-->

رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 19

  قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 

 


رواية روضتني 2

(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)

طمس الهوية

للكاتبة أسماء المصري


الفصل التاسع عشر


تم النشر بتاريخ

11/10/2023


اللحظات الاولى في الحياة تكون هي الأصعب على الإطلاق ولو كان باستطاعة الأجنة التحدث لأخبرتنا عن كم الألم الذي يتعرضون له عند استنشاقهم أول دفعة هواء تدخل لرئاتهم الصغيرة عند الولادة، فبعد أن اعتاد الجنين على التنفس داخل المياة وهو ببطن أمه يتفاجئ بلفحة الهواء للمرة الأولى؛ فيصرخ ألما وليس لتنبيه العالم بقدومه كما يظن البعض، ولا يصمت حتى تضعه القابلة أو الطبيب على بشرة أمه فيشم رائحتها التي يحفظها عن ظهر قلب، ويستمع لنبضات قلبها التي طالما استمع لها وهو ينمو بداخلها؛ فيشعر بالأمان ويتوقف عن الصراخ مع سماعه لصوتها الذي يهدئه ويخبره بأن كل شيء على ما يرام.

فور أن وصل مكتبه أمسك هاتفه واتصل برقمه فأجابه الأخر على الفور وهو يرحب بعودته من سفرته المزعومة:

-حمد الله ع السلامه، جيت امتى؟

رد بتعجل وفروغ صبر وهو يحاول بكافة الطرق أن يتمالك نفسه مما يمر به وقد قاب قوسين على تدمير شخصيته ونسبه الذي يفتخر به:

-الله يسلمك يا عمر، جيت من يومين وعايزك تحضرلي زيارة استثنائية لمدحت الفهد انهاردة وبسرعة.

تعجب عمر من طلبه وتخوف من أن يكون هناك بوادر لأي مصائب جديدة قادمة فسأله دون مقدمات:

-في مصيبة جديدة ولا ايه؟

حاول إخفاء مشاعره الحزينة وألم صدره الذي ينحر به منذ حديثه الاول مع والدته أو من تفترض أنها كذلك وتجنب الإجابة عن سؤاله وسأله هو:

-ولو تعرف معمل موثوق فيه بيعمل تحاليل الDNA  وإثبات النسب من غير ما يطلب تأكيد هويات.

جعد عمر جبينه وشعر بالفضول يجتاحه وهو يجيبه:

-أعرف دكتور صاحبي.

صمت قليلا واستمع لفارس وهو يملي عليه أوامره:

-خلصلي تصريح الزيارة انهارده مش بكره وتوصلني بالدكتور ده دلوقتي ضروري.

رد عمر وهو في حيرة من أمره:

-انا الحقيقة مش بكلمه من فتره بس عشان خاطرك هكلمه، بس انت عايز تعمل اثبات نسب لمين؟

صمت ولم يجبه فتابع عمر بغصه لتذكره وقوعه من وقت ليس بالكبير بتلك الخطيئة التي كادت أن تهدم بيته:

-بلاش يا فارس الامور دي، صدقني الشك لما بيدخل لقلب البني آدك بيخليه مش عارف يعيش، وبعد كده لما تتأكد انك كنت ظالم اللي حواليك مش هتعرف تبص في وشهم من تاني.

لم يعي فارس مغذى حديثه حتى انهى نصيحته الغير مفهومة له قائلا:

-مدام ياسمين بتحبك وبتحترمك، ده غير إن ولادك نسخه طبق الأصل منك.

حدق فارس أمامه بذهول عندما فهم مغذى حديثه فصاح بحدة:

-هو أنت فاكر أني هعمل اثبات نسب لمراتي وولادي؟ أنت سامع نفسك بتقول ايه يا عمر أنت اتهبلت؟

لم يجبه عندما استمع لثورته وهو يضيف:

-الموضوع ميخصش مراتي وولادي يا بني آدم، دي حكايه تانيه خالص بس مش عايز شوشرة وأنت فاهم المواضيع دي حساسه.

أكد بحديثه:

-فاهم طبعا، هعمل اتصالاتي وأكلمك بعد شويه.

أغلق معه وبدأ بالإتصال على معارفه حتى ينفذ رغبات رفيقه وعاود الإتصال به ليخبره لما توصل له:

-زيارة مدحت الفهد انهارده مش هتنفع نهائي.

سأله فارس وهو يترك مقعده وتوجه للوقوف أمام نافذة مكتبه:

-ليه يعني إيه السبب؟

أجابه عمر على الفور:

-اللي فهمته إن في زياره لمدير مصلحة السجون انهارده ومش هيعرفوا يعملوا أي زيارات استثنائية لحد، بس أنا ظبطلك زياره بكره في مكتب المأمور.

تنفس بحدة وهو يلعن بداخله؛ فها هو سيضطر للانتظار يوما كاملا من أجل الحصول على إجابات أو حتى للحصول على عينة لحمضه النووي حتى يتأكد من مزاعم والدته التي دعا الله بصلاته منذ اليوم الذي أخبرته فيه بتلك الوقائع أن تكون كاذبة وليست بحقيقة.

استمع لعمر وهو يخبره:

-وكلمتلك الدكتور بتاع المعمل وممكن تروح له انهارده أو تبعت له حد بالعينات بس المهم تكون العينة نظيفة.

قوس حاجبيه وهو يسأله:

-هو الموضوع مش يمشي بخلصتين شعر؟

أكد عليه من واقع خبرته:

-خصلة شعر أو عينه لعاب أو ظفر، هم في المعمل بيحبوا اكتر حاجه اللعاب بيكون اوضح.

سأله فارس بحذر:

-انت تعرف طريقة كويسه آخد بيها العينات دي من غير ما صاحبها يعرف؟

ضحك وقد تذكر مأساته القديمة وكيف أخذ تلك العينة من أخيه عندما وقع بالشك تجاهه:

-ممكن فرشة شعره او أسنانه، المهم أنك تفرق ما بين العينين اللي هتبعتهم عشان تعرف مين فيهم بتاعة مين، يعني مثلا تسمي عينه A  وعينة تانية B

تنهد فارس وعاد يجلس على مقعده وهو يشعر بألم حاد يخترق صدره فسأله عمر بتوجس:

-أنا عارف إن الكلام في المواضيع اللي زي دي بيكون حساس وخاص جدا بس لو احتاجت مساعدة انا معاك.

بلل فارس شفتيه بطرف لسانه وابتلع ريقه وتكلم اخيرا:

-الموضوع ميخصنيش يا عمر، ده يخص حد من معارفي وانا مهتم بالموضوع بس، المهم ابعتلي رقم الدكتور ده عشان انسق معاه.

لحظات واستقبل الرقم على تطبيق المراسلات وتحتها رسالته التي تفيد:

-كلمه وبلغه انك صاحبي.

لم ينتظر الكثير وقام على الفور بالاتصال عليه فأجاب داوود:

-الو

ابتلع فارس الهواء بداخل جوفه ليستجمع أنفاسه وتكلم:

-أنا فارس الفهد صديق عمر الباشا كان كلمك عني.

ابتسم داوود وهو يرحب به:

-غني عن التعريف وعن الوسايط يا باشا، بس بفضلك اتصالحنا انا وعمر.

لم يهتم بثرثرته وتكلم على الفور بجدية لاحظها الطبيب:

-أولا أنا معنديش وقت اضيعه يعني التحاليل اللي هطلبها منك تخلص بسرعه فائقة وعلى أعلى مرتبه من السرية، حتى أنت مش المفروض تعرف من اصحاب العينات.

وافقه داوود فسأله الأول:

-المهم دلوقتي عمر بلغني بطريقة جمع العينة عن طريق فرش الأسنان ودي غالبا أسهل طريقة بس عندي مشكله صغيره.

رد بايجاز:

-أنا سامع سيادتك.

تابع فارس حديثه:

-أحد الطرفين صعب الوصول له في الوقت الحالي، فهل في طريقه تانيه؟

سأله داوود بعض الأسئلة المهنية حتى يستطيع مساعدته:

-هو ده بيعتمد على الأشخاص اللي هيعملوا التحليل، يعني أحنا هنا بنعمل اثبات نسب بين أب وابن مش كده؟

أومأ وكأنه أمامه:

-أيوه بس الأب صعب الوصول له دلوقتي ولو وصلنا له مش عايزينه يحس اننا هناخد منه عينه.

تفهم الأمر فأوضح:

-طيب دي بسيطه اننا ممكن ناخد أي حاجه من متعلقاته حتى لو شعرايه واحده وقعت منه، بس السؤال الاهم دلوقتي هل في اخوات للشخص التاني وواثقين في نسبهم للأب و يكون لهم نفس الام عشان التطابق يكون أكيد؟

أجابه فارس بعد ان لمعت الفكرة برأسه:

-أيوه في، ونسبهم أكيد للأب ونفس الأم كمان.

ابتسم داوود لرده السعيد فأخبره:

-طيب يبقى ممكن ناخد عينه من الاخين ونطابقهم ببعض وهنعرف إذا اخوات اشقاء ولا لأ؟

وتابع مضيفا:

-يعني لو نفس الاب ونفس الأم المفروض نتيجة التطابق تكون 90% لحد 99% اما لو احد الابوين مختلف فساعتها التطابق هينزل ل70% و ممكن اقل كمان عشان كده لازم الاخين يكونوا من نفس الأم طالما عايزين نثبت نسب الأب.

اغلق معه الهاتف وتحرك لوجهته بعد أن لمعت الفكرة برأسه وتحرك خارج أبواب الشركة ففتح له امجد باب سيارته وقبيل أن يدلف بها أستوقفه معتذرا:

-آسف يا باشا لو ممكن لحظه.

نظر له بتجهم فهو الآن على عجلة من أمره ولكنه أومأ واستمع له:

-أصل حضرتك من ساعة ما رجعت مطلبتش زين يرجع الشغل و...

قاطعه فارس قبل أن يتم جملته:

-مش عايز تاخد مكانه ولا ايه؟

ارتبك وأطرق رأسه فتكلم فارس بجمود:

-أظن إن أي جارد من اللي عندي يتمنى يقف مكانك دلوقتي، فأنت بتسأل على زين ليه؟

رد وهو مطرقا رأسه:

-انا مش خاين يا باشا، أني آخد مكان زين واخون العيش والملح اللي أكلناه سوا ده يبقى اسمه....

قاطعه فارس مجددا:

-لو مش انت هيكون غيرك، إختار براحتك عايز تكمل معايا ولا اشوف غيرك؟

رد دون تفكير:

-مش محتاج أفكر يا باشا، انا مستحيل آخد مكان زين إلا في حالة واحدة بس أنه يكون مش قادر او مش عايز يرجع، وغير كده انا اتعودت على خدمة الهانم و...

قاطعه مرة ثالثة ولكن تلك المرة رافعا كفه أمام وجهه يأمره بالصمت فابتلع باقي كلماته بجوفه وعاد ناظرا للأرض واستمع لتوبيخ فارس اللاذع:

-لو متخيل انك كده بتعلى في نظري مثلا تكون غلطان، أنا عايز الجردات بتوعي يكون ولائهم ليا انا وبس، لا لزماله وعيش وملح ولا حتى لأهل بيتي، بمعني اني ممكن في يوم من الأيام أطلب منهم يخالفوا العيش والملح عشان يأدبوا جارد غلط، ساعتها هترفض؟

لمعت عين أمجد وهو يفهم تماما معنى حديثه ورفع نظره عندما صرخ به:

-بصلي هنا وانا بكلمك، لو انا طلبت منك تأدب زين على الغلطه او بمعنى ادق الكارثه اللي وقعنا فيها بسببه، هترفض يا أمجد عشان العيش والملح، جاوب حالا عشان على أساس إجابتك دي في حاجات كتير هتتحدد في الشغل اللي جاي.

ابتلع ريقه المر والذي علق بحلقه الجاف ورد على الفور:

-يا باشا ولائي لجنابك ملوش حدود ولو طلبت مني اضحي بنفسي عشان جنابك مش هتاخر لحظه، بس آخد شغل زين اللي مع حضرتك بقاله اكتر من 10 سنين عشان غلطه واحده بس، أول غلطه يعملها، فيبقى الاكيد اني عمري ما هكمل مع حضرتك 10 سنين زيهم لأني مش فـ قوة زين وهغلط اكتر منه بكتير.

ظل فارس يرمقه بنظرات حادة وفور أن انتهى سأله:

-خصلت؟

أومأ بصمت فعقب عليه:

-انا مش مستنيك أنت تعرفني مين من رجالتي مخلص ومين لأ، ولا مين اقوى من مين، والأكيد أني عارف مين فيكم أكفأ من التاني ومين يستحق المكانه اللي هو فيها، ولو على زين فعقابه يخصني انا وبس وعمري ما هنزل منه قدامكم وأخلي حد فيكم يعلم عليه، وضحت؟

ابتسم أمجد ووافقه بحركات متتالية من رأسه فدفعه فارس بعيدا وهو يدلف السيارة وهو يقول:

-ابعد كده اخرتني.

قاد سائقه وهو يسأله:

-على فين يا باشا؟

أشار له بالصمت والتريث وهو يهاتف أخيه الأصغر الذي أجابه بعد عدة رنات:

-أيوه يا فارس انا في المحاضرة.

ابتسم لفرحته به فسأله بتعجل حتى لا يؤخره عن دراسته:

-طيب هتخلص امتى؟

أخبره وهو يهمس:

-نص ساعه تقريبا، في حاجه ولا ايه؟

أخبره وهو يربت على كتف سائقه بالتحرك:

-عايز اقعد معاك شويه، فيها حاجه دي؟ المهم عشان معطلكش ... انا هقف بره الجامعه استناك، خلص وكلمني.

أغلق معه وأخبر سائقه:

-اطلع على AUC.

❈-❈-❈

طرقت الباب فأذن لها ولم يرفع وجهه عن الأوراق التي بحوزته حتى تنحنحت:

-انا خلصت ورق الاعتمادات بتاعة التصدير وعايزة توقيع حضرتك عليها عشان ابعتها لرؤساء الأقسام.

رفع بصره بلمحة خفيفة وعاد ينظر للأوراق وأشار لها دون تكبد عناء النظر إليها لتحضر له الملف:

-هاتي.

اقتربت ووقفت بجواره وفتحت له الملف تمرر أمامه الأوراق وهو يراجعها مراجعة سريعة ويوقع أسفلها حتى انتهى فلملمت الملف وتحركت للخارج ولكنها عادت أدراجها لتنظر له وهو لا يزال منكب على الاوراق التي أمامه وهتفت:

-يزن بيه.

رفع وجهه مستمعا لها فسألته:

-هو حضرتك مضايق مني من موقف اول امبارح؟

نفى على الفور وترك ما بيده واقفا:

-ليه بتقولي كده؟ مش زعلان خالص.

ردت وهي تبتلع ريقها بتوتر:

-أنا حاسه كده من ساعتها، لو ضايقتك فأنا آسفه.

حرك رأسه مبتسما وهو يشير للأوراق التي أمامه:

-أنا بس مشغول مش اكتر عشان مناقصات التصدير وانتي عارفه الخساير اللي كانت فيها الشركه فبحاول اعوض.

أومأت له وهو يضيف:

-وانا طبيعتي بتعامل من تكليف ولا حواجز بيني وبين قرايبي او حتى الناس اللي شغالين معايا، واتفاجئت بالطبقيه الرهيبه اللي موجوده هنا بصراحه حتى بين العيلة وبعضها وده خلاكي افتكرتي إن في حاجه من ناحيتي ويمكن ده سبب عصبيتك معايا وانا متفهم ده.

اقترب اكثر وهو يستطرد:

-مش حابب التعامل بينا يكون فيه حساسيات ولا حواجز بس مضطر احط خطوط بينا عشان مضايئكيش.

خجلت من أسلوبه الهادئ وتفهمه وعقبت:

-حضرتك مختلف خالص مش بس عن كل الناس اللي اشتغلت عندهم قبل كده، وكمان عن عيلتك اللي المفروض انهم قرايبنا أو نسايبنا، بس فارس بيهتم اوي بالألقاب والمظاهر دي لدرجة حقيقي اول مره اسمع مدير شركه بيقول عن الموظفين بتوعه (الناس اللي شغالين معايا) مش عندي.

ضحك ساخرا وهو يوضح:

-عندي! بأمارة ايه شغالين عندي؟ هو انا اشتريتهم من سوق العبيد عشان يبقوا شغالين عندي، انتي وانا وهم موظفين في شركة واحده بنأدي مهمه وبناخد عليها مقابل من ارباح الشركه مش من جيب صاحبها عشان نبقى شغالين عنده.

تنهد وزفر بيأس وهو يقترب أكثر وأكثر وقد فشل في كبت مشاعره بعد أن حاول أن يخفيها قدر الإمكان بعد موقفها الأخير معه:

-انا كنت مبسوط إن مفيش تكليف بينا بالرغم من انك دايما بتقوليلي يزن بيه، بس برده ساعات كنت بحس اننا اتنين بشر عاديين جدا وحقيق لو هتسألني اذا مضايق من حاجه فهقولك مضايق من الوش البلاستيك اللي لابسه وانا بتعامل معاكي بس غصب عني عشان متزعليش مني.

ابتسمت فشرد ببسمتها الرقيقة والعفوية واستمع لها تخبره:

-والله ولا انا بحب التكليف بس انا مطلقه ولو احنا الاتنين قديسين هيطلع علينا كلام لمجرد انك المدير وانا المساعدة بتاعتك، فبحاول على اد ما أقدر ابعد عن الشبهات عشان سمعتي.

أومأ لها بتفهم فتابعت:

-لكن غير كده أنا فعلا برتاح جدا في التعامل مع حضرتك لانك غير رجالة الفهد كلهم بصراحه، يمكن لحد وقت قريب كنت بقول إن ساجد افضل نموذج فيهم بس غيرت رأيي.

لمعت عينه وارتفعت نبضات قلبه وهو يجدها تمدحه بهذا الشكل الذي أذابه:

-طلع في نسخه في عيلة الفهد افضل بكتير من ساجد وهي حضرتك، من غير مجاملات والله.

حاول قمع مشاعره التي لو تركها لانفجرت بوجهها تخبرها أنه عاشق بل وصريع لعشقها وتكلم بجدية مصطنعة:

-بجد متشكر على رأيك الجميل ده، على العموم انا كل اللي عايزه اننا نتعامل عادي، ولو احنا قديسين على رأيك اللي عايز يتكلم هيتكلم فبدل ما نبقى متكلفين بشكل يضايقنا، خلينا على طبيعتنا افضل وزي ما بتعامل معاكي عادي وبتتعاملي مع ساجد عادي؛ فالاولى أنك تتعاملي مع مديرك على انه اخوكي.

غمز لها بنهاية حديثه فابتسمت:

-معاك حق.

اقترب بسرعة ناحيتها وسألها:

-معاك حق يا ايه؟

ظلت بسمته على وجهه فأجابته:

-معاك حق يا يزن.

كاد قلبه أن ينفجر من بين ضلوعه عندما استمع لاسمه هكذا مجردا من أي ألقاب شأنها أن تعرقل أحلامه وخططه المستقبلية معها، تمالك نفسه وهز رأسه:

-أيوه كده، يلا بقى متعطلنيش واتفضلي شوفي شغلك.

ضحكت وهي بطريقها للخارج فعاد للجلوس على مقعده وهو لا زال ينظر في إثرها وقد اختفت رائحة عطرها الرقيقة والتي لم يستطع شمها إلا عندما اقترب منها كثيرا، وها قد اختفت بمجرد خروجها من مكتبه فترك مكانه وفتح الباب يحدثها وهو لا زال بداخل مكتبه:

-نرمين معلش هو اسم البريفيوم بتاعك ايه؟

تعجبت وأمسكت ملابسها تقربها من أنفها وهي تشهق بخضة:

-ايه ده هو ريحته باينه اوي؟

نفى وقد خرج من مكتبه ووقف قبالتها:

-لا خالص، ده عشان هادي عجبني وقولت اقول عليه لماما عشان كانت بتدور على حاجه خفيفة عشان الحجاب انتي عارفه ماما كمان محجبه.

ردت بعد أن أخرجتها من حقيبتها:

-هو برفان نينا ريتشي عادي انا بس اللي بحط منه بطريقه معينه تخليه ميبقاش نفاذ.

تصنع الاهتمام بما تقوله بعد أن وصل لمبتغاه:

-ايه الطريقه؟

وقفت ورشت منه بعيدا عنها وقبل أن يتطاير كل الرذاذ في الهواء هرعت ولفت حول نفسها تلتقط ملابسها الرزاز المتطاير وهي توضح:

-برش كده وبعدين اخد بس مجرد حاجه بسيطه.

ابتلع ريقه وأومأ وهو يجاهد أنفاسه التي كادت أن تفضحه وشكرها بصوت متحشرج:

-متشكر، فكره حلوه هقولها لماما.

❈-❈-❈

صافحه بحرارة ومزاح:

-حبيبي الغالي.

ضحك فارس وهو يضربه على مؤخرة رأسه:

-ياض يا بكاش انت، عامل ايه يا ساهر؟

أجابه وهو يشير بيده بحركة عد النقود:

-طول ما انت فـ ظهري فأنا كويس يا بوص.

غمز له فعلت ضحكات فارس وهو يشير لسائقه:

-خدنا على البيت يا كارم.

أومأ له سائقه باحترام ولكنه نظر بالمرآة وغير رأيه فورا:

-ولا اقولك، أطلع على الحلاق احسن دقني وشعري طولوا اوي.

عقب عليه ساهر بسخرية:

-انا وصلتني معلومات إن السلطانه بتاعتك بتحب الدقن الطويله.

التفت متفاجئا من حديثه وضربه على مؤخرة رأسه مجددا:

-اتلم يا زفت.

صفق ساهر بسوقية وهو يعقب:

-الله عليك يا حبيب والديك، انا كده اخدت الختم الرسمي بتاع مازن الفهد.

حرك فارس رأسه مستنكرا أفعاله ولكنه لديه هدف محدد ولا يمكن أن يتوان عنه فدخل لذلك المركز الفاخر والمخصص للعناية بالرجل ولا يتواجد مثله الكثير بأحياء مصر، فهو فقط مخصص لعلية القوم.

جلس فارس بالمقعد المخصص فاقترب منه العامل يحدثه باحترام:

-أهلا يا فندم، تحب اعمل لحضرتك ايه؟

أجابه وهو ينظر لأخيه بالمرآة:

-ظبطنا كده أنا والأخ اللي ورايا ده.

ضحك له فنهض ساهر وجلس بالمقعد المجاور وهو يتحدث بمزاح:

-ايوه ايوه اي حاجه ببلاش أنا دايس فيها.

ثم انحنى بالقرب من أذن أخيه وسأله:

-هو في مساج هنا؟

أومأ له فسأله مجددا:

-اللي بيعملوا ستات ولا رجاله؟

أجابه والعامل يضع الرداء البلاستيكي المخصص لقص الشعر:

-أظن رجاله.

رد العامل مؤكدا:

-كل الستاف هنا رجاله يا فندم.

أشاح ساهر بيده بتقزز:

-يع، لأ طبعا مش هخلي أنا راجل يفضل يفعص في جسمي، الLGBT منتشرين اوي اليومين دول وأنا اخاف على نفسي يابا من التحرش.

لم يتمالك فارس نفسه من الضحك من مزاحه وخفة ظله وهو يعقب:

-يخرب عقلك يا زفت، أنت بتقعد مع مازن كتير ولا ايه؟

رد وهو يستعد هو الآخر لقص شعره:

-لا وانت الصادق أنت اللي مشغول عني ونسيت من هو ساهر الفهد.

نظر فارس أمامه وانتهز فرصة انشغال العامل بتنظيف ماكينة الحلاقة بعد أن انتهى من تهذيب لحيته وشعره فأخذ بضع شعيرات بيضاء من تلك المتساقطة عليه ووضعها بداخل كيس بلاستيكي شفاف ذاتي الغلق ذو إطار أحمر كان قد جهزه بجيبه، ووقف سريعا بعد أن أزال العامل بقايا الشعر من عليه ووقف قبالة أخيه الذي كان لا يزال يقص شعره وانحنى يهمس له:

-بقولك ايه انا هعمل مكالمه وبعدين نطلع على البيت احسن ياسمين زمانها مستنياني ع الغدا.

بنفس اللحظه كان يحاول أخذ عينة شعر وهو يلهيه بالتحدث معه:

-طيب عرفها اني هتغدا معاكم احسن متكونش عامله حسابها.

ضحك فارس بعد أن نجح بوضعها داخل كيس آخر ذو إطار أصفر متبعا تعليمات الطبيب بعد لمسه للشعر بيده حتى لا يختلط حمضه النووي بذلك الخاص بأخيه وهو سعيد أن ذلك المكان الباهظ يجبر العاملين به بارتداء قفازات معقمة ونظيفة، رد عليه مازحا وهو يعتدل بوقفته:

-تصدق معاك حق، أما اتصل بيها اقولها تزود حتتين لحمه احسن تكون عامله على الأد.

ضحك ساهر وهو يرى أخيه يسخر منه وخرج الأخير يتفقد محتويات الكيسين وهاتف الطبيب يخبره بنجاحه بتوفير العينات وأخذ أحد الأقلام السميكة وكتب على خاصته (A) وعلى خاصة أخيه (B):

- ايوه يا دكتور، ياريت تبعت الموظف اللي قولتلي عليه عشان يستلم العينات، بس زي ما فهمتك يعمل نفسه بيسلم طرد باسمي ويطلب يقابلني شخصيا.

أغلق معه وعاد للداخل فوجد أخيه وقد وضع بعض المنتجات الخاصة بالعناية بالبشرة على وجهه ويستند برأسه على مسند الرأس المثبت بالمقعد والعامل يستخدم جهاز متطور لتنظيف البشرة فتجهم وجه فارس فهو حقا على عجالة من أمره فسأله بحدة:

-ايه يا بني اللي بتعمله ده؟

أجابه غير مكترثا بحدته:

-جلسه نضاره يا كبير، أصل وشي بهتان من المذاكره.

ضحك رغما عنه ورد ولا زالت آثار الضحكات متعلقة بصوته:

-لا وانت يا واد دحيح اوي، أوم يا زفت أنا مستعجل وعايز اتكلم معاك في موضوع مهم.

فتح عينيه أخيرا بعد أن كان مسترخيا وطلب من العامل ممتعضا:

-امسح يا بني الماسك خليني امشي طالما البوص أمر.

وصلا لفيلا فارس فاستقبلته ياسمين بحفاوة:

-اهلا اهلا يا ساهر، والله البيت وحش من غيرك.

ابتسم وهو يرد:

-عارف والله، ده جاسر كمان بقى بيوحشني اوي.

بنفس الوقت استقبل فارس المندوب الخاص بمعمل التحليل وسلمه العينات وتحدث مع داوود على الهاتف:

-سلمت المندوب بتاعك العينات، المهم دلوقتي هياخد وقت أد ايه؟

أجابه الآخر:

-المستعجل بياخد من 8 الى 9 ساعات فالأفضل استلمه مني بكره.

رفض فارس محتدا فخرج صوته عاليا:

-لأ، اول ما يخلص تكلمني، وأنهارده مش بكره مفهوم؟

انعقد حاجبي داوود بشدة، ولكنه قد أخذ فكرة من رفيقه القديم عمر الباشا عن ماهية هذا الشخص وأسلوبه بالحوار وربما هو يعلمه جيدا من وسائل التواصل الإجتماعي فرد باحترام:

-أوامر حضرتك يا فندم.

دلف فوجد سامر وقد حمل الصغيرة بين يديه وجاسر يقف ممسكا بقدميه يصرخ بغيرة فابتسم وهو يربت على كتفه:

-هتعمل مشكله انت كده، الأوزعة ده مش عايز حد يدلع ولا يتلعب معاه غيره.

انحنت ياسمين تحمله وهي تقرص وجنته:

-غيوووور اوي، مش عارفه طالع لمين.

ضحك فارس واحتضنها وهو يرد:

-طالع لأبوه يا سلطانه.

عقب ساهر مازحا:

-والله وحشني الجفاف العاطشفي ده.

جلسوا على مائدة الطعام واستهل فارس حديثه بجدية مفرطة:

-قولي بقى ايه حكايتك؟ مقضيها عند ساجد ليه؟

ابتلع ما بفمه وارتبك قليلا ونظر له بضيق وأخبره دون تجميل:

-مش طايق العيشه مع فريدة هانم بصراحه.

تعجب فارس من حديثه وتجريده لصفة الأمومة كما فعل هو قديما، ولكن أسبابه أكبر بكثير من تلك التي يقصها عليه اخيه الأصغر:

-كل يوم زعيق وبهدله وطول الوقت محسساني إن مليش لازمه وكلام يسم البدن وعياط على بابا، والجديد بقى كمان انها بتحملني المسؤليه عن دخوله السجن، تخيل يوصل بيها الموضوع انها تقولي لو كنت جنب اختك مكانش حصل اللي حصل.

تعجب فارس واحتدت تعابيره وهو يحدق به، فهل تخطت الحواجز لدرجة إخباره عن زيجة اخته وما حدث بها؟ هل لهذه الدرجة قد جنت وفقدت عقلها؟

سأله مترقبا إجابته بفروغ صبر:

-جنب اختك تعمل ايه؟

رفع كتفيه دلالة على جهله بالأمر وقال:

-مش عارف، لو كنت جنبها مكانتش اتخطفت مثلا من عمي مروان ومكانش بابا قتله في لحظة غضب لما لقاه بيستخدم جنى في تهديدك! ده على كده كانت متجوزه مازن وقتها أصلا.

صمت وترك الشوكة والسكين من يده ونظر لأخيه الأكبر وهو يتابع:

-عارف يا فارس أنا كنت زعلان من بابا بسبب كرهه ليك وتصرفاته الوحشه معاك وأنا شايف انك بتحبنا، حتى بابا يا فارس أنت بتحبه وإلا مكنتش عملت كل ده عشان تدافع عنه، ومتحاولش تقنعني انك عملت كده عشانا وبس.

زفر فارس أنفاسه واستمع له يطنب:

-كنت ببقى زعلان اوي وانا شايفه بيتكلم عنك وحش وعلى طول بيبن كرهه ليك ويمكن عشان كده مشيت من البيت وجيت عندك، بس لما قتل عمي مروان عشان كان بيهددك بجنى عرفت إن هو كمان بيحبك حتى لو مش باين عليه، عارف المثل اللي بيقول أنا واخويا على ابن عمي، أهو لما اتحط بابا في اختيار بينك وبين عمي مروان اللي طول عمرهم انتيم اختارك انت.

بالطبع لا يعلم هذا المتحدث بالحقائق التي جعلت والده يفعل فعلته التي يظنها البعض من أجل الثأر لابنته وله هو أكثر أعداءه بالحياة، لحظة واحدة فقد رددها عقله مرارا وتكرارا الآن بتلك اللحظة، لقد ساعده ليس من أجل خاطر أخواته ولكن لأنه يحبه، فهل يمكن أن يكون كلامه صحيح وربما بعد عدة ساعات تتضح الحقيقة ويظهر أن ما فعله من أجله كان بدافع البنوة إن اتضح أن والده هو نفسه عدوه اللدود الذي لم يسلم من شره حتى دخل السجن فتوقفت أذيته له بالإجبار لا موافقة منه على ذلك.

شروده بحديث ساهر جعل الأخير يهتف:

-بتفكر في كلامي صح؟

أومأ وهو ممتعضا ووجهه يظهر عليه أمارات الضيق والغضب في آن واحد ورد:

-بغض النظر عن كل الكلام ده، أنا وديتك هناك عشان تبقى جنب أختك في محنتها و...

قاطعه ساهر بغضب:

-وخلاص، بقت كويسه والموضوع عدى عليه اكتر من 6 شهور وميار نفسها بتقول عايزه ترجع بيتها، وأصلا هي متعودة على اسلوب ماما وطول عمرهم كانوا متفاهمين وأكتر واحده بتروح معاها الزيارات بتاعة بابا، فخلاص يرجعوا بيت ميار ولو انت مش عايزني أعيش معاك فأنا بقيت كبير وأقدر أعيش لوحدي في البيت.

ظل فارس صامتا يستمع له حتى انتهى من حديثه وأشار له بعينه:

-خلص اكلك وروح هات هدومك وكتبك، وآخر مره تكلمني بالأسلوب ده تاني طالما كبرت وبقيت راجل تعرف تفرق ما بين طريقة كلامك مع اخوك الكبير ساعه الهزار وساعة الجد، انا عمري ما كليت بحد منكم ولا من العيلة كلها فمش هسمح لحد وأنت اولهم يقولي الكلام ده، مفهوم؟

أومأ له صامتا وظل ينظر لطبقه فهتف فارس صائحا:

-ما تكمل أكلك يا زفت.

نظرت له ياسمين وحاولت المزاح لتخفيف الأجواء المشحونة بعد أن تأكدت أن فارس قد عاد كما كان:

-ايه ده؟ هو ساهر أخد اللقب من مازن ولا ايه؟

ضحكا الاثنان ورد ساهر:

-الظاهر كده.

عقب فارس مبتسما:

-مؤقتا لحد ما مازن يفوق من اللي هو فيه.

❈-❈-❈

جالسا بالعزاء ومطرقا رأسه يبكي بحرقة وكل من جاء لتعزيته يقوم باحتضانه مواسيا ومربتا على ظهره فقد فقد أعز ما يمكن أن يملكه المرء بحياته.

اقتربت أخته بعد أن انفض العزاء وأخبرته وهي تمسح أنفها الحمراء:

-المستشفى كلمتني عشان موبايلاتكم كلها مقفوله، وعايزين حد يروح يتبرع بالدم عشان أنس جاله نزيف في العناية ومحتاج نقل دم.

رمقها بنظرة متخاذلة وبكى بحرقة يسألها:

-تفتكري ماما الله يرحمها كانت عارفه بعمايله؟

نفت وهي تؤكد:

-امك ربتنا كويس يا مالك بس هو اللي استغل الثقه الكبيره اللي هي اديتهاله واستخدمها غلط، أنت عارف مين جه في عزا الستات؟

نظر لها منتظرا إجابتها فاضافت:

-خطيبته القديمه، في وسط الحزن على امنا جت تشمت فينا تخيل!

لم يفهم حديثها فأوضحت:

-بتقولي معقول اللي حصل ده؟ اكيد اللي ضرب أنس حد متغاظ منه عشان نجاسته وسمعته الهباب ومامتك طبعا مصدقتش وهي اللي راحت فيها.

احتدت تعابيره وهي تضيف:

-ومسكتتش، كملت تقولي أنا فكيت خطوبتي معاه قبل الفرح بكام اسبوع عشان قفشته مع واحده في العيادة وهم في وضع استغفر الله والكارثه انها كانت حامل وواضح انها بتابع معاه.

لمعت عين مالك واخته تكمل:

-وقبل ما تخرج من العيادة وتفضحه مسكها وهددها انها لو اتكلمت هيفضحها بصورهم لأن كان في بينهم تجاوزات من اللي بتحصل بين المخطوبين وبتتكلم كأن عادي إن يحصل بينهم تجاوزات طالما في حدود، وكملت الكارثة تقولي إن الست اللي كانت معاه جوزها كان بره مستنيها تخلص كشف.

شعر بأنفاسه كأنفاس التنين تخرج نارا مما سمعه منها وهو غير مصدق أنه كان أعمى لهذه الدرجة بل كانوا جميعا عميان ولم يستطع أحدا أن يرى مدى سوءه:

-أزاي ما أخدناش بالنا؟ إزاي كنا عمي كده؟

أجابته مؤكدة:

-ماما الله يرحمها هي السبب، كانت مصوراه ملاك بجناحين وحتى اللي كان بيعترض فينا على أي تصرف منه كانت تفضل تسمعنا اسطوانة انه عمل كل حاجه عشانا وهو اللي ربانا بعد بابا وجوزنا وصرف علينا مع إن يعني بابا مات وأصغر واحد فينا اللي هو انت كنت في الكلية بس هو بقى كمل المسيرة وشورنا وجوزنا.

عقب عليها:

-هو عشان بابا مكانش موجود بحكم شغله وأنس كان مالي الفراغ ده بوجوده، أنتي مش فاكره وأحنا صغيرين لو حد فينا عايز يعمل اي حاجه مكانتش تقول استنوا بابا لما يرجع استأذنوه، كانت تقولنا...

لم تقاطعه ولكنها رددت معه بنفس واحد:

-روحوا خدوا أذن أنس.

ربتت على كتفه وسألته:

-طيب أنت هتعمل ايه؟ هتروح تتبرع له بالدم، أخوك لسه متبرع قريب ومينفعش يتبرع تاني قبل ما يعدي شهر على التبرع الأولاني!

هز رأسه مستسلما:

-هروح عشان خاطر ذكرى امي مع انه ميستاهلش.

❈-❈-❈

فور مغادرة ساهر دلف فارس مكتبه ولم يخرج منه حتى بعد أن عاد الأول بحقيبته واستقر بغرفته القديمة وكل هذا الوقت أمضته زوجته برفقة صغيريها تلاعبهما وتحممهما حتى ناما بحضنها؛؛ فتركت كل منهما بفراشه والمربية تجلس أمامها تتصفح هاتفها فسألتها ياسمين:

-قوليلي يا بوسي، ناويه تتجوزي امتى؟

تعجبت من سؤالها وتخوفت من أن تنهي عملها بعد أن اعتادت ياسمين بتلك الفترة التي ترك بها فارس المنزل أن تعتني بصغيريها بشكل مكثف ودقيق حتى أصبحت هي لا تفعل شيئا سوى النوم برفقتهما فقط :

-ليه يا هانم هو حضرتك عايزاني أمشي؟

نفت على الفور وهي توضح:

-بالعكس، ده أنا عايزه أعرف عشان ابقى عامله حسابي على اجازتك وخصوصا انك تقريبا مش بتاخدي اجازات وقولتيلي قبل كده أنك بتحوشيهم عشان الفرح

ابتسمت لها المربية وهو ترد:

-هو احنا محددناش لسه، بس اول ما يرجع من السفر هنحدد وأكيد هبلغ حضرتك.

ابتسمت لها وسألتها بفضول:

-وانتي قابلتيه ازاي وأنتي لحد قبل ما تيجي هنا كنتي شغاله في كذا مكان ومع وزراء ورجال أعمال

ردت وهي تترك الهاتف من يدها على المنضدة التي أمامها:

-هو كمان كان شغال عند حد من رجال الاعمال دول، كنت شغاله في دبي وهو كان شغال محاسب لرجل أعمال خليجي كنت الناني بتاعة ولاده لفترة كويسه واتعرفنا على بعض وحبينا بعض بسرعة.

ابتسمت ياسمين وهي تستمع لقصة حبها:

-يمكن عشان احنا الاتنين كنا المصريين الوحيدين اللي شغالين عند الراجل ده.

سألتها بعفوية:

-اسمه ايه رجل الاعمال؟

أجابتها بخجل:

-هو ده بالذات شخصية كبيره وكان ممضيني على ورق قانوني كده اسمه عدم الافصاح حتى انا مينفعش احط الفترة دي في الC.V بتاعي عشان جوازاته اللي كانت مش معلنه.

رفعت حاجبها تسألها:

-مخلف من جواز عرفي؟

أومأت لها فوضعت ياسمين راحتها على فمها تكتم شهقة تعجبها وهمت بسؤالها:

-وخطيبك اسمه ايه؟

قبل أن تجيبب وجدت هاتفها يصدح برنينه فهرعت تكتم صوته حتى لا توقظ الصغيرين وأجابت مبتسمة:

-ابن الحلال عن ذكره بيبان.

بادلتها الضحك ووقفت حتى تترك لها مساحة من الحرية وخرجت مغلقة الباب خلفها ونزلت الدرج حيث زوجها المهموم بغرفة المكتب ينتظر تحديد مصيره وربما معرفة هويته الحقيقية.

طرقت الباب ودخلت فوجدته مستريحا على الأريكة الموضوعة بالغرفة فاعتدل فور أن لاحظها وهي تحدثه:

-طالما تعبان ليه مطلعتش ترتاح في الجناح شويه؟

رفض وهو يجيبها:

-مستني تليفون مهم.

جلست على فخذيه تداعب شعيرات صدره التي تظهر من قميصه المفتوح:

-وهو التليفون المهم ده مينفعش تستناه فوق؟

علت حرارة جسده من مشاكستها ومداعبتها له بأناملها الناعمة والرقيقة واستجاب جسده لتلك اللمسات فشعرت هي الأخرى بتجاوبه معها فهمست بأذنه قاصدة أن تدفع أنفاسها بداخلها لتصيب جسده بالقشعريرة:

-واضح إن فارس الفهد رجع بقوة ومش بس طباعه الشرسة.

ابتعدت تغمز له فعض على شفته وهو يسايرها بوقاحة اكبر من مشاكستها:

-الظاهر إن العدة اشتغلت.

ضحكت ضحكة رقيعة ولكنها عادت تكتمها براحتيها معا وهي تتمتم:

-مبقناش لوحدنا، ساهر معانا.

قضم عنقها بأسنانه بلهفة وهو يقبلها بنهم:

-أنا مستعد اطرد كل الناس اللي في البيت انهارده بالذات عشان تاخدي راحتك لأني ناوي اطلع عليكي العطل ده تالت ومتلت.

قبلته قبلة عميقة مؤججة للمشاعر وابتعدت تغمز له:

-طيب ايه رأيك تستناني هنا 10 دقايق بس.

فهم أنها تريد تجهيز أجواء شاعرية لليلتهما فوافق أملا في أن يتلقى خبر نسبه بذلك الوقت فقد تخطى الوقت التسع ساعات التي أخبره بها الطبيب.

صعد بعد أن أرسلت له رسالة على تطبيق المراسلات:

-يلا فروستي اطلع.

صعد بلهفة كل درجتين معا ودلف الجناح فوجدها تقف بالمنتصف ترتدي زيا تنكريا فاضحا لشرطية قصير للغاية ومكشوف الصدر بقطعة قماش شفافة، أما عن القطعه أسفل الصدر فهي مصنوعة من الجلد الأسود وارتدت شراب طويل به فتحات كثيرة أظهرت أكثر مما أخفت، وارتدت قبعة الشرطة على رأسها وهي تستدل شعرها الطويل أسفلها وأما عن ظهر الفستان فكان عبارة عن أربطة وأشرطة دون أي قطع تستر الجسد وعلقت بخصرها أصفاد حديدية ووقفت تضع يدها بخصرها وهي تخبره:

-أنت مقبوض عليك يا فارس باشا بتهمة سرقة قلبي.

ابتلع إثارته بداخله وحاول أن لا ينساق لها حتى لا يخرج عن سيطرته معها فاقترب منها وهو يرد:

-أنا برئ يا فندم.

ضحكت من نبرته المصطنعة وأمسكت الأصفاد وهي تقول:

-مفيش داعي للمقاومة، ياريت تمد ايدك عشان احطلك الكلبشات بدل ما اطلب قوة دعم.

عض على شفته وهو يرد:

-هو انا هقدر عليك لوحدك يا حضرة الظابط لما تجيبلي كمان قوة دعم، أنا أهو مستسلم وبقدم نفسي للعدالة.

ضحكت برقاعة واقترب منه وهو مادا لساعديه أمامه فوضعت بهما الأصفاد وسحبته ناحية الفراش وأجلسته وانحنت تهمس له:

-ودي بقى فقرة الرقص.

نهج بأنفاسه وهي ترقص على أنغام الموسيقى بتمايل وربما ليست بحرفية شديدة أو بالأحرى بدلال ولكنها لا تفقه أي شيئ عن الرقص؛ فضحك رغما عنه وهو يقف ويرفع ساعديه ليحتضنها ويقول:

-حضرتك يا حضرة الظابط أثبتلي أنك مبتعرفش ترقص خالص وإن بدلة الرقص اللي لبستيها قبل كده هي اللي كانت بترقص لوحدها.

زمت شفتيها للأمام فقبلها منها ولم يتركها إلا بعد أن تجاوبت معه فرفع ساعديه يبتعد عنها وأزال عنه تلك الأصفاد وألبسها إياها وحملها متوجها للفراش وأراحها عليه بعد أن جردها من ذلك الزي بسهوله واعتلاها هامسا بشبق:

-وحشتيني اوي.

ردت هي الأخرى وهي تحيط عنقه بساعديها المكبلين:

-وأنت وحشتني اكتر.

لحظات من العشق والولع وكلمات الحب التي نطقها كل منهما للآخر هي ما عززت تلك الروابط بينهما وهو يؤكد عليها كلما تعمق بلمسها أكثر بأن لا تدع أي شيئ يفرق بينهما مهما حدث.

ارتمى على الفراش وسحبها داخل حضنه يدثرها ويتنهد وهو يسب طبيبه:

-ده أنا هنفخك يا دكتور الزفت على العلاج اللي اديتهولي، الدوا كان مخليني سوسن.

ضحكت عاليا وارتفعت تقبله وهي تشد بأصابعها على شعر لحيته:

-فشر سوسن مين ده أنت فهد.

ركز بصره بحدقتيها وهو يقول:

-خلاص يا ياسمين اتقفنا؟

سألته ببلاهة:

-على ايه؟

نظر لها بلمعة تعجب وهو يجيبها بحدة:

-في اللي لسه متفقين عليه وأحنا مع بعض، منخليش حاجه تفرق بينا مهما حصل، تتأكدي أني بحبك ومستحيل اتخلى عنك أو أزعل منك وانتي تفوتيلي شويه، أنا اتغيرت كتير عشانك بس مش قادر اتغير اكتر من كده.

أومأت له وعادت تريح رأسها على صدره:

-بس انت كمان لازم تعمل اللي اتفقنا عليه، متخبيش عني حاجه ولا تطلع غضبك عليا، طلعه معايا يا فارس وأظن انت عارف الفرق خلاص.

أومأ وهو يحتضنها من كتفها وقبل أعلى رأسها فارتفعت تنظر له وسألته:

-طيب يلا قولي موضوع مامتك؟

سحب نفسا بداخله وهم بالحديث ولكن استوقفه رنين هاتفه فوقف يرتدي ملابسه الداخلية وتوجه حيث ترك الهاتف وأجاب:

-انا معاك.

استمع للطرف الأخر وهو يخبره:

-بعت لحضرتك النتيجة على الواتس، تطابق بنسبة 90% يعني الاتنين الاخوات دول شقايق من نفس الأم ونفس الأب.



يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة