-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 58 - 2 الأربعاء 22/11/2023

 

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الثامن والخمسون

2

تم النشر يوم الأربعاء

 22/11/2023


بعد مرور خمسة وثلاثين يومًا آخرين، لم يختلف خلالهم شيئًا، سوى سماح الطبيب لها بالدخول له لبضعة دقائق يوميًا، وكان ذلك مؤخرًا، بعد أن لاحظ تغيرات جيدة في المؤشرات الحيوية خلال بقائها معه، كأنما يستجيب لصوتها، ولهذا نصحها بترديد مواقف سعيدة، وأحداث تسر على سمعه، لربما تأتي بنتائج طيبة معه، والحدث الأسعد الذي جعل التفاؤل ينبجس داخلها، وقررت إخباره به هو خروج الرضيعة من الحضانة، فقد تحسن وضعها ولم تعد بحاجة لبقائها تحت الأجهزة. 


من شدة سعادتها بحمل ابنتها وتعافيها، وضمها أخيرًا لصدرها، دخلت بها إليه، علّه يشعر بها، ويضفي ذلك تأثيرًا جيدًا عليه، يحفز وعيه ويساعد على إفاقته. جلست جواره على طرف الفراش، وابنتهما تحملها بين ذراعيها، وبابتسامة واسعة حدثته كأنه يسمعها:


-شوفت جيبتلك مين معايا النهارده؟


داعبت وجنتها المستدير، والناعمة بإصبعها، وأضافت بحبور وهي تنظر إلى ملامحها الجميلة:


-بنتنا.


رفعت عينيها له وطالعته بنظرة متحمسة وهي تخبره بارتياح:


-الدكتور خرجها من الحضانة النهارده، الحمد لله خفت وبقت كويسة.


انتقص ذلك الارتياح من صوتها، وهي تدعو بتضرع:


-عقبال ما تبقى كويس انت كمان يا حبيبي وتفوق وتشيلها بإيديك.


لم تدع للحزن أن يسيطر عليها، خاصة مع تلك المناسبة السعيدة، وعادت بحدقتيها نحو طفلتها التي تهمهم بأصوات طفولية ذات وقع حلوٍ على أذنيها، وتكلمت بإطناب يقطر منه السرور:


-حلوة اوي يا عاصم، شكلها كده هتبقى شكلي.


انتقلت ببصرها نحوه وهي تضيف بثقة:


-انا متأكدة إنك هتحبها أول ماتشوفها.


هامت في وجهه البهي، رغم علامات التعب المتشكلة فوق محياه، ولكنها مع ذلك تستشعر الدموية في وجنتيه ذلك اليوم دونًا عن الأيام الماضية، حافظت على بسمتها المتفائلة، متمسكة بالأمل الذي تسلل داخلها من تعافي ابنتها، أشرق وجهها بتذكر نبأ مفرح، وسريعًا ما أبلغته بوجه بشوش وصوت رخيم متحمس:


-تعرف إن نائل ورائف بقوا بيقولوا بابا، لو سمعتهم هتاكلهم.


كادت تضيف المزيد من الأخبار اللطيفة، ولكن منعها من التحدث بكاء الرضيعة، حينئذ وجهت بؤبؤيها نحوها، وسألتها بصوت حانٍ وهي ترفعها نحو صدرها:


-إيه يا روحي بتعيطي ليه؟


وهي تهدهدها برفق تابعت ببسمة صافية:


-عايزه بابي!


ظلت تحدث الرضيعة، محاولة التحكم في بكائها، ولكنها لم تعلم أن ذلك البكاء، الذي صدر من الصغيرة بغتةً، نفذ عبر سمعه، كسائر ما قالته جميعه، ولكن تأثير صوت  الرضيعة عليه كان أقوى، فقد هز قلبه، ورسم بسمة على وجهه، انتشله من تأثره بها انتباهه بعودة أفراد أسرته من حوله ثانيةً، واقعًا في نفس الاختيار الذي وقف عنده، ولكن تلك المرة كان قلبه يدفعه بقوة لأخذ جانب زوجته وأطفاله، خاصة عندما وجد الطفلة الجميلة، المرافقة لطفليه وزوحته، مدت له يدها تحثه على الذهاب لها، وبصوت ناعم رقيق طلبت منه:


-بابا، تعالى معانا.


اتسعت البسمة فوق وجهه، فتلفظها بكلمة "بابا" جعلت قشعريرة لذيذة تسري في جسده، مضاعفة من سرعة وجيبه، ممَ جعله يحسم قراره في الانضمام لهم، ولكن قبل إقباله على الذهاب، التفت برأسه مودعًا بنظرات آسفة والدته وكلا الطفلين البريئين، حينئذ شيعته ببسمة حنون، والتفتت مغادرة وهي تمسك في كلا يديها يد كل طفل منهما، حملت نظراته التي تتابع رحيلها امتنان يمتزج باشتياق لن يخبو من داخله، ولكنها بفعلتها عفته عن ندمه في اختيار البقاء رفقة أسرته الصغيرة.


عاد بنظره نحو زوجته وأطفاله، وبدون تردد بدأت قدميه في السير نحوهم، مترائيًا له فرحتهم، التي تزداد كلما يزداد هو في سرعة خطاه، وما إن وصل عندهم، حتى حمل الصغيرة ودار بها، وأصوات ضحكاتها تنفذ عبر سمعه كسيمفونية تلعب بأوتار قلبه، ويشاركها في فرحتها الطفلين، اللذين يقفزان جواره بسعادة غامرة.


توقف عن الالتفاف بالصغيرة عندما أمسكت عيناه ببسمة "داليا" المطمئنة، ونظراتها السعيدة، وقتئذ طالعها بنظرة مشتاقة، كأنه لم يرها منذ زمن بعيد، دنا منها وهو مستبقي الطفلة في أحضانه، والولدان ملتصقان به بطريقة محببة، بعث وجودهم دفء من نوع آخر داخله، ظل التواصل البصري قائمًا بينه هو وزوجته، حتى امتدت يدها محاوطة وجنته، في لمسة حنون، جعلت جسده ينتفض بخفة، وقلبه ينبض بقوة، مع شعور غريب بدأ في الشعور به، سحبه إلى مكان آخر، ولكن أصابعها ما تزتل تتحسس وجهه.


لمستها التلقائية نقلته من حلمه الطويل، إلى أرض الواقع المحيط، مستشعرًا في تلك اللحظة لمسة حقيقية من يدها على وجهه، رمشت إثرًا لها عيناه، لم تنتبه "داليا" إلى تلك الاستجابة المبشرة منه، بسبب الرضيعة التي اشتد بكائها، عبس وجه "داليا، وخشيت من أن يؤذه صوتها الصارخ، وسريعًا ما أبعدت يدها عن وجهه، ونهضت عن جلستها وهي تقول له بتعجل:


-هجيلك تاني يا عاصم.


عدلت من وضعية حملها للرضيعة، وأضافت بصوت دافئ وهي تشرع في ترك الغرفة:


-هودي الزنانة دي لزينة ترضعها، ورجعالك علطول يا حبيبي.


بإسراع منها اتخذت خطواتها نحو الخارج، وبتعجلها أضاعت لحظة فارقة، كانت لتطغي سعادة كل العالم في كامل وجدانها، عندما ردد "عاصم"، فور خروجها بصوت مبحوح، ضعيف، مناديًا عليها:


-داليا.



❈-❈-❈


طريق الموبقات، سلكه ربما يكون سهلًا، ويدفعك إلى ارتكاب المزيد من المحرمات، لنيل أضعاف من المتع الدنيوية والحصول على لذة الملاذات، إلا أن نهايته ستكون لا محالة في الأخير الهلاك. التخلص منه بعدما تم القبض عليه، وأصبح محور لمخاطر لا حصر لها، على أفراد جماعة المافيا الذي كان فردًا هامًا بها، كان أمرًا محتومًا، ولهذا عندما جاء أمر تصفيته، نُفِذ عن طريق وضع سم في طعامه، ما إن تناول منه عدة لقيمات حتى بدأ مفعوله في السريان بشكل سريع بجسده. 


في بادئ الأمر شعر بالوجع يمزق بطنه، حاول التغاضي عنه، والتحامل على نفسه، ولكنه زاد إلى حد جعله يتلوى ويصرخ، مم شعر المحيطون بخطورة وضعه، حينئذ بلغ حارس الزنزانة مشفى المركز بما يجري لأحد السجناء، من حالة إعياء شديدة، تحتاج إلى إسعاف فوري، إلا أن أمر الله مهما حدث يظل نافذًا، لن يكن بيد مخلوق منعه، فنهاية آلامة التي كانت لا تُحتمل، كسكاكين تقطع أحشائه، خر صريعًا في موضعه، على إيدي من اشترك معهم في تدمير أجساد الأبرياء، والإتجار بأرواحهم.


تشنج جسده أمام السجناء المشاركين له في نفس الزنزانة، وبدلًا من أن يكون موته مؤثرًا في نفوسهم، خاصة وأنهم شاهدوا خروج روحه أمام مرمى بصره، كان مثيرًا للإشمئزاز والنفور، لما سال من جانب فمه سائل أبيض، جعلهم يبعدون أنظارهم عنه وعلامات التقزز تعتري سائر وجوههم، مِيتة سوء إن علم فيما مضى أنها ستكون جزائه، لكان اتقى الله في حياته، ولكن جراءً لسيره خلف الشيطان في سائر أفعاله، كانت له العاقبة السيئة في خاتمته. 


بعد سؤال الشاهدين على الواقعة من النزلاء المتواجدين معه، واتخاذ الإجراءات القانونية، وتولت النيابة العامة مسألة التحقيق. خبر موته كإجراء قانوني واجب الحدوث انتقل إلى أسرة المتوفي، فور تأكد الطبيب من وفاته، تلقت الخبر المفجع زوجته، التي هتفت بصدمة لمن يبلغها عبر الهاتف:


-بتقول إيه؟


حولت "سما" نظرها لها بقلق لوقوفها المفاجئ وصوتها الهادر، الذي تلاه قولها بصراخ شديد:


-توفيق مات!


وقع الهاتف من يدها، بادئة في وصلة نواح وعويل، كان صداه لا يُحتمل، برقت عينا "سما"، وخفقاتها تسارعت، وصدمتها جعلتها ساكنة لعدة لحظات في موضعها، لا يبدر منها سوى أنفاس تهدجت، فعقلها عجز عن استيعاب ما نفذ عبر سمعها، وما تراه الحين أمام مرمى بصرها، حتى إنها حاولت صرف ذهنها عن التفكير، وصم آذانها، ولكن بكاء والدتها صعب عليها الأمر، حتى وضعها أمام حتمية تصديق ذلك الخبر المهيب من كافة الأصعدة، الذي جعل دموعها تتسابق في الهطول من عينيها، وحلقها يتقطع من صراخها وهي تهتف بانهيار:


-بااابــــاا.



❈-❈-❈



لم يكن بحوزة "داليا" رضعة صناعية في تلك الأثناء، لذلك تولت "زينة" إرضاع الطفلة، كونها ترضع طبيعيًا، استغرق الأمر مع هدهدتها لتخلد للنوم ما يقرب من النصف ساعة، وبعدما نجحت "داليا" أخيرًا في جعلها تغفو، أعطتها لـ"زينة" ثانيةً، لتريحها فوق ساقيها، حتى تعود ثانية إلى زوجها، مستغلة تلك الدقائق المسموحة لها بالبقاء معه بالداخل. جلست بجانبه في نفس الموضع السابق وهي تزفر، وقالت له بتبرم زائف:


-تعبتني لغاية منامت، مش عارفة مش هادية ليه، نائل ورائف مكانوش كده، حاسة إنها هتبقى صعبة.


تشكلت بسمة مرحة على شفتيها، ثم أضافت:


-شكلها هتطلع شقية زيك، خالتو كانت بتقول انك كنت مغلبها من يوم ولادتك.


أحتوت يده بين كفيها، متلمسة إياها بلمسات حنونة، ثم رفعتها نحو فمها وقبلتها عدة قبل، توقفت شفتاها فجأة عن لثمها حينما وقع صوت تأوه صدر منه على سمعها، فغرت عينيها وسريعًا ما رفعت بؤبؤيها نحوه، وسألته بلهفة:


-عاصم انت عملت صوت دلوقتي؟


دنت منه أكثر، متفقدة وجهه بنظراتٍ تجول فوق وجهه، وحدثته بأنفاسٍ تزايدت:


-لو انت اللي عملت الصوت ده ومش بيتهيألي، اعمل أي حاجة..


انتقلت بعينيها بين وجهه ويدها الممسكة بها، متابعة بوسل:


-ارمش بعينيك أو حرك ايدك، أو حتى صوابعك، أي حاجة لو سامعني عشان خاطري.


ظلت لعدة لحظات تفرق نظراتها عليه، تترقب صدور أي حركة منه بتلهف شديد، حتى ارتكزت بعينيها التي توسعت، على أصابعه التي تحركت في يدها، ابتسمت بغير تصديق، ورفعت وجهها تناظره حتى تفاجأت بأهدابه التي تتحرك، كأنه يكافح لفتحها، حينئذٍ شهقت بفرحة، مرددة بصدمة:


-عاصم..


تحسست بيدها وجهها، وهي تسأله بوجيب تزايد:


-عاصم انت فوقت!


ترقرق دموع الفرح في عينيها حينما استمر في تحريك أهدابه، ووجه كذلك مال قليلًا للجانب، وضعت يدها فوق شفتيها الباسمة، وقالت بعدم تصديق:


-لأ، أنا مش مصدقة.


قبل أن تتوقف حركته، أو يعود إلى سكونه مجددًا نهضت على الفور من جلستها، وهرعت نحو الخارج، وهي تنادي باسم أخ زوجها:


-عز.. عــز!


تقدم منها "عز الدين" باهتمام به بعد التحير، وقبل أن يستفسر منها عمَ تريد، عاجلته بإخباره ببكاء نابع من فرحتها:


-عاصم فاق يا عز هات الدكتور بسرعة.


تهللت أساريره، وسريعًا ما ركض في الرواق، ليجلب الطبيب، بينما هي عادت ثانية لزوجها، ودموعها تنمهر على وجنتيها وهي مبصرة عينيه اللتين انفتحا، وتجوبا المكان بنظرات مستغربة، تقدمت منه وهتفت بصوت خفيض متأثر:


-عاصم.


جلست جواره، متحسسة شعره بحنان وهي تسأله بتأكد:


-انت مفتح عينيك بجد؟ شايفني؟


وجه حدقتيها نحوها، مرتكزا بهما على وجهها الباكي، بكاء يعبر عن سعادة غير مفهومة بالنسبة إليه، في حين توسعت هي بسمتها من نظراته المثبتة عليها، وعاودت سؤاله وهي تمسح بأصابعه فوق وجهه:


-حبيبي انت فوقت، سامعني؟


أومأ لها بحركة بسيطة من وجهه، ولكن ما يزال التيه ظاهرًا على نظراته، التي تتحرك في أنحاء الغرفة، كأنما يبحث عن شيء، عندما لاحظ "داليا" ذلك، سألته بتلهف:


-عايز إيه وانا اجيبهولك.


عاد بنظره لها، وباله منشغل بشيء واحد فقط، ألا وهو صوت الرضيعة، الذي نفذ عبر سمعه، فمؤكد لم يكن من نسْج خياله، وبعد لحظتين من الصمت، ردد بنبرة ضعيفة، مبحوحة، بلهجة مالت للتساؤل:


-بنتي!

يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شيماء مجدي من رواية مشاعر مهشمة الجزءالثاني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية