-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 57 - 3 الأربعاء 15/11/2023

 

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل السابع والخمسون

3

تم النشر يوم الأربعاء

 15/11/2023



بعد محاولات وتوسلات عدة منها لإقناع الطبيب بدلوفها لزوجها، وافق على الأمر، ولكنه شدد على ألا يزيد بقاءها بالداخل معه عن الخمس دقائق، قبلت بذلك، وسريعًا ما توجهت نحو الممرضة، الذي أمرها الطبيب مسبقًا بتعقيمها قبل الدخول. ارتجفت ساقيها عندما وطأت بقدمها الغرفة، وأحست ببرودة لفحت جسدها، وكلما تقدمت من فراشه، ووضحت صورة وجهه الشاحب، وجسده الهامد، حتى ازدادت آلام قلبها، وكأن هناك سيفًا ينخر به، ويمزقه. ضغطت فوق شفتيها المرتعشة وهي تجلس جواره بتؤدة، تهدجت أنفاسها، وتلبك جسدها، وقربت يدها بتردد من كفه الموضوع جوار جسده، وكأنها تخشى أن تؤذيه من لمستها له، احتوت كفه في قبضتها الباردة، وما إن شعرت بملمس يده، حتى تهاوت دموعها، وغمغمت باسمه بنشيج:


-عاصم.


اهتز جسدها، وانتفض من نهنهات بكائها، والشهقات الحارقة، ومدت يدها الأخرى متلمسة وجنته، وهي تردد بنحيب:


-يا حبيبي.


مسحت فوق وجهه، وكأنها تطمئن نفسها بأنه معها الحين، وما يزال على قيد الحياة، تتشارك معه المكان، ويتنفسان نفس الهواء، ضمت شفتاه في محاولة منها للتحكم بانهيارها، ثم حدثته بنبرة يشيع فيها اللوم:


-مش ناوي تفوق بقى.


رسمت بإصبعها عينيه، وتابعت باشتياق مرير:


-وحشتني عينيك أوي، افتحها بقى عشان خاطري.


اغتصبت بسمة ثغرها، وهي تبلغه بحماس منتقص منه الفرح:


-أنا ولدت يا عاصم، فوق عشان تشيل بنتنا.


اتسعت بسمتها الباهتة، وأخبرته بصوتها المهزوز:


-طلعت بنت زي ما كنت حاسس، فوق عشان تشيلها بإديك وتسميها أنا لسه مسمتهاش.


أخفضت وجهها المليء بالشجن، واستطردت بخوف:


-انا خايفها عليها أوي، اتولدت قبل ميعادها وحالتها متطمنش، خايفة يجرالها حاجة..


رفعت نظره له، وأضافت بتشاؤم بنفس النبرة القلق:


-خايفة تموت وانت لسه مشوفتهاش.


في غياهب وعيه المسلوب، وفي خضم الأصوات المتداخلة، التي يسمعها، ولا يستطيع تفسيرها، تمكن من تمييز صوتها، ووقعت صدى كلماتها على سمعه، مفسرًا كل كلمة فاهت به، ممَ ضاعف من تشتته، ولكن حينما أتى الجزء الذي أتت به على ذكر طفلتهما، حتى ازدادت خفقاته، وداهمه الدوار، وأنفاسه تزايدت وهي يتفقد بعينيه وجود أفراد عائلته، متفاجئًا بخلو المكان من حوله، فرق نظراته التائهة في المكان، وشعور قوي بدأ يسحبه لأسفل، مع ظلام بدأ يحل من حوله تدريجيًا، وفي ظل استسلامه للسقوط في هوة السواد، استمع إلى صوتها وكأنما يبتعد عنه وهو يردد بذعر:


-في إيه؟


اجتلج قلبها في صدرها، حينما استمعت للصفير الذي نتج من أحد الأجهزة المتصلة به، مستشعرة وجود خطب ما به، وهتفت بالتياع:


-عاصم.


انتفض في جلستها، حينما ولج الغرفة على وجه السرعة طبيبين، وثلاث ممرضات، ممَ أشعرها بخطورة الوضع، وثبت عن الفراش وحملقت في وجوههم بارتعاد، منتبهة إلى مخاطبة أحدهم لها بأمر قوي:


-لوسمحتي اخرجي برا.


توترت نظراتها فيمَ بينهم، متسائلة بهلع:


-إيه اللي حصله؟


تقدمت منها إحدى الممرضات، وكلمتها بجدية وهي تشير لها نحو الخارج بيد واليد الأخرى تدفعها من ذراعها باحترام:


-لو سمحتي يا مدام اتفضلي.


آخر ما وقع على سمعها، قبل أن تغادر الغرفة، وسط الهرجلة التي حدثت بالداخل، هدير الطبيب لأحد المتواجدين:


-جهاز صدمات القلب بسرعة.


جحظت عينيها، وخفق قلبها بقوة عاصفة، فور ان استشفت ما جرى، وذلك الصفير الذي صدر من جهاز القلب، هل قلبه توقف عن النبض، وضعت يديها فوق فمها، تكتم شهقتها ممَ طرأ بعقلها، وحركت وجهها بعدم تصديق، الجميع شخص أبصارهم عليها، وهي تعود بظهرها، حتى اصطدمت بالجدار، ووقتئذٍ انهالت دموعها وخارت أرضًا، واضعة يديها فوق وجهها، وأنفاسها تزداد تهدجًا، وإسراعًا، من هيئتها المنهارة، والمعبرة عن صدمة عظيمة، أتى على صفحة ذهن "عز الدين"، كلمات سبق وقد قالها أخوه، بشأن صفحها عنه الذي كان قد فقد الأمل به، وراحت تترد بسمعه:


"الظاهر كده موتي هو الحاجة الوحيدة اللي هتشفعلي عندها، ووقتها بس ممكن تسامحني"


تساقطت دموعه، واستبقى نظره على الطبيب، الذي يحاول إنعاش قلبه بجهاز الصدمات، ومع كل انتفاضة من جسد أخيه، ينتفض قلبه في موضعه، وباختناق شديد كلمه كأنه يسمعه:


-اجمد يا عاصم، اتمسك بالدنيا عشانا أرجوك.


سحب نفسًا يتحكم به في بكائه، ثم تابع يتوسله:


-متموتش، ولادك ومراتك محتاجينك، كلنا عايزينك متموتش عشان خاطري.


أدمعت عينا "مجد"، وبجانبه "جاسم" أطرق برأسه أرضًا بأسفٍ، وزوجته كانت مجاورة لـ"داليا"، عاجزة عن شد أزرها، فهي الأخرى قد انسابت دموعها تأثرًا، حتى "كرم" الذي أتى لتوه للاطمئنان على حالته، صُدم بمَ رآه عبر الحاجز الزجاجي، وخبط بيده فوق الحائط، وقد خانته دموعه هو كذلك، فالموقف الراهن من أشد المواقف التي قد تجابه أي إنسان طيلة حياته. استغرق الطبيب في الداخل لما يقرب من الدقيقتين، توقف عن إنعاشه تحت نظراتهم الهلعة، ولكن ما دفع بعض الطمأنينة في نفوسهم، هو رؤيتهم للطبيب يملي بعض الإرشادات الغير مسموعه لممرضيه، وأخرون يضبطون من وضع الأجهزة المتصلة به، ممَ جعلهم يستنبطون عودة النبض له. خرج الطبيبين، أحدهما وقف رفقتهم، وأخبرهم بوجه ما يزال يحمل الارتباك:


-الحمد لله النبض رجع تاني.


ارتكزوا بأعينهم عليه، وهو يتابع بأسف:


-بس مع الأسف الحالة متطمنش، وضعه بقى خطر اكتر من الاول، ومش مؤشر خير اللي حصل.


اهتزت حدقتا "عز الدين" بخوف، وسأله بتلعثم:


-يعني إيه، مـ..ممكن يجراله حاجة؟


رد عليه بنفس النبرة الآسفة والتي يشيع بها قلة الحيلة:


-المفروض إننا نحط الاحتمالات كلها قدام عنينا، ونجهز نفسنا لأي حاجة ممكن تحصل.


في تلك اللحظة، وثبت "داليا" عن الأرضت، واندفعت نحو، صارخة به:


-انت عايز تقول إيه؟ عايز تقول إنه هيموت.


أمسكت به من عنق سترته، وهزته بعنف وهي تدمدم بتشنج:


-عاصم مش هيموت، انت فاهم، عاصم مش هيموت.


لم يزجرها على فعلتها المتجاوزة، فقد كان متفهمًا لمَ تمر به، بينما اقتربت منها "رفيف" على الفور، محاوطة كتفيها، ومجبرة جسدها على التحرك معها، حينها أرخت "داليا"، رأسها فوق كتفها، وهسهست ببكاء:


-عاصم مش هيموت، مش هيسيبني يا رفيف، مش هيسيب ولادنا.


أخفض "عز الدين" رأسه وهو يشعر بالعجز، في حين وجه الطبيب أمره لممرضته:


-ممنوع الزيارة، محدش يدخله تاني.


ردت عليه من خلفه بانصياع:


-حاضر يا دكتور.


عاد بنظره لهم، وقد تحفز في وقفته، وهو يشدد عليهم:


-لوسمحتوا التزموا بالتعليمات، وده لو مش عايزين تعرضوا حياته للخطر.


غادر الطبيب بعد ذلك، تاركًا الجميع في حالة حزن وقهر، أصوات بكاء "داليا" يتردد صداها في المكان، مقطعة نياط قلوبهم، انسحب "عز الدين" من بينهم، فهو لم يعد قادرًا عبى تحمل بكاءها، يحز في قلبه وقوفه كالعاجز لا يسعه مساعدتها، والتخفيف عنها، فما سيعيد لها سكينتها، هو تعافي زوجها، واستيقاظه من تلك الغيبوبة اللعينة، التي سرقته من بينهم في غمضة غين، وهذا بالتحديد لا يملك زمام الأمر به، ولن يحدث إلا بأمر نافذ من الرحمن.



❈-❈-❈


التقط أنفاسه، بعد محاولته الدؤوبة، منذ أكثر من الثلاث ساعات، للدخول إلى غرفته دون إن ينتبه له أحد، متحينًا فرصة مغادرة الجميع. مسح حبات العرق المتناثرة على جبينه، وتقدم منه وهو يتلفت في جميع الأنحاء، متأكدًا من خلو الغرفة من الممرض المرافق له، ولكن لسوء حظه، لم يرحل "كرم"، وبقى رفقة "عز الدين" في قاعة تقديم الطعام والمشروبات التابعة للمشفى، فقد تآكل به الندم، وشعر أنه له يد فيمَ اصاب "عاصم"، كونه كان منضمًا لـ"توفيق"، وعلى دراية بخططه حياله، ومن ضمن تلك الخطط، ترتيبه للتخلص منه.


بعد أن ترك "عز الدين"، قرر أن يصعد إليه، فرغبة ملحة داخله، قادته إلى إلقاء نظرة عليه قبل مغادرته، وكأنه كان ترتيب المولى، فقد تفاجأ حينما وصل، بوجود أحد رجال "توفيق" بالداخل، ومن طريقة سيره نحوه، الظاهرة له عبر زجاج النافذة الفاصلة بين الردهة والغرفة، استطاع استنتاج ما ينتوي على فعله، وعلى الفور ولج الغرفة، في اللحظة التي قد التفت يديه حول عنقه، وهدر بقوة حائلًا دون متابعة الآخر في جريمته الشنيعة:


-انت بتعمل إيه عندك؟


يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شيماء مجدي من رواية مشاعر مهشمة الجزءالثاني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية