رواية جديدة ميراث الندم لأمل نصر الفصل 16 الثلاثاء 24/10/2023
قراءة رواية ميراث الندم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ميراث الندم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
تم النشر بتاريخ
24/10/2023
ها قد عاد، عاد اخيرًا، يقف بقدميه على ارض الوطن، يطل من شرفة غرفته في منزل العائلة الذي تم أعادة بناءه مرة أخرى، بشكل يناسب العيش الأدمي،
يتنفس هواء البلدة التي حرم منها لعدد من السنوات، أيام وليالي ذاق فيها العلقم، وحده، في غربة كادت أن تمحو ملامحه، تجرده من أنسانية احتفظ بها بصعوبة، تحت الضغوط والأزمات التي مر بها، من يعلم بما مر به؟!
ولكنه الاَن عاد، ليطول التفاحة التي كانت محرمة عليه، يلملم جراحه في حضنها، لقد حان الوقت لأن يعيش.
- يا صباح الورد والهنا، دا عريسنا صحي وواجف في البلكونة كمان.
هتفت جميلة وهي تدفع الباب لتدخل بالصنية التي ارتص عليها العديد من الأطعمة، وخلفها ابنتها الصغيرة ذات العامين، تهلل بمرح:
- خالي جه، خالي جه.
- اه يا عفريتة انتي.
قهقه بضحكة مجلجلة، قبل ان يتناول الصغيرة ويرفعها إليه، يدغدغها بأنفه على انحاء جسدها، لتصدح ضحكاتها بصوت عالي أسعده، يمطرها بالقبلات قبل ان يجلس، وما يزال يضمها إليه، ليخاطب شقيقته باستغراب:
- ايه دا كله دا اللي جايباه يا بت ابوي؟ معبية الصنية وداخلالي الاوضة بيها، هو انت مفكراني عريس صح ياك؟
- عريس وسيد العرسان كمان، هو انا لسة هفكر اصلًا؟ ما خلاص عاد، فاضل بس التكة الأخيرة.
اردفت بها، تطرقع بأصباعيها، عقب على فعلها بمرح:
- والله يا ست جميلة انتي مفيش منك، بحب جوي التفائل بتاعك، لكن يا غالية، احنا صحيح فاضل معانا التكة الأخيرة، بس دي مش هينة برضوا، انا مش هصدج غير لما الاجيها في بيتي،
بكف يدها صارت تربت على ركبته تتمتم بتهوين:
- ان شاء الله يا خوي، هتتيسر وهيتم المراد في أسرع وجت، روح شديدة، واللي خلاها جدرت ع الكل وصبرت تستناك، أكيد هيخليها تكمل المشوار وتنهيه النهاية السعيدة.
- اااه يا بت ابوي.
تأوه يزيد من ضم الصغيرة إليه قائلًا:
- لو تعرفي بحجم الشوج اللي جوايا ناحيتها، انا منعت نفسي امبارح بالعافية، اني اعدي على بيتهم، ولا الف حواليه بالعربية، يمكن تطل من شباكها ولا تطلعلي واملي عيني برؤياها.
اللي منعني بس ان الدنيا كانت ليل، هموت اشوفها جصاد عيني، وبرضوا خايف لمجدرش احوش يدي عن حضنها، عايزة ارغي واحكي معاها كتييير جوي، اسمع صوتها لحد ما ودني توجعني، يمكن ساعتها اشبع منها،
نفسي بجي اليوم دا يكون بكرة.
بتأثر شديد كسى ملامحها، تمتمت جميلة بإشفاق:
- هانت يا حبيبي، راح الكتير مبجاش الا الجليل، انت تاكل وتتجوت دلوك، وبعدها نشوف موضوع مجابلتها دي، ما هو كمان دي مش حاجة ساهلة، وانت الناس هتبجى مالية البيت هنا تسلم عليك الايام دي، دا باب البيت من الصبح مهدنش من الخبط عليه، كلها جاية تهني برجوعك بعد الغيبة.
تبسم بسخرية لينزل الطفلة قبل ان يرفع صنية الطعام بين يديه متمتمًا:
- دلوك عرفوا جيمة ولد عبد السلام، وجايين يستجبلوه كمان، لما جاي شايل ومحمل، سيبك منهم العالم دي.
- طب انت واخد الصنية ورايح على فين؟
هتفت سائلة باستفهام، وهي تجده يتخذ طريقه نحو الخروج من الغرفة، رد بدون ان يلتفت نحوها:
- نازل اكل مع اخواتي وامي وابويا وعيالهم يا جميلة، هو انا هتجيني نفس اكل لوحدي تاني، دا انا ما صدجت.
❈-❈-❈
أما عنها
فقد كانت واقفة أمام المراَة الاَن تتأمل نفسها بشعور لا تجد له وصف، هل هو احساس يغمرها بالفرح الذي اقترب اخيرًا ليطرق بابها، أم هو الشوق الذي اللهب فؤادها منذ أن علمت بمجيئه منذ الأمس، حينما اخبرها عبر رسالة نصية بأنه الاَن داخل البلدة والسيارة تطير به في طرقاتها، لقد قفزت وقتها من فوق التخت، حتى همت أن تتناول عبائتها لتخرج لاستقباله، ولكن عقلها عاد اليها حينما نظرت إلى شاشة الهاتف، لتعلم ان الساعة تعدت الواحدة صباحًا، وإن خرجت مندفعة برغبتها المجنونة الاَن، سوف تجلب على رأسها المشاكل، وهي في غنى عن أي شيء الاَن يعطلها، يكفيها عذاب الانتظار.
زفرت تخرج تنهيدة بعمق ما تحمله داخلها من عذاب، لتلتف بخطوات متأنية حتى جلست على طرف التخت تعود بذاكرتها لهذا اليوم الذي تم به ما يشبه ميثاق العقد بينها وبينه، قبل ان يسافر، وذلك عقب فسخ خطبتها من ابن عمها عارف مباشرةً
((- روح..... اخيرَا جيتي يا روح؟
هتف سائلًا بلهفة ينهج بلهاث، بعد أن وجدها جالسة اسفل شجرة التين التي جاءت اليها برفقة شقيقته، هاربة من ملاحقة الجميع من أفراد عائلتها، بعد اتخاذها هذا القرار المؤلم والمفاجئ، والذي دفعت ثمنه ايام من المرض جعلت شقيقها يضطر تحت الضغط، أن ينصاع لرغبتها ويخسر من أجلها صداقة اقرب الاشخاص من ابناء عمومته عارف ابن عمها، والذي كان نصيبه البائس ان يقع في عشق امرأة لا تبادله المشاعر، وقد مرت فترة خطبتها به حتى كانت كالحبل الذي يطوق رقبتها، يزيدها اختناقًا، يومًا بعد يوم حتى فاض بها ولم تعد لديها قدرة على التحمل.
دنى على عقبيه يجلس مقابلًا لها، بأعين ترقرق بها الدمع ، يسألها بلوعة:
- شهور وانا محرم نفسي حتى ما اعدي جمب البيت ، عشان ما شوفكيش واتوجع، ودلوك لما اسمع بعودتك، الاجيكي دبلانة كدة، ايه اللي حصلك يا روح؟
تبسمت له بشحوب، وجاء الرد من شقيقته:
- جايمة من دور عيا يا عمر، عايزها تبجى كيف؟
سمع منها وبنبرة حانية اختلطت بوجعه:
- سلامتك يا غالية من كل شر، امرض انا سنة ولا يوم واحد تتعبيه انتي....
- بعد الشر عليك متجولش كدة .
قاطعته على الفور ودون انتظار، لتغزو ابتسامة سعيدة ملامحه، بعد ان سمع صوتها اخيرًا، وبهذا الرد الذي أثلج صدره، لتنهض جميلة من جوارهما، تستأذن بحجة مكشوفة:
- انا هروح ابص هناك على أي حد بيحش برسيم في زرعته، امي موصياني اجيبلها باط كبير عشان وكل الطير، ثواني ومش هتأخر.
تبسم هو ينظر في أثرها مغمغمًا:
- عندها زوج والله البت دي، طلعت بتفهم.
- انا فسخت خطوبتي بعارف عشانك.
باغتته بها حتى طالعها مشدوهًا للحظات حتى اسبل اهدابه فجأة، ليعتدل بجلسته متربعًا، موجهًا أنظاره في نفس وجهتها، وقد تهدلت أكتافه بقنوط، حتى اخرج زفير يأسه قائلًا:
- المفروض ان ابجى أسعد واحد دلوك، لكن للأسف العجز وجلة الحيلة، مانعين عني حتى الأمل.
طالعته غاضبة لتردف بانفعال مكتوم:
- انا بجولك اتجدم وملكش دعوة بأي حاجة..
- ومين يتكفل باالجوازة يا روح؟ ليكون مفكراني راجل مدلدل، وهرضى بمليم واحد من عيلتك، دا انا ادفن نفسي احسن.
- يعني برضوا هتجعد ساكت وتسيبني اروح لغيرك، انا فاض بيا ومن سلبيتك، خليك على حالك يا عمر، ولا اجولك، انا هريحك مني خالص.
قالتها وتحاملت على كفيها لتنهض من جلستها على الأرض، وفور ان وقفت على أقدامها، فاجئها بقوله:
- جاتني فرصة عمل في الخليج
طالعته باستفهام، فتابع شارحًا:
- انا مسافر ومشواري طويل يا روح، الراجل اللي هيسفرني، هياخد نص مرتبي لحد ما اخلص دينه عليا، لأني للأسف هسافر على حسابه، دا غير اني ملزوم ابعت لأهلي ومتخلاش عنهم......... يعني مشواري طويل على ما اجدر اللم جرش يمكني من فعل أي حاجة لنفسي..... مش جادر اجولك استنيني، اخاف اظلمك.
- بس انا هستناك.
- حتى لو كنتي ناوياها من جلبك، برضوا مش هلوم عليكي لو شوفتي نصيبك مع حد يستاهلك، انتي دلوك اربعة وعشرين سنة، عمرك من عمر جميلة، ودي مخطوبة زي ما انتي عارفة وخلاص فرحها جرب.
تابعت له بعزم مؤكدة:
- برضوا هستناك يا عمر، ومش هخلف بوعدي معاك))
عادت من شرودها لترفع كفها أمام وجهها تمتم بلوعة:
- خمس سنين، خمس سنين انجطعوا من عمري وانا دلوك على بُعد خطوة واحدة بس واعدي التلاتين، سبحان من صبرني ع اللي فات، وسبحان من يجملني للي جاي
❈-❈-❈
خرج من غرفة الاستقبال التي امتلأت عن اَخرها بالرجال المهنئين بعودته من بلاد الغربة، ليمر على عدد من النساء الاَتي التقطنه بالسلامات والقبلات ايضًا، فهذا شيء عادي بالنسبة للنساء المتقدمات في العمر، فكان يقابلهم بالابتسام والردود الممتنة،
نفذ منهم بأعجوبة ، متعللًا بإرهاقه، حتى خرج من الباب الخلفي يجلس على المصطبة الرخامية، يقلب في شاشة هاتفه، يتبادل معها الرسائل، للاتفاق على موعد للقاءها، قبل اتخاذ أي أجراء رسمي.
- ااه يا عمر، حتى وانت معاها في نفس البلد، برضك لسة في الرسايل اللعينة دي، ابو العوايد الزفت...
غمغم بصوت خافت، قبل ان يجفل رافعًا رأسه على ظل صغير.
تطلع للفتاة التي كانت واقفة مواجهة له مباشرة، ذات بشرة سمراء، بلمعة ناعمة جاذبة للعين، وأعين واسعة كالفنجان، على ملامح دقيقة ووجه دائري طفولي، خطت داخلهم بخط الكحل لتزيدهم روعة، ولكنها كانت تطالعه بجرأة غريبة، طالعها باستفهام، يخمن انها ربما تكن إحدى بنات شقيقاته الاتي كبرن في غيابه عنهن:
- انتي بت مين؟
تبسمت بلهفة تجيبه على الفور:
- انا هدير، وانت عمر اللي كنت مسافر صح؟ زي ما وصفتك خالتي جميلة بالظبط؟ طويل وخشبك عريض، ووشك جمحاوي، بس هي مجالتش ان فيك عضلات.
نزلت عينيه غريزيًا نحو ما تقصد، ليرتفع رأسه إليها بعدها على الفور باستدراك سائلًا بجدية:
- انتي هدير مين؟ بت واحدة من خواتي البنتة، ولا تجربي للعيلة؟.
- لااا انا هدير، جيران خالتي جميلة، ما هو بيتنا في في وش بيتها على طول، انا طول اليوم بحكي معاها في الشارع، ولو دخلت تخدم في بيتها، بخش اساعدها كمان.
كان يتطلع اليها فاغرًا فاهه باندهاش، وهي تسهب في الحديث ولا تعطيه حتى فرصة للتفوه بحرف، حتى إذا توقفت اخيرًا سألها على الفور:
- طب انتي جاية لمين دلوك يا هدير؟ لو عايزة خالتك جميلة، خُشيلها هتلاجيها في الصالة مع الحريم.
حينما ظلت واقفة تطالعه بازبهلال، هتف بحزم أجفلها:
- يا بت ما تخشيلها، هتفضلي واجفة كدة مكانك؟
- اا حاضر.
انتفضت تردف بها، قبل ان تتحرك على الفور ذاهبة، لينظر في أثرها معقبًا بابتسامة على هيئتها:
- الله يجازيكي يا جميلة، حصلت كمان للعيال الصغيرة.
❈-❈-❈
في حديقة منزله، وقد كان يراقبهم في هذا الوقت من الصباح وهو يطالع بعض الاوراق المهمة، قبل ان يذهب متابعًا لأعماله المتراكمة، يضحك من قلبه، على لعب فتياته الصغار بالكرة التي كان يمسك بها معتز معظم الوقت، وحبيبته اَيه أكبرهم واعقلهم بالنسبة اليه، تطالعه مكورة شفتيها بضجر محبب يزيده تسلية، قبل ان يخاطبها بمهادنة:
- عيل صغير يا بابا ما تخديش عليه، اعتبريه زي المنتوشة دنيا اختك، أهي اللي بتلعب في الطين وبهدلت فستانها هناك دي، وانت يا معتز...... معتز.
التف على النداء باسمه، فغمز له غازي بمرح:
- اديهم الكورة، اديهم الكورة يا واد.
قهقه بصوت عالي حينما استجاب لطلبه، قبل ان يعود لابنته:
- ياللا يا اَية خاوو بعض، وانتي يا شرووج، العبي يا حبيبتي معاهم، وبلاها الوجفة وحطة اليد على الوسط دي.
ظل يستمتع بهذه اللحظات الصغيرة، تحت أعينها، وقد كانت تطل كل دقيقة من نافذة الإستراحة لتطمئن على صغيرها واندماجه مع الفتيات الصغيرات، مع انتباهاها الدائم لمعاملته الحانية للأطفال عكس واجهته الخشنة دائمًا.
أما فتنة فقد كانت في ألاعلى بأعين متربصة توزع اهتمامها على ثلاث اتجاهات، جهة زوجها والأطفال، وجهة الإستراحة وهذه التي تختفي وتظهر كل ثانية، تنظر من النافذة، والجهة الثالثة هي في الأسفل، تتحين بانتباه شديد تلك اللحظة التي ستخرج فيها مدعية الاخلاق والثقافة العالية،، لتلتقي بهذا العائد من غربته.
- لقاء العشاق.
تمتمت بها ساخرة تختم بمصمصمة من شفتيها، والشغف داخلها يقتلها لحضور هذه اللحظة الهامة، مع مواصلة الغمغمة والإستهزاء ثم الغناء:
- يا ترى هتحضنوا بعض، ولا هيبجى سلام باليد مع الدموع...... يا ربي ع القصص اللي تجنن، دي ولا افلام نجلاء فتحي ومحمود ياسين في السبيعينات يا ناس، علمني العوم والنبي يا احمد .
❈-❈-❈
في منزل فايز
والذي كان جالسًا على كنبته الخشبية، واضعًا المبسم في فمه، ويدخن بشرود، ناظرًا في نقطة ما في الفراغ، مما لفت انتباه زوجته، لتجاوره الجلوس وتسأله:
- مالك يا فايز؟ ايه اللي شاغل عجلك؟
رمقها بطرف أجفانه متمتمًا بغيظ:
- وانتي مالك باللي واخد عجلي ولا شاغلني، يكونش هتغيري علي كمان، لا اكون بفكر في غيرك؟
مصمصت بشفتيها مردفة بثقة:
- ومغيرش ليه ان شاء الله؟ ما يمكن تعملها صح، بعد ما ورثت، والفلوس خلاص هتجري في يدك، مع انك لو لفيت الدنيا كلها، ما هتلاجي زي مرتك، حلى وجمال واهتمام.
اطلق ضحكة متحشرجة، وعينيه تطوف عليها من رأسها وهذه اللون العجيب في شعرها، الجامع بين اللون البني الطبيعي، وبعد الخصلات التي شوهها التفتيح المبالغ فيه، ثم نزل على وجهها الذي لا يخلو ابدا من مساحيق التجميل، لينتبه على العباءة الضيقة على منحناياتها بشكل فج، نظرًا لامتلاء جسدها، فعلق باستهجان:
- مش تخلي بالك يا مرة انتي وتلبسي حاجة عدلة شوية، عايزة عيالك يجولوا عليكي ايه؟
شهقت تنزل بعينيها على ما ترتديه، ليخرج صوتها باستنكار:
- وماله اللي لبساه ان شاء الله؟ ما انا طول عمري بلبس كدة، انا واحدة مدلعة نفسي يا حبيبي، وعيالي معودين ، مش زي الحريم المهملة، اللي تلاجيها تنام بجلابية العجين، ولا ريحة الطبيخ في جتتها.
طالعها بنظرة غامضة، ماطًا شفته على زاوية بابتسامة غير مفهومة، بشكل اثار استيائها لتهتف به ساخطة:
- خبر ايه يا فايز؟ انا ليه حاساك اليومين دول متغير معايا؟ حتى بصتك مش مفهومة، ايه يا ولد سكينة؟ مرتك مبجتش تعجب ولا ايه؟
- يووووه
دمدم بها بتذمر، لينهرها بضجر:
- لمي نفسك وحوشي شاطينك عني، انا دماغي مونونة، وطالبة معايا غباوة.
تابع وبظهر كفه التي امتدت نحوها، يلطم ساعدها مرددًا بفظاظة:
- وياللا بجى هوينا.... ياللا يا مرة اتحركي، خليني ادخن الحجر على رواجة، ياللاااا.
في الاخير اضطرت ان تنهض من جواره، شاعرة بنوع من الأمتهان، فهذا الأحمق يفاجئها هذه الأيام بأفعاله، من بداية رفضه بيع الفدادين التي ورثها من أبيه، رغم تراكم الديون عليهم، ثم شروده المتواصل وفتور تعامله معها، تجزم ان به شيئًا ما.
أما هو فقد كان شاردًا فيها، ابنة عمه المتمردة المتعالية ، التي ظن قديمًا بهجرانه لها، انه قد تمكن من كسرها، ولم يكن يعلم انها اتخذت من غيابه عنها سورًا لتحصن نفسها منه، لقد صدقت حينما قالت انه كان يحترق في البعد أكثر منها، ليته غلب الحكمة على عِنده ولو مرة واحدة، حتى لا يخسر الكثير بخسرانها:
- فرسة يا سليمة فرسة
دمدم بها ليكركر في شيشته بقوة وعقله يعود لشروده
❈-❈-❈
هي فين؟
بادرها بالسؤال فور أن وصل إليه، بعد القاءه التحية على عجالة، وقد احتلت مقعدها اليوم وعلى غير العادة اسفل المظلة في الحديقة، وقد ملت الانتظار من شرفتها، حتى قارب اليوم على الانتهاء وهذه الملعونة تتصرف بطبيعية داخل المنزل، ولم تخرج حتى الاَن للقاء المحبوب العائد من السفر، ولكنها مُصرة على ارضاء فضولها في كشفها.
تبسمت رغم حنقها من لهفة شقيقها المكشوفة أمامها، لتجيبه بمراوغة:
- مستعجل جوي عشان تكلمها، ما تصبر شوية على ما اروح اجيسلك انا نبضها.
رد بابتسامة لا تخلو من السخرية:
- انتي يا فتنة اللي هتجسي نبضها كمان، لا يا حبيبتي احنا شايلنك للكبيرة، ياللا بسرعة ريحي جلبي بجى ودليني على مكانها.
التوى ثغرها لتجيبه بإشارة من يدها نحو الخلف قائلة:
- جاعدة مع المحروس ولدها، اصله بيلعب من المهر الصغير، الباشا الكبير جوز اختك عودوا عليه، شوفت الخيبة اللي انا فيها.
اربت بكفه على كتفها بمهادنة وهو يتحرك ويتركها:
- معلش يا بت ابوي، بكرة اخلصك من الاتنين خالص ، بس انتي ادعيلي.
راقبته بعيناها وهو يعدو بخطواته السريعة، لتغمغم بسخط:.
- عمال تجري كدة يا خوي ع المحروسة، ولا اكنك شوفت حريم جبل كدة، جال ويجولي ادعيلي كمان، عيل فجري....... بس هي محظوظة بت ال....... متجعش غير وهي واجفة، بختها نار مع الرجالة.
❈-❈-❈
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية ميراث الندم, لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..