رواية جديدة ظلمات حصونه 2 لمنة أيمن - الفصل 20
قراءة رواية ظلمات حصونه الجزء الثاني
الإنتقال من الظلمة الى النور
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ظلمات حصونه
الجزء الثاني
الإنتقال من الظلمة الى النور
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة منة أيمن
الفصل العشرون
فى صباح اليوم التالي يجلس كلاهما على طاولة الطعام لتناول الأفطار قبل أن يذهب "هاشم" إلى الشركة، هتفت "لبنى" موجهة حديثها نحوه بود:
- ساعتين كده وأتصل بـ زينة وأقولها على اللي اتفقنا عليه.
أومأ لها "هاشم" بالموافقة مُردد بإمتنان:
- تمام يا حبيبتي، بجد شكرًا على كل اللي بتعمليه عشانا.
نهته "لبنى" عن ذلك الحديث مُردفة بصدق:
- متقولش كده يا هاشم، زينة وجواد بنسبالي زي ديانة بالظبط والله وبحبهم كلهم قد بعض.
ابتسم لها بمحبة مُعقبًا برجاء:
- ربنا ميحرمناش منك أبدًا.
كادت أن تُجيب عليه ولكن قاطعها صوت جرس الباب مُعلنًا عن مجئ أحدهم، تعجب كلاهما بينما ذهبت إحدى العاملات بالقصر لفتح الباب، ليعلق "هاشم" بتعجب:
- يا ترى مين اللي جي الصبح بدري كده؟
رفعت "لبنى" كتفيها كرد منها إنها لا تعلم، بينما وصلت "حسنة" إلى باب القصر وبالفعل فتحته، وبمجرد أن رأتهم صاحت مُهللة بترحاب:
- حمدلله على السلامة يا حبايبي.
قابلتها "ديانة" بإبتسامة ود، قبل أن تسألها بلهفة ظاهرة:
- الله يسلمك يا دادا، هي ماما فين؟
أجابتها "حسنة" مُتفهمة إشتياقها إلى والدتها:
- بتفطر جوا مع هاشم بيه.
دلفت "ديانة" بسرعة إلى غرفة الطعام وكأنها غابت عن والدتها لأعوام وليس لأيام قليلة جدًا، ليلحق بها "جواد"، وبمجرد أن رأتها والدتها صُدمت من عودتها السريعة ومن لهفتها للإقتراب منها، لـ تُتمتم فى تعجب:
- ديانــــة!
أرتمت "ديانة" فى صدرها بلهفة واضحة مرددة بحمل:
- مــاما.
أحتضنتها "لبنى" باشتياق مماثل وتغاضت عن صدمتها بعودتهم المفاجئة وعن شعورها بإنها تعاني من أمرًا ما، بينما أقترب "هاشم" من "جواد" مُرحبًا به:
- حمدلله على السلامة يا حبيبي، مش كنتوا تعرفونا إنكوا راجعين النهاردة!
- معلش يا بابا جيت فاجأة كده.
خرجت "ديانة" من عناق والدتها مُعقبة بمزيد من الاشتياق الفطري:
- هو نور فين يا ماما؟
أجابتها "لبني" بهدوء وهي تربط على ظهرها:
- في أوضته يا حبيبتي.
أستعدت لذهاب إليه بلهفة واضحة:
- طب أنا هروح أشوفة عشان وحشني جدًا.
أدركت "لبنى" أن هناك ما يفوتها عن أبنتها، هناك أمرًا ما بها، لماذا تبدو وكأنها لم تنم طوال الليل؟ لماذا تبدو عليها ملامح الأرق والتشتت! ما السبب وراء عودتهم بهذه السرعة! ولماذا شهرت بأنها عندما كانت تحتضنها إنها تحمل عبئًا كبير! ما الذي حدث بالضبط؟
عليهم التحدث قليلا على إنفراد، هتفت "لبنى" موجهة حديثها نحو "ديانة" وهي تنهض من مقعدها قائلة:
- خديني معاكي.
تحركت كلاهما نحو غرفة "نور" وبمجرد أن أختفوا، صاح "هاشم" موجها حديثه نحو ابنه مُستفسرًا:
- إيه عملت إيه يا بورم؟
تنهد "جواد" بثقل وزفر كل ما فى صدره مُردفًا بهدوء:
- لا ده حوار طويل، أروح أنا كمان أشوف نور وأرجع أحكيلك.
وافقة "هاشم" الرأي مُعقبًا بتوضيح:
- طب أبقى تعلالي على المكتب بقى.
أومأ له "جواد" بالموافقة مُرددًا بإنصياغ:
- تمام.
❈-❈-❈
الظلام هو كل ما تراه الأن، ولكن هذا أي نوع من أنواع الظلام! أهذا ظلام طريقها التي لم تعد ترى فيه أي بصيص نور أو أي أمل يجعلها تتشبث بـ الحياة! أم هذا ظلام الظُلم التي تعرضت له دون أن تفعل شيء ليتركها مُحطمة هكذا! أم هذا ظلام قلبها الذي جعلها الذي لم يسامحة وأوصلهم إلى نقطة الهاوية؟ كلا إنه ظلام المكان حولها، على الأرجح إنها فقدت قدرتها على الرؤية بسبب كثرة بكائها.
ولكن لحظة! لما كل هذا البكاء؟ ألم يكن هذا ما كانت تريده منذ البداية؟ ألم تكن تريد أن يُطلقها لتعود لها كرامتها التي سلبها منها بفعلته الخسيسة معها؟ ألم تكن تريد أن تهرب بعيدًا عنه؟ إذا لماذا هي لازالت هنا! أو لتكن أكثر وضُحا أين هي الأن؟ وما هذا الصوت المُزعج الذي يؤذي أذنيها!
إنها تعرف هذا الصوت جيدًا، إنه صوت هاتفها المحمول، تُرى أين هو أيضا! ما هذا الشي السطح الموجود أسفل منها؟ إنها لا تتذكر شيئا، أخر ما تتذكره هو صوت تكسير قلبها عندما قال "مالك" تلك الكلمة التي لا تُصدقها بعد.
نعم، نعم، لقد تذكرت، لابد إنها الأن بالمشفى، يبدو أن تخمينها كان حقيقي وإنها فقدت القدرة عن الحركة، ولكن من الذي أكتشف الأمر، هل أخبر "مالك" والدها بما حدث وجاء لأخذها؟ أم أن "مالك عاد لأجلها ليلة أمس و..
لحظة واحدة، إنه لم يعود ليلة أمس! إنها ظلت تبكي لوقت طويل وتنتظره حتى يُساعدها على النهوض والرحيل أو حتى يُخبر والدها، ولكنه لم يعود! صوت هاتفها مرة أخرى! إنها لاتزال فى مكانها منذ ليلة أمس! ولكن أين "مالك"؟
- مــــــالك.
قالتها بفزع وهي تفتح زرقاوتيها وتكتشف إنها كانت نائمة على الأرضية بمكانها ولا تسترها سوا تلك المنشفة على جسدها، صدح هاتفها للمرة الثالثة وحينها لا إراديًا ركضت نحوه وأطمأنت إنها لازالت تستطيع الحركة.
تفحصت الهاتف لتجد المُتصل هو "مالك" فأجابت على الفور دون إرادة منها وهتفت بلهفة:
- مـــالك! أنت فين؟
ليحدث أخر ما كانت تتخيله، إنه صوت شخصًا أخر غير "مالك"، وفي تلك اللحظة تحديدًا أنقبض صدرها بطريقة لم تُشعر بها من قبل، وأتسعت أذنيها وعقلها توقف عن التفكير تماما، لتسمعه على الطرف الأخر يُردد:
- حضرتك إحنا مستشفى (...)
الهلع، الفزع، الذعر، الندم، الحسرة، كل هذه أشياء هينة أمام ما تشعر به الأن، تُقسم إنها ستموت إذا لم تسمع منه الأن ما يُطمئنها، لتصيح بلهفة:
- مستشفي ليه! مالك حصله حاجة؟
أجابها الطرف بروتينية نابعة من طبيعة عمله مُعقبا بتوضيح:
- حضرتك الرقم ده لقينا أخر مكالمة على تليفون حالة دخلت الطوارئ إمبارح باليل.
طوارئ! هل قالها حقا الأن؟ ما الذي حدث له؟ كسر فى الساق! كسر فى الذراع! كسر فى كلاهما! بالتأكيد لن يحدث أكثر من ذلك، تتمنى ذلك حقا من كل قلبها، ستذهب له وتعانقه وستسامحه ويكفي إلى هذا الحد، وتبًا لكرامتها الملعونة.
ليعود ذلك الصوت مرة أخرى مُعقبًا بإستفسار:
- حضرتك تعرفي واحد اسمه مالك محمود؟
صاحت بلهفة وكم تتمنى أن يخبرها إنه بخير وإنه مجرد حادث بسيط لا يستحق كل هذا الذعر التي تشعر به:
- أيوه ده جوزي؟
أجابها مُحاولًا تخفيف شدة الصدمة عليها ومُحثها على التماسك والثبات والاستعداد لما سيقوله الأن مُردفًا بتوضيح:
- أنا أسف فى اللي هقوله بس محتاج حضرتك تتمالكي أعصابك، إحنا عايزين حد من أهله عشان أستاذ مالك عمل حادثة كبيرة جدًا ولما وصل المستشفى قالوا إنه توفى و...
خابت توقعاتها وإنهارت أمانيها مع أخر كلمة نطق بها، توفى! لا، هذا لم يحدث، إنها مزالت نائمة وهذا كابوس نابع من عقلها اللعين، هي لم تستيقظ بعد وهو لم يمت، عليها أن تسترخي فقط، هذا مجرد كابوس، تركت الهاتف ليسقط من يدها على الأرض وعند أستماعها لصوت إرتطامه بالأرض تأكد إنه واقع ملموس.
كان الشاب على الهاتف قد أنتهى من جملته وظن إنها استمعت إلى كامل حديثه، ولكنها لم تفعل ذلك فقد أبعدت الهاتف عنها بمجرد أن قال إنه توفى، وعندما لم يجد منها إجابة على حديثه أخذ يردد مُحثها على الكلام:
- ألـو.. ألـــوا!
❈-❈-❈
وضعت فنجان القهوة أمام زوجها كالعادة بعد الانتهاء من الافطار، كان "محمود" يجلس بغرفة مكتبه وهناك أمرًا ما يُشغل عقله وتفكيره، حتى إنه لم يلاحظ وجود "منال"، لتصيح هي لافته إنتباه قائلة:
- القهوة يا محمود.
وأخيرًا أنتبه "محمود" لوجودها وما قالته، فعقب بامتنان وود:
- تسلم إيدك يا حبيبتي.
أدركت "منال" أن هناك ما يُشغل تفكيره، لتهتف مُستفسرة:
- إيه اللي شاغل عقلك بالشكل ده؟
حمل فنجان القهوة ليرتشف منه القليل ووضعه فى مكانه مرة أخرى مُجيبًا إياها بحيرة:
- مالك.
ضيقت ما بين حاجبيها فى إستغراب وتعجب، إنها أيضا تشعر بالقلق على "مالك" منذ ليلة أمس ولكنها لم تكن تريد أن تخبره حتى لا يقلق وعزمت على أن تتصل به اليوم، ولكن زوجها الأن يبدو قلقًا عليه ولهذا ذاد قلقها هي الأخرى وهتفت مُستفسرة:
- ماله مالك؟
تنهد بثقل شديد مُشاركها خوفه على إبنهم الوحيد مُردفًا بتوضيح:
- حاسس إنه فيه حاجة! حاسه حزين ومكشر على طول! حتى مش بيجلنا كتير ولا بيكلمنا فى التليفون! مش عارف ليه حاسس إن فيه مشكله بينه وبين مراته؟
تسلل القلق إلى قلب "منال" هي الأخرى، وذلك لأنها هي أيضا لاحظت أن العلاقة ليست على أفضل حال بين ابنها وزوجته وكادت أن تؤكد على حديثه، ولكن قاطعها صوت "ملك" تطرق على الباب مُعقبة بابتسامة مشرقة:
- صباح الخير يا أحلى بابا وماما فى الدنيا.
بدلت "منال" ملامح القلق التي كانت تعتلي وجهها بأخرى باسمة حتى لا تلاحظ أبنتها وتقلق، وردت عليها التحية مُقبلة إياها:
- صباح النور يا قلب ماما.
فعل "محمود" المثل وهو يرمقها بابتسامة مُحبة مُردفًا بعاطفة:
- صباح الفل يا عروسة.
ابتسمت "ملك" باحراج ممً تفوه به والدها مُعقبة بتصحيح:
- لسه بدري على الجملة دي يا بابا.
ابتسم "محمود" على حرج ابنته الواضح وعلق مُعبرًا عن سعاده بها قائلا:
- ولا بدري ولا حاجه ده كلها شهرين وتبقي أحلى عروسة فى الدنيا.
عانقته "ملك" بحب شديد وتأثر بمدحه لها، بينما أبتسمت "منال" وأردفت مُستفسرة:
- رايحة الكلية ولا إيه؟
أومأت لها "ملك" بالموافقة مُردفة بتوضيح:
- أه عندي مُحاضرة بدري النهاردة و..
قطع حديثها صوت رنين هاتف والدها مُعلنًا عن إتصال ما، ليلتقطه "محمود" مُطلعًا على هاوية المتصل، فعلق بغرابة:
- معقوله مالك بيرن الصبح بدري كده!
أضافت "منال" بلهفة وقلق:
- رد بسرعة لتكون زينة فيها حاجة.
فتح "محمود" الاتصال وهتف بتلقائية وحب:
- صباح الفل يا حبيبي.
جائه صوت غريب عنه مُعقبًا باستفسار:
- حضرتك والد أستاذ مالك محمود!
تملكه الكثير من القلق والرعب على ابنه وكان ذلك واضحًا جدًا عليه وأجاب باستفسار:
- أيوه يا ابني فيه إيه؟
تعالت ضربات قلب "منال" وتذكرت قبضة صدرها ليلة أمس على ابنها وصاحت هي الأخرى مُستقسرة بفزع:
- فيه إيه يا محمود؟
أشار لها أن تنتظر قليلًا حتى بتمكن من سماع ذلك الشاب الذي بدأ فى الحديث مُردفًا بأسئ:
- أنا أسف فى اللي هقوله بس أستاذ مالك عمل حادثة كبيرة جدًا ولما وصل المستشفى قالوا إنه توفى ولما فحصناه أتفاجئنا إنه لسه فيه النبض ودخل أوضة العمليات بقاله خمس ساعات وحالته حرجة جدًا.
نهض "محمود" من مكانه بزعر وتحول وجهه للون الأصفر صائحًا بصدمة:
- مالك!
سقط الصنية الزجاج من يد "منال" وضمت يدها إلى صدرها بسرعة صارخة بهلع:
- ابني!!..
❈-❈-❈
هناك بعض الأشياء لا يمكن الهرب منها وأهمها المواجهة، لا تعتاد أن تهرب من مواجهة وخصوصًا المواجهات المصيرية، واجه بقوة وشجاعة حتى وإذا كنت ستخسر، فالمواجهة وحدها شرف يستحق المحاولة.
وهو أعتاد طوال حياته أن يهرب من المواجهة، ولكن الأن الأمر بات محسوم، سيواجها، سيبوح بكل ما لديه من ذكريات، أفعال، مشاعر سلبية، أخطاء، سيكشف اليوم حقيقة كل ما كان عليه، سيخبرها إلى أي حد يعشقها، ومنذ متى أكتشف ذلك.
يقفان فى مواجهة بعضهم البعض فى غرفة "ديانة"، كلاهما بداخلهم الكثير من الحديث ولكن الشجاعة لم تأتي بعد، قرر أن يخوا هو أول خطوة فى تلك المواجهة وهتف مُتمنيًا:
- أتمنى تكوني جاهزة ومستعدة تسمعيني.
زفرت محاولة إنعاش صدرها وعقبت بملامح باردة:
- عايز تقول إيه يا جواد؟
لن يراوغ، لن يُزين الحديث، سيبوح بما يريد ولتفعل هي ما تريد، أجابها بأعين عاشقة ولامعة مُردفًا بصدق:
- عايز أقول إني بحبك.
توقعت ألاف الكلمات، الأعتذار، الاعتراف بالذنب، التوسل والمطالبة بالسماح، الصراخ بالندم، ولكن الافصاح عن الحب وتلك النظرة العاشقة! لم تكن تتوقعها مُطلقًا، هل يخيرها الأن لأول مرة إنه يحبها! الكثيرين أخبروها إنه يعشقها ولكن سماعها منه هو لها شعورًا أخر، اللعنة لما هي سعيدة هكذا؟
حاولت قدر إستطاعتها إخفاء تلك السعادة وذلك الشعور الفطري عن الظهور أمامه، وظلت مُحافظة على ملامحها الجامدة ومُصاحبها الصمت اللعين، ليكمل هو ما بدأه عساه أن يجد الراحة بعد تلك الكلمات:
- بحبك من أول يوم شوفتك فيه، وأنتي قاعدة جمب الأرجوز اللي أسمه أدهم ده يوم ما كان عايز يخطبك.
قست ملامحة بفعل الغيرة الحارقة التي أنتابته بمجرد تذكره أن ذلك الحقير كان سيكون زوجها وكان يمسك بدها بذلك اليوم، ولكنه أستطاع التحكم فى أعصابه وأضاف بصدق:
- بحبك من أول مرة عيني جات فى عينك، بحبك من أول مرة وقفتي فيها قصادي واتحدتيني ودفعتي فيها عن نفسك، بحبك من اول بوسة أقنعت نفسي إني بعاقبك بيها وأنا أصلا اللي كنت بتلكك.
رغمًا عن أنفها أبتسمت على كلماته ولكن بمجرد أن تذكرت شعورها فى تلك الأوقات تبدلت أبتسامتها من المرح إلى السخرية الازعة، وأضافت بنبرة ساخرة مُستهزئة بما يقول هاتفة:
- بجد كنت بتحبني! طب أزاي؟ كنت بتحبني وأنت بتضربني! ولا وأنت بتشتمني وتهني! ولا مثلا لما أنتهكت جسمي وسمحت لنفسك تسرق عذريتي بالطريقة الحقيرة اللي أنت عملتها! ولا يكونش كنت بتحبني وأنت بتغتصبني زي الحيوانات بمنتهى الشهوانية والقذارة؟
أغمض عينبه فى خذي بمجرد أن بدأت فى إلقائها عليه جرائمه فى حقها، ليصيح فى النهاية بمنتهى الندم والاشمئزاز من نفسه مُعقبًا بنفور من أفعاله:
- كنت غبي، كنت أعمى ومش شايف الحقيقة، أنا عارف إني غلطان وغلطي ميتغفرش وإني أستاهل تاكليني بسنانك، بس أنتي متعرفيش أنا مريت بإيه؟
ترقرقت الدموع فى عينية بفعل ما تذكرة بداية من طفولته البائسة مرورًا بمراهقته الفاشلة نهاية برجولته الُمنتهكة، وبدأ فى تحرير ولو جزءًا بسيط مما مر به على يد تلك المرأة مُردفًا بمرار:
- ديانة أنا كنت طفل بالأسم بس، ممنوع ألعب، ممنوع أهزر، ممنوع أخرج، ممنوع أغلط، ممنوع أفرح وأضحك، كنت لما بأجي أعمل أي حاجة وأضحك من قلبي، كنت الاقي هناء تبصلي بغضب وإحتقار وتقولي بقى أنت راجل أنت! بقى أنت عندك دم تضحك بعد ما شوفت أمك ميته قدام عنيك ومحدش جبلها حقها؟
تنهد بألم وتهاوت تلك الدمعة التي لم يُحاول حتى منعها، سيظهر لها اليوم وجهه الحقيقي، وجه الطفل الذي لطالما تمنى لو حظا برفاهية الشعور بالحنان والعاطفة، أضاف بمزيد من القهر والحسرة:
- كانت بتستغل كل فرصة عشان تفكرني وتزرع جوايا الغل والحقد، وطبعا كان سهل جدًا عليها بسبب سفر بابا الكتير ومحدش هيقدر يمنعها ولا يقولها أنتي بتعملي إيه! كانت بتتعمد تعاملني بقسوة وجمود عشان أطلع زيها بالظبط.
لم يستطيع منع تلك الضحكة الساخرة على نفسه وهو يهتف بقهر أنهكه:
- ديانة أنا لحد ما أنتي ظهرتي فى حياتي كنت بخاف منها؟
رغمًا عنها رددت خلفه بمزيج من الصدمة والدهشة مُستفسرة:
- كنت بتخاف منها؟
المزيد من السخرية على ما كان عليه، حقا يشعر بالتقزز والاشمئزاز من نفسه ومن ضعفه وقلة حيلته أمامها، لما كان بكل هذا الجُبن أمامها! هتف مُستهزئًا بنفسه:
- أيوه كنت بخاف منها، تخيلي راجل طول بعرض كل اللي يعرفة بيعمله ألف حساب، وكلمته بتهز أقوى راجل، ومش بيخاف من جنس مخلوق، ماعدا الست دي، كان بيقلب قدمها عيل صغير عنده عشر سنين، وأكيد أنتي فاكرة الكلام اللي كنت حكتهولك وأنا سكران.
ضرب بذاكرتها أحداث تلك الليلة المشئومة التي لم تخلوا من إنتهاكه لجسدها وإقتحامه لحصونها دون إرادتها، لتتغاضى عن التفكير في ذلك الأمر وعلقت فقد على الجزء الخاص بحديثها وهتفت مُستفسرة بشفقة:
- ليه مفكرتش تقول لباباك؟
أجابها بصدق تمنى لو كان كاذبًا فيه، الأب هو الأمان لأولاده، هو الحماية والسند ضد أي عدو، ولكن علاقته بوالده لم تكن تلك العلاقة، فمذ وفاة والدته وأصبح بينه وبين والده سورًا عالي إسمه العمل والسفر، دائما غائب عنه، بالاضافة إلى إنه كان يراى علاقة والده مع "هناء" لهذا لم يكن متأكدًا إنه سيصدقه أو سيساعده:
- كنت خايف ميصدقنيش، مكنش عندي ثقة فى جنس مخلوق إنه ممكن يحميني منها، كانت بتضربني وتحبسني، وتحرمني حتى من اللعب مع زينة، وكبرت وكبر معايا خوفي منها، لدرجة إني حتى وأنا راجل مكنش عندي القوة إني أواجها.
على الرغم من شعورها بالشفقة عليه، إلا أن ما فعله بها مازال يؤلمها، إلى الأن تتذكر كل ما فعله بالضبط، تتذكر حتى شعورها حينها، لتهتف بإستفسار لا يخلوا من الحدة:
- بما إنك كنت بتخاف منها، ليه سمعت كلامها وأذيتني رغم إنك لسه قايل إنك حبتني من أول ما شوفتني.
أجابها بنبرة صدق لا تخلوا من الندم والشعور بالذنب على كل ما أكترفه فى حقها مُردفًا بحزن:
- مكنتش أعرف لسه إني بحبك، كنت عايز أطلع فيكي كل اللي عشته عشرين سنة بسبب مامتك، كنت عايز أثبتلها وأثبت لنفسي إني راجل وبنتقم لموت أمي، لحد ما شوفتك واقفة قدامها وبتتحديها من غير خوف، أتمنيت أكون زيك فى اللحظة دي.
ضحك بإستهزاء شديد من نفسه حينها وحزن جدًا على حاله وأضاف بسخرية لازعة:
- طب تصدقي إني كنت بتمني أقف وراكي وقتها عشان تحميني وأنا بقولها إني مش خايف منها وإني معدتش هسمع كلامها تاني، بس رجعت افتكرت إن محدش هيعرف يحميني منها وافتكرت الطفل الصغير اللي بيقعد ساعات وأيام فى الأوضة الضلمة يعيط ويتمنى إنها تسامحه أو يجي حد يطلعه من هنا.
أدمعت عينيها لا تعلم أحزنًا عليه أم قهرًا على نفسها، وهتفت بنبرة يُغلفها العتاب:
- وعشان كده سمعت كلامها وأغتصبتني؟ عشان تثبت رجولتك قدامها مش كده!
وقعت كلمة "أغتصبتني" بالخنجر فى قلبه، حقا يشعر بكثير من الألم كلما قالت هذه الكلمة، يا لها من كلمة مؤلمة حقا على من يعشق، والأصعب عندما يكون حقا فعلها، اللعنة عليه وعلى ما فعله، حاول أن يوضح لها ما كان يريده فى هذا اليوم عساها تتوقف عن قول تلك الكلمة البغيضة مُردفًا بتوضيح:
- اليوم ده أنا مكنتش بغتصبك، أنا كنت بحاول أثبت لنفسي إني قوي وإني أقدر على اللي هناء مقدرتش عليها، كنت فاكر إني كده هبقى أنا اللي قوي بعد ما أستمد قوتي منك، بس هتصدقيني لو قولتلك إني رغبتي فى إني أكون معاكي بحنية وحب كانت أكبر من أي إحساس تاني، مكنتش عارف وقتها إني وقعت فى حبك.
لمعت عينيه بعشق نابع من قلبه، عشق لا يستطيع أحد إصطناعه أو تزيفه، عشق أستطاعت هي أن تراه داخل زرقاوتيه ولكنها لن تستسلم لتلك الرغبة المُلحة فى مُعانقته، عليها أن تتحكم فى مشاعر المراهقة تلك، ليكمل هو بصدق:
- كنت بقع فى حبك شوية بشوية وأنا مش حاسس، لحد ما جات أول لحظة أحس فيها باللهفة والخوف عليكي، يوم ما رجعت من أمريكا وأتصرفت معاكي زي الحيوانات، مكنتش حاسس غير بإحتياجي لكي، ولما شوفتك مُغمى عليكي وفيه دم على السرير، يومها حسيت بخضة محستهاش من يوم ما شوفت أمي وهي غرقانة فى دمها بعد ماوقعت من على السلم.
تألم بشدة على تلك الذكرى السوداء الذي ضربت بذاكرته، منظر والدته وهي تلفظ أنفايسها الأخيرة والدماء تنسدل منها، يا له من منظر بشع، أستطاع التحكم فى نفسه مرة أخرى وأكمل بمزيد من الألم المصحوب بالغضب:
- واتأكدت أكتر إني بحبك يوم ما هناء بعتت كوثر عشان تقتلك أنتي واللي فى بطنك، يومها عرفت إني مقدرش أعيش من غيرك.
هل تأثرت حقا بما يقوله! ما تلك الرغبة الملعونه التي تحثها على إسكته واحتضانه عساها تُخرج كل ذلك الحزن من قلبه! هل نسيت ما فعله بها؟ إغتصابه لها، إهانتها، ضربها، كل شيء فعله بها، كلا لن تنسى ولن تستسلم، تشبثت بأخر ذرة منطق بداخلها وهتفت مُعاتبة إياه بحدة:
- محدش بيحب حد بيأذيه يا جواد.
صاح مُحاولًا الدفاع عن نفسه على الرغم من ضعف حيلته، إلا إنها كل ما يملك، بالإضافة إنه يتحدث بصدق معها ولها حرية الاختيار بالنهاية:
- من أول يوم بدأت أحس فيه بالخوف عليكي وإنك حامل أخدت عهد على نفسي مأذكيش تاني، وفعلا بقيت بحاول أتجنبك بأي طريقة، لحد ما واجهت هناء فى اليوم اللي بعتت فيه كوثر وقدرت أقف في وشها لاول مرة، اليوم ده شربت كتير وكان كل اللي هممني إني أجري عليكي وأقولك إني أسف وإني مش عايزك تبعدي عني، بس المرة دي كمان الوضع خرج عن السيطرة.
أكملت هي بالنيابة عنه مُذكرة نفسها بما فعله معها، عساه تسترد قسوتها أمامه مُرددة بحزن:
- وأغتصبتني.
أغمض عينه ولكن هذه المرة بغضب شديد من نفسه ومن واقع سقوط تلك الكلمة على مسامعه، لماذا تتعمد قولها كل مرة؟ صاح بها هذه المرة بنبرة يملئها الرجاء:
- بلاش الكلمة دي، أنا عارف إنه بالنسبة ليكي إغتصاب، لكن بالنسبة ليا كان ضعف وخوف ورغبة شديدة فى القرب منك، كنت محتاج حضنك، كنت محتاج أحس إنك ممكن تحبيني وتكوني معايا فى يوم من الأيام، بس تاني يوم لما افتكرت اللي حصل روحت للدكتورة بتاعتك.
ضيقت ما بين حاجبيها بإستغراب، هي لم تكن تعلم إنه ذهب لـ الطبيبة الخاصة بها في ذلك اليوم، ليُكمل هو عندما لاحظ ملامح التعجب على وجهها مُضيفا بتوضيح:
- أيوه روحت للدكتورة بتاعتك عشان أتطمن إنك كويسة ويوميها عرفت إنك حامل فى ولد، وقررت إني لازم أتعالج عشانك وعشان أبننا اللي جي.
تذكرت حديثه عندما كان بالمشفى "الحضانة" عند طفلهم وقص عليه شيئا كهذا، ليُكمل هو بحب شديد لها قائلا:
- كان عندي استعداد أعمل أي حاجة فى الدنيا بس متبعديش عني، كنت متأكد إننا هننفع نبقى أسرة كويسة فى يوم من الأيام.
أقترب منها جدًا ونظر إلى داخل زرقاوتيها ليستطيع رؤيته تلك اللمعة بهم وتأثير ما سيقوله عليها مُردفًا بثقة:
- زي ما أنا متأكد كده إنك بتحبيني يا ديانة.
"أيوه بحبك" ذلك ما تمنت أن تفصح به الأن، خصيصًا وأعينهما تتلاقى هكذا، تتمني لو تصرخ بها الأن وتبا له ولما فعله بها ول"هناء" ولكل شيء، ولكن كلا حتى ولو كانت هي الأخرى تعشقه لن تفصح بها، لن تُظهر ذلك الضعف أمامه، ستخرج من تلك العلاقة كما هي مرفوعة الرأس وعزيزة الكرامة.
أستجمعت كامل شجاعتها وقوتها وتمنت أن تظل على ذلك الثبات مُعقبة بنبرة خُيل لها إنها صادقة:
- أنا مبحبكش يا جواد.
حركة عينيها الغير ثابته والتي تصرخ بالعشق له كانت هي أكبر دليل على كذبها، أبتسم هو بغير تصديق مُردفًا بثقة:
- كدابة.
رفعت حاجبيها بدهشة وبالفعل صُدمت من ثقته الذائدة وظهر الأرتباك على وجهها، لتتسع إبتسامته وتأكد من إنه على حق وأضاف مؤكدًا:
- أيوه كدابة، أنا متأكد إنك بتحبيني من يوم ما هناء كانت عايزة توقعني معاها من على سطح القصر، وكنت بتأكد أكتر فى كل مرة كانت بتجمعنا سوا وعينك تفضل متعلقه بيا.
أقترب منها أكثر وحاصر خصرها يين كفي يده وضمها إلى صدره، بينما هي كانت وكأنها تمثال لا يستطيع الكلام أو الحركة، أرادت أن تدفعه بعيدًا عنها، ولكن جسدها اللعين مُستمتع بملامسته لها، لتغمض عينيها مُستسلمة لما يفعله، ليهمهم هو أمام شفتيها مُردفًا بإلحاح:
- أعترفي يا ديانة إنك بتحبيني، أعترفي إنك يوم ما كنتي فى أوضتي وأنتي حامل كنتي داخله عشان تشمي ريحتي اللي فى قميصي.
فتحت عينيها ونظرت نحوه بصدمة وبدت وكأنها كانت تُحلق بالسماء وفجأة سقطت ليلتقطها هو بين يديه، صاحت بإستفسار:
- أنت عرفت منين؟
أجابها ولايزال مُحاوط خصرها ويضمها إلى صدره، بالأضافة إلى إبتسامة ماكرة علت ثغره مُردفًا بتوضيح:
- كنت جمب الباب برا وفضلت أتابعك لحد ما شوفتك وأنتي بتشليه من على السرير وقربتيه منك وفضلتي تشميه وبعدها حضنتيه.
شعرت بكثير من الحرج وتمنت لو تستطيع أن تتبخر الأن من شدة الخجل، وتشبثت بأول حجة وجدتها أمامها مردفة بلهفة:
- دي كانت هرمونات حمل وحاجات كده شبه الوحم.
ضحك بخفة على حجتها وقد راقت له كثير، ليضمها أكثر إلى صدره مُردفًا بإستفسار:
- كنتي بتتوحمي على ريحتي؟ كنتي قوليلي وأنا أحضنك بدل القميص.
حاولت بقدر إستطاعتها التمسك بأخر ذرة قوة لديها وهتفت بصوت بالكاد أستطاعت أن تُخرجة مُردفة بترجي:
- جواد كفاية كده لو سمحت.
لن يتركها قبل أن يصل لما يريد وبالفعل هو أصبح قريبًا للغاية، ليُعقب بكثير من الإصرار:
- أعترفي يا ديانة إنك بتحبيني.
ظل ينظر إلى أعماق زرقاوتيها بشدة، لتخور قواها بالنهاية وتنهار حصونها وتفصح عما بداخلها دون إرادتها، دفعته فى صدره دون عنف مُفصحة عما بداخلها مُردفة بإنهيار:
- أيوه بحبك يا جواد..
بالفعل كان يعلم إنها تحبه، ولكن إعترافها له لأول مرة جهله يشعر وكأن قلبه على وشك الخروج من بين ضلوعه، كان يريد أن يُعانقها فى تلك اللحظة، ولكن رؤية الدموع تترقرق فى عينيها أوقفته عما كان مُقبل عليه، وأضافت بضعف:
- بحبك بس غصب عني مش قادرة أنسى اللي عملته فيا، مش قادرة أنسى الضرب والربط والاغتصاب والاهانة وكل اللي عملتوا معايا، مش قادرة أنسى الوجع اللي سببتهولي.
هبطت دموعها مُعلنة عن كامل إنهيارها مُضيفة بمزيد من البكاء والنحيب:
- بحبك بس خايقة منك، خايفة أبقى معاك تاني فى بيت لوحدنا، خايفة أديك الأمان ترجع تمارس عقدك عليا، خايفة المرة دي لأن مش بس كبريائي اللي هيتكسر لا ده قلبي كمان.
كلمتها ورؤية دموعها كانوا أصعب ما مر عليه فى يومًا من الأيام، هذا الألم لا يُضاهي أية ألم شعر به من قبل، بكائها يُمزق قلبه إربًا، لا يستطيع رؤية دموعها، إنها نقطة ضعفه الأن، أقترب منها مرة أخرى وأمتدت يده ومسح دموعها مُتمتمًا بعشق:
- وأنا مش عايز أكتر من كده.
قبلها أسفل عينها مكان دموعها التي لم تجف بعد مُردفًا براحة وصدق:
- حبيني أنتي وسبيني أنا أنسيكي الوحش اللي فات، أوعدك عمري ما هجرحك ولا هأذيكي أبدا، أنا بحبك يا ديانة ومعنديش إستعداد أبدًا إني أخسرك.
وكأن إعترافها أعادها لأرض الواقع وأعاد لها شخصيتها العقلانية لتسود الحديث مرة أخرى، على الرغم من حبها الذي أصبح واضحًا وضوح الشمس الأن، إلا إنها لن تتخذ قرارًا مصيريًا فى لحظة عاطفة، عليها أن تفكر بالأمر أولًا، لتهتف بحزم:
- معظم القررات اللي بناخدها فى لحظات عاطفية بنرجع نندم عليها، عشان كده أديني فرصة أفكر وأشوف هقدر أكون معاك مرة تانية ولا لا؟
شعر بالسعادة الشديدة لما قالته، هذا يعني إنها حقا تريد العودة له وإعطائه فرصة أخرى، ولكنه لن يضغط عليه، سيتركها هذه المرة لتفكر ومتأكد إنها هذه المرة ستكون له بقلبها وعقلها وجسدها، ليردف بقبول:
- وأنا هستني قرارك وهنفذهولك مهما كان.
لم ينتبه أي منهم لصوت هاتف "جواد" الذي صدح أكثر من مرة، وبالنهاية أخرجه "جواد" ليجد أن المتصل "إياد"، فتح الأتصال مُجيبًا بإنفعال من إلحاق صديقه قائلا:
- إيه يا إياد فيه إيه؟
أتسعت عيني "جواد" بصدمة وأعتلت وجهه ملامح الفزع والذعر مما أستمع إليه، لاحظت "ديانة" ما حدث له وشعرت بالذعر هي الأخرى وصاحت بإستفسار:
- فيه إيه يا جواد؟
لاتزال الصدمة تأثر عليه وظل يدور بعينيه فى جميع أركان الغرفة وكأن عقله ليس بمكانه وردد بقلة وعي مُجيبًا عليها:
- مالك عمل حادثة كبيرة أوي ونقلوه المستشفى وحالته خطر جدًا.
شعرت بالرعب الشديد وركضت نحو باب الغرفة عازمة على الخروج من القصر صارخة بهلع:
- مالك!
ركض "جواد" خلفها بعد أن فاق من صدمته وركض كلاهما إلى المشفى الذي أخبره "إياد" بعنوانها على الهاتف، ولحق بهم "هاشم" و"لبنى" بعد أن أخبرهم "جواد" بما حدث.
❈-❈-❈
دائما ما كنت أحترم مقولة أنـ "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" وذلك ما يحدث بالفعل، هناك الكثير من الأوقات التي لا نُجيد قضائها فيما نحن بحاجة إليه، وها هي إنسابت منها أوقتها التي كانت فرصة لها لإصلاح ما تم إفساده، ولكنها لم تنتبه لذلك.
لم تدرك طوال الفترة الماضية أن هناك الكثير من الاشياء أهم من الكبرياء والعند، مثل إننا لا نعرف كم سنحيا ومتى سنموت وأن هذه الحياة ليست باقية لكي نقضيها فى البُعد والخصام والحرمان ممن نحب وهم لايزالوا أحياء يُرزقون.
الموت لا يستأذن أحد، الموت لا ينتظرنا لكي نحل مشاكلنا الدنياوية، الموت لا يشفق على أحد، حينما يدق الببان لا يوقفه السن الصغير أو الزواج القصير أو طفل سيصبح يتيم قبل أن يولد، أو حتى الزعل بين الأحبة وسيليه العتاب ثم المسامحة، الموت لا ينتظرك لتعتذر عما بدر منك فى حق الأخرين أو إعتذار الأخرين منك عما بدر منهم فى حقك، الحياة قصيرة جدًا ولكننا لا نُدرك هذا إلا بعد فوات الأوان.
وها هي أدركت ذلك ولكن متى! وهي جالسة أمام باب غرفة العمليات بعد أن علمت إن حب حياتها بالداخل وإنه على لقاء بالموت المفاجاء بصحبة بعض الأطباء الذين يبذلون قصاري جُهدهم لإبقائه على قيد الحياة.
عندما وصلت إلى المشفى كانت تظن إنه رحل عن عالمهم، وكل ما كانت تنتظره هو رؤيته للمرة الأخيرة والبكاء إلى أن تُذهق روحها هي الأخرى، ولكن عندما علمت إنه لايزال على قيد الحياة، تجدد أملها بأن الحياة تعطيهم فرصة أخرى، ولكن هذه المرة لن تُضيعها، ستخبره إنها تسامحه وستحيا معه هو وطفلهما فى سعادة وحب، ولكن الحياة ليست بهذا الكم من الكرم.
وصلت عائلة "زينة" إلى المشفى وعلموا أن "مالك" الأن بغرفة العمليات وأن زوجته تنتظره خارجها، وأسرع الجميع فى الذهاب لها، ومعم "هاشم" الذي كان يشعر بالرعب على ابنته، ركض "هاشم" إلى ابنته القابعة أمام باب غرفة العمليات وهي فى حالة من إنعدام الوعي، فقط عينيها مفتوحان ومثبتان فى نقطة ما فى الفراغ.
حاوط "هاشم" وجهها بين كفيه وهو يتفحصها إن كان حدث لها شيئًا أو لا، وصاح بكثير من اللهفة الأبوية مُستفسرًا:
- زينة! أنتي كويسة يا بنتي؟
لم تُجيب أو تتحرك حتى، لا تزال عينيها مُتعلقة بتلك النقطة بالفراغ وكل ما يطرق برأسها هو لقائها الأخير مع "مالك" وذلك الحوار القاسي الذي دار بينهم، لتهتف "ديانة" هذه المرة مُحاولة إنتشالها ممً هي عليه مُستفسرة باهتمام:
- إيه اللي حصل يا زينة؟
الصمت المُميت هو التعبير الوحيد للحالة التي هي عليها، حتى إنها لا تستطيع سماعهم، كل ما يتردد بأنيها هي أخر جملة قالها لها قبل أن يُطلقها.
" أنا أتخدعت مرة زمان وأفتكرت إني حبيت، بس لما عرفتك عرفت إني عمري ما حبيت قبلك، أنا أه كسرت ثقتك وأمانك معايا، بس حفظت كرامتك قدام الكل وأعترفت بغلطي وحاولت أصلحه، أنا فعلا خذلتك وكسرتك بس أنتي قتلتيني"
أجل هي من قتلته، هي من أوصلته لما هو عليه الأن، هي قتلته بعنادها وقسوة قلبها، هي المُذنبة الوحيدة فى حقه وفى حق نفسها وحق طفلهم، لن تسامح نفسها إذا حدث له شيئًا، تُقسم إنها ستقتل نفسها إذا حدث له شيئًا، قطع تفكيرها الغبي صوت شقيقها يصيح مُستفسرًا:
- أنتي كنتي معاه فى الحادثة؟
لما لا تستطيع أن تُجيب على أسئلتهم، هل ألجمت الصدمة لسانها أم فقدت النطق، تفهم الجميع الحالة التي هي عليها وقرروا عدم الضغط عليها وتركها بعد أن يطمئنوا على "مالك".
بعد دقائق وصلت أسرة "مالك" أيضا إلى المشفى بصحبة "إياد"، ركضت "منال" إلى "ديانة" ويبدو عليها ملامح الزعر والهلع وصاحت مُستفسرة برعب:
- إبني فين، مالك فين يا ديانة؟
أحتضنتها "ديانة" مُحاولة تهدئتها وبث الطمئنينة فى قلبها مُردفة برجاء:
- أهدي يا ماما عشان خطري، هو لسه فى العمليات.
صاح "محمود" هو الأخر موجهًا حديثه نحو "زينة" مُحاولا الإستفسار عما حدث مُعقبًا بلهفة:
- إيه اللي حصل يا زينة؟
لم يأتيه أي ردًا من "زينة" التى مازالت بعالم أخر غير عالمهم، عالم أخر خاص بكل ذكرياتها هي و"مالك"، ولم يُخرجها منه سوا خروج الطبيب من غرفة العمليات، وصوت "منال" الذي صاحت مُستفسرة عن حالة إبنها بلهفة:
- إبني عامل إيه يا دكتور؟
خلع الطبيب القمامة الطبية عن وجهه وهو يزفر بمزيج من الأسئ والحزن مما هو مُقبل على قوله، ولكنه مُرغم أن يُعلمهم بحقيقة الوضع الطبيي الذي عليه أبنهم، ليردف بأسئ:
- للأسف الحادثة كانت صعبة جدًا، العربية كانت مطبقة عليه حرفيا، شباب الإسعاف خرجوه منها بمعجزة، الحادث نتج عنه كسرور متفرقة فى جسمه كله وجروح عميقة فى البطن، بس الحمدلله الأعضاء الحيوية سليمة وسيطرنا على الوضح، الجزء اللي أتأثر جامد بالخبطه كان الرأس وحصل بعض الجروح ولحقناها الحمدلله بس..
قطع حديثه من تلقائه نفسه مُستجمعًا شجاعته لإخبار عائلته بما حدث، فصاح "محمود" وهو يشعر بالهلع على إبنه مُعلقًا بإستفسار:
- بس إيه يا دكتور؟
زم الطبيب شفتيه بتردد، ولكنه سريعًا ما حسم أمره بأن يخبرهم لكي يكونوا على إستعاد بأي شيء سيحدث، هتف الطبيب مُردفًا بوضوح:
- الحادث كان شديد جدًا والخبطه اللي أثرت على الدماغ تسببت فى حاجة اسمها إصابة الرأس المغلقة، مما نتج عنه حدوث موت بعض الأنسجة فى المخ وده معناه إن الأكسجين مش واصل للمخ وده عرض أسمه عوز الأكسجين الركودي.
تدخل "هاشم" هو الأخر ولم يتوصل أحد لما يُعنيه الطبيب بهدذا الحديث وعلق بملامح مُستفسرة:
- يعني إيه الكلام ده يا دكتور؟
أجابه الطبيب بمزيد من الوضوح مُفسحًا عما حدث وما يمكن أن يحدث قائلًا:
- يعني للأسف أستاذ مالك دخل فى غيبوبة وللأسف الأشد إن الحالة اللي وصلها دي مش هنقدر نحدد هو هيعيش بعدها ولا لا إلا بعد أربعة وعشرين ساعة لأن أربعين فى المية من اللى بيحصلهم كده للأسف مش بيعيشوا.
وضعت "منال" كلتا يديها على فمها بذعر وشعرت أن قلبها على وشك التوقف، وكان الجميع فى حالة هلع مما أفصح عنه الطبيب وكانهم تصلبوا فى مكانهم، ولكن ما أخرهم من حالة الصدمة تلك هو سقوط "زينة" مُغشيًا عليها أمامهم بعد أن شعرت بأن قدميها لا تستطعان حملها وعقلها يصرخ بعدم تحمله كل ما يحدث، لتخور قواها وأغلقت عينيها مُتمنية بأن عندما تفتحهم فى المرة القادمة يكون هذا مجرد كبوس أستيقظت منه.
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة منة أيمن, لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية