رواية جديدة ميراث الندم لأمل نصر الفصل 26 - 2 الأثنين 2/12/2023
قراءة رواية ميراث الندم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ميراث الندم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
2
تم النشر يوم الأثنين
2/12/2023
لترى هذه التغيرات الجديدة بملامحه، الخطوط التي نبتت مع الزمن، اثار بعض الحبوب القديمة ببشرته القمحية الجاذبة، لقد تغيرت واخشنت عما كانت تتذكرها، أنيق حتى في نومه، هذه السمة التي لم يتخلى عنها ابدا،
فهو الوحيد من أبناء عمومتها الذي لم يهوى الزراعة، فلم تحرقه الشمس مثل شقيقها لتوشمه بسمرتها.
عسليتيه المغطاة اسفل ستار جفنيه، عظام الفكين البارزة، شفتيه العريضة، والتي اجتاحت ثغرها منذ ساعات، و....
استدركت لتنفض رأسها فجأة عن شعور الضياع الذي شعرت به وقتها، تأثرا بأول قبلة تنالها، وقد دارات بها الأرض، حتى انها لم تعي ما حدث جيدا، سوى بعد خروجه.
ابتلعت لتنهض من جواره، مفضلة تعذيب الضمير، على الضياع الذي سوف يكتنفها ان اصرت الاَن على ايقاظه، ف لتذهب وتترك الأمور كما تسير وحدها، لتعود لسريرها الجديد، ربما تجد به الراحة.
غافلة عمن ارتفعت رأسه من خلفها، يعض على شفتيه بغيظ شديد، عينيه منصبة على الجسد الملفوف بعد أن بدلت المنامة العارية، التي منعت عنه النوم، لبيجامة ناعمة التصقت به، تدخل بقلبه الحسرة، لعجزه عن اللحاق بها، مفضلًا غباء التريث والإحتراق بالصبر .
ضرب بقبضته على جبهة رأسهِ، مغمغمًا بقلة حيلة:
- ما كنتي استنيتي في اوضتك، جيتي ليه؟ هو انا كنت ناجص!
❈-❈-❈
صباح اليوم التالي.
استيقظت على وقع الخبر الذي اخبرتها بيه شقيقتها الصغرى ، حتى ذهبت لولداتها تشتكي لها، وقد ظنتها لعبة او سخرية، وكان رد المرأة هو التأكيد لها بجدية لا تقبل التشكيك، حتى صرخت بلهفة بوجهها
- أمانة انتي بتتكلمي جد؟ وغلاوة جدي حسين ما تكوني بتلعب بيا؟
قهقهت المرأة تضرب كفًا بالاَخر، لتردد لها:
- يا مجنونة يا ام مخ ضارب ، ما انا بجالي ساعة عمالة احلفلك، بكل الأيمانات، يعني اللي باجي هو غلاوة جدك حسين؟ طب، وغلاوة جدك حسين يا ستي انا ما بكدب، أبوكي قرا الفاتحة امبارح والنهاردة بعد شوية هنروح ننجي الشبكة .
خرج صوتها من بين الضحك الذي كان يقارب الجنون:
- ياما انا مش مصدجة، ازاي يعني اصحى من النوم، الاجي نفسي مخطوبة ومجرية فاتحتي ، لا ومن مين؟ العريس الزين اخو خالتي جميلة، اللي جاي من الخليج .
للمرة الالف صارت تضحك والدتها على تعليق صغيرتها، التي على وشك الجنون من فرط فرحتها، لتعود مؤكدة
بالقول:.
- طب ومالوا يا عبيطة؟ هو النصيب دي ليه ميعاد، اهو عمر نفسه ده، جميلة ياما جالت وعادت عن جوازه الجريب، وانه هيتجدم لواحدة رايدها، وفي الاخر جالك انتي، يبجى نصيب ولا مش نصيب؟
- اكيد نصيب،
رددت بها بخجل خلفها ، قبل ان تستدرك لتسألها:
- طب هي ليه صح مجبتش سيرة جدامنا، هو مش المعروف برضوا ان الكلام في البداية بيبقى كلام حريم، وبعدها لما يبجى فيه جبول ورضا، يخش كلام الرجال والاتفاجات.
استدارات عنها المرأة نحو الموقد الغازي تقلب الطعام داخل الطنجرة، تجيب بما ذهب به ظنها:.
- هو المفروض زي ما بتقولي كدة، بس هو يمكن عشان جاي من السفر وعايز يخلص، وكمان متنسيش ان ابوكي يبجى صاحب جوز جميلة، والراجل هو اللي كلمه ولم الاتنين على بعض، يعني في بيتها مش اغراب
بدا جليًا عليها الإقتناع بوجهة نظر والدتها، ولكن فرحتها الغالية لم تنسيها الشيء الأهم في السؤال عنه:
- طب انا صح ليه محدش خد رأيي في الحكاية دي، مش لازم برضوا، كان ابويا جه وسألني ان كنت موافجة عليه ولا لأ؟ زي ما بشوف في المسلسلات.
شاكستها والدتها تغيظها:
- وانتي بجى كنتي عايزاهم ياخدوا رأيك ليه؟ يكونش مش عاجبك العريس؟ خلاص اروح ابلغ ابوكي.
قالتها لتتحرك مغادرة، راسمه على وجهها الجدية، لتصرخ الاخرى تتشبث بذراعيها لتوقفها:.
- لا ياما انتي ما صدقتي ولا ايه؟ دا انا بهزر والله.
عادت والدتها للضحك مرة أخرى لتعقب بتشديد ووعيد:
- ايوة كدة صنف يخاف ما يختشيش.....سيبيني بجى اكمل الطبيخ اللي في يدي، وانتي روحي وافطري واتسبحي، عشان على جريب الضهر كدة، هياجي العريس ياخدنا على محل الصاغة.
هذه المرة صدرت شهقتها بصوت عالي تتسائل بجنون:
- يا حلاوة يا ولاد، كمان هجيب الشبكة النهاردة.
❈-❈-❈
فور ان اخبره عما سمع ورأه بأم عينيه بالأمس، انتفض عن مقعده يهدر به:
- إنت متأكد من كلامك دا بسيوني؟
رد يجيبه بلهجة قاطعة للشك:
- زي ما متأكد من شوفتك جدامي؟ انت عارفني يا غازي بيه، عمري ما هخربط بكلام واعر زي ده غير وانا متأكد.
حضرتك موصيني مشيلش عيني عن معتز طول ما انا جاعد في ورديتي، ساعتها كنت رايح اجيبه من ورا الصوان لما شرد من العيال اللي كان بيجري وراهم، لمحت ناجي بيه وهو بيرفعه ويشيله، معرفش ليه جلبي مطاوعنيش ارجع، ف اضطريت اجف مكاني، على ما تيجي امه ع الاقل او يسيبه، لكن اللي حصل بجى، وشكل الست نادية وهي بتزعجله..... مع هيئة الخوف اللي كانت باينة على وشه، خلوني ادارى واستنى عشان اسمع الحوار كله.
بمراجل الغضب التي كانت تشتعل بداخله، صدر صوته بتحذير صارم، وهدوء ما يسبق العاصفة:
- أكيد انت عارف ان الكلام ده ميطلعش حتى بينك وبين نفسك .
رد بسيوني بثقة لرئيسه:
- طبعا يا بيه، دي مش عايزة كلام.
اومأ له لينصرف على الفور، وتوقف هو محله ، عاقد الحاجبين بشدة، يستند بذراع على احدى جزوع الاشجار الضخمة في محيط الحديقة، وبيده الأخرى الممسكة بالعصا، يطرق بها على سطح الأرض، وتفكير مضني، ما بين غضب يدفعه، لكسر باب المضيفة الذي تتخفى بها بعيدا عنه، كي يسألها ويعرف التفاصيل منها، او الذهاب مباشرة نحو هذا البائس ابن عمه، يكسر عظامه ، ويطحنه بالضربات الموجعة، حتى يُقر هو بنفسه عما حدث.
ولكن صوت اخر، كان يدعوه للتريث، ولكن كيف له ان يسحب الكلمات من فمها، وهي الكتومة والتي دائمًا ما تتجنبه..
ظل على حالته بوجه متجهم لا يبشر بالخير، حتى انتبه عليه صديقه، والذي أتى يلقي التحية، ليتفاجأ بهذه الهيئة ويعلق ممازحًا:
- لا إله إلا الله، دي خلقة دي الواحد يصطبح بيها على اول الصبح ، في ايه يا عم؟ ما تفرد وشك، واعتبرني ضيفك، مش واحد شغال عندك.
لم يستجيب لدعابته، بل التفت اليه متحليًا ببعض الزوق، في الرد عليه:
- معلش يا يوسف سامحني، خلجتي مجلوبة لأمر ضروري وشاغلني هنا في البلد، وانت مش شغال عندي، انت صاحب بيت
كلماته ارتدت بأثرها على الآخر، ليسأله بقلق:
- موضوع ايه بالظبط؟ انت شغلتني على فكرة، ليكون خناقة ولا طار قديم وظهر زي ما بنسمع:
قطب غازي بشبه ابتسامة لاحت على ثغره، يعلق بسخرية:
- خناجة وطار وضرب نار، في ايه يا يوسف؟ هو انت ليه عايش في الخيال بتاع المسلسلات الصعيدية، يا حبيبي احنا عايشين وبنمارس حياتنا الطبيعية، يعني الحاجات دي مش سمة اساسية في بلادنا، ومش في كل البلاد كمان عشان تعرف.
- مش في كل البلاد.
ردد بها من خلفه، يتصنع الحرج بدراما، كادت ان تضحك غازي، لولا نيران الغضب التي تغلي بداخله، فتغاضي يخاطبه:
- بجولك ايه، انت مش كنت عايز تتفرج ع البلد النهاردة جبل ما تمشي، انا هبعت معاك بسيوني دلوك يخليك تشوفيها حتة حتة، وبالمرة تاخد فكرة على ملك الدهشان والأراضي اللي نملكها .
تلقف يوسف قراره بترحيب مهللًا:
- حلو، انا كمان متشجع للمشوار ده، كلمت فراج ابن اختك وجدان من شوية، بس قالي انه هيوصل والدته تصبح ع العروسة، مش انتوا عندكم صباحية بردوا للعرسان؟
بذكر العروس امامه، استدرك غازي ، ليتمتم وكأنه وجد الحل لمعضلته:
- روح، ازاي كانت تايهة عني دي؟
❈-❈-❈
وفي منزل العروس
والتي وقفت امام شقيقاتها بوجه تلون وانسحبت الدماء منه كطفل مذنب، يلجمه الخطأ حتى عن الرد ،
عقب هذا السؤال المتوقع والموجه لها من الكبرى، بعد ان انفردتا بها في غفلة من الحاضرين معهما، من ابناء عمومتهن واشقاء العريس.
- يا بنتي مالك ما تردي وطمنينا.
اطرقت تبتلع ريقها بصعوبة، وخرج ردها بخجل شديد:
- ارد اجولك ايه بس يا وجدان؟ الحمد لله.
تدخلت نادرة تردد خلفها بمرح:
- حمد لله، طب ما تعرفيني انتي بتحمديه على ايه؟ طمني جلبنا يا بت، عشان نحط صباعنا في عين التخين، فين الحاجة؟
بالاَخيرة وقد فهمت على مقصد شقيقتها، وهو الدليل على عفتها كما هو متعارف في العادات والتقاليد التي نشأو عليها، دارت الدنيا بها، لا تعلم بما ترد عليهما، ليتها تماسكت قليلًا عن الارتجاف بين يديه، ليتمم مهمته، او حتى يأخذها بالقوة، ولا ينفر منها ويترك لها الغرفة، لتجد نفسها الاَن في هذا الموقف الذي لا تحسد عليه.