رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 15 - 1
قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية روضتني 2
(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)
طمس الهوية
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الخامس عشر
الجزء الأول
❈-❈-❈
جالسا على المقعد الغير مريح بالمشفى مطرقا رأسه وكل فينة وأخرى يقف ويقترب منها لتفقدها إن ما كانت بخير أم لا فيعود ليجلس مجددا على نفس المقعد مسندا رأسه على ساعديه يحمل هموم الدنيا فوق رأسه.
طرقات خفيفة على الباب اتبعها دخول الممرضة التي بدأت بتفريغ كيس تحميل المخلفات وتظبيط المحلول الطبي المغذي لها فانتظرها حتى انتهت من عملها وسألها:
-هي ممكن تفوق أمتى؟
أجابته وهي تهم بالخروج:
-مش معروف للأسف، هي في غيبوبه والجلطه كمان أثرت عليها، ادعيلها.
دمعت عينيه واقترب منها ينظر لملامحها الواهنة ووجهها النحيل، فكيف أصبحت بهذا الشكل بعد عدة أيام تعد على أصابع اليد الواحدة؟
مسح بيده على شعرها الأبيض وتمتم متأثرا لتلك التي كانت بيوم من الأيام تقف لترعي عائلة بأكملها وتمتم بحزن:
-هتفوقي امتى يا ماما؟ انا تعبان اوي ومحتاجك.
قبلها من أعلى رأسها وابتعد عندما دلف أخيه يربت عليه:
-فوق كده يا مالك، مش معقول اللي أنت فيه ده، فوق وروح شغلك انت من يوم اللي حصل مروحتش الشغل.
وقف أمامه ينظر له بحزن وسأله:
-متعرفش التحقيق وصل لأيه؟
أجابه مقوسا فمه:
-هيتقيد ضد مجهول لو أنس قال نفس الكلام اللي قولناه، الظابط صاحبك كان مستنيه يتحسن شويه عشان يعرف ياخد أقواله فلو أنكر أنه يعرف أو شاف حاجه الموضوع هيتقفل، أنا مش عارف ازاي الشارع والجيران كلهم شهدوا بنفس الكلام كأن حد ملقنهم؟
ابتسم بسخرية وهو يعقب:
-هيكون مين غيره، فارس الفهد.
لم يهتم الآخر بتذمره من فعلة فارس ولكنه أضاف:
-حتى لو هو ، كده كده احنا كلنا عايزين الموضوع ينام وزي ما أنكرنا معرفتنا بحاجه الناس كلها انكرت اللي حصل.
جلسا فسأله مالك بحيرة:
-نتيجة تحليل الdna طلعت ولا لسه؟
أومأ وهو يخرجها من جيبه:
-ابنه يا مالك، الست مكذبتش.
ترقرقت عينيه بالعبرات ونظر لأخيه بانكسار وهو يبكي:
-يعني نرمين معاها حق! أخويا فعلا كان بيتحرش بيها وعايز يغتصبها وهي لسه مراتي وعلى ذمتي، معقول في أخ يعري عرض اخوه بالشكل ده؟
لم يعقب أخيه على حديثه بل تركه يخرج ما بداخله:
-أنا ازاي كنت اعمى كده! نرمين حاولت أكتر من مره توصلي اللي بيحصل وانا كنت عامل ودن من طين وودن من عجين.
التفت ينظر له وسأله:
-أنت مراتك انكرت أنه قرب لها؟
أومأ وهو يوضح:
-طلعت عارفه كل بلاويه وساكته عشان كانت عارفه رد فعلنا هيكون ايه، وهو مقربلهاش مش عشان هي مراتي ده مقربلهاش عشان أكيد مش عجباه، الكارثه لو امك كانت عارفه وبتداري عليه ساعتها مش عارف هنبص في وش بعض بعد كده ازاي!
رمى نظرة خاطفة على والدته الراقدة على سريرها الطبي وعاد يعقب على حديث أخيه:
-لو قام منها وهي بقت كويسه هتتحط في اختيار ما بين كل ولادها وما بينه.
وقف مالك متجها للخارج فسأله الآخر:
-رايح فين؟
أجابه وغصة البكاء عالقة بحلقه:
-هنزل اتمشى شويه.
خرج من غرفة والدته ولكنه حول مساره صوب غرفة أنس ودلف فلم يجد أحدا يرافقه، فحتى تلك اللحظة ابتعدت اخواته البنات عن الساحة تماما بأمر من ازواجهن بعد تلك الفضيحة، بل علم أنهم تركوا منزل العائلة وذهبت كل واحدة لمنزل الزوجية الذي ربما لم تمكث أي منهم به بسبب أوامر والدتهم بالبقاء سويا بمنزل العائلة.
وقف أمامه ونظر لوجهه المهشم وتحدث وهو صارا على أسنانه:
-أصحى يا أنس وكلمني.
فتح المعني عينه وهو لا يستطيع التحدث ولكن نظراته كانت كافية ليفهمها مالك:
-زعلان على نفسك واللي حصلك مش كده؟
أومأ وامتعض وجه مالك وسأله:
-عايز تشوف نفسك؟
وافقه بحركة من رأسه ففتح الأول هاتفه المحمول على نظام التصوير ووضع شاشته أمام وجه أخيه فنظر أنس لحالته ولم يستطع إظهار حتى ملامح الحزن بسبب تهشم وجهه بالكامل فلم يعد يستطيع إظهار أي تعبيرات حزن أو فرح.
سحب مالك مقعدا ووضعه بجوار سريره الطبي وجلس يتنهد بعمق وهو يخبره:
-احنا عملنا تحليل اثبات نسب للولد ابن مرات صاحبك، الولد طلع ابنك وهنعترف بيه يا أنس.
رمش أنس بعينه وجاهد ليتحدث فخرج صوته ضعيف ومبحوح وغير واضح:
-مش ابني.
بعد أن ردد عبارته تلك عدة مرات وفهمها مالك أخرج الأخير من جيبه ورقة التحليل ووضعها أمام أنفه:
-والتحليل ده نعمل فيه ايه؟ نرميه ولا نرمي لحمنا يا أنس، أنت غلطت في حق نفسك وحق صاحبك وحقها هي كمان بس انا مش هاممني لا انت ولا هي، كل اللي فارق معايا فعلا هو الراجل اللي آمن لك فخونت امانته والطفل اللي حته منك ومش عايز تعترف بيه.
لم يمهله الفرصة للرد لتعثره بالحديث فأضاف:
-ونرمين! نرمين كانت مراتي واللي انت عملته معاها ده يتحط تحت بند ايه فهمني؟
نفى مجددا بصعوبة بالغة:
-محصلش، كدب وكمين.
جعد مالك حاجبيه وصر على أسنانه وهو يهدر به:
-كدب؟ كمين؟ لسه هتكدب وتضحك علينا بالمثالية الفارغه بتاعتك؟!
اقترب منه وانحنى يسأله باكيا:
-قولي ليه عملت كده؟ انا هموت من كتر التفكير.
ظل ينظر له وهو يبكي فتحدث أنس أخيرا:
-أنا حبيتها غصب عني، سامحني.
تجعدت ملامحه وسأله بانهيار:
-حبيت مرات أخوك؟
أكد حديثه:
-طول ما كانت مراتك مقربتش منها، أنا قربت بعد انفصالكم.
رمش بعينيه وحاول تمالك غضبه:
-هعمل نفسي مصدقك، بس قولي الحقيقة.
رمقه بنظرة حزينة وسأله:
-لما طلبت الطلاق وراحت لأهلها أنت قولتلي اطلبها في بيت الطاعه وأنا عملت كده، كان هدفك ايه من التصرف ده؟ ما كنت سبتنا نتطلق طالما حبيتها على الأقل تبقى مبتخونش اخوك.
ابتلع ريقه وتوتر ورد بنفس الصوت الضعيف:
-خوفت مشوفهاش تاني، سامحني يا مالك المشاعر دي مش بايد البني آدم.
هز رأسه موافقا على حديثه وتركه وهو يبكي حتى خرج خارج المشفى ووقف يستنشق الهواء البارد بقوة وأخرج هاتفه واتصل بها، بنفس التوقيت كانت هي تجلس بغرفتها تحاول الوصول لتوأم روحها وابنة عمها فهاتفت حنان من جديد التي ردت بدورها:
-متقلقيش يا بنتي هم كويسين بس تليفون ياسمين وقع منها.
كذبت تلك الكذبة حتى لا تقلق عليها أكثر فتكلمت الأخرى بلهفة واضحة:
-طيب ما تديهالي اكلمها.
ارتبكت حنان ورفضت مفسرة:
-يا بنتي دول طلعوا الجناح بتاعهم من بدري وناموا، الصباح رباح يا نرمين.
جاءها ذلك الاتصال وهي لا تزال تتحدث مع حنان فنظرت لرقم المتصل وجعدت جبينها متسائلة بداخل نفسها:
-ده عايز ايه ده كمان؟
أضطرت لأنهاء المكالمة مع حنان بلباقة:
-خلاص يا داده معلش لو صحيتك انا عارفه بتنامي بدري، بس لما ياسمين تصحى خليها تكلمني ضروري.
وافقتها وأغلقت معها ولكنه عاد بمهاتفتها فقادها فضولها لتجيب لعل هناك أمرا بخصوص التحقيقات قد تعرفه منه:
-أفندم.
استمعت لصوت نحنته وبكاءه ولكنها حقا لن تهتم فقالت بجمود:
-خير!
رد وهو فاقدا لكل معالم الحياة:
-انا محتاجك.
تجعدت ملامحها لتشعر بالتقزز وهي تجيبه:
-أنا ميشرفنيش اعرف واحد زيك، الموضوع خلص بينا يا مالك وكفايه اللي حصل لحد كده.
بكى وانتحب وهو يعتذر لها:
-أنا آسف، آسف عشان مصدقتش إن أخويا اللي مربيني بيخوني وبيكشف عرضي، آسف أني كنت اعمى ووثقت في لحمي ودمي على حسابك بس أنا محتاجك اوي يا نرمين متتخليش عني.
فتحت النافذة ووقفت أمامها فلفحها الهواء البارد، ولكنها شعرت بالراحة لمجرد شعورها بأنها لا زالت تتنفس وردت بألم:
-أنت مش متخيل انا عيشت معاك ازاي الفترة دي، صدقني يا ملك قصتنا انتهت وعمري ما هقدر لا أغفر ولا أنسى، مستحيييل.
ابتلعت ريقها وأضافت:
-حاول انت تنسى وتكمل حياتك، ابعد عني يا مالك ودي آخر مره هنتكلم فيها مع بعض.
صاح وهو يشعر بالتخبط والحزن:
-ايه اللي ممكن اعلمه عشان تسامحيني؟
ردت وهي تتنهد بفروغ صبر:
-ولا حاجه، مفيش حاجه تقدر تعملها صدقني، انساني يا مالك وابعد بقى.
جحظت عينه وهو يصيح بها:
-انت محبتنيش أصلا، لأنك لو حبتيني كنتي سامحتي بس غلطتي إني دخلت العلاقة دي من الأساس وأنا عارف انك لسه جواكي مشاعر لمازن الفهد.
أدارت وجهها ممتعضة من حديثه وهتفت بضيق:
-طيب يا مالك عشان ننهي الكلام، خد عني الفكرة اللي انت عايزها لانه مش مهم بالنسبالي أنت بتفكر إزاي، المهم عندي دلوقتي أنك تبعد عني وبدل ما تشغل وقتك بالتفكير فيا روح اشغل نفسك بحل مشاكل عيلتك بكل المصايب اللي فيها، ولاقي حل لأخوك اللي رباك لانه سبب كل المصايب دي.
أغلقت بوجهه فثارت ثائرته ودخل مجددا للمشفى وهو في قمة غضبه ومر بجوار غرفة أخيه؛ فوجده يحاول تعديل وضع وسادته ولكن حالته الواهنة حالت دون ذلك.
دلف متسائلا:
-عايزني اعملك حاجه؟
أومأ متوسلا:
-اعدلي المخدة أحسن رقبتي وجعتني اوي.
عدل من وضعها وجلس أمامه يسأله:
-أحنا مأخرين التحقيق وأخد اقوالك عشان تقدر تتكلم، بس انا شايفك بتتحسن والمفروض ياخدوا اقوالك عشان القضية تتقفل؛ فانت ناوي تقول ايه؟
رد بحدة:
-هقول اللي حصل.
صر مالك على أسنانه وهو يسأله بفضول:
-هتقول عشيقتي انتقمت مني وحاولت تقتلني بعد ما غدرت بيها ونكرت ابني؟
نظر له بتفاجئ وقال:
-لا طبعا ايه الكلام ده، انا هقول اللي حصل وهو أنهم عملولي كمين عشان...
قاطعه مالك واقفا بغضب:
-عملولي!؟ أنت ناوي تجيب سيرة نرمين في الموضوع؟
رد مصرا:
-ناوي أجيب حقي وأرجع سمعتي وشرفي الل...
قاطعه مالك بغضب وصياح:
-انت هتقول كلمتين مفيش غيرهم يا أنس لو عازيني أسامحك، مشوفتش مين اللي عمل كده وبس، لو جبت سيرة نرمين تنسى إن ليك اخ، وبالنسبه لأم ابنك فانت هتكتب عليها وهنسجل الولد باسمك لانه لحمنا ودمنا وده شرطي عشان انسى اللي حصل منك في حقي
أومأ له وهو يتمتم بداخله:
-أنت مفكرني هقبل اللي حصل فيا؟ تبقى بتحلم يا مالك.
❈-❈-❈
نظر بساعته فوجدها قاربت على منتصف الليل فالتفت لهما بوجه بشوش وهو يخبرهما:
-أنا شايف إن الوقت اتأخر اوي فالأفضل نعملك الاسعافات اللازمة عشان ضغطك يتظبط وتروح تنام في بيتك والصبح إن شاء الله تجيلي المستشفى وعلى الأقل تكون جهزت شنطتك يا باشا.
أومأ له صامتا فأضاف جابر:
-هنزل اشوف لو الدكتور خلص الحالات اللي معاه عشان يطلع يعملك اسعافات، وتقدر ترتاح على الشيزلونج لحد ما اطلع.
تركهما وخرج، ولكنه ذهب لغرفة المراقبة حتى يتابع حالتهما عن بعد أن هيأ لهما الموقف متعمدا ليتحدثا فيما بينهما دون تواجده كمحاولة منه لوضع يده على الجرح الغائر الذي شرخ علاقتهما بهذا الشكل.
فور خروجه من غرفة الكشف جلس فارس مطرقا رأسه فعاد نزيف أنفه من جديد؛ فتحركت ياسمين ترفع له رأسه وهي تقول:
-بلاش تنزل راسك كده عشان النزيف يقف.
رد ساخرا من حديثها:
-غلط اصلا ارفع راسي وأدخل الدم الفاسد ده تاني جوه جسمي.
عقلت عليه هي الأخرى:
-وغلط تنزل راسك وتفضل تنزف.
اجلسته باستقامة وأحنت رأسه للأمام قليلا بزاوية بسيطة للغاية وأحضرت محارم ورقيه وحاولت تنظيف أنفه والضغط عليه حتى يتوقف النزيف، وجلست بعد ذلك بجواره تمسح راحته الملطخة بالدماء ولكنه سحب يده منها وتنهد بحزن فاعترضت متذمرة:
-أنت كمان اللي زعلان!
نظر لها بمعاتبة وتردد بالحديث ولكنها أخرجته من صمته عندما قالت:
-أنا اللي مفروض ازعل منك لما تخيرني بينك وبين اهلي واختارك، وبعدها تهددني بولادي واختارك وبعدها تغتصبني و...
قاطعها غاضبا:
-برده هتقول اغتصبتني، بجد يا ياسمين مش مصدق اني بسمع منك الكلام ده؟
سألته بحزن:
لما أنت مش شايف نفسك غلطان، وافقت تروح المصحة ليه؟
رد وهو يصر على أسنانه:
-مين قال اني مش غلطان؟ انا عارف اني غلطان واعترفت بده بس انتي اللي مفسره تصرفي معاكي بشكل محصلش، ووافقت اروح المصحة عشان دي اول مره الدكتور يطلب مني ده؛ فالاكيد انه شايف فيا حاجه خطر فهروح عشان لا اعرضك ولا اعرض نفسي لتوابع الانتكاسة اللي انا حسيت بيها قبلكم كلكم.
أشاح بوجهه فلم تعلق عليه ولكنه تنهد واخرج كلماته بألم وحسرة:
-احنا مكانش المفروض نرجع لبعض بعد الطلاق، كان تصرف غلط منك وأناني مني.
لم تصدق ما تسمعه منه فشعرت فطعنة بقلبها وهو يؤكد:
-العلاقة دي كلها غلط من البداية والحاجه الوحيدة اللي كانت صح فيها هي قرار الطلاق وللأسف بوظناه برجعونا ونتج عنه طفلين فبقى صعب اننا نكرر الطلاق ده تاني.
جحظت عينيها وحدقته بذهول وهي تتمتم:
-انت عايش معايا عشان الولاد وبس؟ معقول!
لاحت على وجهه ملامح الغضب وهو يصرخ بها:
-برده هو ده تفسيرك لكلامي! بجد يا ياسمين؟
بكت وهي تسأله:
-أومال كلامك معناه ايه؟
وقف أمامها ووضح:
-كلامي يا غبيه عشانك، عشان انتي لا نسيتي ولا بتنسي اللي حصل بينا وقولت الكلام ده كتير، انه مع اول لمحه لأي حاجه بتفكرك باليوم ده بترجعي لنفس النقطه تاني و...
قاطعته رافضة:
-لأ مش صحيح، أنت...
لم يمهلها الفرصة للتحدث وقال بغضب وحدة:
-أنا شوفت الداده وهي بتفضي الشنطه بتاعة الولاد يا ياسمين، ولما عرفت انك كلمتي الدكتور فهمت كل حاجه، كنتي ناوية تاخدي ولادي وتمشي والدكتور اللي طلب منك تجبيني هنا.
ضغط على أسنانه حتى كاد أن يحطم فكيه:
-لما حصلت انتكاسه ليا وقت ما ظهر موضوع جنى انا بعدت عنك، فاكره؟
رمقها بنظرات حزينة وأضاف وشفتيه ترتعشان من الحزن والغضب في آن واحد:
-بعدت 3 شهور لحد ما اتأكد اني لما هقرب منك مش هفقد السيطرة بنفسي، بس انتي وقتها زعلتي و...
قاطعته توضح وتحاور:
-انا زعلت عشان بعدك عني مكانش في العلاقة وبس، أنت كنت بطلت تتكلم معايا وتاكل معايا و...
هدر مقاطعا بعد أن قضم شفتيه بداخل فمه:
-أنا بعدت فعلا عشان لا اتنرفز ولا ازعلك ولا اتعافى عليكي، وزعلتي من بعدي ده، ولما فهمتي فاكره قولتيلي ايه؟
صمتت وظلت تنظر له بوجل فأكمل:
-قولتيلي متخافش ومتبعدش وأنا هستحملك بكل احوالك، قولتيلي أنا قابله وهفضل جنبك لحد ما ترجع.
اقترب منها وسحبها من ذراعها وهو يضيف:
-بس ده محصلش، كله كلام يا ياسمين ومع أول انتكاسه تمسك قررتي تسبيني.
دمعت عينيه رغما عنه واستنشق ماء أنفه وهو يستطرد:
-أنا لو كنت حاسس بنفسي مكنتش عملت ده، سكوتك خلاني فكرت أنك موافقه زي ما كنتي بتقولي هستحملك يا فارس فلو انا غلطت أنتي كمان غلطتك ميقلش عني.
مسد لحيته وتكلم بألم:
-بس على الأقل انا بحاول، وأول ما بحس بنفسي محتاج جلسة علاج باجي هنا جري لكن انتي...
صمت ونظر بحدقتيها الزرقاء:
-كملتي علاجك؟ حاولتي تغيري من نفسك عشاني زي ما بعمل؟ أنتي عيزاني طول ما أنا فارس الحلو الرومانسي لكن اول ما بتحول بتقلبي على طول.
أدارت وجهها عنه فرأت انعكاسهما من زجاج النافذة ورأت ملامحه الحزينة وهو يضيف:
-عارف إن اللي حصل مني غلط وإهانه كبيره بس كنت منتظر منك تقفي جنبي زي ما كنتي مفهماني، والاهم من موقفك ناحيتي هو انك تساعديني عشان ارجع.
أدارها حتى باتت في مقابلته وتمتم بحزن:
-أنتي الselff control بتاعي يا ياسمين فالمفروض اول ما تلاقيني تخطيت الحاجز ترجعيني.
رفع ذقنها حتى تنظر له وهمس مرددا بصوت عميق ومتأثر:
-رجعيني، رجعيني يا ياسمين، رجعيني يا سلطانه عشان أنا محتاجك اوي وبمر بأسوأ فتره في حياتي كلها.
شعرت بنصل حاد وقد اخترقها من نبرته المنكسرة وعبراته التي لم يخجل أن يظهرها امامها وما زادها ألما هو ما أكمله بحديثه متالما:
-بس لو مش قادره مش هقدر اضغط عليكي وأعيشك غصب عنك معايا، يعني لو فكرتي إن الانسان ده مرضه ملوش علاج وهفضل معاه في الدوامة دي طول العمر، مره سليم ومره عنده انتكاسه، وحسيتي أنك فعلا مش هتقدري تكملي يبقى الافضل اعرف دلوقتي.
وضع راحته على رأسها ممررا إياها نزولا لوجهها وجنتها وداعب خلف أذنها بأنامله وهو يقول:
-ومش هزعل منك، ربنا خلقنا كل واحد عنده طاقه للتحمل فلو مش قادره تتحملي مش هقدر أجبرك خصوصا اني شايف وعارف إن مرضي ملوش علاج وكل الحكاية بتكون فترات هدوء وبييجي وراها الفيضان زي دلوقتي.
ابتلع ريقه من كثرة الحديث وسألها باهتمام:
-قولتي ايه؟
لم يتوقع مطلقا أن يسمع منها هذا الحديث وهي تسأله:
-وولادي وأهلي؟ هتعمل فيهم ايه؟
شعر على التو بانسحاب دماءه من عروقه من فاجعة مغذى سؤالها، فهل تنوي بالفعل تركه والآن تريد الإطمئنان على عائلتها؟
تنفس بعمق ساحبا شهيقا محملا بالألم ومخرجا زفيرا محملا بالغضب وأجابها:
-ولادي هيفضلوا معاكي، أكيد مش هاخدكم منك ولو كنت ساعة عصبيتي هددك بيهم فأبدا مكانتش دي نيتي.
سألته باكية:
-وأهلي؟
قضم داخل فمه من الداخل وعض على شفته السفلي كمحاولة لتمالك غضبه وهو يجيبها:
-مش هاجي جنبهم، بس اللي هيقف قصادي في موضوع شادي هدهسه ومش هسمي على حد، لكن مش هقرب من حد من عيلتك عشان سبتيني.
شردت تنظر له وكأنها تحاول حفظ ملامحه عن ظهر قلب وتكلمت بصعوبة من غصة بكاءها:
-إزاي عايزني اقف جنبك وأرجعك عن الطريق الوحش وانت مصر تأذي ناس ملهومش ذنب باللي حصل، ولاد مروان بيه وسطنا ولما اعترضت على وجودهم قولتلي محدش منهم اذاكي وانهم كويسين.
بكت وانتحبت وهي تضيف:
-اشمعنى لحد عند أهلى وكل موازينك بتختلف، إزاي رايح الحج كمان كام شهر وأنت ناوي تعمل الغلط والحرام.
صرخ بها مقاطعا:
-انا مش بعمل حاجه حرام...
قاطعته تنفي حديثه:
-هتقدر تبص للكعبه وتدعي ربنا وأنت أذيت ناس كل ذنبهم أنهم أهل شادي؟ خد حقك منه هو بالشكل اللي يرضيك بس اهلي ذنبهم ايه؟
صرخ وهو يدور حول نفسه:
-أنا مقولتش هأذيهم، أنتي عايزه تجننيني؟ أنا قولت اللي هيقف مع الزفت شادي بس هو اللي مش هسيبه.
خطى ناحيتها وأحنى رأسه قليلا لمستوى طولها وسألها مستنبطا:
-ولا عشان انتي متأكده انهم هيقفوا معاه ضدي؟
ردت بارتباك:
-الطبيعي انهم يقفوا مع اللي منهم حتى لو غلطان زي ما انت بتعمل، بس اللي متأكده منه إن لا جدي ولا نرمين هيقفوا ضدك.
ابتسم بزاوية فمه وهو يسألها:
-وعمك محمود؟
أجابته محركة رأسها باللإيجاب:
-أيوووه، عمي محمود وعمي أحمد، واحد لازم يقف مع ابنه عشان هو ابوه والتاني هيقف مع أخوه فأنت هتأذيهم مش كده؟
صمت فاقتربت منه تمسد وجهه براحتها الناعمة:
-فااارس، بلاش تكييل بمكيالين وزي ما سامحت اللي منك مره واتنين على أذيتي أنا وولادك فمش هقولك سامح شادي بس خد حقك صح، خد حقك بالقانون وابعد أهلى عن الحرب دي.
ظل ناظرا لها بعمق عينيها التي يتوه بهما فابتسمت وهي تمسك راحته وتسأله:
-فارس الفهد الجديد، الراجل اللي بيصلي ورايح لبيت ربنا مش هيأذي ناس ملهاش ذنب عشان ينتقم من واحد كل هدفه انه يفرقنا عن بعض.
عقب عليها وهو مطبقا على أسنانه:
-قولي لنفسك، طالما فاهمه إن هدف شادي أنا وأنتي مش مازن ولا حتى جنى، ليه بتاخدي مني موقف على عصبيتي؟
ارتعشت شفتيها ولم تجب وتحركت من أمامه تستند على المكتب فذهب وراءها ووقف يسألها بحيرة:
-قررتي ايه يا ياسمين؟ هتكملي المشوار معايا ولا هتنزلي من نص الطريق؟
ردت وهي تسحب أنفاسها بداخلها:
-انا بحبك، وهفضل معاك طول ما انت بتحبني وعايزني بس بشرط، انك متخبيش عليا تعبك وانتكاساتك عشان نلحقها واللي حصل ده ميتكررش تاني.
رفع حاجبه وزم شفتيه للامام وهو يعقب على حديثها:
-اللي حصل ميتكررش تاني في المجمل ولا بالشكل ده؟ لأن أنا وانتي ساعات بنحب كده واستوديو الرماية يشهد.
ضحكت رغما عنها لتلك الذكرى المثيرة فابتسم هو الآخر ورفع وجهها بسبابته لتنظر له وهمس بغزل:
-سلطانة قلبي وحبي الوحيد، أنا آسف على اللي حصل وإن شاء الله اخرج من المستشفى أحسن من الاول بكتير.
أومأت وهي تبتسم فانحنى مقبلا إياها وهو يهمس:
-هتوحشيني الكام يوم دول.
رددت هي الأخرى:
-وانت كمان.
قبلها تلك المرة قبلة عميقة وحملها ليجلسها على طرف المكتب وهو واقفا أمامها ويده تستبيح جسدها؛ فتمتمت بتمنع وهو يقبلها بشغف:
-فارس، بلاش جنان احنا في العيادة.
ابتعد عنها ضاحكا وهو يعلق:
-مش هيكون جنان اكتر من اللي حصل في قسم البوليس، وبعدين انا رايح المصحة الصبح يعني بقيت مجنون رسمي.
رفضت حديثه وهي تضع راحتها على فمه فقبلها بحرارة وهي تقول:
-أنت مفيش في عقلك، أنت رايح تصفي ذهنك مش تتعالج.
أومأ وهو يؤكد عليها:
-بس عشان تعرفي انك كمان هتتعالجي زي الدكتور ما قال، هتشوفيه هيرشح لك مين من الدكاتره وتروحي من غير حجج.
وافقته بحركة طفيفة من رأسها، كل هذا والطبيب النفسي يراقبهما من أمام شاشات المراقبة الموضوعة بداخل مكتبه، وفور أن شعر أنهما أصبحا على خير ما يرام استدعى الطبيب المختص بحالة فارس المرضية فصعد الأخير وقام بالاسعافات اللازمة له وتحركا للعودة لعشهما الهادئ.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية