رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 20
قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية روضتني 2
(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)
طمس الهوية
للكاتبة أسماء المصري
الفصل العشرون
تم النشر بتاريخ
14/10/2023
❈-❈-❈
جحظت عينيه من إثر الصدمة فنزلت يده التي تحمل الهاتف بجانبه بانهزام وأخرج تنهيدة حارقة مطرقا رأسه يجاهد من أجل التماسك ولكن من أين التماسك؟ مر بذاكرته الكثير والكثير منذ أن كان صغيرا يعيش بين والديه يرى ويسمع كل ما مر به والده من رفض وكره ونبذ من زوجته وأم ولده، وبالرغم من ذلك لم يتركها لتذهب وحتى تلك اللحظة لم يعرف ما السبب وراء تمسكه بها، هل بسبب ما أخبره به قديما وما غذى به عقله أنه لم يتركها لأجله هو؟
دمعة وحيدة نزلت من حدقته اليسرى فمسحها وهو يتذكر حديث عمه الدائم له أن والده قد ضحى من أجله وعاش مع امرأة تنبذه وتكرهه، هل من المنطقي أن يعيش الإنسان حياته مع زوجة لا تريده ويعلم تمام العلم أنها تكرهه؟
ظلت ياسمين تنظر له بقلق بالغ وهي ترى ملامحه الواجمة فلفت ملاءة الفراش على جسدها العاري واقتربت منه تسأله:
-فارس، ايه اللي حصل؟
لم يجبها وظل يتنفس بحدة فاقتربت أكثر تنظر لوجهه وتحاول رسم الابتسامة عليه، ولكن قلقها وخوفها حال دون ذلك فمسكت راحته الحرة وقبلتها وهي تحدثه بحنين:
-حبيبي، مهما كان اللي حصل متفكرش فيه عشان خاطري.
أومأ لها وتحرك معها صوب الفراش وجلس على حافته وجلست هل بجواره تدلك كتفيه وعنقه وسألته:
-مشكله في الشغل؟
نفى وهو يرد:
-مش قادر أتكلم دلوقتي يا ياسمين، سبيني شويه لو سمحتي
وافقته دون مجادلة وهمت بالوقوف فسحبها وأجلسها على فخذيه ودفن نفسه بحضنها وهمس:
-خديني في حضنك، مش عايز حاجه من الدنيا غير تاخديني في حضنك وبس.
احتضنته بقوة وظلت تربت على ظهره فانحنى للوراء متسطحا بجسده وعاد للخلف قليلا حتى باتا على الفراش ووضع رأسه على صدرها وأغلق عينيه وهي تداعب شعره وهو يعتذر لها:
-معلش استحمليني، كنت ناوي أحكيلك بس مش قادر دلوقتي واول ما استوعب هقولك على كل حاجه.
أومأت له:
-لو مش عايز تحكي خالص فمش مهم، المهم صحتك وخد بالك من نفسك عشان خاطري وخاطر ولادك احنا محتاجينك.
بكى رغما عنه فمسحت براحتها على ظهره وظلت تدندن الألحان الهادئة وهي تداعب شعره حتى راح بسبات عميق.
استيقظ عندما توغل ضوء النهار بجناحهما فوجدها لا تزال فاردة ذراعها وهو نائم بحضنها فابتعد حتى لا يؤلمها، ولكنه وجدها مستيقظة وتبتسم له:
-صباح الخير يا حبيبي.
رد وهو يقبل وجنتها:
-صباح النور يا سلطانه، أول مره أنا اللي أنام في حضنك مش العكس.
قرصت وجنته فضحك على مشاكستها:
-احلى نومه دي ولا ايه.
جلس على طرف الفراش وهو يسألها:
-اكيد دراعك وجعك مش كده؟
نفت على الفور وهي تترك الفراش وتسحب مئزرها لتغطى جسدها، ولكنه فور أن لمح جسدها العاري ابتسم وسحبها لتسقط مجددا على الفراش واعتلاها وهو يداعبها:
-شغل عالي اوي اللبس التنكري ده.
هي تعلم جيدا أنه يحاول أن لا يظهر لها حزنه، ولكنها خير من تعلمه فحاولت مجاراته فيما يفعل وردت مازحة معه:
-دي جوجو عندها دولاب مليان انواع واشكال، هبقى استلفه منها بقى.
علت ضحكاته المصطنعة وهو يومئ:
-عارف عارف، هي ومازن فضيحة.
شرد لحظة فرأت ملامحه بوضوح وهو يعتليها هكذا فمسحت على ذقنه برقة:
-كل مشكله ولها حل، وأي حاجه هتمر علينا هنقف لها سوا إلا تعبك فده كافي انه يكسرني.
قبلها قبلة رقيقة وارتفع بجسده وصرح:
-أنا طلعت ابن مدحت الفهد.
قالها وابتعد عنها جالسا على طرف الفراش فنهضت هي الأخرى بعد أن اعترى ملامحها ووجها التعجب والدهشة ووقفت أمامه تسأله:
-أنت قولت ايه يا فارس؟
ابتسم بمرار وردد:
-ايوه، طلعت ابن مدحت الفهد.
تناول هاتفه من جواره وفتح تطبيق المراسلات حيث رسالة المعمل بتطابق العينات وهو يخبرها:
-أمي الموقره قالت لي الحقيقة دي ولأني مصدقتهاش نصحتني كتر خيرها اعمل تحليل DNA عشان اتأكد.
ابتلع ريقه الجاف وتابع:
-عملت التحليل ودي النتيجه.
صرت على أسنانها غاضبة تحاول كتم ما تشعر به من كره تجاه حماتها وجلست أمامه على ركبتيها تربت على فخذيه:
-وايه يعني، مش مهم انت ابن مين، المهم انت مين يا فارس.
وقفت وجلست بجواره ووضعت راحتها تسحب وجهه لينظر لها وهي تبتسم:
-انت فارس الفهد الزوج والأب الحنون، الأخ اللي بتمنى وبحلم يكون ابني زيه، سند وظهر لاخواته وراجل قادر يقف في ظهر العيله كلها.
قبلته قبلة رقيقة وأضافت:
-ارمي كلامها وارمي التحليل ده ورا ظهرك واتعامل ولا كأنك عرفت حاجه، متخليهاش تنتصر عليك.
رمقها بنظراته الحزينة وهي توضح:
-هي استنت كل السنين دي ليه؟ وليه جايه تقول ده دلوقتي؟
رفع شفته ممتعضا وهو يخبرها:
-كانت خايفه على الورث ليضيع من ايديها.
حركت رأسها ترفض تصديق حديثها:
-الكلام ده كدب، لأن ماهر الفهد كتبلك ثروته ليك، مسابش ورث وانت اخدته بصفتك الوريث، هو كتبلك كل مليم احتكم عليه وزي ما كنت قايل لي انه ساب بس نصيبه من اسهم الشركه اتقسمت بينك وبينها حسب الشرع.
فكر قليلا في حديثها المنطقي وسألها وكأنه فقد قدرته على تحليل الأمور:
-هل ممكن ست تعيش حياتها مع راجل مبتحبوش زيها كده وكأنها مغلوبه على أمرها؟ فريده هانم مكانتش مغلوبه على امرها ولا حقها في الورث كان يستاهل كل العذاب اللي هي عاشته على حسب كلامها.
ردت بموضوعية تستنبط:
-كره مامتك لماهر الفهد حتى لو له مبرراته، فكرهها ليك ملوش مبرر ولو كنت بقول محملاك ذنب جوازها منه فده دلوقتي تفسير مش صحيح لانها كانت ممكن ببساطه تقول لمدحت انك ابنه، على الأقل كان هيعاملك حلو وعمره ما هيحاول يقتلك.
زمت شفتيها بحيرة:
-انا مش مصدقه، في حلقه ناقصه في الحكاية دي وأنا مش فهماها وأنت لازم تعمل حاجه من اتنين، يا تدور ورا الموضوع ده لحد ما تلاقي الحلقة دي وساعتها يمكن تفهم وترتاح بس ده مش أكيد، يا ترمي كل الهري ده ورا ظهرك وتنساه تماما ولا كأنه حصل.
سحبها وأجلسها على فخذيه وخلل أصابعه بشعرها يداعبه ويقبلها من عنقها فتجاوبت معه عله يخرج مما يشعر به واستمعت له يتمتم:
-أنا مليش غيرك، أنتي وولادي الحقيقة الوحيده في حياتي.
لم تتركه لحزنه وانكساره فتوغلت بلمساتها أكثر وأكثر حتى تشعل به الرغبة، ولكنه ابتعد يسحب نفسه بداخله وأغلق عينه يحرك رأسه رافضا ما تود منه الانخراط به:
-مش قادر يا ياسمين معلش.
كتمت عبراتها وحبستها داخل مقلتيها واحتضنته بقوة داعمة له:
-أنا فهمت دلوقتي ليه حالتك كانت عامله كده، وبعتذرلك عن كل لحظه مكنتش فيها جنبك، وعن كل لحظه وجعتك وزودت عليك اللي أنت فيه، سامحني وانا من انهاردة ملكك ومش هتعرض اي حاجه تعملها ولا على أي قرار تاخده مهما كان.
قبلته وهي تؤكد:
-انا ملكك، اعمل فيا اللي انت عايزه ولا هزعل ولا اشتكي.
اتسعت بسمته وهو ينظر لها وقبلها قبلة عميقة وقبل أن تتجاوب هي استمعا لطرقات الباب فهتف من الداخل:
-مين؟
أجابت خادمته بتلبك:
-آسفه يا باشا، عم ياسمين هانم تحت وعايز يقابل حضرتك.
وقفت فورا تهتف بلهفة:
-خير يارب!
فتح الباب وهو لا يزال بملابسه الداخلية فقط وسألها:
-لوحده ولا الحاج معاه؟
أجابته وهي مطرقة رأسها لأسفل:
-ده الأستاذ أحمد يا باشا مش الأستاذ محمود.
تعجبت ياسمين وتبعته أمام الباب تستمع له وهو يأمر خادمته:
-طيب دخليه الصالون لحد ما ألبس.
التفت لها وسحبها معه لداخل المرحاض:
-يلا تعالي حميني خليني انزل لعمك اشوفه عايز ايه؟
ضحكت وفتحت صنبور المياه وبدأت بتدليك جسده بالماء والصابون وهو يشاكسها بلمساته الغير بريئة فصاحت به موبخة:
-بطل بقى خليني اخلص عشان تنزل.
غمز لها وألصق جسده بخاصتها وانحنى يلتهم عنقها بقبلة عنيفة خلفت آثارها على عنقها الغض وابتعد بعد أن وجدها قد تاهت وذابت بين يديه وسحب المنشفة وهو يقول:
-يلا بلاش عطله، عمك تحت واتأخرنا عليه.
حدقت به تصر على أسنانها بعد أن نجح باثارتها وتركها هكذا فعضت على شفتها بتوعد وهو لا زال يضحك عاليا من منظرها المبعثر وغضبها الذي بدا له طفوليا وسحبها يلف جسدها بالمنشفة ويعتذر لها:
-حقك عليا، هنزل امشيه واطلعلك هوا.
ردت بدلال قاصدة أن تتلاعب به:
-يعني افضل هنا زي ما انا كده ولا هتتأخر؟
ابتلع ريقه ودار يوليها ظهره:
-تعالي انزلي معايا يا سلطانه عيب عمك تحت.
نزلا فوجداه يقف بمنتصف البهو بعد أن رفض أن تتم استضافته بغرفة استقبال الضيوف أو حتى أن يتناول أي مشروب ولم تلحظ ياسمين تجهمه الغير معلوم سببه وهرعت ناحيته ترحب به:
-اهلا يا عمي نورت البيت.
صافحها بفتور وعينيه ترتكز على فارس الذي تقدم منه بهدوء ومد ساعده:
-أهلا يا أستاذ أحمد.
لم يصافحه الأخير بل صاح على الفور:
-لا أهلا ولا سهلا، ابني فين يا فارس؟
جعد فارس جبينه وانعقد حاجبيه بشدة وهو يستمع لترديده:
-شادي فين يا فارس؟
ردت هي على الفور بحدة:
-جرا ايه يا عمي؟ هو كل شويه مشكله بسبب شادي؟
التفت لها يرمقها بنظراته الغاضبة وهو يوضح:
-شادي من ساعة ما نزل امبارح مرجعش وتليفونه اتقفل كمان، أنا استنيت لحد الصبح عشان ابقى عداني العيب في اللي هعمله بعد كده.
التفت يهدر بفارس الذي وقف صامتا أمامه:
-ابني فين بقولك، وأوعى تفتكر هسكت لك زي المرات اللي فاتت، شادي لو مرجعش انهارده أنا هعملك فضيحه في كل الجرايد و...
صرخت ياسمين تدافع عن زوجها:
-وفارس ماله باختفاءه؟ فارس لو كان عايز يعمل ده كان عمله من اليوم اللي شادي عمل عملته واحنا في بيتك يا عمي.
التفتت تنظر لزوجها الصامت وصرخت بعمها:
-وحتى لو عملها فأنا بديله كل الحق لأن عمايل شادي عدت كل عقل.
حاول أحمد التحدث ولكن صوت فارس الأجش كان أقوى وأعلى وهو يوضح:
-ابنك مش عندي.
رد وهو يصر على أسنانه:
-انت فاكرني هصدقك؟ مين له عداوة معاه غيرك؟
اقترب فارس وهو رافعا حاجبه وتكلم بقوة:
-وانت تفتكر لو عندي هخاف منك مثلا؟ أنا لما سبته اول وتاني وتالت مره كان عشان خاطر دي.
أشار بيده ناحية زوجته الواقفة أمامه وهو يتنفس بغضب فصاح أحمد فورا:
-أومأل ابني راح فين؟ أنا...
هنا قاطعته ياسمين بحدة ولأول مرة ترفع صوتها بهذا الشكل على أحدا من عائلتها أو أعمامها:
-أنا بجد مش فاهمه هو حضرتك شايف الوضع اللي ابنك وصلنا ليه ولا لأ؟ طيب لما ما اخدتش رد فعل مرة واتنين قولت يمكن ميعرفش أو اتفاجئ، بس انا فعلا نفسي أعرف رد فعلك ايه ورأيك على تصرفاته الأخيرة واللي بالرغم من كل حاجه اترجيت فارس انه ميأذهوش.
رد وهو ينهج بأنفاسه:
-غلطة شادي انه حبك و..
عادت لمقاطعته غاضبة وقد اعترى وجهها الحنق الشديد:
-شادي لا حبني ولا حبكم ولا حتى حب أخته الوحيدة، هو اللي يحب حد يورطه بالشكل ده؟
اقتربت ترفع رأسها تنظر له وهي تتسائل:
-يا ترى حضرتك عارف انه ساومني على شرفي بعد ما عمل عملته السودا دي مع جنى؟
لمعت عين عمها وهو ينتظر منها تفسير لما قالته فلم تبخل به وأضافت:
-يعني مكفهوش أنه لعب ببنت صغيره وقاصر وضحك عليها وصورها ونشر فيديوهاتهم وهي على ذمته، راح ساومني على شرفي بعد ما عملي فخ وصورني وانا عنده في بيته وبعت الصور لفارس.
احتدت نظراته تجاهها وهو غير مصدق لما تفوهت به:
-تفتكر واحد زي فارس لما يتبعت له صور مراته وهي في بيت خطيبها القديم وفي حضنه وبيبوسها ممكن يعمل ايه؟ مش كان الطبيعي تكونوا اخدتوا فيا العزا يا عمي! بس فارس اتصرف بعقل وفهم انه فخ زي اللي قبله واللي بعده.
تكلمت وهي مطبقة على أسنانها بغل:
-وبعد كل ده اترجيته يسيبه من غير أذى، راح سفره يشتغل بره، دور له على شغل بعد ما ضحك على اخته وعلى مراته وحضرتك جاي تهدده وتقوله ابني فين!
زمت شفتيها ممتعضة وتابعت:
-عارف يا عمي إن حتى لو شادي تحت ايده فأنا معاه وموافقه على اي حاجه هيعملها فيه حتى لو هيقتله عشان ده اقل حاجه يستحقها ابنك، يستحقها ابن عمي.
لم تكتف بما ألقته على مسامعه ولكنها أضافت:
-حتى أخته استخدمها عشان ينفذ اللي في دماغه، وحضرتك ولا فارق معاك إن بنتك استخدمت نفسها عشان توقع زين وفضلت تعشمه بالجواز عشان بس لحظة الانتقام اللي هو شايف إن له حق فيها.
صمته جعلتها تكمل حديثها المتتالي وفارس يقف خلفها ينظر لها بحب وإعجاب وأختار الصمت حتى يستمع لدفاعها المستميت عنه وهو بغاية السعادة:
-اللي حضرتك جاي تهدده ده لولاه كان ابنك مات وهو بيشتغل لحساب المافيا اللي راح رمى نفسه في حضنهم من اول ما اتعاون مع مروان الفهد لحد اللحظه اللي كنا فيها في بيتك وسمحت بالمهزلة دي.
رفعت جانب شفتها تسأله بتقزز:
-يا ترى حاسبت دعاء على اللي عملته؟ سمعتها وشرفها اللي لعبت بيهم عشان تساعد شادي على انتقامه كان تمن عادل من وجهة نظرك؟ كل عمايل شادي كانت عشان فارس اخدني منه على حد قوله؟ ولا عشان الاسبوع اللي اتبهدل فيه قبل جوازنا؟ فهمني...
صرخت بنهاية حديثها وهي على حافة الإنهيار فشعر بها فارس الذي أقترب منها وأسندها داعما جسدها وأحاط كتفها بذراعه فتكلم أحمد غاضبا:
-طالما اختارتي موقفك يبقى تنسيى العيلة وإن ليكي اعمام من هنا ورايح.
أومأت له ارتعشت وهي ترد:
-زي ما تحب يا عمي، ولو موقف العيلة كلها زي موقف حضرتك فأنا مع جوزي لأن هو عيلتي ولو فعلا شادي معاه فأنا هكون واقفه جنبه وهو بياخد حقه وحقي وحق جنى منه.
وقبل أن يعلق عليها عمها أي تعليق نظر لها فارس بصرامة وهمس لها بإيجاز:
-أطلعي فوق.
لم تجعله يعيد عليها أمره مرتين بل تحركت فورا قاصدة الدرج وصعدته ولكن فضولها قادها على الوقوف بالطابق الثاني تسترق السمع لحديثهما والذي بدأه فارس وهو يجلس بأريحية على المقعد واضعا قدما فوق الأخرى:
-شوف يا أستاذ أحمد، أنا لآخر لحظة هحفظ صلة القرابه اللي بينا وهتكلم معاك بهدوء وعقل، بس دي المرة الأخيرة وحقيقي بعد كده محدش هيقدر يقف في طريقي واظن زي ما شوفت إن اللي كنت بخاف على زعلها خلاص رمت قضيتكم لانها قضية خسرانه قلبا وقالبا.
ظل أحمد واقفا يرمقه بنظرات حادة واستمع له يضيف:
-شادي انا معرفش هو فين، بس أقدر بمكالمة تليفون اعرف.
رفع حاجبه وأكمل حديثه ساخرا:
-بس ده لو حد له تمن، إنما ابنك ميجيش حتى تمن الفرشة اللي بمسح بيها جزمتي.
أشار لحذائه الباهظ الثمن ووقف مقتربا منه يستطرد:
-القضايا اللي رفعها عليا وعلى مازن وجنى كلها بتتحل واحده ورا التانيه ولو فاكر اني هخاف من الشوشرة مثلا فخلاص فارس الفهد مبقاش يتهدد.
ضحك بسخرية وهو يقول:
-أصل هيحصل ايه تاني أكتر من فضايح التسجيلات واللي ملامح جنى وياسمين كانت باينه فيها، ولا ممكن اقلق مثلا من السجن والقضية بعد ما اتهموني بالقتل، مرة كارما ومره عاليا وعليهم محاولة قتلى فتفتكر إن أنا لسه في حاجه ممكن اقلق أو أخاف منها؟
حاول أحمد الرد ولكن فارس لم يمهله الفرصة وتكلم من بين اصطكاك أسنانه:
-وجودك في بيتي بقى غير مرحب بيه من انهارده حتى بعد ما تعرف غلطك هتكون ممنوع تماما من التواجد في أي تجمع انا فيه، وده قرار في مصلحتك قبل كل شيئ لأني لو شوفتك تاني هشيل اي اعتبارات وهتشوف وش فارس الفهد اللي أنتوا لسه مشفتهوش لحد دلوقتي.
أشار له بحركة رأسه وهو ينهي حديثه:
-اتفضل اطلع بره.
❈-❈-❈
فور أن علم امجد بقدوم عم ياسمين لفيلا الفهد قام فورا بالاتصال بصديقه ورفيقه ليبلغه آخر السستجدات ولم يتأخر زين بالحضور بالرغم من عدم استدعاء فارس له حتى الآن، ولكنه تخوف كثيرا من أن يحدث ما لا يحمد عقباه ويتهور رب عمله بسببه بجريمة أخرى قد تنهي مسيرته نهائيا.
وصل لباب الفيلا فاستقبله أمجد الذي احتضنه مربتا عليه:
-حمد الله ع السلامه، انا بس قلقان فارس باشا ياخد موقف عنيف مع الأستاذ أحمد وعارف انه هيعاقبني عشان بلغتك.
ربت زين على كتفه يسأله:
-هو جوه بقاله أد ايه؟
أجابه وهو ينظر بساعته:
-ساعه تقريبا، اللي مطمني إن مفيش أي زعيق جوه وأنا مبلغ سنيه لو حصل حاجه تبعتلي على طول.
زفر زفرة قوية ووقف أمام الباب ينتظر أي أحداث، ولكن رنين هاتفه جعله تجهم بشدة وخرجت النيران حتى من أذنيه وهو يجيبها بصوت أجش:
-نعم!
ارتبكت فلم تتحدث واستمع فقط لصوت بكائها فأغلق المكالمة ولكنها كررت المحاولة وعندما رد هتفت تلك المرة:
-استنى يا زين متقفلش.
ترك الهاتف مثبتا على أذنه دون تعقيب فهمست له بصوت رقيق:
-زييين.
استمعت لصوت أنفاسه المضطربة فعلمت أنه يستمع لها فبدأت تتحدث دفعة واحدة دون إضاعة وقت:
-انا عارفه اني غلطت بس أنا والله العظيم حبيتك وطلبت من شادي ينسى اتفقنا وينسى تاره عندك بس هو صمم ومعرفتش أعمل حاجه، وعارفه إن كلامي ده مش مبرر للي حصل وإننا بعد اللي حصل صعب نكون لبعض، بس مش قادره تكون النهاية بينا أنك تكرهني بالشكل ده.
لم يعقب على حديثها وتركها تلقى ما بجعبتها وعندما صمتت سألها بصوت ساخر:
-خلصتي؟
أكدت أنها انتهت من حديثها فتكلم بأسلوب لاذع دون أن يهتم لمن حوله وقد استمعوا لحديثه:
-أنا عندي ليكي سؤال واحد وعايز إجابه واحده منك، يا ترى أخوكي عارف باللي حصل بينا؟
انتبه أمجد فالتفتت رأسه بقوة وانتباه لما تفوه به وهو يكمل:
-ولا ده كان من ضمن خطته الو*** عشان توقعيني.
بكت بانهيار وهي تجيبه:
-انا .. أن...
ضحك وسألها وهو يصر على أسنانه:
-انتي ايه يا دعاء؟ انتي وأخوكي أسفل شخصيات قابلتها في حياتي مع اني كنت فاكر اني قابلت كتير، بس لحد الو**** دي مشوفتش وعموما انا كل اللي خسرته في الليله دي هي شوية الفلوس اللي صرفتها على الخروجات والهدايا وخسارتك انتي اكبر ده لو فارق معاكي أصلا.
وقبل أن ينهي معها المكالمه رمي بحديثه اللاذع عليها:
-بس مظنش يفرق معاكي كتير، انا بس اللي كنت مثالي زيادة عن اللزوم وقولت بعد اللي حصل بينا لازم اتجوزك.
ضحك على نفسه قبل أن يضحك على ما أوصلته له وهو يقول:
-اتصالك انهارده عشان ابوكي هنا مش كده؟ اطمني، فارس باشا لسه مقتلوش.
أغلق بوجهها وجلس على مقدمة السيارة وأمجد لازال ينظر له متعجبا ولم يستطع ان يتوقف فضوله على التحديق فحسب وسأله:
-زين، معقول أنت ودعاء...
صمت خجلا من صوغ ما فهمه منه ولكن زين رمقه بنظرة حادة وهو يستمع له:
-معقول يا زين انت تعمل كده في بنات الناس؟ مهما كان الموضوع أنت م...
قاطعه زين وهو يقف منتفضا بغل:
-انا مغلطش، وروحت لحد بيت اهلها عشان اتجوزها.
هدر به أمجد غاضبا:
-هو ده مبررك؟ واللي حصل بينكم ده مش كان...
قبل أن يكمل كلماته اوقفه زين موضحا:
-يا بني أنت عقلك راح لفين؟ انا مغلطش معاها يعني.
تجهم وجهه وهو يسأله غير مصدقا لحديثه:
-أنا سامعك بودني وأنت بتقول لها اللي حصل بينا و...
قاطعه مجددا وللمرة التي لا يعلم عددها بتلك المحادثة:
-ايوه حصل بينا تجاوزات مش اللي في دماغك، مجرد تجاوزات ممكن تكون أوفر شويتين وده بحكم ان أنا أول مرة ارتبط وكمان ملاقتش عندها مانع.
وقف أمجد قبالته وهو يسأله بحدة:
-تجاوزات أوفر يعني ايه؟ فهمني أنت بتقول ايه عشان أنا مش فاهم
زم شفتيه وأخبره:
-يعني الموضوع موصلش لعلاقة كامله، فهمت؟
ردد حديثه متسائلا:
-بس كان في علاقة؟ كامله بقى ولا ناقصه مش هتفرق.
عقب عليه مؤكدا:
-معاك حق، بس الكلام ده يفرق معاك أو او مع الناس المتربيه واللي بعد اللي حصل كنت لسه مستعد اتجوزها، لكن بالنسبة لها وبالنسبة لأخوها ده مجرد كوبري وصلوا بيه لهدفهم وخلاص مرحله وعدت.
حاول الرد عليه ولكن خروج أحمد مندفعا بتلك الطريقة جعله يصمت وينتظر أي مناوشة بينه وبين زين، ولكن لم يلتفت أحمد حتى لهما وقاد سيارته بعيدا دون النظر للوراء.
وضع امجد يده على كتف زين مستحسنا:
-الحمد لله عدت على خير.
لم يعقب عليه الآخر وارتكزت عينيه للأمام فدار أمجد برأسه باتجاه نظراته التي ترتكز على باب الفيلا الداخلي حيث فارس يقف وهو يعض داخل فمه ناظرا لزين فابتلع أمجد ريقه وهو يتمتم:
-ابقى اقرالي الفاتحه يا زين، ده لو سابك عايش
أشار لهما بالاقتراب ففعلا، نظر فارس لأمجد وأمره بغلظة:
-روح جهزلي العربية وحسابك معايا بعدين.
ابتلع بوجل وتحرك مسرعا من أمامه وظل زين مطرقا رأسه لأسفل فهتف فارس ساخرا:
-عاجبك منظرك ده وحتة بت لا راحت ولا جت مخلياك واقف قدامي زي الكتكوت المبلول كده؟
اعتذر بصوت متحشرج:
-آسف يا باشا.
ردد حديثه ممتعضا:
-آسف يا باشا، كل واحد منكم يعمل المصيبة من هنا وآخره (آسف يا باشا)، وألبس أنت يا باشا وأتصرف يا باشا واتحرق دمك انت يا باشا بس سهله طالما قولنا آسفين يا ابوصلاح مش كده؟
وبالرغم مما يمر به إلا أن استخدامه لمقاطع الأفلام كنوع من السخرية أصبح عادة عنده لا يستطيع التخلص منها،أشاح له بيده وهو يتوجه للداخل:
-كمل الأسبوع أجازه وارجعلي فايق وحالق شعرك وراجع لفورمتك بدل المنظر ده.
لم ينتظر تعقيبه او شكره او حتى إظهاره للفرحة لقرار عودته للعمل، ولكنه دخل فورا مغلقا الباب وراءه وأمسك هاتفه يضغط على شاشته غضب وفروغ صبر حتى أجاب الطرف الآخر فهدر به:
-فين شادي يا مازن؟
رد وهو يقبل جنى من أعلى رأسها ويترك الغرفة:
-في المكان القديم.
سأله وهو يلف حول نفسه يشعر بالنيران تحرقه من الداخل إلى الخارج:
-وانت من امتى بتتصرف من غيري يا بني آدم؟ هو خلاص كلكم افتكرتوا إن فارس الفهد راحت عليه وكل واحد فيكم بيتصرف من دماغه؟
رد عليه الآخر واجما:
-انا اتصرفت بعيد عنك عشان ابعد عنك الحرج مع مراتك وأهلها، بس مكانش ينفع اسكت على حقي وحق مراتي بعد كل اللي حصل.
سحب فارس قدرا كبيرا من الهواء بداخله وزفره دفعة واحدة وهدر به:
-وانت لما حبسته اخدت حقك ازاي؟ بالطول والعرض الجواز باطل وبعد ما عرفنا مبقاش ينفع غير انه يطلقها شرعي او تخلعه بالقانون عشان رجوكم يبقى حلال يا زفت، ومش هينفع نخبي عليها عشان لازم تحضر كتب كتابكم من جديد، سيبه وبلاش تمتحن صبري اكتر من كده يا مازن أنا مراعي اللي أنت فيه بس مش هسمي عليك لو اتخطيتني مرة تانيه ولا نسيت نفسك معايا.
أغلق بوجهه وهي لا زالت تقف بالطابق الثاني تراقبه وتراقب أفعاله فرفع وجهه لأعلى ولمحها وهي تهم بالمغادرة فتبعها ودلف وراءها الجناح وهو يتساءل:
-وقوفك كان قلق عليا ولا فضول تعرفي إذا كان ليا يد في خطفه ولا لأ؟
لم ترد مناطحته بالحديث بعد ما علمت ما يمر به ويستطيع كسر أقوى واعتى الرجال فرد سؤاله بسؤال:
-لسه بتسأل؟
ابتسم وجهه على العكس من قلبه الذي يثور به بركانا من الغضب والحزن في آن واحد:
-كنت عايز أتأكد بس.
رفعت راحتها ومسحت على وجهه وهي تؤكد:
-أنا ملكك، وبعد اللي حصل لو اهلي اختاروا يقفوا مع شادي فأنا برده بختارك انت، ده كان رأيي قبل الزعل اللي حصل بينا ولسه رأيي زي ما هو.
انحنى مقبلا إياها قبلة عميقة بادلته إياها وقبل أن ينخرط أكثر بلمساته نظر بساعته وهمس لها:
-عندي زيارة لمدحت الفهد ومش عايز اتأخر ، هتعرفي تبسطيني في السريع؟
غمز لها بنهاية حديثه فتدللت وهي تريه منحيات جسدها قائلة:
-لو انت عايز كده!
نفى غامزا وموضحا:
-لأ طبعا أنا عايز آخد وقتي.
جلست على طرف الفراش تضع قدما فوق الاخرى:
-خلاص يبقى خلينا بالليل أكون اشتريت لبس جديد زي بتاع امبارح.
وقفت تداعب ربطة عنقه وتخلل أصابعها بلحيته:
-في فـ دماغك حاجه معينة؟
ابتلع ريقه وهو يعلم إلى أين تقوده بدلالها الذي يقتله رويدا رويدا وهي تعلم مفاتيحه وما يسعده وبالأخص وهو بتلك الحالة تكون علاقتهما الحميمية هي المنفذ الوحيد ليتنفس بعيدا عن مصاعب الحياة:
-أنا اول مرة اجرب الحاجات دي، هسيبك تفاجئيني.
تعلقت بعنقه وسألته:
-مش عايزني معاك في الزيارة دي؟
نفي وهو يخبرها أسبابه:
-مش عايز حد يعرف انك عارفه ده أولا، وثانيا تصريح الزيارة جاي باسمي بس.
تركها وغادر برفقة سائقه وحارسها الذي أصبح ملازما له بالآونة الأخيرة، وصل لمكتب المأمور الذي رحب به فهو شخصية عامة ويعرفه الجميع:
-منور مكتبي يا فارس بيه
أومأ له وهو يصافحه:
-متشكر يا فندم، يا ريت بس اقعد معاه لوحدنا
أكد له مبتسما:
-طبعا، لحظه والعسكري هيوصله لحد هنا
بالفعل لحظات وحضر مدحت بزيه الأزرق فغادر المأمور مكتبه ليعطيهما مساحة من الحرية فدلف مدحت جالسا أمامه وهو يسأله باهتمام:
-في حاجه ولا ايه؟
رد سؤاله متسائلا:
-هو مينفعش آجي ازورك من غير ما يكون في حاجه ولا ايه؟
رد عليه بضيق:
-أخلص يا فارس، أنت اكيد جاي في مصيبه، فريدة والولاد كويسيين؟
أوما له وهو يبتسم ساخرا:
-زي الفل متقلقش، انا جاي اطمن عليك ما انت في مقام والدي برده.
تضايق مدحت من سخريته فوقف وهو يتجه للباب:
-لو جاي تستعرض عليا فأنا فيا اللي مكفيني، سلااام.
أوقفه فارس بصوت أجش:
-طيب مش هتسمع انا جايلك في ايه الاول؟
التفت له وهو يصر على أسنانه:
-منا متأكد إن في حاجه، فقصر وهات من الآخر.
ابتسم له وأشار للمقعد حتى يجلس ففعل وجلس هو الآخر واضعا قدما فوق الأخرى ومدحت قد اشتطاط غيظا من عجرفته الزائدة ولكنه صمت حتى يعرف ما سبب زيارته الغير محببه لهما على حد سواء:
-حبيت بس أعرفك انك ابويا، معلومه كده ع الماشي يمكن تموت وانت متعرفهاش.
تعجب مدحت من حديثه فسأله بتفاجئ:
-انت بتقول ايه؟ انت جاي تستظرف هنا؟
نفى فارس وهو يؤكد بملامح جادة:
-خالص، أنا ابنك يا مدحت بيه.
اخرج نتيجة التحليل من هاتفه ووضع شاشته أمامه وهو يشير له:
-ده تحليل اثبات نسب ودي عينة ساهر ودي عينتي، احنا اخوات من نفس الأب ونفس الأم.
جعد جبينه متفاجئا ووقف نافضا المقعد خلفه:
-ايه التخريف ده؟ مستحيل طبعا، أنت جبت الكلام الفارغ ده منين؟
أجابه وهو يقف بدوره:
-من حرمكم المصون، فريدة هانم هي اللي بلغتني بالحقيقة دي من كام يوم، ها ايه رأيك في المفاجأة دي يا بابا العزيز؟
ضحك بنهاية حديثه فنفى مدحت وهو يؤكد:
-مستحيل، الكلام ده مستحيييييل.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أسماء المصري من رواية روضتني 2، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية