-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 70 - 2 الجمعة 3/11/2023

  

    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية

الجمعة 3/11/2023

الفصل السبعون

الجزء الثاني


دنا منها وقبل شـ ـفتاها المبتسمتان بتأني في كل لمـ ـسة يتبادلانها، يعرف أن كل هذا سيُصبح ذكرى، يعرف أن كل ما سيتبع تلك اللـ ـمسات ستكون مُسكنه الحقيقي لتحمل الحياة، سيتريث كأنه لم يعرفها قبلًا، سيستكشف كل ما خُفي أسفل هذا القميص القطني الخاص به وكأنه لأول مرة يفعلها، سيتبادل معها العشق للمرات الأخيرة التي لن تتكرر أبدًا طوال حياته وبالأيام القادمة لن يفعل سوى ما يحلو لها، وسيفعل كل ما بوسعه حتى لا يرى سوى ابتسامتها لعلها تكون آخر لحظات سعيدة لهما بالحياة معًا التي ستفترق مهما كانت مُجريات الأمور ولن يقبل بغير افتراقهما!

 

كلما تأنى طالبته بالإسراع، وكلما تريث شعر بنداء رغبته يُحرقه، وبينما حاول الالتفات لكل ما بها حتى لا يترك قيد أُنملة دون اهتمام مبالغ فيه شعر بكيانه على حافة الذوبان والتلاشي في عالمها وكل ما فيها!

 

لهث وهي تدفعه بعيدًا عنها لتعتليه في لمح البصر ونظراتها تزجره بأنها لا يمكنها التريث بعد الآن، لا يدري هل عليه الاستجابة لرغبتها ولرغبته التي لا تختلف عن خاصتها أم عليه الاستجابة لذلك النداء الذي يصرخ به بأن ما يتشاركانه سيصبح مجرد ذكرى عابرة يومًا ما!

 

-       روان استني، أنتِ عارفة إن بقالنا كتير مـ

-       أنا نفسي مش هكمل ثواني!

 

قاطعته وقد شعر بتلك اللهيب تسيطر عليه فأغمض عيناه محاولًا السيطرة على نفسه، يحاول ألا يفقد قدرته على المواصلة متمنيًا تذكر أفجع لحظات بحياته بينما لم ينجح، لا شيء يستطيع الصمود أمامها، نفس تناغمهما معًا من جديد وكأنه لم يحدث شيئًا سيء بينهما قط، نفس تلك الكيمياء اللعينة بين جـ ـسديهما، ونفس الثمالة التي لطالما انتابته كلما اجتمعا، هو نفسه ذلك اللهاث الذي يُنبهه أنه سيلفظ أنفاسه حتمًا إن لم يُشبع كل ما بها، وها هي لعنته معها وعقدته التي لم ولن ينساها طوال ما تبقى من حياته، طريقتها في الاستجابة ورغبتها به، لا شيء يُضاهي هذه اللذة التي تغمره وهي تُريده بقوة، لم تنجح سواها في تسبيب هذه المُتعة له من قبل!

 

فتح عيناه وهو يُطالع كل ما بها، كيف ستكون لرجل غيره يومًا ما؟ كيف لعقله المريض التظاهر بأنها تستحق سواه؟ لقد كانت القضية والطلاق وكل تلك الترهات جنون محض من قِبله والآن بما يراه أستعاد عقله!

 

حاوط خـ ـصرها بقوة وهو يشعر أنه أوشك على النهاية وتفقدها بنظرات غيرة واضحة لم تكن لتتبين منها سوى الرغبة التي تماثل رغبتها وأخبرها بين لهاثه متسائلًا:

-       مفيش أسطوانة طلقني تاني، اتفقنا ولا لأ؟!

 

أومأت له بالنفي وهي تتشبث بكتفيه أكثر وهمست له بلهاث:

-       لأ، عمري ما هقولها تاني!

 

طالعها حاقدًا وفي هذه اللحظة لا يستطيع تصور أن تكون لرجل آخر سواه فعانقها بقوة حتى لا تستطيع رؤية مشاعره على ملامحه وبالكاد استطاع الهمس بأذنها بين أنفاسه المتسارعة:

-       يالا يا قطتي.. أنا مش هاقدر استحمل اكتر من كده

-       وأنا كمان!

شعرت بعناقه الذي اختلف عن هدوئه السابق معها ولكنها يُمكنها تقبل ذلك ولا تمانعه بعد اشتياقٍ لتناغم ظنت أنها فقدته للأبد، أمّا عنه في لحظة مثل هذه لم يكن يريد سوى أن تبقى معه للأبد وتبًا لفرصتها في الحياة، لا يهم، ليس هناك أفضل من أن تكون بين ذراعيه طوال حياته.

 

أغمض عيناه وكلاهما يلتقط أنفاسه وحاول رفض تلك الغيرة الهوجاء بداخله وهو يستعيد وعيه شيئًا فشيئًا، كان يعرف أنه لو اقترب منها لن يكون الأمر سهل، تبا، ليته تظاهر بالحزن على والده وليته واجه أقسى نوبات حياته، لماذا كل شيء معها بهذا التعقيد؟!

 

-       كنت وحشتني على فكرة!

 

أفاقته بصوتها فقبل جانب كتفها وهو ما زال يُعانقها ليخبرها مُعقبًا بثقة بالرغم من ألمه الذي انتابه لتخيل ملامحها وقت معرفتها بأنهما سيفترقان للأبد:

-       كان باين.

 

استرخت برأسها على كتفه وازدادت قوة عناقها له وقالت بنبرة حاقدة:

-       اهي الثقة الزيادة دي بتضايقني، عارف، أنا دايمًا كنت بسميك بيني وبين نفسي السلطان المغرور.

 

ضحك بخفوت على قولها وقال مُستنكرًا:

-       مش لايق لأ.

 

استنكرت رفضه لتُخبره بطيف من الانزعاج بنبرتها:

-       وأنت مالك، أنا اللي شايفاك كده، كمان هتقولي اشوفك ازاي، إنسان غريب.

 

لم يُعقب وغرق في أفكاره، عليه أن يكون طبيعي ولكن ليس كثيرًا، يرفض الخروج والظهور معها في أي مكان، والأهم هو تلك الرغبة بداخله التي يتيقن أنها لن تكون لها حدود معها بعد ما حدث منذ قليل! حسنًا هذه ستكون أفضل وأسوأ أيام حياته على حد سواء!

 

ربت بكفه على خـ ـصرها بلطف وهو يخبرها:

-       مش هنقوم بقى ولا إيه، أنا دلوقتي جعان على فكرة..

-       لأ أنا مبسوطة كده، استنى شوية وهقوم اعملك أكل!  

 

دفعها قليلًا وطالع وجهها بنظرات مودعة لم تكن لتتعرف هي عليها وقتها وابعد خصلاتها ليضعها خلف أذنها ليحدثها متسائلًا:

-       مبسوطة وأنتِ معاكي الكنترول مش كده؟

 

ضيقت عيناها نحوه بنظرة خبيثة لم يكن لها اثرًا بعينيه سوى المزيد من العشق لكل تفاصيلها لتجيبه بدلال مستفهمة:

-       عندك مانع؟!

 

أومأ لها بالإنكار وقبل جبهتها وسألها بابتسامة:

-       هتأكلينا ايه بقا؟ أكل مايص؟!

 

ضيقت ما بين حاجباها بانزعاج وزجرته بحزن:

-       يعني ملقتش حاجة تقولها غير دي.. طيب مش هاعمل حاجة وابقى جيب ديليفري بقى!

 

اتسعت ابتسامته باستمتاع وقبل وجنتها ثم أخبرها:

-       أنا أصلًا بحب الأكل المايص عادي!

 

قلبت عيناها وزفرت بضيق فسألها بجدية:

-       سيبك من الهزار ده، أنا فعلًا جعان، هناكل إيه؟

 

فكرت لوهلة وتفقدته وقالت باقتضاب:

-       ممكن تاخد snack ولو عندك لحمة مفرومة هاعمل سباجتي و meatballs.

-       ماشي اتفقنا.. قومي بقا!

 

تفقدته باستياء ثم أخبرته:

-       ما تستنى شوية

 

تناول نفسًا عميقًا وزفره وهو ينهض حاملًا إياها وهي ما زالت جالسة كما هي لتشهق متفاجئة بما فعله ليجيب تساؤلها وهو يتجه بها نحو الحمام:

-       خليكي قاعدة يا بنوتي وحاسبي لا تقعي، اللي عايزه هيحصل برضو في الآخر!

--

عودة للوقت الحالي..

بعد ساعة ونصف..

هذا الوغد قد ذهب وتركها بمنتصف الطريق غير مكترثًا بها، حسنًا، ليُطلقها هي لا تمانع، لقد واجهت الأمر نفسه ثلاث مرات وما زالت على قيد الحياة، فليفعل إذن!

 

جففت وجهها من تلك الدموع التي لا تتوقف وهي تسُب جميع الرجال الذين عرفتهم أو حتى من لم يسبق لها معرفتهم، جنس الرجال في المطلق أصبح أسوأ شيء عليها تحمله في هذه الحياة اللعينة..

 

انتقلت لمقعد السائق بعدما فكرت مليًا في كلماته وتوجهت سريعًا لمقر الشركة الرئيسي وكل ما برأسها هو تصميم شديد على عدم رؤية وجهه ما تبقى من عُمرها، وهي لا تدري كم من مخالفة مرورية قد تم احتسابها الآن ولكن هي سيارته، فليقم بسدادها وستسرع بالقيادة لإزعاجه ليس إلا!

 

صفت السيارة بمرأب الشركة واتجهت للأعلى قاصدة مكتب "بسام"  ولم تكترث بارتدائها تلك الملابس غير الرسمية على عكس عادتها عندما تتواجد بالشركة ووقفت لتسأل مساعدته باقتضاب:

-       بسام معاه حد جوا؟

 

وقفت الفتاة تقديرًا لها واجابتها:

-       هو لسه مخلص اجتماع من شوية ومش معاه حد!

 

دخلت دون أن تطرق الباب ونظرت نحوه بغضب ما زال ينتابها منذ شجارهما سويًا بالفندق ليتعجب "بسام" من ملامحها ليتكلم بهاتفه مُخبرًا الطرف الآخر:

-       طيب هكلمك تاني، سلام دلوقتي..

 

اتجهت نحوه ثم حدثته بنبرة لا تحتمل النقاش:

-       تكلم يحيى حالًا وتقوله إني عايزة اتطلق حالًا وبكرة هبعت هدى وأي حد معاها يجيب حاجتي وحاجة ريان من البيت عنده.

 

 استغرب من كلماتها فنهض واتجه نحوها وحاول أن يفهم من أين تأتي كلماتها هذه فسألها:

-       اهدي بس وفهميني بالراحة إيه اللي حصل؟

 

زفرت بضيق وبالكاد استطاعت أن تتحدث له:

-       من غير كلام كتير يا بسام اعمل اللي بقولك عليه!

 

هذه الكلمات لم تكن الإجابة على سؤاله وبالطبع لن يقبل أن يفعل ما تطالب به دون الفهم ليخبرها باهتمام ومحاولة أخرى منه لمعرفة ما الذي حدث:

-       طيب اقعدي واتكلمي معايا فهميني فيه ايه، فجأة كده هتطلقوا بعد تلت شهور من جوازكم؟!

 

قلب عيناها ودلكت جبهتها بعنف لتصيح به:

-       مش أحسن ما اقعد أحاول معاه واضيع سبع سنين من عمري تاني! اعمل اللي بقولهولك وخلاص.  

 

انتبه لغضبها الشديد الذي ظن أنه قد ذهب بلا رجعة منذ سنواتٍ كثيرة فحاول التصرف معها بهدوء وتقدير لحالتها:

-       حاضر هكلمه بس ممكن يقولي أي حاجة وساعتها قدامه أنا هبقى زي الأهبل، ففهميني بس عايزة تطلقي ليه واللي أنتِ عايزاه هعملهولك.

 

تفقدته بعسليتين ملونتين بنيران الغضب فربت عليها بحنان وأخبرها:

-       اقعدي كده واهدي وبالراحة خالص فهميني فيه إيه!

 

دفعها برفق نحو المقعد أمام مكتبه وجلس أمامها منتظرًا أن تبدأ في اخباره السبب خلف كل ذلك وبعد مُدة وجدها تسأله:

-       أنت بتشوف ربى وبتخرج معاها قد ايه؟ بتتكلموا قد إيه؟

 

استغرب من سؤالها ولكنه بدأ في الإمساك بأول الخيط فأجابها:

-       كتير، ساعات كل يوم، وساعات مرتين في الأسبوع، على حسب شُغلي وشُغلها.

 

فركت كفيها غضبًا وسألته من جديد بأنفاس متسارعة من شدة عصبيتها:

-       فيه يوم بيعدي عليك من غير ما تكلمها؟

 

أومأ لها بالنفي وقبل أن يبادر بالحديث تابعت هي:

-       أنا بقى مش في حسابات يحيى، لو جه يوم صحيت فيه الساعة تسعة مثلًا ونمت حداشر يبقى ممكن مشوفهوش أصلًا، طول اليوم مبيفكرش يكلمني إلا لو فيه حاجة مهمة وضرورية اوي، كل يوم مشغول ويوم اجازته ابقى محظوظة لو شوفته ساعتين.. واجي أقوله أي حاجة يقولي مشغول وهو ده شغلي وهو أنا كده وإذا كان عاجبني.. فده بقى مش جواز.. قِلته أحسن!

 

فهم ما تُرمي إليه فسألها باهتمام دون القصد بإلقاء اللوم عليها:

-       طيب يا روري أنتِ كنتي عارفة من قبل ما تتجوزوا إنه مشغول كده ولا ده حاجة جديدة؟

 

تفقدته بنظرة مطولة لتخبره في النهاية:

-       حجته إنه كان بيذاكر وكان عنده وقت، إنما دلوقتي خلاص مبقاش فاضيلي وكل اللي بطالبه بيه بقا هري من وجهة نظره.

 

عقد حاجباه في محاولة للم بالأمور لتضيف هي:

-       وعلى فكرة بقا احنا الهوني مون مكنش في اسبانيا ولا حاجة، كان في برلين علشان الدكتور كان عنده مؤتمر مهم وكان لازم يحضره..

 

اندهش مما تخبره به ليبدأ في الانزعاج منها ليسألها بعفوية:

-       وأنتِ ليه مقولتيليش الكلام ده؟

 

سكتت وهي تشيح بنظرها عنه واجابته بمرارة:

-       محبتش أثبت للكل إن كل اختياراتي في اللي بتجوزهم زفت.

 

نظرت له مجددًا وأضافت:

-       وعشان قولت مفيش مُشكلة يعني احنا اتجوزنا فجأة والأيام هتيجي وهيعوضني بس ده مبيحصلش!

 

شعر بأن كلماتها تتناقض بشدة مع ما يعرفه وسألها:

-       هو انتو مش كنتوا في الغردقة بقالكم يومين؟

 

ضحكت بسخرية واجابته بتهكم لاذع:

-       أسوأ سفرية سافرتها في حياتي، حرفيًا! بجد متسألنيش إيه اللي حصل عشان أنا نفسي مش قادرة احكي كل القرف اللي حصل، بس بجد لو قاصد يضايقني مكنش هيعمل اللي عمله!

 

همهم متفهمًا لغضبها ولكنه لم يفهم تفاصيل ما حدث بينهما ليقرر ألا يتسرع فأخبرها فقط لإرضائها:

-       طيب أنا هتكلم معاه وهقوله على موضوع الطلاق زي ما أنتِ عايزة، بس عندي meeting كمان عشر دقايق، أنتِ أصلًا وراكي حاجة دلوقتي؟

 

أومأت له بالنفي واجابته متنهدة:

-       كنت عايزة اخد ريان من عند عمر واروح، بس كده شكلي هروح اقعد عند مامي.

 

أومأ لها بالتفهم لتنهض هي ففعل هو الآخر واقترب نحوها ليعانقها وربت عليها وابتسم لها باهتمام وأخبرها:

-       متقلقيش أنا هاعمل كل اللي أنتِ عايزاه بس متتعصبيش وتزعلي كده! استنيني هنتعشى سوا النهاردة، وهقولك اتفقت معاه على إيه.

 

هزت رأسها بالموافقة على كلماته التي لم يخبرها بها سوى لتسكين غضبها ليس إلا لتخبره:

-       أوك، ولو لاقتني نايمة صحيني.

-       حاضر.

--

في نفس الوقت..

في البداية كان يستغرب ما يستمع له فهو لم يكن يظن أن "عُدي" ذو الابتسامة والأصدقاء وعشقه الشديد لوالدته قد يفعل كل هذا بزوجته، ولكن بالطبع بعد كلمات "مايا" له وهي تُخبره أن كل هذا بفعل والدته أصبح الأمر منطقيًا!

 

-       لو شوفتها واتعاملت معاها هتلاقيها غلبانة جدًا ومحترمة وفي حالها وحتى كمان أهلها كلهم زيها ومش بتوع مشاكل، حاول تعمل أي حاجة بدل ما هي متبهدلة معاه كده لو تقدر، أنا عارفة عدي عمره ما هيسمعلك بس لو تعرف تتصرف يا ريت.. حرام عليه اللي بيعمله فيها ده!

 

مقت بشدة أن يتدخل في الأمر ولم يُعقب على كلماتها لتستغرب "مايا" سكوته ونادته سائلة:

-       عمر، أنت معايا؟

 

همهم مجيبًا وكاد أن يرفض التدخل في كل هذا مع بعض الكلمات لتقدير الموقف فألحت هي من جديد:

-       إذا كنت أنت من ساعة ما شوفت ريان واتعاملت معاه مش عايز تسيبه، إنما عُدي ده إيه، مش فارق معاه إنه يشوف بنته، مش فارق معاه إنه سايب مراته حامل ولا يعرف عنها حاجة ولا هتولد امتى ولا حتى بيصرف عليها! حاول معاه بأي طريقة الغلبانة دي ملهاش ذنب في حاجة!

 

تأفف من مجرد تخيل حديثه مع هذا الكريه ليخبرها على مضض:

-       خلاص يا مايا بطلي زن، هبقى اكلمه حاضر.

 

عقبت بمزاح قائلة:

-       إيه يا ناس ده، اشطر شُطار الدنيا كلهم

 

انقلبت ملامحه متقززًا من طريقتها وزجرها متسائلًا:

-       اتعدلي وبطلي سخافة، قوليلي الصفحات واليوتيوب وصلوا لكام دلوقتي؟

 

همهمت وهي تخبره:

-       استنى أشوف..

 

قامت بالتنقل بين عدة تطبيقات على هاتفها واجابته:

-       الفيسبوك صفحة فيها خمسة مليون والتانية داخلة على ستة، و channel الـ youtube فيها حوالي مليون ومتين ألف، و X داخلين اهو على المليون.

 

همهم بتفهم مُفكرًا في خطواته القادمة ليتأكد من تلك اللعنة التي لا يعرف عنها سوى القليل ولكنها ستكون وسيلته الوحيدة:

-       أنتِ فيه صفحات تانية احتياطي للكلام ده كله؟ يعني لو دول ضاعوا أو اتقفلوا هنعرف نتصرف؟

 

تنهدت بعمق واجابته:

-       هو كده كده فيه اه حسابات وصفحات احتياطي، بس لو الموضوع سمع أنت اللي هتلاقي الناس بعدها بتدور عليك في كل مكان.. أهم حاجة بس البداية وبعد كده الناس بتيجي لواحدها حتى لو قفلولك مليون حساب.

 

-       شبه برق؟!

 

 

نظر لما يُمسك به "ريان" في جهاز لوحي يخصه قد تركته له "روان" وقلب شـ ـفتاه اعجابًا ليُحدثه قائلًا:

-       شبهه جدًا، أنت بتعرف ترسم حلو أوي..

-       بابي ده بالـ AI أنا بقوله عايز إيه وهو بيعملهولي.. مامي علمتني ازاي أقوله حاجات يرسمهالي.

 

ابتسم له بقليل من الاحراج حاول أن يُخفيه وأخبره:

-       طيب سيب الرسم دلوقتي وادخل اغسل ايدك عشان نعمل الأكل.

 

أخبر "مايا" التي ما زالت تتواجد بمكالمتهما:

-       بقولك إيه، احنا شكلنا هنحتاج الـ AI ده كتير الفترة الجاية.

-       انوي أنت بس ودي بسيطة..

-       لما اسافر الأول هنبدأ كل حاجة.. أنا مش عايز أعمل أي حاجة وأنا هنا..

 

تنهدت بيأس وسألته بنبرة حزينة:

-       يا عمر مالوش لازمة تسافر، فيها إيه لما تفضل هنا مع ريان؟

 

انزعج من كلماتها فلقد حسم أمره بالفعل منذ سنوات وحدثها قائلًا:

-       مش هنتكلم تاني في الموضوع ده.. وبصي أنا هقفل عشان هنتغدا أنا وريان وهبقى اكلمك تاني بكرة.

--

منذ أربع سنوات وأربعة أشهر..

وقفت تُقلب ما في القدر وتقسم أنها لم تشعر بالحاجة الشديدة للطعام مثلما تشعر الآن منذ سنوات كثيرة والتفتت خلفها لتراه وهو يُركز في تقليب اللحم بيـ ـديه لتشرد بهما، تبًا، حتى بأبسط الأمور التي يفعلها تجد أمرًا ما بعقلها يجرفها لتلك الأفكار الوقحة وكل ما سيطر على افكارها هو يـ ـديه عليها منذ قليل!

 

انتبهت على رنين جرس الباب فتوجهت بتلقائية لترى من الطارق فأوقفها قائلًا:

-       استني، هتفتحي بالقصير اللي أنتِ لابساه ده، أنا هروح افتح!

 

نظرت لقميصه الذي ترتديه لتنبه على مظهرها وأخبرته بعفوية:

-       مخدتش بالي.

 

قام بغسل يـ ـديه واتجه نحو الباب ثم عاد وناولها حقيبة بلاستيكية صغيرة وأخبرها بجدية:

-       روان احنا اتفقنا مفيش حمل.. حاولي متنسيش كلامنا، ومتنسيش تاخديه كل يوم وأنا هفكرك!

 

انزعجت قليلًا من تصميمه على ذلك الأمر ولكنها رأت أن تحدثه لاحقًا عندما تستقر الأوضاع وتناولته منه ثم قامت بفتح الغلاف الورقي وبعدها تناولت واحدًا من الأقراص وابتلعته بقليل من الماء لتخبره:

-       تمام كده! اديني اخدته اهو..

 

أدرك مليًا أنها لا تقتنع بما يقوله ولكن كل ما يُريده هو القليل من الأيام فقط وبعدها سينتهي كل شيء، عليها أن تذعن لاحقًا لهذا شاءت أم أبت، وبكل ما يعايشه معها عليه هو نفسه أن يُذعن بأن كل هذه السعادة وهذه المثالية التي لطالما وجدها بها ولن يجدها بسواها، وهذا الزواج الذي يبدو مثاليًا الآن سينتهي عما قريب للأبد.

--

 منذ أربع سنوات وأربع أشهر.. بفرنسا..

خلعت حجابها ووضعته بخزانة الملابس وتناولت منامة لن تكشف سوى رأسها بينما تابعته وهو يتوجه نحو الحمام بعد أن تناول ملابس له هو الآخر وبمجرد سماعها صوت المياه الخاص بالاستحمام بدلت ملابسها في لمح البصر ورتبتها وانتظرت لدقائق خروجه بارتباكٍ شديد، ولكن عليها فعلها والتخلص من توترها حتى لا يحزن، هي تعرفه جيدًا، ربما يتظاهر أنه بخير وفجأة ستأتي لحظة واحدة وسينفجر بوجهها، وهي لا تريد أن تكون بداية زواجهما بهذا التعقيد.

 

زفرت بعمق وهي تتمنى لو أن حديثهما معًا طوال الليلة سيأتي بثماره كما أخبرتها "روان" وبمجرد خروجه تأهبت ناهضة بطريقة تُثير الريبة فتفقدها باستغراب وسألها:

-       ادخل أبات في الحمام ولا إيه؟

 

أومأت له بالنفي فأكمل تجفيف شعر رأسه بالمنشفة لتُشجع نفسها على النطق لتخبره وكأنها تُنهي شجار ما بنبرة حادة:

-       أنت ممكن تنام معايا النهاردة!

 

رفع حاجباه باندهاش وتجمد في مكانه وطالعها بقليل من الخبث ليُعقب في النهاية بنبرة استفهامية مُشتقًا من كلماتها:

-       أنام معاكي، أنام معاكي؟

 

اغمضت عيناها وتلون وجهها بالحمرة بعدما أدركت معنى ما قالته ثم نظرت له بانزعاج وصححت قولها السابق بنبرة أقل حِدة:

-       اقصد تنام جانبي عادي على السرير.. اللي هو ننام عشان نصحى عشان نروح الأماكن اللي قولتلي عليها، مش حاجة تانية.

 

أقترب نحوها فتأهبت من اقترابه وحاولت الثبات ليُحدثها بابتسامة قائلًا:

-       صدقيني على قد ما نفسي أعمل اللي قولتي عليه في الأول بس لو حصل مش هشوف الـ tomato face (وش الطمطماية) ده كتير.. وأنا بحبه بصراحة فجأة الخدود كده بتكبر وبتحمر وببقى عايز ابصلها طول عمري..

 

ابتسمت له واشاحت بنظرها عنه وهي تقول برفق عكس طريقتها السابقة:

-       ما أنا مكنش قصدي أقول كده بصراحة!

 

اقترب لها أكثر وامسك بيـ ـدها ثم رفعها ليُقبلها فنظرت له باستحياء وهي تقضم شـ ـفتاها ليخبرها قائلًا:

-       قولي كل اللي أنتِ عايزاه، ومتقلقيش طول ما الإشارة حمرا كده بالـ tomato face ده عمري ما هقرب غير لما توافقي..

 

أومأت له بالموافقة وزفرت براحة وهي تُخبره:

-       شكرًا.. تصبح على خير.

 

اتجهت نحو الفراش وهي تحاول الاختفاء أسفل الأغطية في محاولة بائسة منها لإخفاء توترها الشديد ومرت الدقائق في لمح البصر ليُصبح بجانبها وأغلق الضوء لتفتح عيناها بتأهب وحاولت الحفاظ على تواجدها بنهاية طرف الفراش وكلما تحرك حركة عفوية ازداد ارتباكها لتجد الضوء قد أنار الغرفة من جديد فأغمضت عيناها وهي تدعي النوم لتجده يُخبرها:

-       أنتِ هتقعي من على السرير على فكرة!

 

أجلت حلقها وعقبت بإصرار:

-       لا أنا تمام..

 

أغلق الضوء مرة أخرى وبعد مرور دقائق كثيرة شعر بأنها لم تنم بعد فقرر أن يُفاوضها لعل الحيلة تُفلح:

-       هو ممكن اتجرأ واطلب طلب؟

 

همهمت له بالموافقة ليُتابع قائلًا:

-       جربي كده تيجي في حضني عشر دقايق بس ولو اتضايقتي ارجعي تاني زي ما أنتِ.. ولو مش موافقة براحتك برضو!

 

فركت قدماها ببعضهما البعض وشعرت بأنها لن تستطيع فعلها ولكن توترها الغبي ما زال يتحكم بها لتزفر في النهاية وهي تحسم قرارها، الغرفة قطعة من السواد وهي لا ترى شيء وهو لا يراها ولن تلتقي أعينهما، حسنًا، قد يُفلح الأمر هذه المرة.

 

ابتلعت وحاولت السيطرة على ارتباكها وأخبرته:

-       ماشي.

 

اعتدلت وهي تبعد الوسادة بعيدًا قبل أن تقدم على الاقتراب منه ولكنها فوجئت بالوسادة وبنفسها على الأرض وهي تتأوه من تلك المنضدة الجانبية للفراش التي ارتطمت برأسها ليفتح الضوء مرة أخرى واقترب ليراها وانفجر ضاحكًا وهو يمد لها يـ ـده لكي تقف بدلًا من سقوطها وسألها:

-       أنتِ كويسة ولا جرالك إيه؟

 

رفعت عيناها نحوه بانزعاج ونهضت بمفردها دون مساعدته ليُتابع بأثار ضحكته:

-       والله كنت خايف تقعي واديكي وقعتي اهو.

 

لم تدر بما عليها أن تخبره وشعرت بالغباء الشديد وأوشكت على البُكاء بسبب توترها اللعين الذي يتحكم بها فأخفضت بصرها ليقترب منها باهتمام وتلاشت ضحكته وسألها وهو يتلمـ ـس أسفل ذقنها:

-       فيه إيه يا حبيبتي بس أنتِ كويسة؟

 

نظرت له واجابت ببكاء:

-       أنا حاسة إني غبية معاك في كل حاجة، وحاسة إني هبوظ كل حاجة ما بيننا.

 

قربها نحوه وعانقها ثم أخبرها:

-       لا أنتِ مش غبية، أنتِ لسه بس متعودتيش عليا وبتتكسفي وكل حاجة مع الوقت هتكون كويسة إن شاء الله.. بطلي بس عياط!

 

ربت عليها إلى أن هدأت وفرقت عناقهما الذي دام للحظات لم تشعر خلالها لا بالخوف ولا بالارتباك لتسأله:

-       أنا over اوي مش كده!

 

ابتسم لها وأومأ بالموافقة ليقول مؤكدًا على كلماتها:

-       جدًا.. بس بموت فيكي.

--

عودة للوقت الحالي..

تفقدت بعينيها أي سيارات فلم تجد سوى سيارة واحدة وليس هناك أثر لسيارة "يونس" أو سيارة "عنود" ونظرت نحو منزلها لتجد جميع النوافذ مغلقة لتدرك أنها غادرت بالفعل فتوجهت لأقرب ما يُمكن من منزل "عمر" فصفت السيارة واتجهت للخارج نحو منزله فوجدت الباب مفتوح وهناك رائحة طعام تأتي من الداخل فتابعت المشي إلى أن وقعت عيناها عليهما وهما يصنعان كرات اللحم وبمجرد التقاء عيني "ريان" بعينيها انطلق نحوها وهو يقول:

-       مامي..

 

أخذته في عناق طويل وهي تحمله إليها غير مكترثة بكفيه الملطختين باللحم وأخبرته:

-       وحشتني أوي يا روني.

-       وأنتِ كمان..

 

حاول النزول للأسفل ثم جذب يـ ـدها:

-       تعالي اوريكي حاجات جبتها النهاردة.

 

ادعت المفاجأة والاهتمام:

-       ايه ده وريني، جبت إيه من غيري؟

 

وجدت حقيبة صغيرة وعدة أشياء تخص مدرسته والكثير من الألوان المختلفة وهو يشرح لها كل ما سيفعله بكل شيء لتحاول الحفاظ على ابتسامتها بالرغم من رغبتها في البكاء من كل ما يحدث لها!

 

-       طيب مش هنرجع البيت سوا بقى؟

 

اتسعت عيناه وأخبرها بتفاوضه الخفي الذي تجد نفسها لا تستطيع رفضه:

-       بس كنت عايز اقعد مع برق يومين كمان قبل المدرسة.

 

اتسعت عيناها هي الأخرى وسألته:

-       مامي موحشتكش ومش عايز تقعد وتلعب معاها؟

 

قلب شـ ـفتاه وأخبرها وهو يتوجه نحوها ويُعانق ما مكنه طوله الوصول له:

-       وحشتيني اوي، بس خليكي قاعدة معايا هنا يومين بس وهنروح على طول.

 

تنهدت وانزعجت من دلاله الذي لا تستطيع السيطرة عليه سوى في الضروريات وأخبرته باستسلام:

-       أوك، يومين بس وهترجع البيت.. اتفقنا؟!

-       أوك.

 

حملته ثم التفتت لتجده يُتابعهما وبمجرد التقاء أعينهما تحاشى النظر إليها والتفت ليطفأ نار الموقد وحمل القدر لكي يفرغ محتوياته لتقترب وهي تتفقد ما يحدث، يبدو أنه سرق منها سبع سنوات، وقلب "ريان" نفسه!

 

أخفضته على المقعد ليُكمل صُنع كرات اللحم وتفقدت "عمر" بلمحة عابرة ليسألها "ريان":

-       أنا وبابي بننام على السرير هنا، أنتِ هتنامي جنبنا؟

 

أومأت له بالنفي واجابته:

-       لا أنا هروح وهاجي اخدك كمان يومين زي ما اتفقنا!

 

ترك ما بيده ثم وقف على المقعد وأخبرها بحزن:

-       لا أنتِ قولتي هتقعدي معايا.. أنا مش عايزك تمشي.

 

 ابتسمت له وحاولت أن تشرح له الأمر بطريقة تتناسب مع عمره:

-       روني حبيبي، بص أنا وأنت وبابي مش هينفع ننام كلنا في سرير واحد، فأنا هروح البيت وهستناك هناك.

 

لم يتقبل ما قالته ثم تحدث مناديًا:

-       بابي خليها تقعد معانا ومتمشيش.

 

ود لو أنه هو من يستطيع التحدث مثله فيبدو أن كلاهما يريدان نفس الشيء ليلتفت له وهو يخبره:

-       حاضر يا ريان، أنا هتكلم مع مامي وهنتفق على كل حاجة.

 

تفقدته بلمحة عابرة ليخبره في محاولة لإلهائه:

-       روح هات كل القصص اللي جبناها عشان مامي تشوفهم يالا وهات الايباد بتاعك عشان توريها الأوضة بتاعتك اللي هنعملها سوا.

-       أوك.

 

ساعدته على النزول من فوق المقعد ليستغل هو الفُرصة واقترب منها متسائلًا بهمس دون أن ينظر لها مباشرةً:

-       مخلتيش يحيى يقولي إنك جاية ليه؟

 

سخرت من سؤاله واجابته بغطرسة:

-       مظنش هستأذن لما اجي اشوف ابني اللي أنت كنت رافضه!

 

لقد فعل هذا لن يُنكر، ولكن مال الذي تريده، أن يبتعد تمامًا أم أن يتعامل معه بشكل طبيعي؟!

-       طيب عايزة ايه؟ حابة اخليه يروح معاكي واتحجج بأي حجة؟!

 

نظرت نحوه بتقزز لتجيبه بخفوت لكي لا يستمع "ريان" لحديثهما:

-       تقصد تكدب مش كده!

 

رمقته باستحقار ثم تابعت:

-       خليه يعمل اللي يبسطه واللي عايزه، كده كده مش هيبتدي مدرسة غير وأنا معاه، وإياك يا عمر تعمل أي حاجة تاني من غير ما تعرفني.. أنت قولتلي هتتصرف في موضوع المدرسة مش هتروح وتخليه يقبل وفجأة أكون أنا آخر واحدة تعرف.

 

سخر منها لينظر لها بعفوية وتهكم بتلقائية شديدة:

-       بقولك إيه، هو مش الهرمونات خلصت بقالها تلت أيام ولا أنتِ جاية تعترضي وخلاص؟!

 

لم تستطع تقبل طريقته معها وكأنه يظن أن يعرف عنها كل شيء وكل ما يدور بخلدها بل ويترنم بهذا كله ويُحدثها وكأنه يعني لها شيء فنظرت لتتفقد إن كان "ريان" يراهما، فلم تجده فصفعته بقوة وحدثته بزجر ونبرة خافتة:

-       للمرة المليون تكلمني باحترام، وريان أنا هاجي اخده منك كمان يومين، ومتنساش زي ما كدبت عليه ومخليه فجأة كده يحب القاعدة معاك ابقى اكدب عليه بالمرة وفهمه إن ده مش بيته وليه بيت لازم يرجع ويقعد فيه بعد اليومين اللي قعدهم معاك!  

 

 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة