنعنيش.

أخرجت حنان تنهيدة انهزام وفقدان للأمل وأومأت باستسلام:

-اعملي اللي يريحك يا بنتي

ضربت كف على كف وفكرت وهي بطريقها لأسفل، هل عليها الأن إخباره أن زوجته ستترك عش الزوجية بطفليها أم تبتعد عن التدخل في شأنه كما طلب منها منذ قليل؟

أهداها عقلها لربما إن أخبرته فيعود ويلحق بها قبل مغادرتها ويراضيها وربما لا! ربما يعود غاضبا من محاولتها تركه فتتأزم بينهما الأمور أكثر إن ما قام بحبسها كما تتوقع الأخرى؛ فتشتت تفكيرها واختارت عدم التدخل عله يهدأ ويعود لصوابه الذي فقده بكل تأكيد.

تركتها ونزلت الدرج متجهة للباب الداخلي وسألت أحد الحراس الواقفين بالقرب منه:

-متعرفش فارس راح فين يا بني؟

أجابها باحترام وتوقير:

-ناحية الاسطبل يا ست الكل، غالبا بيجهزوله الحصان بتاعه.

أومأت وقررت الصعود لتخبرها أنه لم يغادر المنزل كما ظنت فوجدتها تطلب من بوسي:

-هاتي موبايلك اعمل منه مكالمه فوني فاصل.

ناولتها الهاتف مبتسمة فتركت الصغيرين بحوزتها وتقابلت وجها لوجه مع حنان التي اخبرتها فورا:

-فارس لسه في الفيلا، في الاسطبل.

ابتلعت ياسمين ريقها بغصة مؤلمة وفكرت بداخلها:

-هيحبسني ويأذي اهلي لو حاولت اخرج أنا متاكده، اعمل ايه بس يا ربي؟

فكرت وفكرت وتركتها دالفة جناحها وأغلقت ورائها الباب بالمفتاح وبدأت تفتش بالأدراج حتى وجدت الكارت الخاص به وهاتفته فرد الطرف الآخر بعد عدة رنات:

-ألو، عيادة الدكتور جابر الجيار للأمراض النفسية.

نظرت مجددا بالكارت الذي بيدها فأيقنت أنه لا يوجد به الرقم الخاص ولابد أن رقمه الخاص يعطيه فقط لمرضاه ذوي الشأن فتنحنحت متسائلة:

-ممكن أكلم الدكتور؟

رفض المساعد وهو يوضح:

-آسف يا فندم بس الدكتور معاه حالات وحجوزات كتير، اقدر أساعد حضرتك بايه؟

ردت بعصبية:

-ساعدني بأنك تديني الدكتور.

بالطبع هو مدرب للتعامل مع تلك الحالات من الهياج والعصبية فحاول امتصاص غضبها:

-طيب بس قوليلي اسمك عشان اطلع الملف بتاعك واسجل رسالتك فيه للدكتور واول ما الحالة اللي جوه...

هدرت به بغضب:

-اسمع بقى، بلغه اني الحالة اللي بتحجز العيادة برايفت وأكتر من كده مش هقدر أقولك.

تفهم المساعد ووقف وهو لا يزال يحدثها:

-طبعا طبعا لحظة معايا.

طرق الباب ودلف هامسا بأذن الطبيب:

-الحالة اللي بتحجز العيادة برايفت.

تعجب من يكون يا ترى فهو لديه أكثر من حالة على هذا النهج وجميعهم من علية القوم وجميعهم أيضا يملكون رقم الهاتف النقال الخاص به، ولكنه لم يترك مجالا للتفكير بعد أن استأذن من مريضه:

-ايه رأيك نكتفي بكده واشوفك المره الجاية؟

وافقه المريض وخرج فتناول الهاتف من راحة مساعدة وأجاب:

-ألو!

سألته بتوتر:

-حضرتك الدكتور جابر؟

أكد لها:

-أيوه يا فندم، مين معايا؟

أجابته وهي تنظر من نافذة الجناح على مد بصرها لموقع الاسطبل:

-أنا ياسمين غزال مرات...

قاطعها وهو يرحب بها:

-طبعا يا فندم أهلا بيكي، لحظة معايا.

تركها على الهاتف ونظر لمساعده يسأله:

-في حالات أد ايه بره؟

أجابه موضحا:

-3 حالات.

أومأ وهو يأمره:

-متدخلش حد إلا لما أرنلك الجرس.

خرج المساعد فعاد جابر يحدثها:

-معاكي يا ياسمين هانم، خير؟

بكت بانهيار وهي تخبره بتفاصيل ما حدث معها بتلعثم وانهيار والآخر يجاهد ليفهم مقتطفات من حديثها، وعندما شعر أنه مشوش أسكتها قائلا:

-بالراحة بس عشان أفهمك، يعني دلوقتي فارس باشا انتكس؟

أومأت تلقي بكلماتها بسرعة دفعة واحدة وهي ترتعش من التوتر والألم الداخلي الذي تشعر:

-أيوه، أومال تفسيرك ايه للي حكيته؟

زم الطبيب شفتيه للأمام وهو يتعجب:

-أصله كان عندي من يومين لأنه حس بانتكاسه بس أنا لقيته كويس وطمنته، أنتي قولتيلي اغتصبك؟

بكت بانهيار وهي تجيبه:

-أيوه، أرجوك قولي أعمل ايه أنا خايفه منه اوي لأنه أخد موبايلي وشكله كده هيحبسني زي زمان.

فكر قليلا واستمع لها وهي تضيف:

-انا مشفتوش بالحالة دي حتى فـ الوقت اللي حضرتك كنت بتعتبره فيها مريض، يعني معنى كده انه بقى أسوأ من الأول

عقب عليها بمهنية:

-أنا مقدرش احدد إذا اللي حكتيه ده انتكاسه فعلا ولا نوبة غضب إلا لما اشوفه.

صرت على أسنانها وهي تهدر به:

-يا دكتور بقولك اغتصبني، نوبة غضب ايه بس ارجوك شوفلي حل عشان ميأذنيش واعرف أروح لاهلي، هو انا لسه هستنى لما تعالجه تاني؟

تعجب من حالتها فسألها بحيرة:

-للدرجة دي مش قادره تتحملي؟

بكت وهي تجيبه بحرقة:

-بقولك اغتصبني وهددني بولادي و....

قطعت حديثها على صوت محاولة فتح الباب من قبله فارتبكت وهي ترجوه بهمس:

-فارس رجع، يا دكتور أنا خايفه قولي اعمل ايه بسرعة.

أجابها محاولا الوصول لحل لتلك المضلة:

-اتعاملي معاه بالراحة، بلاش تستفزيه وحاولي تقنعيه يجيلي أو يكلمني حتى.

بكائها جعلها تخرج كلمات غير مفهومة ولكنه استشف بعضها:

-أخاااف اكلمه يجيلك، أنا حاسه اني هموت ورعبي منه دلوقتي اكتر من أي حاجه.

طمئنها وهو يؤكد:

-يا مدام ياسمين، فارس باشا بيحبك ولو دي نوبة غضب أو انتكاسه فانا وحضرتك عارفين أنه بيعرف يلحق نفسه وهيهدى ويرجع طبيعي، المهم حاولي متسفزيهوش ولا تردي عليه الند بالند وبالحنيه والحب كده اقنعيه يجيلي.

أغلقت الهاتف وتوجهت لفتح الباب بعد أن طرق عدة مرات بعنف فنظر لها وهي تتحاشي النظر له وسألها بصوت غليظ:

-قافله الباب ليه؟

ردت وعينيها تنظران للأرض:

-أسفه.

دلف وجلس على الفراش فرأي الهاتف النقال ملقى بجواره فسألها رافعا حاجبه:

-ايه ده؟

قضمت شفتيها داخل فمها وقبل أن تتحدث وجدت المربية تستأذن بلباقة:

-آسفه يا هانم بس نسيت تليفوني.

لمعت عينيها وشعرت بالارتياح بعد أن أنقذتها مربية صغيريها ولم تعقب بعد أن أمسكه فارس وناولها إياه فخرجت مغلقة الباب ورائها.

سحب هو نفسا عميقا وزفره بحدة وخلع عنه ملابسه متوجها للمرحاض:

-ممكن تطلعيلي هدوم؟

أومأت وهرعت لتنفيذ طلبه فاغتسل وخرج وبدأ يرتدي ملابسه وهي لا زالت على حالتها الصامتة والهادئة، انتهى من ارتداءه ووقف متحركا للخارج وهو يخبرها:

-هنزل المكتب اشتغل شويه، لو عايزه تنامي نامي ومتستننيش.

لم تعلق على حديثه وتركته وجلست في حيرة من أمرها فذهبت لغرفة صغيريها لتجد المربية تقوم بإرجاع ملابس الصغيرين للأدراج وعندما انتبهت لها أخبرتها السبب:

-انا فهمت إن في مشاكل وخوفت يشوف الشنط فيعرف أن حضرتك كنتي ناويه تمشي، ده غير داده حنان اللي قالت لي اروح آخد منك التليفون عشان ميتعصبش.

شكرتها وهي ترسم البسمة الكاذبة على شفتيها:

-شكرا يا بوسي.

جلست على الاريكة تفكر ماذا عليها أن تفعل الآن بعد حديث الطبيب معها، هل تتركه وتهرب فيعود هو لسابق عهده أو الأسوأ كما ترى منه من بوادر؟ أم تنتظر حتى يعيد علاجه من جديد ولكن بعد أن تكون اتخذت قرارها بالانفصال النهائي عنه؟ هل يستحق التضحية من أجله والعيش بين براثن وحش يحاول إخفاء شراسته وعندما تظهر للسطح تكون هي أحد المتضررين بل أولهم؟ أم تقف بجواره حتى يمر من أزمته التي سببها أقرب الاقربون لها وله.

صمتت وفكرت فهداها تفكيرها لزيارة والدته التي تمت بالصباح الباكر، ماذا يمكن أن يكون دار بينهما من حديث جعله يصل لذروة غضبه الذي لم تره من قبل؟

بالرغم من معرفتها الوطيدة بطبيعة العلاقة بينه وبين والدته ولكن متى رأته قد تطاول عليها بالحديث أو بالضرب، اللعنة لقد قام بصفعها ودفعها بقسوة غير عابي لا بسنها ولا بكونها والدته، فما السبب وراء هذا التصرف؟

تمتمت بداخلها:

-اكيد قالت له حاجه وصلته للحالة دي، هو حالته صعبه من كذا يوم والدكتور قالي انه كان عنده من يومين، يعني حاسس بنفسه انه بينتكس وأكيد زيارة مامته كانت السبب في اللي حصل ويمكن موضوع شادي كانت القشة اللي قسمت ظهره، كانت نقطة المية اللي ملت السد وخلت حصل فيضان.

استجمعت شجاعتها الغير موجودة ووقفت تاركة غرفة صغيريها وتحركت متوجهة لمكتبه ولكنها تقابلت مع مربيته فاحتضنتها وشكرتها:

-تسلميلي يا داده، لولاكي كان فارس اتعصب لما شاف موبايل بوسي.

ربتت على كتفها تحثها بتوسل:

-وحياة أغلى حاجه عندك يا ياسمين اقفي معاه لحد ما تفهمي ماله، مش يمكن لما تعرفي اللي جواه تعذريه.

ابتسمت وهي عازمة على تنفيذ قرارها بالانفصال عنه ولكن بتوجيهات الطبيب حتى لا تصبح هي الخنجر الأخير الذي يطعنه بقلبه.

طرقت الباب قبل أن تدلف وتنحنحت عندما وجدته مستلقٍ على الاريكة بغرفة المكتب يخبئ عينيه بذراعه الأيمن والذراع الأيسر أسفل رأسه؛ فجلست أمامه على الأرض تربت عليه بهدوء:

-فااارس.

فتح عينه فوجدت حدقيته ملونتين باللون الأحمر بل وتفاجئت بقطرة دماء على منامته فنظرت إلى جوارة لتجد كومة من المحارم الورقية المغطاة بالدماء فهزته بلهفة وخوف:

-فااارس، مالك؟

اعتدل جالسا وأطرق رأسه بين راحتيه فنزل شريط دماء من أنفه جعلها ترتعد وتسرع للمكتب تمسك كومة أخرى من المحارم وترفع له رأسه تحاول إيقاف نزيف أنفه وهي تتوسله:

-اوم نروح المستشفى.

رفض وهو يجاهد لفتح عينيه:

-لأ، هاتيلي بس العلاج من درج المكتب.

هرعت لتنفيذ طلبه وناولته إياه فأخذه وعاد يلقي بجسده على الأريكة بتعب فقالت بصوت متاثر من منظره:

-ممكن تسمع كلامي مره واحده وتقوم نروح للدكتور، الساعة لسه 10 قبل ما الوقت يتأخر ونضطر نستعدي حد منهم من بيته.

وقف وسحبها من راحتها محتضنا إياها وتمتم بتعب ولا زالت أنفه تنزف؛ فبلل منامتها الحريرية هي الأخرى وقال بصوت حزين:

-تعبت، مش قادر اكمل يا ياسمين ولا قادر امثل اني مكمل.

ابعدته ومسحت أنفه وهي تتوسله:

-طيب عشان خاطري تعالى نروح للدكتور.

رفض موضحا:

-مش عايز حد يعرف، ولا حتى عمي مراد.

وافقته وهي تجدها فرصة سانحة لتنفيذ رغبة طبيبه بزيارة سريعة:

-طيب نروح لأي دكتور بره المستشفى، العمارة اللي فيها عيادة الدكتور جابر مليانه دكاتره.

ابتسم وأومأ لها وصعد معها لجناحهما لتغيير ملابسهما والذهاب للطبيب

وصل بهما سائقه  بمفرده بعد أن رفض اصطحاب حارسه الأمين؛ فترجل فارس واتجه للناحية الأخرى ليفتح لزوجته الباب فتعجبت في قرارة نفسها من تصرفه، هل لهذا الحد هو غير مدرك لحجم الكارثة التي فعلها بها منذ لحظات؟

صعد الدرج وطلب رؤية الطبيب المختص لعلاج مرضى ضغط الدم ولكن وجد قائمة طويلة من الانتظار فأعقد حاجبيه ولكنها وجدتها فرصة سانحة لتخبره:

-ما تيجي نشوف الدكتور جابر ونخليه يكلم الدكتور ده اكيد اصحاب.

رفض وهو ممسكا براحتها مخللا أصابعه بخاصتها:

-أكيد عنده حالات وأنا لو حد شافني عند دكتور نفسي هتلاقي الصبح الاخبار نازلة ترف في كل حته.

ابتسمت بتفهم وهي تجاهد عبراتها وهمست له:

-طيب ما تكلمه يفضي العيادة وندخل نتكلم معاه شويه على العيادة هنا ما تفضى شويه.

التفت ناظرا لها بحدة ووقف يحدث المساعدة الخاصة بالطبيب:

-انا محتاج كشف مستعجل.

أومأت وهي تخبره:

-للأسف في كذا حالة مستعجلة برده قبل حضرتك

قوس فمه وسألها:

-يعني قدامي وقت أد ايه؟

أجابته وهي تشير للكشف أمامها:

-لو مستعجل 5 حالات إنما بقى لو كشف عادي ففي 24 حالة.

هز رأسه وضغط بأصبعيه تجويف عينيه:

-احجزي مستعجل وشويه وهرجع.

سحب زوجته الجالسة على المقعد ووقف خارج العيادة وأخبرها وهو ينظر لها بتفحص:

-أنا كنت لسه عند الدكتور اول أمبارح، وقالي ان عندي شوية ضغوطات مش أكتر وعارف اني اتنرفزت عليكي، بس مش منطقي ابدا يا ياسمين كل ما اتنرفز شويه أجري على الدكتور النفسي، أنا مش مجنون والمفروض انك ست عاقلة وزوجه تتحمل جوزها في عصبيته زي ما أنا بتحمل هرموناتك.

بللت طرفي شفتيها ورفعت وجهها تنظر لعينيه المحتقنتين وسألته بهدوء ورهبة:

-يعني انت هادي دلوقتي مش متعصب؟

أومأ وهو يؤكد:

-أيوه، هديت بعد ما ركبت عنتر شويه، وانتي ابقى اركبي ياسمينا وخرجيها احسن هيجيلها اكتئاب من الحبسه في الاسطبل.

عنى بحديثه فرستها التي أشتراها لها بحفل مولد صغيرتهما ولم تجد الوقت حتى الآن لرعايتها، أومأت له وتلعثمت قليلا وهي تسأله:

-أنت نسيت اللي حصل بينا في الحمام؟

دفع لسانه بداخل فمه للجانب ممتعضا وهو يرد:

-عارف اني اتعافيت شويه، بس ما انتي ساعات بتطلب معاكي كده؟

تعجبت وانعقد جبينها بشدة وهي مندهشة:

-بتطلب معايا انك تغتصبني؟!

سحبها بعيدا عن الممر قليلا وهو يرمقها بحيرة ودهشة:

-اغتصبك؟ انتي بتهزري صح! 

نفت برأسها فضحك بسخرية:

-أنا اغتصبتك؟ انا اتعافيت عليكي شويه ومش اول مره ممارستي معاكي تبقى كده.

نفت مجددا ونزلت عبراتها على وجهها ووجنتيها فحدق بها وعينيه جاحظتان من هول حديثها الذي وقع على رأسه وتكلم وهو مطبق لأسنانه:

-اغتصاب ايه يا ياسمين انتي عايزه تجننيني؟ محصلش بينا قبل كده إن الممارسه كانت عنيفة شوية وقولنا كسر ملل وتجديد واتبسطي بيها؟ حصل ولا انا مجنون وكنت بحلم.

بكت وارتفع صوت نحنحتها وهي تفسر:

-حصل، بس لما يكون برضايا.

ابتعد خطوة للوراء وهو مندهش من حديثها وسألها:

-ليه؟ هو أنتي رفضتيني كمان وانا كملت غصب؟ هو أنا كنت شارب حاجه لدرجة اني لا كنت حاسس بنفسي ولا فاكر حتى اللي حصل!

وجد انهيارها الوشيك فسحبها من راحتها صاعدا للطابق الثاني وهو يؤكد:

-لأ أحنا كده فعلا محتاجين زياره للدكتور.

سحبته تهمس ولا زال آثار البكاء عالق بصوتها:

-طيب كلمه يفضي العيادة.

لم يهتم بها ودلف فوجد المكان خال تماما والطبيب على وشك المغادرة فابتسم فور أن وجدهما وقال مازحا:

-كنت بدأت افقد الامل انكم جايين.

التفت فارس برأسه ناحيتها وهو يتكلم بحدة:

-ده انتي كلمتيه كمان! انا مش فاهم اللي بيحصل.

أشار لهما جابر:

-طيب تعالوا جوه ونتكلم بهدوء لاني حقيقي مفهمتش كلام المدام كويس.

دلف ثلاثتهم وفارس يعقب:

-والله ولا انا فاهم، دي بتقولي اغتصبتني.

جلس بعصبيته الهادرة على المقعد فجلست هي أمامه وجسدها يرتعش فتفاجي وجحظت عينيه ناظرا لها بذهول وحيرة:

-انتي خايفه مني ليه كده؟ كل ده عشان اتعصبت شويه وقولت كلمتين في لحظة غضب؟

نفى الطبيب وهو يسأله:

-هل لسه حاسس بنفس الغضب دلوقتي ولا هديت؟

أجابه وهو يجاهد غضبه:

-مش اوي، هديت بس مش اوي، لكن ياسمين اصلا مش طرف ولا سبب في عصبيتي بس اتنرفزت عليها غصب عني.

سأله جابر وهو يدون بعض الكلمات:

-والممارسة؟

نهج بأنفاسه وهو ينظر لها مجيبا:

-أكتر من مره ممارستنا تبقى فيها عنف بسيط، ولو حصل ورفضت الطريقه بوقف واهي قدامك اسألها.

نظر لها الطبيب منتظرا تفسيرها للأمر:

-بيحصل فعلا، بس المرة دي كانت غير كل مره.

سألها جابر:

-وضحي الفرق من فضلك، هل ربطك أو ضربك او استخدم أي معدات تعذيب أو اتعافى عليكي بعد رفضك للطريقة؟

نفت فتعجب وهو يسألها:

-معلش يا مدام ياسمين اسمحيلي، أومال اغتصبك ازاي؟

قصت له ما حدث بحرج وهي تحاول انتقاء كلماتها بعناية:

-دخل الحمام بعد خناقتنا على مقاطعة اهلي وكان شكله يخوف بجد، وبدل ما يصالحني أو يحضني راااح...

صمتت وأطرقت رأسها باكية فأكمل هو عنها:

-روحت ايه يا ياسمين؟ مارست من غير ما أصالحك؟ هو ده الاغتصاب؟

وقف من مكانه وهو يدور حول نفسه مطنبا:

-لما كل زعله بينا اجي اصالحك وبعدها ننام مع بعض بتكوني مبسوطة مش كده، بس المره دي انا مصلحتكيش عشان كنت لسه متعصب وعملت معاكي الحاجه اللي بحبها وبحس انها بتهديني...

أوقفه الطبيب مستفسرا:

-ممارسة عنيفة هي الحاجه اللي بتهديك؟

نفى بسرعة وموضحا:

-لأ، ممارسه مع مراتي اللي بحبها، make love مش ممارسة وخلاص.

سألته وهي تبكي:

-أي ممارسه حتى لو بالشكل ده؟

جلس أمامها على ركبتيه وأمسك راحتيها معا فحاولت سحبها منه ولكنه أحكم قبضته عليها:

-لأ، كانت بطريقة وحشه ومهينه معاكي حق، بس مش اغتصاب لانك لو كنتي رفضتي كنت هوقف وانتي عارفه ومتأكده من ده.

حركت رأسها رافضة لحديثه:

لأ يا فارس، شكلك واسلوبك وقبلها تهديدك ليا بولادي كلها كانت بوادر لنوبة الغضب اللي لو منعت نفسي عنك كنت هتعمل زي اول الجواز ومش بعيد كنت ربطتني وكملت بالضرب.

نظر لها بحزن وشعر بسيلان أنفه من جديد فوقف بسرعة ملتقطا المحارم من أمام الطبيب الذي وقف بدوره يطمئن عليه ولكنه ابتعد ورفض المساعدة وهو يقول بامتعاض:

-عمرك ما هتنسي، من ساعة ما بدأت اتعالج من بعد اليوم المشئوم ده مكررتهاش تاني، ومن ساعه ما رجعنا لبعض عمري ما عملتها ولا فكرت اعملها ولا في نيتي اعملها، بس انتي عمرك ما هتنسي.

جلس على الاريكة المعدة لراحة المرضى أثناء جلسات علاجهم وأراح جسده عليها فاقترب منه جابر حاملا بيده جهاز لقياس الضغط وهو يسأله:

-قست ضغطك انهاردة؟

نفى فجلس بجواره وبدأ بقياس ضغط دماءه فلمعت عينيه وهو يخبره:

-140 على 190.

انتفضت ياسمين فورا وهو يضيف:

-ضغطك عالي بشكل خطر، انا شايف نأجل الجلسه والعتاب والكلام ده وتروح حالا المستشفى.

رفض وظل مسترخيا على الأريكة فصرخت به:

-بتعاند ليه طيب؟ عشان خاطري روح المستشفى.

ابتسم بحزن وهو يسخر منها:

-خايفه عليا؟ 

بكت وانهارت وهي ترجوه:

-يا فارس بلاش عشاني، عشان الولاد هم محتاجينك.

اعتدل ونظر لها بضيق وسألها:

-وانتي مش محتجاني؟

اقتربت منه واحتضنته هامسة:

-محتجاك، يلا نروح المستشفى ونتعاتب بعدين.

ابعدها وتفرس ملامحها بغضب وحرك رأسه رافضا وهو يؤكد:

-أنا مغتصبتكيش يا ياسمين، بعترف اني كنت متعصب ودخلت زي التور من غير ما أقدم لنفسي زي ما الرسول قال، وعارف برده انك حسيتي بالاهانه بس انا مغتصبتكيش.

نظر للطبيب وهدر به:

-ما تتكلم يا دكتور، انت سمعت مني ومنها، فسر الكلام وقول مين الغلطان.

وجد الطبيب نفسه بمأزق فالجواب واضح وضوح الشمس ولكنه إن أخرجه من داخله قد يحدث شقاقا بينهما فتكلم بدبلوماسية:

-أولا انا فاكر كويس اني منعتكم عن الممارسات العنيفة عشان نتجنب أي انتكاسه ببس ده مش موضوعنا دلوقتي، حالة الغضب اللي وصلت لها كانت بداية انتكاسة محتاجه متابعه من حضرتك، وتصرفك مع المدام مكانش سليم وطبيعي تاخده بالتفسير ده، طبعا انا قدامي اتنين محتاجين متابعه لأن غضبك محتاج يتروض والمدام برده محتاجه تكمل علاجها عشان تتخطى التجربة الاولى واللي لسه محفورة في ذاكرتها وكل تصرف شبيه بيرجعنا لنفس النقطه.

لم يقاطع أحد تفسيره وهو يكمل:

-بس المدام لازم تتعالج مع دكتور تاني لأن علاجها معايا فيه شويه تضارب من بعد اللي حصل، والافضل كمان تكون دكتوره عشان تاخد راحتها فـ الكلام لان مدام ياسمين خجوله وكانت بتخبي عني حاجات كتير.

ابتسم لهما وأضاف:

-نعالج الضغط الخطر ده ونرجع لجلساتنا عشان نلحق النوبة دي قبل ما تتفاقم وكمان عشان اعرف الأسباب الاساسية لها، لأن اللي حكته مدام ياسمين مش سبب كافي للنوبة دي.

وافقه وعندما هم  بالرحيل سألته:

-هنروح مستشفى الفهد ولا نكشف تحت عند الدكتور؟

استمع الطبيب له وهو يقول:

-منا قولت مش عايز حد من العيلة يعرف.

أوقفه وهو يقول:

-طيب ايه رايك تتحجز فـ المستشفى عندي 3 ايام بس، نظبط فيهم الضغط والحالة النفسية كمان.

جعد جبينه وانعقد حاجبيه وهو يصيح بحدة:

-عايز تحجزني في مستشفي للأمراض النفسية! انت شايفني مجنون؟

نفى الطبيب وهو يؤكد له:

-المستشفى مش بس للطب النفسي، ده غير ان في مبني vip لكبار الشخصيات وممكن احجزه بالكامل لسيادتك وهم 3 ايام نطمن على الضغط وباقى وظايف الجسم وبالمره نقعد نتكلم سوا براحتنا، ها ايه رأيك؟ 

سألها رأيها:

-انتي رأيك ايه؟ شيفاني محتاج مصحة نفسية؟

ردت باتباك:

-شيفاك محتاج تهدى عشان تقدر تحس بخطورة حالتك، كان ضغط دم ولا عصبية.

زم شفتيه وهو يومئ برأسه هاتفا:

-موافق


يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة