رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 18
قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية روضتني 2
(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)
طمس الهوية
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الثامن عشر
❈-❈-❈
استيقظ من غفوته على صوت أخيه وهو يناديه متعجبا:
-مالك، مالك أصحى أنت نايم ليه هنا؟
فتح عينه مذعورا فوجد نفسه مستندا على المقاعد المتراصة بالاستراحة أمام غرفة أنس فلمعت عينه وهو يتذكر ما فعله ليلة أمس وظل ينهج بأنفاسه ولم يتحمل اكثر حقيقة قتله لأخيه الأكبر فتقيئ دون مقدمات على الأرض ملطخا ملابسه وملابس أخيه الذي أسنده يربت على ظهره:
-براحه، وحده وحده، انت أخدت برد ولا ايه؟
بكى رغما عنه وارتعشت شفتيه وهو يتجه لغرفة أنس ولكن سحبه أخيه يخبره:
-أنس اخدوه العناية المركزه عشان دخل في غيبوبه.
هو يعلم تماما ما فعله ولا يمكن أن يكون حلما فقد كانت حقيقة والآن التفسير المنطقي الوحيد انه دخل بغيبوبة بدلا من أن تنقطع أنفاسه تماما.
ارتبك وسأله متخوفا مما قد قاده غضبه لفعله:
-هو عايش يعني؟
ضحك أخيه وربت على كتفه وهو يخبره:
-متقلقش، اللي يشوفك امبارح بعد ما اتهم مراتك كان يقول عندك استعداد تقتله وأديك اهو خايف عليه ولا كأنه عمل حاجه.
تعجب من حالته وهل يمكن أن يتداخل الحلم بالحقيقة لهذه الدرجة؟ التفت يولي ظهره لأخيه وتنفس بعمق وهو غارقا ببحور أفكاره فسحبه الآخر ناحية المقاعد مرة أخرى وهمس له:
-اقعد ارتاح لحد ما أطمن على أمك وأخوك وآخدك معايا تنام شويه فـ البيت.
تركه وذهب فتقابل مع من كانت عشيقة أخيه وأم ابنه فتكلم معها وهو يلتفت وراءه ليتأكد أن أحدا لم يتبعه:
الحمد لله انك جيتي في الوقت المناسب، كان زمان مالك راح في داهيه.
أومأت وهي توضح:
-مصدقتش لما دخلت ولقيته بيكتم نفسه هيموته، ومش عارفه ازاي بدل ما آخد بتاري من أنس عملت كده.
قوس فمه وهو يعقب:
-ده ربنا بعتك في الوقت ده بالذات عشان ميحصلش مصيبه.
فلاش باك..
اتخذت قرارها لإنهاء ما بدأته والتخلص منه نهائيا بعد أن تركها حطام امرأة لا تجد لها وجهة ولا طريق، وحتى بعد أن اعترف أخوته من الذكور والإناث بنسب صغيرها إلا أنها لم تجد ما يشفي غليلها منه بسبب كل ما ذاقته من ألوان العذاب وتأنيب الضمير لما فعلته بسببه.
حملت حقنة المخدر بحقيبتها وتوجهت للمشفى الذي يمكث به واختبأت وهي تراقب عائلته تغادر الواحد تلو الآخر ولم يبق سوى أخيه الأصغر والمتضرر الأكبر منه فراقبته بعين الصقر تنتظر أن يتركه بمفرده وهي لا تعلم كيف ستتخلص منه أو حتى ما المفترض فعله بتلك الحقنة التي معها ولكنها ستخدر مالك أولا وبعدها تفكر كيف عليها الإنتقام لنفسها من هذا المدنس، ربما تستخدم نفس الحقنة بعد أن تفرغ محتواها بجسد مالك وتعيد سحب الهواء بها وتحقنه بها وتتخلص منه بحقنة هواء لن تظهر بالطب الشرعي.
وقفت بالقرب من الباب الشبه مغلق لتجد ذلك المشهد المروع لهذا الضابط الجريح من أقرب شخص له على وجه البسيطة وهو يضع تلك الوسادة على وجه عدوها اللدود أو من أصبح عدوها بعد فعلته الشنيعة بها وبزوجها الراحل؛ فاتخذت قرارها وهي تتمتم بداخلها:
-محدش هياخدك مني يا أنس الكلب، أنا اللي هموتك بايدي.
هرعت تحقن مالك بالمخدر فأغشى عليه واقعا بالأرض فسحبته وأخرجته تجلسه على المقاعد الحديدية المتراصة أمام باب غرفته، وما ساعدها على فعلتها دون أن يراها احدا هو تأخر الوقت ونوم أغلب المرضى وربما استراحة فرق التمريض والأطباء حتى تظهر لهم حالة طارئة، وقبل أن تجد الوقت لتعود لتنفيذ مخطط انتقامها استمعت لصوت الأجهزة الموصلة بجسده تطلق إنذارا عاليا جعل المشفى تتأهب وتقف على قدم وساق لنجدته.
ابتعدت عندما اقترب الطبيب مهرولا للداخل وبدأ بقياس مؤشراته وهو يصرخ بفريق التمريض:
-هاتولي الـ Defibrillator (مزيل الرجفان) بسرعة.
ثوان قليلة وانتبهت هي للموقف الآن، لقد قارب أنس على مفارقة الحياة ولابد للطبيب من التحدث لأحد من زويه الآن والمتواجد بتلك اللحظة مالك الفاقد للوعي تماما، إذا هي بمعضلة من أمرها وكيف عليها أن تبتعد عن الشبهات إن علم الطبيب بتخديرها لشقيقه فأخرجت الهاتف بسرعة وهاتفت الأخ الآخر واخبرته بنصف الحقيقة فقط وهي رؤيتها لمالك وهو يحاول قتل أخيه فخدرته حتى تبعده عنه:
-ودلوقتي أنس دخل العناية المركزه ومالك مغمى عليه.
حضر بسرعة البرق مهرولا ليرى كم المصائب التي تقع على رأسه يوميا منذ أن كُشفت دياثة شقيقة الأكبر والمكلف بحماية العائلة:
-مالك فين دلوقت؟
ردت وهي ترتعش من ارتباكها:
-نايم ع الكرسي.
ذهب ناحيته وحاول إفاقته ولكن لم يجد بدا من ذلك بفعل المخدر القوي الذي ربما ظن أنه وقع بيدها بالصدفة لتنقذ شقيقه من الضياع:
-لما يفوق خلينا نتعامل إن مفيش حاجه حصلت، وهو هيفتكر نفسه كان بيحلم.
وافقته ولكنها قالت:
-بس الأفضل ابعد أنا أحسن يكون شافني وأنا بخدره ويفتكر.
وبالفعل ابتعدت حتى استيقظ مالك وها هو يجلس أمام شقيقه يعصر رأسه ليتذكر أحداث أمس وكيف انتهى به الحال هكذا، نائم على المقعد يهيئ له انه قتل أخيه دون تفكير أو شعور بالذنب.
صفع وجهه براحته ليفيق وتمتم:
-معقول كان حلم؟
وقبل أن يفكر في إجابة خرج الطبيب ووقف أمامهما مطرقا رأسه ويظهر عليه الحزن وهو يقول:
-أنا آسف، البقاء لله.
❈-❈-❈
استقبلتهم دينا بترحاب شديد واحتضن مراد ابن أخيه الراحل مربتا على ظهره:
-حمد الله ع السلامة.
دلفوا جميعا للمباركة للمولود الجديد ولا يعلم أي من الحاضرين بحالة الصغير أو حالة والدته سوى مازن ووالديه وفارس وزوجته بالطبع.
اقترب مازن محتضنا رفيقه وشقيقه الذي لم تلده أمه هامسا:
-حمدالله ع السلامة.
ابتسم له وجلسوا جميعا فتسائلت شيرين:
-طب عملتوا العقيقة متأخر عشان سفر فارس، وعاملينها هوس هوس كده ليه؟ وفين جنى؟
ارتبكت دينا ولكن صمتت وهي تعلم قرار مازن بهذا الشأن فرد هو بدلا منها:
-هي فوق، انتي عارفه ظروف تعبها ومكانش ينفع نعمل دوشه.
أومأت بتفهم ولكنها انحنت تهمس لابنة عمها:
-ده أنا وساجد جينا 4 مرات نزورها ونشوف البيبي وبرده كانت تعبانه ونايمه.
تنهدت ياسمين فهي تعلم الحالة التي تمر بها جنى جراء ما حدث وردت توضح:
-كتير اوي بيجيلهم اكتئاب بعد الولاده وانتي عارفه انها كانت تعبانه من الشهر السادس.
أومأت لها وعادت تجلس بجوار زوجها فوقف مازن يستدعي فارس لغرفة المكتب الخاصة بوالده وتبعه الآخر دون تحدث وفور أن دلفا سأله مازن فورا:
-ممكن تقولي كان فيك ايه؟ روحت المستشفى ليه يا فارس؟
رد بعد أن جلس على الأريكة:
-الضغط، عادي متشغلش بالك.
رد بعصبية وغضب:
-بطل طريقتك دي، فهمني فيك ايه؟ ضغط ايه اللي عشانه تختفى 10 ايام بحالهم؟
أغلق فارس عينيه وحاول التهرب وعدم الخوض بتفاصيل مرضه ولكن إصرار مازن عليه جعله يخبره بالنهاية:
-ابدا يا سيدي، جالي نزيف في المخ ودخلت عملت عملية شفط وحاليا أنا كويس والحمد لله.
رفع مازن حاجبه ووقف منتفضا بذعر وهو يصيح:
-نزيف في ايه؟ أنت بتقول ايه يا فارس؟
سحبه بفروغ صبر وهو يزفر بأنفاسه:
-يا بني مش عايز حد يسمع، أنا كويس قدامك اهو خلاص محصلش حاجه.
زم مازن شفتيه للأمام وهو يعقب مستنكرا:
نفس اللي حصلك وقت ما عرفنا بموضوع الزفت شادي اول مره مش كده؟ بس طبعا المره دي كانت اخطر ودخلت بسببها العمليات، طيب خبيت ليه عليا؟ مش كان المفروض اكون جنبك ولا...
قاطعه مؤكدا:
-مكانش ينفع، ياسمين مكانتش تعرف هي كمان ولو كنت قولتلك كانت هتزعل بعد كده اني خبيت عليها، كده لا انت ولا هي تعرفوا، وغير كده أنت في ايه ولا في ايه؟
اتكئ على ظهر الأريكة وسأله:
-طمني بس جنى عامله ايه؟
جلس بجواره متعبا وكأن طاقته قد نفذت وقال:
-مش قادره لا تتقبل ولا تتعامل خالص، مش بتشيله أصلا وماما سايبه شغلها وهي اللي بتراعيه، وهي يا نايمه طول الوقت يا أما بتفضل تعيط لحد ما تقع في النوم من تاني.
غصته التي ملئت حلقه جعلته ينظر للأرض محاولا إخفاء عبراته فربت فارس على ظهره يؤكد له:
-قولنا ده تذكرتك للجنه ولازم...
قاطعه مازن بغضب:
-ابن هيفضل مريض طول عمره هو تذكرتي للجنه، ومرضي تذكرتي للجنه وأنا عارف إن ذنوبي أكبر من كده بكتير، بس تقدر تقولي هدفع ازاي تمن اني عشت مع اختك في الحرام كل المده دي؟ تقدر تقولي هنقول لها ازاي؟ ونكمل ازاي والاهم من كل ده أنت هتعمل ايه مع الحيوان اللي اسمه شادي؟
صمت ليبتلع ريقه من لهاثه وغضبه الذي تأجج بداخله فاستمع لرد فارس الهادئ:
-القانون حلها بسهوله ومفيش أي مسا....
قاطعه بصراخ استمع له من بالخارج:
-أنت بتقول ايه؟ انت عايز تسكت وتعدي اللي حصل؟
لم يجبه وهو يرى مدى غضبه ورمقه بنظرة محذرة من التمادي بصراخه هكذا بوجهه ففهما مازن وتدارك نفسه فهو وإن كان رفيق دربه وزميل طفولته وربما أخيه الذي لا يستطيع الإستغناء عنه، ولكن يبقى فارس الفهد هو هو مع كل من حوله، يهابه الكبير والصغير، المقرب والغريب فابتلع ريقه وانتظر رده فأجابه:
-ما اظنش انك فارق معاك القضيتين الهبل اللي رفعهم عليا وعليك ودول خلاص طلعوا قضايا كيديه ملهاش اساس وكل هدفها اننا نوصل للحالة دي.
صمت قليلا وعاد يتابع:
-أما بقى موضوع شرعية جوازك ففعلا احنا وقعنا في الغلط وعزائي الوحيد في الموضوع ده الجهل بالشرع مش أكتر بس زي ما محفوظ قال أن الجهل بالشرع أو بالقانون مش هينفي الغلط، يمكن يلغي الذنب اللي عند ربنا بس في النهاية جوازك باطل وطلاقهم باطل وعشان تتطلق شرعي لازم هو يطلقها برضاه من غير إكراه من حد فينا او هي تخلعه.
وضع راحته على كتفه يواسيه وأكمل:
-وده عشان يحصل لازم تعمل توكيل للمحامي، أنا اقدر اخليها تعمل التوكيل من غير ما تفهم او تعرف بتعمله ليه، بس هل تفتكر هتفضل لامتى تخبي عنها، لازم تعرف عشان انتو هتتجوزوا من تاني و...
قاطعه مازن وهو يبكي:
-انا مكنتش عايز حد يعرف بجوازها منه، قضية خلع يعني الصحافه هتكتب الخبر ولك ان تتخيل بقى اللي هيحصل في الشغل وفي العيلة بعد ما الخبر يتعرف، تفتكر هي نفسها هتبقى عامله ازاي وأصلا حالتها زي الزفت من غير حاجه.
مسح فارس على ظهره وهو يؤكد:
-كل حاجه هتتحل واحده واحده، بس الاهم دلوقتي لازم نخلص التوكيل عشان القضية.
وبالخارج نزلت دينا تحمل الصغير بيدها وناولته لفريدة التي حضرت للتو فحلمته الأخيرة مبتسمة وقبلته وهي تقول:
-الخالق الناطق مدحت، ده لما عرف أنها سمته مدحت فرح اوي وكان هيتجنن ويشوفه.
تعجبت شيرين وانحنت تهمس بأذن ابنة عمها:
-تخيلي انها مجاتش تزور جنى ولا مره من يوم الولاده؟
لم تصدق ياسمين ما سمعته فلمعت عينها بخضة وسألتها:
-بجد؟ ده انا مكسوفه من جنى عشان جيت مرتين بس وفارس مسافر.
قوست شيرين فمها وهي ترد:
-وهي طنط فريده حد بياخد على تصرفاتها؟ دي خلاص عقلها ضرب منها وساهر هيتجنن من تصرفاتها وتقريبا كل يوم بايت عندنا هربان من اسلوبها.
توجهت انظارها ناحيته وابتسمت له وهي تعقب على حديث شيرين:
-يا حبيبي، ده كان مرتاح معانا بس فارس قاله أنت راجل ولازم تاخد بالك من اختك، وميار كانت محتاجاه بعد اللي حصل.
أومأت وهي تعقب:
-بس فارس ظلمه، محدش يستحمل فريدة هانم، دي اسوأ من ماما.
ضحكت بنهاية حديثها فبادلتها ياسمين الضحك والسخرية واتجهت بعدها ناحيتها وحدثتها:
-ممكن اشيله شويه يا فريدة هانم؟
ناولتها إياه وهمست تسألها:
-جوزك فين؟
ردت متعجبة من سؤالها:
-في المكتب هو ومازن
ابتسمت وتحركت صوب المكتب فناداها مراد:
-رايحه فين يا فريدة؟
أجابت دون أن تلتفت له:
-هشوف ابني.
فتحت الباب دون طرقه فرأها واحتلت ملامح الحنق والغضب فورا وجهه وجسده وقبل أن يتحدث استمع لها:
-ممكن تسيبنا شويه يا مازن؟
نظر له ينتظر منه الموافقة فأومأ له صامتا وغادر مازن مغلقا الباب وراءه فجلست أمام فارس واضعة قدم فوق الأخرى يظهر فخذها بشكل سافر من فتحة فستانها القصير غير مهتمة لا بعمرها ولا بحقيقة أن الذي أمامها هو ابنها البكري وسألته بصوت ساخر:
-رجعت امتى من السفر؟
وقف وهو يصر على أسنانه من الغضب الذي تجلى بحدقتيه:
-أنا مش قولتلك مش عايز أشوفك تاني؟ ولا متخيله اني بهددك ومش هتصرف معاكي...
قاطعته وهي تترك المقعد وتقترب منه:
-كل اللي انت عملته انا متفهماه لأن الطبيعي انك متصدقش وتفضل رافض الفكره من اصلها، بس المهم دلوقتي إنك تتأكد من كلامي وإن اللي بقوله هو الحقيقة لأن الحقيقة دي لازم تظهر بقى، كفايه كده.
سألها صارا على أسنانه:
-ولما الحقيقة تظهر انتي هتستفادي ايه؟ أو حتى مدحت بيه؟
رمقها بنظرة احتقار وأكمل:
-ورث ماهر بيه هيتوزع ع العيلة كلها بالتساوي مثلا؟ بما إن مش فاضل غير الدكتور مراد ومدحت بيه من الورثه الشرعيين؟
رفع جانب شفته ممتعضا وهو يضيف:
-بابا الله يرحمه كتب لي كل ثروته مش سابها لتقسيمة الورث ما عدا الشركة بس اللي كان له فيها اسهم زيه زي اخواته وورثتيه، يعني حتى لو أنا مش ابنه برده الفلوس من حقي وإلا كنتي ورثتي اكتر من الكام سهم اللي في الشركة.
انتبهت لحديثه ولكنها تكلمت بجمود:
-تفتكر أنا كل اللي يهمني الورث؟
نفى برأسه وهو يجيب:
-وخروج حبيب القلب من السجن طبعا، ولا ايه يا فريده هانم؟ انتي متخيله اني هعرف اخرجه من السجن لو اتأكدت أنه ابويا
رمشت بعينيها وسحبت نفسا طويلا بداخلها وتحدثت بقوة:
-كل كلامك مش مهم دلوقتي، المهم أنت عايز تعرف نسبك ولا لأ؟
حرك رأسه نافيا وأكد:
-ميهمنيش، أنا ابن ماهر الفهد حتى لو كلامك صحيح.
ابتسمت وهو تسخر منه:
-عموما لو عايز تعرف فتحليل إثبات النسب بقى سهل جدا يتعمل ولما تتأكد ارجعلي وأنا احكيلك على كل حاجه ماهر عملها فيا كرهتني فيه بالشكل ده.
رد وهو يصر على أسنانه:
-وحتى لو كلامك مظبوط فأنا اختارت اكون فارس ماهر الفهد، لو 100 تحليل وإثبات نسب قال اني ابن مدحت فأنا رافضهم كلهم وهعيش وأموت ابن ماهر الفهد.
لمعت عينه وعلى ما يبدو قد ضاعت كل محاولاته بالهدوء وضاع معها مكوثه بالمصحة هباء بعد تلك المشادة الكلامية التي أججت الغضب بداخله من جديد وشعر بنفسه على مشارف الثوران كبركان ثائر لا يمكن إيقافه.
ابتلع ريقه في محاولة بائسة لكتم غيظه حتى لا يشعر من بالخارج بما يدور بينه وبينها فمهما كان فهي قد اختارت التحدث معه الآن وبحضور جمع العائلة وبحقيقة ظروف ابنتها الصغيرة وما تمر به من أزمة صحية ونفسية.
فإن كانت هي لا تهتم لأي من أبنائها فلابد أن يصبح هو الشخص المهتم بهم؛ فكتم غيظه وتكلم وهو مطبقا لأسنانه:
-اتفضلي بره قبل ما افقد اعصابي عليكي مره تانيه.
ضحكت ساخرة وهي تستفزه:
-لما تروح الحج ابقى قول لربنا أنا ضربت أمي وطردتها بره بيتي يا حاج فارس يمكن يغفر لك.
أحكم قبضتيه بقوة حتى كادت أظافره أن تجرح راحته من الداخل وفتح باب المكتب وتركها بالداخل وخرج هو ليتفاجئ بدينا تقتاد أخته الصغرى ببطئ لتجلس برفقة العائلة بتلك الاحتفالية الصغيرة من أجل مولودها.
رأته من مسافة قريبه فهمست اسمه بصوت مسموع:
-فااارس.
ابتسم لها بدوره وهرع ناحيتها يحتضنها ومربتا على ظهرها:
-جوجو يا حبيبتي، عامله ايه دلوقتي؟
بكت بحضنه وهي تسأله:
هونت عليك تسيبني وتسافر؟
أجابها وهو محكما لذراعيه حولها:
-معلش يا جوجو الشغل ظروفه كده وبعدين منا سايبلك مازن اهو معاكي ليل ونهار.
جلست وهي لا تزال بحضنه وعاتبته:
-بس برده زعلانه منك، كنت حتى اسأل عليا بالتليفون؟
رد وهو يقبل أعلى رأسها:
-كنت بسأل عليكي كل يوم يا مع مازن يا ياسمين.
نظرت لياسمين وتكلمت بضيق:
-دي جاتلي مرتين بس.
اعتذرت الأخيرة منها:
-حقك عليا والله، بس مكنتش عارفه اسيب البيت وفارس مسافر.
ظلت بداخل حضنه واستمعت له يرحب بأخويه:
-ازيك يا ساهر وأنتي يا ميار؟
ردا بنفس واحد:
-الحمد لله.
سألته اخته باهتمام:
-انت عامل ايه؟ عينك حمره ليه كده؟
رد مبتسما:
-الضغط بس مش متظبط اليومين دول.
انتبهت ياسمين لحديثها فنظرت لحدقيته لتجدهما قد تلونتا بالأحمر القاني وربطت ما بين تغير لونهما وانفراده بوالدته منذ قليل فتأكدت أن هناك أمرا جللا يحدث بينهما وهو كالعادة اختار تخبئته والتعامل معه بمفرده دون مشاركتها معه فتنهدت وهي تستمع له يحدثهم:
-بالمناسبة، عايزكم بكره تعملوا توكيل قضايا لمحفوظ المحامي بتاعي عشان يخلص لكم شويه حاجات خاصه بالأسهم بتاعة الشركة.
سأله ساهر:
-في مشكله ولا حاجه؟ أنت معاك صلاحيات توقيع وإدارة...
قاطعه فارس بفروغ صبر:
-ده شغله هو بقى، اعملوا التوكيلات له عشان يظبط لكم الشغل وأصلا محفوظ هيجيب معاه الموظف يعملكم كل حاجه وانتو في مكانكم من غير تعب.
ظلوا جميعا بتلك السهرة العائلية وهو جالسا ينظر للجميع صامتا لا يتحدث فاقترب منه اخيه وسأله:
-فيك ايه يا مازن؟
أجابه مبتسما:
-مفيش يا ساجد، تعبان شويه
غادر الجميع وعلى رأسهم فارس الذي ظل حانقا وحاول أن يخفي غضبه دون جدوى وفور أن دخل من باب فيلته هتف يحدث ياسمين:
-هدخل المكتب اشتغل شويه، ياريت محدش يزعجني.
بالطبع هي تعلم جيدا سبب حالته، أو على الأقل تعلم أن لوالدته ضلعا اساسيا بحالته تلك فصعدت تطمئن على صغيريها وقررت النزول من جديد للتحدث معه وربما إجباره على إخبارها لما يحدث معه.
دلفت وراءه بعد أن وجدته شارداً ووجهه محتقن بالحزن أو الغضب ربما، وكان من الطبيعي أن تستمع له عندما أخبرها أنه يريد البقاء بمفرده قليلاً، و لكنها تعمله جيداً ربما أكثر ما يعلم هو نفسه؛ فلم تعر لأمره المستتر أهمية وتبعته لغرفة مكتبه، فحتى وإن قال أنه يريد الإختلاء بنفسه لإنهاء بعض مهام العمل إﻻ أنها متأكدة تمام التأكد أن هناك أمراً جللاً قد حدث ولا يريد أن يشعرها به.
هل يجب عليها الإستسلام اﻵن؟ و ربما اﻻبتعاد مما تراه أمام عينيها من نوبة غضب وشيكة، ستكون هي ضحيتها بالتأكيد كما حدث سابقا، ولكنها الآن على يقين أن سبب تلك الحادثة المزعجة التي أرقت عليهما حياتهما كانت والدته ولا غيرها وحقا لن تهتم حتى وإن قتلها فهي تعلم تمام العلم أنه لا يمكن أن يصبح هكذا إﻻ بسبب أمراً جللاً، مصيبة كبيرة وقعت على رأسه لم يتحملها.
بكى وهو يتذكر والده وكم كان يتعامل معه بطيبة لا حدود لها وكم افتقده بعد أن تخلى عنه الجميع، هاتف صديقه الذي أظهر رجولته ووقوفه كالفهد الضاري بالمواقف الصعبة وفور أن أجابه سأله بصوت مهزوز:
-ازيك يا عمر؟
أجابه الآخر:
-الحمد لله يا فارس، حمدالله ع السلامه رجعت امتى؟
رد بفروغ صبر:
-مش وقت رغي دلوقتي، اسمعني انا عايزك في حاجه ضروري.
ابتسم عمر بعد أن اعتاد طريقته التي يعتبرها الكثير فجة ولا تمط للاحترام بصلة ولكن من يقترب منه ويتعامل معه ربما يتغاضى عن طريقته تلك بعد أن يفهم شخصيته المعقدة ويرى طيبته الخفية التي لا تظهر للجميع:
-أنا سامعك.
سأله بتوتر:
-تعرف مكان يعملي تحليل DND بس من غير شوشره ولا هويات؟
أومأ وأجاب بعد أن تذكر رفيقه الذي كاد أن يتسبب بالتفرقة بينه وبين زوجته وحبيبته النقية وأم ابنته الوحيدة:
-في دكتور صاحبي، أنا بس مش بكلمه من فتره.
حاول أن يفهم سبب طلبه وربما ارجاعه عما يود فعله حتى لا يقع بنفس مصيره الذي كاد أن يهدم بيته:
-بلاش يا فارس مواضيع النسب دي، عمرك ما هتسامح نفسك بعد ما تتأكد أنك ظلمتها.
جعد فارس جبينه وانعقدت حاجبيه بعد أن فهم أنه يشك بزوجته فصاح رافضا:
-لا يا بني انت فهمت ايه؟ الموضوع ميخصش لا مراتي ولا ولادي.
زفر بارتياح ووافقه:
-طالما كده يبقى بسيطه، بكره الصبح نتقابل ونروح سوا بس انت معاك العينات اللي عايز تعملها التحليل؟
نفى وهو يسأله:
-لأ، المفروض أخدها ازاي؟
أجابه موضحا:
-اسهل حاجه خصلة شعر من الاتنين اللي هيتعمل لهم التحليل.
وافقه واغلق معه وهو الآن يفكر كيف عليه أخذ عينة من عدوه اللدود وزوج والدته، والد أخوته الذي لا يحب أحدا غيرهم ولا يستطيع أحد التواجد بمكانتهم عنده، فكر وفكر حتى اتخذ قراره بالذهاب لملاقاته بسجنه حتى يقف على أرضا صلبة.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية