-->

رواية جديدة ظلمات حصونه 2 لمنة أيمن - الفصل 25

 

قراءة رواية ظلمات حصونه الجزء الثاني 

الإنتقال من الظلمة الى النور

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية ظلمات حصونه

الجزء الثاني

الإنتقال من الظلمة الى النور

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة منة أيمن


الفصل الخامس والعشرون



بعد مرور عشر أيام..


جميعنا نمر بأوقات عصيبة، أوقات نتمنى محيها من ذاكرتنا، الكثير من الحزن، الألم، الضيق، الوحدة، الخذلان، الضعف، الانهيار، البكاء، المزيد من البكاء، ولكنها تمضي، لا يُهم كيف مضت؟ المهم إنها مضت وها نحن مازلنا أحياء، والحياة دائما تستمر سواء شِئت أم أبيت، ولذلك علينا الأستمرار والتعلم من أخطاء الماضي، والأهم أن لا نُكررها مرة أخرى.


فى الأيام العشرة الماضية كان الجميع يُراجع حسباته من جديد، لنبدأ بـ"جواد" الذي تأكد من حبها له، بل وأعترفت بذيك أمام أم عينيه، هذا كان حقا كافيا بالنسبة له، حتى ولو أستغرقت سنوات عدة بالتفكير فى أمر رجوعها له، يكفي إنه تأكد من حبها له وإنه أستطاع إكتساب محبتها بعد أن برع فى زع كرهيته فى قلبها.


ولكنه لم يتوقف عن إفتعال الأسباب لإقترابه منها طوال الأيام الماضية، بداية من إجرئات المشفى الموجود بها "مالك"، مرورًا بعملهم سويا بالشركة التي أهملوها طوال فترة سفرهم ويليها غيبوبة "مالك"، والمزيد من التقرب لها فى المنزل أيضًا وهما يتشاركان اللحظات الجميلة بينهم وبين رضيعهم الذى أكتسب من العمر ما يزيد عن الخمسة أشهر.


ومع كل لحظة أو مكان يجمعهم ينتهز الفرصة فى التقرب منها والتعرف على ما يحلو لها وينال محبتها وإعجابها، لقد تعرف عن أطعمتها المفضلة، وذوقها فى أختيار ملابسها، والاماكن التي تُحب الذهاب لها، حتى أصدقائها المقربين، الأن بات يحفظ جميع تفاصيلها، ولن ينسى أن يستغل كل هذه الاشياء فى التقرب منها وكاد كان.


أما عن "ديانة" بالرغم من إنها بالفعل أعترفت له بحبها الدفين داخل قلبها، إلا إنها تشعر بالتخبط وعدم الأستقرار على قرار مُعين، لقد لاحظت مُحاولته المتكررة طوال الفترة الماضية فى التقرب منها والفوز برضائها، لن تُنكر إعجابها بطريقته المرحة والمليئة بالعاطفة وهو يلهو مع رضيعهم ويسقطه فى نوبات ضحك لطيفة للغاية، يبدو إنه سيكون أبًا رائع فى المستقبل.


حتى هي لم يُقصر فى حقها وكان يُحاول التقرب منها بأي شكلًا كان، لقد لاحظت اسئلته المتكررة عنها فى الفترة الماضية بطريقة لا تُثير ريبتها، يبدو وكأنه يُحاول التعرف عليها من أول وجديد، وقد راقتها للغاية تلك الطريقة، على الرغم من إنها عاشت مثل تلك الاشياء مع "أدهم" فى بداية تعرفهم على بعض، إلا إنها لم تكن مُتحمسة وسعيدة كتجربة الأمر معه.


أما عن "مالك" و"زينة" فكلهما يشعر بالتشتت والضياع، هي تريد نسيان كل شيء سيء مر عليهم والتشبث بأخر ذكرى جميلة لهم معا، والبداية منها مرة أخرى وكان شيئًا لم يكن، وهذا على عكسه هو تماما، إنه يريد تذكر ذلك الجزء التي تسعى هي لنسيانه.


فكلما نظر إلى عينيها يتذكر نظرة خيبة الأمل والإنكسار التي كانت تنظرها له، لماذا تلك النظرة محفورة فى عقله هكذا، ما هي الجريمة التي أرتكبها فى حقها وهي لا تحاول إخفائها عنه! سيتذكر، بالتأكيد سيتذكر، وإن كان حقا فعلما لا يُغفر، سيعاقب نفسه بما لا تتحمله.


بينما "إياد" و"ملك" فقد عاد الوضع بينهم كما كان، رجعت "ملك" إلى دراستها التي بالفعل بدات منذ شهر تقريبًا، وعاد إياد إلى عمله وإستكمال تجهيزات زواجهم الذي يحتفظ بالبعض منها لنفسه، لتكون مفاجأة سارة لها.


أما عن "هاشم" و"لبنى" فأخيرًا تخطت "لبنى" شعورها بلإحراج من حملها فى هذا العمر، وذلك عندما ذهبت إلى الطبيبة وتابعت معها وأخبرتها إنه شيئًا لطيف وبات يحدث فى كثير من العائلات وحقا تكون تجربة جميلة.


بينما "هاشم" لا يستطيع إعطاء سعادته لأحد، فمنذ أن علم بحملها وهو يعد الأيام لرؤئية طفله وحمله بين يديه، فهذا الطفل أيقظ بداخله شغف ظن إنه مات منذ واحد وعشرون عامًا، ولكنه تيقن الأن إنه لايزال حيًا بداخله.



❈-❈-❈


تهبط الدرج الداخلي للمنزل وكلامحها مُرهقة للغاية ويبدو عليها عدم أخذ كفايتها من النوم، وهذا نتج عن قرارها فى نقل سرير طفلها من غرفة والدتها إلى غرفتها، وهذا لكي تتقرب أكثر من طفلها وتعوضه عن فترة غيابها، وأيضا لترتاح والدتها فهي تعلم جيدًا أن فترة الحمل مُرهقة جدًا وتكون بمثابة توفير طاقة لما هي مُقبلة عليه.


تخطت أخر سلمة وهي تحمل رضيعها بين يديها وملامحها تصرخ بالإرهاق، لتتقدم وتقترب إلى السفرة الجالس عليها كلا من "هاشم" و"لبنى"، لتصيح هي الأخرى مُعلنة عن وجودها وإستيائها:


- لا خلاص معدتش قادرة أستحمل.


قلقت "لبنى" من ملامح إبنتها المُرهقة ونبرة الاستياء التي تتحدث بها وهتفت مُستفسرة بإهتمام:


- فيه إيه يا حبيبتي؟


أجابتها "ديانة" وهي على مشارف البكاء من إحساسها بالمسؤلية تجاه طفلها، وإحساسها بالإرهاق والتعب، وهتفت مُفسرة:


- نور طول الليل مش عايز ينام، بيصحى كل ساعة وعايزني أشيله ينام شوية ويرجع يصحى تاني.


ضحكت "لبنى" بخفوت على حديث أبنتها وهي تتفهم جيدًا مت تمر به إبنتها، فهي تشعر بالتخبط لأنها لاتزال فى البداية، لو كانت تحملت مسؤلية "نور" منذ عودته إلى البيت لكانت الأن مُعتادة على الامر، ولكنها يجب أن تعتاد، وعليها أن تعلم كيف تكون الأمومة، لتُردف مُطمئنة إياها:


- مهو ده عادي يا حبيبتي كل الأطفال كده.


صاحت مرة أخرة شاكية لولدتها من تمر به من ضغط، مُعقبة بمزيد من الإستياء:


- جهازي العصبي أدمر خلاص يا ماما.


تدخل "هاشم" بالحديث وهو يُقرب يديه منها مُضيفًا بمحبة:


- طب هاتي حبيب جدو ده، وتعالي أفطري.


أعطته الرضيع الذي ابتسم بساعدة فهو حمل جده له، وأضافت بنبرة يُغلفها التحذير:


- اتفضل يا عمي، ومتستعجلش بكرة جيلكوا اللي يسهركوا كده زيي.


كان "جواد" يهبط الدرج فى تلك الأثناء ويستمع إلى القليل من حديثهم، ووصل إلى مسامعه صوت والده يُجيبها بثقة:


- لا يا حبيبتي أنا متفق مع لبنى، إحنا هنخفف عن بعض، أنا أشيله شوية وأسيبها تستريح وهي تشيله شوية وأنا أستريح.


ام تقطنع "ديانة" بهذا الحديث التطوعي، لو فقط تعايش بما تتعايشه هي مع طفلها لمدة يومان، سيتراجع عما يقوله في الحال، لتُعقب بحماس:


- يسلام على التفاهم، بكرة نشوف.


اقترب "جواد" منهم وأعلن عن وجوده مُلقيًا عليهم تحية الصباح قائلا:


- صباح الخير.


بادله الجميع التحية بكثير من الحب، بينما صاح والده موجهًا حديثه نحوه مُصطنعًا الإستخفاف:


- تعالى شوف مراتك اللي نازله تشتكي من نور، قال مسهرها طول الليل.


أبتسم "جواد" بخفة إلى والده وجلس بجانبها، بينما شرع الجميع فى تناول الطعام، ليستغل هو ذلك وأقترب منها هامسًا بنبرة ماكرة:


- مش لو كنا فى أوضة واحدة كان زماني شيلت عنك شوية.


كادت ان تبتسم بفعل كلماته ولكنها ثبتت عن فعل ذلك وزجرته عما يقول مُصطنعة الجدية:


- أصطبح على الصبح وخلي اليوم يعدي.


هو ليس بطفل صغير حتى لا يلاحظ إعجابها بما قاله، وإصطنعها للجدية، حسنًا سيصمت الان ولكن اليوم مازال فى بدايته، ليتمتم بتوعد:


- حاضر.


❈-❈-❈


عاد إلى المنزل بعد أن سمح له الطبيب بمغادرة المشفى ولكن بشرط الراحة التامة، كانت تُسناده فى السير بالإضافة إلى العُكاز الذي يستند عليه ليستطيع الحركة، فهو مازال مُجبسًا يده وقدمه.


دلفا معًا إلى داخل الشقة بعد أن فتحت هي الباب وساعدته فى الدخول، لتهتف مُرحبة به فى ود:


- حمدلله على السلامة.


قابلها بإبتسامة خافته دون أن تتلاقى أعينيهم، وأضاف بود مُتبادل:


- الله يسلمك.


ضرب براسها رفضه لإقتراح والدته بأن يذهبوا إلى منزلها وتصميمه على أن يعود إلى منزله، أردت أن تساله منذ خروجهم من المشفى عن سبب رفضه، ولكنها أنتظرت أن يكونوا بمفردهم، لتهتف مُعلنة عن إستفسارها:

 

- أنت ليه صممت نيجي على البيت هنا ورفضت إقتراح مامتك!


أجابها وهو يُحاول الإعتماد على نفسه والأتكاء على الحائط بجانبه مُردفًا بتوضيح:


- حبيت نرجع بيتنا عشان منبقاش مُضطرين نمثل قدام حد، وعشان وجودي فى البيت ممكن يفكرني الحاجات اللي أنتي مش عايزة تقوليهالي.


توترت للغاية من إصراره على معرفة حقيقة ما حدث بينهم، ولكن أنقذها عدم توازنه فى الوقف، لذلك غيرت مجرى الحديث مُردفة بإكتراث؛


- طب تعالى أدخلك الاوضة ترتاح شوية.


ساعدته فى السير إلى غرفتها التي كانت تمكث هي بها مُتعمدة عدم الذهاب إلى الغرفة الاخرى، بينما بمجرد أن دخلوا الغرفة تعجب هو من مجيئهم إلى هنا، ليضيق ما بين حاجبيه وعقب بإستنكار:


- هو أحنا بنام فى الأوضة دي!


كافحت لكي تبدو صادقة وغير مُتوترة وأجابت بإقتضاب:


- أيوه.


هو فقد جزء من ذاكرته وليست ذاكرته بالكامل! هو يتذكر منزله ويتذكر أن هذه الغرفة الصغيرة وليست الغرفة الرئسية الكبيرة، بالإضافة إلى ذلك هو لا يتذكر إنه كان يمكث بهذه الغرفة؟ يبدو أن هناك خطأ ما! ليضيف بمزيد من الاستنكار:


- طب وسايبين الأوضة الكبيرة ليه؟


يبدو إنها كانت مخطئة عندما ظنت إنه نسي تفاصيل حياتهم، يبدو إنه يتذكر البعض منها ويبدو أيضا إنه لن يستغرق الكثير من الوقت حتى يتذكر ما حدث بينهم، تتمنى حقا أن لا يؤثر هذا عليه بالسلب، قررت وضع إرتباكها على جنب وأصطنعت تبرير إلى حدًا ما منطقي، وهتفت بتوضيح:


- عادي يعني، الديكور بتاعها مكنش عاجيني.


فى البداية لم يصدق هذا التبرير الغير منطقي بالنسبة له، لماذا لم تطلب منه أن يقوموا بتغير ذلك التصميم، أو تغير المنزل بأكمله على كل حال، كاد أن يستفسر عن هذا الشيء، ولكن أوقفه رؤية رداء الاستحمام الخاص بها مُلقى أرضًا، وضرب برأسه ذكرى يوم طلاقهم وإنه حدث فى هذه الغرفة.


يبدو إنها مُحقة فى أمر مكوثهم بهذه الغرفة، ليته يستطيع تذكر ما تحدثوا فيه ذلك اليوم، أو حتى ما كان يحدث من قبل، ليته يتذكر كيف تزوجوا بهذه السرعة ولماذا لم تكن سعيدة معه بالرغم من حبهم الذي يتذكرة! لماذا لا يتذكر تلك الحلقة المفقودة.


لاحظت هي أستقرار عينيه على رداء إستحمامها المُلقى أرضًا، والتي نزعته هنا فى ذلك اليوم بهمجية قبل أن تدلف إلى غرفة تبديل الملابس والذهاب إلى المشفي، كادت أن تتحدث ولكنه سبقها مُردفًا بتعجب:


- هو أنتي مجتيش هنا من يوم طلاقنا!


لماذا يُصمم أن يذكرها بأمر طلاقهم وإنه السبب فى حدوث ذلك الحادث، تعلم جيدًا إنه لا يقصد ذلك، ولكن هي تراه هكذا، نعم هي لم تستطيع أن تأتي إلى هنا وهو ليس معها، لقد طلبت من ديانة ان تُحضرها لها بعض من ملابسها التي لاتزال فى منزل والدها، لتُجيبه بإقتضاب:


- لا، مقدرتش أجي هنا من بعد الحادثة.


لاحظ إنها لا تُحبذ ذكر أمر طلاقهم، سيراعي هذا قدر الإمكان حتى لا يتسبب لها فى المزيد من الحزن، ليسير بصعوبة نحو المرحاض مُعتمدًا على نفسه، مُضيفًا برجاء:


- طب ممكن تجبيلي تيشرت وبنطلون على ما أخرج من الحمام.


شعرت بالصدمة الكبيرة من شدة غبائها، كيف لها أن تنسى أمرًا كهذا؟ فملابسة لاتزال فى الغرفة الأخرى، هذا سيجعله يرتاب فيما أخبرته به، أسرعت فى الركض نحو الغرفة الأخرى بمنتهى التلقائية لتُحضر كل ما يخصه قبل أن يخرج من المرحاض.


وبمجرد أن دلفت تلك الغرفة، ووقعت عينها على تلك الأريكة، شعرت بنغزة مؤلمة فى صدرها، ولكنها لم تعطي بألًا لذلك الألم، وأسرعت إلى غرفة تبديل الملابس الخاصة به وإخراج ما تستطيع حمله.


ما فعله بها كان مؤلم حقًا ولا يُغتفر بسهولة، ولكن شعورها بفقدانه إلى الأبد يبدو إنه مؤلمًا أكثر، لذلك عليها أن تتناسى ما حدث وتتمسك بذلك العشق بينهم.


نجحت فى نقل الكثير من الأشياء التي تخصه، ملابس وأحذية وأحذمة وعطور مركبات خاصة بالشعر، وقامت برصهم جميعًا فى غرفة تبديل الملابس الخاصة بهذه الغرفة، وأخرجت منهم ما قام بطلبه قبل دخوله إلى المرحاض بالاضافة إلى الملابس الداخلية التي يبدو إنه خجل أن يطلبها منها.


خرج هو بعد ما يقارب على عشرة دقائق، وكان هذا وقتًا كبيرًا جدًا، فإنه كان يريد فقط قضاء حاجته وغسل يديه والخروج، فكرة الحركة على قدم واحدة والاعتماد على ذراع واحدة غير سهلة أبدًا، لابد أن يتحرك بحذر شديد أفضل من أن يصبح الوضع أسوء، عشرة دقائق فلط لقاء الحاجة! يبدو أن فكرة الأستحمام ستكون مُستحيلة.


بمجرد أن خرج لاحظت هي إرهاقة الشديد، يبدو أن الأمر لم يكن سهلًا عليه، أسرعت فى الذهاب إليه ومساندته حتى أوصلته إلى الفراش بجانب الملابس التي أخرجتها له، لتقترح عليه بتلقائية:


- تحب أساعدك فى تغير هدومك؟


كم تمنى أن يوافق على ذلك لأنه يعلم إنه سيبذل مجهودًا مما بذله منذ قليل، ولكنه تذكر إنها الأن ليست زوجته وليس من حقه أن يجعلها تفعل ذلك خصيصًا وإنه سيُبدل كامل ملابسه، ليرفض إقتراحها بحزم:


- لا ملوش لزوم، أنا هعرف أتصرف.


شعرت هي بالإحراج الشديد من صده لها ومن تسرعها فى عرض إقتراحها عليه، فهو سيبدل كامل ملابسه فكيف ستساعده هي؟ لاحظ هو إحراجها وإنه كان حاد فى كلماته، ليحاول تصليح ما أفسده دون قصد وأضاف مُقترحًا بهدوء:


- بس ممكن تطلبلنا أكل!


فرحت لإقتراحه ولاحظت إنه لا يريد أن يُحزنها ولو ببعض الكلمات المُقضبة، لتقابله هي بحب وإهتمام نابع من قلبها مُقترحة ببتسامة ود:


- طب عندك مانع إني أعملك أنا الأكل، على الأقل هيكون صحي أكتر.


أومأ لها برأسه بالموافقة على إقتراحها مُرددًا بإقتضاب:


- تمام.


أعتلت البسمة وجهها وشعرت بالسعادة تغمرها، وهتفت بحماس:


- ساعة إلا ربع بالظبط وأجبهولك لحد عندك.


خرجت مُتحمسة جدًا نحو المطبخ، هي لأول مرة ستوعد له الغداء بنفسها، فطوال فترة زواجهما كانوا يجلبان الطعام من الخارج، يبدو أن هذا الحادث لم ينسيه هو فقط ما حدث، بل يبدو إنها هي الأخرى نسيته.


بينما رمقها هو ورغمًا عن أنفه أبتسم بصدق على عفويتها وحماس الأطفال الذي كانت فيه، لقد أشتاق لوئبتها كهذا جدًا، لقد أشتاق للمس يدها وضمها إلى صدره، لقد أشتاق لنظر داخل زرقاوتيها، لقد أشتاق لكلمة حب وهي تخرج من بين شفاتيها.


كيف وصلوا إلى هذه المرحلة؟ ما الذي فعله حتى بُني بينهم ذلك السد؟ ما الخطأ الذي أكترفه في حقها، نعم هو يتذكر بعضًا ممَ دار بينهم فى يوم الحادث...


- بس أنا بحبك ومش قادر أسيبك. 


حاولت إستجماع أخر ذرة قوة لديها قبل أن تنهار تمامًا مُحاولة إقناعة بأن أستمرار زواجهم أو الرجوع لما كانوا عليه شيئًا مستحيل، لذلك يجب عليهم إنهاء الأمر قبل أن يتلاشى كل ما كان جميلا بينهم فى يومًا من الأيام، هتفت مُصطنعة القوة والثبات: 


- مش دايمًا الحب بيكون كفاية، فى حاجات كتير أهم من الحب، زي الثقة والأمان والكرامة، وكل دي حاجات أنا ملقتهاش معاك، طلقني يا مالك أرجوك. 


ما رأه فى عينيها أكد له أن الأمر قد أنتهى، لقد خسرها إلى الأبد وفشل في إعادتها مرة أخرى، لا فائدة من الندم أو البكاء أو حتى الصراخ، لن يشفع له شيئًا عندها، حتى الموت لا يمكنه إصلاح ما أفسده هو، يكفي إلى هذا الحد. 


طالعها بنظرة مٌحطمة خالية من الحياة وبداخله يتمزق إربًا مما هو مُقبل على قوله، ولكنه لن يرغمها على البقاء معه، ما جعلها تُفكر فى هجره وهجر عائلتها وهجرة البلاد بأكملها، يعني إنه لم يخسرها هو فقط بل جعلها تخسر نفسها أيضا، عقب بصوت شبه مبحوح أثر ما يشعر به من ألم قائلًا: 


- أنا أتخدعت مرة زمان وأفتكرت إني حبيت، بس لما عرفتك عرفت إني عمري ما حبيت قبلك، أنا أه كسرت ثقتك وأمانك معايا، بس حفظت كرامتك قدام الكل وأعترفت بغلطي وحاولت أصلحه، أنا فعلا خذلتك وكسرتك بس أنتي قتلتيني. 


لم تتوصل لما يقصده بأخر جمله قالها وظلت تتابعه بعينيها بصمت وهو يتحرك نحو باب الغرفة عازمًا على الخروج منها، وقبل أن يخطوا أخر خطوة إلى الخارج، ألتفت لها بنظرة ميته ودموعه تهبط من عينيه وقلبه ينتفض بين ضلوعه مُضيفًا بحسرة وشفتان يرتجفتان: 


- أنتي طالق يا زينة. 


ما الشيء الذي فعله بالضبط! كيف حطم ثقتها وأمانها معه! ماذا كان يعني عندما أخبرها إنه كسرها؟ وماذا كان يعني بإنه حافظ على كرمتها أمام الجميع؟ ليت صعقة تخرج من السماء وتضرب برأسه كي يتذكر ما حدث.


لحظة واحدة، إذا كان هذا قرارها النهائي قبل الحادث؟ لماذا أختلف وتريد أن تعود له الأن؟ هل تشفق عليه! أم أن هناك شيء أخر هو لا يعرف عنه! يشعر وكأن رأسه سينفجر من كثرة التفكير.


لن يهدأ له بال إلا عندما يتذكر ما حدث بالضبط، وعليه أن يسألها عن سبب تغير قرارها، وإن كان هذا شفقة منها سيعفيها من تقديم تلك التضحية، الشيء الوحيد الذي متأكد منه الأن إنه أخطأ وعليه أن يُعاقب، سيحدد نوع العقاب المناسب له عندما يتذكر جُرمه.


❈-❈-❈


كان الجميع بحلسون حول طاولة الإجتماعات فى الغرفة المخصصة لها، ويتبادلون الحديث فى أمور الشركة والصفقات العالقة، ليهتف "هاشم" موجها حديثه نحو الجميع مُستفسرًا:


- عملتوا إيه فى الاتفاقية بتعتنا إحنا ونصار جروب.


كاد "إياد" أن يتحدث ولكن سبقه "جواد" مُجيبًا على إستفسار والده مُردفًا بحدة:


- أنا بفكر نلغي الاتفاقية دي.


تفاجئ الجميع من قراره المفاجئ، هم بالفعل يعلمون أن هذا القرار شخصي بالنسبة إلى "جواد"، ولذلك تدخلت "ديانة" مُعلقة بإستنكار:


- نلغيها إزاي يعني! طب والشرط الجزائي اللي فى العقد؟


أجابها "جواد" بملامح جامدة ولايزال مُحافظًا على حدته مُعقبًا بإصرار:


- هدفعه من حسابي الشخصي.


حاول "إياد" لفت إنتباه صاحبه بأن هذا قرار مُتأخر جدًا وإنه ليس هناك سبب منطقي لقرارًا كهذا، ليهتف موضحًا:


- بس يا جواد مفيش سبب منطقي نلغيها عشانه، كل حاجة جاهز على التنفيذ.


رمقه "جواد" بنظرة حادة ومُعاتبه على ما تفوه به رغم حقيقة معرفته بالأمر، بينما تدخل صوت "هاشم" مؤكدًا على حديث "إياد" مُردفًا بتوضيح:


- أنا كمان رائي من رأي إياد، مفيش سبب مهم يستدعي إلغاء الصفقة يا جواد، وكمان كده سمعة الشركة هتتأثر.


أكدت "ديانة" هي الأخرى على حديث عمها هاتفة بتأيد دون النظر إلى "جواد":


- وأنا كمان بأيدكم الرأي يا عمي.


نظر "جواد" نحوها رافعًا حاجبيه بمزيد من التوعد والاستنكار عمَ فالته، وقبل أن يعقب بكلمة واحدة، سمع الجميع صوت طرقات السكرتيرة على الباب، ليسمح لها "هاشم" بالدخول، لتردف بإعتذار:


- أنا أسفة على المقاطعة يا هاشم بيه، بس أدهم نصار بره وعايز يقابل حضرتك.


زفر "جواد" بكثير من الانزعاج وعلق مُتهكمًا:


- أهو جيبنا سيرة القط جيه ينط.


لم يُعلق أحد على قول "جواد" بل أبتسم الجميع على غيرته الواضحة، ليوجه "هاشم" حديثه نحو السكرتيرة مُعقبًا بهدوء:


- خليه يدخل.


لحظات حتى دلف "أدهم" إلى الأجتماع وهو يردد بلباقة:


- مساء الخير يا جماعة.


- مساء النور.


قالها الجميع ماعدا "جواد" الذي أدار وجهه إلى الناحية الأخرى مُتأففًا، ليتجه "أدهم" نحو "هاشم" ومد يده لمصافحته، ليقابله "هاشم" مُصافحًا إياه ثم أشار له بالجلوس مُرددًا:


- أتفضل يا أدهم.


ابتسم له "أدهم" بإمتنان قائلًا:


- شكرًا يا هاشم بيه.


جلس "أدهم" بعد أن ألقى بنظرة سريعة على "ديانة" وكأنه يطمئن من وجودها، وأضاف موجها حديثه نحو "هاشم" مُعقبًا بهدوء:


- فى البداية حمدلله على سلامة مالك.


ابتسم له "هاشم" بود قائلَا:


- الله يسلمك.


مرة أخرى شرع "أدهم" فى الحديث مُفصحًا عن سبب مجيئه مُعقبًا بتوضيح:


- أنا طبعا أسف إني جيت من غير معاد، بس أنا جي بالنيابة عن بابا وهو عايز يعرف هنبدأ فى التنفيذ أمتى؟


لمحة سريعة رمقها "هاشم" نحو "جواد" وهو يُجيب على سؤال "أدهم" مُعقبًا بحزم:


- إحنا لسه كنا بنتكلم دلوقتي وقررنا نبدأ الشهر الجاي.


ابتسم له "أدهم" وأضاف بحماس:


- هايل، بابا هيتبسط جدًا بالخبر ده.


تدخل "إياد" فى الحديث موجها كلماته نحو "هاشم" مُعقبًا بإحترام:


- أه بس يا هاشم بيه كده أنا مش هقدر أتابع باقي الـ..


قاطعه "هاشم" قبل أن يُكمل حديثه وهو بالفعل يعلم ما يريد قوله، ليهتف بتوضيح:


- عارف يا إياد عشان فرحك، متقلقش جواد هو اللي هيتابع كل حاجة.


زفر "جواد" بكثير من الانزعاج بسبب قرارات والده، ولكنه لا يستطيع أن يُراجعه فيما قاله، وفي نفس اللحظة أستأذن "هاشم" ليُجيب على إتصالًا ما أتاه، ليهتف "أدهم" موجهًا حديثه نحو "إياد" مُردفًا بتهنئة:


- مبروك يا إياد، إيه يا عم مش تعزمنا؟


كاد "إياد" أن يتحدث ولكن سبقته "ديانة" الذي أجابت على سؤال "أدهم" مُعقبة بتلقائية وود:


- هو أنت أصلا محتاج عزومة يا أدهم!


أدار "جواد" وجه نحو الجانب وعض على شفتية بكثير من الغيظ والغضب الذي يحاول عدم إظهارة، بينما حول "أدهم" نظره نحو "ديانة" وهتف بأرياحية شديدة:


- لا طبعًا ده ملوكه أختي الصغيرة.


حسنا يبدو أن "جواد" لن يكون واحده من يريد قتل ذلك الفتى،  واياد ايضا فـ"إياد" أيضا شعر بالغيرة القاتلة بمجرد أن دلل زوجته، ليبتسم له "جواد" بشماته بعد أن شرب من نفس الكأس، وتبادل الأثنان النظرات فيما بينهم، وكأنهم أتفقوا على شيئًا ما.


لتُكمل "ديانة" عذومتها إلى "أدهم" وأضافت ببسمة لبقة:


- خلاص متنساش بقى وأنا هبعتلك invitation على الشركة.


ابتسم لها "أدهم" بإعجاب لم يستطيع إخفائه وأضاف موافقًًا إياها:


- تمام أنا فى الانتظار.


أنهى "هاشم" إتصاله وعاد إلى الطاولة مرة أخرى ووجه حديثه نحو "ديانة" بتلقائية:


- ديانة، ياريت تبقي تحددي معاد مع أدهم عشان الإجرأت الأزمة، خصوصا إنكوا نفس التخصص.


لم يعي "هاشم" خطورة ما قاله ولا عواقبه وما يمكن أن يفعله "جواد"، بينما لم يصدر "جواد" أية ردة فعل، لتؤمأ "ديانة" بالموافقة على حديث عمها قائلة:


- تمام يا عمي.


نهض "أدهم" من مقده وأضاف بإحترام:


- طب أستأذن أنا يا هاشم بيه.


أومأ له "هاشم" بالموافقة، بينما حول "أدهم" نظراته نحو "ديانة" وأضاف بإبتسامة مرحة:


- هستنى إتصالك والـinvitation.


أستغرب "هاشم" من كلمات "أدهم وتلك الأريحية التي يتحدث بها إلى "ديانة"، وما تعجب له أكثر هو هدوء "جواد"، ليأتيهم صوت "ديانة" موافقة:


- تمام.


خرج "أدهم" من المكتب، بينما حولت "ديانة" نظراتها نحو "جواد" بتلقائية، لتجده يطالعها بنظرات مُرعبة لم ترأها من قبل، ودون أن يوجه لأحد أي كلمة نهض وتحرك نحو الباب هو الأخر، ليتوقف وألتفت ليوجه جملته نحو والده قبل أن يُكمل خروجه مُرددًا بإبتسامة ماكرة:


- شكرا يا بابا.


يُتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة منة أيمن, لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة