رواية جديدة عقاب ابن البادية لريناد يوسف - الفصل 25 الثلاثاء 2/1/2024
قراءة رواية عقاب ابن البادية كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية عقاب ابن البادية
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة ريناد يوسف
الفصل الخامس والعشرون
تم النشر يوم الثلاثاء
2/1/2024
دخلت مديحه الغرفه وأغلقت الباب خلفها، كانت تعلم انها تموت، علمت بامر السم من أول رشفة ولكنها أكملت، فهى لم تجد فى الدنيا ماتحاول البقاء من أجله، اكتشفت ان عالمها كله يدور حول شريف والآن مع خسارتها له خسرت كل شيئ، لم تعد الاموال ولا الأملاك تعنيها، ففى اللحظة التي رأته يتأبط غيرها وفى احشائها قطعة منه، في اللحظة التي انتظرت منه إلتفاتة ولم تحصل عليها تأكدت أن عالمها كله إنهار ولم يبقى منه سوى ركام.
فذهبت لخزانتها وأخرجت صندوقها الأزرق المخملي وفتحته واخرجت منه أجمل ماعاشته مع شريف ووثقته بالصور.. إفترشتهم على تختها وبدات تتأملهم واحدة واحده وهي تبتسم وامسكت الاحب لقلبها من بينهم وقربتها من فمها وقبلتها مرة بعد مرة حتى ابتلت الصورة بالدموع، واستلقت في النهاية فوقهم واحتضنت منهم ماطالته يدها وهي تشعر بأن شيئ بدأ يعتصر قلبها ويكتم أنفاسها فعلمت انها النهاية، فأغمضت عيناها بإستسلام للموت لم يسبق له مثيل.
اما فريال فكانت تواجه موتاً من نوع آخر كانت تختنق وهى ترى إبنتها تصارع الموت، تحاول الصراخ ولكن صوتها حُبس داخل احبالها الصوتية ولم يجد سبيلاً للتحرر، ضمتها إلى صدرها وأخذت الصغيرة تدفع الهواء بقدميها وهي تحاول التمسك بالحياة وفي النهاية سكنت حركتها وتراخت أطرافها وهنا تحررت صرخة فريال، وقبل أن تنتهى كانت فاطمة اختها تقف فوق رأسها شاهرة إبرة كبيرة ذات رأس طويل لم يحدث ان رأت فريال مثله من قبل، بداخله سائل أصفر وقامت بغرزها بكامل قوتها في قلب الصغيرة ودفعت مابداخلها مرة واحده، ثم اخذت بعدها تنعش كارمن لفترة من الوقت إلى أن شهقت كارمن وبدأت الرغاوى الصفراء تخرج من فمها وانفها، وهنا كفت فاطمة عن الضغط على قلبها وقامت بقلبها علي بطنها ووضعت إصبعها داخل فمها وأجبرتها على التقيوء، ثم بدأت في تركيب كانيولا في يدها لتعطيها المحلول الملحي المضاف إليه باقى الترياق.
ونجت كارمن من براثن الموت، ولكن فريال هي من اخذت مكانها، فقد بدأت تختنق هى الأخرى، وقلبها أوشك على التوقف لولا تدخل اختها في الوقت المناسب وإعطائها الدواء المناسب.
وخرج الموت من القصر بروح مديحة فقط ونجت كارمن وأمها منه.
اما عند آدم وأمه.. اليوم تلقيا المكالمة التي ردت بهم الروح، والتي كان مفادها أن محمود قد استيقظ من ثباته واستفاق من غيبوبته، وأخيراً عاد الضوء لعينيه وأبصر العالم، وكأن مديحة بموتها افسحت له مجالاً للحياة.
بكت عايده كثيراً، وحمدت الله كثيراً وحاولت السجود رغم كل مافيها فلم تستطع السجود إلا بعينيها. ولكن قلبها سجد لله ألاف السجدات.
أما آدم ففرحته بعودة ابيه للحياة ورجوع العافية اليه كانت تعادل العالم.
وخاصة حين تحدث معهم محمود في الهاتف واخبرهم بأنه بخير الآن، وكان البكاء سيد الموقف، واخبرهم الشيخ منصور بأن محمود قد تحددت له عملية جراحية بعد شهر، بعد أن يطيب كلياً من كسوره وجروحه ويصبح جسده قادر على تحمل المزيد من الألم.
فقررت عايده اللحاق به فور أن تستطيع المشي لتكون بجانبه،وآدم ايضاً قرر الذهاب معها وعدم تركهم يغيبان عن عينيه مرة اخرى.
أما بخصوص محمود وعايده من الناحية القانونية فقد ابلغ يحيي الشرطة عن غيابهم وفقدانهم فى نفس اليوم الذي دفن فيه اخته مديحه.. والتي حين علم مافعلته بإبنته لم يذرف عليها دمعة واحدة ولم يشعر تجاهها بذرة ندم او شفقة، بل اخبر زوجته بأنها لو لم تفعل هي ذلك وتسممها لفعلها هو بنفسه وسممها بيده نظير مافعلته بإبنته.
اما فاطمه فكانت جالسة تراقب الأوضاع وترى الساحة تخلوا من اللاعبين واحداً تلوا الآخر، وتنتظر اللحظة المناسبة لنزول الساحة وإقصاء من تبقى.
نظرت لأولادها "كاظم، وقاسم، وحياة" وهم يلعبون، ورأت الاختلاف بينهم وبين أولاد اختها فريال، فقد كانوا اولاد اختها مثالاً للطبقة المخملية في كل شيئ، مظهرهم وتصرفاتهم وحتى طريقة حديثهم، واولادها كانوا متأثرين بالبيئة الريفية التي تربوا فيها والتي كانت تحاول جاهدة الا تتركهم ينخرطون فيها، ولكن بحكم عملها وساعات الغياب، وبحكم انهم محاطون بعائلة ابيهم المتخلفة من وجهة نظرها لم تستطع.
فقررت ان تقتلعهم من وسط هذه البيئة وتنقذ ما تبقى منهم وتحولهم للشاكلة التى طالما تمنت إن يكونوا عليها، ولم يكن هذا ليحدث لو بقيت هناك فى البلدة.
أما في الباديه..
محراب:
- ياعمي قصير مارديت علي بخبر ولا قلتلي ويش رأيك وافقت على مطلبي ولا ماوافقت؟
قصير بحيرة:
- والله يامحراب مانعرف ويش انقولك، انت صح رهنت معزوزه مني بس رابح بنفس الوقت رهنها من الشيخ منصور، وانا عطيتك كلمه وهو عطى كلمه وما نعرف كلمت من فينا تنزل الأرض، وتوا الشيخ منصور قال الأمر اصبح بيد معزوزه وهي تختار بين ولاد عمها واللي ترتاحله وتقول ودي هاد تصير من نصيبه.
محراب:
- ويش هاد ياعمي ومن ميتا البنات ليها شور وقول، صرنا حضر احنا ولا ايش ، انا اللي نعرفا ان الراي والكلمه بيد الرجال واللي ينقال بمجالس الرجال يكون سيف على رقاب الحريم.
قصير:
- لو رهنتها ومافي حدا سبقك لها كنت عطيتك من غير الرجوع لاي حدا، لكن هيك الامور صارت. ووججت روسنا،بسباك انا اول مرة نصبي اقبال عمي وشيخي
محراب:
-يعني اللي نفهما توا ان ماعادلك كلمه. بالموضوع ياعمي؟
- والله ياوليدي خرجت كل الامور من يدي وصارت بيد الشيخ منصور .
- اي بس انت تقدر تميل الدفه صوبي صح ولا لا.
- يصير خير يامحراب، بس يعاود الشيخ وكل شي يصير سهل.
وعند رجوه وسالم ورابح:
رجوه:
- ياسالم ودي نطلب منك شي بس انخاف تخجلني. وتردني خايبه
- ومن متى انا انخجلك وقت تطلبي أو انأخر عنك شي يارجوتي؟
-طيب انا ودي تاخذني معك المره الجايه للحضر بس تروح لآدم وامه، انريد أنشوف الشوارع والناس وودي اشتري واااجد حاجات.. انا معاي قروش محوشتهن وانريد نصرفهم كلللهن.
- اول شي ابشري هناخذك معاي من عيوني، وتاني شي ليش تشتري من قروشك عزيت عنك شي انا ولا منعت عنك شي طابت عليه نفسك بيوم؟
- لا والله ويشهد ربي انك احلا سالم بكل الدنيا واطيب حد بالقبايل كلها، بس انا انريد انجيب شي لاختي معزوزه ويكون من قروشي، ودي انفرحها بشي من عندي كيف ماهي دوم تفرحني.
- وباقي إخواتك يارجوه؟
-جاهن خوت يخوتهن مانجيب لحد شي، انا اختي بس معزوزه والباقيين مالي علاقه فيهن، البنات بعيدات عني ومايحبوني وهلال انت تعرف اللي بينا كيف اللي بين الحرامي وصاحب الديار المسروقه وشايف سريقته مع الحرامي وماقادر يتكلم.
-خلي بقلبك حِن يارجوه علي خواتك هم مالهم ذنب.
- اي وانا مالي ذنب، وياسالم اذا ماقفلت ع هالحكي انا هنمشي ولا انريد انعدي للحضر ولا نشتري شي ولا نجلس معاك من الاصل. وهاه يلا سلام.
- ارجي هنا يامهبوله وين رايحه، انا بس نحكي معاك لا تتعفرتي ولا تتركيني وتمشي مهما جرا فهمتي ولا لا، ولو اتكررت الفعله راح تشوفي من سالم وجه تاني ماتحبيه يارجوه سمعتي؟.
- والله سالم ماعندو وجه تاني ولا تالت، سالم ماعنده غير وجهه السمح هاد اللي بعمره مايقسى ولا يعرف الجفا، فلا تمثل القسوة ياسلومتي.
هى نطقت "سلومتى" وانهارت حصون سالم ونظر اليها بوله وأومأ لها وهو يتبسم، فضربه رابح بالعصا التي بيده على راسه وهو يقول:
- اي قالت سلومتي وانتهي كل شي اقفل ضبك ضيعت الهيبه وجع بطنك.
رجوه:
-جاك ضربه تفلقك ياغضيب لا تضرب سلومتي وإلا وربي اندقلك راس معزوزه وتصير راس براس، إلا سلومتي ماحدا يزعله ولا يمد يده عليه.
- ماتعصبي يانبض سلومتك وروحه،الكل فدا نظرة عالعيون
هلال:
الله ياخدك وياخد سلومتك، والله لنقول لبوكي انك تتسهوكي وتتمايصي ياسايبه وتحكي سلومتي وسلومتي.
سمعت رجوه ماتفوه به هلال ونظرت اليه نظرة اسد مفترس، وتحركت نحوه ببطئ، فهب سالم يمسكها قبل ان تصله، ولكنها كانت كالسهم الذي انطلق، فقفزت على هلال وأبرحته ضرباً، ومها حاولا رابح وسالم ان يخلصاه منها لم يستطيعاً إلا عندما تركته هي بكامل إرادتها، وقالت له وهي تتطلع عليه وهو يبكي:
- اي إبكي كيف البنات ياابن امك ياولد مكاسب، والله والله اذا بيوم عملت شي وقلت عليه لأمك او لبوك لننتفك نتف. ونجرجرك على شوك الوادي وقتها مارح يحلك مني لابوك ولا امك ولا القبيلة كلها
اخذ رابح هلال وابتعد ، بعد ان نظر الى سالم وقال له:
-وربي راح تاخذ مكلوبه وراح نصحى بيوم نلاقيها واكله لحمك وعم تقرقش بعضامك ووقتها لا عزا عليك ولا زعل، لانك انت اللي جبتا لروحك.
وحين ابتعد رابح بهلال أخذ يفهمه بان رجوة أصبحت في حكم زوجة سالم وهو المسئول عنها ولا دخل لأبيها أو لأي شخص آخر بينهم، وطلب منه الا يخبر رجوه بذلك، وليتأكد من ابيه إن أراد.. ولا يتعرض لرجوه مرة اخرى وإلا سيلاقي نفس المصير في كل مرة إن لم يتجنبها.
ومنها لم يعاود هلال الإحتكاك برجوه أو محاولة الإعتراض علي شيئ تفعله، فقد اخبرته بطريقتها ما الذي تستطيع فعله به.
❈-❈-❈
مرت الأيام، وإستطاعت عايده ان تتحرك بمفردها، كل هذا وآدم نصب عينيها لا يغيب الا قليلاً ويعود لها سريعاً يقوده شوقه، فتأخذه بين أحضانها وينهل مما حُرم منه سنوات حتي يرتوى، وهى ايضاً تشبع من قربه حتى ترتوى صحراء روحها التي تشققت عطشاً لسنوات عديدة، وها هي عادت تنبت من جديد مع عودته لها.
قررت السفر لمحمود وأنهى لها قصير كافة الأوراق المطلوبة، أما بخصوص البلاغ الذي قدمه يحيي عن إختفاء اخيه وزوجته فتم البحث والتحقيق فيه وأُعتبر محمود وعايده من المفقودين، وسيتم إعلانهم اموات بعد المدة التي تحددها المحكمة،نظراً لأنهم أُعتبروا مفقودين في ظروف غامضة.
ورفض الجميع رفضاً تاماً سفر آدم مع أمه، فلم يأمن منصور إنتقاله وسفره وبقائه في ايران بمفرده دون حماية قصير، فحتى لو كان عقاب الآن فهو عقاب صغير ولم يكتمل نموه ليحلق مجتاذاً للبلدان وحيداً دون أن يكون وسط سِرب يحميه.
وبعد وصول عايده لإيران وإطمئنان آدم عليها وإطمئنانهم الأثنين على محمود تحدد موعد العملية، وقبلها قام آدم بمهاتفة امه واخبرها بأن هناك جهاز طُرح منذ فترة فى الاسواق إسمه الهاتف المحمول، طلب منها شراء واحد وشريحة وهو سيفعل بالمثل ويشتري واحداً، وبهذا سيسهل التواصل بينهم في أي وقت، وفور ان اخبر عايده بذلك أرسلت في طلب الهاتف على الفور واخذت ثمنه من الشيخ منصور، وطلبت منه إحصاء جميع ماصرفه لترده له فور عودتهم للقاهرة، وهو قال لها ان هذا بينه وبين محمود ولا دخل لها به.
وتمت العملية اخيراً وكان آدم مع أمه لحظة بلحظه على الهاتف، وسأل منصور الأطباء عن العملية وقالوا له أن العملية ليست كل شيئ، وهناك علاج فزيائي لا يعلمون مدته، ولكن نجاح العملية لن تنجح من دونه.
ومنها تقرر بقائهم في إيران وعودة منصور للباديه وترك عايده مع محمود لحين إكمال علاجه، وبقى الوضع كما هو عليه لحين عودة محمود سليم معافى، وحتى يتم آدم جميع علومه ويعود معهم ليحيي وتبدأ المواجهة ويبدأ إسترداد الحقوق.
❈-❈-❈
وبعد مرور ثلاثة اعوام..
عايده بفرحه:
- خلاص ياآدم، خلاص ياحبيبي راجعين انا وأبوك، خلاص هرجع آخدك فحضني تاني.
إختطف محمود الهاتف منها واردف بصوت باكي:
-لا مش هسيبه لحد غيري، انتي حضنتيه وشبعتي منه انا محضنتهوش ولا شميت ريحته زيك، انا اللي هاخدك فى حضني ياآدم ومش هسيبك مره تانيه.. انا راجع ياآدم، راجعين يابنى وهنتجمع مره تانيه.
وهنا إنتفض قلب آدم ودقت بداخله طبول الفرح، فها قد حانت اللحظة التى طالما إنتظرها، وهذا هو الخبر الثاني المفرح في هذا العام بعد دخوله كلية التكنولوجيا والحاسبات، التخصص الذى كان يحلم به وهو الشيئ البارع به أيضاً، وانتقل آدم في الفترة الاخيرة من البادية للحضر وأقام هناك بالقرب من جامعته، وأصبحت عودته للبادية فى الأجازات وعطل نهاية الأسبوع، وفي هذه الفترة تغيرت أشياء عديدة، فلا عادت الأطفال أطفالاً، ولا عادت القلوب على ماشبت عليه.
..يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية