رواية جديدة عقاب ابن البادية لريناد يوسف - اقتباس الخميس 18/1/2024
قراءة رواية عقاب ابن البادية كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية عقاب ابن البادية
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة ريناد يوسف
اقتباس
تم النشر يوم الخميس
18/1/2024
انحرفت السيارة قليلاً عن مسارها فوق الجسر بفضل صدمة قوية من شاحنة عملاقة، فتوقف آدم على جانب الجسر فوق الرصيف الذى صعدته السيارة بفضل الصدمة، وترجل من السيارة ليرى ماذا حدث لها، فهى مازالت جديدة وباهظة الثمن، ولاحظ أن الشاحنة توقفت على مسافة منه، ظن ان صاحبها توقف كي يعتذر منه وحين فُتحت أبوابها ونزل منها رجلان توقع أنهم آتون للإطمئنان عليه، ولكن ظنونه كلها خُلفت حين إقترب منه الإثنان وكانت ملامحهما لا تبشر بخير!
تلفت آدم حوله ووجد أن الجسر خالي من المارة تماماً، لا ناس ولا سيارات، وكأن الوقت تم إختياره وترتيب إختفاء كل شيئ.. دق قلبه بخوف لم يختبره منذ كان طفلُ صغير وتركه ابواه فى الصحراء يواجه مصير مجهول، وها هو الآن لا يعلم مالمصير الذي ينتظرة..
خوفه لم يكن من قوتهم البدنية؛ فلو تصارعت الأبدان لفاز هو فى النزال دون شك، ولكن الأسلحة هى التي تتصارع في مثل هذة المواقف.. وعلى الفور تأكدت شكوكه وهو يرى واحداً منهم يزيح كنزته ويلتقط سلاحة المزود بكاتم صوت، فغاص قلب آدم بين ضلوعه وعلم أنها النهاية، وأن نظرات ياسين اليوم لم تكن عبثاً كما ظن، فقد علم منذ البداية أن ماسمعه من حياة كان الضربة القاضية له والتي لن يغفر عليها ابداً.
كان يعلم أنها مسألة وقت ليس إلا، ولكنه لم يتوقع أن يأتي الإنتقام بهذه السرعة.
درس الموقف سريعاً وقرر القفز من فوق الجسر، وبحركة خاطفة كان يعتلى سور الجسر ويقفز، ولكن رصاصة الغدر كانت أسرع إليه من الجاذبية فإخترقت جسدة ليسقط فى الماء على الفور، وماهي إلا دقائق طفاها فوق سطح الماء فى محاولة من جسدة لإستيعاب ماذا حدث له ثم غاص للأسفل مستسلماً للظلام، باسطاً ذراعاه وكأنه يخبر العالم بأنه تركه فارغ اليدين كما أتي إليه فارغ اليدين.
❈-❈-❈
أما فى القصر...
-إبني، إبني فين، إبني جراله أيه يامحمود، هو انا وجع قلبي دا مش هينتهي، إشمعنا انا، ليه اختبر إحساس الفقد والفراق الف مره ليه، ابني يامحمود اخوك موته، كل السنين اللي فاتت واللي بعدته عني فيها واتحرمت من إنه يكبر قدام عيني راحت هدر، إبني راح مني ياناس، راجل ملو هدومه ملحقتش أفرح بيه.
- إهدي ياعايدة ادم بخير أكيد، آدم بخير وهيرجع، ربنا مش هيوجع قلوبنا عليه أكيد، ربنا رؤوف رحيم، ربنا عالم باللي شوفناه واللي قاسيناه ومش هيضيعه.
كان يواسيها وهناك غصات تتوالى علي قلبة الغير مصدق لكلماته المواسية، فكيف له ان يكون بخير وسيارته وجدت على الجسر بهذا المنظر المريب!
كيف لإبنه أن يكون بخير وهو يرى هذا الإرتياح على وجوه جميع من حوله وكأنهم بلغوا مبتغاهم، والأهم كيف له ولعايدة أن ينجوا من الحزن هذه المرة، فوالله إنها لكبيرة وعظيمة على قلوبهم.. اخذها بين ذراعين ودفن رأسها فى صدره وهو يتمنى أن يخفيها بين ضلوعه عل الحزن لا يعرف لها طريقاً، ولكن للأسف الشديد لا سبيل لذلك.
أبعدها وأخذ يهاتف قصير للمرة التي لايعرف عددها وكالعادة هاتفه مشغول، فهاتف سالم مجدداً فاجابه سالم علي الفور وبلهفة:
-أبشر ياعمي وجدتوه، عاود عقاب، رد للبيت؟
-انا مكلمك أسألك يابني لو عرفت حاجه عنه.
ليجيب الأخر بغضب مخلوط بحزن:
-كييف نعرف شي عنه ونقاله خارج التغطية ومافي حدا عارف يوصله، حتى الموظفين اللي معاه بالشركة من القبيلة ماقادرين يوصلوله، انا بالطريق أنا ورابح وبس نوصلو لعندك راح نغربل القاهرة غربله ماهنسيب فيها جحر الا دورته فيها حتى نعثر عليه ، ولو مالقيت خوي والله لنحرق الأرض حرق ونحرق خوك وعيلته وهم احياء قدام عيونك حتى لو هنحرق معاهم ،والله انت ما يحقلك اتكون ابو عقاب ،عقاب ولدنا نحنا واخونا نحنا وعندنا وبحمايتنا مامسه شر ولا قدر يتربصله عدو،الله لا يوفقك انت وهلك
انهى مكالمته ولكم السيارة امامه بيده قبل أن يصرخ بصوت رج السيارة:
- راااح خوووي رااااح، ياعقااااااب ياحرقة قلبي عليك ياشقيق روحيييي، والله لنحرق الدنيا لاجلك ياضلع والله.
نظر إليه رابح متعجباً على هذا الحب الكبير الذي لازال سالم يكنه لعقاب برغم كل شيئ وبعد كل ما حدث، وها هو سالم يثبت مجدداً بأن اخوته لآدم فوق كل شيئ.. فلا حبيبة فرقتهم ولا غيرة شتتت قلوبهم.
فاردف له محاولاً تمثيل الهدوء والثبات برغم أنه يحترق هو الآخر على رفيقه، وقد بلغت من عقله الظنون السيئة مبلغها، ويكاد يجزم أن آدم قد غُدر، وهو يعلم جيداً ان كل تعاليم البقاء في حياة البرية لا تُجدي نفعاً أمام رصاصة تخترق القلب أو الرأس، فالاسلحة لها سطوتها التي تتغلب على سائر الأشياء.
صدح جرس رابح معلناً عن إتصال وقد كان عمه قصير هو المتصل، فأجابه سريعاً واتاه صوت قصير الغاضب:
- هاه لوين وصلتو يارابح؟
- تو دخلنا الجيزه ياعمي يعني كلها ساعتين ثلاث وبنكونو بالقصر.
- وييش راح تسسون بالقصر؟ اطلعوا ع الشركة استجوبوا الجميع امسكوا الخيوط واتبعوها، راجعوا الكاميرات، كونوا مع الشرطة وانبشوا علي عقابي نبش، ماتردون الا وهو وسط اهله.. أو.. تجدون جثمانه وتواروا عليه التراب لنعرفله طريق.. ولك اااااخ ياعقاب ياوليدي ورباية يدي وذراعي وظهري وعيني لو جرالك شي لندعس الكل تحت اقدامي وانسويها مجزرة ماتمت من قبل.
كاد أن يغلق رابح المكالمة وأبعد الهاتف عن اذنه فاتاه صوت هلال الذي إختطف الهاتف من ابيه وصرخ برابح:
- الله لا يوفقك يارابح إنت وسالم، ليش تركتوني ومااخذتوني معكم، ليش ما نكون معاكم وانتم تبحثون عن عقاب، مو هو رفيقي متلكم، ما ترأفون بحال احد انتم، بس يلا بسيطة انا بروحي بجى ولا الحوجه ليكم، بس خليها بروسكم وتذكروها زين.
انهي كلماته واغلق الهاتف، ونظر لتلك التي تجلس دون حراك منذ سمعت الخبر، وكأنها تصنمت وتجردت من الحياة، وتحجر الدمع في عينيها فلا هو المنساب ولا العائد لمجراه، وكان حالها يُغني الناظر عن سؤالها، فكيف لها أن تخسره وهي للتو فازت به بعد معارك ضارية خاضتها بمفردها، كيف لعقابها أن ينتهى بهذه الطريقة بمجرد أن حلق في سماها وأصبح لها وكانت تضرب الهواء بأجنحتها طوال الوقت كي تتعلم الطيران وتحلق معه بعيداً حيث لا قبيلة ولا عادات وتقاليد ولا سالم وغيره يستطيعون الوقوف أمام احلامها معه.. أيعقل أن ينتهي كل شيئ قبل البداية وتعود ريما لمأساتها القديمة؟
هزت رأسها رفضاً ودفنت وجهها بين يديها وشهقت بالبكاء وهي تتخيل القبيلة والصحاري وحياتها من غيره، وما كان من قصير وهلال إلا أن غادرا الخيمة، فبالرغم من ان حكم الشيخ منصور نفذ، إلا ان قصير للآن غير راض بما حدث في سالم على يد إبنته، وكلما رأها مع عقاب تذكره وسخط عليها، فبالرغم من حبه الشديد لعقابه وتعلقه به إلا أنه كان على قناعة تامة بأن رجوه إبنته لا يناسبها ويتناسب مع طباعها سوى سالم، فهو من ربى وهو الاجدر والادرى بها، وهو الوحيد الذي سيتحمل طباعها السيئة، أما عقاب فهو الإختيار الخاطئ، والغلطة التي ستكلفها كثيراً، هذا إن كان لازال فى هذه الدنيا حي يرزق.
غادر هلال إلى القاهرة متجاهلًا لمحاولات ابيه بإقناعه بالبقاء وبأن سفره لا فائدة منه، ولكنه كحال كل مُحب لا يستطيع البقاء بعيداً وهو يعلم إن رفيق دربه في خطر ولا أحد يعلم عنه شيئ.
❈-❈-❈
ويش فيك يامزيونه كل مافتحتي فمك سالم وسالم، ويش قصتك أنتِ مع سالم؟
- اسرك ولا تفشين السر؟
- اعتبريه بالبير القديم المهجور سرك يامزيونه.
- انا انحب سالم.. انحبا من زمااان كتييير من وقت الكنا ولاد صغار، بس هو مايوم نظر ولا شاف غير رجوه، كنت اظنه مستحيل وياما دعيت ربي بجوف الليل إنه يبدل المستحيل ويجعلا بالإمكان، وقت كنت انفيق الصبح نضحك على حالي وانقول ويش هادا اللي قضيت ليلي ندعي بيه، وكيف ندعي بشي ماراح يصير، ونرجع ونقول الله يهنيه يارب مع رجوه ويهنيها معه. بس توا كأن ربي يقولي مافي شي مستحيل على ربك، مو أنت طلبتي مني سالم، هاك هو سالم.. بعدتلك رجوه عنه وصار طريقك خالي.
- يعني ايش راح تسوين توا؟
- أول شي هنعدي للكبيره، الشيخة عوالي نشكيلها المحبة والشوق وهي تشور عليا ويش انسوي.
..يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية